
رواية حبيبت عبد الرحمن الفصل الحادي عشر11والثاني عشر12 بقلم سلوي فاضل
ذهبت بسمة لحبيبة ولحق بها محمود بعد أن أنهى عمله، ولم يستطع منع نفسه من سؤال حبيبة عن زوجها.
- أيه المشوار المهم اللي ما قدرش يأجله؟ وأنت تعبانة كدة بسبب مامته.
نظرت اليه وبتوتر تحدثت وصوته بالكاد يسمع:
-مش عارفة، قال مشوار مهم وهيتاخر شوية.
-يعني ما قدرش يأجله كام يوم.
ازداد تورترها ولم تجب، وتحدثت بسمة:
-عادي يا محمود ما احنا معاها اهو، وهو ما تاخرش عنها الأيام اللي فاتت وأكيد حاجة مهمة اللي اخرته كده.
- أنا هتصل اجيب أكل أكيد طبعا مفيش اكل هنا.
اجابته بسمة ولامته بنظراتها:
-قال لحبيبة هيجيب اكل معاه عشان ما اقفش أنا أو هي ونعمل حاجة عايزها ترتاح.
تبادل محمود وبسمة النظرات لثوانٍ وكانت حبيبة في شدة توترها.
لم يمضي الكثير من الوقت ووصل عبد الرحمن يحمل أوراق كثيرة، وتحدث معتذرًا
-معلش تأخرت عليكم استاذنك يا بسمة تحطي الأكل بس وأنا ثوانِ اغير هدومي واجي.
كادت حبيبة ان تتحرك فوضع عبد الرحمن كفه على كتفها
-خليكِ مرتاحة .
اجتمعوا يتناولون الطعام في صمت متوتر قطعه محمود بسؤاله.
-أخبار مذاكرتك أيه يا حبيبة؟ هتعملي أيه في الأيام اللي ما روحتهاش دي؟
نظرت إليه وتضاعف توترها؛ فضيقه وغضبه ظاهران جلياً، لا تعلم أيشعر بهما عبد الرحمن أيضًا انتبهت على كف عبد الرحمن يطمئنها ويجيب بدلًا عنها.
- ما تقلقش يا محمود حبيبة كانت دايما بتذاكر ومنتظمة في الحضور، الأيام اللي غابتها أنا تصرف فيها.
أجابه بتهكم:
- كنت بتحضر مكانها ولا عندك واسطة وسجلوها حضور وهي هنا!
تبادلت حبيبة وبسمة النظرات ثم ثبتتا نظريهما إلى محمود، ارتجفت حبيبة توترًا، مجرد تواجد محمود رفقة زوجها يوترها، وهذه المرة سيطر غضب محمود واحتد على عبد الرحمن بالحديث، أما عبد الرحمن فقد استاء من طريقة محمود ونبرته وتجاهل طريقته ملتمسًا له الأعذار:
-لا دي ولا دي، وده اللي اخرني؛ طلبت من الدكتور إجازة مرضية لحبيبة واخدتها إمبارح وقدمتها في الكلية النهاردة، وصورت لها المحاضرات وجبت لها الأوراق اللي نزلتها لهم الدكاترة، الأوراق اللي رجعت بها تخصها.
لم يتوقع محمود فعله، ظهر اندهاشه جليًا وتملكه الحرج، اصطنع عبد الرحمن تناول الطعام ثم نهض.
-الحمد لله، البيت بيتكم يا جماعة
دخل غرفته؛ فتحدثت بسمة تلوم زوجها:
- ليه كده يا محمود احرجته جدًا.
- بطمن عليها، كمان مش باين انه مهتم افتكرته سابها وراح يصالح والدته.
تبادلت بسمة وحبيبة نظرات مستفهمة ثم راقبا محمود وسألته بسمة:
- يصالحها ليه؟ هما متخانقين؟
- وهو نازل يومها زعق معها جامد عشان حبيبة، وفي الآخر قالها ان حبيبة مش حتدخل بيتها تاني مهما حصل.
ادمعت حبيبة احقا فعل هذا من أجلها تعلم كم يحب والدته! ولم يعتب عليها يومًا أو يلومها، اشفقت عليه مما يتعرض له من اجلها، فدخلت إليه وتحدثت بسمة من جديد.
- حرام عليك يا محمود الراجل مقطع نفسه عليها وأول مرة أسمع أنه زعل مع والدته.
- مش عارفة يا بسمة كنت متضايق منه من الصبح بره، ما يقول إنه رايح جامعتها ويبين اهتمامه.
- وهو المفروض يقول لك كل حاجة يعملها، غير أنك دايما تتكلم معه كأنك تحاسبه، وأكيد ده يضايقه ومش لازم يشرح كل حاجة يعملها، يا محمود براحة شوية أنت بطريقتك دي بتعمل بينهم مشاكل، وبتوتر حبيبة دايما بشوفها قلقانة، زي اللي داخله على امتحان خف عليهم شوية وافتكر إنه أكبر منك بـ٣ سنين، فين عقلك اللي يوزن بلد! ليه تيجي عنده وتتغير؟! طول عمرك تراعي مشاعر الناس وتنتبه لكلامك.
-والله أكبر أصغر من حقي أخاف على أختي وما حدش قاله يناسبني، ده غير إني مش عيل يعني، وما أعرفش ليه كل ما أتكلم معه أحس اني متحفز وعصبي.
-اهدي يا محمود مش خناقة هي وطيب خاطرهم لما يطلعوا.
بداخل الغرفة كان عبد الرحمن جالسًا على الكنبة جلست حبيبة بجانبه تنظر إليه بحب واحترام وانسابت دموعها فاقترب منها ومسح دموعها .
- مش زعلان، ما تعطيش أنا عارف أنه قلقان وخايف عليكِ وبحترم فيه ده.
ضمها إليه أخذها بين ضلوعه كأب حانٍ على طفلته و ربت على ظهرها ثم قبل رأسها.
- تعالي نخرج لهم مش معقول نسيبهم بره عيب، وبطلي عياط لحسن يفتكر إني ضربتك المرة دي - فضحكت حبيبة – أيوة كدة يلا بينا.
أخذ يدها وخرجا لهم، كانت بسمة رتبت مكان الطعام واعدت الشاي.
جلس الجميع وتحدث محمود:
-اسف يا عبد الرحمن لو ضايقتك.
- أنا مقدر خوفك عليها، كلنا توترنا جدًا اليومين اللي فاتو، أنا عايزك تتأكد إني عند وعدي حبيبة حتكمل السنة وإن شاء الله تنجح بتقدير كمان .
-إن شاء الله.
تبادلوا حديث تقليدي لبعض الوقت حتى انصرف محمود وبسمة
- حبيتي إن شاء الله من بكرة نرجع نذاكر تاني وأنا أساعدكِ في المواد النظري وألخص لك الجزء اللي فاتك وأشرحه لك كمان مش عايز اللي حصل يأثر عليكِ ، تعالي ارتاحي بقي عشان ما نتعبش تاني نشحن لبكرة عشان نقدر نذاكر .
نظرت حبيبة إليه بحب وإعجاب متزايد؛ فبالرغم من يقينها من حبه لها إلا إنها لم تتوقع يصل لهذه الدرجة، شعرت بمدي خوفه عليها، ودب بها احاسيس مختلطة بعضها متضارب من بينهم الخوف؛ فإن كانت سبب خلاف لينه وبين والدته فيمكن أن يكرهها مع الوقت ويبتعد عنها وهو إليها بر الأمان، محمود سندها وحمايتها ، لكن عبد الرحمن هو البر الآمن، بستانها المزهر هو حضن دافئ لها تتقبل أن تنتهي حياتها على أن يتركها ويبتعد عنها، إن حدث ماتت قهرها، ارتجف قلبها لتلك الفكرة متسائلة: أيمكن أن يكرهها يومًا؟!
مر الوقت تعافت حبيبة ولم يتركها عبد الرحمن حتى أنهت كل ما تأخر عليها بالجامعة وانتظمت بكليتها مرة أخرى.
طوال الفترة السابقة تتجاهله حافظة وكأنه بلا قيمة بحياتها استمر خذلانه منها، قلبه يؤلمه حقا، لم يستطع هو تحمل الجفاء بينهما؛ فاتصل بها وذهب إليها، وبعد حديث طويل بينهما وعدم اعترافها بسوء ما فعلت، تحدث عبد الرحمن ينهي الجفاء بينهما.
- يا أمي مش عايزين نقف عند اللي حصل، أنتِ مش مقتنعة بكلامي، وفي النهاية الكلام مش هيغير اللي حصل لو أنت تحملتِ إنك تبعدي فأنا ما قدرتش، بعدك وعدم سؤالك وجعوني وتعبوني أكتر من اللي حصل، أنتِ أمي وحفضل ازورك ومعَكِ في أي حاجة تطلبيها مني لكن حبيبة بعد اللي حصل مش حتدخل هنا إلا لو حسيت فعلًا إنك فتحتِ صفحة جديدة معَها، المرة اللي فاتت كانت حتموت من البرد، سيبتيها في المطر والبرد12 ساعة وأسألك تقولي خرجت وأنت حبساها في البلكونة، أنا انصدمت يا أمي ما كنتش أتخيل إنك ممكن تكرهي حد لدرجة الموت.
- بعد أسبوع جاي تقطمني وتحاسبني عشان المحروسة، المفروض بقي اعيط وأقول لك إني غلطانة وسامحني، واضح إنك بقيت تتفرج على التلفزيون كتير! اصحي يا عبد الرحمن كده وركز دي بعد شهرين تلاتة تسببت في مشكلة بينا، شوف بقى لو طولت عن كده هيحصل ايه؟
تَنَهد بيأس:
- أنا لازم أمشي دلوقت، لو احتاجتي أي حاجة قبل ما اجي كلميني وكل يومين هاجي أقعد معاكِ وأشوف طلباتك عن أذنك.
أقسمت حافظة أن تبعد بينهما، حاولت بكل طاقتها أن تهدم ما بينهما من تفاهم، وتستبدله بخلافات ومشاكل، لم يعبأ عبد الرحمن بما تقول؛ فباتت تضغط عليه توبخه وتقسو عليه مرة وتتقرب منه وتدلله مره؛ فأحيانًا تتصل به تطمئن عليه وأخرى تصرخ به، وتارة تبكي وتتهمه بالجفاء، حالتها تلك ارهقته واستنفذت طاقته بشكل كبير، علاوة على محاولته ألا يعود بتلك المشاكل ليبعد حبيبة عنها، لم يحكي لها شيء منها.
محاصر بين أفعال والدته حافظة وبين ظنون محمود واتهاماته المستمرة؛ فشكل ذلك ضغط نفسي شديد عليه وتأخرت حالته الصحية، بات يشكو من صداع دائم لا يزول بالأدوية أو المشروبات، طلبت منه حبيبة مرارًا زيارة الطبيب، لكنه لم يسمع لها، ويعيد على مسامعها نفس الكلمات والمبررات.
- أنا كويس، يمكن بس ارهاق أو مش بنام كويس، المهم أنت ركزي في امتحاناتك، نفسي الوقت يعدي وتخلصي، المهم عايزين تقدير مش نجاح وخلاص.
- يا عبد الرحمن ريحني أنا خايفة عليك أنت ما تعرفش بحس بأيه وأنت تعبان، ببقى هموت من القلق، ما تقلقش على مذاكرتي والله بذاكر كويس، كفاية إنك بتكون جنبي وقت المذاكرة، ما تعرفش وجودك جنبي يطمني ويشجعني إزاي، تعالي نروح قبل ما تبدأ الامتحانات.
- لأ، أقول لك، ناجل الكلام لحد الامتحانات ما تخلص.
-الامتحانات بتفضل ثلاثة أسابيع حتفضل تعبان الفترة دي كلها – ارتمت حضنه- يا حبيبي أنا بترعب لمَّا تتعب، بحس أني عاجزة، بالله يا حبيبي ورحمة باباك تعالي نروح للدكتور.
أجابها بضيق من إلحاحها ومن شدة تعبه وعدم قدرته على الجدًال يكفي جدًال والدته فبدا وكأنه ينهرها:
- خلاص يا حبيبة بعد امتحاناتك نشوف.
انتفضت من نبرته ومن التعب البادي عليه وعصبيته:
- خلاص يا حبيبي ماتضايقش أنا اسفة، مش عايزاك تتعب.
تحدث وهو يغلق عينه ليتحمل الألم:
- ما تخافيش يا حبيبة وآسف عشان اتعصبت، الجدال بيتعبني .
طول فترة الامتحانات لازمها عبد الرحمن، يشجعها وقت مذاكرتها وأجلا جلسات السمر، كما اهتمت به حبيبة ولم تنشغل عنه، بل حرصت على الإكثار من المشروبات المهدئة للضغط ووفرت له جو هادئ، ومع انتهاء الامتحانات عادت تلح عليه لزيارة للطبيب، وكالعادة تهرب عبد الرحمن وظل يأجل، تملكها الخوف عليه وعلى صحته وما زاد خوفها وعذابها هو شعورها بأنها سبب مرضه وتأكدت حين استمعت لمكالمة دارت بينه وبين والدته.
- السلام عليكم أزيك يا أمي.
-....
- مش متضايق بس تعبان.
-....
- صداع مستمر طول الوقت.
-....
- كشفت من كتير وقال ضغط وغير الأدوية كذا مرة.
- ....
- يا أمي تعبان والله!
- ....
- خلاص، هاجي حاضر.
- ....
- لأ يا أمي، مش هتيجي معايا أنا بس اللي جاي.
صرخت به ووجهت له الاتهامات لدرجة جعلته يبعد السماعة عن أذنه حتى انتهت وأغلقت المكالمة غاضبة، وحين ذهب إليها وعاد وهو يكاد لا يرى أمامه من شدة التعب قوة الصداع، أيقنت وقتها إنها سبب ما يحدث له وما أصابه، وأنها سر تعاسته وألمه ومرضه أيضًا، يتحمل لأجلها فقط، سكنها الخوف والقلق والتوتر؛ فحادت عن التفكير السليم وتشوش تفكيرها.
بأحد الأيام بعد أن أديا صلاة الفجر معًا جلسا يتحدثان:
-حبيبي الامتحانات خلصت بقالها كام يوم تعالى نروح للدكتور، امبارح كنت بتتوجع من الصداع وأنت نايم.
رد بعصبية شدية:
-حبيبة، بلاش نبدأ اليوم كدة.
شعر بصداع شديد فاغمض عينه بقوة تنفس بعمق واسترسل ببطيء:
- ما تفتحيش الكلام ده تاني، ممكن؟
ارتعبت بشدة وتصارعت دقات قلبها؛ فهو لا يظهر تعبه أبدًا.
- حاضر، حاضر، مش حتكلم فيه تاني حاسس بأيه؟ مالك طيب؟ أعمل أيه قولي.
حاوط كفها براحتي يده وحاول أن يبدو جيدًا:
- ولا أي حاجة، أنا بخير، حاسس إني بحبك قوي.
ابتسمت لحديثه بالرغم خوفها وتوترها.
اتصلت به والدته بوقت عمله، وهي في شدة تحفزها ، تحدثه بنفس الكلمات عن ذات الموضوع "حبيبة"، دخلا في جدالٍ عقيم ظلت تقسوا عليه وتتهمه بالجحود والعقوق واتهامات أخرى، حاول أن يظل هادئ قدر استطاعته وأن يتحمل ثورتها أملًا أن يأتي يومًا ترضخ فيه للواقع وينتهي جدالها، أما هي فكانت مُصرة أن تصل لأي نتيجة مهما كلفها الأمر، انتهت المكالمة وصموده أوشك على النفاذ، يكاد لا يري أمامه من وطأة الصداع، شعر بانتوائها لفعل شيئًا ما ولم يستطع تخمين ماهيته، نوي الذهاب إليها بمجرد أن يتحسن قليلًا فكان يشعر بإنهاك شديد.
مرَّ بعض الوقت ما لا يزيد عن ساعة، واستقبل اتصال من محمود، ولم يكن من عادته مهاتفته؛ فدائمًا يحدث حبيبة.
- عبد الرحمن يا ريت تيجي النهاردة بالليل عندي.
- خليها بكرة يا محمود محتاج ارتاح شوية.
-لأ، حاجة مهمة.
- تمام هاجي بالليل، أروح ارتاح شوية وأجي.
عاد للبيت وأخبر حبيبة عن ذهابه لمحمود مساءً يخيرها بين الذهاب رفقته أو انتظار عودته، وجمت وتسرب إلى قبلها الخطر:
- ليه يا حبيبي؟
- مش عارف! قال حاجة مهمة.
تحدثت ناهضة:
- طيب أنا حكلمه واعتذر
فامسك يدها وتحدث بضيق بيين:
- ليه يا حبيبة؟ أنا قولت له رايح لو عايزة تيجي تعالي، مش عايزة براحتك، أنا رايح.
-لا يا عبد الرحمن، مش حتروح.
- أيه يا حبيبة! أنت شايفاني صغير! يعني اتصل أقوله المدام قالت لي لأ مش هتروح.
تجمدت من طريقته وجلست محلها شاحبة الوجه:
- والله مش قصدي، أنت تعبان، أنا خايفة عليك!
- مش كل شوية تقولي لي أنت تعبان، أنت تعبان، خلاص عرفت إني تعبان.
ضغط براحتيه على رأسه واغمض عينه بقوة.
فاقتربت منه بلهفة:
-أنا آسفه، ما تضايقش، اخدت الدوا طيب؟
أجابها بأشارة نافية بأصابع يده؛ فأسرعت وأحضرته والماء
- تحب تنام شوية؟
- حنام ساعة كده.
- طيب تعالي يا حبيبي أنا حدخل جنبك.
بكت خوفًا، لا تعلم ما يمكنها فعله لأجله. وبالمساء ذهبا إلى محمود، ارتعبت حبيبة بمجرد رؤية محمود وشعرت بتحفزه، دعت الله كثيرًا أن يمر اليوم بسلام وأن يحفظ لها عبد الرحمن فكان محمود بقمة غضبه.
طلب محمود مِن بسمة أن تعد لهما مشروبا وطلب من حبيبة مرافقتها، فرفضت الاخيرة؛ فأجابها محمود بصرامة.
-أنا عايز اكلم جوزك، تفضلي.
- روحي يا حبيبة مع بسمة على ما أتكلم مع محمود، خير يا محمود، تفضل.
تركتهما تشعر بالسوء، متخوفة من حالة عبد الرحمن الصحية؛ فبدا عليه التعب بشدة.
- يا عبد الرحمن والدتك زودتها قوي، الصراحة أنا مش عارف هي إزاي كده!
- لاحظ إنك بتتكلم عن والدتي ، أنا عديت طريقة كلامك من شوية بالرغم إني ضيفك؛ قولت مضايق شوية لكن عند أمي يا ريت تتكلم بطريقة أفضل.
- يمكن عندك حق في العادي، لكن والدتك تصرفاتها غريبة، اتصلت بيَّ النهاردة وسمعتني كلام غريب جدًا ما يناسبش حد في سنها.
احتدت ملامح عبد الرحمن ونبرته، كان جالسًا فوقف وارتفع صوته:
- اتكلم عنها كويس بقولك.
ساقتها أقدامها إليهما فصرخ بها عبد الرحمن:
- مش قولت لك خليكِ بره!
انتفضت حبيبة وخرجت تبكي تراقبهما عن بُعد، وتحدث محمود بسخرية متسائلة:
-قبل ما تتعصب عليها وتزعق لها قدامي، شوف والدتك اللي قالت كلام يصغرك قبل ما يضايقني، والدتك اتهمت حبيبة إنها سحرت لك، وإنها ممشياك على هواها، وبتوقع بينك و بينها عشان تبعدك عنها، بتتهم اختي إنها سبب طلاقك لمراتك السابقة.
صدمة، ما تلقاه الآن لا يقل عن تلقيبه بصدمه، لم يتوقع أبدًا حديثها هذا، اشتد ألم رأسه واختل توازنه؛ فهبط على الكرسي جالسًا، اقتربت حبيبة تراقب وكاد قلبها يقف هلعًا.
عبد الرحمن بحزن شديد يبحث عن الكلمات التي قد تبرر ما فعلت: هي أكيد متضايقة جدًا، فخانتها الكلمات، يمكن عشان شديت معها بالكلام الصبح، أنا آسف على اللي قالتهوبعتذر بالنيابة عنها - ثم نده على حبيبة - حبيبة يلا حنمشي.
-لا يا ريت تسيب حبيبة هنا كام يوم.
- هو أي تحكم وخلاص! دي مراتي، وأنا بس أقول تقعد فين.
- أنا عارف إنها مراتك ودي كانت غلطتي خلص أمورك مع والدتك وبعدين تعالى خدها.
عبد الرحمن انفعل بقوة وعلا صوته: - بقولك مراتي وكلامي هو اللي يمشي عليها، وهتروح معايا.
كانت بسمة تراقب الأمر من بعيد ولمَّا احتدمت الأمور وأصبحت حبيبة بين شقي رحى تدخلت:
- استهدوا بالله، واستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، اللي بيحصل ده مش حيحل حاجة، معلش يا عبد الرحمن محمود معذور طنط كلامها يوجع وفي اتهامات لحبيبة ربنا يشهد إنها بريئة منها، وأنت كمان يا محمود هي والدته ولازم نلتمس ليها العذر، اهدوا وما تجوش على حبيبة، شوفوا واقفة مقطعة نفسها من العياط مقسومة بينكم.
اشفق عبد الرحمن على حبيبة وحاول النهوض، فقد توازنه وكاد أن يسقط فتمالك ذاته، ذهب إليها وكانت جالسة على السفرة فجلس بجانبها وامسك يدها
- ما تخافيش مش حسيبك أبدًا.
وتحدث معها بصوت خافت وبالمقابل تحدثت بسمة مع محمود.
-: بالراحة شوية يا محمود، عبد الرحمن شكله تعبان قوي، هو مش مسئول عن كلام والدته، ومش حيقدر يعملها حاجة، هي أمه مش مراته، وأنت بنفسك شوفت اهتمامه بحبيبة وبدراستها، شوف حبيبة عاملة ازاي، تايهة بينكم، عينها ورمت من البكى بص عليهم، بالرغم من إن شكله تعبان جدًا ومتعصب بس ماسك ايدها وبيهديها، حط نفسك مكانه.
- عمري ما حكون مكانه، أمه هي اللي عملت فيه كده مش أنا، أما حبيبة فأنا مش عارف أقول أيه! بصي أنت على شكلها، هي دي حبيبة اللي كانت هنا! شايفاها بقت إزاي! طول الوقت توتر ومشاكل.
- أنت عملت اللي عايزه، سيبهم يروحوا وتتكلموا بعدين عشان خاطري يا محمود.
فكر قليلاً:
- ماشي يا بسمة، أنا داخل جوه،
حسيبهم يعملوا اللي عايزينه.
بعد حديث طويل بين حبيبة وعبد الرحمن، تحدثت حبيبة برجاءٍ باكية:
- هكلم لمحمود ثوانِ قبل ما أنزل.
- مش عايزة تيجي معايا يا حبيبة؟
- لا والله! بس مش عايزة أنزل وهو زعلان مني، عشان خاطري يا عبد الرحمن!
ربت على ظهر كفها يطمئنها:
- ماشي يا حبيبة، واغسلي وشك ما تنزليش كده.
جلست أمام محمود خجلة منه، تخشي غضبه ما أن نطقت اسمه انخرطت في نوبةِ بكاء حادة، ثم استحلفته:
- ورحمة بابا وماما ما تزعل مني!
ولأول مرة تقبل يده وايترسلت:
- والله هو ما لوش ذنب! والدته هي السبب في كل اللي بيحصل.
اشفق عليها واختلطت مشاعره بين حزن وأسى، غضب منها؛ فلم يفهم موقفها توقع ان توافقه الرأي، نظر إليها بحنان ومسد على رأسها مغتصبًا بسمة مجبرة صغيرة؛ ليبثها الطمأنينة
-اعملي اللي شايفاه يا حبيبة.
ذهبت حبيبة مع عبد الرحمن ولم تستطع ان توقف دموعها، فعبد الرحمن منهك القوى، يداهمه صداع شديد استنزف باقي طاقته وشوش رؤيته؛ فترك سيارته وعادا سيرًا وكانت هي عكازه طوال الطريق، وهي توزع نظراته بينه وبين طريقهما يرتعد قلبها خوفًا وحسرة عليه، كل منها يحدث ذاته « ليه يا أمي تعملي كده؟! تصغريني تخلي حد أصغر مني يكبر عليا! يغلط فيكِ وفيّا، وما أقدرش ارد، ابص في وش مراتي ازاي؟ اقف أكلمك وأنا عارف اني شايفاني صغير ازاي! زمان بابا كان يعاقبني لما اغلط، وأنتِ بتعاقبيني عشان بطلت اغلط، ليه عايزاني آذي إنسانة حبتني بصدق، ما وقفتش قدام عيوبي وشافتني بقلبها، استحملت اللي عملتيه فيها وسامحت، أنت حتى ما سألتيش لحد النهاردة أنا روحت للدكتور ليه؟ ولا قال أيه؟ يا تري يا أمي شايفاني أصلا! ولا مش شايفة غير انتقامك من اللي حصل لك زمان! وتنتقمي من مين؟! »
«ليه يا طنط كده؟! أنا من وقت ما تجوزت بحاول أقرب بين محمود وعبد الرحمن، كده بعدت قوي، مش كفاية تعب عبد الرحمن، ده بيرجع من عندك كل مرة تعبان قوي، وأنا بموت كل لحظة وأنا عاجزة عن علاجه، وبخاف، بخاف قوي عليه، يا رب نجيه واشفيه يا رب! ما تخدوش مني، أو خدني معَه وريحيني من الدنيا اللي مش عايزاني أفرح أو ارتاح. »
طوال الطريق يراودها القلق وخوف، يتملكها هاجس حلول مكروهًا به، تشعر بمرضه ووهنه الذي يحاول جاهدًا تحمله، فكان مصفر الوجه، تعلم إنه لن يشكو، يتحمل مهما زادت وطأة الألم، وما زاد قلقها عليه طريقة مشيه وثقل حركته.
وبالبيت بدأ عبد الرحمن يفقد توازنه؛ فجلس على أول كرسي قابله.
-مالك يا عبد الرحمن تعالي نروح للدكتور، لا أنا اكلمه دلوقتي يجي.
رد بصوت متعب وضعيف:
-لا يا حبيبة أنا اخد الدوا وأنام.
- يا عبد الرحمن أنت تعبان بقالك كتير سبني اتصل بالدكتور يجي.
-خلاص يا حبيبة بكرة، بكرة.
حاول عبد الرحمن النهوض ولم يستطع؛ فساعدته حبيبة، وقف وحاول طمأنتها تحرك خطوتين، ولكنه لم يستطع التحمل أكثر فسقط أرضًا
صرخت باسمه وحاولت إفاقته دون جدوى؛ فاتصلت بمحمود منهارة بالكاد تتحدث:
-الحقني يا محمود.
- في أيه يا حبيبة؟ ضربك! قولت لك...
- حرام يا محمود، حرام، كفاية، عبد الرحمن وقع ومش بيفوق أنا خايفة قوي، الحقني بالله عليك.
-حكلم الإسعاف واجيلك ما تخافيش يا حبيبة.
فاغلق معها واتصل بالإسعاف كانت بسمة بجانبه فتساءلت بقلق شديد:
-في أيه يا محمود؟ مين تعبان؟
تحدث وهو يتخرك ليبدل ملابسه:
- عبد الرحمن فقد وعيه ومش بيفوق وحبيبة منهارة.
- قولت لك تعبان، شكله كان باين، وأنت ضغطت عليه جامد، وللأسف أول مرة تغلط في حد.
رد بعصبية وتوتر:
- خلاص يا بسمة ربنا يعديها على خير.
-طيب اجي معاك.
- والأولاد نسيبهم فين؟ مش ينفع، لازم انزل بسرعة.
وصلت الإسعاف ولازال عبد الرحمن فاقدًا لوعيه، تحركت حبيبة مع محمود خلف سيارة الاسعاف، وهي بأسوأ حالاتها، منهارة وصل خوفها لدرجة الرعب والذعر، شعر محمود بالذنب تجاه عبد الرحمن وتألم كثيرًا من اجلهما.
وبالمستشفى نقل عبد الرحمن غرفة العناية المركزة، أخبرهم الاطباء بارتفاع ضغط الدم بصورة مقلقة وكذلك نسبة السكر، واخبروهم باحتمال وجود جلطة وسيجرون بعض الفحوصات للتأكد وتحديد مكانها.
صدمت، لم تعد تحملها قدمها فجلست أرضًا بموضعها، تكرر كلمة واحدة.
-جلطة. جلطة يا رب يا رب سيبه، يا رب خليه.
-حبيبة مش كده قومي تعالي معايا لسه الدكتور بيقول لسه بيتأكدوا.
- مش قادرة والله يا محمود! مش قادرة، هو كان تعبان و بقالي كتير بتحايل عليه نروح للدكتور مرضيش مآجلها من قبل الامتحانات، والله تحايلت عليه والله! والله!
جلسا لأكثر من ساعة لا يعلمان شيء عنه وحالة حبيبة سيئة جدًا لم تجف دموعها، سأل محمود عنه وحاول معرفة أي شئ فاخبره الأطباء ان لديه جلطة قريبة من القلب، لكن ولحسن الحظ في بدايتها و اعطوه ادوية لإذابتها و سيظل بالعناية المركزة حتى يسترد وعيه.
- حبيبة اهدي بقي وبطلي عياط.
-خايفة قوي يا محمود، هما مش عايزين يقولوا تأكدوا ولا لأ ليه؟ هو حالته متأخرة قوي عشان كدة مش عايزين يقولوا! هيسيبني صح! ما تعبش كده غير بعد جوازنا.
-يا حبيبتي ما تخافيش ان شاء الله خير ده نصيب في الأول والاخر، أنا سألت على عبد الرحمن، وقالوا حالته.
التفتت اليه حبيبة وامسكت يده:
-قالوا لك أيه؟ عرفت حاجة؟ فاق يا محمود!
- اهدي بس، بالراحة كده هما حددوا حالته خلاص.
- وأيه يا محمود قول بالله، أنا مش قادرة، قول، هو تعبان قوي! صح؟
انتحبت مع كلمتها الأخيرة.
- أنت كده ممكن يحصل لك حاجة، على الاقل اهدي شوية عشانه، هو محتاجك.
-حاضر .
جففت دموعها وحاولت ألا تبكي:
- قول بقي.
-هو عنده جلطة فعلًا.
عاودت البكاء من جديد؛ فاسترسل:
- ما تخفيش كده، قالوا في بدايتها ويسطروا على الحالة، أول ما يفوق حينقلوه غرفة عادية، دلوقتي احنا وجودنا هنا مالوش لازمة.
-قالوا حيفوق امتي؟
-قالوا قريب، مش عارفين امتي. بس قريب.
-عايزة ادخل له يا محمود.
-صعب مش عارف ينفع ولا لأ؟
- بالله يا محمود قولهم أنا حعمل أي حاجة بس ادخل اشوفه.
- طيب حسأل.
-خدني معاك.
سندها محمود وذهبا قابلا الدكتور الذي اعترض على دخول حبيبة لشدة انهيارها، لكنه وافق بالنهاية تعاطفًا ورأفةً بها، ولشدة إلحاحها ورجائها.
دخلت حبيبة غرفة العناية المركزة وكان بها العديد من الأسِرَّة على الجانبين، يفصلهم ستائر خضراء اللون، ورائحة الأدوية تملأ المكان، كان منظرًا مخيف لها، يذكرها بذلك اليوم الذي دخلت فيه والدتها المشفى قبل وفاتها.
رفعت لها الممرضة الستار عن عبد الرحمن فراته وقد ركبوا بجسده العديد من الاسلاك، فوضعت يدها على فمها وحاولت التماسك ومنع نفسها من البكاء واقتربت منه قبلت راسه ويده، ثم همست بأذنه:
-حبيبي أنا هنا جنبك، مش حسيبك أبدًا، ما تسبنيش أنت يا حبيبي، أنا مش حمشي غير وأنت معايا، ما تتاخرش عليا، وحشتني قوي، حستناك بره مش حينفع أفضل هنا أكتر، وهحاول ادخل لك تاني.
قبلت يده بل وقدميه، ثم خرجت وانخرطت في بكاء حار، حاول محمود التهوين عليها.
-ما تقلقيش كده ان شاء الله يبقى كويس، تعالي نمشي ونيجي الصبح.
نظرت له والدموع تغرق وجهها:
- امشي ! أسيب عبد الرحمن لوحده وامشي! لا يا محمود ما اقدرش، بالله يا محمود سيبني! مش هاقدر امشي، بص أنا قاعدة هنا لحد ما يخرج، - فقبلت يده – عشان خاطري سيبني، ورحمة بابا وماما.
ضمها بحنان وربت على ظهرها:
-خلاص يا حبيبة حسيبك تقعدي وحفضل معاكي، ما تعمليش في نفسك كده.
جلسا أمام غرفة العناية، وضع رأسها على كتفة غفت قليلًا، فرأت بمنامها عبد الرحمن يناديها فانتفضت مستيقظة وفي أذنها صوته، استمعت لآذان الفجر؛ فتوضأت وصلت مر الوقت بطيئا عليها تدعي الله بكل ثانية أن يشفيه ويعود لها معافى.
بعد فترة طويلة استيقظ محمود ووجدها تحوب ذهابا وايابا أمام العناية تترقب خروج أي فرد من التمريض لتساله عن عبد الرحمن، فاقترب منها.
- احنا المفروض نكلم والدته تعرف.
- بلاش يا محمود أنا أصلًا متوترة وخايفة وأنت عارف طنط.
- عارف بس ده حقها، لازم تعرف.
أخذت شهيق عميق مرهق:
- أنا مش حأقدر، كلمها أنت.
وبعد قليل خرج أحد التمريض فسألتها عن عبد الرحمن.
-ضغطه نزل كتير وعملنا له تحاليل لسه النتيجة ما ظهرتش ان شاء الله خير ما تقلقيش.
حضرت حافظة سريعا ما أن علمت، ووجدتها فرصة ذهبية لتوبيخ حبيبة فأسمعتها أسوأ الكلمات:
- دي آخرة جوازكم أنتِ السبب، ارتاحتي كدة لما جبتي صحة ابني الأرض، أول مرة يدخل مستشفى بسببك، أنتِ شؤم عليه نحس، أعوذ بالله! جيتي وجبتي معاكِ المرض والمشاكل منك لله!
بكت حبيبة بانهيار وتانيب ضمير ورد عنها محمود
-لو سمحتي يا طنط، اللي بتقوليه ده مش صح، ومش وقته، عبد الرحمن في العناية من امبارح المفرض تدعي له مش بتتخانقي، وكفاية المستشفى اتفرجت علينا، ولو حد السبب للي حصل فهو حضرتك.
-لك حق تقول أكتر من كده ما هو راضي باللي تعملوه فيه وساكت، لما يفوق بس.
انهارت حبيبة وازداد بكائها فهي تشعر انها سبب تعاسته ومرضه حقًا. ضمها محمود هامسًا لها:
-كلامها غلط يا حبيبة هو هنا بسبب اللي هي عملته مش بسببك، اهدي.
لم تكن تستمع لحديثه تتردد كلمات حافظة بأعماقها وعقلها؛ فهي تشعر بذلك من البداية تؤنب نفسها ليلًا ونهارً تخشي الفراق أو أن يكرها حبيبها ويبتعد عنها، لكنها لم تكن تتخيل أن يمرض وتتاثر صحته بتلك الطريقة أو أنها قد تفقده إلى الأبد كل ما سيطر على عقلها هو أن يبتعد عنها وهو بأحسن حال يحيَّ حياة هادئة ،هو أبدى، تفقده هي ولا يفقد هو حياته.
وبعد قليل مر الطبيب وأخبرهما بتخسن حالته:
-ما تقلقوش هو استجاب للعلاج وضغطه نزل شوية والسكر بدأ يقل برده. واضح انه كان تحت ضغط أو توتر شديد، للأسف الاستهانة مع مرض الضغط ممكن يؤدي لكوارث، المهم أنه استجاب للعلاج حيفضل في العناية لحد ما يفوق ونتأكد إن الحالة استقرت بعدها ننقله غرفة عادية.
- حيفوق أمتي؟ هو في غيبوبة من إمبارح.
- ما اقدرش أحدد وقت معين، ممكن يفوق في أي وقت.
ثم تركهما الطبيب.
-أنا ماشية وجاية بكرة وجودي مالوش لازمة، واهو بدل ما أضايقكم!
تركتهما ورحلت فتحدث محمود مع حبيبة
-تعالي يا حبيبة نمشي، أنت شكلك تعبان قوي ونيجي بكرة.
حبيبة دون تفكير:
- لا يا محمود أنا مش حمشي غير وهو معايا مش حسيبه لوحده، روَّح أنت لمراتك وأولادك أنا حفضل هنا.
-اسيبك لوحدك! لا طبعا.
-لا يا محمود روح يا حبيبي شوية كده وروح ارتاح وابقي تعالي بكرة بعد ما تخلص شغلك.
ظل يفكر محمود ماذا يفعل وقد اشفق على عبد الرحمن لعدم اهتمام والدته وبنفس الوقت يشفق على حبيبة وهو متأكد انها لن تتركه حتى وان بقت والدته، ظل محمود معها حتى المساء ثم تحدث معها.
- حبيبة أنا حمشي دلوقتي، ومش حقول لك تعالي معايا، بس حاجي لك بكرة بعد الشغل ومعايا بسمة عشان تقعد معاكي، صعب عليا اسيبك لوحدك النهاردة بس عشان الشغل واطمن على بسمة والأولاد، ربنا يعديها على خير.
-ما تقلقش عليا ادعي لعبد الرحمن يا محمود، وما تشيلش همي.
تركها محمود وهو غير مرتاح و يشعر بالقلق وتأنيب الضمير.
مر الوقت طويل عليها ظلت به تقرأ القرآن وتدعو الله ان يأخذ بيده، تسال كل من تراه من العاملين عنه حتى اشفق التمريض عليها، وبعد ما تأخر الوقت، وهدأت الحركة جاءت إليها إحدى الممرضات:
-احنا شايفينك من إمبارح قلقانة وخايفة على قريبك هو يبقي اخوكِ.
اجابتها وهي تشعر بالضيق من فضولها: لا جوزي.
الممرضة: طيب تعالي معايا.
-على فين؟
- حدخلك تقعدي معاه بس ما تتكلميش خالص و من بدري قبل ما حد يصحى تطلعي تاني عشان ما يحصلش ليا مشاكل.
ابتسمت ومسحت دموعها:
-شكرا والله مش عارفة اقول لك أيه.
-أنا فاكرة الأستاذ اللي كان معاكِ جوزك.
حبيبة: لا أخويا.
نظرت إليه مشتاقة حزينة تتألم لمرضه قبلت يده وراسه، وهمست بأذنه.
-حبيبي أنا هنا جنبك وحشتني قوي، قوي، قوم بقي وحشني صوتك وحشني انك تاخدني في حضنك.
جلست حبيبة بجانبه امسكت يده واقتربت منه وهمست بأذنه
- حبيبي أنا مستنياك تنادي عليا، وحشني اسمع اسمي منك.
سقطت دمعاتها على وجهه ومسحتها بيدها وقبلته، ولم تترك يده تقبلها بين الحين والأخر، حتى غفت على نفس الوضع وراسها بجانب يده، حلمت به مجددًا ينادي عليها فاستيقظت تردد اسمه، فسمعته يردد اسمها بخفوت، نظرت إليه وكلها أمل ان يكون هذا حقيقي، بدا لها على حالته؛ فاقتربت منه وهمست في اذنه
- عبد الرحمن أنت سامعني، حبيبي أنا هنا.
لم يجب عبد الرحمن عليها وتبدد املها وسقطت دموعها على وجهه فردد اسمها
- أنت سامعني يا عبد الرحمن؟ أنا هنا، أنت سامعني يا حبيبي؟
همس بتعب:
-أنا فين؟ حبيبة، حبيبة.
فقبلت يده:
- أيوة يا حبيبي أنا معاك، حنادي الدكتور.
اسرعت حبيبة الي الممرضة.
حبيبة: فاق، فاق.
الممرضة: طيب اخرجي وأنا هقول للدكتور.
خرجت حبيبة اتي الطبيب و كشف عليه وطلب اجراء بعض التحاليل والاشعة.
طمأنت الممرضة حبيبة، التي ظلت قلقة عليه و بمنتصف اليوم أوصي الاطباء نبقله من العناية، فارتاحت حبيبة قليلا وطلبت منهم ادخاله غرفة خاصة ورافقته. وأخيرًا شعرت بالأمل وستكون بقربه.
بدأ عبد الرحمن يشعر بمن حوله لا يستطيع التحكم بجسده،
عبد الرحمن بألم:
-أنا فين؟ حبيبة، حبيبة.
اقتربت منه:
-حبيبي حمد الله على السلامة.
-هو أيه اللي حصل.
حبيبة تمسح دموعها وعلي وجهها ابتسامة:
- تعبت شوية ونقلناك هنا.
- بقالي كتير؟!
- يومين.
-ماما عرفت!
-عرفت يا حبيبي وكانت معايا، لكن قولت لها تروح ترتاح؛ عشان ما تتعبش هي كمان وأكيد هتيجي تاني.
اغمض عينه بتعب:
-مش قادر احرك جسمي يا حبيبة وتعبان.
تساقط منها الدموع:
-الدكتور قال شوية وتتحرك عادي بس أنت جيت على نفسك يا حبيبي كفاية كلام عشان ما تتعبش أنا جنبك هنا.
جلست حبيبة بقربه تعتني به، تفهمه من نظرة، لا يسمع منها غير طيب الكلام، بسمتها لم تغادر شفتيها، تداري عنه خوفها وقلقها، اخبرها الاطباء انه سيعود لطبيعته سريعا وانه امر طبيعي. وبالفعل بعد أيام قليلة بدأ يعود لطبيعته واصبحت حركته شبه طبيعية.
كانت والدته تأتي لزيارته تجلس معه طوال فترة الزيارة لم تحدث مشاكل مع حبيبة، فكانت تشعر بتخبط شديد من اجل عبد الرحمن و كأن بداخلها مشادة بين مجموعة من المشاعر الخوف على ابنها واستنكار لعدم طاعته لها، حقد على حبيبة لما تنعم به بحياتها واستياء من ابنها لأنه يعطي حبيبة الحياة التي افتقدتها هي.
لم يعجب محمود بحال حبيبة واهمالها لنفسها فاصفر وجهها وهزل جسدها وبنفس الوقت حافظة غير مهتمة تاتي بوقت الزيارة كالغرباء لم تهتم حتى بإعداد الطعام لابنها، وتركت تلك المهمة لبسمة زوجته فصبر عليها حتى تحسن عبد الرحمن وأصبح يستطيع الاعتماد على نفسه وكان قد مر قرابة العشرة أيام وقتها أنتهى صبره فحدثها اثناء زيارته لعبد الرحمن أمام الجميع وفي وجود حافظة.
-حمد الله على سلامتك يا عبد الرحمن الدكاترة قالوا حالتك تقدمت بسرعة الحمد لله.
- الحمد لله الفضل يرجع لحبيبة ربنا يخليها.
- بمناسبة حبيبة، مش ناوية تروحي تريحي شويه أنت بهدومك دي بقالك اكتر من أسبوع!
- لا يا محمود أنا...
فقاطعها محمود صارخًا:
- أنتِ أيه يا حبيبة! مش شايفة نفسك! بصي لنفسك في المراية! لازم ترتاحي شوية، جسمك ما لمسش السرير من يومها حتستني لما يحصل لك حاجة!
دمعت وشعرت بإحراج شديد، فتحدث عبد الرحمن معاتبًا:
-يا محمود بالراحة عليها، وما تزعقش كده على الأقل ادامي -ونظر لحبيبة وناداها:
- حبيبة تعالي قربي مني.
فاقتربت وجلست امامه وعينها ممتلئة بالدموع؛ فاسترسل:
- محمود عنده حق، أنتِ تعبانة وشكلك باين، أنا بقيت كويس، وماما معايا لحد ما ترجعي روَّحي النَّهاردة نامي كويس وتعالي بكرة وهاتي أي حاجة ممكن تحتاجيها الدكتور قال لسه قدامي شوية ارتاحي يا حبيبة.
حبيبة: حاضر يا حبيبي وقبلت يده خلي بالك من نفسك.
غادرت حبيبة رفقة محمود وبسمة، وتحدث محمود بقيين:
-احنا هنطلع على البيت عندي على طول يا حبيبة وأوضتك جاهزة عشان تغيري وترتاحي.
-لا يا محمود عايزة اروح صدقني كدة هرتاح اكتر.
- ليه مش هترتاحي عندي خلاص راحتك بقت بعيد عني؟!
-محمود اهدى شوية، هي ما قالتش كدة، وطبيعي أي وحدة بعد الجواز راحتها تبقي في بيتها، طيب يا حبيبة أنت مرهقة ومحتاجة ترتاحي تعالي معَنا وبكرة الصبح روحي جهزي اللي هتحتاجيه.
- ما تزعلش مني يا محمود مش قصدي والله حقك عليا، بس عشان خاطري سيبني على راحتي، شكرا يا بسمة مش عايزة اتعبك أنا اصلا هروح اغير وأنام للصبح وهقوم كويسة ان شاء الله.
رد محمود بايجاز وهو متضرر:
-اللي يريحك اعمليه مش هغصب عليكِ كدة كدة البيتين بيتك.
باليوم التالي صباحًا أوصلها محمود المشفى اطمئن على عبد الرحمن وغادر سريعًا متجهًا لعمله وتحدث عبد الرحمن مبتسمًا:
-أيه كل اللي معاكي ده يا حبيبة! أنت جبتي البيت.
- لا يا حبيبي بص الشنطة دي فيها أكل عملته عشانك أنت وطنط طبعًا.
ونظرت إليها مسترسلة:
-يا رب يعجبك أكلي يا طنط!
لم تعلق حافظة وتساءل عبد الرحمن:
- والشنطة التانية؟
- فيها هدوم ليك عشان تغير بقالك كتير بنفس الهدوم وحاجات تانية حتشوفها بعد الأكل.
اطعمت حبيبة عبد الرحمن بيدها، ترى حافظة ما يحدث بسخط، تكاد تجزم أنَّ حبيبة تفتعل كل هذا فقط لتكيدها، أما عبد الرحمن فيوقن من صدق مشاعرها، وهو ايضا اشتاق لها ولاهتمامها به.
وبعد انتهائهم من الطعام اخرجت حبيبة شنطة متوسطة.
- أيه الحاجات دي يا حبيبة.
- ده يا حبيبي شاش وقطن وسبراي وطبق غويط صغير وفوطة وصابونة.
- وليه كل ده؟
- لما ماما الله يرحمها دخلت المستشفى كنت ببات معاها وبعمل لها كل حاجة والتمريض وقتها علموني ازاي اهتم بها عشان الاستحمام.
تحدثت حافظة باتهمام وتحفز:
-وأنت جاية تفولي في وش ابني كده قدامي، شوف مراتك!
فزعت حبيبة وانسابت دموعها واخدت تقبل يده وتعتذر منه.
- لا والله يا طنط بعد الشر عليك يا عبد الرحمن، والله مش قصدي! حقك عليا، والله ما قصدي!
- خلاص يا حبيبة بالراحة أنا متأكد انه مش قصدك.
وضمها اليه؛ فتعلقت بعنقه بقوه واغمضت عينها لثوانٍ ثم انتبهت لوجود حافظة وغيرتها منها فتركته ومسحت دموعها.
-أنا اسفة يا حبيبي مش قصدي، ربنا يخليك ليا يا رب!
مَصْمَصْت حافظة شفاهها ثم تركتهما وخرجت من الغرفة و بدأت حبيبة في تجهز ما تحتاجه من أجل عبد الرحمن.
وقفت حافظة أمام إحدى النوافذ وعادت بذاكرتها ليوم دخول حماتها المستشفى وانهيار عبد الرحيم؛ لسوء حالتها حين اخبره الأطباء إنها بساعاتها الأخيرة،يواسيه عبد الرحمن وشد من أزره، اما هي فكانت في حالة لا مبالاة غير مهتمة بحماتها أو حتى بزوجها.
- ان شاء الله يا بابا حتقوم بالسلامة.
- كان نفسي يا ابني بس الدكاترة قالوا خلاص ربنا يهون عليها وجعها ويصبرني على فراقها محدش حيحس بيا ولا يفهمني من بعدها.
- أنا معاك يا بابا وتحت امرك.
- ربنا يخليك ليا يا ابني.
تحدثت حافظة بشماتة جلية:
-لكل ظالم نهاية، اهي ماشية يا ريت نتعظ بقي .
- لولا الظروف اللي احنا فيها كنت وقفتك عند حدك ويا ريت أنت تتعظي من اللي بيحصل.
- أنا قولت حاجة غلط ولا كلمة الحق دايماً تقف في الزور.
- مفيش فايدة فيكِ اللهم لا شماتة.
ثم تذكرت يوم وفاة حماتها، وسقوط عبد الرحيم بالعزاء، ورفضه الذهاب للمشفى وتأكيده على عبد الرحمن الا ينقله، فكان يعلم بقوة شخصيته وانه سندا له بالرغم من صغر سنه.
- مش عايز يا ابني اروح المستشفى عايز اموت على فرشتي أوعي تطاوع امك وتوديني هناك هي عايزة تخلص مني.
- حاضر يا بابا أنا كلمت الدكتور وجاي خلاص.
- أنا ربيتك وعلمتك وحفرت جواك دين ربنا أوعي تحيد عنه قسيت عليك عشان تطلع راجل شديد زي ما تربيت خد بالك من امك هي جواها خير بس مش بتحسن التصرف أبدًا.
وتذكرت اهمالها له وان عبد الرحمن هو من اهتم به وبمرضه حتى فارق الحياه واسلم روحه لخالقه.
غرقت حافظة في بحر ذكرياتها تتذكر عنادها مع زوجها الدائم ونتيجته معظم الأوقات ضربها وتذكرت أيضًا حقدها الشديد على والدت عبد الرحيم وغيرتها الشديدة منها لتعلق عبد الرحيم واهتمامه بها المبالغ فيه من وجهة نظرها.
- نفسي اعرف أنت عاملة لابنك أيه ساحره له مثلاً؟!
ردت عليها بتهكم:
-عيب يا مرات ابني اللي بتقوليه ده وحرام، أنا عارفة ربنا كويس وابني ربنا يحرسه ويحميه زينة الرجال ومراعي ربنا فيّا عقبالك كده ما تشوفي ابنك زيه.
ردت بغيظ:
-هو حتى ده أنت سايباه من أنت محاوطاه هو كمان مش سايبالي حد منهم.
-بقرب منه عشان أنت شاغلة نفسك عنه بتفاهات، بعلمله يطلع راجل شديد وقوي.
اكملت بتهكم واضح:
- على الأقل لما تعملي العملة وتصدريه مكانك يقدر يتحمل الوجع.
نظرت لها حافظة بغيظ وحقد شديدين ثم تركتها وتحركت من امامها.
عادت للحاضر تزفر انفاسها بغضب تحدث نفسها «من حماتي لحبيبة! ليه يا عبد الرحمن؟»
بعد خروج حافظة قامت حبيبة بكل ما يلزم لعبد الرحمن ولم تنسى تطيب ملابسه بروائحه المحببه إليه، ثم جمعت الاغراض وأعادت الغرفة منظمة، وجلست بجانبه حتى غفا؛ فقبلته وخرجت لتتحدث مع والدته بحثت عنها حتى وجدتها
الفصل الثاني عشر
جمعت حبيبة شتات نفسها: ليه يا طنط؟
فالتفتت لها وقد أعادتها من الماضي وسألتها وهي تنظر لها من أعلى:
-هو أيه اللي ليه؟!
- ليه على طول متضايقة مني؟ مع اني والله دايما بحاول أرضيكي!
-عشان بتحاولي تسرقي ابني وعصتيه عليا وبتمثلي طول الوقت.
- والله يا طنط عمري ما عملت أي حاجة من دول! يا طنط أنا بحبه والله بحاول دايما اسعده! هو عمري وحياتي والله يا طنط! كتير ببقي عايزة أوطي أبوس رجله، كان متهيأ لي انك تفرحي ان مراته بتحبه كده وتتمني رضاه.
-مافيش حاجة اسمها كده الحياة الزوجية مش حب وكلام فارغ اللي بتقوليه ده في التليفزيون تمثيل يعني. في الحقيقة الحياة الزوجية أوامر وقواعد حد يأمر وحد ينفذ والآمر ليه حق العقاب لو أوامره ما اتنفذتش بالنص أو للترهيب.
-ودي تبقي حياة ولا سجن! يا طنط الحياه الزوجية اتنين في سفينة لها قبطان واحد، القبطان له مساعد، هما الاتنين هدفهما واحد بر الأمان، يمشيها الحب والتفاهم والرحمة مش أوامر وعقاب؛ لان نتيجة العقاب والترهيب الكره، ازاي ممكن حد ينام في حضن حد بيخاف منه ويكرهه ازاي نحس بالأمان مع بعض وفي بينا إهانة ووجع! والله يا طنط اللي بيوجعه يوجعني! لو كنت شوفتيه ..
بكت وتعثرت كلماتها:
- وهو بيقع مش حاسس بحد، والله كنت شوفتي أي حاجة ما تستاهلش.
لم تتأثر بأي مما قالت:
- ولا كأنك قولتي حاجة. حفضل وراه يا يسمع كلامي يا اما...
- ليه مصرة نوصل لطريق مسدود ليه مصممة تودي حياتنا لطريق اخره دمار للكل كل الاختيارات دي اخرها اهانة وجرح ووجع، حياتنا مليانه وجع وفراق وألم، ليه نزوده على نفسنا؟! قولي أيه يرضيكِ ويخليكِ تسيبي عبد الرحمن يعيش مرتاح.
حافظة بدون تردد:
-انك تبعدي.
فنظرت حبيبة اليها بصدمة واسترسلت حافظة بهدوء وتشفي:
- تبعدي عنه و يرجع لي تاني ويسمع كلامي وينفذه من غير نقاش.
ملئت الدموع عينها واختنق صوتها:
- بعدي عنه موتي، مش حقدر اعيش من غيره، عبد الرحمن هو نفسي اللي بتنفسه، قلبي اللي بيدق، خليكِ رحيمة بينا، اديني فرصة اثبت لك اني بحبه فعلا.
- ومين قال لك إني عايزة له واحدة تحبه؟ أنا عايزة واحدة تخاف منه، نظرة واحدة منه ترعشها تكون تحت رجلي قبل رجله، بإشارة مني يأدبها بالطريقة اللي أقول عليها.
-طيب...
- وفري كلامك طول ما أنت معاه عمر ده ما حيحصل.
-أنت اذتيه ووجعتيه وضغطي عليه لحد ما وقع بينا مش خايفة عليه؟!
- أنت حتخافي على ابني اكتر مني، أنا من حقي أعاقبه مهما كبر، هو مش بيكبر عليا، طول عمره حيفضل ابني، وده آخر كلام، يا تبعدي يا إما ما تلوميش غير نفسك، أنا ماشية.
ذهبت حافظة وأخذت آخر أمل لحبيبة معها والقت به على طول ذراعها. عادت حبيبة مكسورة وحزينة وقررت ان تنفذ ما فكرت به، فذهبت للمرضة التي ساعدتها في الدخول لعبد الرحمن وطلبت منها ان تأخذها لطبيبة نسائية، ذهبت معها كشفت وازالت وسيلة منع الحمل واعطتها بعض الأدوية وطلبت بعض الفحوصات التي اجرتها حبيبة بالمستشفى.
ظل عبد الرحمن بالمستشفى قرابة الشهر ثم خرج أخيرًا مع توصيات كثيرة من الاطباء بالابتعاد عن أي ضغوط.
يوم خروجه ذهب اليهما محمود واعدت حبيبة اغراضهما ثم أوصلهما للبيت.
محمود: أنا حمشي واسيبكم ترتاحوا. حبيبة بسمة عملت جوة اكل مسلوق وحاجات خفيفة عشان عبد الرحمن خدي بالك من نفسك وارتاحي أنا مش حوصيكي على عبد الرحمن عشان متأكد انك حتاخدي بالك منه ياريت كمان تاخدي بالك من نفسك.
عبد الرحمن: شكرا يا محمود وأنا اسف عشان اخر مرة تقابلنا فيها. وما تقلقش عليها.
محمود: اللي حصل، حصل أنا كمان كنت غلطان واسف ليك ولطنط المهم دلوقتي ترتاحوا.
غادر محمود فسندت حبيبة عبد الرحمن ودخلا الغرفة وجلس على الفراش، وقفت حبيبة امامه تنظر اليه وإمتلئت عينها بالدموع.
عبد الرحمن: تعالي يا حبيبة اعقدي جنبي.
فاقتربت حبيبة وقبلت يده وفاضت عينها بالدموع ثم جلست بين يديه على الارض وقبلت قدمية فانحي عبد الرحمن اليها و امسك ذراعها وحاول جذبها اليه ورفعها من الأرض فلم يستطع:
عبد الرحمن: قومي يا حبيبة، ليه كده؟ أوعي تعملي كده تاني، تعالي جنبي مش قادر اقومك.
انهارت حبيبة وجلست بجانبه: لو في حاجة اكبر من كده والله كنت عملتها أنت ما تعرفش أنا حسيت بأيه وأتوجعت ازاي وأنت تعبان. والله، والله، والله كنت بموت كنت وحيدة، ضعيفة وعاجزة.
عبد الرحمن: مش بأيدي يا حبيبة والله صعب عليا اللي بتقوليه، وربنا يعلم.
حبيبة نظرت اليه وهي غارقة بالدموع: خاف على نفسك عشان خاطري لو بتحبني اهتم بصحتك. عارف أنا بترعب من دخول المستشفى روحي بتتسحب مني وأنا هناك. كل حاجة وحشة حصلت في حياتي كانت هناك بابا مشي هناك وراه ماما اما بروح أي مستشفي بخاف بحس اني حفقد حد غالي. حتى البيت هنا من غيرك كان صعب كئيب خفت من كل حاجة، كنت موجوعة وخايفة كل حاجة فقدت معناها كنت مرعوبة ، حتى بيت بابا ما قدرتش ارجعه بالله يا عبد الرحمن – بكت بشدة- أوعي تسيبني.
ضمها عبد الرحمن: محدش يسيب روحه يا حبيبة، أنت روحي. عارفة أنا كنت حاسس بيكي طول الوقت وأنت جنبي كان نفسي ارد عليكِ واقولك أنا كويس ما تخافيش بس مش قادر، المهم اننا مع بعض تاني، خليني أنسيكي الوجع اللي عشتيه، وأوعدك بعد كده حأسمع كلامك لو طلبتي نروح للدكتور.
حبيبة: أوعدني تعمل كده حتى لو أنا مش معاك.
عبد الرحمن: ليه يا حبيبة بتقولي كده؟ أنا عمري ما ابعد عنك، عايزاني اتعب تاني؟
حبيبة: لا بالله يا عبد الرحمن ما تقولش كده – وبكت -.
ضمها عبد الرحمن اليه ومسح دموعها،
عبد الرحمن: دموعك غاليه عليا يا حبيبة فاكره أول يوم قعدنا مع بعض فيه لما عرفت ان اسمك مركب قولت لك حتبقي حبيبة الرحمن و حبيبت عبد الرحمن فاكره.
فابتسمت حبيبه و ازدهر وجهها.
عبد الرحمن: أيوة كده خلي ابتسامتك على طول منورة وشك. تعالي نرتاح شوية سريري وحشني وعايز اخدك في حضني.
ابتسمت حبيبة: أنت كمان وحشته ووحشتني بس أنا اللي اخدك في حضني.
ابتسم عبد الرحمن: ماشي يلا بقي.
حبيبة: اساعدك تاخد دش و تغير الأول.
عبد الرحمن: ماشي يا حبيبة يا حبيبت عبد الرحمن بس بسرعة عشان تعبان ممكن.
أنت هي عبد الرحمن وحبيبة ودخلا الفراش وكان عبد الرحمن منهك جدًا فاحتضنته حبيبة واخذت تربت عليه وتقبله و كانه ابنها ارتاح عبد الرحمن بين احضانها فكان مشتاق بشدة لحضن والدته التي قست عليه ولم تهتم بمرضه فعوضته حبيبة عن غيابها.
حاولت حبيبة ان تنسي حديثها مع والدة عبد الرحمن ولكنها فشلت ولم تستطع وظلت كلماتها تطارد حبيبة حتى بأحلامها، وما زاد توترها هو ما فعلته دون مشورت عبد الرحمن أو معرفته، فشغلت نفسها بمذاكرتها وبالاهتمام بعبد الرحمن تقتل نفسها في المذاكرة وبأعمال المنزل. تألم عبد الرحمن لحالها وشعر بما بها من الم لكنه لم يعلم بحديثها مع والدته فلم تخبره أي منهما، لكنه شعربوجود خطب ما وتوقع ان الخلاف بيه وبين محمود هو السبب، حاول طمأنت ها كثيرا وتودد لها اكثر واكثر، وما زاد همه الكوابيس التي بدأت تداهما، فيستيقظ كل يوم عليها تصرخ أو تبكي، وكانت تردد اسمه واسم محمود بإستمرار بكوابيسها.
اتصل عبد الرحمن بمحمود وطلب مقابلته بعيدا عن البيت وطلب منه ألا يخبر حبيبة.
محمود: خير يا عبد الرحمن ليه عايز تقابلني؟ وبره مش غريبة دي! وكمان مش عايز حبيبة تعرف!
عبد الرحمن: لما حتعرف السبب مش حتستغرب. بص يا محمود احنا ممكن أو اكيد مختلفين في حاجات كتير. وعارف ان صعب عليك لحد دلوقتي تصدق اني أنا بالذات تزوجت حبيبة، وده مخوفك عليها، ودايما متوقع ان يحصل لها حاجة بسببي.
محمود: وبعدين يا عبد الرحمن، يا ريت تختصر، المقدمة دي كلها ليه؟
عبد الرحمن: المقدمة دي عشان احنا من خوفنا على حبيبة اذيناها.
فأنت فض محمود: ليه مالها؟ حصل لها أيه؟ هي فين؟
عبد الرحمن: الاذية والوجع مش لازم يكون حاجة ظاهرة. حبيبة كل يوم في كوابيس بصحي على عياطها وهي نايمة أو صريخ وكتير تقوم مفزوعة وتأخذ نفسها كأنها بتغرق، بسمعها دايما بتترجي حد فينا أو بتعتذر لنا، احنا للآسف اذيناها. يا محمود بالرغم اختلافنا إلا اننا اجتمعنا على حب حبيبة كل واحد من مكانة وعارف انها بتحبك كاخ واب. أنا بحبها وعارف انك مش مصدقني بس دي الحقيقة. المهم احنا لازم نتفق ونقف مع بعض عشانها، وأنا متأكد انك حتوافق عشانها.
محمود: أنا ممكن اعمل أي حاجة عشان خاطرها طيب الاحسن نوديها لدكتور.
عبد الرحمن: قبل ما نفكر في دكتور لازم نشوف أيه اللي يريحها الأول ولو فضلت تعبانة كدة نوديها لدكتور.
محمود: طيب حنعمل أيه؟ في دماغك فكرة.
عبد الرحمن: لازم تحس ان علاقتنا بقت كويسة ونبعدها عن أي خلاف لا قدر الله بينا ويكون التعامل منك ليا والعكس. والاهم نتبادل الزيارات كتير وتكون كلها زيارات هادية من غير أي مشاكل، لازم تطمن. وأنا مش حخليها لا تروح ولا تتعامل مع امي ولما اروح لها حزورك واسيب حبيبة معاك اقضي اليوم مع امي وبعدين ارجع اخدها.
محمود: عندك حق وممكن تبقي تبات معاها عندنا ده بيت بابا في الاصل.
عبد الرحمن: أنا كنت متأكد اننا حنتفق وحنتعاون مع بعض. أيه رأيك نبدأ النهاردة، تيجوا بالليل.
محمود: ماشي بس خليها عندنا النهاردة حكلم بسمة، تحب تبلغ حبيبة ولا ابلغها أنا.
عبد الرحمن: تعالي أنت المرة دي كأنك جاي تطمن عليها بعد ما أنت ظمت في الجامعة تاني. لو اتصلت عشان نجيلك حتقلق وتفتكر اخر مرة فتتوتر زيادة.
ابتسم محمود و سعد بعبد الرحمن وكيف استطاع ان يفهم حبيبة:
فوقف ومد يده بالسلام: اتفقنا نتقابل بالليل.
بادله عبد الرحمن السلام ومد يده له: اتقفنا
وفي المساء
عبد الرحمن: حبيبتي محمود جاي بعد شوية.
أنت فضت حبيبة: ليه يا عبد الرحمن حصل حاجة؟ هي طنط كلمته تاني؟
اقترب منها عبد الرحمن ووقف امامها وجذبها اليه حتى الصقها به ووضع يده حول خصرها وابتسم لها ثم داعب شعرها فاخد يرجعه للخلف بلطف و قبلها:
عبد الرحمن: شيلي من دماغك الافكار دي بالعكس كان عادي جدًا هو جاي يقعد معَنا شوية لو مش عايزة اعتذر له.
حبيبة تحاول ان تبدوا طبيعية: لا يا حبيبي مش قصدي.
عبد الرحمن: طيب مش نغير هدومنا ونعمل حاجة حلوة عشان اما يجي.
حبيبة: حاضر.
وبعد قليل وصل محمود وبسمة ومعهما الأولاد سأل محمود عن صحة عبد الرحمن وتحدثوا معا في امور مختلفة
محمود: تعالي جنبي يا حبيبة بقالك كتير قوي ما قعدتيش جنبي تصدقي وحشتيني قوي
جلست بجانبه وهي تنظر اليه بتوتر وقلق فابتسم لها وضمها اليه ومسد على راسها وتعامل معها بلطف شديد وظل يربت عليها طوال الوقت ليشعرها بالأمان تخلت حبيبة عن قلقها وتوترها بالتدريج و بدأت تشعر بالراحة.
مر الوقت سريعا، سعد الجميع باجتماعهم غادر محمود وبسمة.
عبد الرحمن: كانت قاعدة حلوة صح؟ أنا انبسط جدًا.
حبيبة: بجد يا عبد الرحمن؟
عبد الرحمن: أكيد يا حبيبتي، عارفة أيه اكتر حاجة بسطتني أيه؟
-فنظرت اليه حبيبة منتظره اجابته-
فاكمل عبد الرحمن: انك كنت مبسوطة وبتضحكي من قلبك. - فابتسمت حبيبة – أيوة كده عايزك مبسوطة على طول عارفة أنا عايز اقولك على موضوع مهم جدًا تعالي جوة عشان ده مهم قوي.
فضحكت حبيبة: على فكرة عندي مذاكرة كتير ولسه ماخلصتش.
فحملها عبد الرحمن: ناجلها لبكرة ووعد مني حساعدك واكتب لك محاضراتك كمان.
فتعلقت بعنقه وابتسمت بخجل و دخلا الغرفة.
توالت الزيارات بينهم هدأت حبيبة كثيرا ولم تعد تحلم بتلك الكوابيس.
أنت صف الترم وزاد ضغط المذاكرة على حبيبة عاونها عبد الرحمن ولم يبخل عليها بجهده يجلس معها وهي تذاكر ويعد لها العشاء والشاي يشرح لها قدر استطاعته. ولكنه لاحظ تدهور صحتها فكانت تتقيأ كثيرا. ودائما تشعر بدوار تنام كثيرا على غير عادتها. وطلب منها والح عليها ان يذهبا للطبيب وكانت تتهرب منه. ففي احدي الأيام بعد ان تناولوا الغداء وهي تضع كتبها على السفرة لتستعد للمذاكرة شعرت بدوار شديد وكادت تسقط ارضا لولا ان رأها عبد الرحمن واسرع اليها سندها حتى جلسا على الكنبة.
عبد الرحمن: حبيبة لازم نكشف أنت بقيتي تعبانة على طول وشك اصفر وعلي طول دايخة والقيئ لو أنا مش متأكد اننا مأجلين الحمل كنت قولت انك حامل.
حبيبة وقد زاغت عينها لا تستطيع ان تنظر بوجهه: أنا .. أنا فعلا حامل.
صدم قليلا ثم لف وجهها اليه بلطف ونظر اليها متسائلا: ازاي يا حبيبة؟ احنا روحنا للدكتورة واستخدمنا وسيلة لمنع الحمل.
حبيبة بتوتر: أنا شلتها وأنت في المستشفى والدكتورة كتبت لي على ادوية عشان اثارها واخدتها.
عبد الرحمن متسائلا: كل ده لوحدك من غير ما تقولي لي! مش اتفقنا ناجل سنة لحد ما تخلصي امتحأنات يا حبيبة! ده فاضل شهر على امتحأناتك، والفترة الجاية كلها ضغط مذاكرة وامتحأنات.
حبيبة: كنت عايزة افاجئك. أنت مش فرحان يا عبد الرحمن؟
خاول اخفاء ضيقه من تهورها: اكيد يا حبيبتي فرحان عشان حكون اب لطفل منك. تعالي ارتاحي دلوقتي ونتكلم بعدين.
سندها عبد الرحمن واحاطها بذراعيه بحب وادخلها الفراش و احكم عليها الغطاء جلس بجانبها لثواني قليلة شارد الذهن، علقت حبيبة عينها عليه، ولما التفت لينهض امسكت يده:
حبيبة: أنت زعلان مني، أنا اسفة أنا كنت عايزة افرحك و اشيل جوايا حته منك.
عبد الرحمن: أنت يا حبيبة حته مني وغاليه قوي عليا. بس أنت نسيتي حاجة مهمة، نسيتي وعدي لمحمود، وأنا استحالة اخلف وعدي وبكدة اكون خلفته ده غير اني كنت منتظر اللحظة دي وبحلم بيها بشكل تاني. كنت عايز اقول للناس كلها و الكل يفرح معَنا، لكن دلوقتي يا حبيبة مش حنقدر نعرف حد ولازم نستني تخلصي امتحأناتك الأول، عشان لازم ابعدك عنك التوتر اللي اكيد حيحصل لما محمود يعرف، لأنه اكيد مش حيسكت ويتوقع اني ارغمتك على ده.
فقاطعته حبيبة: أنا حقوله انك ما تعرفش حاجة واني أنا اللي عملت كده من وراك بس مش دلوقتي يا عبد الرحمن بالله.
ابتسم عبد الرحمن بضيق: كده يا حبيبة عايزة تصغريني تاني.
حبيبة بحزن: والله مش قصدي يا حبيبي، حقك عليا أنا عمري ما اعمل كده.
عبد الرحمن: للأسف يا حبيبة عملت كدة، يوم محمود ما يعرف حيشوفني صغير ما التزمتش بوعدي ولو قولتي له اللي حصل حتصغيرني مرتين لأنه اكيد مش حيصدقك وحيفتكرك بتكذبي واني طلبت منك كده عشان اغطي على اني خلفت وعدي، ولو صدق معناها برده معناها اني صغير وانك كسرتي كلامي و صغرتيني وما اهتمتيش، و معذور في الحالتين.
فبكت حبيبة بقهر: والله مش قصدي والله كان نفسي افرح معاك.
ضمها عبد الرحمن بقوة: لا من دلوقتي مش عايز عياط ده غلط عليكِ وعلي ابننا، ما تفكريش غير في النونو وفي مذاكرتك .
حبيبة: أنا متأكدة ان محمود حيقدر.
عبد الرحمن: حبيبة أنا مش خايف من محمود. أنا متضايق من الصورة اللي حياخدها عني، احنا في الفترة الاخيرة يا دوب العلاقة بدأت تتحسن، لكن لما يعرف الموضوع حيرجع اصعب من الأول. ولما بقولك حأجل اني اقوله ده عشانك، عشان ما تكونيش مشتتة و تركزي في امتحأناتك وتجيبي تقدير.
حبيبة: طيب سبني اقوله أنا الأول.
عبد الرحمن يبتسم بضيق: قولي لي يا حبيبة أنت فعلا شايفاني سندك وأمانك.
حبيبة: اه يا حبيبي بس...
عبد الرحمن: دي مافيهاش بس يا اه يا لأ.
حبيبة: يا عبد الرحمن أنا متأكدة انك سندي واماني بس بخاف عليك تتعب.
عبد الرحمن: حبيبة أنا الحمد لله ما عنديش مرض مزمن اللي حصل كان موقف وخلص ولو كان عندي يبقي اموت وأنا حمايتك وسندك ولا أعيش جبان مستخبي وراكي فهمتي يا حبيبة.
فسالت دموعها و قبلت حبيبة يده: حقك عليا، أنا بحبك قوي والله بحبك قوي.
اخذها عبد الرحمن بين احضانه وضمها اليه برقة ومسد على راسها: وأنا بموت فيكي ما تخافيش وأنا جنبك يا حبيبة. اقول لك حاجة أنا حدخل أنام معاكي.
وضعت حبيبة راسها على صدر عبد الرحمن واخذ يمسد على راسها ويربت على ظهرها حتى خلدت للنوم فوضع راسها على الوسادة واخذ ينظر اليها ويتأملها مبتسما ثم قبل جبينها وضمها اليه ثم خلد الي النوم.
وبفجر اليوم التالي وبعد ان ادوا الصلاة جلسا معا بغرفتهم
عبد الرحمن: حبيبة عرفيني بقي كل يوم حتروحي الجامعة امتي وحتخلصي امتي عشان من النهاردة حوديكي واجيبك مافيش مواصلات خلاص، كمان لازم نغير نظام اليوم لازم تنامي شوية لما ترجعي عشان ما تتعبيش ونقدر نذاكر.
ابتسمت حبيبة وفرحت بشدة: بحبك
عبد الرحمن وهو سعيد لردها: دايما كده ردودك مختلفة وأنا كمان يا حبيبتي عارفة يا حبيبة حتكوني ام حنينة وقوية في نفس الوقت.
فضحكت حبيبة: أنا قوية دي اكيد تريقة.
عبد الرحمن: لا طبعا أنت قوية يا حبيبة وجدًا، عارفة قوتك فين يا حبيبة في قلبك. الرسول عليه افضل الصلاة والسلام قال استفتي قلبك وان افتوك وأنت دايما بتعملي كده وطول ما أنت بتسلمي امرك لله قلبك بيدلك على الصح. صحيح في الفترة الاخيرة من كتر التوتر شويشتي على قلبك لكن في النهاية قوية.
حبيبة: بالعكس يا حبيبي أنا اضعف مما تتخيل.
عبد الرحمن: يا حبيبة لو أنت ضعيفة مين قوي، ده أنت قدرتي تغيريني حولتي الطاقة اللي عندي من عنف لحب، كمان قدرتي تخلي محمود يوافق على جوازنا وده كان مستحيل. واخدتي قرار الحمل وروحتي للدكتورة و نفذتي لوحدك ومين عارف حتغيري مين تاني ولا حتعملي أيه!
حبيبة: عارف أنا دايما بشوف نفسي ضعيفة قوي.
عبد الرحمن: عشان مش عارفة قيمة نفسك. عارفة أنا كنت اتمني امي تكون زيك. ويلا عشان تأخرنا وأنا عندي شغل وأنت جامعة وضيعنا الوقت جدًا
مر اليوم وعاد عبد الرحمن وحبيبة للبيت وجلسا تناولا الغداء معا واثناء ذلك.
عبد الرحمن: حبيبة أنا حجزت لك عند دكتورة عشان نتابع الحمل.
حبيبة: بجد يا حبيبي هو احنا لازم نتابع.
عبد الرحمن: بصي حدود معلوماتي ان في ادوية لازم تتاخد أول الحمل وكمان عايز اطمن عليكِ عشان وشك اصفر جدًا ومجهدة وخايف تكوني تعبانة مش بس حمل.
حبيبة: أنا بحبك قوي يا عبد الرحمن.
عبد الرحمن: وأنا كمان يا حبيبتي، مش بتأكلي ليه؟
حبيبة: مش قادرة يا حبيبي، مش قادرة حتى ابص للأكل.
عبد الرحمن: ابتسم: الحمل بقي والوحم. ماشي يا سيتي ادخلي نامي شوية كده عشان تقدري تذاكري.
حبيبة: طيب حشيل معاك.
عبد الرحمن: لا خليكي أنا حشيل واغسل الاطباق، وكل حاجة روحي نامي بقي ما تضيعيش الوقت لازم تذاكري النهاردة لان بكرة في مشوار والجامعة الصبح اليوم حيضيع من غير مذاكرة.
حبيبة: حاضر، ممكن اسالك سؤال واحد بس، نفسك اكون حامل في ولد ولا بنت؟.
عبد الرحمن: الاتنين حلوين يا حبيبة لما عرفت انك حامل ما فكرتش ولد ولا بنت فكرت اني حبقي اب ومعنا نونو صغير كده قد كف الايد واشيله بحاول اتخيل احساسي حيكون أيه و مش عارف.
حبيبة: -ابتسمت – يعني مش يفرق معاك ولد ولا بنت.
عبد الرحمن: لا حيفرق طبعا – فشحب وجه حبيبة وأنت بهت- لو بنت أنا حسميها ولو ولد أنت حتسميه موافقة.
حبيبة: ابتسمت خضيتني موافقة طبعا، طيب فكرت في اسم ولا لسه؟
عبد الرحمن: يعني أنت لسه قايله إمبارح ما لحقتش، بس حبهرك اكيد، ادخلي نامي بقي.
حبيبة: حستني تبهرني - وابتسمت له وقبلت يده – حدخل أنام.
نامت حبيبة لبعض الوقت قام خلالها عبد الرحمن بكل شئ وكتب لها محاضرتها ونظمها ثم ايقظها وجلس معها وساعدها قدر استطاعته. وباليوم التالي ذهبا للطبيبة وطمأنت هم على حبيبة والبيبي واخبرتهما انها في الشهر الثاني واعطتها بعض الأودية وأوصتهم بالراحة قدر المستطاع ثم عادا للمنزل وكأنا سعيدان للغاية بدلا ثيابهما وجلسا معا بالغرفة واعد عبد الرحمن الشاي لنفسه وحليب لحبيبة.
حبيبة: لمين اللبن أنا.
عبد الرحمن: أيوة، بالضبط ومفيش نقاش.
حبيبة: والله بتعب يا حبيبي معدتي بتوجعني.
عبد الرحمن: بس الدكتورة قالت لازم ومهم جدًا. كدة ما فيش كلام إشربي حبة، حبة واحنا بنتكلم مش حتحسي بيه وما تنسيش بقي مواعيد الأدوية.
حبيبة: اخدت الادوية خلاص، أنت بتاخد دوا الضغط ولا بتنسي من إمبارح وأنا مش مركزة.
عبد الرحمن: اخدت خلاص ما تقلقيش أنت . مش أنا اخترت اسم البنت خلاص.
حبيبة: بجد بالسرعة دي.
عبد الرحمن: أيوة، جميلة
ابتسمت حبيبة: جميلة، عادي قوي.
عبد الرحمن: عشان عايزها تكون اسم على مسمي يعني تكوني جميلة زي مامتها طبعا وجميلة الطبع والاخلاق اكيد وتكون روحها جميلة زي اسمها وتملي حياتنا جمال.
حبيبة مبتسمة: اممم، لا مش عادي طلع حلو قوي، انبهرت خلاص. أنا كمان فكرت بس محتارة بين اسمين.
عبد الرحمن: سبيني اخمن اكيد واحد منهم محمود.
ضحكت حبيبة كثيرا: فعلا، حتضايق يا عبد الرحمن
عبد الرحمن: اكيد لأ، عشان أنا باحترم محمود جدًا وبحب فيه خوفه عليكِ صحيح هو مش طايقني بس الحقيقة هو شخصية ممتازة. طيب الاسم التاني أيه؟.
حبيبة: عبد الله، وليه سبب بس من غير تريقة.
عبد الرحمن: أيه هو ومش حتريق.
حبيبة: عشان نكمل البسملة يعني عبد الله عبد الرحمن عبد الرحيم.
ثم قالا معا: بسم الله الرحمن الرحيم.
عبد الرحمن: دايما مش متوقعه يا حبيبة.- فاقترب منها وقبل راسها ونظر بعينها- أنت اجمل وارق انسانة في الدنيا يا بخت ولادنا بيكي و يا بختي محظوظ انك معايا وأنا كنت فاكر طول عمري اني حفضل وحيد بالدنيا.
حبيبة: أوعدني عمرك ما تزعل مني مهما حصل
عبد الرحمن: عمري ما ازعل منك يا حبيبة، أنت ليه متغيرة بقالك فترة، فيكي حاجة يا حبيبة، مش قادر احدد أيه بالظبط بس الحاجة دي تعباكي، وتعباكي قوي بالرغم من انك بتحاولي دايما تباني طبيعية.
نظرت اليه حبيبة وهي لا تصدق انه يشعر بها ويفهمها لهذه الدرجة وحاولت الا تدمع عينها: مش يمكن بيتهيالك يا عبد الرحمن .
عبد الرحمن: لا يا حبيبة أنا بس مش عايز اضغط عليكِ وحستني لحد ما تيجي تحكي لوحدك.
لم تتحدث فقط القت بنفسها داخل حضنه تحتمي به وترتاح فيه.
عبد الرحمن وهو يشدد في ضمها إليه: عارفة يا حبيبة قبل ما نتجوز كان في سؤال دايما بسأله لنفسي ومش لاقي ليه جواب ولما تجوزنا جاوبتي عليه بتصرفاتك
حبيبة تمسح بعض الدمعات التي خأنت ها واعتدلت بجلستها: بجد يا حبيبي طيب أيه هو السؤال.
عبد الرحمن: من حياة ماما وبابا والحكايات اللي امي بتحكيها عن علاقة الزوج والزوجة. كنت دايما بسأل نفسي هو فعلا الزوجات تحب ان زوجها يضربها ؟! وازاي يكون الالم حب؟ وازاي يكون الخوف قوة؟ و هل احساس الوجع بيختلف من الرجل للست؟
حبيبة: أنا جاوبت على كل ده.
عبد الرحمن: مش بقولك انك مش مقدرة نفسك، أيوة يا حبيبة بعد ثلاثة أيام من جوازنا لما كنا بنلعب الشايب فاكرة.
فضحكت حبيبة: ايوة طبعا.
عبد الرحمن: يومها جاوبت على اسئلتي وطبعا بعكس اللي تربيت عليه، ومن كلامك يومها عرفت ان احساس الست بالوجع خصوصا من جوزها بيكون اقوي من الرجل ميت مرة وان الست اللي جوزها يضربها يكسرها و تكرهه. وكنت كل يوم بتأكدي لي عكس كل الكلام اللي امي حاولت تقنعني بيه طول السنين اللي فاتت. فاكرة يا حبيبة لما كنت في المستشفى ورجعتي بشنطة الشاش والقطن.
حبيبة: فاكرة يا حبيبي بس ليه السيرة دي.
عبد الرحمن: عارفة أنا عملت زيك كده زمان لما بابا تعب قبل وفاته ماكانش يقدر يتحرك من السرير خالص وماما مش فارق معاها. كنت أنا اللي جنبه، كنت بنام على الارض جنبه وعملت معاه زي ما عملتي معايا بنفس الشنطة تقريبا، أنا كنت بحب بابا وخايف عليه بالرغم من انه كان يضربني كتير وبشدة، طبعا الابن غير الزوجة أنا عارف اكيد، بس كنت أسأل نفسي ليه امي مش مهتمة ومش فارق معها؟ ليه يوم ما توفي ما اهتزتش ولا بكت؟ وبردوا عرفت الاجابة منك بس ده كان قبل جوازنا بأيام لما جت لك حسناء فاكرة قولتي لي بالنص
"مش حقدر اتحمل منك ضرب أو اهانة حموت مرتين، مرة من الضرب والاهانة ومرة لانهم منك أنت ، مش حقدر لان الإهانة حتموت الحب وبتبدله بالكره وأنا عندي ابعد عنك دلوقتي ولا احس ناحيتك بالكره..."
وماقدرتيش حتى تكملي الكلمة يومها تأكدت ان امي كرهت ابويا عشان كده ما فرقش معاها تعبه.
ازدادت دموعها واغرقت وجهها: عبد الرحمن أنت فاكر نص كلامي معاك للدرجة دي أنت ...
فاكمل عبد الرحمن: بحبك واكتر والله يا حبيبة.
حبيبة: وأنا كمان يا عبد الرحمن والله، والله بحبك قوي وكل يوم بحبك اكتر واكتر، من يوم ما اتجوزنا كل يوم افتح عيني واحمد ربنا انك جنبي ومعايا.
ضمها لصَدره بقوة ومسد على راسها واطال في ضمها:
عبد الرحمن: عارفة يا حبيبة أنت الوحيدة اللي بفضفض معاها.
حبيبة: كمل يا حبيبي أنا سامعاك.
عبد الرحمن: من وأنا عندي 12 سنة لما لاقي بابا بيضرب امي كنت اخدها في حضني واشيل الضرب عنها مهما بابا زعق لي ومهما حسيت بالوجع لدرجة ان مرة دراعي اتكسر لان بابا شدني جامد وحدفني على الارض. فبكت حبيبة واخذت تقبل يده وتربت عليه.
لما فكرت لقيت ان هو ده السبب اللي خلاها تحاول تقنعني ان ضرب الزوجة حب ليها، عشان اسمع كلامها و اكون أنا الاداة اللي تضرب بيها من غير ما اتكلم. من بعد ما خرجت من المستشفى بسأل نفسي هي ليه مش بتطمن عليا؟ ليه ما قعدتش معايا بالمستشفى غير لما طلبت منها؟ وكان تقضية واجب يا تري هي شايفاني وحاسة بيا؟
فارتفع بكاء حبيبة واشتد فاخرج عبد الرحمن من حالته واحزانه فقال
عبد الرحمن: لا يا حبيبة ما تبكيش حقك عليا.
حبيبة: أنت اللي حقك عليا يا حبيبي، والدتك هي صعبة شوية بس بتحبك، أوعي تشك في حبها ليك أنت ما تعرفش يعني أيه حياتك من غير ام. عارف هي ممكن تكون مش فاهمة أنت تغيرت ليه؟، هي كمان زعلانة منك، أنا عارفة اني أنا السبب من يوم ما اتجوزنا وعلاقتكم كل يوم اسوء من اللي قبله، اكيد كرامتها هي اللي منعاها يا حبيبي وأنت كمان ما بقتش تروح لها زي الأول، حاول يا حبيبي تقرب منها تاني، الرسول عليه افضل الصلاة والسلام وصأنا على الام وقال امك ثم امك ثم امك وقال استوصوا بالنساء خيرا وكمان قال التمس لأخيك سبعين عذرا شوف بقي نلتمس للام قد أيه. ما تزعلش منها يا حبيبي خليك كريم معاها في تسامحك وحبك ورعايتك.
نظر اليها عبد الرحمن بمنتهي الحب ووضع يديه حول وجهها: أنت جميلة قوي يا حبيبة، طيبة وقلبك ابيض بتسامحي واحدة غيرك كانت اكدت اللي قولته وزودت الزعل يعني زي ما بيقولوا اصطادت في المية العكرة.
حبيبة: عمري ما اعمل كده يا حبيبي، أوعي تزعل مني في يوم يا حبيبي أنا افديك بحياتي.
عبد الرحمن: مش بقولك أنت متغيرة يا حبيبة. على العموم أنا عمري ما ازعل منك أنت الوحيدة اللي بضعف قدامها.
بكت حبيبة وشعرت بالتعب.
عبد الرحمن: سلامتك يا حبيبة مالك تعالي ندخل السرير نتكلم وأنت في حضني لحد ما نروح في النوم.
فدخلا السرير وظلا يتحدثان ويسترسلان في الحديث حتى خلدا معا للنوم.