رواية لعنتي جنون عشقك الفصل التاسع والعشرون29 الاخير والثلاثون30 الخاتمه بقلم تميمه نبيل


 رواية لعنتي جنون عشقك الفصل التاسع والعشرون29 الاخير والثلاثون30 الخاتمه بقلم تميمه نبيل


أوقف سيارته السوداء المكشوقة بحركةٍ مفاجئة مصدرة صوتا عالٍ اثار انتباه كل من حوله أمام مدخل الكلية .... ثم ترجل منها بحركةٍ مغرية مدروسة وهو يرى من تحت نظارته السوداء ... نظرات الإعجاب من حوله ... وفتياتٍ يحملن المعاطف البيضاء ينظرن اليه بعضهن باعجابٍ صارخ بينما الأخريات ينظرن بحنقٍ من مظهر العبث المنبعث منه .........
سار متمهلا متقصدا امام طبيبات المستقبل الصغيرات وهو يتسائل عن سبب ازدياد جرعة الجمال لدى الطبيبات عنها حين كان يتم علاجه .....أم أنهن كن جميلاتٍ أيضا؟؟ .......ابتسم لأحدى الطالبات والتي تطوعت أولا باهداؤه ابتسامة اعجاب ... ثم أكمل طريقه
الى حيث تقف سما ......أراد أن يفاجئها اليوم بينما هو يعلم جيدا أنها لا تحب حضوره الى كليتها ... ابتسم بخبث وهو يعرف سر حنقها ... من المؤكد أنها تغار عليه من زميلاتها الجميلات .........مسكينة سماؤه الصغيرة ..... أنها لا تجيد التعامل مع عالمه الجديد الى الآن ..... لا تستطيع تقبل نظرات الإعجاب من حوله ...... طالما أنه يخفي عينيه العليلتين بنظارته السوداء فهو يبدو بمنتهى الوسامة .... ليس غرورا لكنه الأمر الواقع ...... فنظرات الفتيات تغمره من رأسه الى قدميه أينما ذهب .......لقد عاد فارس مهران .......فكر بهذه الفكرة التى تجعله يشعر بابتهاج خبيث كلما طرأت بباله ...........
كان يسير متمهلا مبتسما بخيلا .... الى أن توقف فجأة مكانه .....ظل متسمرا وقد تصلب وجهه وبدا وكانه قد نحت من حجر ......فعلى بعد أمتارٍ عديدةٍ منه , كانت سما واقفة تحمل كتبها الثقيلة و معطفها الأبيض على ذراعها .... تستمع بانتباه كلي لما يبدو أنه طبيبا نوعا ما ..... رجلا ضخما ذو عضلاتٍ قوية يكاد أن يخفيها بحجمه .....خشن الملامح صلب الهيئة وذو لحيةٍ صغيرة تحيط بفمه في أناقة و رجولة ......كان يتكلم باهتمام مقطبا جبينه وكأنه لا يرى تلك الجميلة الواقفة أمامه ... بل أن كل تركيزه منصب على ذلك الحوار الذي يأسرها به لتستمع اليه بكل هذا الإنتباه ......
رفع فارس نظارته السوداء عن عينيه وهو ينظر اليهما بشراسة .... ثم أخذ يقترب منهما متمهلا الى أن لمحته سما ..... إن كان توقع أن يرى الحماسة في ملامحها لرؤيته فقد خاب توقعه الآن ..... فسما عبست قليلا وهي تنظر اليه بعينين تلمعانِ حنقا من تطفله عليها....
وصل فارس اليها فلاحظه الطبيب الواقف معها فسكت عن الكلام وهو ينظر اليه متسائلا .... الا أن فارس ظل صامتا لعدة لحظات وهو يرمقه بنظراتٍ شرسه و أن كانت النظرات تقتل لكانت أردته قتيلا الآن .......
كانت سما هي من أبتدات بقطع هذا الصمت القاتل فقالت بصوتٍ حاولت قدر الإمكان مدراة الغضب بداخله ......
( دكتور اسلام ..... أعرفك بفارس ....... زوجي )
نطقها لكلمة زوجي اثارت غضب فارس للغاية ... فقد نطقتها بصوتٍ خافت قليلا و كأنها تخجل منها ..... من المفترض أن تشعر بالزهو لأنها زوجة فارس مهران .... لا أن تقولها بهذه الطريقة المحرجة ......
تابعت سما تقول لفارس بغيظٍ لم يلمحه الا هو ( فارس ....... أعرفك النائب اسلام )
أحنى الطبيب المجاور لها رأسه لفارس في تحيةٍ جوفاء زادتت من غضبه اكثر واكثر ..... ثم عاد الصمت ليسود وكأنهما ينتظران منه الانصراف .......
قال فارس في حدةٍ مفاجئة ( سما ..........هيا لننصرف .......)
عقدت حاجبيها وهي تنفث حمما من فمها الغاضب ..... لكنها آثرت السلامة فالتفتت الى الطبيب مبتسمة باعتذار وهي تقول برقة لم تمنحها لفارس منذ أن وصل
( اعتذر بشدة دكتور ......لابد لي من الانصراف , لدينا موعدا هاما )
ابتسم الطبيب لها برقة وهو يقول بهدوء ( لا عليك سما تفضلي ..... لكن لا تنسي ذلك التقرير )
أومأت برأسها مبتسمة ثم مدت يدها اليه تنوى مصافحته الا أن فارس مد يده بسرعةٍ ليلتقط يدها الممدودة و جرها خلفه بعد أن ابتسم للطبيب ابتسامة باردة تعتبر تحيه غبية .......
ظلت سما تسرع الخطا خلفه وهي تشعر بانها على وشكِ الانفجار من شدة غضبها على فظاظة فارس و احراجه لها أمام استاذها ....
جذبت يدها من يده بعنف و وقفت مكانها بصلابة ... فتوقف مكانه ليستدير اليها متسائلا بغضب الا أنها لم تمهله ليسأل بل سألته بحدة
( ما الذى أتى بك يا فارس ؟؟..... كم مرةٍ أخبرتك أنني لا أريدك أن تأتي الي هنا ؟؟ أنت تحرجني بمظهرك و تصرفاتك )
اتسعت عيناه قليلا وهو ينظر اليها .... يحرجها ؟...... بمظهره وتصرفاته ؟؟!!...........شعر بأنه على وشكِ ارتكاب جريمة لذا حاول جاهدا السيطرة على نفسه وهو يقول ضاغطا على أسنانه ....
( هيا للنصرف الآن وسيكون لنا حديثا آخر في البيت ............ثم من هذا الذي كنت تقفين معه هذه الوقفة الوقحة وحدكما )
جاء دورها لتتسع عيناها هي الأخرى ثم قالت بغضب
( وقفة وقحة ؟؟؟!!..... إنه استاذي ... وكنا نتكلم في أمورٍ أنت بالتأكيد لن تفهمها مهما حاولت )
ازدادت شراسة عينيه و كاد أن يبطش بها ... الا أن ما منعه هو اقتراب فتاة جميلة لا يتجاوز عمرها التاسعة عشر .....تحمل أيضا معطفها الابيض وتتهادى بدلالٍ من سما الى أن وقفت بجانبها دون أن ترفع عينيها عن فارس ........ثم قالت وهي تبتسم باغراء
( مرحبا سما ......عفوا لم اقصد مقاطعتكما )
التفتت اليها سما بشراسة وهي تلمح نظرات الاعجاب الفجة المتجهة الى فارس ... كما لاحظت أيضا بطرف عينها فارس وهو يسارع بتغطية عينيه بنظارته السوداء ..... ليخفي اثار التعرجات المحيطة بهما و ليبدو اكثر وسامة ........
شعرت سما بقلبها ينبض غضبا فلم تتمالك نفسها وهي تنظر الى زميلتها الصغيرة وتقول بحدةٍ واضحة
( مرحبا زهرة ....... لم تقاطعينا أبدا , أعرفك على زوجي فارس ....... فارس , زهرة زميلتي في نفس العام الا أنها تصغرني بأربعة أعوام ......أي أنك لو كنت قد تزوجت في سنٍ أصغر قليلا كان من الممكن أن يكون لديك ابنة في مثل طولها .......إنه في الخامسة و الثلاثين يا زهرة ..... أتصدقين هذا ؟؟..... اقدر دهشتك فأنا أعرف أن فارق العمر بيننا لا يستهان به )
شعر فارس في هذه اللحظة انه على وشكِ ان يقتلها بالفعل وهي تحرجه بهذه الطريقة أمام تلك الفتاة التى احمرت خجلا و احباطا بالرغم من عدم زوال الاعجاب من عينيها ......ثم قالت لسما بصوتٍ مغرٍ هامس و محبط
(يناسبه العمرتماما يا سما .........)
التفتت اليها سما بشراسة و هي ترغب في ضربهما معا ....... دائما ما يجلب معه الاحراج والاستفزاز كلما جاء الى هنا .....
قالت سما بفظاظةٍ لا تناسبها ( هل كنتِ تريدين شيئا يا زهرة ؟...........)
ارتبكت زهرة قليلا وهي تحاول تذكر الحجة التى أتت بها لتكلم سما فلربما عرفتها على من كانت تظنه شقيقها الأكبر .... لتفاجأ بأنه محجوز .....فقالت متلعثمة
( كنت أريد ..... دفتر المحاضرات الخاص بك و سأعيده اليك غدا )
أخرجت سما الدفتر من بين كتبها ثم دفعته بفظاظة بين يدي زميلتها وهي تقول بجفاء
(تفضلي ......... اياكِ و اضاعته او افساده ... لقد تعبت كثيرا في تسجيل ما فيه ..... و أرجو منكن أن تبدأن في كتابة دفاتركن الخاصة ..... لأنني لست المسؤولة عنكن .... كلكن تضيعن وقتكن و أنا الوحيدة التى تقوم بعمل كل شيء لتأخذنه على الجاهز )
عبست زهرة في وجهها و هي تقول تصفها في نفسها بكلماتٍ من المؤكد لن تعجبها .....بينما تطوع فارس ليسحب سما من ذراعها وهو يومىء مبتسما رغما عنه للفتاة الحانقة ......
حاولت سما أن تجذب ذراعها من يده الا أنه تمسك بها اكثر هذه المرة .... الى أن وصلا الى سيارته فركبت حانقة و صفق هو الباب خلفها بغضب ....
انطلقت السيارة بقيادته الحمقاء و التى بدأت في اعتيادها بعد أن يأست من محاولة الزامه بالقيادة الهادئة ......قال بعد فترةٍ و بعد أن هدأ غضبه قليلا
؛( كنت أعرف أمثالك اثناء دراستي ..........)
التفتت اليه بحدة وهي تهتف بلهجةٍ منذرةٍ بالشر ( أمثالي !!!!......)
نظر اليها بطرف عينه ثم عاد لينظر الى الطريق و هو يقول بهدوء مستفز
( نعم .... الذين يأكلون الكتب أكلا , و يشعرون بأن من يأخذ شيئا من ملخصاتهم وكأنه اخذ قطعة من قلبهم )
عقدت حاجبيها بشدة بينما احمر وجهها وازداد غضبها لدرجة انها شعرت باقتراب تفجر دموعها لكنها استطاعت أن تقول بصوتٍ مختنق
( لمجرد العلم فقط .... أنا اساعد الجميع , حتى أنهم بدأو في استغلالي بعض الشيء .... لذا من فضلك لا تبدي ملاحظاتك السخيفة , ثم ما أدراك بالدراسةِ أصلا ؟..... أراهن ان سنوات دراستك كان المفهوم العلمي لها هو عدد الفتيات الاتي أوقعت بهن خلال هذه السنوات )
لم يجبها .... الا أنها شعرت بأنها أوصلته لحافة غضبه بالفعل .... واخذت نفسا عميقا وهي تراه يزيد سرعته اكثر و اكثر ..... ارتجفت بشدة من سرعته الجنونية ... ثم قالت بجفاء تحاول امتصاص غضبه قليلا
( لماذا جئت اليوم ؟...... ولما لم تخبرني قبل أن تأتي )
لم يجبها للحظات ... وظل يقود مراقبا الطريق بغضب , لكنه قال بقسوةٍ بعد فترة
( أردت أن افاجئك و أصحبك لتناول الغذاء في الخارج ...... )
تنهدت مرتجفة وهي تشعر بقلبها الضعيف يحن اليه ثم قالت بصوتٍ خافت ( الى أين سنذهب ؟..........)
اجاب بكلمةٍ قاطعة ( الى البيت ........) فتحت عينيها وقالت برجاءٍ ضعيف ( الم تقل ........)
قاطعها بقسوةٍ ( غيرت رأيي ...... أنت لا تستحقين شيئا , سنذهب الي البيت و سامنحك نصف ساعة فقط لأرى الطعام جاهزا أمامي )
عبست مرة اخرى ثم قالت بغضب ( لن أحضر شيئا ........ لست طفلة لتعاقبني )
نظر اليها بغضب ثم قال بصوتٍ مهدد ( سنرى هذا حين نصل ........)
ابتلعت سما ريقها وهي تنظر من نافذة السيارة تسال نفسها عن السبب التافه الذى جعلها تسعى لاستفزازه الى هذه الدرجة .... لم يكن حضوره يستحق كل هذا الغضب ...........
حين وصلا الى بيتهما ....سارعت سما للصعود وقد بدات تشعر بفقدانها دفعة الشجاعة التى كانت تكلمه بها منذ قليل..........سمعته يصفق الباب بعد ان دخل ... وقبل أن تهرب هي الى غرفتهما كان يقول بصرامة
( سماااا ......)
تسمرت مكانها دون ان تلتفت اليه ..... ماذا تفعل الآن ....لقد أثارت غضبه الغبي وقد حدث ما حدث .........ظلت واقفة و قد استبد بها الخوف رغما عنها و هي تسمع خطواته تقترب منها الى أن وقف خلفها مباشرة
ثم قبضت يداه على ذراعيها لتديرها ناحيته بقوة فأخفضت رأسها لا تريد أن تنظر اليه ..... لكن صوته صدمها حين قال بقوة
( انظري الي ..........)
ارتجفت قليلا الا أنها رفعت رأسها ببطء لتنظر اليه دون أن تظهر خوفها ... فتطلعت الى عينيه القاسيتين وهما تنظرانِ الى عينيها طويلا ...... ثم قال بلهجةٍ خطرة
( اذن فأنا احرجك أمام زملائك بمظهري ..........)
عادت لتخفض راسها وقد فقدت قدرتها على ادعاء الشجاعة .. همست مرتجفة (لم أقصد بهذا الشكل .....)
الا أن فارس تابع يقاطعها بنفس الصلابة
( وأنا لن افهم ما كنتما تتحدثانِ عنه مهما حاولت .........)
تخبط قلبها بين ضلوعها وعضت على شفتيها وهي ترفض النظر اليه .. بينما تابع مجددا
( وأنا مفهوم سنوات الدراسة عندي يتمثل في عدد القتيات الاتي أوقعت بهن .........)
أغمضت سما عينيها و مستمرة في الاطراق برأسها رعبا ..... ماذا دهاها لتهاجمه بهذا الشكل لمجرد أنه أتى اليها ........استطاعت أن تتفوه بضعف
( وأنت قلت انني ممن يأكلون الكتب ومن يأخذ منهم شيئا يكون كمن اخذ حياتهم ..........)
قاطعها قائلا بهدوء ( قطعة من قلوبهم ........)
رفعت سما عينيها الجميلتين الخائفتين تنظر اليه وهي تسال بحيرة ( ماذا ؟؟........)
قال فارس بهدوء ( قلت قطعة من قلوبهم ... وليست حياتهم .... هكذا كنا نطلق عليهم ... أكلة الكتب )
زمت سما شفتيها بغضب الا انها لم تجرؤ على التفوه بكلمةٍ حتى لا تزيد من غضبه المرعب ...... شعرت بوجهه يقترب منها اكثر حتى لامست انفاسه عنقها فعادت لتغمض عينيها تجاه موجة الشوق المعتادة التى تصيبها ما أن يقترب منها
سمعت صوته يهمس بحزنٍ معاتبا بأنفاسه الدافئة ( هل أصبحت أحرجك الآن يا سما ؟...........لم تشعريني يوما بهذا قبل أن أستعيد بصري )
زفرت نفسا مرتجفا و هزت راسها نفيا وهي غير متيقنة مما تنفيه حقا ..... لقد آلمته ...... لقد جرحته و يظهر هذا بوضوح في صوته
همست بضعف
( أنت لا تحرجني ..... ولم تحرجني يوما , لا زلت غير معتادة على تلك الهالة المحيطة بفارس مهران ...... لست معتادة على الانتماء الى فارس مهران ...... اعتدت دوما على انتماء فارس لي ..... انا خائفة ..... خائفة جدا يا فارس من أن يأتي يوما .........)
وضع اصبعه على شفتيها قبل أن تكمل ما كانت ستقوله .... فابتلعت كلماتها وهي ترفع عينيها اليه لتذوب في سحر عينيه المجعدتين
لكن في عينيها هي ... لم ترى عينين أجمل منهما يوما .....
أحاط فارس وجهها بكفيه ليرفعه اليه ......و ذاب هو الآخر في عينيها السماوتين ثم قال بصوتٍ خنقه الشغف بسماؤه
( ومن كان فارس مهران قبل ياسمينا ؟.......ومن سيكون بعدها ؟..... )
لمعت عيناها بالدموع الماسية ...ولم تستطع النطق طويلا ... من ستكون سما بدون فارس .....لم تكن هناك ياسمينا قبل فارس .....
تشعر أنها ستظل دائما تحيا خوف الشبح المسيطر عليها منذ سنوات ... رحيل فارس بعيدا عنها .....
ابتلعت تلك الغصة التى تخنق حلقها ثم قالت بتعثر و اختناق
( اذن ..... هل ستصحبني للغذاء أم ماذا ؟.......)
ابتسم ببطء شبه ابتسامة شيطانية ثم مد إصبعه الاسمر ليمسح دمعة تعلقت عند زاوية عينيها ......وهو يهز رأسه نافيا
عقدت حاجبيها وهي تراه مصرا على معاقبتها فابعدت إصبعه عن بشرتها الناعمة و قالت بغضبٍ طفولي
( حسنا .... ابتعد عن طريقي , نصف ساعة و سيكون طعامك جاهزا )
لكنه لم يبتعد .. بل أمسك بخصرها بيديه القويتين و ابتسامته تزداد اتساعا بينما نظراته تزداد عبثا وهز رأسه معترضا مرة أخرى
تلوت سما تريد الفكاك من بين يديه المحكمتين على خصرها وهي تقول بغضب
( ابتعد يا فارس ..... إن كنت تظن أن اسلوب معاقبتي هذا سيجدي فأنت مخطىء )
لكنه شدها بقوةٍ لترتطم به ثم عاد ليقترب من وجهها ليهمس فوق فكها
(بل اعتقد أنه سيجدي جدا يا سيدة سما ....... و سأريك بنفسي )
كانت تبتسم دون إرادة منها بينما حاجبيها معقودانِ غضبا وهي مستمرة في مقاومته ....وكان هو يفكر مبتهجا ... كم تبدو شهية وهي تفقد القدرة على مقاومة انجذابها اليه حتى في لحظات غضبها منه ....
بعد فترة طويلة و بعد أن تجاوزا فترة الغذاء ليتحول الى عشاء كانت سما تعده في المطبخ ...... كان فارس جالسا على حافة الفراش ممسكا بصندوقِ سما الخاص ..... صندوق الأسرار ......
إنها لا تعلم أنه تقريبا يخرجه من مخبؤه كل يوم ......فهي تعتقد أنها تخفيه جيدا ... في دولاب ملابسها .... مختفي تحت الكنزات المطوية ......وهو لا يعلم لماذا لا تظهره له بنفسها ...... لكنه لا يشعر بالخجل أبدا من إخراجه كل يومٍ للعبث بمحتوياته ....فلا مجال للخصوصيةِ بينه و بين ياسمينته الصغيرة
فتح الصندوق الخشبي الجميل ..... ثم أخرج منه زرافة خشبية صغيرة .......أخذ يتلمسها برفق بأصابعه الخشنة .....ابتسم بحنان ثم تركها ليخرج فيلا خشبي .... ضحك فارس وهو ينظر الى أنف الفيل المشوه .....وضعه ليخرج قردا طريفا صغيرا ..... إنه لا يتذكر هذا الصغير تماما ... ابتسم وهو ينظر اليه ثم همس برقةٍ مخاطبا هذا القرد الصغير
؛( متى صنعتك أيها الصغير ؟..... لتأخذك صغيرتي و تخفيك بداخل قلبها )
التقط صورة لشخصٍ وسيمٍ تافه .... عاش تائها في حياةٍ طويلة باحثا عن شيءٍ لم يكن يدري ما هو ...... الى أن وجده دون أن يراه .....
سما ........قلب الصورة ليقرأ ما خطته أنامل رقيقةٍ على ظهرها
( اليك أهدي حبي يا من أحببتك دون أن تراني .... أما من نسمةٍ تطير اليك لتهمس لك بسرٍصغير....... عاش ليخفيهِ قلب ينبض من حولك ... مناديا صارخا باسمك ..... أما من نبضةٍ يرسلها قلبك المجروح يا فارسي الأعمى .... يا من لا تراني ولا أرى سواك )
التمعت عينا فارس بدموعٍ حبيسة وهو يشعر بقلبه يصرخ مرسلا كل نبضاته الى تلك الصغيرة الوحيدة والتى لم تتعدى سنواتها السبعة عشر......... همس فارس مختنقا
( ها أنا قد وجدتك حبيبتي ..... ووعدا مني الا أضيعك أبدا , فاغفري لفارسك الأعمى و الذى لا يرى سواكِ )
( فااارس .......)
قاطعه صوتها الحبيب وهي تناديه يسبقها رائحة طعامها الشهي ..... أخذ نفسا عميقا محاولا السيطرة على الألم الذى لن يغادره أبدا مهما صفحت عنه ......
أغلق الصندوق الحبيب و أعاده مختبئا في مكانه السري وهو يعده أن يفتحه غدا من جديد ...... دون علم مالكته .......
هتف فارس وهو يجلي حنجرته المتألمة ( أنا قادم ياسمينا ..........)

الخاتمة (2) 

كانت تجلس وحيدة ....تنظر الى السماء التى غربت عنها الشمس منذ دقائق .......إنها تجلس هنا منذ ساعتين .... تنتظره دون جدوى ....لقد بكت وترجته أن يأتي .... فأجابها متمهلا مدعيا التفكير على مضض أنه سيحاول , فتوسلته من جديد ..... بكت كثيرا و صرخت تنشج .... أنها مستعدة لتوسل حبه من جديد ..... مالذى أصابها ..... والى أي حالٍ أوصلها ...... لماذا لا تستطيع أن تخرجه من حياتها ببساطة .... لماذا تشعر بأن حياتها متوقفة على نجاحها في استعادته .......
غطت الدموع وجهها و أغرقته تماما بنعومةٍ صامتة .... جذبت أنظار كل من يجلس حولها في ذلك المقهى الجميل و الذي تنبعث منه أنغامٍ موسيقيةٍ حالمة ممتزجة براحةِ البن الرائع ..... لقد اختارته لتثير لديه الحنين للقائاتهما هنا منذ سنوات ......
لكنه لم يأتي ..... وها هي تجلس لتبكي من جديد ..... تبكي حبها الذى سرقته ساحرة شيطانيةٍ سوداء ...... امتصت حبه ثم لفظته بلا روح .... لتذهب و تسلب روح أخيها الوحيد ..... و تمتلك ابنته التى كانت على وشكِ ان تناديها بأمي يوما بدلا من كلمة عمتي ... لولا اعتراض احمد القاسي ...... وليس هذا فحسب ......بل أنها في طرفةِ عين أتت له بصغيرةٍ شريرةٍ مثلها ......
وهي التى عاشت سنواتٍ لتحاول وتحاول دون جدوى .........
لم تستطع منع شهقةِ بكاءٍ انفلتت من بين شفتيها فجذبت الأنظار اليها بدهشةٍ أكبر ..الى تلك المخلوقة الذهبية ..ذات الشعر الذهبي المتطاير و العينين اللتين تشبهانِ بركتين من العسل الصافي الغارق في دموعهما ..... لحظتها تحرك ذلك الظل الداكن و الذي كان جالسا في زاويةٍ بعيدةٍ في نفس المقهى ليراقبها بغضبٍ ناري .......اقترب منها ببطء دون أن تشعر بوجوده حتى بعد أن أشرف عليها بطوله الفارع .....أخرج من جيبه ورقتين نقديتين تفوقانِ ثمن القهوة الحزينة التى طلبتها دون أن تمسها فأصبحت في برودةِ الطريق الشاحب بعد هطول الأمطار .......
نظر اليها بعبوس وهي تبدو تائهة في عالمها الحزين البائس دون حتى أن تلمحه .....فمد يده دون أن يستطيع منع نفسه و التقط يدها الموضوعة على الطاولة ليجذبها اليه وهو يقول بخشونة
( هيا يا دارين ...لن يأتي )
انتفضت مذعورة وهي تنظر اليه من بين دموعها ..... فقالت بدهشةٍ وصدمة
( ما الذي أتى بك الى هنا .........)
ظل ينظر اليها بعبوس .... ممسكا بيدها المرفوعة اليه بينما هي جالسة مكانها تنظر اليه بضياع و الدموع تأبى أن تجف من على وجهها
قال بصلابة ( قلت لكِ هيا .... و سنتكلم لاحقا )
ارتجفت قليلا خوفا من نظراته القاسية .... تلك العينانِ تخيفانها بشدةٍ .... بلونهما الغريب ونظراتهما الثعبانية ......إنها تلعب بالنار وهي تعرف ذلك ..... وذلك الشرس الواقف أمامها بهيئته الساحرة سيذيقها أياما أشد وطأة مما عرفته سابقا
تلعثمت وهي تقول بخوف ( كنت ..... كنت منتظرة صديقتي .... إنها .....)
لم يمهلها لتكمل كلامها بل جذب يدها بقسوةٍ لينهضها من مكانها حتى أنها اصطدمت بالطاولة و أراقت القهوة الباردة على ثوبها .... وأصبح منظرهما غاية في الفظاعة أمام الأنظار الفضولية ......لكنه لم يأبه أبدا وقال بهمسٍ خطير
( هيا بنا لنخرج من هنا يا دارين قبل أن أفعل ما قد أندم عليه فيما بعد..............)
ارتعشت بشدة وهي تنظر اليه برعب ثم أومأت برأسها دون أن تنطق حرفا .... فقط التقطت حقيبتها لتسمح له بجرها خلفه.........
.................................................. .................................................. .................................................. .
دخل احمد مكتب ادهم مهران دون استئذان وهو يبدو على وشكِ خنق أحدهم .....رفع ادهم عينيه عن حاسوبه وهو ينظر بدهشةٍ الى احمد الذي يطل الغضب من عينيه وما أن وصل الى مكتب ادهم حتى رمى الملف الذي كان يمسك به ليسقط أمام ادهم مباشرة على سطح المكتب وهو يهتف بحنق
( لقد أخذتها ........)
عقد ادهم حاجبيه وهو ينظر الى احمد ثم بدلا من ان يساله عن سبب غضبه الاحمق استعاض عن اضاعة الوقت ففتح الملف الملقى امامه ليتعرف فورا على اوراق الصفقة التى كانو يعدون لها منذ شهرين ......فرفع ادهم نظره الى احمد وقال بهدوء
(من أخذها ؟ اليس من المفترض ان بيننا وبين المجموعات الأخرى اتفاقٍ على عدم تجاوز الأدوار المعلنة ...........من تجرأ ليخرق هذا الإتفاق ؟.......)
هتف احمد بغضب ( ومن غيرها ...... مجموعة عماد الراشد )
اتسعت عينا ادهم وهو ينظر الى احمد ..... وقفزت الى ذهنه صورة صغيرته المخادعة وهي تجلس بجواره على طاولة العشاء وقد بدا عليها الإرتباك الشديد ... وكلما نظر اليها اثناء تناوله الطعام ... كانت تبادله النظر بابتسامتة تزداد عذوبة و إغراءا مرة بعد مرة حتى نسي تماما ما كان ينوي قوله .........
ظل شاردا قليلا وهو يتذكر حلاه المشرقة و المتدفقة العاطفة ..... فظهر طيف ابتسامة على فمه اخذ يتسع تدريجيا حتى انفجر فجأة في الضحك .........
ازداد اشتعال غضب احمد وهو ينظر الى ادهم الذي يضحك دون أن يهتم بتلك الصفقة .........والتى لم تكن مهمة لديه هو شخصيا الا بعد أن شهد غدر سابين التى تعيش معه بمنتهى البراءة دون أن تخبره بما تنويه من أعمالٍ إجرامية ......
قال احمد بغضب (ادهم ..... لا تستفزني أكثر , العمل عمل ....إن سكتنا هذه المرة أيضا ستضيع هيبتنا في السوق )
استمر ادهم يضحك لكن رأفة بحال احمد الذي كان على وشكِ الإنفجار غضبا .....حاول السيطرة على ضحكه ثم قال بهدوء
( احمد ..... لنكن صرحاء مع أنفسنا , هذه الصفقة صغيرة نوعا ما بالنسبةِ إلينا ...... لكنها تعتبر هائلة بالنسبةِ اليهن فلما كل هذا الغضب؟ ...... ثم أنك المسؤول الأول عن هذا بتعمدك استثناء مجموعة عماد الراشد من اتفاق رجال الأعمال ...... لذا فمن حقهم خرق اتفاقٍ لم يَتفِقوا عليه أصلا .......)
شعر احمد بأنه على وشكِ ضرب هذا العاشق المتيم الجالس أمامه و الذي يتكلم بمنتهى البرود و أوشك على أن يرميه برأيه الا أن رنين هاتفه قاطعه فالتقطه ليجد أسم سابين مضيئا فرد مسرعا
( مرحبا حبيبتي .......)
وصله صوت سابين تقول برقةٍ مخادعة ( احمد حبيبي ..... أعتقد أنهم يريدوننا أنا وأنت في مدرسة تالا ......الآن )
عقد احمد حاجبيه وهو يقول بقلق ( الآن ..... لماذا ؟هل حدث شيء لتالا ؟.....)
أجابته بسرعة ( لا ....لا ...تالا بخير , أعتقد أنه أمر تافه.......لكنهم يريدوننا الآن )
تحير احمد من طلب المدرسة المفاجىء لكنه أجاب بسرعة ( دقائق و أكون هناك .... الى اللقاء حبيبتي )
أغلق احمد الخط وعاد لينظر لادهم الذي كان ينظر اليه مبتسما ..... فعبس احمد قائلا ( ماذا ؟؟.........)
أجاب ادهم مبتسما ( الى اللقاء حبيبتي ؟!!.........لم أرك تكسر أضلاعها لما فعلته )
ابتسم احمد قليلا ثم قال بهدوء ( سأكسرهم في البيت ...... كيف سأطولها و هي على الهاتف ؟)
ثم تابع قائلا وهو يغادر ( سأذهب الآن لأرى أية كارثة قد تسببت فيها تالا ..................)
.................................................. .................................................. .........................................
كان احمد يجلس بجوار سابين التى تجلس واضعة ساقا فوق الأخرى و هي تنظر بصلفٍ الى الزوجينِ الغاضبينِ الجالسينِ أمامهما في حجرة مديرة المدرسة .... والتى كانت بدورها تجلس متوترة خلف مكتبها ........ثم تنحنحت قليلا مخاطبة احمد
( سيد احمد لقد استدعيتك اليوم لأن تصرفا كالذي حدث ......لا يليق بالمدرسة )
نظر احمد بتوجس الى مديرة المدرسة وهو لم يفهم بعد ما فعلته تالا .......ثم قال بقلق
( هل أخطأت تالا خطأ كبيرا الى هذه الدرجة ؟...........)
عبست مديرة المدرسة وهي تقول بصرامة ( لم تفعل تالا شيئا يا سيد احمد ..... لكن السيدة سابين فعلت )
عقد احمد حاجبيه بشدةٍ وهو ينظر الى سابين مستفسرا .... الا انها نظرت اليه بهدوءٍ ثم عادت لتنظر نظرة ارهاب الى الزوجين الغاضبين امامها .....
تبرعت لحظتها تلك السيدة الجالسة امامهما بالقول
( هل توافق على أن تمد زوجتك يدها على ابني .............)
اتسعت عينا احمد بصدمة وهو ينظر الى سابين التى لم تفقد هدوئها .....بل قالت بمنتهى البرود
( لقد جذبته من قميصه فقط ..... أي أنني عمليا لم أضع يدي عليه )
ازداد اتساع عينا احمد و هو ينظر الى برودها الامتناهي .......بينما قالت السيدة الأخرى بغضبٍ هادر
( لقد رفعته عن الأرض ......و هددته بحلق شعر رأسه كاملا .....)
أغمض احمد عينيه وهو يهمس .... يا الهي ......الا أن سابين أنزلت ساقها بعنف وهي تندفع الى الأمام هاتفة بحدة
؛( و ابنك يضايق ابنتى منذ بداية العام ...... لقد أنذرته أكثر من مرة و لم يرتدع )
وضع احمد يده على ركبة سابين يمسكها بقوةٍ و هو يرميها بنظرةٍ مهددةٍ حتى لا تتمادى اكثر و تفضحه أكثر من هذا ..... فنظرت اليه سابين بحنقٍ لكنها استسلمت و رجعت الى مقعدها بغضب .......بينما قضى احمد الساعة التالية كلها في الإعتذار الى والد الطفل و والدته و الى مديرة المدرسة .........
وبعد عودتهما الى البيت سارعت سابين الى التقاط تميمة الصغيرة من بين ذراعي امتثال وتضمها الى صدرها وهي تحييها بكلماتٍ مداعبة ...... جاء احمد خلفها وهو يقول بحدة
( سابين ..... الى متى ستظلين تتصرفين تلك التصرفات الهوجاء , تضربين ولدا صغيرا , يالهي لا أصدق أنك وضعتني في هذا الموقف وأنا الذى كنت أظن انهم قد استدعوني من أجل تالا .... لأفاجأ بأن زوجتي هي السبب )
نظرت اليه سابين بتحدٍ سافر و قالت بقوة ( إنها لا تستطيع المواجهة, بالرغم من عدم خوفها من شيء ..الا إنها لا تواجه أبدا .... أردت أن أعلمها كيف كيف تواجه أمثال هذا الغبي الصغير .... هل رأيته .... هل رأيت كيف ينظر بغباء و استفزاز ..... لقد كنت طيبة معه جدا بالنسبة الى ما يستحقه ...... أنت لا تعلم كيف كنت أصارع الأولاد الأكبر مني سنا عندما كنت في مثل سن تالا )
وقبل أن يجيبها كانت قد انطلقت الى غرفة تميمة لتضعها في فراشها الصغير ......لكنه تبعها مصرا وهو يقول بحدة
( سابين ..... أنت ستفسدين كل ما حاولت غرزه في تالا يوما , ......لا أريدك أن تنشئيها على أساليب ايثار الراشد )
توقفت مكانها تماما توليه ظهرها .......لم يرى سوى شعرها الاسود و قد اختفت عنه كل انطباعاتها ...... زفر بقوةٍ ثم اقترب منها ببطء و أمسك بكتفيها بكفين حازمين .... همس بصوته العميق
( سابين ...... سابين انظري الي )
لكنه كان يشعر بتشنجح عضلاتها تحت يديه ......فعاد ليمسد كتفيها وهو يقول برفق ( سابين ...... حبيبتي , ستغضبين مني الآن ؟؟)
استدارت ببطءٍ لتنظر اليه بعينين قاسيتين كالحجر ثم قالت بهدوء ( كلما تجادلنا في موضوعٍ سنعود الى نفس النقطة ..... اليس كذلك ؟)
عقد حاجبيه وهو يحيط عنقها الناعم بيديه ناظرا الى عمق عينيها ...... ثم قال
( سابين .....ستظل بيننا اختلافاتٍ كثيرة , لن انكر هذا ابدا , لكني ساقول لك بكل قوة ..... أنا أحبك سابين , أحبك بقوةٍ جعلتني أرى بداخلي شخصا لم أعرفه قبل أن أعرفك أبدا ...... فاياكِ أن تجعلي شيئا ... أي شيء يبعدنا أكثر عن بعضنا , سأظل متذمرا من كل طرقك في الحياة .. من جنونك و غطرستك ...من سلاطة لسانك و نظراتك العابثة ....... سأحاول دوما أن أخضعك ......لكن حبك سيظل قيدي الى الأبد .......)
نظرت اليه بدهشةٍ قليلا و ابتسامة يأسٍ صغيرة تظهر على شفتيها .... ذلك المارد الضخم الأحمق ..... من المفترض أنه الآن ينقل اليها عواطفه الجياشة .....
سيظل متذمرا من طرقها في الحياة ..... من جنونها وغطرستها ......من سلاطة لسانها و نظراتها العابثة !!.... الا يعلم الأحمق أنها لم تعد تنظر بعبثٍ لسواه ..... ذلك الضخم الهمجي ملأ عينيها لدرجة أنها لم تعد تعترف برجلٍ غيره ........
سيحاول دوما أن يخضعها ........ و يخبرها بهذا بكل بساطةٍ وسذاجة ... ... إنه باخبارها ذلك ينمي فيها الجنون أكثر وأكثر و يشوقها لتحدي كل ما سيحاوله يوما ..... أحيانا تشك في ذكاء الرجال مهما بلغت مناصبهم في الحياة ..........
ابتسمت أكثر وهي تتسائل .... هل هذه هي فكرته عن الطريقة المثلى لشرح مشاعره تجاهها ........
لكن حبك سيظل قيدي الى الأبد ......هاكذا أنهى خطبته الرائعة ..... لماذا لم يقل تلك الجملة فحسب .....
مدت يدها لتحيط بها عنقه و تستطيل على أطراف أقدامها بالرغم من طولها الفارع ..... ثم نظرت الى عينيه البنيتين العميقتين وهمست بإغراءٍ عبقري
( اطمئن يا مهراني ..... ابنة ايثار الراشد لا تتقبل الهزيمة , ولا تسمح بضياع ما يخصها من بين يديها )
أحاط خصرها بيديه وقال مبتسما ( وما هو هذا الذي يخصك ولن تسمحي بضياعه ؟...........)
لم تتنازل و تجيبه ......بل ارتفعت لتقبله بقوةٍ تخبره عما تملكه ..... ضمها اليه بقوة بين ذراعيه ..... لكم تحب القوة التى يضمها بها
تشعر وكأنه يريد أن يدخلها بداخل صدره .... تشعر بأنه حين يضمها يكون متخوفا أن تفلت منه .......
ارتفع رأسه بعد فترةٍ وهو يقول هاتفا بعبوس ( كدت أن أنسى ..... كيف تجرأت على مواجهتي و تحدي اسمي بنيل تلك الصفقة من دونِ علمي ..... أتعرفين إن كان أحدا آخر تجرأ ليفعلها كنت لأسحقه .........كيف تمكنتِ من خداعي بهذا الشكل , ماذا سيقول الناس .... أنني أسهل لك مرور الصفقات اكراما لأنكِ زوجتي ؟)
يمرر لها الصفقات ؟؟....... و إكراما لأنها ؟؟؟!!!!........ إن ضربته الآن فهل يعتبر هذا تجاوزا للحدود الزوجية المحترمة ؟؟.........
رمشت بعينيها قليلا حتى لا تتفوه بما قد تندم عليه ... ثم قالت بعد فترةٍ بمنتهى العملية دون أن تفك قيدها من حول عنقه
( مقابلة سابين الراشد تستلزم أخذ ميعاد و انتظار الرد إن كنت سأوافق أصلا على مقابلتك أم لا ......يمكنك أخذ موعد )
عقد حاجبيه ثم قال ( سابين ..... لست أمزح حاليا ......)
لكن سابين قاطعته وهي تجذب ربطة عنقه لتقرب وجهه من وجهها وهي تهمس بشراسة
( و قسما بالله .... إن أعدت الحديث عن العمل الآن فسوف تنام الليلة في حجرة الضيوف , أو بجوار تالا على أحسن تقدير )
شعر بأنه في هذه اللحظة يتمنى لو لكمها لكمة لتغير خريطة معالم وجهها ....... لكنه آثر السلامة , فلا نية لديه للنومِ بعيدا عنها الليلة ...أو أية ليلة من ليالي حياته ........
حسنا فليتنازل هذه المرة و غدا سيحاول أخذ موعدا من رئيسة مجلس إدارة مجموعة عماد الراشد .... ليبدآ اتفاقا جديدا بين المجموعتين
أما الآن .... الآن يريد فقط أن يطمئن أنها في أحضانه .....يخاف أن تهرب منه من جديد .......
عاد ليعتصرها بين ذراعيها بقوةٍ حتى سمعها راضيا و هي تئن من شدة ضغطه هذه المرة أكثر ..... فحملها بين ذراعيه وهي متعلقة بعنقه تضحك بالم و تشعر بأن ضلوعها على وشكِ التحطم ...... فدفنت وجهها في عنقه تستمتع برائحته العطرة .....
للحظةٍ دعت الله الا يحرمها من هذه الرائحة يوما ..... قبلها بقوةٍ ثم همس في أذنها بصوتٍ عميق
( اعتذري عن كل ما سببته لي يوما .........)
لم يترك وجهها عنقه وهي تضحك برقةٍ أذابت قلبه ......وهمست ( أنت تطلب هذا الطلب كل يوم ...... الن تيأس ؟؟)
لو رفعت رأسها لرأت نظرة حنانٍ تذيب الحجر تطل من عينيه وهو يقول بحب
( لن أمل .... ولن أيأس ..... ستعتذرين يا سابين )
رفعت وجهها الساحر اليه لتهمس له بحب ( اعتذر يا أحمد لأني لن أعتذر لك أبدا )
اتسعت ابتسامته و قال بيقين ( بل ستعتذرين يوما ...... فلما لا تعتذرين الآن و تختصري الوقت )
ظلت تنظر اليه تكاد تتشرب ملامح وجهه الصلبة بعينيها الزرقاوين المشعتين ...... ودعت الله من جديد الا يحرمها منه أبدا .......ولتظل أسيرته للأبد ...... فقد كانت تلك هي تعويذة تالا الصغيرة التى نثرتها فوق رأسها يوما .........
.................................................. .................................................. ....................................
كانت تنظر اليه وقلبها يخفق بشدة بين ضلوعها ...... تراه وهو يحمل تميمة الصغيرة و التى قاربت الآن على السبعة أشهر ......
الصغيرة لم تكمل بعد العام من عمرها ...... وها هي تسقط أسيرة لسحره .... فكلما حملها بين ذراعيه تأخذ في الضحك و الزقزقة كصغار الطيور ..... أنها لا تضحك بهذه الطريقة لأي أحد غيره ....... غير وحش آل مهران .........
ماذا فعلت طيبا في حياتي لأستحق رجلا مثلك ......ستظل تسأل نفسها هذا السؤال كل يومٍ وكل ليلة .... ولن تحصل على إجابة أبدا ......غير القدر كان يدخره لها منذ أن وجدت في هذه الدنيا لتذوق عذابها ...... مؤقتا فقط الى أن حان موعدها معه .......
رفع في لحظةٍ خاطفة وجهه الضاحك اليها ....ليأسر نظراتِ الشوق التي تخصه بها وحده ...........ففاض من عينيه شوقُ يفوقه ..... وتراجعت ضحكته لتصبح ابتسامة خاصة .... خاصة بحلا الراشد فقط ......
اقترب منها وهي واقفة في مدخل القصر في ذلك اليوم الربيعي و الذي اختاروه ليجتمعو سويا كنهاية كلِ أسبوع ........
صعد السلالم القليلة التى تفصلها عنه و انحنى ليقبلها دون أن يتكلم .... و كأن قبلته في حد ذاتها هي كل ما أراد قوله ........
ابتعد عنها قليلا بينما تشبثت كف تميمة الصغير بخصلةٍ من شعر حلا الطويل و جذبتها ... لا تريد أن تتركها .... فضحكت حلا وهي تميل برأسها الى الصغيرة اتقاءا للألم .......
مد ادهم يده ليتحسس بطن حلا برفق وهو يقول مبتسما ( لماذا تقفين طويلا ؟..........)
ردت حلا مبتسمة ( لم اقف الا للتو ..... لقد مللت الجلوس ..... متى ستوقف أحكامك العرفية ضدي ؟..... الا يكفي أنني أعمل من المنزل ؟.......)
رد ادهم بجدية ( يجب أن تكوني ممتنة لأنني أسمح لك بالعمل أصلا ........مجرد نظرك لشاشة الحاسوب طويلا يضايقني )
ابتسمت اكثر .....وهمست ( إنها تتحرك ..........)
ابتسم ادهم ومد يده سريعا ليضعها على بطنها من جديد ... حين شعر بركلةٍ قوية تضرب يده فانتعش قلبه و ذابت عيناه ..... يبدو أنها ستكون قوية تلك الصغيرة ......و لم ستكون ضعيفة ؟؟...... فأمها هي القوة بحد ذاتها ...... أمها التى رباها بنفسه ........
رفع عينيه العميقتين اليها فأبصر دموعها و قد انهمرت على وجهها ..... ولم يسألها عن سببها ..... قديما أيضا كان يتجنب سؤالها عن سبب دموعها ... قد يكون بسبب معرفته السبب ..... ذلك الألم الذي كان يخشاه و يتجنبه ........
أما الآن فو لا يسألها لأنه موقنا من السبب ..... ما اجمل دموعها الآن كلما نظرت اليه ..... وهل يلومها ؟..... لولا أن رجولته تمنعه لكان شاركها إياها كلما نظر اليها ........
لقد تاها طويلا الى عادا الى بعضهما ..... الي سكنت أحضانه التى تنتمي اليها ...........
قاطع أفكارهما الصامتة صوت سابين و هي تأتي من خلفهما قائلة بسعادة
( أين صغيرتي ؟.......لقد أنهيت مكالمة العمل بأعجوبة )
ناولها ادهم الصغيرة وهو يقول متذمرا بدعابة ( أنتِ تنجبين و نحن نرعاها من أجلك ........نحن في خدمتك دائما سيدتي )
عبست سابين وهي تلكم ذراعه و تقول بحدة ( الا تكمل عملا طيبا دون تذمر أبدا ..........صدقت مقولة أن الخال والد بالفعل !!!)
مدت حلا يدها لتدلك مكان لكمة سابين على ذراع ادهم وهي تقول بلهفةٍ غاضبة
( لا تقتربي من حبيبي ثانية ..........)
ابتسم ادهم اليها بحب بينما رفعت سابين عينيها الى السماء تلتمس الصبر و هي تقول بملل
( غرامكما أصبح كالمرض ..........)
ثم نزلت الي الحديقة تبحث عن احمد ..... فوجدت فارس جالسا يهمس رقةٍ شيئا أضحك سما الجالسة على حجره بينما احمر وجهها بشدة .... همست سابين بحنق
( موجة الحماقة قد ضربت الجميع اليوم ...... أين اذن زوجي الهمام لنمثل مشهدا أحمقا نحن أيضا )
أخيرا وجدته في زاوية الحديقة .... كان واقفا بجانب دارين التى أصرت أميرة على حضورها ... حتى أنها تقريبا هددتها بغضبها عليها إن لم تحضر اليوم الأسبوعي لإجتماع العائلة ........
نظرت سابين وهي تحمل طفلتها الى احمد وهو يحيط كتفي دارين بذراعه .... يتكلم معها بهدوءٍ حان ...... تجمد قلب سابين حين رفعت دارين نظرها و التقت عيناهما معا ........
لم يرى غيرها تلك النظرة المشبعة بالكره و النوايا القاتلة ...... ضمت سابين طفلتها اكثر الى صدرها دون وعيا منها ...... متى سينتهي هذا الكابوس ..... لكن كيف سينتهي و عمار قد بدأ آخر جديد .....
أقسمت سابين في نفسها .... لو تجرأ أحد على مس سعادتها التى وجدتها أخيرا فلن تتوانى عن استحضار سابين القديمة .... التى لا يردعها رادع ..........
كان عمار ايضا يقف بعيدا ليراقب تلك النظرات المتبادلة بينهما ..... وقد رأى مشاعر دارين جلية لعينيه .... انتابه الغضب الذى صار مألوفا لديه مؤخرا ............
استدار بعنفٍ وهو يلتقط هاتفه من جيبه و يطلب رقما ..... و نظر بطرف عينه ليرى انتفاضة دارين و هي تنظر الى هاتفها ثم ترفع عينيها مجفلة تنظر من حولها في خوف و كأنه قد ضبطها متلبسة .......الى أن رأته ..... فالتفتت لأحمد تهمس له شيئا فأومأ برأسه ..... وهو يراقبها عاقدا حاجبيه وهي تبتعد بتعثر لترد على هاتفها .......
جلست سابين تهدىء نفسها من الغضب الذي انتابها بسبب نظرات دارين ........الى أن جاءت حلا و جلست بهدوءٍ بجوارها تعتصر أصابعها .. تنظر لسابين ثم تعاود النظر أمامها ... قالت أخيرا بتردد
( سابين .......)
نظرت اليها سابين و قالت ( هاتِ ما لديكِ يا حلا ...... أنا واثقة من أنه شيئا لن يعجبني )
قالت حلا بخفوت و حذر ( أمي .........)
لم تمهلها سابين كما توقعت و هتفت بحدة ( كنت أعرف ...... لا أريد سماع أي شيءٍ عنها بعد الآن )
ابتلعت حلا ريقها لكنها صممت على المتابعة ( سابين أرجوك ...... إنها تحتاج الى المساعدة , أنا متأكدة من ذلك ...... قلبي يخبرني )
نظرت اليها سابين بحنق و قالت ( اذن فلتسكتي قلبك الساذج ......... أنها تستطيع حماية نفسها جيدا )
ارتجفت حلا قليلا و همست تنظر أمامها الى البعيد
( هل رأيتِه ؟...... أنه غير طبيعي أبدا ..... لقد رأيت الشر في نظراته , وتلك النظرات أنا أستطيع فهمها جيدا )
ظلت سابين صامتة فترة ثم قالت بقسوة ( هي اختارته بنفسها ....... إنها في السابعة و الاربعين و تتزوج من رجلٍ في الأربعين .... وطبعا لأنه وعدها بالكثير ...... لابد لها أن تدفع الثمن اذن )
قالت حلا بسرعة و هي ترتعش أكثر ( ولما يتزوج رجل مثله من امرأة تكبره بسبع سنوات ....... صدقيني إنه غير مريح أبدا )
لم ترد سابين ... فتابعت حلا بحزن
( لقد رفض ادهم تماما أن يتدخل في الأمر, كما أنه منعني من رؤيتها ثانية بعد زواجها به ....... لم أعهده بهذه القسوة من قبل )
ردت سابين بشرود ( لقد قام اذن بشيءٍ صائب في النهاية ..........)
نظرت حلا الى القسوة الظاهرة على ملامح سابين .... وعرفت أنه لا مجال لتدخلها ...... سألت نفسها كيف تستطيع سابين أن تكون بهذه القسوة .... إن كان هناك من يجب الا يسامح أو يتجاوز عن ما مضى .......فستكون هي ........لكن و لأنها هي .......فهي لا تتحمل ما تتخيله من صورٍ مؤلمة لما قد تكون ايثار تحياه الآن ....... لا شيء يبرر ما يصيبها ..... وهي شبه متيقنة من أنه يصيبها مكروه ......
لقد رأته مرة ..... ونظرت الى عينيه ..... وكانت تلك النظرة كفيلة لأن تعرف ....... أنه مريض .... فقد عاشت مع مريضٍ مثله من قبل .......

                   تمت بحمد الله 

تعليقات