رواية سجينة جبل العامري الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم ندا حسن


 رواية سجينة جبل العامري الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم ندا حسن

"خطوة خلف الأخرى إلى الهاوية في جزيرة العامري"
أصبحت قدميها تحت جسدها جالسة بارتخاء وظهرها يستند إلى الجبل، يدها تضغط بقوة على فمها وأنفها لتكتم أنفاسها الخارجة منها، لقد وقع قلبها بين قدميها قتـ ـيلًا وهي تراه يقـ ـتل بدم بارد، عينيها خرجت من مكانها وهي تشاهد تلك الواقعة والجريـ ـمة الشنيعة من قِبله..

بقيت في صدمة تامة تشعر بالذعر والخوف الشديد، ضربات قلبها تتسارع بقوة وعنف فأخفضت إحدى يديها من على فمها لتضعها على قلبها في الجانب الأيسر من صدرها مُعتقدة أنها بهذه الطريقة ستجعله يهدأ، حيث أنها كانت تستمع إلى دقاته وتخاف أن تصل إليهم..

قدميها لا تستطيع حملها، جسدها بالكامل يرتجف بضعف وخوف لا نهائي والرهبة تكاد تقـ ـتل قلبها وتقع فريسة لرؤية جريـ ـمة قـ ـتل على جزيرة كهذه!..

لقد أتت لتكتشف الحقائق، لقد أتت إلى هنا كي ترى أي شيء مُخالف يفعله، فرحت لأنها ستقف أمامه صالبة حادة لن يكسرها بقوته وجبروته ولكنها لم تكن تعتقد أنها سترى جريمة قـ ـتل بمنتهى البرود واللا مبالاة وكأن من قُـ ـتل هذا حشرة، نكرة لا قيمة له

لقد وقفت أمامه وتحدته وصرخت بوجهه وهو هددها ولم تكن تعلم أنه يستطيع أن يفعل هذا.. يا الله ما الذي من الممكن أن يفعله بها وبابنتها وشقيقتها؟..

أنها لا تريد أن تبقى معه، لا تريد أن تكون زوجة له وهي تعلم ما الذي يريده منها..

تشعر أنها سجينة داخل الجزيرة لن يعلم أحد بوجودها هنا ولو قُتـ ـلت لن يسأل عنها أحد ولن يُعاقب "جبل" على فعلته..

تراه وكأنه ذئب سجنها داخل قفصه ليفعل بها ما يحلو له وليتمتع بعـ ـذابها قبل الانقضاض عليها لينال منها..

تنفست بهدوء محاولة ضبط أنفاسها المسلوبة منها بفزع وخوف، بهدوء استندت على الجبل بيدها اليمنى المُرتعشة وهي تقف محاولة الصمود والعودة إلى القصر دون أن يراها لترى ما الذي ستفعله للهرب من هنا..

وقفت على قدميها بصعوبة لأنها لا تستطيع حملها فقد تلفت أعصابها من ذلك المشهد الوحشي، ترتجف بشدة وعنف ولكنها تحاملت على نفسها وحاولت التكملة..

أخذت نفس عميق ووقفت كما كانت في البداية تستند بيدها الاثنين عليه ومالت رأسها للأمام لتنظر عليهم مرة ثانية وترى ما الذي حدث في تلك الدقائق التي وقعت بها صريعة هذه الصدمة..

بينما هي تنظر وتتقدم برأسها ببط صرخت عاليًا صرخة انشقت لها السماء واستمعها كل من كان في محيطهم.. 

عادت للخلف وهي تبتعد عنه ناظرة إليه بخوف جلي ورهبة تقـ ـتل قلبها، رأته يقف أمامها مُباشرةً خلف زاوية الجبل التي تطل برأسها منها، عادت خطوات أخرى وأخرى وجسدها يرتجف وعيناها مُتسعتان عليه بقوة..

لم تكن خائفة منه في السابق ولم تكن ستعود هذه الخطوات لو قبل دقائق ولكن ما رأته يفعله كان بشع لدرجة أنها من الممكن أن تخضع لأي طلب يطلبه الآن خوفًا على ابنتها وشقيقتها منه.. وخوفًا على نفسها فهم ليس لديهم أحد غيرها وهو إن أخذ ابنتها منها لا تعلم ما الذي سيحدث لها هنا..

تقدم منها وسار الخطوات التي تبتعدها ببطء وثقة، ناظرًا إليها بتهكم ثم هتف بسخرية شديدة ويده داخل جيوب بنطاله:

-هو أنتي مفكرة إنك جيتي ورايا وأنا معرفش!.. يعني معقول واحدة زيك يا غزال تيجي وتشوف اللي بيحصل هنا وأنا مُغفل؟، لو ده حصل يبقى أي عدو ليا يعرف يعملها ويبلغ عني 

صدرها يعلو وينخفض بسبب أنفاسها السريعة الغير مُنتظمة، ومازالت قدمها تعود بها للخلف خوفًا منه ومن غدره، خرجت الكلمات منها بصعوبة ورهبة شديدة تسيطر عليها:

-أنت عايز ايه يا جبل مني؟ أنا كل اللي عايزاه حقي وحق بنتي ونغور من هنا أنا مش عايزاك 

قال بجدية وقوة وحديثه يرتمي عليها بثقة كبيرة:

-بس أنا عايزك.. جبل العامري عايزك لسه ومش هسيبك تاخدي بنتي.. بنت العامري وتمشي من هنا 

اتسعت عينيها أكثر وهي تستمع إلى حديثه وانكرت قائلة:

-وعد مش بنتك 

حرك رأسه قائلًا بفتور ولا مبالاة:

-لأ بنتي وأنا أحق بيها منك 

أشارت إلى نفسها بإصبع يدها وهي تقول بقوة وعنفوان:

-أنا أمها

تقدم منها ليستقر أمامها بعد أن وقفت قدمها عن التراجع مُثبتة في الأرضية وقال بقسوة وعنف يظهران على ملامحه تحت ضوء القمر:

-وأنا جبل العامري وهي وعد العامري.. أنا جبل العامري كبير جزيرة العامري اللي مافيهاش واحد يقدر يخون وأنتي شوفتي بنفسك من شوية الخاين مصيره ايه 

تفوهت بضعف وهدوء ولكن صوتها مازال يرتجف ويظهر عليها الخوف الشديد:

-لو بتتكلم عن اللي شوفته هنا أنا مش هخون ومش هقوله لحد.. أنا بس عايزة أطلع من الجزيرة ببنتي.. أنا مقدرش أكمل عيشة هنا 

ابتسم بشماته ناظرًا إليها يتذكر وقفتها أمامه في المرتين رافضة البقاء معه على الجزيرة وسبت حديثه غير عابئة به:

-وقفتي قصادي واتحديتيني مش كده؟ بس أنا قولتلك هوريكي زعلي وهعرفك مقامك يا غزال وجبل العامري عمره ما رجع في كلمة قالها

ترجته وعيناها تتكون بها الدموع وهي التي لا تبكي بسهولة:

-أرجوك.. أرجوك سيبنا نمشي أنا خلاص عرفتك

أمسك ذراعها جاذبها منه بقوة وعنف مُشددًا عليه بضراوة وقال مُشيرًا إلى الصحراء المحيطة بهم:

-مش هتطلعي من الجزيرة.. أنتي مراتي خلاص وأي كلمة كده ولا كده الله وكيل هوريكي اللي عمرك ما شوفتيه.. هنا في الهو ده

صدح صوتها أعلى قليلًا وهي تحاول جذب يدها منه مُعترضة:

-مش عايزة أكون معاك هو مش بالعافية.. مش عايزة ياخي 

تابع نظراته المُخيفة على عينيها وقسوة ملامحه لا تُحاكي ملامح بشر وأكمل بحدة وبمنتهى الجمود وعدم الرحمة:

-اللي ميجيش بالرضا يجي بالعافية.. أو بلوي الدراع، يعني ممكن أطلق واحد من الحرس على أختك الحلوة القمر دي ولا أخد منك بنتك طول عمرك ولا تشوفي طيفها 

أكمل بنفس نبرته وهو يظهر أمامها التفكير ليأتي بحلول تقـ ـتلها وهي حية:

-أو اربيهم أنا في قصر العامري وأنتي تتحبسي هنا.. وأنتي لسه مشوفتيش الجبل وجماله مش جوا 

شدد على ذراعها المُمسك به وقال وهو يمر بعينيه على كامل ملامحها التي تحولت من الشراسة إلى الضعف:

-يونس كان عنده حق.. فضولك هيقتلك 

نظرت إليه باستغراب، متى قال له "يونس" هذا الحديث عنها! ولما قد يكون قاله؟ لا يهم

ما زالت الدموع في عينيها تهدد بالفرار لأنها الآن تترجاه وهي التي على حق ولم تفعل ذلك في حياتها:

-مش عايزة أكمل معاك يا جبل.. مش عايزة أكون هنا على الجزيرة مشاركه في جرايمك دي أنا عايزة أمشي.. أرجوك خلي في قلبك رحمة 

ضحك بصوت عالي ساخرًا منها، فلو كان في قلبه رحمة لم يكن يفعل ما فعله منذ قليل أمامها:

-الحاجه الوحيدة اللي مش موجودة في قلبي.. الرحمة، وإلا مكنش حصل اللي حصل قدامك 

نظرت إلى عيناه للحظات بقوة، لقد حاولت اللين في البداية لم يأتي بنتيجة، حاولت الحدة وحاولت بشراسة ثم حاولت بترجي وهو لا يريد إلا أن ينفذ رغباته القذرة عليها إذا فلتعود إلى نفسها دون أن تدرك العواقب:

-وأنا اترجيتك وأنت اللي مصمم.. أنت شوفت شراستي وعنادي معاك والتحدي قصادك لكن مشوفتش التنفيذ 

ترك ذراعها ووضع يده خلف رأسها يتمسك بخصلات شعرها يجذبها منه للأمام وصاح أمامها وهو يبعثر أنفاسه عليها قائلًا بقسوة وعنفوان لأنها للمرة الثانية تتحداه:

-بقولك ايه يا زينة أنا مش يونس أنا جبل.. مش هيرفلي جفن لو دفنتك هنا، أنا عايزك جسم معايا أنا قلبي مابيحبش فبلاش تختبريه 

ضربت صدره بيدها الاثنين محاولة العودة للخلف مُبتعدة عنه وهي تصرخ عليه بهمجية:

-متمدش ايدك عليا يا حيوان.. مفاضلش غيرك يا قتال القتله 

لم تحسب هذه الكلمات أيضًا فلم تجد إلا صفعة مدوية من كف يده العريض تهبط على وجنتها دون أن يتردد في فعلها وجذب رأسها إليه مرة أخرى قائلًا بفحيح أمام وجهها:

-لو طلعت منك تاني اعتبري أختك بقت مدام من غير جواز.. ده لو طلعت منها عايشة

وجدها تنظر إليه بقوة وصدمة كبيره غير مصدقة أن هناك من لطم وجهها دون حق! لا تصدق أنها الآن تخضع لرغبات شخص قاتل مثل هذا وإن لم تفعل ستُعاقب وسيفعل بها ما يحلو له..

قال ببساطة واستلذ بنظراتها ناحيته وهو يعلم أن داخلها غل وحقد لا نهاية له ولكنها لا تستطيع فعل شيء أمامه:

-أنتي جيتي هنا وشوفتي اللي حصل علشان أنا عايز كده.. بلاش تتذاكي مرة تانية بقى 

لم يخرج منها كلمات وقفت فقط تنظر إليه ومازلت تحت تأثير الصدمة وعقلها يعيد عليها ما شاهدته به منذ قليل ويعيد تهديده لها بخصوص ابنتها وشقيقتها ويأتي بالنهاية ليصفعها ذلك الحيوان البشري!..

ابتسم وهو يترك رأسها ثم دفعها في كتفها للتقدم للذهاب معه إلى القصر مرة أخرى:

-يلا.. يلا أنتي هتصوريني 

سارت معه مغيبة عن الواقع تمامًا، فما حدث اليوم كان أكبر منها بكثير، لم تكن تتوقع أن تمر بذلك! ليتها استمعت إلى حديث "يونس" وابتعدت عن هنا ليتها كانت مدت يدها في بلاد الغربة ولم تأتي إلى هنا..

ولكن مستحيل أن توافق أن تكون خاضعه له، لن تكون زوجته لو كان السيف على رقبتها، لن تكون منفذ لرغباته ولن تبقى هنا لتتستر على جرائـ ـمة في حق البشر.. لن تصمت عنه، وعد منها إليه ستكون آخرته على يدها مهما طالت المدة ومهما فعل بها.. سيتلقى عذابه على يدها وسيكون عبره لكل قذر حقير مثله..

❈-❈-❈

سارت معه حتى وصلت إلى القصر بقلب يُفار خوفًا ورهبة مما رأته معه وما فعله بها وما يستطيع فعله أكثر، قدميها لم تكن تستطيع حملها لتسير عائدة ولكنها كانت تتحامل على نفسها حتى لا يرى ضعفها أكثر من ذلك وتكن تلك الفريسة السهلة المحاصرة بجبروته وقسوته..

كانت تنظر إليه في كل لحظة وما بعدها، تنظر إلى جانب وجهه وهو يسير بشموخ قاتل يرهبها أكثر وأكثر وكأنه لم يقوم بفعل شيء شنيع للغاية منذ قليل..

يرهبها كونه يسير حاد واثق من نفسه في وسط الجزيرة القاتـ ـلة تلك.. 

بعد ولوجه إلى داخل القصر معها دفعها بكف يده العريض من الخلف في الردهة لتتقدم بضع خطوات تسبقه أثر دفعته لها.. تنفست بعمق واستدارت تنظر إليه فاستمعت إلى حديثه:

-فكري في الكلام اللي قولته.. خروج من الجزيرة مش هيحصل يبقى أقعدي بالرضا مش بالغصب 

لا تدري كيف تتعامل معه الآن تريه ضراوة عنفها؟ أم تكون لينة سهلة بيده لتتمكن من الهرب؟:

-ولو مقعدتش ولا برضا ولا بغصب

سار بخطوات بطيئة يتحرك جوارها بمنتهى البرود والهدوء الذي يملكه إنسان وقال بصوت هادئ رخيم لم تعتاده منه:

-مش هتحصل.. مهما حاولتي مش هتحصل 

عاندته عائدة إلى عهدها السابق معه بعد أن استفزها بحديثه الواثق عن كونها لا تستطيع فعل شيء معه:

-أنا أقدر أعمل كتير 

ابتسم ناظرًا إليها بزاوية عينيه نظرة ساخرًا يُعطيها جانبه وتحدث مُشيرًا بيده بعنجهية:

-وأنا أقدر أعمل أكتر.. وأنا شايف إني مش محتاج أتكلم عن اللي أقدر أعمله لأنك شوفتي بنفسك 

أقتربت منه بعنف توضح له يقينها أنه لا يستطيع قتلـ ـهم:

-مش هتقدر تعملي حاجه زي اللي شوفتها ولا أنا ولا بنتي ولا حتى أختي 

تحركت شفتيه اتساعًا وهو يبتسم بشر متمكنًا منه ومن هدوءه:

-منا عارف، أنا أقدر أعمل الأسوأ منه 

استدار مُعتدلًا ينظر إليها من من أسفل قدميها إلى أعلاها ثم وقف أمام عينيها السوداء قائلًا مُعترفًا لها:

-تعرفي.. عمري ما حبيت الست العنيدة اللي شايفه نفسها زيك بس شكلي هحبها.. عاجبني جو إنك قادرة ده.. مشفتوش من زمان 

أكمل وهو يحرك شفتيه أكثر قائلًا بجدية:

-أصل أنا بحب الست الخاضعة اللي تقول حاضر ونعم وبس، تبقى مكسورة الجناح زي ما بيقولوا 

أقترب مُمسكًا بخصلة من خصلات شعرها المتناثرة على وجهها يعبث بها بين أصابعه يتابع تحت نظراتها:

-ولو متعدلتيش معايا يا غزال الله وكيل هكسرك مليون حتة وأجيب مناخيرك الأرض 

رفعت يدها بقوة دافعه يده بعيدًا عنها لتستقر جواره وصاحت بقوة غير قادرة على الصمود أمامه هادئة:

-معاش ولا كان اللي يكسرني يا ابن العامري.. ورحمة أخوك لتكون نهايتك على ايدي

استمعت إلى ضحكاته المُستفزة للغاية وصوته الذي يزعجها وهو يتهكم قائلًا:

-بعد ما أكسرك ولا قبل 

نظرت إليه للحظات دون أن تُجيب تضغط على فكها بقوة تود الإنفجار في وجهه لا تستطيع تحمله ولكنه مجنون للغاية لا تضمن ردة فعله، تفوهت بشراسة:

-أنت تافهه وجبان عارف ليه علشان لو كنت راجـ ـل بجد وكبير زي ما بتوهم نفسك مكنتش قتـ ـلت بدم بارد ولا حتى فكرت تكون تاجر ممنوعات 

مرر حديثها عن رجولـ ـته، لم يغضب ولم يثور عليها ولكنه تابع مُبتسمًا:

-عجباني..

ابتسمت إليه هي الأخرى متابعة مثله تعبر عن كم الاشمئزاز الذي تشعره نحوه:

-وأنا شيفاك حيوان 

سألها ناظرًا إليها يُتابع كل تعابير وجهها:

-وأنتي بقى عرفتي منين إني تاجر ممنوعات 

وضعت يدها الاثنين أمام صدرها تقف بصدده بقوة وشراسة وكأنه لم يجعلها ترتعب منذ قليل:

-فاكرني نايمة على وداني 

صاح بمنتهى اللا مبالاة وهو يضحك بصخب مُشفقًا عليها:

-الله وكيل ما حد أخرته جاية غيرك 

أكمل يسألها مرة أخرى وهو يعرف أنها لا تملك إجابة لهذا السؤال وما كان قبله أيضًا أنها فقط تشك به وبما يحدث من حولها.. وهو سيؤكد لها هذا الشك إن لم يكن أكده:

-وأنا بقى بتاجر في ايه بالظبط؟ طالما أنتي مش نايمة على ودانك 

حاولت المرور من جواره كي تصعد إلى الأعلى متغاضية عن سؤاله وحديثه معها ولكنه تحرك يقف أمامها مانعًا إياها من العبور فصاحت بشدة:

-اوعا خليني أطلع.. الكلام معاك خسارة 

ابتسم بتشفي وهو يقوم بالتمسك بخصلات شعرها مرة أخرى وكأنه يتوق للمسهم كل لحظة والأخرى، وهتف بكل أريحية وهدوء:

-ما تردي.. ولا مش عارفه، على العموم أنا تاجر سلاح بقولك معلومات أهو ببلاش وكمان بخليكي تتفرجي على أفلام أكشن حلوة 

نظرت إليه باستغراب شديد.. ورعب أكثر من السابق، تنظر إليه وهو يقف يعترف إليها بأنه تاجر للأسلحة بمنتهى الهدوء والسهولة في الحديث حتى أنه لا يخاف منها

لم تستطع الوقوف معه تكابر أكثر من ذلك، لم تستطع أن تمثل أنها تلك الشجاعة الرائعة التي لا يستطيع أحد أن يعكر صفوها أو يجعلها تشعر بالخوف والرهبة فصاحت سريعًا قبل أن تعلن استسلامها له:

-بقولك اوعا 

أبتعد من أمامها يفتح إليها الطريق للعبور، لكنه وقف يقول بقسوة ظهرت من خلال كلماته التي كانت تخرج كالأسهم لتصيب قلبها خوفًا ورعبًا فقط لأجل أنه يقولها بكل ثقة وهدوء:

-اتفضلي.. بس قبل ما تطلعي يا غزال عايز أقولك كل حاجه بتحصل هنا بمزاجي.. كلامي معاكي بعنف وقسوة في الجبل بمزاجي وكلامي هنا بالهدوء ده بمزاجي لو ضحكت بمزاجي ولو قتـ ـلت بمزاجي حتى الناس اللي على الجزيرة كلهم.. ماشيين بمزاجي متحاوليش تفهميني ولا تهربي مني هجيبك الأرض وهتندمي 

حركت عينيها على عينيه الخضراء الغريبة، عينيه التي أتضح لها أنها أكثر عيون شريرة رأتها بحياتها على الإطلاق، خرجت الكلمات من بين شفتيها دون وعي ولكنها في الحقيقة كانت تخرج من قلبها وليس شفتيها:

-اوعدك أنا اللي هندمك على كل حاجه عملتها حتى لو كانت كلمة 

أشار إليها على الطريق لتصعد إلى الأعلى هاتفًا بسخرية:

-مستني 

تابعته بنظرات عينيها السوداء وما بداخلها أكثر من شعور وغرابة، أكثر من صدمة وخوف فتخطت ذلك سريعًا وهي تبتعد عنه تصعد إلى الأعلى قبل أن تفقد أخر ذرة عقل وقوة بها وتقع أمامه باكية طالبة السماح والعفو مرة أخرى..

دلفت إلى الغرفة الخاصة بهم، تحركت عينيها على شقيقتها وطفلتها الصغيرة، تنهدت بعمق وعيناها معلقة بهم تحكي ألم كبير تحمله بداخلها، استدارت تنظر إلى باب الغرفة وأغلقته مُمسكة بالمفتاح تديره داخل المزلاج تغلق الباب عليهم من الداخل فقد خفق قلبها خوفًا ورعبًا ورأت عينيها أبشع الأشياء أمامها فلا يؤمن قلبها أنهم سيكونون بخير هنا..

تقدمت وجلست على الفراش تريح ظهرها إلى الخلف مُمددة قدميها بألم شديد وإرهاق يسير في جسدها بالكامل من تلك اللحظات السابقة الأليمة التي مرت عليها وجسدها لا يتحمل أن يقف شامخًا صلب أمام أحد او حتى أمام نفسها..

راحت عينيها تسير في الغرفة ثم تعلقت بشقيقتها وطفلتها النائمة جوارها كالملاك الصغير، تلهفت عينيها وهي تنظر إليهم بخوف ورهبة تسير داخلها تشعرها بأن الهروب من هنا هو الحل الأمثل ولكنه الأصعب على الإطلاق..

أتضح لها أن شكها به أصبح مؤكد، إنه رجل عصابات وتاجر للأسلحة، قـ ـاتل بشع ورجل قاسي عنيف..

يتوارى عن الأنظار هنا على هذه الجزيرة! يستخدم سلطته في كونه الحاكم هنا ويتحكم في الجميع خافيًا حقيقته عن العالم!

ولكن لحظة! عندما استمعت إلى الخادمة كانت قد قالت أن الناس هنا على الجزيرة يعلمون بما يفعله ويساعدونه أيضًا؟.. كيف؟ كيف يكون تاجر للأسلحة في وسط هؤلاء الناس ويقومون بمساعدته

كيف يشعرون بالأمان وهذا الرجل بينهم؟ كيف ينامون وهم في خطر طوال الوقت؟ كيف يتركون نسائهم وأطفالهم على هذه الجزيرة الملعونة بكل هذه الأريحية.. ألا يشعرون بالخوف؟

وكيف هو شقيق لـ "يونس" زوجها الرجـ ـل الخلوق المهذب الذي لا مثيل له؟ 

لقد منعها "يونس" عن الاختلاط به وكأنه كان يعلم ما الذي سيحدث لهم من بعده... 

أين هو الآن ليدافع عن زوجته وطفلته الصغيرة بعدما وقعوا في براثن ذئب لا يرحم..

استدارت بعينيها تسير في الغرفة وعقلها يُكاد ينفجر من كثرة التفكير فيما مرت به وما ستمر به أيضًا..

أهذا الرجـ ـل رجـ ـل قانون حقًا، يالا هذه السخافات من هذا رجـ ـل القانون إنه لا ينطبق عليه إلا أن يكون رجـ ـل عصابات.. قاتل متسلسل، ذئب بشري، صياد محترف.. كل هذه الألقاب تناسبه إلا أن يكون رجـ ـل قانون!.

منذ أن أتت إلى هنا في أول مرة وهي تراه غريب الأطوار.. لم تتعامل معه قط ولم تقترب منه أبدًا بسبب وجود زوجها الذي كان يحذرها دائمًا وبسبب أنه لم يكن يهمها في ذلك الحين 

ولكن الآن أصبح الإقتراب منه أشبه بالإقتراب من الموت الحتمي، وكأنها تتقدم من حافة الهاوية وهي تعلم أنها ستلقي بنفسها من أعلى قمة جبل وتدرك ذلك جيدًا.

اختنق صدرها وضاق على قلبها وهي تفكر في نكستها وكسرتها التي مرت بها أسفل يده القاسية، كيف لها أن تترجاه بكل سهولة وتبكي أمامه أن يتركها للرحيل! ولكن لم يكن هناك مفر آخر منه فهو كان كالوحش الكاسر.. كانت يده قد اتسخت بقـ ـتل أحد من قبلها بلحظات فما الذي كان سيفعله بها..

ما الذي ستفعله الآن!.. ما السبيل للتخلص من هذا العذاب؟ ألم تكتفي بما مر بها في الخارج لتأتي إلى هنا لتنال الأسوأ على يده؟

كيف ستجعله يتخلى عن فكرة الزواج بها، وكيف ستخرج من الجزيرة معافاة هي وشقيقتها وابنتها الصغيرة فهو نالها بين مخالبه وعلم كيف يسلخ جسدها وهي في أحضان عذابه..

لم تعتاد يومًا على الاستسلام ولن تعتاد عليه، لن تترك نفسها لقـ ـاتل مثل هذا، لن تدفن حياتها ومستقبلها بالزواج من رجـ ـل عصابات والعيش على جزيرة متوارية عن الأنظار هاربة من الأحكام بسبب ما يفعلوه عليها..

لن تظلم ابنتها وتجعلها تعيش مع هؤلاء البشر وترى ما يحدث بينهم وتنظر بعينها البريئة إلى عمها شقيق والدها وهو يدنس يده بدماء الأبرياء..

ستقاومه إلى آخر لحظة بحياتها وآخر نفس يخرج منها، ستظل ترفض كل ما يعرض عليها منه وستظل تعترض إلى أن ترحل ويتركها تبتعد..

ليس أمامها أي خيار غير أن ترفض عرضه بالزواج منها وتقاوم تهديده وخوفها اللعين على شقيقتها وابنتها.. أو ترضخ بعد أن يفعل ما هدد به 

وفي كلتا الحالتين لن تتركه ينعم بحياته ويسير بين الناس رافعًا رأسه عاليًا ينظر إليهم بتفاخر وشموخ وهو قاتـ ـل ورجل لا يؤتمن.. لن تتركه يستمر في فعل هذه الأشياء وستقلب هذه الجزيرة رأسا على عقب وسيكون هو أول المتضررين ولو بعد مئة عام..

وجدت طفلتها الصغيرة تقترب جوارها على الفراش تنام مُمسكة بها تحيط يديها الاثنين حولها تخفي وجهها بجسد والدتها ولكنها تحدثت بصوت ناعس:

-أنتي لسه منمتيش يا ماما

أومأت إليها للأمام برأسها ووضعت يدها اليمنى على جسدها تضمها إليها قائلة بهدوء بعد أن عادت إلى طبيعتها تاركة كل ما حدث خلف ظهرها من أجل ابنتها:

-هنام أهو يا وعد 

رفعت الصغيرة وجهها إليها مغمضة العينين والنوم يغلبها ثم قالت:

-تيته بتقولي إننا مش هنسافر تاني خالص يا ماما وهنفضل هنا على طول 

نظرت إليها وبادلتها بعينيها السوداء الحالكة ولكنها لم تقل شيء غير أنها سألتها بجدية: 

-أنتي عايزة ايه؟ نرجع ولا نفضل هنا 

أخفضت وجهها إلى جسد والدتها وشددت عليها بيدها وهتفت ببراءة وهي تغمض عينيها:

-نرجع أكيد ونبقى نيجي هنا كل إجازة نزور تيته علشان حبيتها أوي 

مرة أخرى أومأت لها برأسها ونظرت إليها لتجدها قد عادت إلى النوم مرة أخرى، احتضنتها بشدة وقبلت أعلى رأسها وهي تشعر أن ما كانت تحمله لأجلهم في الخارج كان لا يساوي أي شيء أمام ما تحمله الآن هنا في وسط أهل زوجها..

نيران ملتهبة تشتعل داخل صدرها تحرق الأخضر واليابس به تشعرها بأن الهروب من الجزيرة عبر المياة هو الحل الأمثل لتخمد نيران صدرها بعد توهج الحريق المشتعل..

❈-❈-❈

أقتربت من السور خلف القصر حيث يقل هناك عدد الحراس ويختفي من يريد الاختفاء عن الأنظار في تلك المنطقة حيث ينحصر بين السور وحوائط القصر والأسلاك الذي تعيق عبور أي أحد..

واختفت تمامًا عن أعين الكاميرات بعد أن خرجت للخلف من الباب الخلفي الموجود بالمطبخ الأرضي..

وقفت قبالته تتغنج وتتمايل بجسدها وهي تستمع إلى حديثه الذي يخرج بلهفه ماكرة:

-وحشتيني.. كل ده مش عارف أقرب منك

وضعت يدها بجانب خصرها ترفع حاجبها الأيمن للأعلى تنظر إليه بسخط:

-وتقرب مني ليه منا شيفاك بعيوني دول وأنت عينك هتطلع عليها وتتخلع كمان 

ضيق ما بين حاجبيه بجدية يتابع نظراتها نحوه مُتسائلّا:

-هي مين دي 

اشاجت بيدها بهمجية وهي تصيح به بصوت عالي سرعان ما اخفضته:

-أنت هتستهبل.. أخت زينة الست إسراء

أدرك بعد حديثها سبب خروجه من فمها، فصاح يقترب واضعًا يده على ذراعها ينظر إليها برغبة قاتلة خبيثة:

-أنتي هبلة يا فرح إسراء مين دي اللي ابصلها اومال أنتي ايه بطلي هبل دا أنتي الأصل والحب كله 

دفعت يده من على ذراعها وتلوت أمامه وهي تكذب حديثه قائلة بضيق وانزعاج:

-كداب شيفاك بعيوني دول واقف معاها وعايز تفتح كلام وعينك هتخرج بره وتنط جوا هدومها 

أقترب منها يغمز بعينيه تنفرج شفتيه بابتسامة واسعة يبدو عليها اللؤم ولكنها تتغاضى عن ذلك:

-دي عيلة.. إنما أنتي قلبي من جوا وبعدين وحياتك عندي ما بصتلها 

تابعته بتمعن ونظرات عينيها تخترق تعابيره وتفوهت قائلة بخبث يماثله:

-ما بلاش كدب البت حلوة بردو 

عاد للخلف يرفع يده الاثنين لأعلى مؤكدًا على حديثها وهو يبتسم بلا مبالاة وبرود:

-الصراحة آه هي حلوة وزي القمر ومنزلش منها الجزيرة اتنين

وجدها اعتدلت في وقفتها التي تتغنج بها أمامه ووقفت مستقيمة بعد أن تغيرت ملامح وجهها الجدية والضيق الذي بدا عليها بوضوح فصاح سريعًا يصحح ما قاله لها يتلوى في الحديث معها:

-بس بردو أنتي اللي في القلب.. لما القلب يشوف العين تعمى 

ضيقت عينيها عليه وهي تعلم أنه كاذب وأردفت تكمل على حديثه ببغض:

-يالهوي على كدبك اللي ملوش آخر

ابتسم ببرود وتابع بعينيه جسدها من الأعلى إلى الأسفل وتطاولت يده ومدها ناحيتها في منطقة محظورة يهتف:

-سيبك من كدبي.. وحشتيني أوي أوي

ابتسمت متغاضية عن كل ما تم بينهم من حديث لاذع يعذب القلوب العاشقة ولكنهم كانوا قلبين لاثنين لا تحركهم إلا رغبتهم:

-وأنت كمان وحشتني 

صاح بضيق وانزعاج ظهر في حديثه وهو يسير بيده على جسدها دون خجل:

-طب ايه مش هنتقابل بره ولا ايه أنا زهقت إحنا عاملين زي الحرامية اومال لو مش متجوزين يا فرح 

أجابته بجدية تشرح له الأمر كيف يتم مع والدتها بصعوبة:

-أنت عارف اللي فيها أخرج أنا بأي حجه تقدر تقولي؟ أمي بتعمل تحقيق قبل ما أطلع من بوابة القصر ولو قولت رايحه عند حد من صحابي بتكلمني هناك تسأل عني ده غير الحرس اللي يلازمني

أبتعد بيده ونظر إليها بجدية مُتسائلًا:

-شاكه فيكي ولا ايه 

أومأت إليه بالنفي قائلة بدلال وصوت ناعم خافت:

-لأ خايفة عليا 

أقترب مرة أخرى وتحدث وهو يعود بخصلات شعرها المتطايرة من حجابها للخلف:

-طب وبعدين وحشتيني أوي وأنا بصراحة بقى مش قادر استحمل 

تفوهت بالحديث مرة أخرى بدلال أكثر من السابق تتمايل أمامه وهي في الأساس تقف لا تتحرك:

-لأ استحمل شوية كمان بس واوعدك نتقابل في أقرب وقت 

تحدث بجدية:

-أما نشوف.. قوليلي مافيش جديد عندكم 

سألته باستفهام لتستطيع الإجابة عليه:

-جديد زي ايه 

أشار بعينيه ناحية القصر وشفتيه تتحرك مُستفهمة عن زوجة شقيقها الراحل:

-مرات أخوكي 

صاحت بجدية شديدة وهي تقص عليه سبب قدومها إلى هنا:

-أسكت مش طلعت جاية تاخد الميراث بتاعها هي وبنتها أنا قولت بردو الجية دي وراها حاجه مش معقول جاية تزورنا 

عاد للخلف خطوة ووقف مُستقيمّا أمامها وتحدث بجدية مثلها:

-وهتاخد؟

لعبت بأصابع يدها في حجابها المتدلي أمام صدرها وأجابته تلوي شفتيها بفتور:

-شكلها كده لأ جبل حطها في دماغه وعايز يتجوزها

استنكر ما تقوله بشدة فصاح يقترب منها:

-بتقولي ايه 

أكملت بجدية شديدة متأكدة من حديثها تقصه عليه بوضوح دون خوف أو عدم ثقة:

-زي ما بقولك والله ومحدش يعرف أنا سمعتهم وهما بيتخانقوا ومش موافقة تتجوزه قالتلهم عايزة تمشي من الجزيرة وجبل مش موافق 

حرك رأسه مستنكرًا باندهاش يقول بغرابة ومكر:

-أخوكي ده شيطان 

ابتسمت ساخرة من حديثه تكمل عليه قائلة بتهكم واضح:

-وأنت ايه يا حلو ما أنت زيه ونسخة منه..

أومأ إليها ضاحكًا:

-معاكي حق بردو 

أقترب منها يدفعها للخلف لتستند على الحائط وتقدم ليلتصق بها لا يفصل بينهم أي مسافات، مقبلًا إياها ويده تسير على جسدها في الخفاء تحت أعين القمر والنجوم والبشر غافلين عما يفعله الظالمين الذين تحركهم رغباتهم وتلك النشوة القابعة داخل قلوبهم وعقولهم، تحركهم بأي إتجاة وفي أي طريق باحثين عن طريق الحرام وإن كان أمامهم الحلال والنور تكاسلوا ليبحثون عن الظلام الدامس بعيد عن الأعين والألسنة لتتكوم السيئات فوق بعضها البعض ويتجمع العذاب إلى يوم الحساب..

كانت "إسراء" قلقت في نومها فاستيقظت وبقيت قليل من الوقت في الغرفة منها إلى الشرفة ولم تجد فائدة في جلوسها وحدها وهي ترى شقيقتها وطفلتها الصغيرة تنام بين ذراعيها ينعمون بالأحلام سويًا... 

هبطت إلى الأسفل وخرجت إلى الحديقة وفي يدها الهاتف المحمول الخاص بها، جلست قليلًا تحاول الوصول إلى شبكة الإنترنت هنا ولكن لا فائدة

نفخت الهواء من فمها بملل قابعة داخله العصبية بسبب عدم توافر أي شيء تريده هنا، نظرت إلى اليمين واليسار تتابع الحراس الذين باتوا يعرفونها وباتت تشعر بالأمان قليلًا فلا حرج أن تجولت في الحديقة ولا خوف.. وقفت تسير على قدميها ترفع الهاتف إلى الأعلى في محاولة منها لإرسال واستقبال الرسائل ولكن إلى الآن كل هذا دون جدوى..

وصلت إلى الخلف ووقفت جوار حائط القصر في الناحية اليسرى تنفخ الهواء مرة أخرى بعصبية وصاحت قائلة بصوت عالي:

-يوه ايه المكان ده بس ياربي معقوله حتى الشبكة مش موجودة..

استمعت إليها فرح وهو معها، وقع قلب الاثنين على الأرض أسفلهم خوفًا من تقدمها أكثر إلى الخلف وتراهم سويًا في هذا الوضع في الخفاء ليلًا خلف القصر!..

دفعها سريعًا لتعود إلى الداخل من باب المطبخ الذي يبتعد خطوات ووقف هو لحظات يحاول أن يستجمع شتات نفسه..

استدارت "إسراء" مرة أخرى مقررة العودة ومحاولة النوم.. ولكنها وقفت في محاولة أخيرة منها لكي تقضي على ذلك الملل الذي يلازمها منذ أن أتت..

وجدت من يضع يده أعلى كتفها من الخلف يهتف بصوته الرجولي المميز:

-بتعملي ايه هنا؟

استدارت بجسدها وعينيها تنظر إليه متفوهه باسمه برقة وعفوية:

-عاصم!

الفصل السادس
"أتى المستحيل الذي هددها به، لازت بالفرار وانتهت روايتها مع عائلة العامري"

نظر إلى عيونها الزرقاء وتابع بعينيه هو البحث في ملامحها، النظر إلى شفتيها التي هتفت اسمه برقة لا مثيل لها وكأنه قطعة من قماش الحرير لمسه الهواء والهوى بكل رقة ونعومة..

أومأ إليها برأسه للأمام يؤكد أنه هو:

-آه عاصم

وجدها تنظر إليه ببلاهة ولم تتحدث فأردف مرة أخرى يسألها:

-بتعملي ايه هنا دلوقتي 

نظرت إلى الهاتف بيدها ثم إليه وتحدثت بصوتٍ خافت والملل يتأكل منها:

-أصل بصراحة الدنيا ملل أوي هنا والجزيرة مافيش فيها شبكة نزلت اتمشى في الجنينة أحاول أجمع شبكة 

ابتسم وهو يتابع ملامحها المُنزعجة وكأنها طفلة فاقدة أصدقائها الذي تلعب معهم، قال بجدية:

-الجزيرة فيها شبكة في كل مكان على فكرة اومال احنا بنتكلم إزاي

أكملت بعد حديثه موضحه له مقصدها وهي ترفع الهاتف أمامه:

-أقصد شبكة نت 

أقترب خطوة بقدميه فأصبح جسده العريض أمامها يخفيها لمن نظر من خلفه:

-فيها كمان شبكة نت تحبي افتحهالك؟

نظرت إليه بسعادة مُتسائلة عن صحة حديثه:

-بجد؟ ياريت أوي

أومأ إليها برأسه للأمام يهتف بصوته الرجولي المميز بالنسبة إليها بهدوء:

-حاضر 

نظر حوله في الظلام الدامس في هذه المنطقة المتوارية عن بوابة القصر والقصر نفسه والحرس جميعًا وقال لها بجدية بعد أن استقر بعيونه عليها من جديد:

-متبقيش تنزلي تحت في وقت متأخر كده 

رفعت أحد حاجبيها الشقراء وتركزت بعينيها عليه تسائلة باستفهام:

-ليه؟

ضحك واتسعت شفتيه تبتعد عن بعضها ظاهرة من خلفها أسنانه وفي رأسه أشياء عديدة يعبث بها ليست هي من تعبث به:

-لمصلحتك 

حركت رأسها بخفة وهي تنظر إليه لا تستوعب حديثه:

-مش فاهمه 

ابتسم أكثر وهو يتابعها قائلًا بجدية:

-أحسن بردو إنك مش فاهمه.. شكلنا هنبقى صحاب أوي

مرة أخرى تسأله بدون فيهم:

-اشمعنى 

تحدث بغرور وعنجهية وهو يقترب منها برأسه قائلًا:

-أصلي بحب العلاقة اللي أبقى أنا بس اللي فاهم فيها 

ضيقت عينيها الزرقاء عليه واستنكرته وهي تهتف:

-مُتكبر!

ضحك هذه المرة بصوت مرتفع ينظر إليها وإلى تعابير وجهها الذي تثبت إليه في كل حركة منها أنها طفلة وليست فتاة ناضجة كما تدعي فتراجع عن حديثه قائلّا:

-ياستي بهزر معاكي 

نظرت إليه للحظات وهي تستنكر ما يفعله بحديثه أو حركاته التي تصدر عنه أردفت بجدية وهي تبتعد للخلف:

-طيب عن اذنك بقى 

تمسك بيدها سريعًا قبل أن ترحل وتسائل بلهفة غريبة عليه:

-رايحه فين 

نظرت إليه وإلى يده التي تمسك بيدها فتنحنح هو وابتعد للخلف تاركًا إياها، فأجابته قائلة بجدية وهي تنظر إليه بعبث:

-طالعه.. مش قولتلي بلاش أنزل في وقت متأخر 

استنكر ما فعله وتلك اللهفة الغريبة التي تأتي منه إليها هي فقط دون الجميع، ولكنه يستطيع تفسير ذلك جيدًا، أردف بسخرية:

-وأنتي مطيعة أوي كده

وجدها تنظر إليه باستغراب لم تجيب عليه ولم تبدي أي ردة فعل على حديثه وكأنها تقف مستغربة للغاية مما يفعل ومما يقول فتابع مرة أخرى باقتراح:

-مافيش مانع نفضل مع بعض شوية.. أضيعلك الملل وتعملي صحاب ولا ايه 

فكرت للحظة في حديثه فهو محق للغاية، أنها تحتاج لتكوين صداقات، لا الحقيقية هي لا نحتاج لذلك ولكن الهوى يلقيها عليه لتستكشف ما به ذلك الرجل العملاق:

-عندك حق 

أشار إليها بيده ناحية الحديقة في الأمام عند القصر أمام الجميع من الحرس وغيرهم:

-طيب تعالي نقعد.. تعالي

سار معها ليجلسوا سويًا وهي جواره، تسير بخجل وفراشات معدتها تعبث بها في الداخل لأجل تلك الفكرة الغبية التي وافقت عليها.. كيف تجلس معه وتتحدث وتنظر إليه وهو يباغتها بنظراته الجريئة الحرة!.

من الأعلى رصدتهم فرح من داخل شرفتها بعيون تشتعل بالغضب والبغض الشديد تجاه "عاصم" الغبي الذي يسير خلف جمالها ورقتها المصطنعة وتلك الفتاة الغبية التي تدعي الخجل مع الجميع وتزداد به معه وتتصرف كأنها طفلة في الثامنة من عمرها كابنة شقيقتها..

ظلت تنظر من الأعلى بغضب يشتعل داخلها يجعلها تتحرك في الشرفة بعنف وضراوة غير قادرة على المكوث في مكانها لحظة فقد نشبت النيران داخلها بسبب غيرتها من تلك الغبية الماكرة المتصنعة..

ظلت تأتي من بداية الشرفة إلى نهايتها وعينيها عليهم بعد أن جلسوا وأصبح "عاصم" جوارها يعطيها وجهه وجسده بالكامل يسترسل معها في الحديث وهي ترد عليه بخجل تارة وبغضب تارة والآن ضاحكة!..

جعلها تضحك بصخب تضع يدها على فمها لتكتم ضحكاتها بعد أن استمع إليها الحرس في محيطهم ونظرت بخجل بعد تلك الفعلة المباغتة..

يا لك من فتاة غبية وضيعة سارقة، لقد سرقته بتلك الرقة المصطنعة والخجل الكاذب، خدعته بجمالها الغير طبيعي وسرقته في لحظات وهو كان كالغبي..

رجل كأي رجل غبي يرمي بشباكه وأحباله إلى أي فتاة جميلة تمر من جواره وقد كان معها، يا الله تعابيره غير مسبوق لها أن تراها..

أنه يتحدث بود، ينظر إليها بهدوء ويتودد إليها!، يتابع عيناها الزرقاء ويدقق في ملامحها بهيام وانسجام خالص لها..

يا لك من ماكر يا "عاصم" يا لك من ماكر مخادع غبي.. 

ضربت بقبضة يدها على سور الشرفة وهي تتابع ما يحدث بينهم وفي لحظة رفعت الهاتف من على المقعد بينهم وفتحته لتوريه به شيئًا فاقترب منها وهي تشير بإصبع يدها على الهاتف وتضحك بصخب؟!

متى تعرفت عليه إلى هذه الدرجة متى! لا أنها من فتيات المدينة لا تحتاج لوقت حتى تتعرف عليه فقط يلقي عليها سلام الله فتلقي عليه شباك الخبث الضارية...

رفع "عاصم" وجهه إلى الأعلى بعفوية والإبتسامة مُرتسمة عليه ليقابل وجهها، نظرات عينيها الحمراء الغاضبة وملامح وجهها بالكامل التي تجعلها تبدو مخيفة وهي تنظر إليهم بهذه الطريقة الغريبة..

نظر إليها لحظة والأخرى اعتقادًا منه أنها ستدلف للداخل أو يصدر منها أي ردة فعل فقط خجلًا من نظراته نحوها ولكنها كما هي فتاة مغرورة، متكبرة عليه وعلى الجميع.. والأهم من كل هذا لا تخطئ وكأنها قديسة لا تعرف طريق للخطأ..

أبعد عينه مرة أخرى وعاد بها إلى "إسراء" الماكثة جواره ولم تلاحظ نظرات عينيه المرتفعة للأعلى بسبب انشغالها بهاتفها بعد أن قام هو بفتح شبكة الإنترنت داخله كي يساعدها أو يقتصر الطريق إليها قليلًا ويصبح صديقها جديًا وبعد ذلك يتسلل للأكثر من هذا..

في الناحية الأخرى وقف جلال على أعتاب غرفة الحرس الصغيرة بجوار بوابة القصر، نظر إلى "عاصم" و"إسراء" الفتاة الجميلة، فاتنة الجمال التي ليس هناك مثلها على الجزيرة وكأنها من أصول أوروبية أتت إليهم ليتأملوا في جمالها..

تمتم بينه وبين نفسه بغيظ وسخرية:

-طول عمرك واقع واقف يا عاصم يا ابن المحظوظة 

أبتعد بعينه إلى الأخرى التي تقف في الشرفة عيناها ستنقلع من مكانها عليه وقلبها سينقبض منها بسبب شدة النيران المشتعلة به من غيرتها التي أخذتها في صميم قلبها بسبب "إسراء" وجمالها الخلاب الذي لم تراه في حياتها..

تموت على "عاصم" يعلم ذلك جيدًا وهي تُجيد المكر والخبث، ونقل الحديث من مكان إلى آخر، ابتسم بسخرية أكثر وهو يتابعها ويراها تود لو تلقي نفسها من الشرفة كي تصل أسرع إلى الأسفل وتقوم بجذب خصلات تلك المسكينة من مكانها..

نظرت إليه من الأعلى فتابع يدقق داخل عينيها من على بعد مسافة ثم غمز بعينه اليسرى بغرور فنظرت إليه بضيق وانزعاج وضربت مرة أخرى على سور الشرفة ثم استدارت تدلف إلى الداخل مرة أخرى دافعة الباب من خلفها بقوة ليصدر صوتًا استمع إليه كل منهم..

❈-❈-❈

مر يومين آخرين غير الأيام الذي مرت عليهم منذ أن أتوا إلى الجزيرة، وفي اثنائهم لم تكن تحسن التدبير ولا التفكير ولا تعرف ما الذي ستفعله معه ولا حتى كيفية الهروب من الجزيرة.. أو بالأحرى القصر فهو الخطوة الأولى للهرب..

ولكن ما توصلت إليه مع نفسها أنها إن خرجت من هنا وابتعدت عن الجزيرة ومن بها ستلقي بهم جميعًا خلف ظهرها وأولهم "جبل العامري" وستلقي تهديدها له خلف ظهرها معه لأنه للحق لن تكون قادرة على مواجهته..

ولكن أن بقيت هنا وهذا من رابع المستحيلات فلن تكن نهايته إلا على يدها وهذا وعد منها، وعد من إمرأة حرة ليست للترويض وإن كانت فلن تكن امرأة تروضت على يده..

ابتعدت عنه تمامًا في هذان اليومان، لم تكن تتقابل مع وجهه إلا بالصدفة البحتة فهي لم تكن مستعدة أن تتقابل مع رجل قاتـ ـل مثله وتلطخ نفسها وعينيها بالنظر إليه أو تجعل لسانها يتسخ ويدنس بالحديث معه.. قللت كل شيء تشاركه معه إن كان حديث أو نظرات أو طعام.. رجل مثل هذا لا يشاركه أفعاله إلا الشياطين مثله 

بقيٰ خوفها الأكبر على شقيقتها وابنتها الصغيرة، كيف ستهرب بهم وإن لم يكن فكيف ستجعل حياتهم هنا!..

تراقص الخوف على أعتاب قلبها، ولكن زجره الكبرياء مُعلنًا نصرها وبين هذا وذاك لم يحسن التدبير عقلها ففقدت نفسها بينهم وتشتت تفكيرها وبقيت سجينة جبل العامري غير راضية عن قدرها..

بينما هو ترك لها الفرصة في التفكير والإختيار على الرغم من أنه يعلم ما الذي سيحدث بالنهاية..

ترك نظرات عينيه المخيفة تعبث بها كلما وقعت عليها، يستشعر دقات قلبها العالية كلما تقابلت تلك النظرات، فيبتسم بخبث وقسوة لأجل إشعال الخوف والرهبة داخلها مسببة ارتعاش لجسدها كلما رأته..

إلى الآن هو صامت وتركها الأيام الماضية مبتعدًا عنها سامحًا لها بالفرار منه وهو على علم أن الأيام القادمة ستكون على عكس السابقة عندما يكون مقرها داخل غرفته..

دقت على باب الغرفة بيدها بقوة تحاول أن ترسل له من خلالها أنها ليست ضعيفة هشة.. فتحت لها الباب والدته فولجت للداخل بهدوء وجدية رافعة رأسها للأعلى بشموخ تدلف بثبات تقول من عبر نظراتها وحركاتها المحسوبة أنها قوية للغاية.. وما كان في الداخل سوى الخوف 

أغلقت والدته الباب بعد أن دلفت هي وسارت خلفها للداخل وهو يقف بجوار الفراش يستند على العمود بذراعه..

أشارت لها والدته أن تجلس على الأريكة ولكنها رفضت قائلة بجدية:

-اتفضلي أنتي يا طنط.. خير 

جلست "نجية" على الأريكة أمامهم وبقيت الأخرى واقفة على قدميها تبعث إليه النظرات المشمئزة ولكنه بادلها بالبرودة التام

تحدثت والدته بكل جدية وهدوء وهي تنظر إلى "زينة" تسألها:

-ها يا زينة قوليلنا قرارك.. موافقة تتجوزي جبل

رفعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت بزاوية جسدها تنظر إلى البعيد قائلة بضيق:

-لأ مش موافقة 

ضيقت والدته عينيها عليها وحاولت أن تتحدث بعقلانية معها على الرغم من أنها تدرك أن رفضها قاطع:

-ليه كده يا زينة فكري في مصلحة بتك

هبطت بيدها من أمام صدرها وصدح صوتها تنفي ما تقوله بعنف:

-مصلحة بنتي أنها تمشي من هنا وامبارح قبل النهاردة 

أجابت الأخرى بفتور وهدوء تريها الحقائق التي تغاضت عنها:

-ليه؟ هنا كل حاجه بتاعتها وكل حاجه هتبقى تحت رجليها ورجليكي أنتي كمان 

تسائلت "زينة" بسخرية وبلهجة متهكمة ساخطة:

-هنا فين؟ في جزيرة وسط الميه محدش يعرف عنها حاجه؟ في مكان مليان سلاح واللي حاكمه تاجر سلاح؟ إحنا لو موتنا محدش هيدري بينا 

وقفت سريعًا بعدما استمعت إلى حديثها الذي كشف كل شيء يحدث على الجزيرة وأردفت بذهول:

-أنتي جبتي الكلام ده منين

أشارت إلى "جبل" بيدها متحدثة بانفعال وعصبية:

-اسألي ابنك.. ولا هو مقالكيش إني عرفت كل حاجه؟ مقالكيش إني شوفته بعيني وهو بيقتل؟

استدارت إليه والدته تنظر إليه باستنكار شديد لما تقوله "زينة" فهي إن كانت رافضة مرة قبل أن تعلم بكل ذلك الآن ستكون رافضة ألف مرة.. نطقت اسمه بذهول:

-جبل!..

أبتعد هو عن العمود وتخلى عن الصمت الذى تحلى به بينهم، نظر إليها بجدية وجمود قائلًا:

-ده شيء كويس علشان تبقى عارفه هي بتتعامل مع مين 

استنكرت حديثه متهكمة عليه بسخرية لاذعة قائلة بضجر وانزعاج:

-هكون بتعامل مع مين يعني؟ واحد قـ ـاتل وتاجر سلاح يعني راجل عصابات 

ابتسم إليها بكل عنجهبة وبرود وقال بثقة وتأكيد:

-بالظبط.. الكلمتين اللي قولتيهم بكل بساطة دول كان المفروض تفكري فيهم بعقلك أكتر من كده

لوت شفتيها ببرود واختناق في ذات الوقت من حديثه وسألته:

-ولو مفكرتش؟

أجاب بصرامة وقوة:

-هتخسري 

تركته ونظرت إلى والدته عندما علمت أنه سيقوم بتكرار حديثه مرة أخرى وهي سئمت من الاستماع إليه فقالت بجدية:

-اسمعي لو سمحتي بقى.. أنا مش محبوسة هنا أنا عايزة أمشي ومع بنتي وأختي

تابعت النظر إليها بعمق تتحدث بكل جدية وقوة توضح لهم أنها ليست غبية:

-لما جيت مفكرتش إن ده هيحصل عارفين ليه؟ علشان يونس لما مات من خمس سنين مافيش حد فيكم فكر بس أنه يسأل على وعد اللي الكل دلوقتي عايزها أنا فاهمه كل واحد فيكم عايز ايه 

تركتها وذهبت بعينيها إليه تُكمل ما بدأته بشراسة وعنف:

-اللي في دماغك مش هتاخده مني مهما حصل إلا على جثتي.. والميراث مش عايزاه خلاص، حتى الشنط اللي جينا بيها مش عايزاها عايزة نخرج من هنا وبس أظن كده أنا اتخليت عن كل حاجه ليكم 

وكأنه لم يستمع إلى أي من حديثها تقدم للأمام وقال ببرود ولا مبالاة بها:

-حلو نكتب الكتاب الخميس الجاي 

صاحت بغضب وهي تتقدم ناحيته خطوة تشيح بيدها بعصبية وانفعال:

-أنت مجنون بقولك مش موافقة ومش عايزة منكم حاجه خلاص لا ميراث ولا غيره خليهولكم

أكمل بنفس البرود واللا مبالاة وهو ينظر إليها مُبتسمًا باستفزاز:

-إحنا بقى عايزين.. وعد العامري.. وزينة العامري 

وقفت قبالته بشموخ وعزة أردفت بثقة ووضوح وهي تعني كل كلماتها:

-أنا إسمي زينة مختار ووعد اسمها وعد يونس العامري إحنا الاتنين مننتميش ليك ولو ننتمي هنتبرى منك 

استفزها أكثر وهو يردد حديثه مرة أخرى:

-يبقى على خيرة الله كتبت الكتاب الخميس الجاي 

صرخت به بعصبية وجنون منفعلة للغاية:

-أنت عايز تجنني ايه الاستهبال ده أنا بقولك مش موافقة 

نظر إليها هو مُبتسمًا باتساع وهو يراها ستجن بسبب حديثه فقط.. مظهرها رائع للغاية ستكون حياته معها مُسلية أكثر من هذا الملل الذي يشعر به واللعب معها سيجعله يتحمس أكثر فـ إلى اليوم لم يستطع أحد التغلب عليه.. هل هذا الغزال هو من سيتغلب!

أقتربت منها والدته وقالت بهدوء:

-فكري تاني يا زينة ده كله لمصلحتكم

نفت حديثها وأكدت بقسوة وهي تجيبها بحدة:

-مصلحتكم انتوا.. وخوف البيه من إني أبلغ عنه

نظر إليها بعينيه المخيفة ثم استمعت إلى ضحكاته العالية التي طالعتها بغرابة وهتف بسخرية:

-لأ بلغي.. تحبي اوصلك المديرية

نظرت إليه مُطولًا وحقًا لم تعد تدري أهو مجنون أو مختل أو أنه قاسي قاتـ ـل أم أنه رجل عادي غريب يبتسم ويضحك بسخرية! ولكن ما تعرفه أنها عليها الانتقام منه قبل الابتعاد عنه 

ظلت تتابعه بعينيها بشراسة وخرجت الكلمات من بين شفتيها بحدة وتهديد واضح له:

-اسمعوا أنا مش موافقة وعلى جثتي إني اتجوزك وأنا سبق وحذرتك بس أنت مهتمتش بكلامي.. قابل بقى 

انتهت من تهديدها وهو ينظر إليها بلا مبالاة وتقليل شديد منها وكأنها غزالة تحاول وتحاول ثم عندما يأتي الصياد تقع فريسة من أول محاولة.. ثم بعد ذلك النظر أكمل على نفس الوضع:

-قولتلك قبل كده مستني 

نظرت إليه بسخط وكره شديد وملامح وجهها ممتعضة للغاية ثم استدارت واتجهت إلى الباب دون اي حديث آخر وعقلها يحثها على إنهاء كل شيء الليلة، جذبت الباب من خلفها بعد أن خرجت بعنف وقوة أصدر صوت ينم عن غضبها منهم..

اتجهت والدته إليه وتسائلت باستغراب:

-زينة شافتك إزاي وأنت بتقـ ـتل وعرفت منين إنك تاجر سلاح 

أجابها بهدوء وبساطة وعينه مازالت على باب الغرفة وعقله مع تلك الغزالة التي خرجت..

-شافتني في الجبل وأنا اللي قولتلها إني تاجر سلاح 

صرخت عليه والدته بقوة:

-اتجننت.. افرض مشيت توديك في شربة ميه 

أخذت الكلمة انتباهه فنظر إلى والدته وابتسم قائلًا:

-مش هتمشي

هدأت قليلًا ونظرت إليه برفق ثم قالت متسائلة وهي على علم مسبق بالإجابة:

-ايه دخلت مزاجك 

أومأ إليها برأسه وأكملت شفتاه بتأكيد:

-آه.. دخلته ومش هسيبها تمشي 

سألته باستياء:

-هي من البداية مش موافقة تفتكر هتوافق بعد ما عرفت بكل ده؟ 

أومأ إليها مرة أخرى بتأكيد:

-هتوافق

قالت والدته بصوت جاد ونظرة واثقة:

-الطريقة غلط.. افتكر إني قولتلك، مش هي اللي تيجي كده

اتجهت هي الأخرى إلى باب الغرفة وخرجت منه وتركته وحده في الداخل يتذكر كل موقف مر عليه معها وهي تقف به أمامه تتابع بنظرات عينيها الواثقة وحركاتها الشرسة.. يتذكر كلماتها وعنفوانها الواثق من كل كلمة تخرج منها وكأنها ستفعلها لا محال وحتى لو كان السيف على رقبتها..

يا لها من إمرأة صعبة تحتاج إلى الترويض، كيف عاشرها شقيقة وهي بهذا الطبع؟ كيف كان رجل وهو معه امرأة كالرجل في كل شيء إلا مظهرها.. وكيف يشعر الرجل بأنه رجل إلا عندما يفرض سيطرته على امرأته ويكن هو بالنسبة إليها الرجل والبيت والأمن والأمان.. ويكن مالكها وكل ما تملكه.. فتجعله محور حياتها والأمر الناهي لها.. كيف كان يعيش مع هذه وهي بكل هذا التكبر والغرور، امرأة "قادرة" أمام نفسها؟..

ستكون امرأته وستتروض على يده، سيجعلها كما يشاء وكما يحب إن كان بالرضا أو.. بالقسوة فلا مجال هنا للحب..

❈-❈-❈

خرجت الصغيرة "وعد" من غرفة الصالون ركضًا وخلفها خالتها "إسراء" تركض قائلة بصوت مرتفع وهي تضحك بصخب:

-هاتي الموبايل والله ما هسيبك 

سارت الأخرى وأبتعدت وصوت ضحكاتها البريئة يرتفع معها مثل الأخرى:

-لأ.. مش هتاخديه

بينما وهي تخرج من الغرفة خلفها تركض ضاحكة اصطدمت بـ "فرح" بقوة حيث أن الأخرى كانت تدلف إلى الصالون..

وقفت "فرح" تصرخ بعصبية وغضب:

-مش تحاسبي أنتي عميا

أجابتها "إسراء" بتروي وهدوء كي تمتص غضبها الظاهر عليها دون سبب واضح:

-مشوفتكيش 

تهكمت الأخرى عليها وصاحت بسخرية وهي تنظر إليها ببعض وكراهية شديدة:

-يبقى عميا بقى 

حركت "إسراء" رأسها بنفي وقالت بجدية:

-لأ مش عامية 

نظرت إليها "فرح" بشر وعنف ووجدت أن الفرصة المناسبة للنيل منها حتى ولو ببضع كلمات تبرد نار قلبها قد أتت:

-يبقى قاصدة تعملي كده 

حركت كتفيها بهدوء وبساطة ونظرت إليها بعينيها رائعة الجمال ذات اللون الأزرق الساحر قائلة برقة وهدوء:

-لأ أكيد مش قاصدة أنا خارجة بجري وأنتي داخله من جنب الباب مشوفتكيش 

رفعت "فرح" يدها تشيح بها بعصبية وغضب عارم وهي تنظر إلى جمالها ورقتها التي تخرج منها بعفوية:

-هو أنتي كمان هتقفي تبجحي 

أجابتها باستغراب ونظرتها نحوها غريبة وكأنها تحدث نفسها بأنها مجنونة:

-أنا مبجحتش أنا بقولك اللي حصل

صدح صوت الأخرى أكثر وأعلى وهي توبخها دون سبب:

-أنتي هتقلبي القصر ملاهي طول النهار لعب وتنطيط ما تبصي لطولك 

أكملت والنيران تنهش داخل قلبها من شدة الغيرة وضراوة الحقد:

-بالنهار لعب في القصر وبالليل سهر مع الحرس في الجنينة 

نفت قولها بنفس الهدوء الذي هي عليه:

-أنا مش بسهر مع حد 

عارضتها وهي تفشي بالحديث بصوت عالي لعل هناك أحد يستمع إليها:

-لأ بتسهري أنا شيفاكي بعيوني وأنتي قاعدة مع عاصم 

تذكرت "إسراء" ذلك وأتى على خلدها تلك اللحظات والحديث الهامس الجاد الحاني العنيف بينهم، وتلك المشاعر المتخبطة وهوجتها الغريبة فقالت بصوت خافت والذكريات تأثر عليها:

-دي كانت صدفة 

أغتاظت منها ونظرت إليها بحدة وهي تريد لو تمد يدها الاثنين إلى عنقها لتقوم بخنفها في الحال:

-بلاش السهوكه دي متعمليش فيها عبيطة 

وكأن "إسراء" مصرة على أن تجعلها تخرج كل ما عندها بتلك الطريقة الهادئة البسيطة، ولكن في الحقيقة هذه كانت طريقتها العفوية تخرج منها بكل رقة ونعومة:

-أنا معملتش عبيطة أنا برد عليكي بالحقيقة

أردفت مُعقبة بغيرة اشتدت أكثر وأكثر بسبب كل ما يصدر منها فقالت بقسوة وإهانة:

-لأ الحقيقة دي تخليها ليكي أنتي والزمي حدك هنا أنتي مش في ملك أبوكي 

كانت الصغيرة تقف بينهم صامتة والآن أتى دور أن ينفرج فمها بالحديث الهادئ وهي تنظر إلى الأعلى لتأتي بوجه شقيقة والدها:

-خلاص يا عمتو إسراء معملتش حاجه

أبعدت "فرح" نظرها إلى "وعد" بعد لحظات وهي لا تستطيع أن تترك تلك الفتاة واقفة هكذا أمامها وقامت بتوبيخ الأخرى بتهكم وسخرية:

-وأنتي عرفتي منين يا قلب عمتو.. وبعدين بتدخلي في كلامنا ليه هي زينة معرفتش تربيكي

أجابتها الصغيرة بهدوء وتودد إليها ليست قاصدة شيء:

-أنا متربية يا عمتو بس كنت بقولك إن إسراء مش قصدها 

نهرتها بعنف ورفعت وجهها إلى الآخر تلقنها الحديث القاسي إليها وكأنها التي تأمر هنا:

-وأنتي مالك اخرسي خالص ومش عايزة أشوف الهبل ده في القصر تاني 

ذهبت من أمامهم إلى الداخل بعد أن دفعت "إسراء" في كتفها لتعبر إلى الغرفة قائلة بغيظ وضيق:

-جاتكم القرف.. مش عارفه ايه البلوة اللي اتحدفت علينا دي 

نظروا إليها الاثنين بذهول بعدما عبرت إلى الغرفة، لقد تابعتها "إسراء" بعفوية ناظرة إليها وهي تتسائل أهي مجنونة أم مُختلة الأمر يختلف..

ابتسمت بسخرية بعد أن نظرت إلى وعد وحركت رأسها يمينًا ويسارًا غير قادرة على استيعاب تصرفات وحديث تلك الغريبة..

❈-❈-❈

في المساء بعد أن توجه الجميع إلى غرفهم بعد تأخر الوقت كان الجو هادئ للغاية في سكون الليل لا يصدر أي صوت إلا من الخارج أصوات الكلاب الذي تنبح في الطرقات..

وصوت ذئب مزعج للغاية يأتي إليهم ليمر عبر أذنهم من الغابة.. ككل يوم الحرس كل منهم في موضعه..

لا يوجد اختلاف في هذه الليلة سوى تفكير من هم داخل القصر وأولوياتهم، لا يوجد سوى مخططات لكل فرد بينهم كي يحصل على ما يريد..

بداية من أكبر امرأة بهم وهي والدته التي أصبح وجود "ابنة" ولدها أمر حتمي لن تتنازل عنه وليحدث فعلى والدتها أن تتزوج بابنها الآخر.. كثير من الأمور داخل عقلها تدور حول هذا الأمر من مخاوف قادمة بسبب "زينة" ووجودها معهم بعد أن علمت بعمل ولدها.. ومخاوف أكبر من تصرفات "جبل" القاسية..

"جبل" وتذكره لها ولشراستها، عنفوانها وحدتها وتلك القوة الهشة التي تمثل أنها عليها، تفكيره كله كان حولها.. حول امرأة وضعها في رأسه كي يكسر أنفها ويجعلها راضخة له

وهي "زينة" ولم تكن تفكر في أي شيء سوى الفرار والهرب، تركت كل ما خططت له وكل ما كان يعكر صفو تفكيرها وتلك التدابير التي لم تحسنها ووضعت كل تركيزها في طريقة للهرب من هنا الآن قبل الصباح..

بينما تغير تفكير شقيقتها البريئة للغاية هي الأخرى، "إسراء" تحول كل ما تريده في يوم وليلة بعد أن تقابلت مع ذلك الجسد الصلب الطويل الذي يبتلعها كلما وقفت أمامه، ذلك الصوت الرجولي المميز ذو البحة الغريبة التي أصبحت تميزها من بين الجميع.. لا تدري لما ذلك التفكير به وما الذي فعله بها!.

وأخيرًا وليس أخرًا هنا "فرح" هي الأخرى من الأشخاص الذين يعيشون داخل القصر وتغير تفكيرهم، وهذا حدث بعد أن نهشت الغيرة قلبها بسبب تلك الجميلة الرقيقة التي تتصنع كل ذلك كي تستحوذ على تفكيره.. وتفكير غيره.

والصغيرة التي لا تفقه أي شيء مما يدور حولها بين الجميع وأولهم والدتها وعمها القـ ـاتل الذي يهددها بها، تفكيرها تغير وتحولت أولوياتها بعد أن عانقتها جدتها والدة والدها وطالبت بالقرب منها والمكوث معها ولكنها أيضًا تريد العودة إلى مكان نشأتها وتلك الحياة التي اعتادت عليها...

لحظة واحدة كانت هي الفاصلة بين ذلك السكون وحالة المرج تلك، حدثت عندما صرخ أحد الحراس على البقية وهو يرى النيران المُشتعلة خلف القصر تصعد للأعلى مصحوبة بالدخان الذي صعد معها وسبقها..

لقد شعروا أن هناك نيران وعبرت رائحة الدخان إلى أنفهم ولكن هذا عاديًا يحدث فلا خوف ولا رهبة 

كانت النيران نشبت خلف القصر وارتفعت للأعلى ولم يلاحظ أي حد منهم إلا عندما رصدها واحدًا منهم بعينيه من الأمام بعد أن تعالت للغاية بدخنتها فصرخ عليهم جميعًا وحدثت حالة غريبة من الهرج والمرج بينهم وكل منهم ترك سلاحه في غرفة الحرس الصغيرة وسارعوا بالركض للنيران كي يخمدوها بالمياة..

استمع من في القصر جميعهم إلى ما يحدث وقد خرج جبل معهم هو الآخر والتفكير ينهش عقله كيف حدث ذلك يصرخ عليهم من كل إتجاه خوفًا من أن تتصاعد أكثر ويحدث ما لا يحمد عقباه

كانت قد اشتعلت ببنزين وتصاعدت للأشجار الذي سكب عليها هي الأخرى بنزين وتأكلت الأسلاك المتواجد وكل ما كان في محيط خلف القصر وجانبيه..

بينما في الخفاء وتلك الدوامة تأخذهم للقضاء على النيران في الخلف هبطت "زينة" مع شقيقتها وابنتها الدرج برفق دون إصدار صوت حتى لا ينتبه إليها أحد من الداخل وهم لم يخلدوا للنوم بعد إلا عندما يسيطروا على النيران..

ترتدي بنطال من الجينز الواسع وتيشرت بنصف كم أبيض اللون وخلف ظهرها حقيبة صغيرة ليس بها إلا جوازات السفر وقليل من النقود والهواتف..

لم تأخذ أي شيء آخر، وقفت خلف البوابة الداخلية للقصر وهم خلفها تنظر إلى الخارج لترى أن كان هنا أحد يراها فلم تجد فسارعت معهم للخارج تركض إلى أن وصلت إلى البوابة الخارجية.. بوابة قصر العامري.. نظرت إليها بابتسامة واسعة وقلبها يدق بعنف وقوة.. مزيج من المشاعر كالخوف والسعادة يمكثون داخلها..

فتحت البوابة وأخرجتهم استدارت تنظر إلى الخلف لترى النيران تبدأ بأن تخمد فابتسمت أكثر وهي تراهم من بعيد والجميع يركض ثم خرجت خلفهم سريعًا..

خرجت من قصر العامري! خرجت بابنتها وشقيقتها؟ الآن تراقصت السعادة والفرحة على أعتاب قلبها بدلًا من ذلك الخوف الذي أرهبها.. الآن تحررت من سجن جبل العامري.. الآن فقط تستطيع أن تقول إنها امرأة حرة قوية لا أحد يستطيع ترويضها..

كان الهروب أمر صعب للغاية، الفرار من جزيرة العامري مستحيل ولكنها امرأة قوية نالت منها الصعاب ونالت هي من المستحيل..

قم بالتسجيل أيها التاريخ داخل كُتبك "زينة مختار" هربت من سجنها قصر العامري، ونالت من العائلة بأكملها، أكتُب أنها لازت بالفرار من جزيرة العامري ولن تكن مرة أخرى "سجينة جبل العامري"
                 الفصل السابع من هنا

تعليقات