أخر الاخبار

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم ندا حسن


 رواية سجينة جبل العامري الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم ندا حسن


"جزيرة العامري موضع لكل اشتباه جال بخاطرها"
دارت عيونها السوداء على الجميع وكأنها تائهة بينهم تضل طريق العودة إلى واقعها، أو تضل المرسى لفهم ما يحدث حولها، وقد كان هذا صحيح فهي تقف بينهم وكأنها خيال.. الجميع يعلم ويفهم ما الذي سيحدث بعد قليل ولما الشرطة مُتجهة إلى الجزيرة إلا هي.. هي فقط من يجهل الأسباب..

أضاف "جبل" على كلمات "عاصم" بقسوة وصرامة:

-مش عايز أشوف حارس واحد من اللي بره معانا.. صرفهم لحد ما نخلص 

أجابه الآخر قائلًا بجدية شديدة وهو يصب تركيزه كله معه:

-كده هنحتاج رجالة كتير 

عقب سريعًا يُكمل حديثه مُجيبًا بملامح قاسية لأنه أدرك أن هناك خائن بينهم:

-رجالة الجزيرة موجودين 

تقدم منه "عاصم" قائلًا بعملية:

-جبل!

نفى الآخر برأسه وهو يحركها يمينًا ويسارًا ثم تفوه:

-لأ.. الجزيرة يا عاصم 

أكمل قائلًا بعملية شديدة وهو يتقدم معه إلى الأمام للخروج من القصر:

-لسه في وقت نقدر ننقل محتاجين مش أقل من تلت ساعات علشان يوصلوا الجزيرة.. إلا لو جايين بطايرات

أجابه الآخر وهو يسرع في التقدم مثله ليحاولوا إنقاذ الموقف الذي وضعوا به:

-لأ حملة طالعة من المدرية بري

اومأ إليه "جبل" وهم يخرجون من القصر إلى الحديقة بسرعة كبيرة فقط ليجعل الأمر طبيعي وعلى ما يرام.. في كل مرة لا أحد يستطيع أن يفعل معه شيء أو تقدم إليه أي من التُهم لأنه على قدر عالي من الذكاء ومر عليه الكثير مثل هذه المواقف ولكن الوقت هو الوحيد الذي يزعجه.. ثم بعد ذلك سيكون حساب ذلك الخائن الذي بينهم عسير.. والجميع يعلم كيف يُحاسب "جبل العامري" وهناك من يشهد على ذلك، وتُخلد هذه الشهادة داخله

تسائلت "إسراء" بعيون تتلهف لمعرفة ما الذي يحدث وهي تنظر إلى "فرح":

-هو ايه اللي بيحصل 

أجابتها شقيقته بتكبر وهي تبتعد لتخرج من الغرفة قائلة:

-مافيش حاجه

ابتعدت "زينة" بنظرها إلى ابنتها "وعد" الصغيرة وأشارت إليها بيدها لتتقدم منها الفتاة فقامت والدتها باحتضانها بسرعة ورفعت رأسها تكرر سؤال شقيقتها على والدته:

-هو في ايه يا طنط

وقفت والدته هي الأخرى على قدميها وقد بدا القلق على ملامحها بوضوح، وظهر التوتر في نبرة صوتها ومع خروج كلماتها من فمها:

-مافيش حاجه يا زينة.. مافيش 

تقدمت لتخرج من الغرفة على عجلة من أمرها ولكن "زينة" أوقفتها وهي تقف مثلها تتقدم منها لتقف قبالتها تكرر بحدة أكبر مطالبة أن تعلم ما الذي يجري:

-مافيش إزاي؟ البوليس جاي الجزيرة ليه ومال ابنك اتخض وطلع يجري.. مش هو لوحده كلكم 

نظرت إليها والدته بحدة هي الأخرى وقالت بجدية ونبرة قوية:

-قولتلك مافيش يا زينة.. ولو في حاجه وإحنا مقولناش يبقى متخصكيش 

طالعتها بغرابة شديدة وتمسكت بيد ابنتها بقوة، أهي قاربت على فهم ما يحدث!..

خرجت "وجيدة" من الغرفة لتصعد عاليًا كي تستطيع أن ترى ما الذي يحدث في الخارج من الأعلى على الرغم من أن المنطقة بعيدة قليلًا عن سكان الجزيرة ولكن "جبل" لديه تلسكوب في غرفته يراقب به كل ما يحدث بين أهل الجزيرة..

وقفت "زينة" في مكانها لم تعد تعلم ما الذي من المفترض أن تفعله، غير أن تدعي أن يمر ذلك الأسبوع بسلام كي تاخد مالها وترحل من هنا دون رجعة أبدًا، لقد رأت كل ما هو غريب هنا، وحقًا كل ما هو غريب، الخدم يقولون ألقاب تعتقد أنها لم تعد موجودة من الكثير، الحرس كثيرون بطريقة مبالغ بها، المنطقة بأكملها غريبة بطريقة مُريبة، وهو ذلك "الجبل" الشامخ أمامها يخيفها بكل ما فيه.. لحظات لا تهتز ولو شعرة واحدة منها ولحظات ترى أن قلبها سيفقد نبضه بسبب الخوف من نظراته مع تذكر كل ما كان يقوله لها زوجها عنه..

الأمر هنا أغرب من الغرابة نفسها..

❈-❈-❈

مر الوقت وصعدت إلى الأعلى مع ابنتها وشقيقتها في غرفتهم التي ينامون بها سويًا، وإلى الآن لم تفهم ما الذي يحدث، ولكنها استمعت إلى الخدم في مطبخ القصر يتساهمون مع بعضهم بالكلمات..

باشياء غريبة لو كانت كما فهمتها فسيكون عليها الرحيل من هنا في أسرع وقت..

كانت تقول الخادمة أن كل ما كان في مخازن العائلة تم توزيعه على الأهالي في الجزيرة! وكل منهم لديه مخبأ سري داخل بيته يخفون فيه الأشياء الذي يريد "جبل" أن يُخفيها ولا يوجد هناك أحد يستطيع الاعتراض بل الجميع يستمع إليه حبًا وتعاون!..

أتت الشرطة وقامت بالتفتيش في القصر والمخازن ولم تجد شيء فرحلت!، لم تفهم ما محتوى هذه الأشياء الذي يخفونها والجميع يعلم بها، الناس على الجزيرة والحرس والخدم وأهل القصر، هي فقط من لا يعرف إذا هناك شيء يخفونه عليها وربما يكون هذا الشيء غير قانوني ويخافون منها لذا سيحاولون الإسراع في إجراءات الميراث لكي ترحل من هنا..

تنهدت بصوت عالي وهي تشعر بالراحة عندما توصلت إلى هذا الحل فهي لا يهمها إن كان قانوني أو غيره كل ما تريده الابتعاد عن هنا مع حقها وليذهب الجميع من بعد ذلك إلى الجحيم..

أغمضت عينيها، وأراحت رأسها إلى ظهر الفراش تستند عليه وهي جالسة فوقه ممدة القدمين، غامت على عقلها ذكرى راحله منذ أكثر من السبع سنوات..

"أقتربت من زوجها "يونس" في الفراش بعد أن وضعت فتاتها الصغيرة في فراشها لقد أرهقتها كثيرًا وهي تحاول معها أن تجعلها تنام لتجعلها هي الأخرى تأخذ بعض الوقت الذي تريح به جسدها..

كان يضع نظارات طبية يتمسك بالحاسوب النقال الخاص به يدقق بما يعرض أمامه، استمع إلى صوتها وهي تستقر على الفراش جواره:

-بس أخوك ده صعب أوي يا يونس.. إتم كده مش بيضحك مش بيتكلم ولا بيعمل أي حاجه غير يخرج ويدخل وهو مكشر

أجاب على حديثها بجدية وعينيه مازالت على حاسوبه:

-هو جبل كده على طول بتاع شغل وبس 

ضيقت عينيها عليه وقالت بفتور:

-هو شغال ايه

حرك رقبته للناحية اليمنى ثم اليسرى وقال بلا مبالاة وبساطة:

-محامي.. بيشتغل محامي 

رفعت حاجبها الأيمن وهي تنظر إليه تلوي شفتيها باستغراب:

-ده محامي؟ غريبة أوي

-اشمعنى!

-ده مش شكل محامي خالص ولا طريقة محامي.. مش أسلوب يعني وبعدين عمري ما شوفته داخل ولا طالع بشنطه ولا حتى عنده مكتب وبعدين مكتب ايه ومحامي ايه هو المكان اللي هما فيه ده محتاج محامي ده فيه مدرسة بالعافية 

رفع بصرة من على الحاسوب تاركًا إياه جواره على الكومود وأبعد نظارته الطبية عنه:

-وفي وحدة صحية كمان 

ارتفعت ضحكاتها فجأة غير مُسيطرة على نفسها ثم وضعت يدها على فمها عندما تذكرت الصغيرة النائمة وتفوهت بسخرية:

-يا شيخ؟ وحدة صحية بحالها دا مكان أسري بقى

تابعها بنظراته ولم يهتم بحديثها المهمين على مكان معيشة أهله ولكنه قال بجدية:

-طبعًا واحدة زيك هتقول ايه غير كده عايشة في دبي في منطقة راقية مرات راجل مقتدر وشايفة الدنيا على كيفك.. بس أحب أقولك إن الجزيرة فعلًا فيها مكان أثري

اعتدل على الفراش مثلها يمدد قدميه مُستندًا برأسه إلى الخلف واستمع إلى تفوها المتأكد:

-الجبل

اومأ إليها برأسه دون الحديث فسألته بجدية ناظرة إليه بعمق:

-ليه منعتني أقرب منه 

اعتدل مرة أخرى وجلس على الفراش ناظرًا إليها بجدية وحزم وبدا على وجهه أن ما يقوله لا يسمح بالنقاش:

-علشان الجبل ده مش لينا.. ولا أنا ولا أنتي ولا ممكن أبدًا نقرب منه مهما كانت الظروف الجبل محدش بيروح عنده ولا بيدخله ولو بيحصل غير كده بردو أنا وأنتي لأ ولو حصل نصيب ورجعنا هناك تاني إياكي تروحي جنبه

تسائلت باستغراب عندما رأت تحوله المفاجئ:

-ليه كل ده 

أكمل قائلًا بنفس نبرته القوية الحازمة:

-علشان ده خاص بجبل أخويا وأي حاجه خاصة بيه أبعدي عنها.. جبل مش سهل واللي بيقرب من حاجته بياكله أكل

صاحت وهي تشيح بيدها تجاهه بعصبية:

-ايه ايه اهدا الله هو كان اشتراه بفلوسه ولا مكتوب بإسمه مش بتقول مكان أثري يعني بتاع الكل 

نفى برأسه وهو يأكد عليها:

-لأ بتاع جبل.. اومال فكرك اسمه جبل ليه 

لوت شفتيها وحركت رأسها وهي تقول بملل:

-ماهو أكيد اسمه محمد مثلًا إبراهيم كمال وطلع عليه جبل ده 

تابع النظر في عينيها مباشرة وابتسم بسخرية قائلًا:

-لأ يا أنصح أخواتك اسمه جبل.. جبل العامري نسبة للجبل اللي على الجزيرة 

تمددت على الفراش ونظرت إلى سقف الغرفة قائلة باستغراب:

-وده ليه؟ وليه ممكن باباك يسميه جبل 

أطال النظر إليها، يعلم أنها فضولية للغاية وتود معرفة كل شيء وما السبب وراءه وما النتيجة من بعده وهذا سيتعبه ويتعبها كثيرًا، يحمد الله أنه بعيد عن الجزيرة كل البعد

أردف بجدية وقوة وهو يخرج الكلمات من شفتيه بحزم وداخله خوف لأنه يعلم زوجته جيدًا:

-زينة أهم حاجه زي ما قولتلك مالكيش دعوة بجبل نهائي، لو شوفتيه من بعيد متقربيش منه خليكي بعيدة زي ما أنتي.. أنا قولتلك جبل مش سهل ومش أي حد يقدر عليه أخويا الكبير وأنا عارفه 

استدارت بوجهها للناحية الأخرى تتثائب وتسحب عليها الغطاء:

-وأنا هشوفه فين بس يا يونس.. نام يا حبيبي 

تنهد بعمق وهو ينام جوراها ويغمض عينيه قائلًا كلمات لم يكن يعلم أنها حقيقية إلى هذه الدرجة في وقتها:

-مين عارف اللي مستخبيلنا.. محدش يعرف الأيام فيها ايه يا زينة"

استفاقت من تلك الذكرى التي لعبت بعقلها، لقد كان "يونس" زوجها يعرف الكثير عن شقيقه! يعلم أنه صعب للغاية وقال لها هذا الحديث وحذرها، هي إلى الآن لم تقابل أي شيء صعب منه بل قابلت أفعال رديئة يمكنها ابتلاعها إلى أن تذهب..

ولكن ما في رأسها الآن هناك شيء غير قانوني يحدث في هذه الجزيرة حقًا وكان يعلم به "يونس".

هل أخفى عنها حقيقة شقيقة وعائلته؟ ولما قد قال أنه يعمل محامي ووالدته قالت أنه كبير الجزيرة وينوب أهلها! هل كل هذه الشكوك في رأسها هي فقط وعقلها الذي يوسوس إليها بهذا أم أنه صحيح وواقعي..

تعلم أن عقلها سوداوي وكل أمر بسيط يعقده ويجعله أقرب إلى المستحيل حدوثه وكل أزمة تمر بها يكبرها ويجعلها على وشك أن تكون متهمة بها ولكن هناك إحساس هذه المرة ينبعث من قلبها يتفق مع عقلها بقول أن هناك الكثير من الأشياء المخفية والكثير بخصوص ذلك "جبل" الذي أخذت التحذير الكافي بخصوصه من زوجها ولم تأخذه على محمل الجد بل وتهاونت به أيضًا..

تشعر أنها تائهة بين عقلها وقلبها على متن هذه الجزيرة التي تقع في مُنتصف النيل، لا يدري بوجودها بشر ولا سبيل للنجاة منها إلا الهرب أو الغرق..

❈-❈-❈

مر الأسبوع الذي انتظرته بفارغ الصبر، لقد كان أشبه بالعام وليس بضع أيام تخلد للنوم بها وتستيقظ وتجدها انتهت، كانت أشبه بأوقات السجن المملة، تعتبر نفسها سجينة داخل زنزانة وتنتظر لحظة الإفراج وإخلاء سبيلها.. وهذا ما كان بالضبط يحدث لقد كانت تنتظر على أحر من الجمر كي تذهب من على هذه الجزيرة عائدة إلى مكانها مرة أخرى وبحوزتها الأموال الذي تجعلها سعيدة هي وابنتها وشقيقتها..

الإنتظار كان قاتل ولكنها تحملت فقط من أجل أن لا يضيع كل هذا هباء ويذهب تعبها في الوصول إلى هنا ومعاناتها السابقة مع الرياح..

ولكن الحقيقة أن مخاوفها كانت تزداد يوم بعد يوم أثناء وجودها هنا بالأخص عندما أتت الشرطة إلى الجزيرة وعندما تذكرت حديث زوجها واستمعت إلى حديث العاملين بالقصر.. ظلت الأفكار تتهاتف على عقلها بكثير وتأتي من هنا وهنا وتجعلها تشعر بالخوف والرهبة على ابنتها وشقيقتها في هذا المكان..

لقد كانت ستضيع منها شقيقتها بسبب سوء فهم من أحد الحراس إذًا هم يعتادون على ذلك وعلى أهبة الاستعداد دائمًا لقتل أي شخص يقف في مواجهتهم..

وكل ما كان يشغل رأسها أيضًا مع هذا هو أنه لو كان صحيح زوجها يعلم وتركها هكذا تضل ما يحدث؟ ماذا لو حدث لهم شيء ألم يكن خائف على ابنته وزوجته؟ أم أنه كان خائف من أن يقوم بفضح عائلته أمامها!..

على أي حال لقد انتهت المدة التي طالبت بها والدته الآن عليهم أن يوفروا لها حقها هي وابنتها، عليهم أن يجعلوها تنال الراحة ولو قليلًا فهي تحمل على عاتقها مسؤولية أكبر منها هي شخصيًا.. قد تبدو جامدة حادة صالبة أمام الجميع ولكن داخلها هش للغاية يبحث عن الأمن والدفء الذي ينعم به ولو حتى لدقائق..

أنها الشخص الكبير في أسرتها وهي الأمن بالنسبة إليهم كل منهم يرتمي في أحضانها في السعادة والحزن والشدة والضعف.. ولكن هي ليس لديها من ترتمي في أحضانه وتلقي عليه بعض من تلك الهموم التي تحملها وحدها..

فقط عندما تأخذ المال وتعود إلى دبي لن يكون هناك مشاكل ولن تحتاج إلى أن يكون جوارها من ترتمي بأحضانه.. سيغنيها المال عن أي شخص ويحل محل المشكلات العويصة كالتي واجهتها..

❈-❈-❈

في لحظة ما شعرت أن حياتها انتهت وقلبها توقف عن النبض، كل ما فعلته هو التجول في مكان غريب وجديد عليها ولكن لم تكن تتوقع أبدًا ما سيحدث لها داخل قصر العامري، شعرت أن حياتها رخيصة للغاية ولا ثمن لها.. في لمح البصر كانت ستُقتل ولن يكن لها دية عندهم ومنذ أن حدث ذلك وهي متوترة وقلقه بشأن وجودها هنا في هذا المكان..

فهم يتعاملون معهم على أنهم بمنتهى البرود والبساطة وكأن حياتهم ليس لها أي قيمة.. لقد اؤذيت نفسيتها كثيرًا مما حدث وشعرت بالقلق والخوف المبالغ به حتى أنها لم تخرج من بوابة القصر أبدًا من حينها وكأن قابض الأرواح ينتظرها بالخارج غير أن ذلك الغبي نعتها بألفاظ بشعة وشكك بها وكأنها فتاة رخيصة تفعل أي شيء دون حساب ولم تحصل على الأدب في حياتها يومًا ما..

بكائها والحلف بيمين الله لم يشفع لها ولم يرق قلبه ناحيتها ذلك المعتوه الأهبل الذي يماثل الأصنام في طولها وحجمها الكبير الذي يبتلع البشر..

جلست في الخارج وهي تطمئن أن الجميع علم بوجودها فلا خوف بعد ذلك منهم هؤلاء الحراس الأغبية.. 

نظرت حولها وهي تجلس على المقعد وكأنها في بيت رجل عصابات أو مافيا ليس في مكان قذر كهذا.. البوابة الخارجية عليها حارسان والداخلية عليها حارسان وهناك غرفة للحرس بجوار البوابة من الأساس غير هؤلاء الست أو السبع حراس المتناثرين في الحديقة وكل منهم يحمل سلاح!.. لما كل هذا؟

لوت شفتيها باستغراب وعدم معرفة ثم فتحت جوالها الخاص ورفعته أمام وجهها ليبدأ البث بينها وبين أحد الأصدقاء لها..

تحدثت صديقتها على الناحية الأخرى باللغة الإنجليزية مُبتسمة:

-Hello Israa, how are you
"مرحبًا إسراء، كيف حالك"

أجابتها الأخرى بابتسامة تماثلها على وجهها وهي تُجيب بحماس:

-Hi Laura, I'm fine, I missed you so much 
"مرحبًا لورا، أنا بخير لقد افتقدتك كثيرًا

قابلتها الأخرى بسعادة وتساؤل:

-Me too, really, I've had a hard time reaching you since you left here 
"وأنا أيضًا حقا، لقد واجهت صعوبة في الوصول إليك منذ أن رحلتي

أومأت إليها "إسراء" باستياء بسبب عدم وصول الشبكة إلى هنا دائمًا:

-Yes, the situation here is very bad and there is no internet 
"نعم الوضع هنا سيء للغاية ولا يوجد انترنت"

تفاجات صديقتها وتغيرت تعابيرها وهي تتسائل بجدية وذهول:

-Oh, how can you endure without the Internet? Is there any place left in the world now without the Internet? 
"اوه، كيف يمكنك الصمود دون انترنت، هل بقي مكان في العالم دون وجود انترنت

أومأت إليها ضاحكة بسخرية على حالها:

-Yes, here there is no, and here many things happen that you will not believe. I will tell them to you when I return to Dubai 
"نعم هنا وهناك الكثير من الأمور تحدث لن تصدقينها سوف اقصها عليكي عندما أعود إلى دبي"

تسائلت الأخرى بحماس:

-when you will come back 
"متى ستعودين"

لوت شفتيها بعدم معرفة ولكن أجابتها:

-I don't know, but soon the situation here will be unbearable 
"لا أعلم ولكن قريبًا الوضع هنا لا يحتمل"

ثم أدارت كاميرا الهاتف لصديقتها وقامت برصد الحراس المسلحين لها لتريها الوضع الذي تجلس به، شهقت الأخرى بفزع عندما رأتهم وتسائلت بخوف عليها:

-Oh my God what is this 
"يا إلهي ما هذا"

تحدثت "إسراء بهدوء وبساطة:

-These are the guards of the palace we live in. I miss Dubai and touring around here is truly another life 
"هذه حراسة القصر الذي نعيش به، لقد اشتقت إلى دبي والتجول بها حقا هنا حياة أخرى

استمعت إلى صوت خشن حاد فوق رأسها:

-مش المفروض أننا نصور حراسة القصر كده بتخالفي القوانين تاني 

وقفت سريعًا لتستدير ناظرة إليه بخوف وتوتر، نظرت إلى صديقتها تنهي معاها المكالمة سريعًا:

-Laura, I'll talk to you later 
"لورا سأحدثك لاحقًا"

أغلقت الهاتف سريعًا ونظرت إليه قائلة بجدية شديدة وقلبها يدق بعنف:

-أنا مكنش قصدي.. دي صاحبتي مش حد غريب 

ابتسم "عاصم" بتهكم وهو يقول لها بجدية شديدة وعيونه حادة عليها:

-أنتي نفسك غريبة 

تحركت بقدميها للأمام بعد أن تلبكت بسبب حديثه ونظراته وهتفت وهي تتحرك:

-عن اذنك

جذبها من ذراعها بقوة لتعود وتقف أمامه مرة أخرى، خلعت ذراعها من بين يده القوية ونظرت إليه باستغراب فاستمعت إليه:

-أنا بعتذر عن اللي عملته معاكي.. مكنتش أعرف أنك دخلتي القصر فكرتك حد تاني 

نظرت إليه، تابعته بعينيها الزرقاء وبقيت صامتة فاستغل هذه الفرصة وأبحر داخل جمالها الأخذ في وسط النهار وهو ظاهر بوضوح للجميع.. التهم ملامحها الرائعة الجميلة عينيها الزرقاء وشفتيها الوردية وبشرتها البيضاء الغريبة..

أكل بعينيه كل ملامحها ومفاتنها ورائحتها!.. تنبعث منها رائحة نظيفة رائعة يفتقدها في مثل هذه الجزيرة.. والحق يقال هو يفتقد فتاة جميلة بريئة مثلها..

يبدو عليها الإرتباك والغباء أيضًا، ضعيفة وسلبية للغاية يظهر ذلك عليها بوضوح وعلمه وتيقن منه عندما ارتمت داخل أحضان شقيقتها ولم تستطع الحديث بينما الأخرى ذات المخالب هي من تحدثت..

غريبة هذه الفتاة بكل تفاصيلها ولا يبدو أنها شقيقة الأخرى عادية الجمال.. هل يحقق بها؟ هل عينيه تجوب وجهها مرة بعد مرة؟ هل وقف أمام عيونها الزرقاء ولم يعد يستطيع أن يزحزح عينيه عنها؟ هل يدق قلبه الآن؟!

تنهد سريعًا ومحى هذه الأفكار الغبية من رأسه، أخفى كل ما شعر به في دقيقة واحدة إن كان أظهره من الأساس ونظر إليها قائلًا بصوت رجولي أجش:

-قبلتي اعتذاري!

اومأت برأسها إليه بخوف أكثر من السابق بعد أن استغرق كل هذه المدة في النظر إلى وجهها فتابع قائلًا وهو يسترسل معها في الحديث دون دراية أنه يفعل ذلك: 

-اسمك ايه بقى 

خرج صوتها مبحوح لا تدري من هيبة الموقف أو من تذكر شكله المخيف تلك الليلة:

-إسراء مختار 

ابتسم ناظرًا إليها بعمق يقول بحس لا يميل للفكاهة:

-انتوا عيلة موسيقية ولا ايه ده اسم موسيقي

وجدها جامدة الملامح تنظر إليه باستغراب ربما لا تستطيع أن تفهم ما الذي يحدث الآن فسألها:

-هو أنتي لسه خايفة 

حركت رأسها للأمام بنعم ثم سريعًا حركته يمينًا ويسارًا نافية ولكنه عندما رآها تفعل هذا بجسد صلب ووجه جامد انفرط في الضحك بصوت عالي.. بدأ مظهرها غبي فعلًا وضعيف، متوترة وتتمسك بهاتفها بيدها بقوة ولو لم يكن معدن صلب لكان كُسر بيدها من كثرة الضغط عليه..

وقف ثابتًا وتفوه بجدية وابتسامة:

-متخافيش إحنا مش بنأذي حد وأنا مكنتش هعمل فيكي حاجه.. ده كان مجرد تهديد وبعدين أنتي شكلك عيله صغيرة يعني متخافيش 

خرج صوتها هذه المرة بقوة وصوت واضح وهي تنفي كلمته بغيظ وانزعاج:

-أنا مش عيله 

تابع انزعاجها بنصف عين وأدرك أنها طفلة للغاية ويستطيع أن يقسم على ذلك ولكنه تعامل معاها بنفس أسلوبها واسترد:

-عندك كام سنة 

أجابته بفخر وهي تبتسم قائلة:

-اتنين وعشرين 

فهم ما الذي سيجعلها تسترسل معه في الحديث بعد تلك الابتسامة فتابع معها وهو يتحدث بما يهواه عقلها:

-ياه دا أنتي كبيرة كده فعلًا

أشارت بيدها إليه بحماس وابتسامة واسعة:

-شوفت بقى إني كبيرة ومش بحب حد يقول إني صغيرة 

تابع على نفس النحو باستهزاء من داخله ولكنه يكمل معها:

-لأ مالهمش حق يقولوا كده طبعًا 

أكمل وهو يقدم يده إليها وهو يشعر بالكثير من الأمور الثائرة داخله على بعضها البعض ولكنه لا يستطع الإبتعاد أو تحريك نظرة عنها:

-أنا عاصم.. رئيس الحرس وصاحب جبل 

نظرت إلى يده الممدودة إليها بتردد ثم قدمت يدها إليه ووضعتها بها قائلة بابتسامة واسعة:

-وأنا إسراء أخت زينة مرات يونس الله يرحمه 

حرك رأسه ومازال ممسكًا بيدها قائلًا:

-مش زعلانه من اللي عملته أكيد 

حركت رأسها بالنفي مجيبة عليه:

-لأ خلاص مش زعلانه كده 

ترك يدها وابتسم باتساع، لا يدري ما الذي يحدث له يُقسم على أن كل ما حدث بينهم الآن من حديث وانجذابات ليس له يد به كل هذا حدث دون دراية منه ودون إرادة، ينجدب نحوها كالمسحور وقلبه يدق بعنف ناحيتها وكأنه في مشادة قتالية مع أحدهم..

لقد رحلت من أمامه ودلفت إلى الداخل وهو مازال ينظر في أسرها يحاول فهم ما الذي حدث منذ قليل وما هذه الفتاة الرائعة في الجمال والطفولة للغاية في حديثها وأفعالها..

❈-❈-❈

كانت الأيام الماضية من أسوأ الأيام الذي مرت على "جبل العامري" ومن أسوأ الليالي الذي حظى بها وحده، لقد أشعلت والدته داخله نيران لا تنطفئ إلا بشيء واحد يعرفه جيدًا ولكنه يأبى فعله..

أشعلت النيران وأمسكت بالبنزين ساكبة إياه عليه ولا تريده أن يشتعل بل تريد أن يمر كل شيء بسلام كيف وهي من فعلت ذلك؟..

لقد كان يعيش بهدوء وحده ولا يفكر في هذه الفكرة الغبية الخبيثة التي قالتها له، لم يكن ينوي فعلها ولم يتوجه إليها يومًا ما منذ أن أصبح "جبل" الآن..

هي أيقظت الفكرة وأتت بمن سينفذها أمامه وتدفعه لفعلها.. كلما مرت زوجة شقيقه أمامه شعر بنيران تلتهب داخله وتأكل خلاياه وتشعل الرغبة به..

مرة بعد مرة لا يستطيع التحكم في نفسه فيذهب سريعًا من محيط مكانها يبتعد ليكون وحده غير قادرًا على التحمل، لقد اشتعلت شهواته مع النيران وطالبت بالرحمة والمغفرة وأن يعفو عنها سامحًا بوجود امرأة بحياته كي يقتل كل ذلك الألم الذي يقتله وحده..

وجود هذه المرأة التي تتغنج أمامه كالغزال بخصلاتها السوداء الطويلة يصيبه باللعنة، لا يستطيع السيطرة على نفسه في حضرتها ولا يستطيع أن يتوقف عن التفكير في ذلك الأمر في غيابها.. ما الذي يقوله عن والدته فهي المتسبب الوحيد في كل ما يحدث هذا..

أنه يفكر في عيونها القناصة الذي تصيبه في لمح البصر كلما نظرت إليه وقابلت عيناه، تبعدهم كلما تقابلوا سويًا ولكن أثرها عليه عجيب ويجعله يشعر بالخوف من وجودها..

الآن هو يريدها، بكل جوارحه يريدها هي بالأخص فهي من ولدت أمامه واهتاج جسده ناحيتها فلا يريد غيرها ليكون موضع لكل آنه ألم تخرج منه..

أمامه حل من الاثنين، الأول أن يقتل كل هذه المشاعر الجياشة داخله ويتحكم بنفسه وجسده ويعطيها ما لها عنده ويجعلها ترحل دون رجعه ويعود هو الآخر إلى وضعه الطبيعي ويمحي فكرة وجود النساء في حياته.. وفي هذه الحالة ستغضب والدته وتثور وتفعل ما لا يحمد عقباه وربما تقف فيما يفعل ولن تجعله ينجح أبدًا ولن يستطيع قول شيء لها

والثاني أن يفعل مثلما طلبت والدته ويلبي طلب أعضائه واحتياجاته ويقوم بقتل ذلك الاشتياق الذي يدعي بقربها منه ويتزوجها وهنا لا يضمن وجودها على الجزيرة ما الذي ممكن أن يفعله خاصة أنها لا يبدو عليها من النساء المطيعات ولكنه يستطع أن يجعلها منهن..

وقفت أمامه في الصالون تنظر إليه بابتسامة مشرقة وهي تعتقد أنه استدعاها لأجل أن يقول لها أنه تم الانتهاء من إجراءات الميراث وستذهب!.. يا لها من طموحات وأحلام بسيطة ولكنها صعبة المنال في حالتها.. 

وضع يده الاثنين بجيب بنطاله الأبيض ووقف شامخًا يبدو عليه أنه حقًا كبير الجزيرة وقال بصوت أجش خشن:

-مدام زينة.. أنا عايز اتجوزك 

محت الابتسامة سريعًا من على وجهها ونظرت إليه بذهول واستغراب بعد أن اتسعت عينيها عليه، لقد قالها بمنتهى العنجهية والتكبر وخرجت من بين شفتيه بنبرة ناهية وكأنه لا يطلب ذلك بل قرر أنه سيحدث..

لم تستطع شفتيها أن تتحرك بالحديث بل بقيت تحت تأثير الصدمة تنظر إليه ولا تعرف ما الذي من المفترض فعله..

الفصل الرابع
"أنهارت حصونها ووقعت فريسة سهلة الصيد"
بقيت صامتة، تنظر إليه فقط بعيون مُتسعة مُستغربة مما استمعت إليه منه، لقد ألقى عليها صاعقة لم تكن مُستعدة لمواجهتها، أهو جن؟ هل هو أحمق؟ نعم مجنون وأحمق الاثنين معًا من يفعل شيء كهذا يكون مجنون ومختل عقليًا..

هي زوجة شقيقه! كيف يفكر بها بهذه الطريقة؟ كيف يرى أنها من الممكن أن توافق أن تكون زوجة رجل مثله غامض وغريب الأطوار..

صمتها طال أمامه وهي واقفة تفكر في كل الأبعاد لهذه الكلمة الوحيدة التي خرجت منه وكأنه مجنون.. أهو يفعل ذلك حتى لا تأخد مالها هي وابنتها؟ هل يطمع في حقها وميراث طفلة يتيمة مثل هذه.. إنها لا تطالب بشيء غريب ولا تطالب بحق ليس لها وهو يملك الكثير والكثير لما قد يفعل ذلك..

لما قد يفكر في زوجة أخيه زوجة له؟

حرك عينيه عليها ليحثها على الحديث بعد صمت طال بينهم، حركت رأسها وعينيها هي الأخرى بطريقة عفوية مُطالبة بالشرح أكثر من هذا:

-نعم!

أقترب منها إلى الداخل ومازالت يده بجيوب بنطاله، يقف كما هو بنفس العنجهية والتكبر الذي رأتهم به واستمعت إليه يقول:

-قولت عايز نتجوز 

ابتسمت بسخرية وهي تضع يدها الاثنين أمام صدرها قائلة باستياء:

-وأنت بقى بتاخد رأيي ولا قررت 

بادلها الابتسامة الساخرة وعلم مقصدها وفهم أن ما أراد أن يوصله إليها قد وصل فقال ببرود:

-أحب اسمع رأيك.. ده لو عندك

تنفست بعصبية وهي تبعد يدها إلى جوارها بعد أن استفزها حديثه وكأنه يقول أنه قرر بالفعل وسيستمع إلى كلماتها لمجرد الاستماع فقط:

-رأيي هو إني رافضة.. طلبك مرفوض 

ابتسم وتقدم إلى الداخل أكثر ليقف قبالتها مباشرة، ينظر إلى سحر عينيها الغاضب من طلبه، ينظر إلى شراسة إمرأة مكبوتة داخلها لأنها تخاف من أن تخرجها في مكان لا أحد معها به وهي الحامي الوحيد لعائلتها..

هتف ببساطة واستلذ بالحديث معها:

-هسيبك تفكري.. بس خدي بالك في الآخر كلامي هيتنفذ 

تحولت نظرتها نحوه للغضب الذي ظهر عليها فجأة وقالت بتهكم:

-ليه لوي دراع؟

سار داخل الغرفة، أخذها نقطة الدائرة وأصبح يلف حولها بجسده ثم وقف أمامها وثبت عينيه الخضراء عليها قائلًا بقسوة:

-أنا مبلويش دراع حد.. أنا بقطعه 

ابتلعت غصة تكونت في حلقها وتابعت في تمثيل الشجاعة والغضب تهتف:

-المفروض أخاف!؟

ابتسم ناظرًا إليها وهو يقف أمامها لا يفصل بينهم إلا نسمات الهواء المارة:

-شيء يرجعلك 

رأت نظرته نحوها في هذه اللحظة!.. رغبة خالصة نابعه من داخله.. أنها تعرف هذه النظرات جيدًا ألم تكن متزوجة لمدة ثلاثة أعوام!..

أيعتقد أنها سهلة المنال إلى هذه الدرجة؟ لقد فكر في وجود إمرأة في حياته ولم يجد إلا هي! أو أنه لم يفكر من الأساس بل وجودها أمامه جعله يريدها ليفرغ بها شحنته المتكونة داخله.. هذا يظهر عليه بوضوح!.. إنه لا يستطيع اخفاءه 

ابتلعت ريقها ورفعت يدها إلى صدرها مرة أخرى ووقفت أمامه شامخة مُعتدلة مثله بالضبط، نظرت إليه بقوة دون خوف وخرجت الكلمات من فمها مُتتالية بمنتهى الثقة:

-جبل بيه.. أنا أرملة أخوك من خمس سنين كنت عايشة في بلد غريبة ولوحدي لأ وكمان مسؤولة عن بنتين معايا.. عدت عليا ظروف حلوة والوحشة أضعاف مضاعفة ومر عليا الراجل الجدع.. واللي عينه زايغة ومليانه رغبة كدابة ناحيتي وأنت بقى مش حد غريب علشان أتكلم معاه.. أنت أخو يونس الله يرحمه اللي مش هيجي بعده أبدًا

شعرت أنها تود أن تتحدث معه بهذه الطريقة بعد أن رأت تلك المشاعر بعيناه، عليها أن تجعله يقف عند حده ويعلم أنها تستطيع حماية نفسها من أي شر قد يكون معتقد أنه سيخيفها به:

-أنا بعرف أحمي نفسي كويس أوي وزي ما قولتلك عدا عليا كتير والوحش منهم أكتر فأنا مبخافش ومبتهزش.. أنا السبب اللي جابني هنا أزمة مالية وإني عايزة بنتي تفضل عايشة في نفس المستوى اللي عيشها فيه أبوها فجيت أخد حقها وحقي.. مش جايه أخد حق حد 

ابتسم باتساع وحرك رأسه بذهول، لم يكن يعلم أنه ماكرة إلى هذه الدرجة.. لدرجة فهم ما الذي يريده منها، أخرج يده اليمنى من جيب بنطاله ورفعها إلى وجنتها يُحركها عليها برفق وطريقة غريبة قائلًا ببرود:

-حلو إنك بتتكلمي دوغري يا مدام زينة.. بس أنا بردو هديكي فرصة تفكري ومش عايزك تنسي أبدًا مين هو جبل العامري 

ضربت يده بقوة تبعد إياها عنها، وصاحت بعصبية أمامه:

-بقولك ايه.. أنا ميخصنيش مين هو جبل العامري كل اللي يخصني أخد حقي وأمشي ولا أكتر ولا أقل لكن اللي بتقوله ده جنان جواز ايه وبعدين هو أنا يوم ما أفكر اتجوز بعد يونس اتجوزك أنت!

استدار ينظر إلى الخلف للحظة ثم في اللحظة الأخرى كان يقترب منها بيده اليمنى يضعها خلف عنقها يجذبها ناحيته للأمام حتى أنها أخرجت صرخة مباغتة ونظرت إليه باستغراب وذهول..

وجهها قريب منه للغاية وأنفها يستنشق أنفاسه الساخنة المتتالية بعصبية وغضب أتضح إليها أكثر وهو يتحدث أمام شفتيها بصوت خافت يماثل فحيح الافعى:

-هنغلط! يبقى هنزعل من بعض وأنا زعلي وسخ مش وحش.. أنا زعلي وسخ يا غزال، الله وكيل ما هتستحمليه ساعة 

كانت ترفع عينيها للأعلى لتقابل عينيه المخيفة التي تسبب لها الرعشة بجسدها كلما رأتها هكذا، لم تفهم الذي يحدث معها، لم تفهم ما الذي يريده منها ولما قد يقابلها بهذه الطريقة ولما التهديد هذا.. 

أوقعت بين يده؟ أخطأت عندما أتت إلى هنا لتأخذ نصيب ابنتها وتضمن مستقبلها؟ ستتحمل نتيجة خطأها وعدم الاستماع إلى زوجها يونس؟ هل كان عليها أن تتسول ولا تأتي إلى هنا! إلى جزيرة العامري

انتشلت نفسها منه وعادت للخلف بقوة تنظر إليه بعيون يملأها الحقد تجاهه والندم لأنها أتت إلى هنا تخاف أن تكون هذه بدايتها.. 

استدارت تعطيه ظهرها، لقد صدمت منه، ابتلعت كلماته بخوف شديد، لقد كان "يونس" معه كامل الحق يجب الإبتعاد عنه.. يجب أن تكون على بعد كافي من هذا الشخص ولكن كيف فهي أتت إلى هنا بمحض إرادتها..

تنفست بعمق واستدارت إليه مرة أخرى تنظر بجدية وحاولت ألا تظهر له خوفها، كي لا تكون فريسة سهلة الصيد وقالت بثقة وتأكيد:

-للمرة المليون هقول.. أنا جايه علشان أخد حقي أنا وبنتي وأمشي، جواز مرفوض نهائي وياريت تنجز في حوار الميراث ده علشان نمشي 

نظر إليها بابتسامة شامتة بها وبما حدث لها من تلبك وتوتر يظهر بوضوح على ملامحها وحديثها على الرغم من أنها تحاول أن تخفيه ولكن ليس هو من يخفى عليه أمرًا..

وضع يده في جيبه مرة أخرى وسار بهدوء إلى الخارج وبلا مبالاة متناهية وقال بنبرة هادئة:

-معاكي فرصة تفكري وهاخد منك الرد قريب.. يا غزال

خرج من الغرفة بمنتهى العجنهية والتكبر وهو يُسير بخطوات ثابتة بطيئة واثقًا في كل ما يفعله يظهر إليها الشماتة، بعد أن وجدها عادت للخلف خطوة متزعزة قوتها وفار غضبها إلى جوارها على الأرضية..

يا له من حاكم لا مثيل له في هذه البلاد، وقريبًا سيعلن الأفراح ويأخذ ما أراد وينال من نظر إليه واشتهاه وكل هذا بسبب والدته..

بقيت تنظر إليه بذهول.. كيف يمكنه أن يكون هكذا؟ كيف يمكنه أن يهددها بهذه الطريقة.. لأنها رفضت هذه الزيجة.. رفضت حديثة ما الذي ينتظره؟ لما لم يتحدث عن الميراث؟ ماذا أن رفضت مرة أخرى؟ 

جلست على المقعد خلفها وبقيت تنظر في الفراغ وعقلها السلبي يأتي بها من هنا إلى هناك ويتحدث معها في أمور سلبية للغاية ولكن كان على حق.. كل ما أملاه عليها سيحدث لها أن رفضت الزواج منه.. 

ما هذا الظلم الذي تمر به هنا وهناك؟ أين العدل!.. ما هذة الحياة الظالمة! أتت لتأخذ مالها يرفض ذلك ويطلب الزواج منها!!.. يطمع في حقها! أم يطمع بها؟

ولكن على أي حال لن تتراجع عن ما أرادته ولن تعود إلى دبي إلا ومعها حقها وإن رفض ستقوم برفع دعوى قضائية ضده، ولن توافق على أي زواج في هذا المكان المشؤوم الغير معروف له اسم.. حتى أنه لا يوجد على خريطة الدولة.. 

تنهدت بصوت مسموع وهي تحمل همومها داخل قلبها لتقف على قدميها تتقدم إلى الخارج بعد أن أخذت منه أكبر صدمة بحياتها.. فهي الآن لا تعلم ما الذي يجب عليها التفكير به وهو شخص غريب لا تستطيع أن تحدد نتيجة أي ردة فعل منها..

❈-❈-❈

بعد أن قال الحارس لـ "طاهر" أن بضاعتهم قد أصبحت على الجزيرة في مكانها المعروف، أتت الشرطة ولم تجد شيء كان يعلم هو أين نقلهم "جبل" ولكن لم يكن من المفترض البوح بذلك إلى "طاهر" وإلا يكون كشف أمره.. وكما أراد هو حدث أنه يمسك الاثنين بيده واحدًا من هنا والآخر من الناحية الأخرى..

كان يتحدث عبر الهاتف مع "طاهر" الذي صاح بانفعال:

-بقولك ايه هو أنا أهبل قدامك علشان تضحك عليا 

انفعل الآخر مثله وصاح بصوت عالي وهو يبتعد إلى خلف القصر:

-لأ مش أهبل يا طاهر وأنا عمري ما ضحكت عليك 

استرد "طاهر" بتهكم وسخرية وهو يقلل منه لأنه لم يأتي إليه بالنفع أبدًا:

-وعمرك بردو ما نفعتني يا حيلتها 

أشار بيده بعصبية منفعلًا وهو يُجيب على حديثه الساخر منه:

-وأنا أعملك ايه جبل عرف أن الحكومة شادة عليه نقل البضاعة كلها ومنعرفش فين 

تحدث الآخر بغيظ وانزعاج متسائلًا بعصبية لأنه يعلم أنه يكذب عليه:

-أهبل أنا ياض.. نقلهم إزاي وانتوا متعرفوش هو انتوا مش حرس عنده ولا ايه 

أتى بأخره بسبب حديثه الغير مقبول بالنسبة إليه فصاح بنفاذ صبر وقوة:

-بقولك ايه أنت يا طاهر أنا هكدب عليك ليه أنا لو مش عايز اشتغل معاك مش هتضربني على أيدي.. هو زي ما بقولك كده جبل نقل البضاعة من غير الحراس اعرفلك أنا منين هو نقلها فين 

تحرك "طاهر" في الغرفة بعصبية وهو يصيح:

-وأنت لزمتك ايه.. ما تسأل أعرف دور وراه 

تهكم الآخر عليه وتشدق قائلًا:

-وأروح في شربة مايه علشانك.. أنت عارف جبل مبيرحمش 

ابتسم وهو يتحرك قائلًا بخبث ومكر ظهر في صوته:

-بس هيجي عندك ويرحم ولا أنت قليل عنده 

احتدت نبرة الآخر بضراوة وهو يقول:

-طاهر بلاش تصطاد في المايه العكره

تحدث "طاهر" بحدة عندما نفذ صبره وهتف قائلًا:

-ولا أنا عايز أخبار أعرف استفيد منها.. فاهم 

أجابه بهدوء وهو ينظر من خلف القصير إلى الأمام ليأمن مكانه الذي يتحدث منه خوفًا أن يستمع إليه أحد:

-لما يجد المستجد أبقى أقولك

أردف يرد بمكر:

-بس أنا سمعت جديد 

ضيق عينيه وتسائل باستنكار:

-ايه وكلت غيري ولا ايه 

قال بهدوء وجدية وهو يلعب بالكلمات ليزعجه:

-لأ أنا الجديد جه لحد عندي من غير ما اوكل حد.. اللي أنا وكلته خيخه

أردف مُجيبًا باختناق وانزعاج منه ومن كثرة حديثه:

-طاهر.. الزمها

تسائل بجدية مضيقًا عينيه ينتظر استماع الإجابة:

-مرات أخوه اللي مات موجودة في الجزيرة

اومأ وهو يحرك الهاتف إلى الأذن الأخرى قائلًا بجدية:

-وبنته ومعاها أختها صاروخ أرض جو 

سأله بفتور:

-أختها ولا هي

أجاب الآخر بضيق:

-أختها يا أبو مخ ضلم.. أختها

تسائل مرة أخرى بجدية أكثر يريد معرفة الأمور الذي تحدث عندهم بدقة:

-ودول عايزين ايه ولا جايين ليه.. مش غريبة أنهم موجودين في الجزيرة 

أجابه هو الآخر بفتور مثله ونبرة لا مبالية بحديثه:

-جايين زيارة.. علشان الحجه وجيدة تشوف البت الصغيرة وماشين 

اومأ برأسه:

-اه قولتلي كده 

تابع بجدية شديدة يؤكد عليه أنه ينتظر منه المعلومات الكافية التي تبرد ناره من ناحية "جبل":

-هستنى مكالمة منك تقولي فيها على الجديد الشديد اللي ينفعني بصحيح.. مش لعب عيال

رد الآخر بجدية:

-ماشي.. أعرفه وأقولك

ثم أغلق الهاتف دون حتى أن يستمع إلى باقي حديثه فقد مل منه وشعر بفوران الدماء في عروقه بسبب كثرة حديثه وإلحاحه عليه كل فترة صغيرة فقد طفح الكيل منه ومن طلباته التي لا تنتهي بخصوص الانتقام من "جبل" عن طريق أي خطأ يقع به لأن ذلك الأبلة لا يستطيع في أي شيء ليصيبه لأنه غبي ولا يستطيع التفكير والتدبير كما يفعل الآخر فقط يريد أخذ مكانه في البلد ولا يفكر في عواقب ذلك عليه بعد أن يناله..

❈-❈-❈

سارت "إسراء" راكضة خلف "وعد" في حديقة المنزل الكبيرة والمكان الوحيد للخروج إليه من هذا القصر الكئيب، فقد ملو الجلوس به وهم لم يكونوا معتادين على مثل هذه الجلسة..

سارت خلفها ضاحكة بصخب وصوت عالي:

-مش هسيبك.. همسكك يا عفريته 

وقفت الطفلة على بعد منها وأخرجت لسانها بدلال وهي تقول برقة صارخة: 

-مش هتعرفي 

ركضت ناحيتها سريعًا بغيظ:

-طيب أنا هوريكي يا سوسه 

استدارت "وعد" لكي تركض في الحديقة مُبتعدة عنها ولكنها وجدت جسد صلب يقف أمامها لم تدري بوجوده إلا عندما صدمت رأسها بعمود من أعمدته..

حيث أنها عندما التفت لتذهب راكضة كان قدمية خلفها مباشرة فاصطدمت به..

انحنى قليلًا ورفعها على ذراعه ناظرًا إليها بتمعن وجدية، فاستمع إلى صوتها الرقيق وهي تسأله:

-أنت مين! نزلني 

تابعها بابتسامة واسعة على شفتيه الغليظة ثم أردف بصوت حنون:

-أنا عاصم كنت صاحب بابا يونس

نظرت إليه بعينيها مدققة به ثم قالت ببراءة أطفال:

-بجد؟ بس أنا عمري ما شوفتك 

سألها مُضيقّا ما بين حاجبيه يركز عينيه عليها:

-وأنتي شوفتي صحاب بابا قبل كده 

أومأت إليه بالإيجاب وهتفت قائلة بهدوء وهي تستند بيدها اليمنى على كتفه:

-آه عمو حمزة بس اللي صاحب بابا وكان بيجيلنا على طول 

أكمل يوضح لها سبب عدم معرفتها به وعدم ذهابه إليهم:

-أنا كمان صاحبه بس أنا عايش هنا فمكنتش بجيلكم علشان كده 

ضيقت عينيها بشكل طفولي وهي تضغط على شفتيها ثم قالت له بتسائل ظريف:

-أنت عاصم اللي خليت إسراء تعيط 

رفع بصره إلى "إسراء" التي كانت على بعد خطوات بسيطة منهم تستمع إلى حديثهم سويًا تنظر إليه بخجل بعد أن استمعت إلى كلمات ابنة شقيقتها الأخيرة، فأبتعدت بعينيها عنهم سألها بجدية:

-مين قالك كده؟

أجابته ببساطة:

-أنا سمعت ماما وإسراء وهما بيتكلموا 

نظر إلى "إسراء" مرة أخرى وعاد إلى الطفلة على يده قائلًا بعتاب:

-طب ومش كده عيب ولا ايه 

حركت يدها في الهواء قائلة:

-أنا مكنتش بسمع بقصدي أنا كنت داخله الاوضه وهما بيتكلموا 

مرة أخرى يعود ليفعل نفس الحركة بعينيه ينظر إليها إلى أنها تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها بسبب الخجل الذي أصابها من نظراته التي لا تفهم لها معنى، سأل الفتاة بخبث ومكر:

-وسمعتي ايه 

رفعت عينيها عليه بخجل:

-مش هينفع أقولك

سألها باستفهام لمعرفة لما لا تريد قول ما استمعت إليه:

-ليه؟

تفوهت قائلة بأدب واحترام:

-علشان ماينفعش أقول لحد حاجه سمعتها أو شوفتها ماما علمتني كده 

ابتسم ناظرًا إليها وحرك رأسه باستغراب ثم أضاف بنبرة حنونة ناعمة يتوارى داخلها الخبث:

-شاطرة.. طيب ممكن نبقى صحاب؟ أنا حتى ممكن ألعب معاكم 

ابتسمت بسعادة ونظرت إليه غير مصدقة أنه من الممكن أن يقوم باللعب معهم ليحيي اللعب فهم الاثنين فقط لا يتسلون:

-بجد؟

أومأ إليها برأسه للأمام ونظر إلى الآخرى داخل عينيها مباشرة يبعث الحديث إليها لا للطفلة، قائلّا بصوت خافت نادم على ما فعله يطلب السماح:

-آه بجد بس تسامحيني علشان خليت إسراء تعيط أنا كنت غلطان 

حركت يدها عليه وقالت بابتسامة:

-سامحتك 

سألها ومازال ناظرًا إلى "إسراء" يبعث الحديث إليها وهي تنظر إليه بخجل شديد ووجنتيها تكاد تحترق من شدة الخجل:

-هنبقى صحاب؟

اومأت برأسها تؤكد حديثه مطالبة ببدأ الإتفاق من الآن:

-آه نبقى صحاب ونلعب مع بعض دلوقتي

أقترب خطوات معدودة وهو يحمل "وعد" على ذراعه وتوجه ناحية "إسراء" ليقف أمامها مباشرة، عينيه تحاكي عيناها بضراوة، لهفة وشوق ناحيتها لا يدري ما سببه وكأنه يود أخذها في الحال..

سألها بمكر وعيناه تتابعها بدقة:

-مش موافقة ولا ايه 

تمتمت بالكلمات بخفوت وخجل شديد وهي تخفض عينيها الزرقاء عنه:

-على ايه 

ابتسم وهو يحاول النظر إلى عينيها بعد أن اخفتهم عنه قائلّا:

-نبقى صحاب

استدارت تعطيه ظهرها بعد أن شعرت بأن عيناه تأكل وجهها وتنظر إليه وكأنها تخترق ملامحها:

-ما وعد وافقت 

رد عليها بجدية يسألها وهو يتحرك مع حركتها ليبقى ناظرًا إلى وجهها:

-طب وأنتي 

سألته بتوتر وغباء وهي تضيع مع كلماته ما بين الأولى والثانية:

-أنا ايه 

وقف أمامها مرة أخرى وأقترب للغاية منها ناظرًا إليها بحرارة:

-موافقة؟

أومأت برأسها سريعًا بسبب حدة توترها في وقفته أمامها بهذه الطريقة وعيونه عليها لا تتزحزح وهي تشعر بالخجل الشديد وكأن النيران تخرج من وجنتيها وجسدها:

-موافقة 

قالتها على أمل أن يتركهم ويرحل ليعود إلى مكانه الذي أتى منه ولكنه بقيٰ واقفًا معهم يتحدث وهو يضايقها بعينيه وسؤاله بعد أن فهم كيف تتكون شخصيتها الغبية الساذجة..

كانت "فرح" شقيقة "جبل" في شرفة غرفتها داخل القصر والتي تطل على الحديقة تنظر إليهم بعيون سوداء أكلتها الغيرة ونهشت ما بداخلها لتجعلها بكل هذا السواد المرسوم بها..

تطلعت عليهم بقلب يحترق ونيران داخلها لا تنطفئ بسبب ذلك الأبلة الذي يسير ينظر إلى كل النساء مُتناسيًا وجودها بحياته.. 

مُتناسيًا أنها شقيقة "جبل العامري" وابنة هذا القصر وكبير هذه الجزيرة بكل من عليها من نساء ورجـ ـال وحتى حيوانات..

لن تجعله يطول في نسيانه لها ولن تبقى كثيرًا صامدة هكذا وهذه الفتاة هنا تجلس وتذهب من هنا إلى هنا أمام الحراس وأمامه والجميع بتفتن بها وبجمالها الغير طبيعي ولكنها ساذجة غبية أي أحد يستطيع اللعب بها والنيل منها وإن وقفت بطريقها وطريق سعادتها ستدفع الثمن غالي للغاية وهي دموع عينيها تقف على الاعتاب مستعدة للنزوح في أي لحظة..

❈-❈-❈

وقفت في منتصف الغرفة تصيح بعصبية وانفعال شديد نتيجة الحديث الذي تستمع إليه منه هو ووالدته تلك السيدة التي أعتقدت أنها تكنُ الحب إليها ولابنتها:

قالت "وجيدة" بهدوء وبرود أعصاب وهي ترى "زينة" تصرخ بهم:

-يا زينة يا بتي متخافيش وانتوا بتكتبوا الكتاب هتاخدي كل حقك من يونس ومن جبل كمان 

ضربت بقدمها اليمنى في الأرضية وتحركت بحركات هوجاء غريبة نتيجة لانفعالها الزائد وعصبيتها المفرطة:

-جبل مين ده اللي أخد حقي منه أنا مش عايزة حاجه غير حقي أنا وبنتي في يونس ونغور من هنا

أكملت والدته بمنتهى الهدوء واللامبالاة لما تفعله "زينة" مُعتقدة أنها تحاول إقناعها بهذا اللين:

-هنا أامن ليكم من أي مكان تاني ووعد تبقى في حماية عمها

صرخت بهم هم الاثنين وهي تنظر إلى كل شخص منهم مرة قائلة باستياء وانزعاج شديد:

-بقولكم ايه أنا بقالي خمس سنين عايشة في أمان مضعش مني غير لما جيت هنا وأنا بنتي في حمايتي أنا وطول ماهي معايا محصلهاش حاجه..

ربتت والدته على صدرها بيدها وهي تقول بهدوء غريب يعكر مزاج الأخرى وتشعر من بعده بالفوران:

-الجواز هيبقى أحسن صدقيني أنا بحبك وعمري ما اذيكي 

صرخت قائلة وهي تشيح بيدها بهم:

-وأنا رافضة.. أنا رافضة ومش هتجوز هو بالعافية 

بعد صمت استمر منه وهو يتابع صراخها وحركاتها العنيفة بعينيه وحديثها مع والدته، أشتهاها أكثر من الأول وأحب الوصول إليها أكثر من اللازم ثم نطق بجمود:

-آه بالعافية 

أقتربت منه دون خوف بعنفوان وهي تصيح به بغضب:

-لأ مش بالعافية مين أنت علشان تتجوزني غصب.. أنت حتى مش محترم أخوك الميت أنت إزاي كده

وقف أمامها بعدما أقتربت منه وسارت أمامه مباشرة نظر داخل عينيها السوداء التي تحترق من الغضب والغيظ من حديثهم وأجابها ببرود تام وفتور لا نهاية له:

-أنا كده وهفضل كده.. وعلشان أنا بحترم أخويا الميت عايز ألم لحمه اللي هي بنته وعلشان مظلمكيش وأخدها منك قولت اتجوزك وتقعدي معاها 

استنكرت حديثه باستياء وتطاولت عليه وهي تسبه بعصبية رافعة من صوتها علها تثبت له أنها قوية:

-تـ ايه.. تاخد مين مني أنت مجنون ولا ايه لأ بقولكم ايه مش علشان أنا دخلت عندكم في المكان القذر ده لوحدي تقولوا خلاص نقدر عليها 

أكملت بجدية شديدة وهي تنظر إليه بتحدي وقوة:

-أنا ولا هتجوزك ولا هتجوز غيرك وبنتي هاخدها وأمشي من هنا وكمان معايا حقي 

ابتسم بسخرية وجمود وهو ينظر إلى والدته بتهكم ثم إليها يسألها:

-وأنا ايه اللي يجبرني على كده 

وضعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت تحرك قدمها ناظرة إليه بحدة وشكوكها تلعب بداخل رأسها فتحدثت بلغز لعله يخاف منها:

-كتير يجبرك.. كتير 

ابتسم باتساع أكثر وأشرق وجهه ووصل إليه التعبير المناسب الذي أرادت أن توصله إليه فتحكم بالحديث قائلًا:

-أعلى ما في خيلك اركبيه.. مافيش ميراث ومافيش مشي من هنا إلا لو حبيتي تمشي أنتي وأختك يبقى الباب مفتوح وبالسلامة لكن بنت عيلة العامري مش هتطلع من هنا.. والقرار قرارك 

تحدته وعيناها تقابل عيناه المخيفة، ولكنها حاولت الصمود لأجل أن تذهب من هنا هي وابنتها في أقرب وقت، فقد كان "يونس" الوحيد على حق:

-هنمشي يا جبل بيه.. ومتقوليش أن كل ده علشان خاطر وعد لأن وعد دي أنت مسألتش عليها مرة واحدة من يوم يونس ما مات، أنا مش غبية أنا فاهمه كل حاجه 

رفع حاجبه يسألها بوضوح وهو يعلم مقصدها:

-اومال علشان ايه؟

قالت بجدية وكره ظهر له لأنها تفهمت جيدًا ما الذي يريده ليس الفتاة الصغيرة ولا المال أنه لا يريد غيرها:

-أسأل عيونك وهي تقولك علشان ايه 

أقترب خطوة مُمسكًا بذراعها يسحبها إليه فجعل وجهها مقابلًا له ولفح وجهها بأنفاسه الذي كرهتها من المرة السابقة وهو يهددها مرة أخرى:

-اسمعي يا غزال.. أنا سبق وقولتلك زعلي وحش الله الوكيل وحش بلاش أحسنلك 

استغربت هذا الاسم الذي يناديها به للمرة الثانية ولكنها تغاضت عن ذلك الأمر الآن وصرخت بوجهه غير مُبالية بحديثه:

-ما تزعل ولا تتفلق

تحولت نبرته إلى الحدة والجمود وهو يضغط بيده على ذراعها ضاغطًا على كل حرف يخرج من فمه بغلظة:

-ماهو زعلي ده هيطلع على اللي خلفوكي واحد واحد لحد ما يطلع عينك من مكانها وتتمني الموت ومتلاقيش اللي يدهولك 

عاندته وهي تصيح بوجهه ماحيه معالم الخوف الذي رآها سابقًا على ملامحها ووقفت صامدة:

-اللي خلفوني ماتوا من زمان والموت ربنا اللي بيديه مش أنت يا جبل بيه يا كبير الجزيرة يا محامي.. مش محامي بردو 

راقت له اللعبة واللاعبة، عاند أكثر معها وجعلها ترى العناد كيف يكون وداخله الفرحة تزداد أكثر وأكثر لأنه يحب هذا النوع كثيرًا.. شرسة للغاية ولكنه سيروضها وسيجعلها تخاف فقط عندما تلمح خياله:

-أنا حذرتك أكتر من مرة أنتي اللي مصممة تشوفي قلبتي ومسيرك تشوفيها وتجربيها وفي أقرب وقت.. وأعملي حسابك بقى مافيش خروج من هنا ولا لوحدك ولا مع بنتك ايه قولك 

نظرت داخل عينيه وقالت:

-هنشوف هي مش بالقول 

دفعها للخلف وهو يترك ذراعها فتراجعت خطوات أثر دفعته لها، وأخفض عيناه على ذراعها الأبيض المرسوم عليه أصابع يده الغليظة باللون الأحمر والتي بدت تليق بها كثيرًا.. ابتسم بشماته وسخرية ثم خرج من القصر تاركًا إياها..

نظرت إليه وهو يذهب والدماء تغلي داخل عروقها، لقد شعرت أنها على وشك وضع يدها الاثنين حول عنقه وخنقه إلى أن تزهق روحه، يا له من إنسان وضيع قذر لا يفكر في شيء إلا نفسه.. ولكنها لن تستسلم لهم بهذه السهولة..

نظرت إلى "وجيدة" بغيظ وغل ناحيتها ولم تريد التحدث معها ولو بكلمة واحدة توجهت إلى الخارج وتركتها جالسة تنظر إليها بغرابة.. وكانت في تلك اللحظات "وجيدة" في أسعد لحظات حياتها لأن ولدها فكر بها كزوجة وأتضح هذا أمامها.. وبما أن هذا حدث فهي لن ترحل من هنا أبدًا وستكون زوجته قريبًا وفي أسرع وقت..

ذهبت "زينة" إلى الخارج وقفت في حديقة القصر، تنظر إليه وإلى البوابة والحراس المتواجدين بكل مكان.. ليس أمامها إلا حل واحد ستفعله ولو كان الموت يدق بابها لن تصمت إلا عندما تأخذ حقها منه وترحل وتتركهم جميعًا..

وهذا لن يحدث إلا إذا تأكدت من شكوكها ناحيته وفي هذه اللحظات تتمنى أن يكون كل ما فكرت به صحيح ويصبح أخطر مما رأت لتفعل به ما يحلو لها ولتريه كيف يكون غضب إمرأة مثلها..

ذهبت إلى البوابة الخارجة وطلبت من الحارس أن يفتح لها لتخرج وهو لم يكن لديه أوامر بمنعها من الخروج ففتح لها البوابة وخرجت منها سريعًا قبل أن يرصدها أحدًا من القصر..

رأته وهو يسير مُبتعدًا إلى الأمام على خط طول القصر، سيره يوازي خط الترعة المتواجدة أمامهم، بقيت واقفة قليلًا إلى أن أبتعد بمسافة كافية لتجعلها تسير خلفه دون أن يراها، كان الجو بارد قليلًا والهواء يداعب خصلات شعرها السوداء المتناثرة على جانبي وجهها، بقيت تنظر بعينيها بقلق وتوتر خوفًا من أن يراها أحد الحراس الذين يسيرون خارج القصر قبل فترة والأخرى..

سارت بعد أن تأكدت من إنه أبتعد عنها ولن يستطيع رؤيتها، علمت أنه متوجه إلى نفس المكان الذي تريد التوجه إليه، يالا حظها السعيد لأول مرة، إن كان هو الآخر هناك في نفس التوقيت ستسطيع أن تعلم ما الذي يُخفى عنها هنا..

ابتسمت بفرح وسرور وهي تسير خلفه على بعد ثم توجهت إلى الجسر الخشبي فوق الترعة والذي يفصل الطريقين عن بعضهم، رأته وهو يختفي عن الأنظار بعد سيره ما يقارب الثلاث دقائق في الناحية الأخرى ودلوفه خلف الجبل.. "جبل العامري"

عبرت الجسر ووقفت على الطريق الآخر تسير متقدمة من الجبل لكي ترى ما تريد وتتأكد من شكوكها وتتمسك بالأدلة القاتلة له بين يدها، لا تدري كل هذا بناءا على ماذا لكن إحساسها لم يكذب عليها أبدًا.. وهذا هو الحل الوحيد السير وراء الوهم إلى أن يتحول إلى حقيقة والتمسك به..

أثناء تقدمها من الجبل ونظراتها عليه، لقد كان عاليًا، ترتفع برأسها لتنظر إلى آخره، يأخذ مساحة كبيرة للغاية من الأرض وشكله مهيب كأنه بركان وداخله الكثير من الأسرار الذي تود الفوران بحممها البركانية لتحرق كل من أخفى داخله سرًا..

أتت على رأسها ذكرى راحلة من ذكرياتها المتكررة مع زوجها عندما تقدمت إلى هنا في المرة السابقة..

"سارت على قدميها بعد أن عبرت الجسر مُتقدمة من الجبل وهي تنظر إليه بسعادة كبيرة وفضولها يقتُـ ـلها ناحيته، أن تتجه نحوه وتراه عن قُرب فلا يوجد شيء قيم مثله على هذه الجزيرة الغريبة..

هواء الليل ونسماته كان يداعب خصلاتها ويجعلها تتطاير خلفها، الجو مُعتم للغاية والسماء حالكة السواد لا يوجد بها إلا نجوم تلتمع مع لمعة عينيها السعيدة بسبب اقترابها من لغز الجبل..

استمعت إلى صوت زوجها الصارخ وهو يركض ناحيتها بسرعة كبيرة يهتف بإسمها:

-زيـنـة 

استدارت بلهفة تنظر خلفها بفزع، أن الليل هنا مُخيف وهو ظهر على حين غرة بصوته المُنزعج، نظرت إليه مُتسائلة وهو يقترب منها:

-في ايه 

وقف أمامها لاهثًا بعد ركضه خلفها عندما أخبره أحد الحراس أنها خرجت:

-رايحه فين؟ 

تحدثت ببساطة وهدوء ناظرة إليه وهي تشير خلفها بيدها:

-عايزة أشوف الجبل 

صرخ بوجهها بانفعال وعصبية يشيح بيده غاضبًا من تصرفاتها لأنه سابقًا حذرها من الذهاب إليه ولكنها لا تستطيع الإستماع إليه وذلك الفضول سيقتُـ ـلها:

-لأ يا زينة، قولتلك متحاوليش تروحي عنده 

تابعته باستغراب شديد وأجابته باستياء مُتسائلة:

-هو فيه سر يعني.. أنا عايزة أشوفه

أجابها بحدة نافيًا ما تقوله رافضًا ذهابها تجاهه بكل الطرق:

-وأنا بقولك لأ ومتفكريش بعد كده مجرد تفكير تعدي الجسر ده تاني.. سامعه يا زينة

أكمل بجدية وانفعال وهو يشعر أنها لن تصمت إلا عندما تأتي إليه بمصيبة لطالما استمرت هنا على هذه الجزيرة:

-حدودك آخرها سور القصر.. المنطقة دي متفكريش تيجي عندها 

وجدها تنظر إليه باستغراب وذهول شديد وهي تتابع حديثه الذي يشعرها بالرهبة تجاه ذلك الجبل، أو تجاه ما داخله!..

عقلها أصبح يلعب بها وبتفكيرها حوله وحول ما يحدث به..

لما قد يكون جبل أثري مقدس على جزيرة لا أحد يعلم عنها شيئًا ممنوع الإقتراب منه!.

لماذا يمنع "جبل" الإقتراب منه؟ السؤال عنه؟ لماذا هو مكان مخيف؟

أثار فضولها أكثر كلما تحدث عن البُعد عنه، أصبح بالنسبة إليها كمغارة يُخفى داخلها الكثير مُتوارية بعيدًا في الخفاء والظلام الدامس فما كان منها إلا أن تُصر على معرفة ما يُخفيه البشر في الجزيرة داخل هذا الجبل 

جذبها عندما وجدها تقف صامتة تنظر إليه باستغراب وتوجه إلى الجسر مرة أخرى عائدًا بها مرة أخرى إلى القصر

قد لعب به تفكيره هو الآخر حول "زينة" التي لن تصمت إلا عندما تفعل شيء لن يعجب الجميع هنا، لن تقـ ـتل فضولها نحو الجبل ونحو كل ما يحدث على الجزيرة إلا عندما تعلم بكل شيء وهو لن يسمح بذلك"

بقيت ذكرى ما حدث في عقلها، وحديثه معها عندما عادوا إلى منزلهم وما يحدث إلى الآن منذ أن أتت مرة أخرى إلى الجزيرة.. مؤكد كل هذا ليس من فراغ هناك شيء يحدث يجب عليها أن تعلم ماهو 

وقفت أمام الجبل بعد أن وصلت إليه، سارت جواره بهدوء وخفه كي تصل إلى أي طريق يأخذها إلى داخله أو إلى المكان الذي لا يريد أحد منهم أن تراه.. أو أي شيء خطأ تستطيع أن تلمسه لتهدد به ذلك الحيوان..

استمعت إلى أصوات رجال ليس واحد وليس هو، ضيقت ما بين حاجبيها وحاولت أن تسترق السمع ليتضح إليها ما يقولون، اتبعت الصوت إلى أن وقفت جوار الجبل بزاوية في جانبه وتوارت عن الأنظار، تقف خلفه تستند عليه، تقدمت برأسها بهدوء وبطء شديد لترى ما الذي يحدث هناك..

رصدت عينيها وجود "عاصم" ومعه "جلال" لم ترى غيرهم فتقدمت برأسها قليلًا بعد وهي تستند بيدها على زاوية الجبل كي لا يراها أحد فرصدته هو الآخر يقف يضع يده في جيوب بنطاله يتحدث معهم بصوت خافت..

بقيت واقفة تنظر إليهم باستغراب تحاول أن تستمع إلى أي شيء يدور بينهم ولكنها لا تستطيع، زفرت بحنق وهي تعتدل في وقفتها لتراهم أكثر وضوحًا

ولكنها تفاجات برجـ ـال آخرين يتقدمون منهم ومن بينهم رجـ ـل يمسكون به بطريقة غريبة وهو يصرخ عليهم بصوت عالي هاتفًا بأنه لم يفعل شيء..

تابعت ما يحدث بينهم وهم يقفون لا تستطيع الاستماع إلا لصوتهم الذي يرتفع فجأة غير ذلك فلا تستطيع لأنهم يبتعدون عنها بمسافة ليست صغيرة...

دار الحديث بينهم وهو يصرخ ويهتف أنها ستكون آخر مرة يخون بها.. لن يفعلها ثانية، صرخ وهو يهتف مطالبًا بالرحمة منه لأنه لا يستطيع تحمل عقابه الذي يعلم الجميع أنه لا يرحم..

صرخ "جبل" بصوت مُرتفع عاليًا بعنف وقسوة:

-جزيرة العامري كلها عارفه.. أن اللي بيخون عليها مالوش عندي ديه

جذب السلاح الذي بيد "عاصم" رافعًا إياه أمام وجهه ونظرات عينيه مخيفة قاتلة قبل أن تقتل يده..

اتسعت عينيها بصدمة كبيرة وهي تنظر إليه غير مصدقة أنه سيفعل هذا معتقدة أنه يهدده..

ولكن صوت الطلق الناري الذي خرج عاليًا واستقر داخل صدره جعلها تصدق أنه يفعل أكثر من هذا..

شهقت عاليًا بصوت مرتفع مصحوب مع تلك الشهقة صرخة من فمها فوضعت يدها عليه سريعًا وعادت للخلف تستند على الجبل بظهرها غير قادرة أن تقف على قدميها الذي ارتخت على الأرضية، قلبها يدق بعنف وخوف لا نهاية له، لقد شاهدته وهو يقـ ـتُل الرجـ ـل الذي وقع على الأرضية دون نفس آخر بعد طلقته عليه..

وضعت يدها الاثنين على فمها وأنفها تكتم أنفاسها الذي تشعر أنها عالية وهو يستمع إليها بعد تلك الصرخة التي خرجت منها بفزع وخوف.. ترى ما مصيرها معه؟!.

أنهارت حصونها ووقعت فريسة سهلة الصيد، هدأت عاصفتها وانطوت بعدما عملت الحقيقة الكاملة المُتوارية خلف غموضه، بركان غضبها الثائر خذلها عندما هدأ بعدما دب الرعب والهلع سائر جسدها..

لقد رأته جبل صلب شامخ وأعتقدت أنها تلك العاصفة التي ستزعزع كيانه وتحرك داخله، شعرت أنها البركان الثائر الذي سيحرق قوته وينفي قسوته فوجدت العاصفة هدأت والبركان خمد فلم يبقى سوى هي أمامه وحدها تقف في المواجهة!..
                   الفصل الخامس من هنا
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close