رواية سجينة جبل العامري
الفصل الحادي والعشرون21والثاني والعشرون22
بقلم ندا حسن
ربما، خدعة بسيطة بتدمير العلاقات تكن بداية ظهور الحقائق"
وقف أمامها ذلك الذئب البشري الذي رأته كثيرًا من المرات منذ أن أتت إلى الجزيرة ولكن منذ فترة طويلة لم ترى طيفه ولم تشعر بوجوده.. كيف له أن يخرج الآن!..
تحرك أهدابها بكثرة تنظر إليه بخوف ورهبة شديدة، الارتعاش احتل سائر جسدها وأخذ قلبها يخفق بعنف وقسوة خوفًا مما هو قادم عليها معه..
أقترب منها ينحني على الفراش يستند عليه بإحدى قدميه ليقبض على خصلات شعرها مرة أخرى بقسوة ضارية فصرخت خائفة من اهتياجه وشراسته الواضحة ولكن صوته خرج خافتًا أمام وجهها:
-طاهر طريقك لجهنم يا غزال.. عرفاها؟
رفعت يدها تقبض على يده الممسكة بخصلات شعرها بعد أن شعرت بالألم المُميت يضرب رأسها وكأنه يقتلع شعرها من جذوره قائلة بتردد وارتعاش:
-اسمعني يا جبل أنا هفهمك اللي حصل
سألها قاطبًا جبينه مضيقًا عيناه عليها شاعرًا بالألم يغذو قلبه والغدر متربع على عرشه:
-تفهميني ايه بالظبط
اشتدت يده على خصلاتها يكرر بعنف وغلظة:
-تفهميني إنك خاينة وغدارة وحقيرة
أكمل بنظرات محتقرة ولا يحركه تجاهها إلا العشق الذي اضنى قلبه:
-بس العيب مش عليكي العيب على الخايب اللي زيي اللي سمحلك بالتمادي كده.. العيب عليا علشان حبيت واحدة زيك
حركت يدها أمام وجهه وترقرت الدمعات بعينيها بعدما رأت نظرته المحتقرة نحوها غير مدرك ما الذي حدث يظلمها بقسوة:
-والله العظيم أنا هفهمك كل حاجه بس استنى
وضع إصبع يده أمام شفتيه قائلًا بجمود:
-شش، مش عايز أسمع صوتك..
انهمرت العبرات من عينيها بكثرة خلف بعضهما وكأن باب السجن فتح على مصراعيه، تنظر إليه بضعف وقهر شديد لا تصدق أن كل ما امتلكته سيضيع بهذه الطريقة خرج صوتها ملحًا:
-لازم تسمعني لازم تفهم اللي حصل علشان يبقى رقمه عندي علشان خاطري يا جبل بلاش تعمل كده اسمعني
نظر إلى عبراتها، وشعر بارتعاش بدنها، خفق قلبه داخل أضلعه وأشبع عيناه من ملامحها، تلك الطعنة تؤثر على ما يخرج منه، ينظر إليها بعتاب خالص وتحدث بخفوت:
-قولتيله السر اللي مأمنتش حد من أهلي عليه غيرك! ضربتيني في ضهري وقولتيله إني بشتغل مع الحكومة
حركت رأسها بقوة يمينًا ويسارًا تتابعه بعينين متسعة للغاية فهي لم تفعل لذلك لتصرخ بهستيرية:
-لأ والله العظيم لأ.. أقسم بالله لأ يا جبل لأ أنا معملتش كده
ترك رأسها وخصلاتها ووقف مستقيمًا ينظر إليها بخذلان واضح تعبر عنه عيناه القاسية التي تحاول جاهدة إخفاء ما به ليظهر لها فقط الغلظة والعنف:
-اومال عملتي ايه؟ كنتي بتدوري ورايا علشانه مش علشان ترتاحي
اعتدلت جالسة على الفراش تمسح عبراتها قائلة بحزن طاغي عليها:
-والله لأ أقسملك بالله لأ افهمني واسمع كلامي الأول بعدين أحكم عليا
أومأ إليها برأسه يقول بجدية:
-قولي كلامك
ازدردت ريقها بصعوبة بالغة، وأخذت نفس عميق ثم بدأت بسرد ما حدث باستفاضة:
-هو كلمني وأنا مكنتش أعرفه والله قالي إن اسمه طاهر موجود في الجزيرة هنا ويقدر يخرجني منها من غير أذى لأنه عارف إنك مقعدني غصب عني الكلام ده كله قبل ما أفكر فيك ولا تفكر فيا أقسم بالله كل ده من زمان
جف حلقها أكثر وتابعت عيناه المناظرة إليها ببغض يماثلة الضعف، أكملت بخفوت:
-كلمته كام مرة بس استعجله في خروجنا من هنا وهو كلمني كام مرة يسألني عن حاجات عنك بس أنا مكنتش أعرف أي حاجه عنك أصلًا
ابتسم بتهكم، يبكي على قلبه المُتألم الذي لعبت به لعبة قذرة ومازالت تكمل بها معتقدة أنه طفل صغيرة سيصدق ما تقوله كما كان يفعل، سألها ساخرًا:
-ولما عرفتي قولتيله كل حاجه
نفت حديثه بقوة شديدة:
-والله العظيم محصلش
استدار يقف يعطيها ظهره لا يريد النظر إلى وجهها، ذلك الحب بقلبه كبير للغاية يضعفه بشدة وكأنها آخر نساء الأرض، كلما نظر إليها شعر بأنها صادقة لا تفعل ذلك ولكن العقل والمنطق يكذبونها..
-وهو عرف منين!..
أمسكت بكف يده وهو مازال يعطيها ظهره لتبدأ في البكاء الحاد خائفة من فقدانه بعدما شعر قلبها بمذاق العشق معه، ارتفع صوتها بالنحيب:
-معرفش والله معرفش بس أنا مقولتش حاجه يا جبل صدقني أنا عمري ما اغدر بيك أنا وقتها كنت عايزة أمشي بأي طريقة.. والله ما عرفته غير لما أنت حكيت عنه
صدح صوته في الغرفة صارخًا يبعد يدها عنه بعصبية:
-لو مش أنتي اللي قاله إني شغال مع الحكومة يبقى مـــيـــن
أجابته دون علم بجدية وصدق:
-معرفش
أقترب منها يُميل عليها بجسده إلى الأسفل، تحولت نظرات عينيه الراجية صدقها إلى نظرات أخرى مفترسة ثاقبة يخرج الكلمات من فمه بجمود:
-أنتي كدابة يا غزال.. كدابة عارفه ليه
وضع يده على وجنتها كما كل مرة يقوم بفعلها بحميمة، ولكن الآن يده لا تعبر إلا عن القسوة والجمود ككل ملامحه وحديثه:
-علشان بقالي سنين وسنين شغال وهو ولا عشرة زيه عرفوا حاجه عني.. معرفش غير لما امنت لواحدة زيك.. ولا عايزة تشككيني في عاصم من تاني
انهارت في البكاء أكثر، تهاب الفقدان بشدة، تهابه لدرجة لا يمكن تحملها ولأول مرة تكن هكذا تبكي بكل هذا القدر ولكن مذاق الحب غالي.. وفقدانه مرير، تفوهت قائلة:
-أنا مش عايزة اشكك في حد بس والله مش أنا
حرك عينيه عليها، لا يستطيع التصديق وإن صدق كيف يمرر ما حدث لا يوجد غيرها يعلم و "عاصم" إن كان يريد فعلها لما الآن.. ولما قد يفعل:
-حتى لو عايزة أنا مش هشك في عاصم علشان هو ميعملهاش.. ولو كان عايز يعملها كان عملها من زمان أوي.. مافيش غيرك
بررت موقفها مرة أخرى بضعف وبكاء حاد:
-احلفلك بايه إني معملتش كده كل اللي عملته إني كلمته علشان يهربني من الجزيرة ومن فترة كبيرة أوي.. ومكنتش أعرفه هو اللي كلمني والله
بقيٰ ينظر إليها، يشعر بقلبه يطالبه بالرحمة والغفران يطلب منه أن يسامحها ويلقي ما حدث خلف ظهره، ولكن كيف وهو ليس وحده! لم تؤذية هو فقط بل قدمت الأذى على طبق من ذهب للجميع ودمرت كل شيء.. كيف سيصدقها وهي من تحدثت معه؟ كيف وهي الوحيدة التي تعرف ذلك السر والذي لم يعرفه أحد إلا من بعدها ولم يكن أي أحد..
ضيق ما بين حاجبيه وسألها ببرود:
-ايه أسوأ حاجه ممكن تيجي في بالك هعملها فيكي!
اخترقت قلبها تلك الكلمات الغليظة المعبرة عن قسوة القادم، شهقت بعنف وحدة من بين بكائها لتقول بيقين تنظر إلى عيناه برجاء:
-مش هتعمل فيا حاجه يا جبل.. أنت بتحبني
أبتعد للخلف وتعالت ضحكاته في الغرفة ينظر إليها بقوة، إلى هذه الدرجة أصبح ضعيف أمامها لتتحدث بكل هذه الثقة! صرخ بعنف وصوت حاد:
-علشلن كده جبل ماينفعش يحب.. ماينفعش علشان كلكم اوساخ
سار في الغرفة بهمجية شديدة ليتقدم من الطاولة يضربها بقدمه لتقع على الأرضية تهبط بكل ما عليها ليتهشم فيعود صارخًا:
-بس تعرفي أنتي تستاهلي أي حاجه أعملها فيكي.. أي حاجه
تابعته بنظرات خائفة مذعورة مما قد يفعله بها وعلى الرغم من ذلك كان قلبها يحثها أنه لن يؤذيها
أقترب منها يقبض على خصلاتها من الخلف يقربها منه وتحدث أمام وجهها بألم كبير وادمعت عيناه مرة أخرى أمامها:
-بس علشان أنا بحبك مش هعرف اذيكي.. بس هقهر قلبك يا زينة.. هقهرك
ابتلعت ما وقف بحلقها ورفعت يدها الاثنين إلى وجنتيه تمررهما عليه بحنو ورفق قائلة ومازالت تبكي بضعف:
-جبل صدقني أنا معملتش حاجه.. أنا عارفه إنك في موقف صعب وعارفه إن معاك حق تشك فيا بس والله العظيم معملتش حاجه وحياة ربنا
ابتسم أمام وجهها وتحولت نظراته المتألمة إلى أخرى عنيفة ليجذبها من خصلاتها بضراوة وهتف بصوت يجلجل أرجاء المكان:
-تـعـالـي
وقفت رغمًا عنها يجذبها معه متمسكًا بشعرها بعنف وضراوة يخرجها من الغرفة عنوة ليتبع خروجهما صوتها المتألم:
-هتوديني فين.. الجبل
ابتسم بقهر وازلال ناظرًا إليها:
-أسوأ
وقفت تثبت قدميها في الأرضية لا تريد النزوح عن عنها خوفًا مما سيفعله فلا شيء ينذر عن وجود خير أبدًا ولم يقابلها منه إلا البغض والغلظة وهو يجذبها:
-يــلا
رفعت يدها إلى يده تحاول بكل قوتها أن تجعله يتركها صارخة به بعنف وهي تُسير في القصر أسفل قبضته:
-جبل اوعا سيبني اوعا
شدد على قبضته عليها لا يعيرها اهتمام ولكنه توقف يصيح بهمجية واحتقار:
-اخرسي خالص مش عايز أسمع نفسك فاهمه ولا لأ
حاولت مرة أخرى وبكائها يعلو:
-بقولك اوعا أنا والله معملتش كده أنت ظالمني يا جبل والله
لم تجد منه إلا الصراخ القاسي:
-اخرسي
خرجت والدته على صوتهم المرتفع تنظر إليه باستغراب شديد وتوجهت نحوه سريعًا تدفعه بعيدًا عنها صارخة عليه بقسوة:
-أنت بتعمل ايه يا جبل سيبها
قابلها بالقسوة والكره الشديد يخرج صوته متألمًا:
-محدش ليه دعوة.. اللي هيدخل مش هرحمه
أتت على الصوت شقيقتها التي اقتربت منه بقوة شدية تحاول جذبها منه تقوم بضربه على ذراعه الممسك بها تصرخ بخوف وارتعاش:
-أبعد عنها.. اوعا سيبها أنت بتعمل فيها ايه حرام عليك
تحدثت "زينة" بضعف وهي أسفل قبضته قائلة بصوت خافت مقهور:
-اسكتي يا إسراء اسكتي
هبط بها درجات السلم عنوة وكادت أن تسقط على وجهها أكثر من مرة ولكنها تشبثت بذراعه تحاول النظر إليه بضعف وقلة حيلة لا تعلم ما السبيل للتخلص من هذا العذاب تحاول مرة أخرى أن تثبت له أنها بريئة..
ركضت ابنتها تتشبث بها تبكي بقوة وهي تحاول دفعه للخلف تضربه في قدمه بقبضة يدها:
-سيب ماما.. سيب ماما
نظر إلى والدته بقسوة شديدة مُشيرًا إليها لتتقدم تأخذ الصغيرة بين يديها محاولة السيطرة عليها وهي تنظر إلى ابنها الذي لم يصل إلى هذه الحالة أبدًا حتى عندما تركته "تمارا" ورحلت.. فلم تستطع التدخل وهي تشعر أنه صقر جريح محجوب عنه التعبير عن ألمه
لم تستطع "إسراء" الصمود وهي تراه يجذبها نحو البوابة فصرخت عليه مرة أخرى لم تستطع التحمل وهي ترى شقيقتها تبكي بكل هذا القدر لا تقوى على أبعاده عنها فأقتربت هي تحاول أن تبعده تصيح عليه بهمجية شديدة تغلبت على ضعفها وخوفها منه تقف أمامه بالمرصاد للدفاع عن شقيقتها..
دفع بـ "زينة" إلى الحائط ليرطدم ظهرها به بعنف فتألمت بخفوت لتراه يفتح البوابة يصيح باسم "عاصم" فوقفت "إسراء" معها تحتضنها بقوة بينما ابنتها تحاول جاهدة في أن تتركها جدتها ولكن لا مفر
وقف أمامها قائلًا بنظرات محتقرة كارهه:
-مش هخلي حد يشمت فيا بسبب واحدة زيك.. أنتي مكانك مش من هنا
كان يُشير ناحية بوابة القصر الذي كان عازم أمره على خروجها منها ولكنه غير رأيه في آخر لحظة، أتى "عاصم" إليه ليصرخ قائلًا مشيرًا ناحية "إسراء":
-خد البت دي في أي داهية
استعادت "زينة" قوتها وهي تصرخ بوجهه تمسك بشقيقتها بقوة:
-جبل متتجننش البنت معملتش حاجه وملهاش دعوة
خرج صوته غاضبًا:
-عـاصـم
كان "عاصم" يقف مذهولًا لم يفهم ما الذي يحدث بينهم من الأساس ولكنه لم يكن قادرًا على الإقتراب منها عنوة ووقف ينظر إليهم باستغراب فصرخ "جبل" عليه بقسوة ليتقدم جاذبًا إياها بقوة شديدة محاولًا السيطرة على جسدها وهي تحاول أيضًا الفرار منه تبكي بعنف تصرخ عليه:
-أبعد عني يا عاصم.. حرام عليك خليه يسيبها هو عايز منها ايه
بينما كانت "زينة" تفعل المثل معه تترجاه أن يترك شقيقتها خائفة أن يفعل لها شيء بشع كالذي هددها به سابقًا لكنه لم يعطيها أهمية وسار بها يجذبها من ذراعها إلى خلف الدرج ليرفع ذلك الباب الخشبي من الأرضية مرة أخرى يجعلها تهبط إلى الداخل عنوة..
تحت صراخ شقيقتها وابنتها التي تتلوى بين يدي جدتها.. والجميع يقف مذهولًا مما حدث بينهم في لمح البصر..
هبط بها إلى الغرفة في الداخل يغلق الباب من خلفه، ثم أخذها قهرًا وبغضًا ليُسير في الممر الذي يؤدي إلى غابة الجزيرة بعدما أشعل ضوء هاتفه الذي أخذه معه في جيبه..
وقفت في المنتصف دافعة إياه بقوة وعنف لتصرخ بجنون:
-أنت موديني فين يا جبل.. قولتلك إني معملتش حاجه
أجابها ساخرًا متحكمًا بمشاعره:
-أنتي قولتي اسمعني وأحكم وأنا حكمت
ابتلعت ريقها الذي شعرت بمرارة العلقم به وصرخت عاليًا:
-حكمت ظلم أنا معملتش حاجه
أقترب ممسكًا بذراعيها الاثنين قابضًا عليهم بعنف وقسوة يهتف بجدية وجمود:
-مافيش غيرك كلمه.. من ورايا حتى لو قبل كل ده وأنتي صادقة بردو كنتي هتغدري بيا.. محدش يعرف سري غيرك وهو عرفه كل الأدلة ضدك يا زينة.. يمكن قلبي مصدقك بس مش هديله فرصة أنه يخليني مضحكة الناس من تاني
لانت ملامحها وانهارت الدموع من عينيها مرة أخرى بغزارة أكبر وهي تنظر إليه برجاء:
-جبل صدقني
شدد على يدها بغضب أسفل قبضته، اخترق عينيها بعيناه الخضراء ليقول بنبرة مرهقة متألمة:
-هطلع قلبي من مكانه وادوس عليه بكل قوتي علشان ميصدقش واحدة ست مرة تانية
صاحت أمام وجهه بضراوة وهي متمسكه به لأبعد حد توضح له بحدة:
-أنا مراتك مش واحدة.. أنا مش تمارا
ابتسم ساخرًا محركًا رأسه بياس ثم صدمها بحديثه الجاد:
-تمارا كانت أحسن منك مليون مرة.. تمارا مشيت من غير أذى إنما أنتي.. أنتي طعنتيني وعلى قد الحب كان الوجع يا غزال
أكمل يقبض عليها أكثر يخرج قوته وسطوته عليها وعلى الجميع:
-بس أنا جبل العامري.. وغلاوتك عندي ما هصرخ ولا هتألم.. أنا هنا بس علشان أتعلم
حركت عينيها على ملامحه، تراودها مشاعر كثيرة أوضحها الخوف والرهبة، الخوف منه ومن فقدانه، تألمت سائلة إياه:
-عايز تعمل فيا ايه يا جبل
خفف من حدة قبضته على ذراعيها، ليحرك يده بهدوء ينظر إليها بضعف شديد غير قادر على أن يؤذيها:
-مقدرش اذيكي.. هبقى كداب لو قولت أقدر.. بقيت ضعيف بسببك.. بسبب حبك بس مع خروجك من هنا هرجع جبل اللي الكل يعرفه
استنكرت تردد:
-خروجي
قال بنبرة جافة قاسية:
-دي الأذية اللي أقدر أعملها فيكي.. هبقى مقربتش منك بس قهرتك يا زينة
أبعدت يده عنها ونظرت إليه بذهول وتحولت ملامحها تسأله بنبرة مترددة:
-أنت بتقول ايه.. ووعد وإسراء
ابتسم ساخرًا ثانيةً ليقول مهزوزًا:
-هو محدش قالك
حركت رأسها متسائلة:
-قالي ايه
تعمق في النظر إليها ليلقي عليها قنبلته الموقوتة:
-مش أنا قررت أجوز إسراء لعاصم.. ووعد بنتي مش هتطلع من هنا
تعلقت به وهي تقبض على يداه كما فعل معها تصيح بقوة وخوف:
-أنت أكيد اتجننت مستحيل اسيبك تعمل كده
استرد بخشونة على الرغم من أنه يشعر بالشفقة عليها:
-أنتي هتبقي بره يا زينة.. بره
عادت مبتعدة عنه تنظر إليه بذهول، الآن فهمت أنه لن يؤذيها ولكن يدمرها.. صاحت قائلة:
-جبل إسراء أختي أنا اختي.. مش من العامرية علشان تتحكم فيها ووعد بنتي
أجابها ببرود:
-وده حكمي
اخترقت سمعه بكلماتها القاسية:
-ظالم.. ليه مع كل الناس عادل إلا أنا
اهتاج وهو يقبض على يدها بشراسة قائلًا من بين أسنانه:
-وأنتي ليه عملتي معايا كده
صرخت بعنف بعدما نفذ صبرها:
-معملتش صدقني معملتش
بكيت بضعف والحديث بينهم مختلف والمشاعر مهتاجة ومتضاربة، خرج صوتها ضعيف للغاية راجية منه التصديق:
-والله العظيم أنا بحبك.. كل كلمة قولتها ليك صدق أنا حبيتك من قلبي ومش عايزة اسيبك عايزة أفضل معاك يا جبل.. وأنا غلطت لما كلمت طاهر عارفه بس والله العظيم ما قولتله أي حاجه عنك ده ملعوب صدقني
فكر قليلًا في حديثها، ولكن مَن مِن الممكن أن يفعلها مَن مِن الأساس يعلم بمجال عمله، نعم ربما كما قالت خطة مدروسة ومحكمة التنفيذ ولكن كيف؟ كيف عقله سيجُن أنها الوحيدة التي تعلم ولا يستطيع الشك بـ "عاصم" إنه معه في جميع الأحوال..
سألها مضيقًا عينيه عليها بقوة:
-ملعوب من مين محدش يعرف غيرك
أجابته بعدم معرفة مُتحيرة ولكنها مُتأكدة مما تقوله:
-معرفش بس اتعملت قبل كده مع عاصم يقدر يعملها معايا
عقب على حديثها بعدما عاد للخلف ينظر إليها بتركيز:
-اللي عملها مع عاصم فرح وجلال
أكملت بجدية موضحة:
-وطاهر
بقي ينظر إليها للحظات، لا يدري أهو تسرع في الحكم عليها أم أنها كاذبة مخادعة استطاعت أن تفعل به ذلك وتجعله اضحوكه أمام نفسه وأمام الجميع.. ولكن كل الأدلة ضدها.. كيف يصدق كيف
قالت بلهفة بعد أن تذكرت:
-طاهر قالي أنه جايب رقمي من جوا القصر
لن يصدقها، يحبها ويعشقها وبات عشقها يسري في أوردته ولكنه لن يضحي ببلدة بأكملها لأجل حب خادع:
-أنا حكمت.. وحكمي طول عمره بيتنفذ
جذبها من ذراعها بقوة ليسير بها مرة أخرى يخرجها من الجزيرة عنوة لم يسلك الطريق العام كي لا يراه أحد من أهلها فيصبح أضحوكة الجميع..
عارضت ما يفعله تضربه بقوة وهو يحكم قبضته عليها لا تستطيع الفرار منه تصرخ بعنف وقهر خائفة مما يفعله أنه يسلبها حياتها كلها.. ابنتها وشقيقتها وهو!..
نظرت إلى الأرض وهو يسير بها كان عليها سلاح ملقى منذ تلك المرة الأولى التي دلفت بها إلى هنا..
عمقت النظر إلى السلاح ثم إليه وهو يجذبها معه فدفعته بقوة كبيرة مبتعدة عنه لتقع على الأرضية تتمسك بالسلاح بيدها تشعره بصدمة كبيرة ينظر إليها بحدة..
رفعت السلاح وهي تقف أمامه على بعد خطوات فضحك بقوة متألمًا:
-هتقتليني
ابتسمت هي الأخرى ودمعاتها تفر من عينيها بغزارة وجهت السلاح إلى منتصف صدرها قائلة بصوت خافت ضعيف:
-هقتل نفسي
صرخ بعنف وهمجية شديدة بعدما خفق قلبه من فعلتها وارتعدت أوصاله يُشير بيده بغضب كبير محاولًا الإقتراب منها:
-سيبي السلاح بلاش جنان
انهرمت الدموع من عينيها بيأس وضعف:
-مش هسيبه.. هتفيد بايه حياتي وأنت واخد مني كل حاجه عايشة علشانها وأنت واخد مني روحي بعد ما ربنا رجعهالي
أقترب أكثر بخطوات بطيئة وعيناه متعمقة عليها يقول بلهفة وقلق:
-سيبي السلاح وهنتفاهم
حركت رأسها بالنفي تبكي بشدة وأردفت بحزن:
-أنا حاولت افهمك واوضحلك اللي حصل بس أنت مش عايز
أومأ إليها برأسه والخوف يخترق روحه فقال بهدوء ليجعلها تطمئن:
-سيبي السلاح يا زينة متعمليش كده
صرخت بعنف وهي تنتحب بشدة:
-أنت عملت كده وقتلتني وأنت مش واثق فيا
يدري أن حديثها صحيح، هو ليس رجل أحمق وليس طفل لا يستطيع التفكير ولكنه للأسف مشتت للغاية وما حدث يؤثر عليه، قال بارهاق:
-حطي نفسك مكاني يا زينة محدش يعرف غيرك
انهارت من حديثه المتهم إياها به ونظرته المشكلة بإخلاصها له فصرخت بعنف وتهور:
-يارب وعد بنتي تموت لو كنت أنا اللي قولتله أنك شغال مع الشرطة
نظر إليها طويلًا وهو يدرك مدى حبها لابنتها وتمسكها بها، إنها أم لمن المستحيل أن تدعي على ابنتها فلذة كبدها بالموت وهي بريئة
مد يده إليها بهدوء وقد أشفق عليها بسبب حالتها وهو يرى مدى تمسكها بأن تثبت له براءتها:
-هاتي السلاح يا زينة مصدقك
نظرت إلى عيناه مباشرة للحظات وهي على نفس الوضع ثم بعد أن أدركت ما به قالت بانهيار:
-لأ أنت مش مصدقني يا جبل.. مش مصدقني
تقدم خطوة واسعة منها فعادت هي للخلف فوقف مكانه وهو يصيح بنفاذ صبر خوفًا من تهورها:
-الله وكيل صدقتك خلاص.. هاتي السلاح وهنرجع نتكلم بالراحة ومش هسيبك يا زينة
تابعته أكثر بعيون متمسكة له لأبعد حد تنتظر أن يدلي بثقته الكبيرة بها وبتصديقه لحديثها فقالت من بين بكائها الحاد:
-مصدق بجد إني مغدرتش بيك.. أقسملك بالله ما عملتها أنا بس كلمته علشان يخرجني من الجزيرة ووقتها مكنتش بحبك يا جبل والله.. أنت معملتش فيا كده لما حاولت اقتلك
تنهد بعمق وزفر الهواء بقوة، وقف معتدلًا ينظر إليها بهدوء وخرج الحديث من داخل أعماقه يقول بجدية شديدة وحزن طاغي على نبرته:
-أنا مجروح.. حبيتك، حبيت بجد ومحبتش حد قدك ومن وقت ما قلبي حس وبدأ ينبض وأنا عندي نقطة ضعف اسمها زينة.. حسي بيا وقدري اللي فيه محدش يعرف غيرك يا زينة وهو عرف شغل سنين هيروح مني.. عمري كله هيروح
اجفلت بعينيها ثم سألته بعدما نظرت إليه مرة أخرى:
-أنت ايه عرفك إني قولتله كده
أشار إليها يتحدث بهدوء وهو يقترب منها ببطء:
-كلمته من رقمك وهو اللي قال
ازدادت دمعاتها وهي تكذب ما قاله له تنفي بقوة:
-والله كدب والله العظيم كدب وحياة بنتي كدب
أقترب أكثر بهدوء ينظر إليها بترقب ومد يده وهو على بعد بسيط منها يقول برفق:
-خلاص أنا مصدقك هاتي السلاح.. يلا
بقيت تنظر إليه ولم تجيبه تتمسك بالسلاح بيدها بقوة شديدة فاقترب هو منها أكثر ليحاول جذبه ولكنها متمسكه به بقوة فرفعه للأعلى سريعًا في لمح البصر عند لحظة إدراكه أنها لن تتركه.. عندما رفعه إلى الأعلى متمسكًا به فوق يدها انطلقت منه طلقة نارية تخترق سقف الممر الذي هم به وانطلقت صرخة منها توازيها في الخروج لتجد الأتربة تهبط عليهم من الأعلى..
سحب السلاح منها عندما ارتخت يدها بسبب الرصاصة وأقترب يجذبها بقوة إلى صدره يأخذها بأحضانه فلم تجد ما تفعله إلا أنها دست نفسها به تخفي وجهها عنه تبكي بقوة والدموع تنهمر منها بغزارة..
تعلم أنها وقعت بخطأ كبير عندما تحدثت إلى "طاهر" ولكنه كان في هذا الوقت الوحيد الذي يستطيع إخراجها من الجزيرة على حسب حديثه فتعلقت به وكأنها غريق وهو المنقذ.. كل هذا كان منذ فترة بعيدة ولم تخبره أي شيء عن "جبل" فكيف علم!.. يحق له أن يشك بها ولكن ليس بهذه الطريقة فهي والله لم تكذب بشيء..
شعر بأن روحه كانت تنسحب منه أمام عيناه ولا يستطيع أن يفعل أي شيء، شعر وكأن العالم يضيق من حوله والجميع يطالبون بموته..
كانت تقتله وهي لا تدري، لم يستطع أن يرفع يده عليها أو يرى الألم بها فذهبت لتفعل أسوأ شيء على الإطلاق.. إنه لا يكذب صدقها ولكن يصدق الأدلة التي أمامه.. يصدق أن لا أحد يدري غيرها ولا يستطيع أن يُخَون "عاصم" مرة أخرى.. يصدق أنها كانت تبغضه ووعدته بأن نهايته على يدها فربما كانت تريد!...
ليس غبي إلى هذه الدرجة ولكنه ضل الطريق.. سيحاول جاهدًا أن يعلم كل شيء بعيد عنها، وبعيدًا عن الشك بها، أن تقوم بالدعاء على ابنتها وتحاول قتل نفسها لأنه لا يصدقها أمر لا نقاش به.. وتصديقها بات حتمي
شدد على احتضانها وهو يقربها منه ليشعر بأنها مازالت هنا.. تلك التي أصبحت تجري داخل شرايينه..
❈-❈-❈
"صباح اليوم التالي"
دلف "جبل" إلى غرفة الصالون صباحًا مكفهر الوجه وملامحه حادة عابثة، نظر إلى "إسراء" ثم قال بصرامة:
-خدي وعد واطلعي فوق
أومأت برأسها باستغراب لتقف تأخذ الصغيرة وذهبت من الغرفة تاركه إياهم صاعدة إلى الأعلى، نظرت إليه "زينة" باستغراب ظهر على ملامحها..
قد تسائل الجميع عن ما حدث بينهم في الأمس فكذبت قائلة بأنها أخطأت بحقه كثيرًا وكان خطأ لا يغتفر ففعل بها ذلك ولكن الأمر مر عليهما.. لم يدلف حديثها عقل أي منهم ولكنهم تغاضوا عنه بإرادة منهم..
تحدث بجدية شديدة وهو يتقدم إلى الداخل ليقف أمام "وجيدة" وشقيقته ومعهم "زينة" خرج صوته بحدة:
-أنا هرجع تمارا الجزيرة من تاني
هبت والدته واقفة فجأة وكأن صاعقة ضربتها بعدما استمعت إلى حديثه لتتحول ملامحها تصرخ عليه:
-ترجع مين يا جبل أنت اتتجننت.. عايز ترجع تمارا اللي كانت هتقتل مراتك
أشار إلى "زينة" بيده ساخرًا:
-متخافيش أهي مراتي قدامك بسبع أرواح
وقفت "زينة" على قدميها والدموع تترقرق في عينيها قائلة بحزن:
-لو رجعت تمارا القصر تاني أنا اللي هامشي يا جبل
أجابها ببرود واستفزاز:
-لو عايزة تمشي أمشي أنا مش همنعك.. لكن زي ما قولتلك امبارح هتطلعي من هنا لوحدك.. بطولك
أحرقها بحديثه ولا مبالاته أمامهم فانفعلت قائلة:
-لأ يا جبل مش هامشي لوحدي أنا هاخد كل اللي ليا معايا
نظر إليها بقوة وتمعن يحتقرها أمامهم بشدة وذلك الرجل الذي كان موجود سابقًا متيم في هواها محاه وكأنه لم يكن يومًا:
-أنتي عارفه كويس أوي إنك مش قدي.. أنا قولتلك عايزة تمشي في ستين داهية بس لوحدك وإلا أنتي عارفه اللي هيحصلك
أشارت إليه والدته صاحبة الملامح القاسية الحادة تقول بعنف:
-كلمني أنا هنا يا جبل.. الكلمة كلمتي هنا وأنا قولت تمارا مش هترجع
ابتسم ببرود لوالدته ونفى حديثها بلا مبالاة قائلًا:
-تمارا هترجع.. وهتجوزها
أبعد نظرة إلى زوجته قائلًا بقسوة:
-على الأقل تمارا لما مشيت كانت مسالمة مأذتنيش مش خاينة وغداره
تذكرت ما حدث منذ الأمس إلى اليوم، لم تعد تتحمل أي إهانة منه أمامهم فقالت بنفاذ صبر:
-هو إحنا مش خلصنا من الموضوع ده حرام عليك كفاية بقى
تحدث بجدية دون إهتمام بما تقوله يلقي عليها كلمات قاسية:
-مخلصناش.. أنا مش هتغابى وهسمع كلام عقلي وأشوف الأدلة اللي قدامي واللي وصلني النهاردة يخليني امحيكي بس أنا مش هعمل كده
وضع يديه في جيوب بنطاله وأقترب يتابع ذلك البرود الذي هو عليه ينظر داخل عينيها مباشرة:
-عايزة تمشي مع السلامة يلا.. بس لوحدك
أقتربت من والدته راجية إياها بعدما اخفضت نظرها من عليه:
-طنط لو سمحتي اتصرفي أنتي معاه
أبعدت والدته نظرها من عليه واتجهت إليها هي تنظر إليها بحدة واستغراب تام، أهذا هو ابنها وهذه زوجته؟ هل هي من حسدت ما كان بينهم ليصل الأمر إلى هنا بهذه الطريقة الموجعة..
سألتها باستغراب:
-أنتي عملتي ايه
وجهت عينيها إليه بقلة حيلة لا تدري ما الذي تقوله فأجاب هو بدلًا عنها بسخرية ثم أكمل بجدية:
-ما تقولي ليها عملتي ايه يا غزال.. تمارا راجعة وأنتي تروحي تلمي حاجتك من اوضتي
أكمل بصرامة:
-لو هتقعدي هنا هتقعدي علشان خاطر بنتك ومزاجي بس
وجدها تنظر إليه بعيون حزينة، وملامح مقهورة مخذولة منه أيشعر بالشفقة عليها! أم يعود في حديثه مرة أخرى ويترك كل شيء يذهب عرض الحائط... لا سيكمل ما بدأه
اسطرد ثانيةً بقسوة:
-غير كده لأ
صاحت بغضب تجيب عليه بعدما لم تستطع مجاراة حديثه أو حتى فهم ما الذي يريده منها ألم ينتهي الأمر في المساء:
-وأنا مش هستحمل كده ومش مجبوره استحمله
ابتسم بسخرية شديدة ولم يعطي لغضبها اهتمام بجيبها بجود:
-هتستحمليه غصب عن أهلك
أشار إليها بعصبية بعدما وجدها تقف تنظر إليه بعمق وعينيها تحاكيه بكثير من القهر والألم الممزوج بحزنها منه:
-غوري لمي حاجتك من اوضتي
غادرت الغرفة سريعًا بعدما هبطت الدمعات من عينيها وهي تدرك جيدًا أن حديثه صحيح لن تستطيع الخروج من الجزيرة وهم معها إلا بإذن منه وهذا لن يحدث لن يكن هناك مجال لأن تقف أمامه تجادله وتعاديه..
أقنرب من شقيقته قائلًا:
-معاكي رقم تمارا مش كده
أومأت إليه برأسها وهي تنظر إليه بخوف وقلق فقال بجدية:
-هاتيه
أعطته الرقم تحت نظراته الجامدة عليهم فلم تستطع فهم أي شيء مما حدث بينهم ومازالت والدته هي التي تقف تتابع ما فعله بأعين حادة قاسية تصمت وتكبت بداخلها تفكر فيما يفعله أو ما فعله ويريد التكملة به.. ترى أن "زينة" مؤكد فعلت شيء بشع للغاية حتى يتحول هكذا ولكنها حتى لم تدافع عن نفسها أمامهم ولم تكابر في الحديث معه.. ولم تقول سبب ما حدث بينهم في الأمس ولم يدلف عقلها أي من كل هذا.. الأمر مريب وليس كما يبدو وعليها أن تعلم ولكن ولدها لن يتفوه بحرف معها أنها تعرفه جيدًا..
أن يجعل "تمارا" تعود بهذه السرعة!.. يتزوجها وعلم قيمتها؟ ويترك تلك التي ذاب بها عشقًا.. ابتسمت ساخرة وهي تراه يخرج من الغرفة.. أيعتقد والدته طفلة بلهاء حتى يدلف عليها هذا الحديث ولكن صبرًا كما يقولون للحديث بقية ولن تكن هذه النهاية من المستحيل أن تجعل "تمارا" زوجة له من هنا سيبدأ الخراب أن حدث وستبتعد حفيدتها عنها عنوة عن الجميع.. صبرًا
❈-❈-❈
تحدث مع "تمارا" بعدما أخذ رقم الهاتف الخاص بها من شقيقته، قدم إليها الكثير من الاعتذارات عن كم كان قاسي معها وتناسى كل ما كان بينهم لأجل تلك الغريبة التي اقتحمت عالمه دون إنذار..
قابلته بالسعادة الخالصة متعلقة في شباك غرامه الذي عبر إليها عنه من خلال المكالمة ولم تكذب الخبر ووافقته على كل ما يريد وطالبت هي بالعودة إلى الجزيرة مرة أخرى لتسترد حقها بعدما أعطاه إليها كامل..
قد كان بعد ساعات مرت أرسل رجاله إليها ليعودوا بها إلى الجزيرة مرة أخرى..
وقف أمامها في المكتب بعدما عادت تنظر إليه بحزن اجادت تصنعه جيدًا تقول:
-أنا زعلانه منك أوي يا جبل
بدى وكأنه رجل مُسالم للغاية يتحدث برفق معتذرًا وملامحه هادئة:
-أنا آسف.. أنا مكنتش عارف قيمتك يا تمارا كل اللي عملته معاكي كان من حرقتي علشان مشيتي وسيبتيني ولما رجعتي كانت زينة معايا بس خلاص
علقت عينيها عليه تسأله بلهفة:
-خلاص ايه
أمسك يدها بين يديه بحنان بالغ ونظرته نحوها تحمل الأسى والندم:
-أنا عرفت قيمتك.. تمارا
أكمل بحزن شديد:
-تمارا زينة خانتني وغدرت بيا وأنتي عارفه الخيانة عندي ديتها ايه
سألته وهي تقترب منه للغاية متعلقة بعيناه وراق لها كثيرًا رؤيته هكذا محب مسالم حزين من أخرى يلقي بنفسه بين أحضانها فاستغلت الفرصة قائلة:
-وهي لسه هنا ليه يا جبل أنت عمرك ما سامحت حد خان
دقق النظر بها وأردف بجدية بعدما زفر بضيق:
-أنا مش عايز اقتلها.. اللي عملته قهرها أكتر أنا كنت هخرجها من الجزيرة لولا أمي رفضت خروجها علشان وعد
ترك يدها واستدار يعطي إليها ظهره قائلًا بشر:
-استني بس عليا أنا بحضرلها مفاجأة يا تمارا
أقتربت منه تضع يدها على كتفه تسترق السمع لحديثه بتركيز شديد متسائلة باستغراب:
-ايه
استدار ينظر إليها بقوة يجيبها بجدية:
-هخليها تتنازل عن كل حاجه ليها هنا حتى بنتها وهطردها من الجزيرة كلها زي ما عملت معاكي وهجبلك حقك..
أكمل ناظرًا إلى داخل عينيها بعمق وآسف نادمًا على كل ما بدر منه تجاهها:
-أنا آسف سامحيني أنا دلوقتي بس عرفت إني ماليش غيرك على الأقل أنتي بنت عمي اللي متربية معايا.. عمرك ما هتغدري بيا
اقتربت منه للغاية تجذبه لتحتضنه بحب والسعادة ترفرف داخل قلبها مبتسمة باتساع وتشفي:
-أنت بتقول ايه يا جبل أنت حبيبي.. أنا أبيع نفسي وأنت لأ
رفع يده يبادلها العناق وقال بثقة:
-عارف.. علشان كده عايزك تسامحيني
أومأت إليه برأسها ومازالت محتضنة إياه:
-سامحتك
سألها برفق:
-هتستحملي معايا لحد ما أخرجها من هنا واتجوزك
أومأت محركة رأسه عليه بقوة تؤكد بثقة كبيرة:
-طبعًا يا جبل أكيد
لم يأخذ وقت في إقناعها بأنه نادم، ولم تأخذ وقت في العودة إلى الجزيرة، شعرت أن الحياة تبتسم إليها مع "جبل" من جديد لتسرق منه الفرصة التي من الأساس هو قدمها إليها على طبق من حديد قاسي معتقدة أنها عادت مرة أخرى إلى الجزيرة تسترد أملاكها بها.. القصر والجزيرة و "جبل".. والكلمة وكل ما أخذته "زينة" منها لتبقى هي سيدة القصر وزوجة "جبل العامري" لتتمتع بالنفوذ والجاه وكل شيء يملكه هو بعدما علمت أنها أخطأت في تركه..
ذهبت في أول مرة بكامل إرادتها وفي المرة الثانية عندما ذهبت عنوة كانت على علم أنها ستعود بإرادته..
ابتسم هو ومازال محتضنًا إياها يشدد على عناقها يقربها منه أكثر بعدما أبعد "زينة" عنه ليستطيع أن يرى الحقيقة بعيدًا عن ذلك الحب الذي شوش قلبه وبدأ في تخريب حياته وتدميرها..
نظر إلى الخارج عبر باب المكتب الذي كان مفتوحًا ليرى "زينة" تنظر إليه بحقد دفين وشر لا نهاية له ولو وقع بين يدها الآن ستقتله دون شفقة أو رحمة.. رأى الغيرة واضحة بعينيها والحزن قابع بقلبها ولكنه مخفي عنه..
ابتسم إليها باتساع يتشفى بها يقترب من "تمارا" أكثر يحرك يده على ظهرها لتنظر الأخرى إليه بكره أكبر لما يفعله ثم سارت مبتعدة قبل أن تنفجر به وبها وتقلبها رأسًا على عقب..
❈-❈-❈
دلفت "تمارا" إلى غرفة "جبل" في المساء لتجد "زينة" مازالت تجمع في أغراضها نظرت إليها بشماته وتشفي وخرج صوتها باستهزاء:
-ايه ده زينة أنتي لسه هنا.. هو مش جبل حبيبي قالك تخرجي من اوضته.. علشان هتبقى بتاعتنا إن شاء الله بس أنا مش هدخلها على نفس العفش ده..
تركت "زينة" ما بيدها وهي تزفر بضيق تستغفر ربها مطالبة بالثبات والهدوء كي لا تأتي لها من خصلات شعرها:
-أنتي ايه دخلك الاوضه اطلعي بره
سارت بغنج واضح قائلة ببرود:
-السؤال ده المفروض أنا أسأله دي بقت اوضتي أنتي لسه هنا ليه
استدارت لتجذبها من يدها بعنف وقوة تقبض عليها بشراسة وهي لا تحتمل الحديث مع أحد يكفي ما مرت به اليوم، صرخت بوجهها:
-بت أنتي اطلعي بره وإلا والله العظيم هزعلك
دفعتها بعنف للخلف وتحولت نظرتها إلى الكره الشديد والغضب الذي سيفتك بها قبل أي أحد، تحدثت بشر قائلة:
-تزعلي مين يا بت أنتي.. أنا لو قولت يا جبل دلوقتي ونزلت دمعتين هيجي يفرمك ويرميكي بره..
قطبت جبينها ثم تحدثت ضاحكة بقوة:
-وده من ايه إن شاء الله
وضعت "تمارا" يدها الاثنين أمام صدرها قائلة بتعالي وإهانة واضحة ترسلها إليها من خلال نظراتها وحديثها المهين:
-مبقاش عايزك ولا بيحبك ولا بيطيقك.. عايزني أنا بنت عمه وحبيبته.. آه وكمان مش خاينة وغداره
وقفت "زينة" تماثلها تنظر إليها مبتسمة بغل تود الفتك بها الآن والندب عليها وكأنها كانت من الغوالي ولكن هذا لم يحين وقته إلى الآن فقالت مدافعة عن حقها به:
-وهو لو مش بيحبني سابني هنا ليه
أجابتها ببرود:
-علشان بنتك مرات عمي عايزاها
ابتسمت باتساع قائلة بمكر وخبث ومازالت تتمسك به إلى أبعد حد:
-يعني مش علشان هو عايزني
أشارت إليها بأصابع يدها وهي تبتعد تسير في الغرفة تشير إليها بكراهية وبغض:
-تؤ تؤ.. علشان بنتك.. جبل رجعني علشان نتجوز بس لسه شوية كده يكون خلص من أشكالك
صرخت "زينة" بها ولم تحتمل الحديث أكثر من ذلك، أنه لحديث أطفال ليس به أي شيء نافع أنها تريد أن تكيدها وهي لا تستطيع الإجابة عليها بصدق ووضوح:
-اطلعي بره يا بت
ذهبت تجلس على المقعد واضعة قدم فوق الأخرى تبصرها بتشفي قائلة ببرود:
-مش طالعه قولتلك دي مبقتش اوضتك يلا أنتي لمي حاجتك وخلصينا
أقتربت منها الأخرى بعدما نفذ صبرها تجذبها عنوة عنها لتقف على الأرضية رغمًا عنها تصيح بها وهي تقبض عليها بعنف وشراسة:
-والله يا تمارا هزعلك
رفعت أحد حاجبيها ثم أبعدت يدها عنها بالقوة وقالت مرددة باستنكار:
-تزعليني؟ طب ماشي
رفعت يدها ولطمت وجهها بعنف وقسوة فتركت علامات أصابعها على وجهها ثم صرخت بعنف وقوة تبكي وهي تضع أظافرها في لحم ذراعيها تخدشهما بعنف تحت نظرات "زينة" المستغربة منها ومما تفعله ولكنها أدركت سريعًا ما تريده..
وقفت مبتسمة بهدوء تبصر ما تفعله إلى أن أتى "جبل" يدلف إلى الغرفة هلعًا خوفًا من أن تكون فعلت بها شيء مرة أخرى..
أقتربت منه "تمارا" تلقي نفسها داخله تبكي بقوة وصوت مرتفع تقول وشهقات بكائها تقاطعها:
-شوفت عملت فيا ايه.. ضربتني وبهدلتني يا جبل
رفع نظره من على "تمارا" إلى "زينة" التي كانت تقف ضاحكة لا يهمها أي مما تفعله ولكنه تبدلت ملامحه من الاستغراب إلى القسوة الشديدة.. تطلق ملامحه عليها شر لأ نهائي وهو يربت على ظهر "تمارا"..
بقيت تتابعه مبتسمة بلا مبالاة وهو يبادلها الشراسة والغلظة بنظراته ولكن العيون داخلها يتبادل غير ذلك.. والقلوب تهتف بترابط غير ذلك.. فما يصدر عنهما أمام الجميع ليس هو ما تحمله الأرواح والقلوب..
ربما حب مغلف بشر لحمايته، ربما قوة تتخفى بضعف لتجنب المعركة.. ربما كثيرًا وكثيرًا بينهم مخفي..
صرخ "جبل" بصوت مرتفع حاد ينظر إليها بشراسة بعدما أبعد "تمارا" عنه:
-اعتذري حالًا
تابعته بنظرات باردة تبادل نيرانه المشتعلة بمحيط جليدي، رفعت يدها الاثنين أمام صدرها لتقف قائلة بعناد:
-مش هعتذر.. هتعمل ايه
أقترب منها بخطوات بطيئة وعيناه مثبتة عليها بتمعن وتركيز، وقف أمامها وذهب بنظره إلى "تمارا" ثم عاد إليها مرة أخرى ليهبط على وجنتيها بصفعة مدوية اتتها منه دون سابق إنذار، وضعت يدها على وجنتها التي لطمها وبقيت ناظرة إليه بقوة وصدمة عينيها متسعة عليه بغرابة شديدة لا تصدق أنه فعل ذلك لأجل تلك الخائنة..
الفصل الثاني والعشرون
"خديعة دُفنت أسفل الأتربة في صحراء جرداء، حفر محب وعاشق ولهان ليخرج بزهرة لا تنم إلا عن الحب والسلام محولة الرمال إلى أرض خضراء تحمل كل معاني السلام"
ثلاثة أعين يتبادلون نظرات مختلفة تمامًا عن بعضها البعض، أحدهما ينظر إلى الآخر بتشفي وشماتة لا نهائية، وابتسامة عريضة مزينة مُحياة بطريقة ماكرة خبيثة..
بينما نظرات أخرى مصدومة، تشعر بالقهر والمزلة، نظرات ضعيفة مجردة من الثبات يظهر كل ما داخلها إلى الجميع لتعبر عن القهر الذي شعرت به
وغيرها نظرات حادة قاسية، مهيبة غليظة، لحظات مترددة نادمة وأخرى شامخة متزنة واثقة، كل لحظة والأخرى تتغير النظرات وتتبادل الأعين العتاب..
ذلك العتاب الممزوج باللوم والخذلان، يتبادلون الضعف المميت والقوة الشامخة، لحظة والأخرى والقبضة تشتد على قلبها تعتصره بقوة وعنف لتتابع النظر إليه بدهشة وصدمة خالصة..
نظر "جبل" إلى "تمارا" بقوة والغضب يعمي عيناه فأبعد عينه مرة أخرى قابضًا بيده فوق ذراع "زينة" يضغط عليه لتآن بألم وتحدث إلى ابنة عمه بعنف:
-اطلعي بره يا تمارا... شكلها عايزة تتربى كويس
اقتربت منه تضع يدها على ذراعه بغنج ودلال متحدثة برقة مزيفة:
-خلاص يا حبيبي سماح
خرج صوته بعنف وقسوة يُشير إليها بيده الأخرى قائلًا:
-لازم تتربى علشان بعد كده مترفعش عينها فيكي.. أنا اللي عملت ليها قيمة وكبرتها عليكي وأنا اللي هاخدها منها.. اطلعي
ابتسمت بتشفي وهي تنظر إليها بغرور وثقة ولكن عينين "زينة" كانت معلقة به هو فتابعت سيرها للخارج بغنج:
-ماشي يا حبيبي اللي تشوفه
ذهبت إلى الخارج فنظر خلفه ليراها خرجت، ترك يد "زينة" وذهب خلفها ليوصد الباب بالمفتاح وهو يصيح بهمجية:
-أنتي شكلك كده كبرتي على البيت باللي فيه.. بس أنا هعرف اربيكي كويس
أقترب منها سريعًا ليضع قبلة على وجنتها التي لطمها عليها ناظرًا إليها بآسف نادمًا عما فعله، دفعته للخلف تتحدث بخفوت:
-أنت بتضربني يا جبل؟ بتضربني تاني
أخذ كف يدها بين قبضته ليرفعه إلى فمه متحدثًا بآسف:
-ششش.. أنا آسف كان لازم أعمل كده علشان تصدق
اتسعت عينيها عليه أكثر وهي تدفعه تقول بصوت خافت للغاية:
-تقوم تضربني كده قدامها
قرص وجنتها بضراوة ويده تشتد عليها فصرخت عاليًا ليتابع هامسًا:
-أيوه كده خليكي شغاله
صدح صوتها وهي تدفعه أكثر للخلف مستغربة تمامًا مما يفعله معها، تتحمل الحديث والتصرفات وجنونه عليها ولكن يصفعها!.. هل هو مجنون حقًا:
-أنت بتضربني والله العظيم أنت شكلك اتجننت
أقترب طابعًا قبلة فوق شفتيها برقة ولين يقول بصوت أجش شغوفًا نحوها:
-مقدرش.. الله وكيل ما أقدر بس كان لازم أعمل كده أنا آسف قولتلك
عاد للخلف مغيرًا نبرة صوته الهامسة الرقيقة بجانب أذنها لترتفع عاليًا:
-أنتي اتجننتي ولا ايه محدش عارف يلمك.. لأ فوقي يا زينة هانم مش أنا
غمزها بعينه كي تستمر معه في الصراخ ومعاداة بعضهم لكي يصل الأمر مطبوخًا بتوابل فريدة من نوعها لعقل "تمارا":
-أبعد عني بقولك وملكش دعوة بيا يا أما تخليني أمشي من هنا
أقترب منها وهي تتحدث يضع قبلاته على عنقها يقربها منه محتضًا خصرها بساعديه بحب ورغبة شديدة ينظر إليها بهيام، ثم صاح قائلًا بصوت مرتفع:
-لأ بقى مش هتمشي.. أنا خيرتك يا تمشي لوحدك يا تتلقحي هنا وأنتي اختارتي.. تمشي امتى بقى دي بتاعتي أنا
أجابته بغضب مزيف وصوت مرتفع:
-هو حد قالك إني جارية عندك
قربها منه أكثر محركًا يديه عليها بحرية قائلًا بقسوة:
-وهو حد قالك إني مستني اللي يقول.
صمت للحظة وهو يقتنص ثانيةً قبلة سريعة من شفتيها يردف ومازالت المسرحية مستمرة:
-أنتي من النهاردة جارية للقصر كله وخصوصًا تمارا.. خلاص رجعت وهتاخد مكانها أنا اللي كنت غبي لما سيبتها وقربت لخاينة زيك
صرخت بعنف ترفع من نبرة صوتها:
-اشبع بيها بعيد عني يا جبل
صرخت عندما دفعها للخلف لتصطدم بالحائط خلفها فاقترب منها يقف أمامها يحاصرها بجسده يقترب منها بحميمة:
-بلاش بجاحه علشان متزعليش
أكمل بجدية شديدة:
-أنا لسه عند كلامي.. أي غلط هيطلع منك بالخصوص ناحية تمارا هزعلك
مال عليها يفعل ما يشاء يكمل بحدة ليصل كل ما يقوله إلى القابعة خلف الباب:
-أنا داخل استحمى.. وأنتي لمي حاجتك دي وغوري من هنا
سخرت منه قائلة:
-يعني هغور من الجنة
أجابها بغموض:
-هي مش جنة آه بس أنتي رايحة للجحيم
أخفضت صوتها قائلة بجدية بعدما نظرت إلى أسفل الباب:
-شكلها لسه واقفة
استدار ينظر هو الآخر وعاد إليها قائلًا بصوت خافت:
-دلوقتي تمشي
أكمل ناظرًا إليها:
-اصرخي
ابتسمت باتساع غير قادرة على التكملة وهي تراه ينظر إليها بهذه الطريقة يطلب منها أن تستمر في التمثيل بهذه المسرحية الغريبة ففعلت غير قادرة على أن تتحكم بابتسامتها ولكنه صاح من خلفها:
-اوعي كده بلاش قرف
أبتعد عنها وذهب إلى المرحاض ليفتح بابه ثم دفعه بقوة ليصدر صوتًا مرتفعًا وصل إلى مسامعها فصاحت "زينة" بعد فعلته متصنعة القهر:
-ظالم ومتخلف
بينما الأخرى كانت تقف خلف الباب تبتسم بسعادة كبيرة، ترتسم على شفتيها من الأذن إلى الأخرى وقلبها يخفق داخل أضلعها معبرًا عن السعادة الذي بها، تنظر إلى البعيد وترى المستقبل القريب معه هنا في قصر العامري.. لقد ابتلعت الطُعم الذي صنعه "جبل" بمساعدة زوجته بعدما أدرك الحقيقة الكاملة لكل ما حدث..
في الداخل عاد إليها مرة أخرى ينظر إلى أسفل الباب فوجد ظلها يختفي تبتعد عنهم بعدما اطمئنت لما بينهم ليقترب من "زينة" جاذبًا إياها يجلس على الفراش ثم أخذها فوق ساقيه ينظر إليها بحب وآسف وقال بصوت خافت:
-معلش أنا آسف عارف إن أيدي تقيلة بس علشان الخطة تمشي مظبوط ومتحسش بحاجه
أومأت برأسها إليه تضع يدها الاثنين حول عنقه قائلة بابتسامة:
-خلاص مسمحاك
أكمل وهو يُمرر يده بين خصلات شعرها بحنان يقول بجدية شديدة وصرامة:
-زينة أنا مش عايز غلط وإلا كل حاجه هتبوظ خليكي زي ما أنتي مهما عملت.. ماشي؟
أومأت إليه مرة أخرى وتحدثت برفق:
-أنا عملت زي ما طلبت مني بالظبط.. وبعدين أنا مستغربة نفسي أصلًا مثلت الدور مظبوط وكأني مصدقة
تابع عيناها السوداء التي تحمل كامل الاختلاف عن عيناه وقال بجدية مبتسمًا:
-مكدبش عليكي أنا كنت خايف منك
سألته باستغراب:
-ليه
أجابها بجدية ينظر إليها بعمق:
-كنت خايف ببقى عندك حالة برود مثلًا مكنش حد هيصدق اللي بنعمله.. أو تضحكي زي دلوقتي كده يبقى كله راح في الفاضي، أنتي كنتي غزال فعلًا
تبسمت تمرر يدها على وجهه وأردفت متسائلة تضيق عينيها عليه:
-طب الخطوة الجاية ايه.. ما أكيد مش هنفضل كده
ربت على ذراعها قائلًا بثقة:
-متقلقيش أنا مخطط لكل حاجه
تعمق ينظر إليها ثم ابتسم بخبث يغمزها متحدثًا بمكر:
-بتغيري عليا مش كده.. كنتي هتولعي حسيت بيكي من مكاني
أجابته بحدة وعصبية وهي تحاول الإبتعاد عنه:
-هو المفروض أقف اسقفلك وأنت بتحضنها وكمان بتعاند فيا ومقربها منك كده
أشار إليها بيده أن تخفض صوتها وأكمل عليها بعشق وشغف يقبض عليها بضراوة:
-فرصة وجاتلي لحد عني اشوفك بتغيري عليا ولا لأ اضيعها؟
حركت رأسها بقوة يمينًا ويسارًا قائلة بسخرية:
-لأ إزاي متضيعهاش
ابتسم محركًا يده عليها مقربها منه قائلًا بثقة:
-المهم طلعتي بتغيري
ابتسمت وهي تقترب منه تبادله القبلة التي أخذها منها مقتنصًا إياها بلهفة وشغف يُعبر بها عن مكنون قلبه الذي أفصح عنه كثيرًا من المرات ولكن ولا مرة منهم عبرت عما داخله..
"قبل بعض الوقت في صباح نفس اليوم"
وقف "جبل" يفكر فيما حدث بالأمس بينه وبين "زينة" لم يخلد للنوم من الأساس بسبب كثرة التفكير فيما حدث يحاول جاهدًا أن يجد ذلك الحقير الذي فعل به ذلك ولكن للأسف لا يوجد أحد سواها هي و "عاصم" وما بدر منها في الأمس إلى اليوم يجعله يصدقها حتى وإن باتت كل الأدلة تكذبها..
إذًا لا يوجد إلا "عاصم" ولكن لما ليفعل "عاصم" شيء كهذا غير أنه لا يعلم أنه قص على زوجته ما يعمل به إذًا سيكون "عاصم" على علم أن إن علم أحد سيكون هو أول المُتهمين لأن لا غيره يعلم!..
ليس هو وليس هي! إذًا من؟
تقدم يُسير في الغرفة ينظر إلى الفراغ يحاول أن يجمع الخيوط بعقله وأن يجمع جنود أفكاره حول هذا الموضوع ولكن بات رأسه يؤلمه لم يخلد إلى النوم من الأمس ومازال يفكر ولم يتوصل إلى أي شيء.. حتى أن لا هناك وسيلة يلجأ لها كي تساعده..
من يستطيع مساعدته اثنان فقط والاثنان لا يفعلونها بينما العقل يقول غير ذلك وشيطانه يدفعه لفعل أشياء غريبة لا يريد فعلها ولكن الوضع الذي هو به لا يحسد عليه بل يواسى به..
جلست "زينة" على الفراش تطمس على ووجهها بيدها الاثنين تنظر إليه بعدما استيقظت من نومها التي دلفت به بعد شروق الشمس..
تحدثت بصوت خافت خَجلة منه لأجل شكه بها وخَجلة من الموقف الذي بقيت به أمامه فلم يفضح سره إلا بعدما هي علمت به:
-أنت لسه صاحي
نظر إليها وأبعد وجهه دون حديث ومازال يفكر بعمق، نهضت من فوق الفراش تقترب منه بهدوء ثم تحدثت:
-جبل أنا آسفة.. والله أنا عارفه أن موقفي وحش والسر مطلعش غير بعد أنا ما عرفته بس والله العظيم مش أنا صدقني
أومأ إليها برأسه يشعر بالضجر الشديد، لا يحتمل حديث أحد من الأساس وقعت على رأسه كارثة إن علم بها أحد سيكون مع الأموات هو وكل عائلته..
أمسكت بيده وجعلته ينظر إليها قائلة بحزن:
-بصلي طيب
نظر إليها وأمسك بيدها وأردف بجدية:
-زينة خلاص أنا مصدقك بس لازم ألاقي حل وأعرف هو عرف حاجه زي دي منين
أكمل بقلق بالغ عليهم:
-طاهر راجل غبي وكره لينا مديله دافع كبير علشان يقدم الأذى.. ولو ده حصل وهو قال اللي عنده أنا وانتوا كلكم هنبقى تحت التراب
وجدها تنظر إليه باستغراب تام وبدأ القلق يدق باب قلبها فأكمل بعقلانية:
-أنا واحد بس ومعايا رجالة كتير آه، لكن هما كتير ومعاهم رجالة ضعف عدد رجالتي عشر مرات، لو اجتمعوا سوا عليا هختفي لازم أبقى فاهم ده مش هخبي الحقيقة..
تركها وسار مبتعدًا متحيرًا:
-لو عرفوا إني كنت بوقع واحد ورا التاني وكل اللي اتحبسوا دول اتحبسوا بسببي مش هيسموا علينا..
أكمل بقسوة وغلظة:
-آه أنا قوي وجبل العامري مش هيقع ولا يتهز، بس في حالة زي دي مش بس هقع أنا هتمحي وانتوا معايا ومش بعيد الجزيرة كلها
سألته مضيقة عينيها عليه:
-طب والشرطة
أجابها بجدية وهو يجلس على الفراش:
-على ما ياخدوا خبر باللي بيحصل ويجوا هنكون موتنا
وضع يده بين رأسه وهو ينحني للأمام قائلًا بارهاق:
-لازم ألاقي حل علشان احميكم.. لازم أعرف طريق طاهر
أقتربت تجلس جواره تضع يدها على كتفه تربت عليه وتحركت شفتيها بالحديث ولكن رنين هاتفه قاطعها، اعتدل في جلسته يخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم أجاب بجدية:
-أيوه يا كمال.. عملت ايه كنت مستني منك مكالمة
أجابه الرجل على الطرف الآخر بجدية شديدة:
-من وقت ما جيت وراها يا جبل بيه ومافيش أي تحركات غريبة ولا كانت بتنزل من البيت حتى لحد من يومين تلاته كده
وقف "جبل" سريعًا يستمع إليه على الناحية الأخرى فتحدث بلهفة يسأله:
-حصل ايه؟
أجابه يُسرد عليه ما حدث بينما هو يراقب "تمارا" منذ أن خرجت من الجزيرة:
-جات عربية نضيفة أخدتها، ركبت فيها طلعت وراها نزلت منها عند مراكبية ركبت المركب وراحت في عرض البحر قعدت يجي نص ساعة ورجعت تاني
تابع يسأله:
-وبعدين
أكمل قائلًا بهدوء:
-حصل ده أول امبارح وامبارح.. بس أنا مكنش ينفع انزل وراها وإلا كنت هتكشف.. حاولت أسأل الراجل اللي كانت بتركب معاه كل مرة مرديش يقول حاجه
تابع يتحدث بجدية:
-حاولت أسأل حد تاني قالي أن فيه يخت لراجل أعمال واقف بقاله مدة في عرض البحر بس مشي
أغلق الهاتف معه بعدما تأكد منه أنها الآن بالمنزل وأكد عليه أن يجعلها تحت ناظريه لا يتركها أبدًا إلا عندما يأمره هو بذلك..
عاد "جبل" يجلس على الفراش ينظر إلى الأمام يفكر فيما استمع إليه والآن بدأ بدمج الخيوط مع بعضها ليظهر من خلالها قطعة قماش ظاهرة بوضوح ألا وهي أن "تمارا" من علمت بأمر عمله، ثم بعدما خرجت من الجزيرة تواصل معها "طاهر" لأنها من المؤكد لا تعرفه ولن تصل إليه بهذه السهولة إلا إذا كان هو يريد ذلك.. ثم قصت عليه كل شيء يحدث هنا ومن بينهم خبر عمله فانتهز فرصة أن "زينة" كانت على تواصل معه فخطط معها ورسم هذه الخطة الجدية للغاية لتظهر هي من قامت تبليغه وليخرجها من الجزيرة كما فعل معها ويقوم بتنفيذ ما هددت به وهي راحله من هنا.. لأجل ذلك كانت تخرج وهي تتوعد بالعودة وبأن "زينة" راحلة بكل ثقة!!.. لأجل أنها تعلم سره!..
يا الله، هل كان يحب أفعى، كان يحب شيطانة؟ ولكن هل تكون تريد شيء وهو لا يفعله، سيعيدها إلى الجزيرة ولكن هذه المرة هو عليه أن يرسم الخطة وتكن محكمة التنفيذ أكثر منهم.. أتت إلى "جبل العامري" الذي أقسم أنه لن يرحمها هذه المرة..
ولكن يبقى السؤال هنا والذي لم يغفل عنه، كيف حصل "طاهر" على رقم هاتف "زينة"؟ ليست "تمارا" لأنها لم تكن تعرفه ومن الأساس لم تكن قد عادت إلى هنا!؟
لا يوجد إلا "فرح"، وهذا شيء متأكد منه مئة بالمئة، أعطت الرقم إلى "جلال" ومن ثم هو أعطاه إلى "طاهر".. تنفس بعمق وحصل على قليل من الارتياح على الرغم من أن الخطر مازال يحاوطه ولكن سيكون الله معه ليتخلص من هذه الأزمة في أسرع وقت.. أنه لا يفعل شيء مشين إذًا هو عنده يقين أن كل شيء سيمر بهدوء طالما علم من الذي فعل به هكذا وأفشى سره..
نظر إلى "زينة" بجدية شديدة ثم تحدث يقص عليها ما علمه الآن وما توصل إليه من خلال تفكيره لتقول بجدية:
-في نفس اليوم اللي أنت قولتلي فيه كانت عايزة تموتني.. مش ممكن سمعتنا وكانت واقفة بره..
أومأ إليها برأسه مؤكدًا:
-جايز
قالت مقترحة:
-أنت مركب كاميرات برا القصر وجوا لأ.. لازم تركب كاميرات من النهاردة يا جبل علشان نبقى فاهمين اللي بيدور حوالينا
أمسك بيدها وأكد على حديثها بجدية وعقله مازال يعمل ويفكر فيما سيفعله:
-هيحصل
تابع ينظر إليها بجدية وقال بنبرة ذات مغزى:
-أنا هرجع تمارا الجزيرة
استنكرت حديثه وخرج صوتها بعنف:
-ايه؟
أومأ برأسه واثقًا مما يقول وتابع بهدوء:
-لازم ترجع
ضيقت عينيها عليه وهي لا تفهم ما الذي يريد الوصول إليه قائلة بجدية واستنكار:
-ليه يا جبل.. بعد ما عرفت اللي عملته عايز ترجعها
قطب جبينه عليها وبدأ في الحديث معها حتى تستوعب ما الذي يريده:
-تمارا هتكون هي الطريق لطاهر وأنا لازم أوصله في أسرع وقت
فهمت مقصده ولكنها تسائلت باستغراب:
-إزاي هتوافق ترجع وإزاي هتعمل كده أنت
ربت على يدها قائلًا بجدية شديدة:
-اسمعيني للآخر وأنتي هتفهمي..
أكمل بصوت جاد ينظر إليها بعينين حادة بعدما توصل إلى ما سيفعله ليملي عليها:
-أنا هنزل قدام الكل هقول إنك مبقتيش تلزميني ومش عايزك معايا وهتكوني موجودة علشان بنتك وبس
دفعت يده بعيدًا عنها وصرخت عليه بقوة وارتفع صوتها وهي تتابعه بذهول:
-نعم.. ايه اللي بتقوله ده
قبض على يدها مرة أخرى وأكمل بهدوء لتفهم ما الذي يريده:
-اسمعي للآخر قولتلك.. دي هتبقى تمثيلية كده
ضيقت ما بين حاجبيها وحركت شفتيها متسائلة:
-طب وليه هنعمل كده عليهم هما
أجابها بعمق وجدية بصوت حاد واثق منا يقوله:
-فرح بتكلم تمارا وأنا لسه مش ضامنها وعايز الكل يبقى مصدق اللي هعمله، ومش عايز حد يشك في حاجه علشان اللي بخطط ليه ميبوظش
أومأت إليه وارتخت ملامح وجهها وهي تقول مرحبة:
-طيب فهمني
أكمل يسرد ما برأسه:
-أنا هقول كده وهخليكي تروحي اوضة وعد
رفعت أحد حاجبيها تنظر إليه بسخرية يخرج صوتها بتهكم:
-كمان؟
زفر بهدوء يكمل:
-يا زينة افهمي.. وهفهمهم إني هجيب تمارا علشان أنتي خاينة ومبقتش عايزك.. هقول كمان إني هتجوزها
صرخت وهي تدفعه للخلف ولم تتحمل ما يتفوه به وكأنه حقيقي وسيفعله حقًا بها:
-لأ كده كتير بجد كتير أنت بتقول ايه
صرخ في وجهها بصوت عالي وانتفخت عروقه وهو يُشعر بالغضب منها:
-أنتي غبية ولا ايه بقول تمثيل تمثيل فيلم يعني
ابتلعت ما وقف بجوفها ونظرت إليه ببراءة بعدما جعلته يتعصب ويتحدث بغضب فتحدثت هي بهدوء:
-طب خلاص كمل أنت بتتعصب ليه الله
حاول أن يهدأ من روعه وزفر بهدوء يعود يتحدث برفق قائلًا بجدية واثقًا:
-بعد كده هكلم تمارا ترجع وهي أكيد ما هتصدق.. أنا واثق والباقي بقى عليا بس المهم أنتي اوعي تبيني لحد إنك عارفه حاجه.. كأنك زيك زيهم بالظبط
أومأت إليه برأسها بهدوء ورفق:
-حاضر فهمت
علق عيناه بها بحدة وقال بغلظة خوفًا من أن تفعل شيء تمحي ما يريد فعله بها:
-وهيستمر الوضع لما تمارا تيجي كأني مش طايقك فاهمه يا زينة
تفهمت حديثه وتفوهت برفق:
-خلاص فاهمة.. بس متعملش كده قدام وعد وإسراء
أومأ إليها موافقًا على حديثها وأكمل بجدية واهتمام خالص بها وبمشاعرها:
-ماشي.. أنا كان ممكن أعمل كده من وراكي وتبقي زيك زيهم وردود أفعالك طبيعية، بس مش هقدر اجرحك بالشكل ده حتى لو كدب ومش ضامن رد فعلك.. فحاولي تعملي اللي قولت عليه
ابتسمت باتساع واقتربت منه تضع رأسها على صدره قائلة بحب ويقين:
-متقلقش إن شاء الله كل حاجه هتتحل أنت نيتك خير وأنا مطمنة وأنا معاك..
ربت على خصلات شعرها السوداء قائلًا بنبرة خافتة حنونة:
-ربنا يخليكي ليا يا غزال
على الرغم من أن الوضع أصبح أسهل من السابق ولكن القلق ينهش قلبه بقسوة وغلظة شديدة، لن يتربع الارتياح على عرش قلبه إلا عندما يقبض على ذلك الذي يسمى بـ "طاهر" ويلقى حتفه على يده كي يتخلص من ماضيه البشع معه ويأخذ بثأر والده منه..
على الناحية الأخرى كانت "زينة" تبتسم بسعادة وتشعر بالراحة الشديدة تغزو قلبها بعد أن ثبتت براءتها دون مجهود منها ليعلم أنها لم تخونه ولم تغدر به كما اعتقد.. وتسامحه على ما بدر منه تجاهها وظنه السوء بها لو كان أحد غيره لفعل ذلك ولو كانت هي لفعلت أكثر من ذلك.. لم يخرج السر إلا بعدما علمت وكانت كل الأدلة تقف قبالتها بقسوة.. والأكبر من كل هذا أنها كانت على تواصل مع "طاهر" دون علمه ولم تكذب ذلك..
❈-❈-❈
حركت العصاة التي بيدها على الأرض الرملية، تجلس أمام النيل في منطقة متوارية قليلًا عن أنظار أهل الجزيرة ولكن الحراس بها، أقترب منها "عاصم" يجلس جوارها نظر إليها بهدوء وسألها وهو يلقي بحجرة داخل المياة:
-مالك
حركت كتفيها للأعلى ثم للأسفل ومازالت تعبث بالعصاة على الرمال ثم قالت بحيرة:
-محتارة
قطب جبينه متابعًا طريقتها الغريبة في الحديث وتسائل بجدية:
-من ايه
رفعت بصرها نحوه تُجيبه بنفاذ صبر وضيق:
-محتارة من كل حاجه بتحصل حواليا، زينة معتبراني طفلة بس مش للدرجة دي يعني
أشار إليها بيده ولم يفهم من حديثها شيء فتابع بهدوء ورفق يحثها على الارتياح بنظرته الحنونه:
-فهميني بالراحة
تركت تلك العصاة واستدارت تجلس تواجهه، زفرت بضجر وضيق وملامحها الطفولية البريئة عابثة للغاية ثم خرج صوتها ملئ بالانزعاج:
-بيحصل حاجات كتيرة أوي غريبة في القصر وأنا مبقتش فاهمه حاجه، علاقتها بجبل كانت غير لما جينا وبعدين حبته وبقوا كويسين وحاليا متفهمش ايه اللي بيحصل بينهم كمان بعد ما رجع تمارا تاني وهي حاولت تقتلها
وجدته لم يتحدث بل نظر إليها للحظات دون رد فعل، نظرت إليه لتراه أبعد وجهه عنها إلى المياة، تابعته بشك ثم باغتته قائلة:
-أنت تعرف حاجه عن الموضوع ده
راوغ في الحديث وهو يهرب بعيناه منها قائلًا بجدية:
-وأنا هعرف منين اللي بيدور جوا القصر
ضيقيت عينيها عليه وكأنها تستطيع أن تفهم ما الذي تعبر عنه ملامحه فقالت:
-مش جايز تعرف من جبل.. ما انتوا صحاب وسر بعض
عقب بجدية وثبات:
-لأ معرفش.. أكيد لو أعرف هقولك واريحك
زفرت مرة أخرى بضيق أكبر وأردفت بانزعاج وملل واضح:
-أنا زهقت وحاسه إني بدأت أمل من كل حاجه هنا، عايشه معاهم زي الأطرش في الزفة.. مش بتقولوا كده؟
ابتسم على براءتها الجميلة ونظراتها الغريبة إن كانت سعيدة أو حزينة أو حتى تشعر بالملل، أومأ إليها قائلًا برفق:
-آه بنقول كده
صمتت وأبعدت عينيها إلى الأرضية متحيرة حقًا فيما يحدث حولها فـ إلى الآن لم تفهم أي شيء مما يدور بل شقيقتها تخفي كل شيء عنها وهي أصبحت لا تحتمل هذا الوضع أبدًا..
ابتسم ساخرًا يردف بجدية ناظرًا إليها بقوة:
-اشمعنى معايا أنا بتحبي تبقي الأطرش في الزفة وبتعملي نفسك مش فاهمه كلامي
رفعت وجهها إليه تباغته بتلك النظرة، تعامدت الشمس على عينيها الزرقاء لتصبح أكثر روعه وجمال تبادلها التشابه في لون خصلاتها الصفراء وجمالها الأخذ..
تحدث برقة وهي تبتسم تحاول أن تكون ماكرة مصطنعة عدم الفهم:
-أنا؟ امتى ده بيتهيألك
أقترب منها ليجلس جوارها أكثر قربًا، تابع وهو يبتسم ناظرًا إلى جمالها الذي لن يكون ملك أحد غيره:
-لأ مش بيتهيألي.. تحبي أقولك دلوقتي حاجه تخليكي كده
سألته وهي تبعد عيناها عنه بخجل:
-هتقول ايه
باغتها بكلمتين كان أثرهما على قلبها مغزي للغاية فدلفوا له دون إنذار يحدثون جلبة في الداخل لتسري الرعشة في جسدها خجلة منه:
-عايز اتجوزك
رفعت نظرها إليه بحب وهيام تتناسى كل ما كانو يتحدثون به منذ قليل تقول اسمه بنبرة خافتة رقيقة للغاية:
-عاصم!
اخترقت قلبه نبرتها واسمه الغريب من بين شفتيها فنظر إليها بعمق متابعًا بجدية محاولّا الثبات أمام جمالها:
-أنا بتكلم بجد، أنا بحبك وأنتي بتحبيني ايه المانع من الجواز... ليه كل ما أفتح معاكي الموضوع ده بتهربي أنا بحبك وعايزك
أبعدت وجهها مرة أخرى تنظر إلى الأرضية لا تستطيع الإجابة عليه فأكمل قلقًا من صمتها:
-ردي عليا.. ده كسوف ولا رفض
أردفت وهي بعيدة بعينيها عنه تقول بخفوت:
-أكيد مش رفض أنا كمان بحبك يا عاصم
سألها مستفهمًا باستغراب وهو يقبض على يدها بحب وحنان:
-اومال ده ايه
رفعت بصرها نحوه بعينين متحيرة وقالت بجدية خالصة:
-أنت شايف الظروف صعبة إزاي أنا لسه بحكيلك ده مش وقته خالص على فكرة، غير أن زينة رفضاك رفض تام وأنت لسه مقولتليش بتشتغل ايه
زفر محاولًا الهدوء وعقب على حديثها ومازال يرفض البوح بالسر:
-ومش هقدر أقولك.. لكن زينة عرفت حقيقة شغلي تقدري تفهمي منها هي لكن أنا لأ مقدرش
ضيقيت عينيها عليه غير مستوعبة ما الذي يقوله لتسائلة باستغراب:
-يعني ايه
ضغط على يدها بحب وحنان وبدأ في الحديث بهدوء وتروي يخرج صوته برفق لتتفهم ما يقوله لأنه يعلم أنها وإن كانت شابة إلا أن الحقيقة أنها طفلة صغيرة:
-حقيقة شغلي سر مستحيل أتكلم عنه حتى معاكي أنتي.. صاحب السر يبقى جبل وهو قال لزينة كل حاجه علشان كده تمارا رجعت.. الموضوع أكبر من استيعاب عقلك يا إسراء متفكريش فيه
سحبت كف يدها من بين يديه وصاحت بضجر:
-يعني ايه أنت كمان شايفني طفلة
نظر إليها بحب وحنان أكبر من ذي قبل يرسلهم إليها من خلال عيناه ونبرته الحنونه الشغوفه نحوها فلا يريد أن يشغل عقلها باشياء لن تستطيع أن تستوعب ما بها:
-أنا مقولتش كده بس بجد الموضوع كبير وكتر الكلام فيه يخربه.. واطمني من ناحية زينة هي فهمت كل حاجه ومش هتمنع جوازنا صدقيني إلا لو كان في سبب تاني للرفض غير موضوع الشغل ده
أبعدت وجهها وهي تصيح باختناق:
-أنا مبقتش فاهمه حاجه
أكمل بهدوء كما هو يتابعها برفق ولين وتحدث قائلًا:
-كل حاجه في وقتها حلوة المهم تكوني واثقة فيا..
أجابته بجدية وصوتها منزعج للغاية:
-أنا واثقة فيك بس عايزة أفهم
قبض على كف يدها مرة أخرى يطمئنها وهو يجذب وجهها ناحيته كي تنظر إليه فيبادلها بلين:
-طيب اسمعي كلامي وانسي اللي قولته وخليكي معايا واطمني.. ماشي
أومأت إليه قائلة بصوت خافت:
-ماشي
أكمل بجدية مقدرًا ما يمر به الجميع بالأخص بعد أن سرد عليه "جبل" ما حدث معهم وما فعلته "تمارا" وأصبح يدرك جيدًا خطورة الوضع الذي هم به حتى وإن كانت مستقرة:
-بالنسبة لحوار جوازنا أنا كمان هستنى لما الوضع يهدى والدنيا تبقى تمام.. بس كنت عايز أعرف رأيك
قالت بخجل ونبرة خافتة يكاد لا يسمعها:
-أنت عارفه كويس يا عاصم
ابتسم باتساع وهو يناظر خجلها ورقتها الشديدة، هتف بحب وهيام وجنون قلبه العاشق لا يتركه يمر بالهفوة التي ينالها منها:
-قلب عاصم
باغتته بكلمات هادئة تعبر عن كم كان شخص محظوظ حتى تكون معه الآن:
-تعرف إني عمري ما اتعاملت مع حد زيك كده
ابتسم باتساع وأخذ الأمر بالمرح مع اعترافه أنه بالفعل محظوظ بها:
-أمي دعيالي قبل ما تموت ابقى أنا أول بختك
ابتسمت تبادلة تنظر إليه تارة والأخرى إلى الأرضية الرملية بخجل شديد قائلة بعشق خالص:
-وأنا مبسوطة بده
تجرأ أكثر ورفع يدها إلى فمه يقبلها بشغف وجنون بعدما أصرت عليه جنود عقله أن يقوم بفعلتها وتذوق طعم السكر من يدها ثم هتف بهيام ولوعة:
-أنا محدش مبسوط قدي أنك معايا
سحبت يدها سريعًا منه ووقفت على قدميها تنظر إلى غروب الشمس خجلة للغاية من فعلته المباغتة التي لم تشعر بها إلا بعدما فعلها وابتعدت للخلف سريعًا بلهفة تحثه على الذهاب سريعًا بعدما أصبحت وجنتيها عبارة عن لون ثمار التفاح..
ابتسم بقوة ينظر إلى ما حدث إليها شعر برجفة سارت في كامل جسدها بعد فعلته وانتفضت واقفة بخجل مميت، بينما هو شعر بتلك القبلة وكأنها مسروقة من جنتها.. هل هذه قبلة فقط! ماذا عن بقية المشاعر معها!..
❈-❈-❈
جلس "جبل" في غرفته ليلًا، شعر بالملل الشديد وهو وحده دونها فلم يجد شيء يفعله إلا أن يجعلها تأتي إليه يود القرب منها والشعور بها معه وجواره..
عبث بهاتفه قليلًا ورفعه إلى أذنه بعد أن أتى برقمها ليأتي إليه صوتها عبر الهاتف تتسائل فقال بجدية:
-تعالي الاوضه عايزك
كانت تقف في شرفة الغرفة بعيدًا عن شقيقتها لتستطيع الإجابة عليه فسائلته باستغراب:
-إزاي اجي
تمدد على الفراش مبتسمًا يخرج صوته بلوعة واحتياج:
-تعالي يا غزال محتاجك
سألته مرة أخرى مستغربة للغاية من حديثه:
-طب وتمارا والكل
شعر بالضجر من اسألتها وبوادر رفضها فصاح بانزعاج وضيق:
-متخليش حد يشوفك يا زينة بلاش تعقيد
تحدثت بجدية شديدة محاولة أن تجعله يعود عما يريد:
-جبل مش هينفع
جلس على الفراش مرة أخرى وحقًا شعر بالامتعاض منها فصاح بصوت عالي جاف:
-أنتي بتستهبلي ولا ايه بقولك تعالي ده أمر
أجابته على مضض:
-طيب.. طيب
أغلقت الهاتف بضيق ونظرت إلى الخلف لتجد "إسراء" جالسة على الفراش تعبث بهاتفها، تنفست الصعداء ودلفت إلى الداخل نظرت إليها بعدما وقفت أمامها قائلة بجدية:
-إسراء
رفعت بصرها إليها باهتمام فأكملت:
-أنا رايحه لجبل عايز يتكلم معايا في حاجه مهمة.. بس لو حد سأل عليا قولي إني في الجنينة مش عنده ماشي
استغربت حديثها وما تريده ولكنها على أي حال أومأت إليها برأسه موافقة فتركتها "زينة" ورحلت خارجه من الغرفة متوجهة إلى غرفتها عند "جبل"
نظرت حولها وهي تسير ترى إن كان هناك أحد يراها وهي ذاهبة إليه أو لا، دلفت إلى الغرفة سريعًا وأغلقت الباب من خلفها بالمفتاح تنظر إليه بقوة وهو ممدد على الفراش فقالت بغضب:
-في ايه يا جبل مش قولنا مش هنتقابل
اعتدل في جلسته ينظر إليه بلا مبالاة يجيب ببرود:
-هو في حد شافك أنا طالع وهما في الصالون تحت
اقتربت تقف أمامه تنظر إليه باستغراب بسبب لا مبالاته البادية عليه وكأنه لم يحذرها من كل هذا:
-بردو ولو هو أنا اللي هقولك
زفر بضيق وقطب جبينه ينظر إليها بقوة يقول بصوت جاد:
-أنا عارف أنا بعمل ايه وبعدين أنا عايز مراتي ولا أنتي عندك اعتراض
أدلت كتفيها تجيبه بهدوء:
-معنديش بس بعمل كده علشانك
ابتسم باستفزاز ومكر قائلًا بصوت ونظرة خبيثة:
-ولو عندك أنا أقدر اتصرف
ضيقت ما بين حاجبيها وعيناها السوداء عليه تسأله باستغراب:
-تتصرف إزاي
اتسعت ابتسامته أكثر قائلًا بمكر:
-تمارا موجودة
ارتفع صوتها وهي تنظر إليه بضيق وغضب شديد مما يتفوه به كل لحظة والأخرى فقط كي يستفزها أو يشعر بغيرتها عليه:
-أنت اتجننت يا جبل.. ده مش مجال هزار ولا حتى علشان تشوف بغير ولا لأ
أقترب منها ينهض من على الفراش ليقف أمامها يحاصرها بيديه الاثنين مقتربًا منها:
-خلاص يا غزال.. عرفنا إنك بتغيري
أكمل يقترب منها يدفن وجهه في عنقها يستنشق رائحتها قائلًا بصوت شغوف:
-وحشتيني
ابتسمت ورفعت يدها عليه تحيط عنقه قائلة بدلال:
-لحقت؟
تمثل في الرجل ذو الكلمات المعسولة وهو يجيبها:
-أنتي وحشاني على طول
اتسعت ابتسامتها وهو يعود للخلف لينظر إليها ثم استدار بها ليجعل الفراش خلفها وهو أمامها ثم دون إنذار دفعها للخلف لتقع نائمة عليه تخرج منها صرخة مباغتة من أثر المفاجأة فمال عليها يضع يده على شفتيها يحثها على أن تخفض صوتها:
-ششش
أبعد يده عن شفتيها وهو يناظر عيناها السوداء تبادله وترى غرابة عيناه الخضراء، تلك التي كانت تخيفها إلى أبعد حد الآن لا مكان يحتوي ضعفها وحبها وجنونها وشغفها سوى عيناه المخيفة..
اقتنص منها قبلة رقيقة هادئة، يطبع شفتيه على خاصتها بكل حب وشغف وجنون، كل مشاعر الجوى ومضادها يمر به معها وبجوارها..
مر عليهم بعض الوقت سويًا ثم استمع إلى رنين هاتفه ليبتعد عنها يقبضه بين يده ينظر إلى المتصل باستغراب شديد..
قطب جبينه باستنكار مضيقًا عيناه عليه ثم أجاب واضعًا إياه على أذنه قائلًا بجدية:
-مكالمة غريبة.. خير يا فندم
تصنم ينظر إلى الفراغ وهو يستمع إلى الطرف الآخر لبضع لحظات فقط ثم أبعد الهاتف عن أذنه يهمس بخفوت يتخلله الذهول والصدمة:
-أبويا.. مات!..
اعتدلت "زينة" في جلستها تنظر إليه بصدمة خالصة غير مصدقة ما تستمع إليه، ألم يتوفى والده قبل سبع سنوات!!..