رواية قصة حنين الجزءالثاني2 الفصل الثالث3والرابع4 بقلم صباح عبد الله فتحي
صلوا على الحبيب المصطفى.
نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم.
**في منزل عائلة عاصي**
الساعة 7 ونصف صباحاً
يجلس على مائدة الطعام كل من نوال وكاظم، الذي يتناول فطوره في صمت ولم يقل شيئاً، مما زاد شكوك نوال تجاهه. أردفت قائلة متسائلة عن سبب هذا الهدوء الذي تلاحظه لأول مرة، وملامحه المتوترة تدل على أن هناك أمراً خطيراً قد حدث.
_خير، مالك يا كاظم ساكت ليه كده ومش على بعضك؟
يرفع كاظم رأسه ناظراً إلى أمه وجهاً لوجه، وأردف قائلاً بتلعثم وزاد توتره، فحمل كأس العصير الذي أمامه وأخذ منه بضع شربات ثم أعاده إلى مكانه قبل أن يقول:
_بصراحة يا أمي، في حاجة؛ أنا كنت عاوز أقولك عليها._
ينهش الفضول وقلق عقل هذه الأم تجاه ابنها الوحيد، وزاد فضولها أكثر علامات التوتر التي تراها على ملامح وجهه. نظرت إليه والشكوك تحوم حول عقلها، وأردفت قائلة بمزاح وهي لا تعلم أنها قالت الحقيقة أو أنها قرأت ما يتبادر في خاطره من ملامحه ونظرات عينيه التائهة، لكنها فضلت قولها بمزاح على أمل أن تكون قد أخطأت أو هلوسة في أفكارها:
_خير يا كاظم، عاوز تقول إيه؟ لتكون تجوزت أنت كمان زي أخوك، من غير ما تأخذ رأي أحد.
ينظر كاظم إلى أمه مندهشاً مما قالت، وعقله الصغير ما زال لا يستوعب أنها أمه والرابط القوي الذي بينه وبينها يساعدها على قراءة كل ما يتبادر في خاطره قبل أن يتفوه بحرف. وأردف قائلاً وهو يشعر بغصة في حلقه والكلمات عالقة في حنجرته:
_هو أنا فعلاً اتجوزت يا أمي.
تهبط الكلمات مثل الصاعقة على مسمعها، فتجبرها الصدمة على النهوض من مقعدها وهي تضرب بيديها على صدرها بقوة، وأردفت قائلة بذهول وصوت عالٍ:
_يا نهار مش فايت، انت بقول إيه يا طاظم؟ اتجوزت؟ اتجوزت إزاي ومين؟
ينظر كاظم إلى أمه بخوف من انفجارها، والأفكار المزعجة تحوم داخل عقله، ولا يعلم ماذا يقول أو ماذا يفعل لإيجاد مبرر مقنع لما فعل. فينهض هو أيضاً من مقعده ويضع يده على كتف أمه محاولاً تهدئتها ليتمكن من تبرير ما فعل، وأردف قائلاً بهدوء:
_أهدئي بس يا أمي، ما حصلش حاجة لكل ده._
تجيب نوال بغضب أكثر وهي تدفعه بعيداً عنها، وخذلتها دموعها القريبة من جفون عينيها فهربت على خديها بشغف، وهي تقول بخيبة أمل قد خاب أملها حقاً في أولادها الاثنين. لم تفعل مثل ما تتمنى كل أم في العالم، وهو أن تفرح بزفاف أولادها وتأتي إليهم بعروس حسب رغبتها وكما تتمناها، لكن ما فعله أولادها كسّر أحلامها وتخطيطها المستمر ليوم مثل هذا.
_ما حصلش حاجة زي، أخوك جاب بنت من الشارع وقال "دي بقت مراتي" وساب البيت، وربنا وحده يعلم راح فين ولا إيه اللي حصل، وأنت جاي تقولي إنك اتجوزت وربنا يعلم هي مين وإيه أصلها وفصلها، وتقولي "أهدئي بس يا ماما ما حصلش حاجة"، ولا أنت علشان شفت أخوك غلط وما فيش حد قدر يكلمه، قولت أعمل زيّوه، ما هو أنتم كبرتوا خلاص، ما بقيتوش تعملوا احترام لحد، ولا أنا وأبوك موتنا خلاص، وبقى كل واحد فيكم يعمل اللي هو عاوزه._
ثم ترفع إصبعها السبابة في وجه قاظم بتحذير، وقد أحمرت عيناها من شدة البكاء والغضب:
_اسمع يا كاظم، الكلام ده لك أنت وأخوك. أنا ولا راضية على جوازك ولا على جوازه، وحتى البنت اللي أنت اتجوزتها أنا مش عايزة أعرف هي مين أصلاً، وأفضل لك ما تجيبهاش على البيت، وهتشوف مني من هنا ورايح وش مش هيعجبكم.
ثم تترك وتذهب إلى غرفتها قبل أن تسمع ما سيجيب به كاظم. وفي هذه اللحظة يدخل عاصي، الذي ظل طول الليل خارج المنزل ولا أحد يعلم إلى أين قد ذهب أو ماذا كان يفعل، وهو يحمل الجاكيت على كتفه الأيسر ويمسكه بأصبعين فقط من يديه اليسرى ويتأرجح في سيره إلى اليمين واليسار ويحارب من أجل أن يظل مستيقظاً ولا يغلق عينيه. كان سيسقط لولا أمسكته يد كاظم، الذي أردف قائلاً بتساؤل وهو ينظر إلى أخيه بذهول:
_عاصي، انت كويس؟
يجيب عاصي بتوهان وصوت متقطع من شدة النعاس، ولسانه ثقيل كما لو كان يتفوه بكلمات من صخور وليست كلمات من أحرف:
_أيوة، بخير. أنت ليه تسأل؟
يضع كاظم يده على أنفه ليصد الرائحة الكريهة التي خرجت من فم شقيقه، وأردف قائلاً بتقزز:
_عاصي، انت شارب إيه؟
يضع عاصي أصبعه السبابة على فم شقيقه، وأردف قائلاً وهو ينظر يميناً ويساراً مثل طفل صغير فعل شيئاً خاطئاً وخائف أن تعلم أمه به وتقوم بمعاقبته بقسوة:
_شششش، حد يسمعك. أنا شربت بس شوية خمر صغيرين قد كده.
يقول ذلك وهو يضم أصبعه السبابة مع أصبعه الأكبر بمعنى أنه حقاً لم يحتس الكثير من الشراب، ثم يربت على كتف كاظم ويتركه ويصعد إلى غرفته وهو يتأرجح في سيره إلى اليمين واليسار، ولا يقدر على السير بشكل مستقيم مثل العادة من ثقل رأسه بسبب المشروب، بينما كان ينظر كاظم إليه بدهشة، والفضول ينهش عقله لمعرفة ما الذي حدث وجعل شقيقه يصل إلى هذه الحالة التي لا يحسد عليها. وبعد مرور دقائق، وصل عاصي إلى غرفته وقام بفتح الباب بحذر وأدخل رأسه فقط من الباب مثل طفل صغير يلعب لعبة استغماية مع أحد أصدقائه وخائف أن ينقض عليه أحد، بينما يبحث بعينيه عن حنين التي ما زالت تغط في سبات عميق ومستلقية بجسدها على الأرض كما لو كانت تنام على أحد الطرق في ليلة شتاء قاسية، ولا تجد من يأخذها في أحضانه ليشعرها بالدفء والسكينة قليلاً في هذا العالم القاسي. يتقدم عاصي تجاهها وهو ينظر إلى حالها المبعثر ووجهها الشاحب من كثرة البكاء، ويشعر بسكين باردة قد خرقت قلبه، وعلامات الندم ظهرت على ملامحه ويؤنبه ضميره لأنه ذهب وتركها وحيدة ليلة أمس وهي في أمس الحاجة أن يبقى بجوارها. قام بحمل جسدها من فوق الأرض وذهب ببعض الخطوات تجاه الفراش، وقبل أن يضعها على الفراش، تفتح حنين عينيها وتنظر بفزع إلى ذلك الوجه الشاحب ثم تغلق عينيها وتفتحهم مرة ثانية، ويظهر أنها تحاول أن تستوعب ما يحدث. وأردفت قائلة بتساؤل وصوتها ضعيف أثار النوم وهي تحدق بخجل إلى عاصي، وعندما استوعبت ما يحدث لفت يديها حول عنق عاصي خوفاً من أن يتركها فتسقط أرضاً:
_عاصي، أنت بتعمل إيه؟ نزلني، شايلني ليه كده؟
يتجاهل عاصي ما تفوهت به حنين وظل يحملها على ذراعيه إلى أن وصل بها إلى الفراش، وقام بوضعها برفق عليه واستلقى بجوارها، وأردف قائلاً بتوهان وهو يغرق في جمال عينيها، وكانت هي أيضاً تنظر إلى عينيه الذابلتين من كثرة النعاس والمشروب، وتحسس بأنامله ملامح وجهه الحزين، وتنصت بصمت إلى ما يقول:
_ليه يا حنين؟ أنت مش عاوزة تحسسي بيّ ونار اللي جوايا؟ أنت لو تعرفي أنا بحبك قد إيه مش هتعملي فيّ كل ده. أنا بحبك كتير يا حنين.
تجيب حنين بحزن وتسللت دموعها في صمت على خديها:
_ أنت شارب يا عاصي؟
يضع عاصي إصبعه على شفتيها، وأردف قائلاً بتخدير وهو لا يشعر بما يفعل:
_ هششششش، مش تتكلمي خالص يا حنين، بس بس اسمعي أنا هقول إيه ماشي، أنتِ عارفة أني بحبك صح؟
تهز حنين رأسها بهدوء بمعنى نعم، بينما أردف عاصي قائلاً بحزن:
_ طب مانتي عارفة أني بحبك ليه عاوزها نفضل بعيد عن بعض حتى بعد ما تجوزنا، ليه عاوزها تتعبني وتتعبي نفسك؟
تجيب حنين بحزن وبكاء شديد قائلة:
_ ياريت أقدر أقول لك السبب يا عاصي.
يجيب عاصي قائلاً وهو يرخي جسده على الفراش ويظهر أنه سوف يغط في سبات عميق، وقام بضمها إلى صدره بقوة:
_ أنا بحبك يا حنين قولي لي ليه.....؟
ويسيطر عليه النعاس قبل أن يكمل حديثه، فتشعر حنين بأنفاسه الهادئة وتعلم أنه ذهب في سبات عميق، فتنهض من جواره بهدوء وهي تنظر إليه ببكاء، وقد أحمرت عيناها من شدة البكاء. وضعت قبلة رقيقة على جبين عاصي، ثم قامت بفك أزرار قميصه ونزع حذائه، ثم ذهبت تجاه دورة المياه وبعد دقائق خرجت، لكنها وقفت مندهشة وهي تنظر إلى ما يقف أمام باب الغرفة، وأردفت قائلة بذهول:
_ نوران، أنتِ بتعملي إيه هنا!؟
تنظر إليها نوران وهي تبتسم ببرودة، وأردفت قائلة بسخرية:
_ إيه، مش هاترحبي بسلفتك الجديدة؟ ما أنتي برده متجوزة قبلي بساعتين.
------
في المستشفى عند رياض والشباب...
يجلس محمد على مقعد أمام الغرفة التي فيها رياض، بينما يجلس كل من علي وعماد وزياد بجوار رياض الذي ما زال تحت تأثير المخدر. وأردف محمد قائلاً محدثاً نفسه وهو يضم رأسه بين يديه:
_ ليه كده يا حنين؟ أتجوزتي عاصي طيب، واللي حصل أنا مش وعدتك أني هصلح كل اللي حصل، طيب إنتِ هتعملي إيه في نفسك دلوقتي، ولا هتواجهي جوزك إزاي دلوقتي وتقوليه الحقيقة؟ أنا عارف أن اللي حصل مش ذنبي ولا ذنبك، بس اللي حصل غلط كبير وما يتسامحش عليه!
يتبع
الفصل الرابع
في المستشفي أمام الغرف حيث يكون جالس محمد فجأة يخرج علي من الغرفة التي يوجد فيها رياض ويسمع ما قال محمد بصدفة، وأردف قائلاً باستفهام وهو يحدق إلى محمد بشك:
_ هو إيه اللي حصل؟ مش فاهم؟؟
يرفع محمد رأسه من بين يديه، وينظر إلى مصدر صوت علي بذهول، وأردف قائلاً بارتباك:
_ هاا هو إيه اللي حصل؟ مش فاهم؟
يجيب علي قائلاً وهو يعقد حاجبيه بشك:
_ أنا اللي بسأل، وبعدين خوفت ليه كده؟ أنا سمعتك بتقول، اللي حصل غلط كبير وما يتسامحش عليه، علشان كده بسأل. على العموم، أنسى، أنا كنت جاي أقول لك إن رياض الحمد لله فاق لو عاوز تشوفه.
ينهض محمد من مقعده بالهفة، وأردف قائلاً بفرحة مزيفة:
_ بجد رياض فاق؟
يجيب علي قائلاً:
_ أيوا والله فاق، الحمد لله، تعال ندخل له.
يجيب محمد قائلاً وهو يتقدم نحو باب الغرفة التي يوجد فيها رياض:
_ تعال يلا، أنت لسة واقف، تعمل إيه عندك؟
ــــــ. الكاتبة/ صباح عبدالله فتحي ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
"في منزل عائلة عاصي"
في غرفة عاصي، يقف كل من نوران وحنين، بينما ذهب عاصي في سبات عميق لا يشعر بما يحدث حوله. تنظر حنين إلى نوران بذهول وهي تقول بصدمة:
_ سلفتي؟ إزاي؟ مش فاهمة!؟
تبتسم نوران بخبث وهي تتقدم نحو حنين، وأردفت قائلة بلهجة أشبه بفيحيح الأفاعي، وهي تحوم حول جسد حنين مثل ثعبان يقضي على حياة فريسته:
_ إيه صعبة أوي للدرجة دي؟ مش فاهمة؟ ولا أنتِ فكرتِ إنّي هحط إيدي على خدي وقعد أبكي وأقول خالص بقى من نصيب غيري، وأسيب حبي لحتة خدامة زيك؟ الراجل الوحيد اللي حبيته من كل قلبي، وأقعد طول عمري أتحسر على حب حياتي اللي اتسرق مني، بسبب غدر إنسانة خاينة وما عملتش حساب للأصول زيك. أنا أتجوزت قاظم بس علشان أرجع حبي اللي أنتِ سرقتيه مني، وأدمرك وأدمر حياتك يا حنين...
يقاطعها عن الحديث صوت حنين قائلة بغيظ:
_ عاصي عمره ما حبك ولا هايحبك يا نوران، ويكون من الأفضل لكِ إنك تفهمي كده، وتعرفي إن عاصي خالص بقى راجل متجوز.
ثم تحدق إلى نوران بغضب من فكرة أنها ممكن تأخذ زوجها منها، وأكملت حديثها بصوت عالٍ وهي ترفع إصبعها في وجهها بتحذير:
_ وأنا شخصياً بحذرك يا نوران، حسك عينك تفكري لو مجرد تفكير إنك تقربي من جوزي، وحاولي بس إنك تبصي له لو نظرة واحدة، وشوفي أنا هعمل فيكي إيه!؟
تحدق نوران إلى حنين بحقد وكره مميت وهي تعقد حاجبيها بضيق، وأردفت قائلة بغيظ، بينما تمسك إصبعها بقوة لدرجة أن حنين تألمت بشدة من قبضة هذه الفتاة الحقودة التي على وشك أن تحطم عظام إصبعها من قوة قبضتها العنيفة:
_ جوزك هو، أنتِ هتكذبي الكذبة وهتصدقيها، عاصي مش جوزك، وما تقوليهوش جوزك مرة تانية. أتي فاهمة، وعاصي حبيبي، حبيبي أنا وبس.
ترد حنين بألم وصراخ:
_ آه، سيبي إصبعي يا بيني، أدمتي أنتي..
ثم تدفع نوران بعيداً عنها وأكملت حديثها بحنق:
_ أنتِ اتجننتي على الآخر يا نوران، وعاصي مين اللي لكِ أنتِ وبس؟ عاصي خالص بقى جوزي إذا كان بمزاجك أو من غصب عنك، ويكون أحسن لكِ وللكل إنك تحاولي تتقبلي الحقيقة دي بسرعة، وياريت تطلعي برة، أنا لسة عروسة جديدة تعبانة وعاوزة أنام.
---
"في منزل خالد"
يجلس خالد على مقعد خشبي في حديقة المنزل، وهو يمسك في يديه فنجانًا من القهوة، ويضعه على الطاولة أمامه بشرود، وأردف قائلاً بحزن محدثًا نفسه:
_ معقولة كل اللي بيحصل ده حقيقي؟ أنا مش مصدق إن بنتي الوحيدة بتعتبرني مش أبوها. معقولة بنتي تتبرأ مني بسبب حاجة أنا ما ليش ذنب فيها؟
ثم يصمت لعدة لحظات وعقله يسترجع ما حدث في الصباح...
🎬 فلاش باك 🎬
يقف خالد في منتصف منزله أمام مائدة الطعام، ينظر إلى تلك الفتاة الثرثارة التي تمادت كثيرًا في حديثها وكلماتها التي لا يوجد لها تفسير. فأردف متساءلًا عن تفسير يرضى عقله الهائج ويريح نفسه من هذه الأفكار المزعجة التي هاجمته دون رحمة:
_ إيه الكلام اللي انتي بتقوليه ده يا نوران؟ هي مين اللي بنتي حبيبة قلبي؟
تعقد نوران حاجبيها بضيق من سأل وجهل هذا الأب الأحمق، الذي تخلى عن ابنته الحقيقية التي بحاجة ماسة إليه الآن أكثر من أي وقت مضى، لكن من جهله وعماه قلبه قبل عينه أمسك بيد ابنته غيره، وترك أبناءه يعانون وأحدهم في ظلم هالك. وأردفت قائلة دون تفكير وبصوت عالٍ يسمعه كل من في المنزل:
_ حنين حبيبة قلبك ما هي بنتك وأنا الغريبة...
وفجأة تصمت عن الحديث عندما تلقت صفعة قوية على وجهها من هذه المرأة التي لا قلب لها، وأردفت قائلة بصراخ:
_ انتي اتجننتي؟! يا نوران إيه الهبل اللي انتي بتقوله لأبوك ده؟!
تنظر نوران بغضب إلى سلوى التي أتت من خلفها، ولم تجد طريقة أخرى غير أن تصفعها على وجهها، قبل أن تكشف سرها الذي سيكون السبب في نهاية شرها وشر أفعالها الشنيعة. وأردفت نوران بصراخ وهي ترفع إصبعها في وجه هذه الخبيثة بتحذير:
_ ده مش بابا وأنا عمري ما كنت أعتبره، وإنتِ أكتر واحدة تعرف كده.
يحدق خالد إلى نوران بذهول ومازال عقله جاهلاً تفسير ما تريد هذه الثرثارة توضيحه له. وأردف قائلاً والكلمات تغلغلت في عنقه:
_ انتي بتقولي إيه يا بنتي؟ هو مين اللي مش أبوكي وعمرك ما اعتبرتيه أبوكي...
تقاطعه سلوى قائلة بتعقل وهي تفرك في يديها وتحدق إلى خالد بتوتر:
_ اهدي بس يا خالد، أكيد نوران مش قصدها حاجة، وأكيد هي مش عارفة هي بتقول إيه. واللي حصل أمبارح صدم الكل وما كانش سهل على نوران بالذات.
يقاطع هذه العقربة التي تحاول أن تحمي نفسها من شر أفعالها، صوت صراخ تلك الثرثارة التي تنوي ردم كل شيء يفعلونه من سنوات:
_ أنتي أمتى هتبطلي تكذبي؟ أنا تعبت من أكاذيبك اللي مش بتخلص دي...
ثم تنظر إلى خالد بوقاحة وأكملت حديثها بجرأة دون أن يهتز لها طرف عين، ولم تهتم إلى ما سوف يحدث بعد ذلك:
_ اسمع، أنا هقولك إيه والحقيقة اللي أنت مغمض عينك عنها وعامل نفسك عبيط مش عارف حاجة. أنا مش بنتك ولا أنت أبويا أصلاً. والحقيقة الكبيرة بقى إن بنتك الحقيقية هي...
وقبل أن تكمل حديثها، أوقفتها سلوى بصفعة قوية على وجهها جعلتها تنزف من فمها. وأردفت قائلة بصراخ وهي تقبض بيديها على كتف نوران وتهزها بقوة، وتحدق إليها بغضب:
_ انتي اتجننتي يا بت؟ إيه الهبل اللي انتي بتقولي لأبوك ده؟ فوقي يا حيوان وشوفي انتي بتكلمي مين؟
🎬 باك 🎬
يستيقظ خالد من ذكرياته، وأردف قائلاً بتساؤل:
_ معقولة نوران مش بنتي بجد...
يقاطعه صوت تلك العقربة قائلة من خلفه وهي تتقدم تجاهه:
_ إيه اللي أنت بتقوله ده يا خالد؟ معقولة أنت بتفكر بشكل ده؟!
يرد عليها خالد قائلاً بحزن وهو ينظر إلى سلوى التي جلست على مقعد بجواره، بينما وضع فنجان القهوة على الطاولة:
_ انتِ مش سمعتِ وشوفتِ بعينك كانت بتتكلم معايا إزاي من شوية؟
ترد سلوى قائلة بحزن مصطنع، وهي تنظر إلى خالد وتسقط منها دموع أشبه بدموع التماسيح، وتحاول أن تتلاعب بمشاعر شقيقها وقتل ذرة الشك من عقله قبل أن تصبح حقيقة:
_ معليش يا خالد، أنا شخصيًا مش قادرة أصدق كل اللي نوران قلته ده، بس يا خالد اللي حصل أمبارح مش سهل، يعني هي خالص كانت هتجوز الشخص اللي هي بتحبه وكان حاجة ماشية تمام، وفجأة كده تجي واحدة تانية تسرق منها حبيبها وتدمر لها كل أحلامها وتقلب فرحتها لجحيم، صعب أوي يا خالد اللي حصل لها، وإحنا من واجبنا نفضل معها وندلها على الطريق الصح.
يرد خالد على هذه العقربة قائلًا بيأس:
_ عارف يا سلوى إن اللي حصل أمبارح ما كانش سهل علينا كلنا، بس.. أنا مش فاهم ذنبي إيه يخلي بنتي تقولي إنها عمرها ما اعتبرتني أبًا لها وإن أنا مش أبوها الحقيقي. أنا متأكد إن في حاجة في الموضوع ده ولازم أعرف إيه السبب اللي يخلي نوران تقول كده، وأنا مش عارف إزاي رحت واتجوزت قاظم أخو عاصي بسرعة دي. البنت دي أكيد اتجننت ولا حصل لعقلها حاجة، وأنا لازم أشوف لها دكتور نفساني كويس يعالجها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"في منزل عائلة عاصي"
في غرفة نبيل، يجلس نبيل على كرسيه المتحرك بجوار نافذة زجاجية، وهو يحدق إلى زوجته التي تجلس أمامه على أطراف الفراش وتبكي بشدة، وأردفت قائلة بين بكاء شديد:
_ شوفت يا نبيل عيالك عملوا إيه فين على آخر الزمن؟
يرد عليه نبيل قائلًا بحزن:
_ معليش يا أم عاصي، اللي حصل حصل وخلاص. وعاصي مش صغير، أكيد هو عارف هو بيعمل إيه.
تجيب نوال باعتراض وعصبية قائلة:
_ يعني أنت راضي على اللي عاصي عمله ده يا نبيل؟
يرد نبيل بهدوء قائلًا:
_ ما راضيتش ليه يا أم عاصي؟ حنين بنت جدعة وبنت ناس وعارفة ربنا وهتراعي الله في عيشته وماله وعياله. وبصراحة بقى، أنا فرحان قوي إن عاصي ساب نوران بنت خالد واختار حنين. نوران بنت صاحبي، آه، بس بنت ما يُعتمدش عليها في حاجة، وأنا شخصيًا استغربت قوي لما عرفت إن عاصي طالب يتجوز نوران. بصراحة ما صدقتش في الأول، بس قلت ممكن يكون حبها فعلًا، بس اللي حصل ده أثبت لي إني كنت على حق، وإن عاصي ابني عمره ما يبص لبنت زي نوران.
ترد نوال قائلة بغضب وصوت عالٍ:
_ بس أنا مش راضية عن واحدة زي حنين، مش عارفة أصلها من فصلها تكون مرات أبني. والزفت كاظم بيقول إنه اتجوز، ومش عارفة مين اللي اتنيل على عينه واتجوزها.
يرد نبيل بدهشة قائلًا، وهو يحدق إلى نوال بذهول:
_ انتي بتخرفي، تقولي إيه؟ كاظم مين اللي اتجوز واتجوز مين؟؟
وفجأة تدخل نوران التي كانت تستمع إلى الحديث من خارج الغرفة، وأردفت قائلة بوقاحة:
_ أنا اللي اتجوزها كاظم