رواية حبيبت عبد الرحمن الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم سلوي فاضل


 رواية حبيبت عبد الرحمن الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم سلوي فاضل



تركها واغلق الباب خلفه ذهب الي شقته فتحها وقف مكان دخوله وتذكر لهفتها عليه عند عودته واستقبالها له بقبلتها وابتسامتها الرقيق ابتسم بحنين نظر لجميع اركان المكان مبتسما تجول داخلها وقف بكل مكان جلسا به تحدثا ، ضحكا ، تهامسا دخل غرفته نظر لمكان جلوسهما المعتاد باشتياق ثم الي البلكونة ونظر الي زهورها التي ذبل معظمها سقاها اتجه لدولاب ملابسه فتحه واخذ ملابس بيته وبدل ثيابه فهو لم ينقلها الي بيت والدته .
جلس عبد الرحمن وتحدث مع نفسه وكانه يحادث شخص اخر جالس معه 
عبد الرحمن: كنت فاكر لما سيبتك هناك يا حبيبه هتيجي بعد يومين تلاتة أو حتى تكلميني عشان كده استنيتك هنا ولما ياست ورحت قعدت مع ماما قولت لنفسي اكيد هترجعي بعد فترة سبت كل حاجة زي ما هي كان عندي امل . معقوله يا حبيبة ما بقتش مهم عندك بقت كل قيمتي اني أبو بنتك معقول نسيتي حبيبك وجوزك بالسهولة دي قدرتي تستغني عني .
بعد قليل حضر محمود فتح له عبد الرحمن واستقبله دخل محمود ولم يتحمل الصبر اكثر من ذلك. 
اعطاه ابنته جميلة يضمها اليه بحنان ورعاية.
عبد الرحمن: دي كبرت شوية يا محمود بتاخد شكل حبيبة قوي تحس نسخة تانية منها .
محمود: سيبك من جميلة دلوقتي وفهمني اللي قولته الصبح أنا من وقتها وعمال افكر أنت  ناوي على أيه من كتر العصبية والتوتر مش عارف ولا فاهم أنت  وحبيبة هتودوني فين وهتعملوا فيّا أيه ؟
عبد الرحمن: طيب نشرب شاى وأنا افهمك .
محمود: مش عايز شاي فهمني الأول وبعدين نشرب .
عبد الرحمن: أنا قدمت النهاردة على السفر هيردوا عليا خلال أيام .
محمود: استعفر الله العظيم يا صبر أيوب . ( تحدث بجدية ) عبد الرحمن فهمني أنت  بتفكر في أيه مش بقولك عملت ايه ولا قدمت ولا لأ ؟ 
اخذ نفس عميق ووضع جميلة براحة على الكنبة جواره 
عبد الرحمن: بص يا محمود اللي بعمله ده هيخلي حبيبة تقف مع نفسها وتاخد قرار .
محمود: ما لو أنت  عايز توصلها انك هتسافر عشان تاخد القرار بسرعة وتحدد موقفها يعني مش هتسافر فعلا ؟!
عبد الرحمن: أنا فعلا قدمت وفي الغالب هيوافقوا هي مسألة وقت مش اكتر وعشان ما تسالش أنا هيرحك . حبيية يا اما فعلا زي ما أنت  بتقول مكسوفة تكلمني أو انها فعلا مش عايزة ارتباطنا اكتر من كدة وشايفة ان دي النهاية، سفري هيكون الدافع لها اللي هيوضح لها قبل لينا موقفها وعايزة أيه؟ لو فعلا مكسوفة هتيجي ونتكلم وتطلع كل اللي جواها من غير ما تخبي حاجة ولو دي النهاية فعلا يبقي من حقها تتحرر مني ووقتها أنا مش هقدر افضل هنا ولازم ابعد فالسفر هيكون حل مناسب ليا ولها اما جميلة فأنا هكون مطمن عليها معاك مش هقدر ابعدها عن حبيبة مهما حصل سفري هيكون سنة أو اتنين اجمع فيها نفسي عشان اقدر ارجع تاني قوي واقدر اكمل حياتي واشوفها واتعامل معاها من تاني.
نظر اليه محمود باشفاق من اجله الهذا الحد متعلق بحبيبة يفكر بها ويقدمها على نفسه 
 طيب ووالدتك ما فكرتش فيها.-
 - فكرت كتير بس حقيقي لو وصلنا للنهاية التانية بعدي عنها هيكون احسن لها وليا لاني فعلا وقتها ممكن ااذيها بالكلام واكيد مش هسمح اني اعمل معاها كده مهما حصل منها .
- طيب هتعرف حبيبة امتي وازاي ؟
- امتي ؟ لما اخلص الورق ازاي ؟ لا أنا ولا أنت  هتعرف من حد تاني.
محمود: قصدك مين ؟ مامتك .
أومأ له موافقاً: لاني مش هعرفها غير لما ورقي يخلص هقولها اني مسافر لما يحددوا معاد السفر وهي اكيد هتروح لحبيبة تستنجد بها وقتها الخيار هيكون معاها رد فعلها هو اللي هيحدد اللي هيحصل.
كان محمود ينظر اليه بدهشه وصدمه معا مشفق عليه وعلي جميلة  يشعر بالضيق والغضب من حبيبة .
عبد الرحمن: محمود هي حبيبة لسه بتنزل تقعد مع سما في المكتبة ؟ 
محمود: للاسف أيوة .
عبد الرحمن: الشارع ما بقاش امان زي الأول دايما في شباب مش في وعيهم ومش متاخر زي زمان دول من العشا بيكونوا في كل مكان وبيضايقوا أي واحدة ست حتى الستات الكبار ما سلموش منهم مش عارف ازاي بتسيبها كده.
محمود: للاسف مش راضية  كلمتها كتير وأنا مش عايز أجبرها بصراحه خايف عليها لان الوقت اللي مش بتنزل فيه بتفضل قاعدة لوحدها ساكته ، حبيبة ما بقتش بتتكلم غير مع سما هي المُتنَفس الوحيد لها ، حبيبة دبلت يا عبد الرحمن أنا مش قادر اتكلم معاك ما ليش عين بس أنا فعلا خايف عليها من الوحدة ومتضايق منها ومن تفكيرها.
عبد الرحمن: أنا عندي الحل .
محمود: ازاي يعني ؟ هتعمل أيه ؟ 
عبد الرحمن: أنا بفكر في الموضوع من فترة وبالصدفة قابلت حد اعرفه عايز يعمل مشروع واقنعته يشارك في مكتبة سما باقي نكلمها ويتفقوا .وبكده نبقي كمان ريحنا سما من ان حد يضايقها وشغلها يتطور .
محمود: دماغك دي شغالة ما بتنامش فكرة ممتازة جدًا وأنا هخلي بسمة تكلمها .
عبد الرحمن: وأنا هكون معاهم في الاتفاق عشان اضمن لها حقها  وكله يكون تمام وبعقود بس مش عايز حبيبة تعرف اني ورا أي حاجة من ده .
محمود: ربنا يهديها ، أنا همشي بقي .
رحل محمود وظل عبد الرحمن مع احزانه وذكرياته وبعد فترة لا يعلم طويلة كانت  ام قصيرة بدل ملابسه ثم عاد الي والدته ، فوجدها جالسة بأنت ظاره بتوتر وقلق.
حافظة: أيه كل التاخير ده يا ابني قلقتني عليك .
عبد الرحمن: خير يا امي أنا كويس ، ماما أنا هرجع بيتي تاني من بكرة.
حافظة: ليه يا ابني هو أنا زعلتك في حاجة ، لو عشان كنت عايزة اروح لحبيبة فخلاص هسمع كلامك ومش رايحة أنا مش هعمل حاجة تضايقك تاني والله .
تحدث بصوت خالي من الحياة أو الامل بدأ حديثه وهو واقف امام الباب ثم  بدأ بالتحرك نحو غرفته 
عبد الرحمن: لا يا امي ربنا ما يجبش زعل أنا بس كده هكون مرتاح اكتر وهاجي لك كل يوم أو يومين بالكتير اطمن عليكِ .
ردت بانكسار: اللي تشوفه في صالحك اعمله يا حبيبي ، ربنا يريح بالك ويرد مراتك وبنتك لحضنك .
بتلك اللحظة كاد ان دخل للغرفة فتوقف محله واغمض عينه بالم ثم تمالك نفسه ودخل غرفته بدل ملابسه و عاد لتفكيره وبحر ذكراته .

لم يكن عبد الرحمن هو الوحيد من يغوص في بحر ذكرياته فكانت  حسناء طوال الوقت غارقة بها ايضا  كلما اختلت بنفسها عادت وتذكرت ما مرت به في الماضي القريب والذي مر عليها وكانه اعوام بالرغم من انه لا يتعدي العامان فقط . فبعد ان استلقت بجانب الصغير انس وتاكدت انه غاص في نوم هادئ نهضت من جانبه بهدوء شديد كي لا توقظه رتبت المنزل ثم دخلت لغرفة الابناء ووقفت امام صورة جمعتها هي ووالدتها بسلمي ببطنها المنتفخة اثناء حملها بابنتها ، موضوعة على منضدة الزينة بالغرفة وتذكرت احدى احاديثها معها بتلك المرة كانت  جالسة معها بالصالة وتحدثت معها بفضول .
حسناء: يعني حماتك كانت  كويسة معاكِ ولا زي اللي بنشوفهم في التليفزيون وبنسمع عنهم وكانت  مطلعة عينك .
سلمي: أنا نفسي افهم دماغك دي ازاي يا حسناء ، بقولك ان عادل اتجوزني شهامة وعشان يحميني من كلام الناس وهي امه فاكيد واخد اخلاقه وطباعه منها .
حسناء: أنا بحب التفاصيل احكي يا سلمي ما تختصريش .
ضحكت بخفة: حاضر يا سيتي احنا طبعا لما اتجوزنا حماتي كانت  شايلاني جوة عنيها وكانت  بتدعي ليل نهار انه يحبني ونتهني مع بعض ، ودايما توصيه عليا وتقولي بالحنية هيلين ويوم ورا يوم والحال هو الحال والحقيقة كانت  ونعم الام دايما في صفي ما كانت ش بتخليني اشيل حاجة ولا اقف اساعدها ولا أي حاجة .
حسناء: طيب ما جاتش معاكم ليه ولا مرة كلمتكم ولا جت ولا روحتوا لها .
سلمي: يخربيت الفضول لو صبرتي ثانيتين كان زماني قولت لك من غير ما تسألي ،  يا سيتي حماتي الله يرحمها وقبل ما تسالي هي كانت  صحتها كويسة والحمد لله سافرت عمره كانت  دايما تدعي ربنا يقبض روحها على طاعة  و في بيته الحرام  وكأن ربنا استجاب دعوتها و اراد تحقيقها ، وهي هناك وبعد ما تمت العمره وجوة الحرم كلمتنا من هناك ودعتنا وقفلت تاني يوم الصبح الشركة اللي طلعت معاها كلمتنا وبلغتنا خبر وفاتها واتدفنت هناك – ظهر الحزن على معالها جلياً – يومها عادل انهار كانت  أول مرة اشوفه كده ، بكي كأنه طفل صغير حالته كانت  وحشه قوي وفضل كده فترة .
حسناء على وجهها علامات الاهتمام والشغف لمعرفة ما حدث: هاه وبعدين عملتوا أيه قربتوا وحبك وكده صح صح ؟
سلمي: حسناء ربنا يكرمك أنا حامل وتعبانة مش قادرة بقولك لحد النهاردة ما حبنيش بيتعامل معايا بما يرضي الله ومراعي فيَّا ربنا بس ما حبنيش ازاي بقي حبني ساعتها .
ردت  بحرج مضحك: اه صحيح بس ده معندوش دم خالص .
سلمي: حسناء اتلمي ما تتكلميش عنه كده على العموم ملايكته حاضرة وردت عنه .
حسناء: الحب وسنينه يا بخته يا سيتي عقبالي يا رب .
سلمي: عقبالك أيه لا يارب نصيبك يحبك وتحبيه ما يبقاش زيي من طرف واحد لانه صعب بزيادة صعب لدرجة الموت .

عادت حسناء من ذكرياتها وهي تغلق عينها وتمتم بخفوت 
حسناء: الله يرحمك يا سلمي ويحسن اليكي سيبتي لي احلي تلات هدايا أنت  عارفة سلمي بنتك حته منك وشكلها كده واخد قلبك الطيب الله يرحمك يا حبيبتي وحشتيني قوى قوى .
عادت واكملت ترتيب المنزل حتى استيقظ الاطفال وبدأت فترة مرحها اليومي معهم والذي ينسيها المها ويفصلها عن العالم كله . مر الوقت وصعدت اليهم والدتها لتجلس معهم كعادتها كل يوم بمثل هذا الوقت تبادلوا الاحاديث و ساد جو جميل وبعد فترة اعتذرت حسناء من والدتها لترتاح قليلا قبل عودة عادل من عمله ؛ دخلت حسناء غرفتها وعادت وحاوطتها ذكرياتها مرة اخرى فذهبت بها ليوم زفافها على عادل.
بحر الذكريات

  بيوم زفافها على عادل شعرت باحاسيس كثيرة مختلطة بهجة ، فرحة ، سعادة ، الم ، جراح و حمل ثقيل على كتفها سر يقتلها ويشقها نصفين تريد مقاسمته مع عادل تخشي ان تحدثه بما بداخلها يحتقرها أو ينفر منها . اما عادل فكان يشعر كمن لمس السماء بكفه لا يشعر سوي بالسعادة فأخيرًا امتلك من هواها وملكت مقاليد قلبه وعقله سكنت تفكيره بلا حول له ولا قوة . بداخل غرفتهما والته ظهرها اخفضت رأسها وفركت اصابعها بتوتر تفكر بتشويش شديد تجهل ما عليها فعله أو قوله . فاقترب منها عادل ووضع كفيه على كفتيها بحب وادارها اليه ثم وضع أناملة اسفل وجهها ورفعه بلطف ابتسم بحب وحنان ونظر بتمعن لها .
عادل: مالك يا حبيبتي متوترة كده ليه ما تخافيش مني .
نظرت اليه وهي على حالتها والتوتر يقتلها 
عادل: أنا نفسي في حاجة لو عملتها هرتاح ويمكن ان كمان توترك يقل ممكن .
حاولت رسم ابتسامة على وجهها أظهرت معها فرط توترها وقلقها؛ فمسد على وجهها بحنان ثم حاوط كتفيها بكفيه نظر لها باشتياق ثم جذبها اليه ضمها بقوة وحنان يزداد في ضمها ليمْتَص عنها توترها وقلقها الباديان عليها بوضوح شديد ؛ وبعد قليل عندما شعر انها هدأت قليلا، ابعدها بلطف ونظر اليها بابتسامة 
عادل: بقيتي احسن؟
 أومأت له موافقة ثم جلست وتحدثت بصوت مكتوم لا يريد الخروج .
حسناء: أنا محتاجة اتكلم معاك في حاجة كان صعب اتكلم فيها قبل كده.
جلس قبالتها وعلي وجهه نفس الابتسامة الصافية المحبة
عادل: قولي كل اللي عايزة تقوليه أنا عايز افضل اسمع صوتك على طول .
تحدثت بصوت متحشرج مختنق من الدموع التي خرجت من حبسها واصبحت تتزايد تزامنا مع حروفها وكلماتها .
حسناء: أنا .. أنا محتاجة اتكلم محتاجة اخرج كلام جوايا عجزت اني اقوله لأي حد حتى امي ما قدرتش حتى أواجه نفسي به بس مش قادرة محتاجة اخرجه عارفة ان النهاردة مش وقته بس أنا تعبانة قوي .
اقترب منها باهتمام وقلق عليها:قولي يا حبيبتي كل اللي تعبك أنا معاكِ اتحمل عنك أي وجع أوعدك عمرك ما هتندمي انك فتحتي لي قلبك .
نظرت اليه بتمني ان يبقي هكذا بعد ان تفرج عما حبسته بداخلها تساقطت دموعها وبدأت تقص عليه كل ما جال بداخلها بعد زواجها الأول وعن شعورها الدائم بالخيانة وكيف كانت  تعاقب نفسها ظلت تحكي وتسرد كل احاسيسها كل ما المها عن شعورها تجاهه واحساسها بالخيانة لسلمي ولطليقها كل شئ كل احساس شعرت به؛ كان ينظر اليها بصدمة وذهول لا يصدق ما تروي ما علمه الفترة السابقة اقل بكثير من الصراع الذي دار داخلها . تركها تخرج كل ما بداخلها تخرج المهما ، عذابها و دموعها التي طالما حبستها وبعد ان انتهت نظر اليها باعتذار و احتواء اقترب منها وضمها اليه بقوة وكانه بذلك القرب يعتذر اليها يحميها من تلك الالام والذكريات يبعد عنها صراعها ؛ ابقاها بداخل صَدرِه حتى هدأت موجة بكائها ثم ابعدها عنه بلطف ونظر اليها بعيون محمرة من شدة الألم .
حسناء: أنا عارفة انك دلوقتي شايفني خاينة اكيد خايف وقلقان مني وبتقول اكيد هتعمل معايا كده
عادل: أنا اسف اني عملت فيكي كده. عمرى ما افكر فيكي وحش . ليه اتحملتي كل كده؟ أنت  مش خاينه يا حسناء احنا كلنا ظلمناكي و للاسف أنت  استسلمتي لظلمك، أنا حبيتك يا حسناء من زمان من أول مرة لما ساعدينتي ووقفتي جنب سلمي وروحتي جبتي لها الدكتورة من نظرات الاتهام من أول معرفتنا لما شوفتك مرة ضعيفة وعرفت بحكاية مديرك اتجننت وما هديتش غير لما بعدته عن طريقك سلمي حست بيَّا وساعديتني أوصل لك.
صدمت مما سمعت سلمي هل تعلم انه يحبها أو انها احبته كيف؟ رأى صدمتها فاكمل.
عادل: كانت  بتفهمني أنا عارف انها حبتني أنا حاولت ابادلها الحب بس ما عرفتش القلوب مش بايدينا يا حسناء أنا اكيد ما قولتلهاش حاجة اكيد مش عايز اعذبها بس هي فهمتني وساعدتني أوصل لقلبك خلتك تفتحي بيبان قلبك ليَّا حكت لك عني واتكلمتوا أنا متاكد انها حكت لك اتجوزنا ازاى وليه ؟ أنت  ما خونتيهاش أنت  عملتِ اللي هي عايزاه هي قربتك منها عشان تقربك مني ومن حياتي ؛ وأنا والله يا حبيبتي ما بعدتش غير عشانك كنت خايف اكون أناني واظلمك ما اعرفش اني باللي عملته ظلمتك ظلم مالوش اخر وجعت قلبك سلمتك بايدي للنار انكويتي بها لوحدك مهما اعتذرت وحاولت اكفر عمرى ما اكفر عن غلطي ده حقك عليا وعلي قلبي أنت  ما تستهليش الوجع أنت  تستاهلي الحب والامان والراحة أنت  وطني يا حسناء عمرى الجاي أوعدك اطمنك واحميكي من الوجع واحبك طول عمرى وكل يوم احبك اكتر من اليوم اللي قبله .
تحدثت ببكاء و واستفهام: يعني لسه شايفني كويسة مش بتحتقرني مش...
قاطعها وضمها اليه مرة اخري: شايفة ملكة على عرش قلبي شايفك الحلو اللي هيضيع مرارة الأيام شايفك مراتي وام أولادي شايفك امي وحبيبتي وحياتي كلها.
تشبثت بملابسه واخفت وجهها بعنقه تنساب دموعها بفرحة أخيرًا وجدت سكنها ومخبأها من مُر الأيام .
افاقت من بحر ذكرياتها على كف عادل الموضوع على كتفها التفتت اليه فجذبها اليه وضمها بحنان واحتواء.
عادل: حبيبتي بطلي تعيدي اللي فات وخليكي متاكدة ان لولا الوجع ما كناش حسينا بحلاوة الفرح اللي فات بكل الصعب اللي فيه كان خطوة عشان نوصل للراحة والسعادة اللي احنا فيها دلوقتي .
اجابته بحب: ربنا يخليك ليَّا يار ب ويقدرني اني اسعدك .
عادل: اكتر من كده ابقي طمَّاع قوي وممكن قلبي ما يستحملش السعادة دى كلها ويتعب.
حسناء: الف بعد الشر عنك يا حبيبي.
اجاب بمشاكَسَة: طيب حبيبك هيموت من الجوع يرضيكي؟
حسناء: لأ طبعا من عيوني على ما تغير اكون جهزت الاكل .
عادل: طاب ما تجيبي تصبيرة صغننة كدة أحلي بها وبعدين اكل.
حسناء: غير هدومك يا عادل وحصلني .
عادل: حاضر .
التفتت وكادت ان تتحرك فوجد نفسها ترجع الي الخلف وتدخل في احضانه وحاوطها هو بذراعيه طوقها بهما بحب وحنان وقبلها باشتياق .
عادل: بصراحة كنت عايز احلي اصلي تعبت جامد النهاردة.
السعادة اقل ما يقال عن احساسها بالرغم من انها لم تخرج مما حدث لها بشكل كلي ولازالت تؤلمها ذكراتها الا انها تعيش سعادة حقيقية تغمرها العديد من الاحاسيس الجميلة تشكر الله ليلا ونهارا على عطاءه وتعويضه لها بتلك الحياة
وهكذا بدأت حسناء حياة جديدة حقيقية سعدت بها كما سعد كافة اطرافها اقسم بها زوجها المحب عادل ان ينسيها مرارة ما عاشت ويذيقها من بحر حبه وفيض حنانه الكثير وان يجعل أيامها سعادة وراحة قدر استطاعته 

استجمعت شجاعتها ودخلت اليه فوالها ظهره كي يخفي عنها مشاعره واشفاقه عليها.
اختنق صوتها لتذكرها وقت مرضه الأول: 
- يومها بالمستشفى قبل خروجك بفترة سالتها عن اللي يرضيها حاولت افهمها اد أيه بحبك وبخاف عليك بس ما سمعتش رفضت حتى تحاول تفهمني وقالت لي ابعد عشان ترجع لها زي ما كنت قبل جوازنا، فهمتها اني من غيرك اموت و طلبت منها فرصة اثبت لها حُبي لك رفضت
وقالت بالنص" ومين قال لك اني عايزة لابني واحدة تحبه أنا عايزة واحدة تخاف منه، نظرة واحدة منه ترعشها تكون تحت رجلي قبل رجله، بإشارة مني يادبها بالطريقة اللي اقوله عليها". و قالت طول ما أنا معاك ده مش حيحصل عشان كده قولت لها انها اذيتك ووجعتك لحد ما تعبت قولت لها اني خايفة عليك وردها كان صعب يا عبد الرحمن خوفني عليك قوي، قالت لي بالنص " هو أنت  حتخافي على ابني اكتر مني. أنا من حقي اعاقبه مهما كبر، يا تبعدي يا إما ما تلوميش غير نفسك "

 التفت اليها عبد الرحمن بغضب اهكذا يرونه يعتبرونه مجرد دمية يحركوها كما يشاؤن كبّل معصميها بيديه بغضب والم نابع من قلبه:
 -بتتكلموا عن عبد الرحمن كانه طفل أو لعبة تتخانقوا عليها.

أومأت نافيه مرات عدة والدموع تنهمر على وجهها فاكمل هو:
- عبد الرحمن انسان لحم و دم ليه مشاعر كبير يقدر يحدد عايز أيه ، كان ممكن تقولي و لو ما قدرتش اتصرف وقتها اعملي اللي أنت  عايزاه ، بس ليه ما أنت  شايفاني ضعيف ماليش شخصية ما يعتمدش عليَّا.
ثم نفض معصميها بقوة فارتدت للخلف خطوتان بكت قهراً وبدأت في التراجع للخلف حتى التصقت بالحائط  حتى ارتطمت به.

- والله خفت عليك والله خفت يا عبد الرحمن أنا استحالة انسي شكلك يومها.
 
انحت للأمام ازداد نحيبها ما عادت تستطيع الوقوف واكملت ببكاء حار:
- وأنت  بتقع على الارض ومش بترد عليا خوف ورعب وجع - ونظرت اليه -واشتد بكاءها يخنق كلماتها يرتفع صدرها صعودا وهبوطا تزداد ترتفع نبرتها مع كل حرف تنطقه - نفس اللي اتكرر تاني يوم ما طنط جت ، وأنت  بتروح لعالم تاني مش سامعني ولا شايفني أنت  مش عارف الرعب والخوف اللي عشته مش عارف يعني أيه تشوف حبيبك بيقع مرتين بسببك.

انهارت حبيبة ودخلت في بكاء هيستيري طوال حديثها ينظر اليها بالم لحالها بكائها يحرق قلبه وروحه تركها نخرج ما يؤلمها وعندما انهارت وبدأت تسقط لا تتحملها قدمها اقترب منها جلس امامها جذبها الي صَدّرِه حاوطها بذراعيه يربت على ظهرها بحنان بالغ تركها حتى تمالكت نفسها فاكملت حديثها وهي تخبئ راسها بصَدّرِه: 
- كنت بموت يا عبد الرحمن روحي كانت  بتتسحب مني والله كنت بموت. 

شدد في ضمها اليه تركها تبكي حتى هدأت ثم رفع راسها اليه بلطف: 
- حاسس بيكي وبوجعك فاكرة انك اتالمتي لوحدك أنت  حسيتي بكدة و أنا تعبت شوية أيام والدكاترة عارفين حالتي وبيطمنوكي ، طيب لو اغلي شخص ليكي والوحيد اللي حبك باخلاص وحارب عشانك في يوم صحيتي لقتيه مش حاسس بيكي ولا بالدنيا مش سامعك ولا بيرد عليكِ والدكاترة لما تساليهم يواسوكي وكانهم بيقولوا لك تقلبي امر الله والامل معدوم بدل ما يطمنوكي شهر ونص يا حبيبة شهر ونص وأنت  في غيبوبة احساس اني ممكن افقدك للابد كان مميت نار قلبي دخلها أوعي تفتكري اني مش حاسس بوجعك.

نظرت اليه حبيبة باكية:
- الدنيا من غيرك ولا حاجة ما كنتش عايزاها كنت عايزاك ترتاح مني كنت حاسة اني همك اللي مش عايز يسيبك لما شوفتك بتتلوي من الوجع مش قادر تتنفس هأنت  عليا نفسي والدنيا.
وكأن كلماتها تلك اعادت امامها تلك اللحظة بكل ما عاته من ألم فاغلقت عينها شددت على اغلاقهما وسرت رجفه بجسدها فضمها اليه وشدد في ضمها حتى هدأت ثم رفع وجهها اليه بلطف ونظر اليها مبتسماً.
- من يوم ما شوفتك من بلكونتي يا حبيبة وأنت  سبب فرحتي وسعادتي نقطة تحول في حياتي للأحسن، غيرتيني وغيرتي حياتي و غيرتي امي يا حبيبة لما شافتك بتقعي من بعدي ورافضة الدنيا عشاني كلامك فضل يرن في ودانها ما صدقتش ان ممكن فعلا ده يحصل حاسبت نفسها راجعت أيامها مع بابا عرفت انها هي اللي ضيعت حياتها وحياة بابا في وجع وكان ممكن تبدله فرح وسعادة ندمت بس متأخر قوي. وفي اليوم اللي حصل اللي شوفتيه يا حبيبة... 
 
فقاطعته حبيبة واغمضت عينها بألم انسابت دموعها مرة اخرى 
حبيبة: خلاص يا عبد الرحمن مش عايزة اسمع كفاية، كفاية ارجوك.
رد بإصرار: لا يا حبيبة لازم تسمعي عشان تتأكدي اني مش ضعيف وما قبلتش اللي حصل، في اليوم ده امي حاولت تكون مكان بابا بس ما شافتش منه غير القسوة ولأنها متأكدة اني مش حاسمح بده طلبت مني نتكلم بأوضة بابا دخلت واقعدت وأنا بكلمها فاجأتني بكل الغضب اللي جواها – صحيح يومها تلجمت، الصدمة خلتني عاجز عن الكلام، عن الحركة ، عن حتى الرفض سكت كاني شايف قدامي و بتنعاد عليا الأوقات اللي جيت على طليقتي فيها سمعتها تاني بتدعي عليا حسيت بالوجع والقهر اللي شافته على ايدي رن في وداني كلامك أول مرة شوفتي تعاملي مع امي فضلت في الدوامة دي لحد ما الوجع فوقني ومشيت وأنا تايه جوايا اسئلة وصدمة و وجع يكفي العالم ، بس رجعت تاني بعد ما جمعت نفسي وقفت قدامها وقولت لها لأ ، لا حقبل اهانه لمراتي ولا حقبل اهانة لنفسي قولت لها استحالة ده يتكرر تاني، أنا مش ضعيف يا حبيبة مش عاجز وقادر ان أحميكي وقادر احافظ على بيتي ونفسي.
نظرت اليه بدموع:
- والله عمرى ما شوفتك ضعيف ولا عاجز أنا عارفة ان تصرفاتي مش بتقول كدة بس والله من خوفي عليك 
وقف امامها ورفعها معه وهو يضمها اليه وينظر بعينها  واعاد عليها كلماته يطيل حروفها يؤكدها عليها: 
- مش ضعيف يا حبيبة لو شايفاني قوي وقادر اكون سند وحماية وامان نكمل، و لو لا يبقي...

فقاطعته حبيبة وهي تضع يديها على صدره وتنظر بعينه:
- والله شايفة وعارفة ومتأكدة انك اقوي حبيب، بحبك وما ليش غيرك من أول مرة شوفتك حسيت بحاجات جوايا ما فهمتهاش وقتها كانت  بتزيد كل يوم عن اللي قبله ؛ لما اتجوزنا شوفتك الاب اللي ما عرفتهوش لقيت فيك حنان وخوف محمود اتحملتني وساعدتني قُربي منك بيطمني نفسك في نفس المكان لوحده بيأنس وحدتي. وحشتني قوي وحشني نفسك، صوتك، كل حاجة تعبت من غيرك قوي، زمان كنت مش فاهمة ليه ماما تعبت من بعد بابا كنت دايما بسأل نفسي ليه ما قدرتش تكمل؟ وكل ما احتاج لها ازعل انها استسلمت لوجعها، لكن بعد ما شوفتك بتتعب وحسيت بالقهر عليك عذرتها وقدرت قد أيه اتوجعت وتألمت، أوعي تسافر وتسيبني يا عبد الرحمن؛ هموت في بعدك والله هموت من غيرك.
نظر اليها مبتسما ومسح وجهها من الدموع:
- ما اقدرش اسافر يا حبيبة واسيبك.

 فك ربطة شعرها و اخذ كفيها بيديه اجلسها بجانبه على الكنبة بركنهما المشتاق لجلساتهما ثم جمع شعرها على جانب واحد وقبل وجهها من الجانب الاخر فابتسمت وبادلها الابتسامة باخرى مشتاقة: 
-فاكرة أول مرة قعدنا مع بعض.

 فأجابته ويعلو وجهها ابتسامة رقيقه:
- وأول حاجة طلبتها مني اجيب شعري على جنب واحد-  
 وابتسم عبد الرحمن واكمل: 
- عارفة كنت مراهن نفسي لما قبلت السفر انك هَتيجي ، صحيح جيتي في وقت متأخر وعرضتي نفسك لخطر بس مبسوط وفرحان عشان جيتي ، لو كنت ما اهتمتيش كنت تأكد  انك بطلتي تحبيني.
- عمري ما ابطل أبدًا أنا ربنا خلقني وهَفضل طول عمري حبيبت عبد الرحمن.
انهت جملتها و تعلقت برقبته وتحدثت بنبره تحمل اشتياق أيام وشهور
حبيبة: بحبك قوي - و اغمضت عينها واكملت – أنت  قلبي اللي بيدق الهوا اللي بتنفسه روحي اللي ساكنة جسمي.
شدد في ضمها واجابها بشوق شديد وهيام ولوعة محب: بحبك ووحشتيني فوق ما تتخيلي فرحتي انطفت لما بعدتي وجع قلبي لوجعك ولبعدك كانت  نار بتحرقني.
استمرا برحلة اشواقهما وحنينهم لفترة اما محمود بعد ان تحرك بالسيارة ومعه حافظة وتركهم اكله القلق فتصرفات حبيبه لم تعد متوقعه بالنسبة له وظهر عليه هذا جلياً اما حافظة فشردت وعلي وجهها ابتسامة فرحة . أوصلها محمود وإطمئن عليها ثم عاد الي بسمة بقلقه وتوتره.

بسمة: اهدي بقي أنت  قلقان كده ليه ؟
محمود: عايز اطمن يا بسمة مش عارف حبيبة وصلت لفين معاه .
ابتسمت وهي تحرك راسها بتعجب:
- هتكون وصلت لفين! لو كانوا اختلفوا كان زمانها هنا من بدرى ؛ بس اللي صاحبك عمله ضربة معلم عرف يخرجها من سكونها اللي كان قرب يجنني .
- نفسي اطمن زيك والله بفكر اكلمهم .
- ما تبقاش عزول ده لو ردوا عليك اصلا.

نظر اليها باستياء وغضب طفيف.
- من غير ما تولع فيَّا بس واحد ومراته بعيد عن بعض من شهور ورجعوا أخيرًا واتصافوا اكيد من عايزين عازول .
- نفسي اطمن زيك أنت شايفة حبيبة عاملة ازاي دماغها بقت ناشفة .
- بقول لك أيه مش هي مع عبد الرحمن جوزها ما تشغلش بالك كلها سواد الليل وابقي كلمهم الصبح.

دخلا غرفتهما واستلقيا على الفراش لا يدرى لما تذكَّر الرؤية التي حلم بها عندما تقدم لها عبد الرحمن فابتسم تلقائيا وكأن شيء ما داخله طمئنه بانها وصلت أخيرًا الي جنتها بعد طول تعبها وانها الان فقط استقرت وعادت حياتها الي نصابها الطبيعي فهمس لنفسه بأمل.
- يا رب .

عند حافظة بعدما عادت وبدلت ملابسها وقفت بغرفتها امام صورة ضخمة معلقة على الحائط كانت  تبغضها سابقا اما الان فباتت تحترمها و تهوى الوقوف امامها ، بتلك الصورة يقف زوجها عبد الرحيم بجانبها وتجلس امامه والدته بوقار يضع كفيه على كتفها بحب وعلي وجهه بسمة وقورة -
نظرت الي الصورة مبتسمة:
- أخيرًا يا عبد الرحيم ابنك ارتاح ولم اسرته من تاني أخيرًا قلبه ارتاح عارف أنا نزلت من هنا بقول ده عقاب ربنا ليًّا الوحدة اللي هفضل فيها لما يسافر بس ربك شاء ان نفس السبب الي وجع قلبي هو السبب اللي ريح قلبي وقلب ابنك و جمع شمل اسرته الحمد لله كده اطمنت انه هايجي يوم ويسامحني من قلبه بجد – تَنَهَدت بقلة حيلة – مش باقي غيرك بس اجيبك منين عشان اطلب السماح ربنا يرحمك – ابتسمت وكانها سمعته – عندك حق وهي كمان المفروض اطلب منها تسامحني الله يرحمكم كان لساني زالف معاكم شوية اللهم لا شماته ما تزعلش مني أنا كلها شوية طالوا أو قصروا وهلحق بكم اللهم استرنا فوق الارض وارحمنا تحت الارض واغفر لنا يوم العرض عليك .

تحركت الي فراشها جلست عليه اخذت مصحفها من تحت الوسادة وبدأت تقرأ منه وتدعي لعبد الرحمن بالراحة وجمع الشمل.

باليوم التالي اختار محمود وقتا مناسبا على حسب تقديره وذهب الي حبيبة واخذ معه ما لذ وطاب، استقبله عبد الرحمن ببسمة سعادة كبيرة.

غمزه محمود:
- حمد الله على السلامة يا عُبد ما رضتش اتصل أو اجي بدرى بس ما قدرتش اتاخر عن كده عايز اطمن كل حاجة تمام.
- أومال مش قولت لك اخر محاولة وهي اللي نهت كل حاجة ورجعنا لاصولنا .
خرجت اليهم حبيبة خجله توارى عينها من محمود تخفضهما ارضاً.
- حمد الله على سلامة رجوعك لبيتك يا حبيبتي يا رب تكوني تعلمتي وما تفرطيش في بيتك وسعادتك تاني.

أومأت له موافقة و وجهها يشتعل خجلاً ثم أنت بهت على كل ما اشتراه لهما.
- أيه كل ده يا بابا ده كتير قوي .
- كل الحاجات اللي بتحبيها أنتِ وعُبَد.

اقترب منها وقف امامها ومسد على رأسها بحنان:
- ربنا يتم نعمته عليكِ يا حبيبتي حافظي على جوزك وخدي بالك منه أنا مش هوصيه لأني واثق انه هيشيلك في عنيه الاتنين - اقترب من اذنها وهمس بهما – و في قلبه.
ابتسمت بخجل واحمر وجهها اخفضته واجابته بصوت يذوب خجلًا:
- حاضر.

- أنا مش هكون عزول اكتر من كده سلام بقي .
- خليك شوية معَنا.
اتجه للباب فتحه و التفت اليها قبل ان يخرج وتحدث بابتسامة:
- لا كفاية كده وما تشلوش هم جميلة ، سلام يا عُبَد.
عبد الرحمن وعلي وجهه ابتسامة عريضة:
- الله يسلمك.
اغلق محمود الباب فاقترب عبد الرحمن منها نظر لها بشوق جامح:
-والله اخوكي ده بيفهم، قال خليك شوية قال.
اشتد خجلها تخفض نظرها وكسي وجهها الاحمرار فحملها وهو يتحدث
- قولتي لي بقى، كنا بنقول أيه قبل ما محمود يجي.

هكذا عادت حياتهما الي استقرارها من جديد تعلمت حبيبة درسها جيدًا انه لا اسرار بين الزوجين مهما حدث اصبحت حياتها افضل مما كانت  في ظل مباركة الجميع لهم، فلم يعد محمود خائفا عليها ودائما يوصيها على عبد الرحمن، اما حافظة فكانت  دوما تحاول ان تظل بعيدة عن حياتهم، لكن حبيبة كانت  تحاول جاهدة ان تقربها منهم عاملتها بحب و ود كوالدتها و طلبت منها والحت كثيراً ان تنتقل للعيش معهم لكن حافظة كانت  ترفض وبإصرار
- يا طنط تعالي اقعدي معَنا ليه كل حد يبقي في مكان لوحد كده .
- بتقولي كده بعد كل اللي حصل يا بنتي.

ردت وعلي وجهها ابتسامة رقيقة وسعيدة:
- كفاية كلمة بنتي دي وكمان عفا الله عما سلف أنا كمان غلطت والدنيا مش مستاهلة نقف لبعض على الواحدة ، تعالي خلينا نتجمع مع بعض - اقتربت من اذنها وهمست لها – هكون تحت رجلك صدقيني طلباتك أوامر.
- لا خليكي تحت رجل جوزك ومالكيش دعوة بيا.
- ما تسيبكوا من الرجلين وخليكوا في المهم ، ليه يا امي مش عايزة تيجي أنتِ زعلانة من حاجة طيب.
- يا حبيبي ربنا ما يجيب زعل طيب قولي كده اسيب بيت ابوك واقفله ينفع طيب بص من الاخر أنا ما اسيبش بيت عبد الرحيم أبدًا كفاية سبت ابوك وهو عايش اسيبه كمان دلوقتي البيت هيفضل مفتوح لحد ما اموت.
حاولا اقناعها مرارا ويحصلون على الاجابة ذاتها كل مرة حتى يأسا من فكرة اقناعها 

مرت ثلاثة سنوات كبرت جميلة قليلا وباتت هي الأخرى تستقبل والدها بالأحضان والقبل عند عودته. كانت  جميلة كما تمناها عبد الرحمن جميلة الشكل والطبع اخذت من حبيبة رقتها وجمالها وطول شعرها، بعد فترة شعرت حبيبة باعياء شديد وعلمت بحملها للمرة الثانية وبهذه المرة احتفل بها عبد الرحمن كما اراد وكان حملها بتلك المرة اصعب كثيرا من المرة السابقة

- شكلك كدا حامل في توأم يا حبيبة تعبك ده بيقول كده ويا سلام بقي لو جبتي ولدين خناشير كده .
- أنا حاسة زي ما اكون أول مرة احمل جميلة ما كانتش تعباني كده .
- الحمل في الولد اصعب من البنت ادعيلي بقي ان ربنا يرزقني و احمل تاني نفسي في بنوته قمر كده تاخد منك شعرك اللهم لا حسد عشان جوزك لو سمعني مش هيسكت النهاردة.
- مش قادرة اضحك والله ،  أنا بدعي لك دايما يا بسمة .
وبالفعل انجبت حبيبة ولدين توأم عبد الله ومحمود وبعدها بعام حملت بسمة رزقها الله بمولودة جميلة تحمل منها الكثير من الصفات اسمتها نسمة.

اما حسناء فكانت  حياتها مستقرة سعيدة لم تنسي أي مما مرت به ولكنها لم تعد تبكي أو تنعي ما حدث اصبحت تبتسم كلما تذكرت وتحدث نفسها بان ما مرت به كان مفتاح سعدها لحياة جديدة مستقرة هانئة ادخرها لها القدر لتكون مسك الختام كما رزقها الله بمولودة جميلة اسمتها هنا لتكون هنا أيامهم القادمة .
وسما ايضاً نالت نصيبها من الحب وتحولت شراكتها في المكتبة شراكة في الحياة ايضاً فمع الوقت توطدت علاقتها مع عمر شريكها لاحظت اهتمامه بها وغيرته عليها الشديدة كانت  تسعد بها جدًا اعطاها الحب والرعاية والحنان كان لها ابا واخا وابنا وعائلة كاملة لم تتركها حبيبة وكذلك عبد الرحمن منذ ان تقدم لها كأنا اكثر من اهلها مع والدتها حتى ان عبد الرحمن كان وكيلها بزواجها.
بالنهاية بعد تعب وشقاء ، الم و فراق اتي لقاء لا فراق بعده الا بأنت هاء الاجل وقدم القدر حياة سعيدة هانئة لعبد الرحمن وحبيبة . استمرا على عادتهما التي أورثوها لابنائهم يجتمعون بعد الفجر يوميا يدعون بكل صلاة ان يجمع شملهم ولا يفرقهم أبدًا و ان يحفظ بيتهم وأولادهم من كل سوء وان يديم نعمه عليهم ويديم بينهم المودة والرحمة والحب وان تظل حبيبة دائما حبيبت عبد الرحمن

الفصل الرابع والعشرون 
أمَّا حبيبة فما زالت مشتتة ومشوشة، لم تنجح في تقدير الوضع على حقيقته فقد علم عبد الرحمن وتوقع ما دار يبنها وبين والدته عليها فقط كسر ذلك الحاجز عليها فقط ان تتحدث ولكن بصمتها تزداد الامور سوء جعلت اليأس يتسلل الي قلبه ويسكن الخوف قلبها ويتمكن منها . لم يغير عبد الرحمن رأيه وازداد تمسكا به سوف يتركها تتخذ ما تراه سيراعيها من بعيد وان سافر اطمئن عليها في رعاية محمود فكلاهما يحبها بصدق كل من مكانه .

بعد عدة أيام وجدت حبيبة مكتبة سما بها الكثير من العمال وسما ليست بالداخل فاتصلت بها ثم ذهبت اليها ببيتها ؛ وهناك بعد ان استقبلتها ورحبت بها تركتهما والدت سما ليتحدثا بحريتهما.
حبيبة: أيه الحكاية ؟ أنا قلقت لما لقيت في ناس في المكتبة وأنت  مش هناك أنت  هتبعيها؟!
سما: ابيع أيه لأ طبعا ، الموضوع كله اني والحمد لله لقيت حد يشاركني وهنطور المكتبة بدل ما هي قديمة وهنغير الديكور ونظمها بحيث نستغل مساحتها افضل أنت  عارفة كنت عايزة اعمل كدة وكانت  المشكلة في الفلوس بس الشريك هو اللي يتكفل بالتجديد والفلوس هتكون من حصته .
حبيبة: طيب الحمد لله ، بس قولي لي لقيتي الشريك ده فين؟
سما: مش أنا اللي لقيته ده استاذ عبد الرحمن ربنا يكرمه هو اللي لقاه وكلمه.
تسالت بتعجب ودهشة: عبد الرحمن!
سما: أيوة . أنت  مش ناوية ترجعي بيتك بقي يا حبيبة حرام عليكِ بنتك ونفسك أنت  مش شايفة شكلك بقي ازاي.
حبيبة: عبد الرحمن أيه دخله بالشريك.
سما: بصي هو قال لما فاتحني قبل ما يكلم الشريك ان الشارع مش امان وان لو والدي كان عايش استحالة يرضي ينزلني المكتبة بالليل عشان الغلاسة والسخافات اللي بشوفها كل يوم تقريبا بس أنا فهمت منه انه متضايق من نزولك المكتبة بالليل والسخافات اللي بتشوفيها معايا ، والصراحة عنده حق أنا اصلا كنت بنزل وأنا مخنوقة بس مضطرة.
صمتت حبيبة وشردت 
سما: كفاية يا حبيبتي كفاية وارجعي بيتك أنا خايفة عليكِ وأنت  كمان تعبانة ومش مرتاحة.
نظرت لها بصمت لفترة ثم تحدثت وهي تتحرك للخارج.
حبيبة: أنا اطمنت عليكِ همشي بقي زمان جميلة صحيت.
ارادت الهرب لا تعلم مما تهرب والي متي عادت للبيت دخلت الي غرفتها ثم الي فراشها وظلت صامته شاردة تشعر بالم بقلبها تجهل سببه هل هو الاشتياق ام شي اخر .

في نفس الوقت ذهب عبد الرحمن الي والدته وجلس ليتحدث معها .

حافظة: خير يا ابني شكلك هتقول حاجة مهمة يا رب تكون اتصالحت مع مراتك ورجعت معاك بس شكلك بيقول انك مهموم ولو ده حصل كنت هتبقي طاير من الفرحة .
تنَهَد بيأس: لأ يا امي ما اتصالحناش فعلا ولا كلمتها خليها هي تقرر عايزة أيه بالرغم ان ما عادش وقت تقرر فيه خلاص.
نظرى اليه بتفحص تستشف ما ينويه هي تشعر انه يرتب لشئ ما منذ فترة ولكنها لم ترد التدخل وأنتظرت حتى يحدثها فيما ينوى 
- تقصد أيه بان مفيش وقت.
-: هو ده اللي كنت عأيز اكلمك فيه ، أنا هسافر تبع الوزارة اختاروني وخلصت ورقي والسفر خلال أيام .
استمعت اليه بصدمة شديدة ووجع هل سيتركها حقا تعلم اخطأت في حقه كثيرًا، ولكن لم تتوقع الهجر والوحدة ظلت تنظر إليه بصدمة تتمني ان يكون خانها سمعها أو هُيّئ لها.
تحدثت بصوت مصدوم بالكاد يسمع: هتسافر بجد بعد شوية أيام ! بتتكلم جد؟!
اخذ نفس عميق: اه يا امي هسافر ما تزعليش مني ما بقاش باقي لي هنا غير شوية ذكريات ووجع أنت  مش عايزة تيجي معايا وحبيبة مرتاحة عند محمود فأنا قررت اريح الكل وابعد يمكن ارتاح أنا كمان.
ردت سريعاً: مراتك راجعة لك يا ابني قولت لك اروح لها زعلت وبعدت اكتر فسكت لكن مراتك بتحبك وعايزاك .
- أنا تعبت من الانتظار ادام هي مرتاحة عند محمود ورافضة ترجع يبقي هسيبها براحتها ومش هضغط عليها ؛ أنا جيت اعرفك عشان ما تتفاجئيش تصبحي على خير يا امي أنا ماشي كنت جاي ابلغك وامشي.
غادر وتركها بتخبطها تركها تنعي حالها وما وصلت اليه لا تلوم سوي نفسها عادت لرشدها بعد فوات الأوان بكت و تألمت لامت نفسها اعيد براسها اخر كلمات زوجها الراحل لها وهو على فراش الموت 

الماضي
عبد الرحيم صوت متقطع خافت يحمل من اللوم الكثير:
- يا خوفي يا حافظة لتفضلي على عِنادك و كِبر نفسك وتفكيرك ده لحد ما تلاقي نفسك لوحدك مش معاكِ غير الوحدة والغربة والوجع فوقي يا حافظة ما تظلميش نفسك و شيلي الغمامة من على عنيكي لو أنا قسيت عليكِ حتى لو كانت  طريقتي غلط فده بسبب افعالك ؛ امي الله يرحمها مالهاش ذنب أنا ياما كلمتك بس كنت بتعْندي وتقفلي دماغك . من بعدي مش باقي غير ابنك أوعي بدماغك وتصرفاتك تبعديه عنك الوحدة مُرة يا حافظة مُرة فوق ما تتخيلي.

عادت حافظة من ذكرياتها تمسح دموعها وتتحدث بصوت مسموع 
حافظة: مش هضيعه هرجعه تاني زي ما بعدته .
نهضت وبدلت ملابسها لم تستطع الأنت ظار الي اليوم التالي وذهبت الي حبيبة.
عندما وصلت كانوا قد تاهبوا جميعا للنوم كلٍ بفراشه طرقت الباب فتحرك محمود وبسمة بقلق ووقفت حبيبة بداخل غرفتها بخوف لم تشعر به من قبل فمنذ ذهاب عبد الرحمن باتت تواجه مخاوفها بكل ليلية ترتعد من أي صوت ومن طرقات الباب ثم الاستماع الي صوت حافظة اصبحت ترتعش لا تشعر سوي بالخوف والهلع.
بخارج الغرفة وقبل ان يتفتح الباب.
محمود: مين؟
حافظة: افتح يا ابني أنا ام عبد الرحمن .
محمود بهمس: لما تفتحي أنا هدخل
فتحت بسمة ورحبت بها 
بسمة: اتفضلي يا طنط نورتينا
حافظة بتوتر وقلق: أنا اسفة يا بنتي بس كنت عايزة اكلم حبيبة وما جانيش صبر للصبح والله الموضوع مهم
بسمة وحاولت ازالت الحرج عنها: لا يا طنط ده بيتك تنورى في أي وقت
 محمود: اهلا بيكي فأي وقت لو سمحتي يا بسمة نادى حبيبة اتفضل اقعدى يا طنط أنا هعمل لك شاي
حافظة: ما تتعبش نفسك أنا جاية في كلمتين وماشية على طول 

دخلت بسمة الي حبيبة التي كانت  قد استمعت لحوارهم وزادها ما سمعت توتراً فبدلت ملابسها ببطء لم تتعمده لتخرج إليها، أما محمود فتوقع ما حدث وانتظر يرى رد فعلها وما سترويه حافظة
بعد فترة طويلة وانتظار لدقائق مر على حافظة وحبيبة أيام وليالي خرجت حبيبة بتوجس وقلق لم تتوقع سبب زيارة حافظة ولم يكن ليأتي بمخيلتها ما ستقصه لها.

وقفت امام حافظة بصمت وترقب هربت الكلمات منها بقي الصمت فقط جلست بترقب فبدأت حافظة الحديثة بالرغم من انها لم ترتب ما ستقصه أو من أين تبدأ الا انها تركت للكلمات الحرية تحدثت بما جال بخاطرها:
- اهدي يا بنتي والله أنا مش جاية في شر وربنا يعلم أنا عارفة اني مهما اعتذرت و قولت أو عملت مش هاكفر عن اللي حصل مني قبل كدة بس أنا جاية النهاردة اقول لك الحقي عبد الرحمن أنا مش هقدر على بعده يا بنتي والله ما هقدر كلميه أنت  الوحيدة اللي هتقدرى تقنعيه.
نظرت لها بعدم فهم عن أي بُعد تتحدث ؟ 
وضحت لها اكثر لتفهم مقصدها: أنا يا بنتي ما اعرفش حد من الباقي من أهلي من يوم جوازي من عمك الله يرحمه  وأنا مازورتش حد منهم نسيتهم ونسيوني لو عبد الرحمن سافر هموت من القهر والوحدة كلميه أنت  الوحيدة اللي تقدري تقنعيه يبقي هنا والله هفضل بعيد ومش هضايقكوا تاني حتى لو مش هتودوني بس كفاية اني احس انكم جنبي يوم ما احتاجكم هعرف اكلمكم والاقيكم جنبي .
اتسعت عينها من شدة صدمتها تتردد كلمات حافظة بعقلها الذي يترجمها للبعد أيرحل ويتركها سيترك البلد كلها لن تراه سيقطع باقي السبل بينهما ترددت جملة محمود بعقلها  " افتكرى يا حبيبة ان للصبر حدود " سألت نفسها هل أنت هي صبره الي هذا الحد هل فقدته بسوء تقديرها تركت حديثها مع نفسها وتسالت وهي تشعر الان ببرد الشتاء اضعاف مضاعفة وسرت رجفة خفيفة بأوصالها
حبيبة: يسافر! يسافر فين مش فاهمة ؟!
- قال عقد تبع شغله وحيفضل بره مش اقل من سنتين.
جحظت عينها اكثر صوت من داخلها يخبرها انها اضاعته للابد ويخبرها انه هجرها فسالت دموعها غير مصدقه تسائلت مرة اخرى تتمني ان تسمع اجابة اخرى:
- هو مسافر فعلا؟!
تحدثت حافظة والخوف يعلوا وجهها وكأنها لم تسمع سؤال الاخرى:
- أنا معرفش اخرج بره البلد دي ولا هعرف اقعد من غيره خليكوا جنبي عبد الرحمن هو اللي باقي لي.
رجائها ونبرة صوتها القهر الواضح بكلماتها وذلك الانكسار الطاغي عليها ، تلك الحالة التي تملكت حافظة جعلت حبيبة تفيق من صدمتها وتنتبه فهي لم ترى الاخرى بذلك االضعف أبدًا كانت  دائما قوية شديدة قاسية حتى بأصعب المواقف لم تهتز أو تتردد ؛ فكانت  حالة حافظة يرثي لها 
وقفت حبية ونظرت الي محمود بلوم وعتاب هو يراقب لم يستطع توقع رد فعلها؛ فقط يقف امام غرفته يتابعها بترقب.
- كنت عارف يا محمود انه حيسافر؟
- قال لي بيفكر وهيعرفك في الوقت المناسب.
وقفت بمحلها تنظر لمحمود بصدمة  فالامر حقيقي ومحمود يعلم تصارعت دقات قلبها فالبعد قريب شحب لونها لتلك الفكرة بهذه المرة البعد بسببها ثواني بسيطة مرت عليها تستوعب ما قاله محمود ثم حسمت امرها واسرعت للخارج تهرول استمعت لصوت محمود ينادي عليها ولكن عقلها كان بمحل اخر يرصد صورة اخرى وسيناريو اخر لا تريده ان يحدث فلتمت أولا قبله 
- حبيبة يا حبيبة الوقت متاخر رايحة فين طيب استني اغير واجي معاكِ.
لم تجب عليه وايقن انها لم تسمعه من الاساس فاسرع وبدل ثيابه وحافظة نهضت تتابع حبيبة  ثم تحدثت 
- هاستناك تحت يا ابني نروح وراها.
تحرك محمود مع حافظة واخذ سيارته ليلحق بها مسرعا ولا تتعرض لسوء.
اما حبيبة فكانت  بعالم اخر لا تتصور بعد عبد الرحمن عنها هي عأنت  الفترة السابقة لبعدها عنه خجلها منه وخشيت ان تكمل اعترافها بما حدث مع والدته وما يؤلمها لم تتخيل ان يتاخذ يوما قرار كهذا.
كانت  تجري بالطريق بوقت متأخر كان الطريق خالٍ من المارة لا يوجد به سوي من المتلطعين وبعض الشباب الفاسدين والمفسدين بالارض. كادت ان تصل دون مضايقات ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فباخر شارع والمقابل لبيتها وقبل ان تعبره أنت به لها اثنان من هؤلاء الشباب واقتربا منها 
احدهما وهو يقترب منها:
- أوبااااا أيه القمر ده .
نظرت اليها باعين زائغة خائفة ولم تتحدث، فقط عادت بعض الخطوات للخلف.
الشاب الاخر: الحلوة اسمها أيه 
استمرت في العودة للخلف بخطوات بطيئة حاولت اخراج صوتها لتنادي على حبيبها ومنقذها وبهذه اللحظة رن هاتف عبد الرحمن برقم محمود نظر اليه ثم شعر وكانه يسمع صوت حبيبة تناديه بالرغم من عدم توقعه ان تاتي اليه بهذا اليوم أو بهذا الوقت المتاخر الا انه دخل البلكونة ينظر بالطريق بشك ليتاكد .
اما بالاسفل حاولت حبيبة اجلاء صوتها لتنادى على عبد الرحمن
- عبد الرحمن عبد الرحمااااان.
- لازم عبد الرحمن ما ينفعش تامر .
- مُزَّة جامدة جدًا، أيه الشعر ده!

الشاب الأول وبدأ يقترب منها ليمسك بعض خصلات شعرها:
- الشعر ده طبيعي ولا مركباه اصل ده صعب يبقي طبيعي أبدًا .
ما ان استمع عبد الرحمن لكلماتهم تلك احتقن وجهه بالدماء كادت ان تنفجر راسه لم يعلم كيف تحرك ففي لمح البصر كان امامها ودفعهم بعيداًعنها وجذبها خلفهه
- شئ ما يخصكش منك ليه وايدك اللي عايزة تلمسها دي هقطعها لك .
احدي الشابين:
- وأنت  مين اصلا احنا اللي لقيناها الأول يعني بتاعتنا.
عبد الرحمن: أنا اللي هيربيكوا من أول وجديد
 أوسعهم ضَرباً اخرج بهم غضبه حتى فروا من امامه وهم يحملون من الجروح والكدمات الكثير
فالتفت اليها وهو بقمة غضبه يلتقط انفاسه بصعوبة فغيرته مما سمع تنهشه وخوفه عليها من الموقف الذي وجدها به كاد ان يقتله، كانت  هي تنظر اليه بحنين وخوف من الفراق والبعُد .
عبد الرحمن: أيه اللي منزلك في الوقت ده ولوحدك يا حبيبة ! فين محمود؟
كان عقلها مشوغلا بامر اخر غير الخطر الذي انقذها منه فقابلت سؤاله بسؤال ودموعها على وجهها ترتعد من برد مشاعرها وشدة خوفها من الفراق اكثر من رجفتها من برد الشتاء.
حبيبة تصتك اسنانها من شدت ارتجافها:
- أنت  فعلا هَتسافر؟

لم يُجب عليها وزاده سؤالها غضباً هل هي حقا مهتمة الم تشعر بما وضعت نفسها به من خطر ماذا لو لم يسمعها أو لم يكن موجود بالاساس ماذا ان تاخر عنها، نظر لها بغضب فانكمشت على نفسها كالطالب الذي اخفق بامتحانه وينتظر عقاب شديد بتلك اللحظة وصل محمود ترجل من السيارة وتَلَته حافظة كاد ان يتحدث ولكن سبقه عبد الرحمن الذي تحدث بغضب وانفعال شديدين قدرهما محمود واجابة بسلاسة
- ينفع كده يا محمود تسيبها تنزل في وقت زي ده لوحدها ؟! بقي هي دي الامانة اللي امنتك عليها؟
- أول ما سمعت الخبر من والدتك طارت ما سمعتش لحد أنا حتى جيت وراها بالعربية عشان الحقها.
- طيب خدها روحها.
فتحدث حبيبة بنبرة راجية وصوت يشوبه البكاء:
- لا أنا عايزة اتكلم معاك.
ابتسم محمود براحة فأخيرًا ستصلح ما افسدته وكان من داخله يتمني استقرارها وراحتها فتحدث وهو يعود ليستقل سيارته:
- مراتك معاك لو مش عايز تسمعها ابقي رجعها أنت  عارف الطريق أنا حوصل طنط، تصبح على خير، يلا يا طنط  – ثم ركب سيارته –
- اسمعها يا ابني ربنا يهدي سركم.
ثم التفتت للسيارة ووجهت حديثها لمحمود يلا يا ابني.
نظرا في اثرهما حتى غادرا لا يشعر عبد الرحمن سوي بالغضب من تسرعها والقائها بنفسها وسط الخطر دون حساب العواقب فتحدثت حبيبة برجاء وتساؤل.
- أنت  صحيح هَتسافر يا عبد الرحمن؟
كان ما زال ينظر في اثر محمود وعندما حدثته التفت إليها يشعر بالغضب منها ولكن حالتها جعلته يهدأ قليلا ويشفق عليها فكانت  ترتعد بقوة لا تستطيع التحكم بجسدها حتى قدمها لم تكن لتحملها تتعثر وهي واقفة فاخذ نفس عميق وهو يغلق عينيه ثم فتحهما وتحدث بضيق يحاول السيطرة عليه.
عبد الرحمن: تعالي فوق اغير وارجعك البيت.
حاولت التحرك فكادت ان تسقط على وجهها فاسرع وحاوطها كتفها بيد واخذ كفها بالاخرى شعر برجفتها التي رجت جسدها ولمس مدي برودة جسدها حركت اقدامها بثقل فكانت  كالملتصقة بالأرض؛ شعر بها وحزن من اجلها ولكنه اخفي مشاعره عنها.
صعد بها درجات السلم براحة حتى لا تتخبط فهي تعثرت كثيرا ولولا يده التي تمسكها باحكام لكانت  سقطت عدة مرات وما ان خطا داخل البيت جالت حبيبة بنظرها بالمكان باشتياق وحنين وتجمعت دموعها بعينها لتذكر اخر ما حدث منها بالمكان وخروجها منه بقلب منفطر تركها برفق فجلست هي باقرب مكان لها وما زالت ترتعش بقوة.

 تحدث وهو يبتعد عنها يتجه لغرفتهما: 
- حغير بسرعة وارجعك البيت.
 كاد ان يبتعد فوجدها تتعلق بيده ونظرت لوجهه برجاء ودموع بدأت تنساب على وجهها سالته بانكسار وضعف ظاهران: هَتسافر يا عبد الرحمن؟ حتسيبني؟ 
نظر اليها عبد الرحمن اخفي تاثره بحالتها لثواني حرر يده ثم التفت عنها واتجه لغرفته وتحدث دون الاجابة على سؤالها:
- أنا حغير بسرعة عشان ما نتاخرش اكتر من كده.
فتعلقت بيده مره اخري بقوة اكبر كان قد التف ووالها ظهره وهي لا زالت تقبض على كفه خلفه 
- ما تسبنيش يا عبد الرحمن أنا عارفة اني غلط كتير سامحني و خليك معايا.
تحدث بجدية شديدة يعيد عليها كلماتها: معاكِ جميلة لما أوحشك قوي احضنيها وما تقلقيش أنا كمان استحالة اتجوز تاني. 
- كنت غلطانة، كنت فاكرة حضنها يعوضني عنك، بس لأ احساسي بحضنها جميل ما حستهوش قبل كده، بس بيزود حنيني ليك بتوحشني اكتر واكترحُضنك اماني فيه وراحتي.

اجابها بوجه خالي من التعابير يتعمد اظهار القسوة فهي أحيانًا ما تُصلح المسار: مش مشكلة أنت  مع محمود وفي بيت والدك.
حبيبة والدموع تسيل على وجهها: لما خرجت من المستشفى وروحنا بيت بابا وفي أوضته كنت حاسة براحة وامان عمرى ما حسيت بهم قبلها وقتها افتكرت ان احساسي ليه علاقة بالمكان (ابتسم بتهكم هي تثبت له ان لا قيمة له لديها) قولت يمكن البيت مع وجود محمود ووجودك كمان 

اخذت نفس عميق واكملت:
-  لكن لما مشيت احساسي ده اتحول لخوف بالرغم من هو هو نفس المكان مجرد ما بقفل باب الأوضة بحس بخوف وقلقل عمرى ما حسيتهم قبل كده من كتر الخوف ما كنتش بنام وقتها اتاكدت انك لوحدك اماني. ما ارتحتش في بعدك ولا ثانية كنت كل يوم بتمني وبدعي ربنا انك تيجي تعمل أي حاجة حتى لو تتخانق معايا، بس تيجي.
- خلاص يا حبيبة حصل خير.

ابتعد عنها بعض خطوات فتحاملت على نفسها نهضت والتفت ووقفت امامه وضعت كفيها على صَدْره وتحدثت وعلي وجهها ابتسامة فخر وامتنان تحاول الظهور من بين دموعها والمها: 
- لما عرفت انك روحت لحسناء وعرفت اللي حصل عندها حبيتك اكتر واكتر واحترمتك اكتر عرفت اد أيه أنت  حاسس بيًّا وبوجعي وعارف راحتي فين؛ فضلت افكر اجي ازاي واقول لك أيه اعتذر ازاي اتكسفت من نفسي قوي ما بقتش عارفة اعمل أيه، كل يوم اقول اروح له و اتكلم معاه وارجع معرفش اقول أيه، لما سما حكيت لي على اللي عملته معاها بقيت فخورة اكتر اني مراتك.ما تسيبنيش يا عبد الرحمن والله والله والله أنا بحبك قوي وما اقدرش اعيش من غيرك.
ابعد يديها عنه بغضب وتحدث بتهكم وسخرية: بتحبيني متأكدة عشان كده طلبتي الطلاق واصريتي ؛ بتحبيني عشان كده لما خرجتي من المستشفي روحتي عند محمود ومش عايزة ترجعي ،  بتحبيني عشان كده بتبني اسوار بيني وبينك ، واضح انك فاهمة الحب غلط اللي بيحب حد استحالة يقدر يخبي حاجة عن حبيبه ، اللي بيحب بيقرب المسافة بينه وبين اللي بيحبه مش بيبعدها، اللي بيحب استحالة يجرح ويهين. أنا سالتك كتير وأنت  بتهربي، دايما بتهربي بتحتمي في دموعك بتعذبي نفسك وبتعذبينا معاكِ ، قولت لك قبل كده وهعيده تاني لما يكون في بينا مشكلة لازم نتكلم ونحلها عشان ما تكبرش مش نجرى ونهرب ونستخبي خليكي عارفة ومتاكده ان طول ما في سر بيني وبينك حيفضل فيه مشكلة لان السر ده هو اللي كان حيدمر حياتنا قبل كده.

تركها و دخل الغرفة  بغضب ،اغلق الباب الا من جزء بسيط يعلم انه ضغط عليها ولكنه يريد انهاء الهراء الواقع بينهم ، يٌرد جمع شمل اسرته من جديد استاء وسئم من البعد والالم اشتاق لزوجته وابنته ولحياته الهادئة.
اغلق الباب خلفه فاستندت بظهرها على الحائط بقلة حيلة ليس امامها خيار اخر اما ان تحكي وتقص ما حدث دون ان تخفي شئ اما ان تموت من البُعد فلا حياة بدونه باتت تعي تلك الحقيقة.
فتحدثت بالم: 
- والله كنت خايفة عليك، خايفة تكرهني ما رضتش اقولك اللي دار بيني وبين والدتك خوفت تحس اني بأسيك عليها وخفت هي تفتكر اني بوقع بينكم خفت اشوفك بتقع تاني كان كتير عليا قوي والله. 

وقف عبد الرحمن بالداخل ينظر باتجاهها وكأنه يراها امامه يشعر بألمها يؤلمه قلبه من اجلها لكنه  ارادها ان تخرج كل ما بداخلها ليريحها و يغسل قلبها من الشوائب التي ادمته وارهقته.







تعليقات



<>