رواية حبيبت عبد الرحمن الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم سلوي فاضل


 رواية حبيبت عبد الرحمن الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم سلوي فاضل



وان كانت مجرد نظرة تُسري داخله كل تلك الراحة، فماذا إن أصبح القرب واقعًا؟ تقين أنها سلامه الداخلي ليبقى إنسانًا صافيًا؛ فقرر المواجهة، لن ييأس أو يتراجع سيقابل محمود قريبًا أملًا أن ينول دواء قلبه في قربها، يدرك صعوبة ما يريد قد يكم مستحيلًا إلا أنه سيقاتل ليصل إليها لن يستسلم، وسيظل يحاول، سؤالٍ فرض نفسه، هل ما تكنه له إعجاب سيزول أم مشاعر صادقة؟ وأن اشتعلت الحرب أستحارب معه ولأجله؟! بكل الأحوال سيقاتل للفوز بقربها.

يومان مرا علي عبد الرحمن يفكر كيف يفاتح محمود، وهل يحدث والدته الآن أم ينتظر موافقة محمود أولًا؟ بعد تفكير أرهقه استقر أن يبدأ بمحمود؛ فهو الأصعب علي الاطلاق، لم يختلف حال حبيبة عنه رافقها الشرود علي غير عادتها، منفردة بنفسها بغرفتها معظم الوقت قليلة الحديث، فسر محمود حالتها بالحزن لرسوبها بالجامعة، أما بسمة فبغريزة الأنثي شعرت أنها غارقة بالحب، تجهل هوية صاحب الحظ السعيد، راقبتها بصمت سعيدة من أجلها، تعترف أنها أحيانًا تغار من شدة ارتباط محمود بها ولكنها بالنهاية تحبها وتشفق عليها كثيراً. 

اتخذ أول خطوة بقراره فهاتف بمحمود بالصباح 

-صباح الخير، إزيك يا محمود أنا عبد الرحمن.
-عبد الرحمن مين؟ مش واخد بالي.

اخذ نفس عميق:
-عبد الرحمن اللي كنت في المكتبة معاك من يومين، وقت ما الآنسة اختك بتبكي.

أنتبه محمود وبدا الضيق علي وجهه وتحدث بطريقة جافة: 
-خير في حاجة.
-كل خير إن شاء الله، عايز أزوركم في البيت عايزك في موضوع مهم.
-أيوه خير، أيه هو الموضوع يعني.
-كل خير بعون الله، لما نتقابل إن شاء الله يكون الكلام أفضل.
-لو موضوع مهم ممكن بالليل علي الساعة ٨ إن شاء الله .
-مهم جدًا، إن شاء الله هكون في المعاد.

على طاولة الطعام، تحدث محمود بعدم اهتمام:
-بسمة في ضيف جاي النهاردة جهزي حاجة نقدمها لما يجي.
-مين يا محمود ؟
-عبد الرحمن .
-عبد الرحمن مين؟ ده أول مرة يزورنا.
-وأخر مرة إن شاء الله، أصلًا مش عارف جاي ليه؟ يمكن عشان أصالحه علي طليقته، بس اكيد مش حعمل كده.
-ما اعتقدش يا محمود، أنت مش قريب منه ومفيش معرفة بينك وبين أهل طليقته، أكيد عايزك في حاجة تانية .
-مش عارف ومش فارق، لما يجي حنعرف وياريت ما يجيش أصلًا.

شردت حبيبة مع ذكر اسمه فلم تستمع لحديثهما حاولت أن تبدوا غير مهتمة، ولكن أه من غريزة المرأة فظهر لبسمة جليًا توترها لذكر اسمه الذي تعبه شرودها ثم فقدها لشهيتها، فراودها إحساس بأنه محور حديثهما من قبل، صدمت واشفقت عليها فمقت محمود له ولأسلوبه جليًا، جهلت ما عليها فعلت؛ فتابعت بصمت وترقب.

مر الوقت علي حبيبة بطيئًا تنتظر بشغف حضوره، دق قلبها بعنف لسماع لصوته، استقبله محمود برسمية وأدخله لغرفة استقبال الضيوف وأغلق بابها، لم تكن حبيبة المراقبة الوحيدة لما يحدث فشاركتها بسمة تتابع الغرفتين.
احتمت حبيبة بغرفتها تختبئ داخلها تغلق بابها إلا من فتحة ضيقة بالكاد ترى منها، تحت انظار بسمة المتابعة والتي يزداد إحساسها قوة وتأكدت، تبحث داخل عقلها ما عليها فعله؛ فزاد تخبطها وتضاعف.

انصرف عبد الرحمن والتوتر والانزعاج ظاهرًا على كليهما، ظلت حبيبة بموضعها تراقب من زاويتها الصغيرة، لم تقوي علي الخروج، جلس محمود بغضب شديد ذهبت إليه بسمة تتنفس بعمق متسائلة:
-مالك يا محمود خير؟

أجابها بغضب مكبوت وعصبية:
-مش عارف البني أدم ده بيفكر إزاي؟
-بالراحة بس، أيه اللي حصل؟
-عايز يتجوز حبيبة، جاي يتقدم لها بيقولي لما نوافق والدته تيجي معاه، نفسي أعرف جايب الثقة دي منين.
-وقولت له أيه؟
-هو فاكر إني ممكن أرميها له يعمل فيها زي طليقته، أنا مش فاهم بيفكر إزاي؟! آه لو شوفتيه وهو بيتكلم وكأنه واثق إننا هنقبل أو حتي نفكر.
-يعني مش حتقول لحبيبة؟

غضب من قولها بشدة وارتفع صوته دون إدارك:
-أنت غريبة قوي، أنا بقول أيه وأنتِ بتقولي أيه، دايمًا بسألها، بس لما يكون الشخص مناسب أو على الأقل ممكن نفكر فيه.
-يعني قولت له مش موافق.
-للأسف لأ، مش عارف ما رفضتش ليه! أكيد من الغيظ، ولما أصر يعرف معاد الرد قولت له بعد أسبوع.

أرادت انهاء النقاش مؤقتًا لتستطيع الوصول لحل والحديث مع حبيبة منفردة، ولتتمكن من مناقشة محمود بهدوء:
-خلاص أهدى طيب نتكلم بكرة.
لم يستطع جمح زمام غضبه، أراد ابعاد عبد الرحمن حتى عن تفكيره، غير مرحبا بمجرد التفكير:
-لأ، خلينا نخلص اسمع منها الرفض، وأبلغه بكرة وأخلص.
استقام من فرط غضبه وبدأ في مناداتها:
-حبيبة، حبيبة. 
حاولت تأجيل المواجهة فلو خطأ تحليلها لكانت حبيبة بينهما منذ انصرافه: 
-يا محمود مستعجل كدة ليه! خلينا بكرة أحسن، أنت متعصب أهدى الأول.

تفكيره منحصر في سماع رفض حبيبة وانهاء الموقف، وكلماتها تزيد غضبه، لا يعلم بما تفكر يستبعد سوء نيتها، غاضبًا من تقبلها الفكرة كانت، أما حبيبة فبداخل غرفتها تكاد تفقد وعيها من فرط التوتر، لم تر أخيها بتلك الحالة من قبل، شحب وجهها مع سماع ندائه؛ فخرجت إليه تجر أقدامها وعقلها متوقف عن العمل والتفكير.

-تعالي يا حبيبة تعالي اقعدي.
-يا محمود مفيش داعي للاستعجال، أنت مش شايف نفسك عصبي إزاى! أهدى شوية أو ناجل الكلام لبكرة ما جراش حاجة.

نظر إليها بغضب ألجمها خيم علي المكان صمت حاول به تهدأت غضبه؛ فجال بعقله ان هناك ما لا يعلمه يعزز طلب الأخر فتضاعف غضبه وكاد يجن على عكس طبيعته.

نظر لحبيبة بتفحص أملًا ان يخيب ظنه:
-عبد الرحمن اتقدم لك يا حبيبة. 

صمتت واخفضت رأسها يدق قلبها بعنف، واجمة حزينة أيقنت استحالة تحقيق أمنيتها، فتحدث محمود غاضبًا صعق مما نما لتفكيره، وشعر بالغضب منها.
-أنا مش فاهم ساكته ليه؟ المفروض يحصل زي كل مرة يتقدم لك حد، كمان المرة دي هو مش مناسب أبدًا، كل ظروفه وحياته غلط، أكبر بسنين طويلة لسه مطلق مراته، ومش أي طلاق، وأنت ما تعرفيهوش يا حبيبة، صح ؟!!!

آثرت الصمت تتساقط دموعها متحدثه عن ألمها؛ فاقترب محمود غاضبًا فتبعته بسمة، قبض على ذراعها بعنف وجذبها لتقف، حاولت بسمة تهدأت الوضع
-بالراحة يا محمود مش كده.

تساءل مصدومًا:
-رفضتِ ناس أفضل منه مليون مرة، مفيش حاجة فيه مناسبة ليكِ، أنا مش عارف بتفكري ليه!!!

عجزت عن الكلام، يتمزق قلبها ألمًا؛ فمعركتها الداخلية بين حبٍ لمحمود كأبٍ قبل أخ، وحبٍ لعبد الرحمن نما داخلها دون إرادة منها؛ فتحولت دموعها لشلال متزايد، حاولت بسمة الفصل بينها لا تقوى على لمس أيهما.
-سيبها يا محمود واسمعها هي ما قالتش حاجة لسه.

نفض ذراعها بغضب؛ فارتدت جالسة، نظر إليها بغضب مشتعل وتحدث: 
-شخص زي ده هَيهينك ليل ونهار، بيتكلم بإيده، بعد كام شهر بس من جوازه مراته جالها حاله نفسية من معاملته لها، وأنتِ بتفكري! كنت متصور إنك ترفضي قبل ما أكمل كلامي، عارفة فرق السن بينكم قد أيه؟! هو أكبر مني! عارفة حياته إزاي؟! أنا كرهت اللعب معاه من زمن؛ لأن كل حركة له بعنف، متخيلة نفسك لو غلطتي هيتعامل معاكِ إزاي؟ تحبي تشوفي طليقته بقي شكلها أيه؟ بتتعالج فاهمة يعني أيه بتتعالج! فاهمة وصلها لفين!

لم يسمع سوى البكاء، البكاء فقط فاشتد غضبه وتضاعف، تحدث بما عكس حالته واحمر وجهه: 
-علي العموم لو بتفكري وقتها أنسي إن ليكِ اخ.
انتفض جسدها كقلبها، لاح بعقلها هجره لها، لن تتحمل، ستفقده كما فقدت باقي احباءها الموت أهون إذن، صدح صوتها متألمًا مقتولًا:
-ما تزعلش مني يا بابا، أنا اسفة اللي تشوفه أنا موافقة عليه، بس ما تزعلش مني أنا ماليش غيرك، والله مش هزعلك تاني أنا ... أنا مش موافقة بس ما تبعدش بالله عليك، أنا ماليش غيرك ما تسيبنيش، والله خلاص مش هتجوز خالص بس ما تزعلش، ماتبعدش عني.

صدمت بسمة وشعرت بالآسي علي حبيبة، غصة اعتصرت قلبها ألمًا، لم تتخيل أو تتوقع تهديد محمود، قررت مساعدت حبيبة بكل طاقتها، لم يتحدث محمود من الغضب، ولم تقل صدمته بما افصح عنها، تملكه خوفه عليها، لن يأمن عليها مع عبد الرحمن فهو يراه أسوأ خيارٍ أمامها؛ فلا يوجد ما هو أسوأ منه.

وحدت بسمة أن من الحكمة انهاء الموقف الآن بشكل مؤقت منعًا لتفاقمه:
-ادخلي أوضتك يا حبيبة.

اقتربت منها حاوطتها بحنان، تحركت لغرفتها، جلست بجانبها علي الفراش احتضنتها بحب ماسدة علي شعرها بحنان، تحركت معها حبيبة بآليه بتردد بعقلها كلمات محمود، تأكدت من استحالة تحقيق ما تمنت؛ فلن تحيا بعيدًا عن محمود، قلبها يحتضر بين ضلوعها لتيقنها ايتحالة قربها من الحبيب، وروحها ستحتضر ٱن هجهرها محمود، هي بين خيارين إما الموت أو الموت.

تنهدت بسمة بحزن، نظرت اليها بابتسامة حزينة وحاولت طمأنتها:
-أنا حاسة بيكِ وهَتكلم مع محمود، خليكي متأكدة إن نصيبك مكتوب لك مهما حصل، محمود خايف عليكِ وأنا متأكدة أن عمره ما يقدر يبعد عنك مهما حصل، هو غضبه مسيطر عليه دلوقت، حاولي تنامي وخير ان شاء الله.

ضمتها إليها وقبلت جبينها لتشعرها بالأمان والدعم.
وبغرفتها وجدت محمود غاضبًا يجوب المكان ذهابًا وإيابًا، وبعد حوار ونقاش دام لوقتٍ طويللم يحد به عن رأيه، وقد استهلك كامل طاقتها، حدثته بأخر أمل لديها بين تأنيب ورجاء.
-يا حبيبي أنا مقدرة خوفك عليها، وأنك مش عايزها تتأذي، حبيبة لا يمكن تعمل حاجة تزعلك حتي لو كان التمن تعاستها، اديها فرصة تجرب، أكيد حد فيكم صح، بس علي الأقل لو هي غلط ما تفضلش طول عمرها باكية علي حد ما كنش لها، ولو هي صح ما نكسرش قلبها، حبيبة خايفة ومرعوبة إنك تزعل، أول مرة تقولك بابا قدامي، ليه تهددها ببعدك؟ طمنها يا محمود، أول مرة تعاملها كده، خدها في حضنك حتي لو غلطانة، أكد لها أنك إستحالة تسيبها مهما حصل، دي وصية والدك ووالدتك، أقول لك صلي إستخارة وهي كمان ونشوف الخير فين، وخليك فاكر يا محمود إن قلبها انكسر مرتين مرة وقت وفاة والدك والثانية وقت وفاة طنط، ما تكسرش قلبها تاني يا محمود قويه، روح لها هي أكيد صاحية أتكلم معاها بالراحة خدها في حضنك وطمنها.

نظر إليها مطولًا ذهب غضبه عنها، كان يقتله إحساسه بعدم اهتمامها بصلحة اخته، ويعترف أن حديثها، هدأ ثورته؛ فتَنَهَد بعمق وقد أخرج غضبه كله بحديثه مع بسمة ولكن أخر حديثها معه جعله يؤنّب نفسه وشعر بفداحة تهديده، يدرك بذعرها منه والذي يصل الي حد الهلع.

استقام واتجه إليها، طرق باب، وجدها مستيقظة بالفعل، جالسة على فراشها ولم تجف دموعها بعد، وقف مع أولى خطواته للداخل حاولت كتم شهقاتها اخفضت وجهها تخفيه، فاقترب منها وكفكف دموعها، ضمها الي صدره بحنان أبوي وحماية مقبلًا رأسها؛ فإزداد بكائها وتعالت شهقاتها، تركها تخرج ما بها ثم حدثها بلين كطبعه معها
-أنا خايف عليكِ، إحنا تربيتنا وحياتنا غيره خالص، أنا ماليش غيرك ولو عليا إستحالة أشوفك بتأذي نفسك واتفرج، أسف علي اللي حصل مني واللي قولته، أنا استحالة أبعد عنك أبدًا حتى لو أنت طلبتِ، أنتِ اختي وبنتي اتولدتِ علي ايدي وربيتك أنا وماما ولو رميتي نفسك في النار أرمي نفسي وراكِ أحميكِ واطلعك منها حتي لو عمري التمن.

رفع وجهها بانامله بحنان نظرًا لها وتشرق على وجهه ابتسامةٍ حنونة محتوية: 
-ما توطيش راسك، أوعي تخافي مني يا حبيبة، أنا حقيقي خايف عليكي عبد الرحمن حياته وتربيته غيرنا، باباه كان بيتعامل معاه بعنف شديد، غير بابا الله يرحمه، هاحكي لك موقف حصل له زمان بعدها فكرى، وتأكدي مهما حصل أنا معاكي وفي ضهرك.

دار بينهما حوار طويل، حدثها خلاله عن الفارق بين البيتين وطريقة تربيتهم وسرد لها بعض المواقف التي حدثت له وأخرى مماثلة حدثت مع عبد الرحمن وكيف تصرف والده معه، وإن ما كان يحدث ببيتهم يتناقله الجميع الذين يستمعون لصراخه ووالدته، وبالرغم من انصاتها الشديد لما قصه، إلا أن رأيها لم يتغير، بل ازدادت تمسكًا به واشفاقًا عليه، حزنت لحياته القاسية التي عاشها وشعرت بأن تلك الحياة هي السبب لما فعله مع زوجته السابقة، الغريب أنها لم تشعر بالخوف أو التراجع، وازدادت رغبتها في الاقتراب منه.

شعر بثبات موقفها وعدم تأثرها فتحدث منهيًا اليوم: 
-بصي إحنا نصلي إستخارة ونشوف، وأنتِ نقية وقريبة من ربنا، أكيد ربنا يهدينا للخير صلي إستخارة ونامي وأنا كمان وبكرة نتكلم.

أماءت له وقد هدأت نفسها قليلًا، ابتسم لها بحنان ثم احتضنها بحماية مؤكدًا عدم هجرها: 
-عمري ما اسيبك أو أبعد مهما حصل حتي لو أنتِ طلبتي ده، عمري ما اسيبك دايما موجود جنبك وأقرب مما تتخيلي.

صلى قبل نومه مباشرةً، وظل شاردًا يشغل هقله حالها وكيف يتعامل مع الموقف لم يتوقع ما حدث بأسوأ كوابيسه، تخيلها دومًا مع شخص جدير بها من نفس مرحلتها العمرية، شخص حنونا مراعيًا، لا حادًا عنيفًا كعبد الرحمن، سقط بالنوم بعد طول تفكير أرهقه، فرأى بمنامه رؤياه.

-{{يتجول وحبيبة في حديقة غنّاء ورافةً أشجارها، وبين أغصان الأشجار الاشجار والورود وجدت حبيبة طريق جانبي؛ فذهبت إليه وكان يابسٍ جافٍ أشجاره ميتة، تحولت غصونها لأشواك، سلكت حبيبة هذا الطريق؛ فناداها محمود مانعًا
-تعالي يا حبيبة بلاش الطريق ده خليكي هنا معَنا.

نظرت إليه حبيبة مبتسمة تطمئنه ثم اكملت سيرها، حاول اللحاق بها وكانت خطواته صعبة ثقيلة اما هي فكانت خطواتها خفيفةً سريعة، أثناء سيرها قطعت ملابسها الأشواك وجرحت قدمها .تحت نداء محمود الذي لم يتوقف
-تعالي يا حبيبة أرجعي بلاش الطريق ده.

وبكل مرة تنظر إليه تطمئنه مواصلة سيرها، ظلت المسافة بينهما كبيرة رغم محاولات محمود المستميتة للحاق بها دون فائدة، وصلت حبيبة لنهاية الطريق فوجدت به بابا ضخما تشتعل به النيران حاولت جاهدة فتح الباب، واحترقت يديها دون فائدة.
رؤية يديها تحترق، دبت به طاقة قصوى غلبت ثقل أقدامه فسرعت حركة نحوها، خطا علي الأشواك حتي لحق بها، دفع الباب بكامل قوته حتى فُتح، كاشفًا خلفه جنة وارفة الأغصان ذات ريح طيبة، دخلت حبيبة؛ فتبدل حالها اختفت جراحها وذهب الحريق عنها، ازدهر وجهها وتبدلت ثيابها بأخرى كالأميرات؛ فطل عبد الرحمن بكامل تأنقه ملابسه بيضاء مبتسمًا بشوشًا وقدم لها باقة فتخرة من أجمل الزهور وأطيبها ريحا، وسلة ضخمة يملؤها خبز شهي طيب.}}-

فتح عينيه؛ فاستمع لصوت أذان الفجر، عمل عقله يترجم ما رأى، يدور برأسه ما يربط بين صلاته وما رآه بنومه، نهض قم أيقظ بسمة ثم اتجه الي حبيبة قبل رأسها مبتسما 
-صباح الخير 

فتحت عينيها مبتسمة، فتحدث:
-كنت متأكد أنك مش حتصحي لوحدك النهاردة، حبيت أصحيكِ أنا.
-صباح الخير يا بابا، خلاص أنا صحيت أهو، هَقوم أتوضا.

تحدث متنهِّدًا غير راغب بقص رؤياه:
-أنا حلمت بيكِ، مش حابب أحكي بس حبيت أعرفك. 
ابتسمت براحة:
-أنا حلمت بماما.
نظر باهتمام فقصت به ما رأت.
-{{كنت في حديقة وكان في ريحة خبيز قوية حلوة قوي، مشيت وراها لحد ما لقيت ترابيزة وعليها عيش في طبق، أخدته وقطمت منه كان حلو قوي بس ناشف شوية، لسه برفع راسي لقيت ماما قدامي وبتقولي مبروك يا حبيبة، قولت لها بس ده ناشف وجع لي أسناني، مسكته ومسحت بايديها عليه فقطمت تاني، لقيته بقي طري وكبر قوي، فابتسمت ماما بصيت له تاني لقيته كبر وكتر قوي}}-
بعدها صحيت وأنت بتناديني دلوقتي وكنت لسه حاسة بطعمه.

نظر إليها مبتسمًا بتوجس، يحاول إخفاء قلقه عليها، وسألها ليستشف صحة ما فهم:
-حبيبة هَأسألك علي حاجة وعايزك تردي من غير ما تخافي من حاجة، وأنا والله مش هَازعل منك مهما كان ردك، بس جاوبيني بصراحة، أنت حاسة باي حاجة تجاه عبد الرحمن؟

اخفضت وجهها بصمت وتوتر، ففهم بوضوح، دون حاجة للكلمات، وتحدث يطئنها وهو بأشد الحاجة لمن يطمئنه على مستقبلها:
-أنا مش زعلان منك يا حبيبة، أكيد مش هاحاسبك علي إحساسك، مش هَاسألك أمتى؟ أو إزاي؟ مش حيفرق يا حبيبة مش حيفرق.

نظر اليها ببسمة حنونة، ينتزعها من حرجها، مخفيًا قلقه:
-يلا قومي أتوضي وتعالي عشان نصلي.

اكتفى برؤيتهما وصمتها عندما سألها، ولم يعيد الحديث معها عن الأمر، فقط التعامل اليومي، مر يوم اتنان ثلاثة فتوقعت رفضه، مر الوقت بطيئا قاتلًا، تمنت لو تستطيع سؤاله؛ ولكنها تخشى غضبه؛ فلم تراه بتلك الحالة أبدًا بالسباق، ولا تريد إعادة تلك اللحظات؛ فآثرت الصمت باتت شاردة حزينة، تتحرك بثقل وكأنها قلبها شق بخنجرًا تتحرك به؛ فيدمي قلبها ويزيد جرحها، ولا حقٍ لها بالافصاح عما بها.

لم يخفى على محمود تبدل حالها، يشعر بموتها البطيء، ولم يكن بحال أفضل منها؛ فهو لم يرد أن يقسو عليها أو منعها عن حبها، وبتفكير يرهقه يحاول الوصول لكيفية تمكنه من حمايتها وتأمينها إن غدر بها عبد الرحمن بعد أن تصبح بين براثنه، وبعد تفكير اضناه تمكن من تحديد بعض الشروط التي قد تأمّنها غدره.

كالجالس علي جمرٍ من النار تلك حالة عبد الرحمن، منتظرًا رد محمود، توقع رفضه بجلتسهما، ولكن إجابته بانتظار الرد متوقعًا رفضه هو أصعب من الرفض نفسه، فتكت برأسه الظنون ومزقه الصبر، أصبح كالقابض على جمر النار، يتمنى سرعة رد محمود متخوفٍ منه، موقن حتمية دخوله بمعركة هو الطرف الأضعف والأعزل بها، فحصنه حبه فقط وأسلحته بالية سواء سيرته أو طلاقه أو حالة طليقته أو حتى رغبة والدته كل تلك أسلحة فاسدة ستنفجر بوجهه هو، وستؤدي بحياته وتتحول لرمادٍ هشٍ بالٍ إن خسر معركته وكتب عليه البُعد، لو كانت معركة جسدية لتيقن النصر، ولكنها قضية وخصمه بها هو القاضي يملك السلطة والقوة والقانون.

لم يستطيع الأنتظار لأكثر من ثلاثة أيام وهاتف محمود بصباح اليوم الرابع.
-السلام عليكم إزيك يا محمود.

تَنَهَد بتوتر؛ فاسترسل عبد الرحمن متوجسًا.
-أنا عبد الرحمن .
-أيوه، عارف اتفضل.

كمن دخل خضم امتحان لم يستعد له، فتساءل بتوتر:
-يا ترى فكرت ولا لسه؟

لم يرد الإجابة، لا يتخيل مجرد إعطاءه فرصه للاقتراب من حبيبة.
-متهيأ لي معادنا بعد أسبوع مر من ثلالثة أيام بس.

أخذ نفسٍ عميقٍ راودته بعض الراحة، يكفي عدم الرفض الآن.
-يعني لسه ما اخدتش قرار.

صمت للحظة ود لو يرفض ولكن ذبول حبيبة الأيام الماضية وصمتها يؤلمه:
-لا فكرت بس ما اخدتش القرار، لأنه هيكون في إيدك، باختصار يا عبد الرحمن في بعض الشروط لو وافقت عليها ما عنديش مانع.

لم يصدق ما سمع أجاب دون تفكير سعيدًا بل يرقص قلبه من فرط سعادته:
-إن شاء الله موافق علي أي حاجة.

-ما تستعجلش، منتظرك بكرة الساعة ثمانية، الأفضل تكون لوحدك المرة دي ولو في نصيب والدتك تشرفنا المرة اللي بعدها، نتفق علي التفاصيل ولوما حصلش نصيب يبقي ما نتعبش الست الوالدة.

رد بسعادة واندفاع:
-لأ، إن شاء الله النصيب موجود، هكون موجود في المعاد وقبله كمان.

عاد محمود للبيت يبحث بعينيه عن حبيبة، وجدها علي حالها شاردة تلتزم الصمت، لم يسمع ضحكتها منذ ذلك اليوم، بل كاد لا يسمع صوتها، يعلم أنها لا تضغط عليه فهذه طبيعتها إن حزنت صمتت.

على طاولة الغداء جاهدت حبيبة لتبدو طبيعية ولم تجد أي شهية للطعام، فقدان الأمل جعلها جسد بلا روح، بعد فترة ادعت بها تناول الطعام، وقفت حبيبة حامدة، فتحدثت بسمة باشفاق.
-حبيبة كملي أكلك يا حبيبتي، أنت ما أكلتيش من الصبح.
-لا أكلت الحمد لله.

وضع كف يده أعلى كفها الموضوع على الطاولة وتحدث: 
-عبد الرحمن أتصل النهاردة، مش عايزة تعرفي قولت له أيه؟

توقعت إبلاغه بالرفض؛ فلم تتحملها قدمها وسقطت على مقعدها جالسة بوهن، توقفت أنفاسها وكاد أن يتوقف قلبها غشت الدموع عينيها، اشفق على حالها، فتحدث يوقف سيل أفكارها، ويطمئن روحها، وتحدث ببسمة محتوية مطمئنة.
-جاي بكرة استعدي.

ابتسمت بدموع ولمعت عينيها بسعادة جلية؛ فاسترسل بجدية:
-في شروط لو قبلها حوافق، ولو رفض أبقى عملت اللي أقدر عليه، وأعرفي وقتها أنه مش شاريكي.

نظر إليها مبتسمًا ليطمئنها:
-ناكل بقى.

ألقت نفسها بين ضلوعه بسعادة، وضمها هو بحنان، شعر بدقات قلبها عالية صاخبة؛ فشدد من ضمه وربت علي ظهرها بحنان، بعد فترة أبعدها عنه قليلًا وماسحًا عَبَراتها، متحدثًا:
محمود ممكن ناكل بقي مش نمثل الأكل.

أماءت موافقة عادت تناول طعامها، ابتسمت بسمة بسعادة حقيقة من أجلها وتمنت لها السعادة وأن يكن عبد الرحمن جديرًا بها.

حل المساء واجتمع محمود وبسمة بغرفتهما، جلسا في ركنهما الخاص الذي طالما جلسا فيه يتدبران شئون حياتهما يتسامران، تحدثت بسمة بسعادة وفرحة كبيرتين.
-أنا فرحانة قوي عشان حبيبة، ومبسوطة أنك وافقت تديهم فرصة .
-بصراحة الفضل ليكِ يا بسمة، وأسف لاني كنت عصبي جدًا اليومين اللي فاتو وضايقتك كتير، أنا أصلًا لحد دلوقتي مش مستوعب اللي بيحصل.
-أنا مقدرة يا حبيبي، صحيح زعلت شوية، خصوصًا وأنا قصدي خير والله بس كله يهون قدام قرحتها خلاص مش زعلانة، محدش عارف النصيب فين يا محمود يمكن هو نصيبها. 
-مش عارف يا بسمة، كنت اتمنى تتخطب لشخص من سنها تكون أول واحدة في حياته، يكون شبهنا كده لكن عبد الرحمن غيرنا في كل حاجة حتى فرق السن كبير قوي. 
-أنا فكرت في ده كتير، ما ننكرش إن أحيانًا المستحيل بيتحقق في ارض الواقع، ممكن حبيبة تكون شايفة اللي احنا مش شايفينه، يمكن لما تقرب منه تقدر تحكم عليه صح، فرق السن ميزة وعيب في نفس الوقت.

رد بأنتباه وتركيز شديد: 
-ازاي ميزة وعيب؟!
-حبيبة ما تفتكرش عمي الله يرحمه، وأنت لها أخ وأب، ممكن تكون شايفة عبد الرحمن زيك كده زوج و أب، يعني تكون حابة الفرق ده عشان زيك كده فاهم قصدي.
-فهمت لو كده ممكن تكون أصلًا مش بتحبه زي ما هي متخيله، ويكون وهم لمجرد الفكرة دي.
-كل شئ ممكن، وده اللي هيوضح لها فتره الجاية، يا أما هتتعلق به زيادة أو أنها هتحس بحاجة مش صح، دورنا نتابعها ونساعدها تحدد إحساسها، تعرف عايزة أيه بدون اجبار، نشوف هو بيتعامل معاها إزاي، شاريها وعايزها ولا عايز نسخة من طليقته يفرض عليها سلطته، فهمتني؟! 
-فهمتك، بسمة أنت كنت عارفة أنها بتحبه، ليه ما قولتيش؟ ما تعرفيش إحساسي كان إزاي وأنا شايفك موافقة وبتقنعيني به، كنت هتجنن بجد. 
-بعد الشر عنك، أنا ماكنتش عارفة صدقني، لكنها اتكلمت معايا من كام يوم، وفهمت أنها بتحب حد أكبر منها شويتين، اعتقدت أنه معيد أو دكتور في الجامعة ولما تقدم لها وشوفت رد فعلها فهمت أنه هو، عارف أنتم الاتنين صعبتوا عليا ما كنتش عارفة أقف مع مين، لقيت نفسي من غير ما أفكر بساعدها خصوصًا لما لقيتك ولأول مرة عصبي ومش عارف تسيطر علي انفعالك، وجيت عليها كتير لدرجة أنك ما حستش بخوفها.

-عمري ما توقعت كده، كنت بحس ساعات أنك متضايقة منها ومن اهتمامي بها.

-ما انكرش إني أحيانًا باغيِر من اهتمامك بها، ما أنا في الأخر ست والغيرة صفة أساسية فيّا، وأنت تعاملك معاها حالة خاصة نادرة، بس برده أنا مريت بإحساسها وجربت اليُتم، أي بنت في الموقف ده بيكون نفسها باباها يكون معاها يقابل عريسها، ووالدتها تدافع عنها وتقف جنبها وتحاول تقنع باباها، لكن هي لقت نفسها من غير الاتنين، وده صعب قوي هي شايفاك باباها وبتندهك بابا من وقتها كان لازم تلاقي حد يسندها كان لازم تلاقي حضن شبه حضن مامتها.

ابتسم برضا وقبل يدها بسعادة: 
-أنا أكتر انسان محظوظ يا حبيبتي، ربنا رزقني بزوجة حنونة ومميزة زيك، بصي يا بسمة عايزها تفرح، خليها تجيب أي حاجة عايزاها وجهزي كل حاجة عشان بكرة، حتي لو رفض شروطي علي الأقل تكون فرحت.
-أكيد يا حبيبي خير ان شاء الله، وأنت هات معاك جاتوه وحاجة ساقعة وظبطنا كده. 

ليله سعيدة مرت على عبد الرحمن وحبيبة لم يستطيعا بها النوم من فرط السعادة، فقد اقتربا من تحثيق حلمهما.

لم ترغب حبيبة في شراء ثوب جديد كما عرضت بسمة، رغبت ان يراى عبد الرحمن الثوب الذي ارتدته يوم زفاف محمود، مر الوقت طويلًا حتي حل المساء، رفعت جانبي شعرها بشكل مرتب، واسدلته علي ظهرها، ولم تنسى ترك غرة صغيرة اعلى وجهها، وضعت القليل من الزينة تحدد عينيها ومعالم وجهها، كانت بقمة سعادتها وجمالها، لمعت عيناها من الفرحة.

مع اقترب وصول عبد الرحمن سمعت صوت محمود يناديها، أراد التأكد من استعدادها، يرى فرحتها، مع طلتها دغدغت مشاعره مختلطة سعادة وغبطة، مشاعر ابوة خالصة، كبرت فتاته الصغيرة وباتت عروس فاتنة متوجة على عرش الحسن والجمال.

وضع كفيه علي كتفيها ببسمة سعيدة:
-ما شاء الله، تصدقي أول مرة أخد بالي انك بقيتي عروسة زي القمر، مش البنت الصغيرة اللي كنت بوديها المدرسة.

ابتسمت وأحمر وجهها خجلًا، بتلك اللحظة استمعا لجرس الباب، فتحدث محمود
-أكيد عبد الرحمن، افتحي يا حبيبة ودخليه الصالون

وقفت أمام الباب أغمضت عينيها، سحبت شهيق عميق ثم فتحت عينها وتلاها الباب، لم يتوقع أن تقع عينيه عليها بتلك اللحظة، ابتسم بسعادة، واطرب مسامعها بثنائه:
-ما شاء الله تبارك الله خلق فابدع، ازيك؟ 

احمر وجهها خجلا وتصارعت دقات قلبها:
 -الحمد لله اتفضل.

لحقهما محمود بغرفة الصالون، وتبع دخوله خروج حبيبة، بدأ محمود جلستهما دون مقدمات. 
-أنا هدخل في الموضوع على طول، أنا فكرت في طلبك كتير بصراحة في حاجات قلقاني زي فرق السن بينكم، جوازك ومن بعده الطلاق السريع، توصلت لبعض النقاط أو عشان نكون أوضح نقول عليها شروط؛ لأن بدونها مفيش ارتباط وتعتبر طلبك مرفوض، ولو وافقت هيبقي في فترة خطوبة من خلالها نحدد إذا كان في توافق ونكمل الجوازة أو إن مفيش نصيب.

-إن شاء الله النصيب موجود، أنا سامعك اتفضل.
-أول حاجة شرط أساسي، حبيبة تكمل دراستها، السنة اللي فاضلة في الكلية، يعني جوازكم هَيكون بعد سنة.
-معاك أنها تكمل السنة اللي باقية، بس مش لازم الجواز بعد سنة، ممكن تخلص السنة دي وهي في بيتها، وزي ما قولت سني كبير فمش لازم نستني وخير البر عاجله.
-مش شايف أنها صعب تذاكر مع الجواز، وبعدين أنتم محتاجين وقت تتعرفوا فيه على بعض أكتر.
-بالنسبة للمذاكرة أوعدك أنها لازم تكمل وإن شاء الله تجيب تقديرات عالية، أما التعارف فسهلة ممكن نتقابل كتير، كده كده المعرفة الحقيقية بتكون بعد الجواز، ولو في تنافر لا قدر الله هيظهر من المقابلات، يعني ممكن الخطوبة تكون شهر تعارف وتجهيز الشقة ومستلزمات العروسة وبعد كده الجواز.

-تاني حاجة ومهمة جدًا تأجيل الحمل أول سنة من الجواز، وشرطي الثالث لازم يكون لها بيت مستقل مش حتعيش مع والدتك يعني مش تفرشوا البيت وتسيبوه وتعقدوا مع والدتك.

صدمتين متلاحقتين، الشرطين التاليين  أذهلاه لم يتوقعهما، تعليمها الجامعي خام له ولها نواه قبل ان يشترطه محمود، لكن تأخير الإنجاب ومنعه عن والدته، لما؟!!!
-مش فاهم ليه! أول مرة اسمع حد يشترط كده!

بتلك اللحظة دخلت حبيبة تحمل صينية المشروببأيدي مرتعشة، فنهض عبد الرحمن وحملها عنها، نظر في وجهها مرددا نفس الجملة، ووقعها عليها كأحلى كلمات الغزل.
-ما شاء الله تبارك الله خلق فأبدع.
قطع تأمله صوت محمود شاكرًا لها، مشيرًا لها برفق لتتركهما، انتبه عبد الرحمن فنظر لمحمود متسائلًا.
-طيب فهمني السبب.
-الجواز مسئوليه كبيرة لازم تتعود عليها الأول، ده غير إن المذاكرة والحمل تعب واجهاد، صعب تتحمل كل ده مرة واحدة. 
-عندك حق موافق، بالنسبة للبيت الشقة موجودة  ولسه مفروشة فبقترح بدل ما نبدل العفش وهو جديد نسيبه ونعمل فيه تغيرات بسيطة، وبدل ما نصرف الفلوس في تغيره ادفعه لها مهر، وأكيد أحب أفضل أنا وهي في بيتنا بس ما يمنعش إني أزور والدتي دي أمي وملهاش غيري.

-هأكون صريح معاك، مش عايز فرق السن يجي على حبيبة، ويضيع حقها، مش عايزها تقابل أى تحكم أو تحس بالقهر ما ينفعش يتفرض عليها تقعد فين أو تاكل أيه، مش عايزها مقيدة، ما قولتش تبعد عن والدتك أو تسيبها بالعكس لو عملت كده أخاف على اختي منك، حبيبة أختي وبنتي كمان، عايزها تدير بيتها زي ما هي تحب، مش ما حد تاني يحدد، واعتقد ده حقها أما موضوع الشقة فما عنديش مانع، لو حبيبة وافقت نغير الديكور والألوان، يا رب وجهة نظري تكون وضحت.
-تمام، أنا موافق. 
-فكر الأول الموضوع مش سهل ومش هقبل إنك تخلف أي وعد، حتى بعد الجواز.
-اعتقد رغم اختلافنا عمرك ما سمعت إني خلفت وعدي، أى كلمة أقولها ملزم بها وسيف على رقبتي.

-تمام، هسأل حبيبة على موضوع الشقة وأرد عليك.
-طيب خير البر عاجله أسألها دلوقتي.
ابتسم متعجبًا من تسرعه:
 -رغم إني مش بحب الاستعجال بس هسألها.

 استأذن منه وذهب لحبيبة عرض عليها الأمر؛ فوافقت مرحبة، ثم همس بأذن بسمة ببضع كلمات متجهًا إلى عبد الرحمن، أخبره بموافقتها ثم حدثه بأمرٍ أخر.

-بص يا عبد الرحمن لازم تعرف أنه ما كانش سهل أبدًا إني أوافق أديك الفرصة دي، وأعرف أنها ولو ضاعت مش هيكون في فرصة تانية، استحالة أقبل إن حبيبة تتوجع أو تتهان، أنا واثق أنك فاهم قصدي كويس.
ازدرد ريقه، أملًا سير الأمور بنصابها السليم، وحدثه مطمئنًا: 
-ما تقلقش عليها، إن شاء الله مش هتندم.

لحظة صمت شعرا خلالها بالتوتر، أمل محمود أن يكن إتخذ القرار السليم؟ قطع الصمت دخول حبيبة خجلة رفقة بسمة، تنظر باستحياء فاستقبلها محمود بابتسامة واجلسها بالمقعد المقابل لعبد الرحمن متحدثًا.
-مبروك يا عبد الرحمن، هاسيكم مع بعض تتكلموا، ولكم ثلاث مرات تقعدوا مع بعض وبعدها لو حبيبة أكدت موافقتها، نحدد معاد تجي مع والدتك ونتمم الخطوبة.
نظر عبد الرحمن بوجه حبيبة عقب خروج محمود، أمعن النظر بوجهها فازداد حُمرة.
-ما شاء الله تبارك الله خلق فابدع، ممكن أطلب حاجة. 

فأومأت بخجل مفرط؛ فاسترسل:
-خلي شعرك كله على جنب واحد. 

فعلت؛ تحدث ناظرًا إليها بشوقٍ وحب:
-ايوووووه، أنا تمنيت اللحظة دي كتير، وحلمت بها بس أنت أحلى بكتير في الحقيقة، أنتِ جميلة قوي يا حبيبة.

 تضاعف خجلها وإحمرار وجهها، فاسترسل:
-نفس الخجل وحمرته اللي بانت عليكِ يومها فاكرة.

نظرت إليه  بعدم تصديق وفرحة، تسائل عقلها أيتذكر هو أيضًا، أم يقصد أمرًا أخر. 

 وكأن نظراتها اخبرته، فأجابها دون سؤال:
-فاكر كأنه إمبارح، من يومها اسمك محفور في عقلي "حبيبة محمد".

ابتسمت برقة: 
-بس أنا اسمي مش حبيبة محمد.
رد بابتسامته البشوشة:
-مش أنتِ ومحمود إخوات؟ 
-أكيد لكن اسمي مركب. 
-أزاي حبيبة اسم مركب؟!
-اسمي حبيبة الرحمن، عارفة أنه غريب، أي حد يعرف يستغرب، من وقت المدرسة وكل سنة بعيد نفس الكلام.
عبد الرحمن: بجد حبيبة الرحمن اسم جميل قوي إن شاء الله تبقي حبيبة الرحمن وعبده  اللي هو أنا تبقي حبيبة الرحمن وحبيبت عبد الرحمن.

خجلت حبيبة واحمر وجهها بشدة، نظر لها مبتسمًا بقلب خافق من السعادة:
-مش حقولك بلاش كسوف، بس أوعي تسكتي تاني أنا ما صدقت سمعت صوتك.

لمست كلماته قلبها، بادلته الابتسام:
-اسمي مختلف شوية بس له حكاية.
-طاب قوليها يا رب تكون طويلة عشان اسمع صوتك كتير.

-بعد محمود تأخر حمل ماما كتير بدون سبب، رضوا بأمر ربنا وبعد 10 سنين ماما حملت وجيت أنا، يومها ماما سألت بابا مش زعلان أنها بنت بعد السنين دي كلها، قالها لا طبعا دي حبيبتي وإن شاء الله تكون حبيبت الرحمن وقالها ده أحلى اسم "حبيبة الرحمن".

 شردت حبيبة واختفت ابتسامتها، وادمعت عينها.

دموعها وحدها تؤلمه:
-ليه يا حبيبة بلاش دموع، ربنا يرحمه.

رسمت بسمة على وجهها من جديد: 
-أنا كويسة ما تقلقش.
-أنا كنت عايز اسمعك، بس من غير دموع.

طال الحديث ولم يشعرا بالوقت، أعجب بطريقة تفكيرها ولباقتها: 
-عارفة إنك مختلفة؟
-ازاي يعني؟!
-تفكيرك أكبر من سنك، عقلاني عندك معلومات كتير.
-فعلًا بابا دايما بيقولي بالعقل والتفكير نقدر نحل أي مشكلة، عودني على القراءة وأستخدم عقلي وأفكر كويس.
-بس والدك توفى وعمرك خمس سنين.

ابتسمت مجيبة:
-قصدي محمود أصل دي حكاية تانية. 
-شكل حكاياتك كتير طيب ممكن تحكيها؟
-أكيد، لما دخلت المدرسة كنت كل يوم أرجع معيطة، الأولاد في المدرسة يحكوا عن باباهم هزار لعب، بابا جاب، وأنا كنت بسمعهم وأرجع معيطة.

 اقتحمت الدموع عينها مرة اخرى وسالت على وجهها تنما بداخلها حاجتها الشديدة لوجود والدها:
-بعد كذا مرة جه محمود اتكلم معايا عن يوم ولادتي وأن بابا وصاه يكون أب تاني ليا، كلمني عن بابا كتير وفي الآخر طلب اقوله 'بابا' ومن يومها بقى بابا. 

اقترب منها أكثر وجفف دموعها بحنان:
-أنا اسف بس حسيت إني السبب في نزولها، اسف لو ضايقتك.

 ورجفة بقلبها زلزلت كيانها، أقوى مما شعرت بها بأول لقاء، نظرت إليه بأعين متسائلة، ودت لو لديها الجرأة لتسأله أو ان يجيبها هو دون سؤال، أمعن هو النظر بوجهها مبتسما، لمسته لوجهها فعلت به الكثير كادت تذهب عقله.
-ممكن تبتسمي مش عايز أخر حاجة أشوفها النهاردة تكون دموعك. 

 دخل إليهم محمود ناظرًا بساعة يده: 
-أيه الأخبار متهيأ لي كفاية  كده النهاردة الوقت أتأخر الساعة ١١ أيه يا عبد الرحمن مش عندك شغل الصبح؟!

لم يشعرا بمرور الوقت، ازداد شوقهما ولم يقل، ولا زالا غارقين بكل ما دار لبلقاءهما، أنتظر عبد الرحمن بفارغ الصبر المقابلة الثانية، أنتبه أنه لم يحدد موعدًا لها.

بالصباح هاتف محمود، وبالكاد اقنعه بالاسراع باللقاء الثاني لهما، مقترحًا المساء، وافق محمود على مضض، يكفيه سعادة حبيبة واشراقها الظاهر بوضوح منذ الأمس.

 حل المساء واستعدت حبيبة لم تضع الكثير من الزينة فضلت، بل ما يوضح عينيها فقط، ارتدت فستان بسيط واطلقت شعرها على ظهرها، وضعت طوقا في مقدمته فظهر أكثر طولًا.

وصل عبد الرحمن فاستقبلته حبيبة كالمرة السابقة وأنتظر هو طلتها التي اشتاق إليها منذ ان تركها مباشرةً، ابتسم بسعادة لرؤيتها أحب بساطتها ورقتها، واطرب أذنها بجملته التى أسرت قلبها من اللحظة الأولى.
"ما شاء الله تبارك الله فيما خلق"

 بخحل وحياء جلسا بغرفة الصالون، انضم إليهما محمود لبعض الوقت ثم انسحب بهدوء، بدأ عبد الرحمن الحوار:
-ممكن النهاردة نتكلم من غير دموع. 

أومأت له باسمة، واسترسل.
-أنت عارفة أنك زي القمر.
-ليه دايمًا نشبه المرأة بالقمر؛ عشان بيطلع بالليل مستخبي، طيب ليه مش شمس مثلًا؟!

اتسعت بسمته وأجابها ببشاشة: 
-ماكنتش متوقع الرد ده خالص، بس حقولك السبب من وجهة نظرى، القمر بينور ظلام الليل من غيره الدنيا تبقي عتمة، كمان تقدري تبصي للقمر وتستمتعي بجماله من غير ما تتأذي، والمهم أن الليل وقت الأحباب، يعني القمر رمز للحب والراحة والسكن والزوجة كل دول، أما الشمس برغم من حلاوتها لو بصيتي لها تأذي عينك ولو فضلتي فيها كتير تحرقك ودايمًا النهار وقت السعي على الرزق يعني تعب، صحيح فيها دفا ونور بس رمز للشقي بالرغم من كده بعض الشعراء شبهوا المرأة بها بس بنورها ودفاها وبس مش في كل حاجة زي القمر، شوفتي بقي.

بادلته الابتسام:
-أنا كمان ماكنتش متوقعة الرد.
-إن شاء الله تكوني قمري سكن ونور وجمال وحب.

هكذا بدأ الحديث الذي طال دون أن يشعرا بالوقت،  حتى قطعه محمود للمرة الثانية؛ لتأخر الوقت. 
وفي اليوم التالي عاود عبد الرحمن مهاتفت محمود والذي رد بقطعية 
-خليها أخر الأسبوع يا عبد الرحمن مش كل يوم كده خليها تقدر تفكر وتقول رأيها.

أنتظر اللقاء الثالث بشوق شديد، والأخير قبل قرار حبيبة النهائي، كان موقن من موافقتها، لكن للانتظار نيران حارقة، ثلاثة أيام كثلاث أعوام، فهاتف محمود غير قادر على منحه وقتٍ أطول.

-السلام عليكم، أزيك يا محمود، انتظرت تتصل تقولي قراركم، ولما تأخرت اتصلت أنا يا رب خير.

أجابه بعدم رضا، تمر الأمور أسرع مما تخيل، ولم يقل قلقه على أخته بل يتزايد، فتحدث بضيقٍ أخفاه:
-كنت هتصل أخر الأسبوع، على العموم تقدر تيجي مع والدتك ونكمل التفاصيل الباقية، خليها بعد أسبوعين من النهاردة يعني تالت خميس أن شاء الله.

أحدهما يطيل الفترة والآخر يريد اختزالها:
-ليه تالت خميس؟! خليها الخميس الجاى.
-بعد يومين! أكيد لأ في ترتيبات لازم تتعمل، ومفيش سبب للإستعجال.
-ما هو كمان ما فيش سبب للتأجيل، أقول لك خليها الخميس بعد الجاي كما عشر أيام كفاية لأي تجهيز تمام .
-ماشي سلام.

لا يثق به، فكيف يهديه أخته بتلك السهولة واليسر، يشعر أنه تعجل بقراره فحبيبة أصغر من تحمل نتيجة قرارها منفردة.
وعلى النقيض عاد عبد الرحمن يكاد لا يشعر بخطواته من فرط السعادة التي بدأ تذوقها أخيرًا والتي لم تخفى على والدته فهي ظاهرة للعيان.
-مالك يا عبد الرحمن؟ اليومين اللي فاتوا  أنت مش زي عادتك، مبسوط زيادة ومشاويرك كتير، ودايما لوحدك كدة لا بتقعد معايا ولا بنتكلم زي عادتنا.
-عندي خبر هيفرحك يا امي، مش كنت عايزاني اتجوز تاني، هحقق لك أمنيتك أيه رأيك مفاجئة حلوة، صح؟
ابتسمت بسعادة لإستعادة هيمنتها من جديد:
-مين العروسة؟ ولا أختار لك أنا؟
-اختارتها يا امي، ومشاويري الفترة دى عشان أخد موافقة مبدئية، اسمها حبيبة في أخر سنة كلية تربية، عندها واحد وعشرين سنة، هَنزورهم الخميس بعد الجاي، كمان عشر أيام.

صدمها كيف له فعل كل ذلك دون الرجوع إليها، بالماضية الماضية كانت تدفعه لاتمام كل خطوة، ولم بكن لدي. الرغبة، فتحدثت معاتبة:
-لوحدك كده من غير ما تقولي الأول.

 بطريقة والده تحدث، ثقة شموخ حدة:
-دي مواضيع وكلام رجالة.

حدته واختصار الكلمات ذكرتها بتعامل عبد الرحيم فصمتت واعاد عليها عقلها مجادلتها له في بداية زواجهم بأمر لا يخصها.
شردت بعقلها سلطت بصرها لغرفتهما، فيومها وبعد جدال منها اتسم بالإصرار والعناد، تركها بهدوء متجهًا للغرفة؛ فشعرت بالانتصار، وشحب وجهها حين عاد إليها يحمل حزامه ووقف خلفها، خرجت كلماته بحزم شديد وصلابة مؤلمة كجلداته التي انهالت على جسدها. 
-ده كلام رجالة، أمور شغل الستات ما يتكلموش فيه، الستات تتكلم بأمور البيت والأكل والتنضيف، لكن لا تتدخل في الشغل ولا تحشر نفسها، ولو جادلت في اللي ما يخصهاش يبقي تتعاقب وتتربي.

شعرت بوقع الجلدات عليها، وكأنها تستقبلها الآن، أفاقتها من بحر ذكرياتها الضحل، فتحدثت مؤنبة ابنها.
-كده يا عبد الرحمن، ما أنت أخدت رأيي في الجوازة اللي قبلها!

تحدث بقطعية وكلمات لم تستشعر هي المعنى الذي قصده:
-الجوازة دي غير اللي قبلها يا امي، يا ريت تخلي بالك من ده، غير اللي قبلها.

-العروسة حلوة، أوعى تجيب شقة تاني، لا تغير شقتك ولا عفشك، مش مصاريف والسلام.
-هيظبطوها شوية والعفش والشقة هيفضلوا زي ما هم، وقبل ما تسألي أحنا اتكلمنا على الشقة بس، باقي التفاصيل لما نزورهم، أمي الكلام هناك كلامي أنا بس، دى اتفاقات رجالة تمام.
-ربنا يتمم لك على خير .

سعدت وارتاحت، لم يجول بخاطرها حياة ابنها، قدر ما جال به هيمنها واستعادة سلطتها، سلطة العقاب، أن يكن ابنها السوط الذي تستخدمه لإحراق الروح

الفصل السادس 
ذهب عبد الرحمن ووالدته إليهم، وتم الاتفاق على موعد الزفاف بعد شهر من زياتهم، اكتفت حافظة بالصمت كما اخبرها عبد الرحمن، بدت عليها السعادة، حددت حبيبة ما أرادته من تجديدات وتغيرات، وتابع محمود التجهيزات الشقة وشراء ما رغبت من مستلزمات وخلافة واشتري لها محمود كل ما رغبت، ولم يبخل عليها بشيء، وأشرف على العمال  حتى أنتهوا من طلاء المنزل كما رغبت.

أرادت جعل التغيرات مفاجأة له، وعاونها محمود من أجل اسعادها، وأمتثل عبد الرحمن لرغبتها وابتعد عن متابعة العمل، فقط من أجل اسهادها وتنفيذ رغبتها، يمني نفسه بقرب الوصال.

هي بعينيه عروس مثالية، تملك عصا سحرية بقربها يصبح شخص محب حنون، توقظ به شخصيته الجيدة، يكن لها الحب، ولوالدته اختيار جيد، يتيمة الأبوين، صغيرة السن، يمكنها تطويعها وتأديبها كيفما أرادت.

أهداها عبد الرحمن تليفونًا محمولًا،  بتلك الفترة كان أمرًا جديدًا لا يملكه الكثيرين، أصر على محمود ليسمح لها بقبوله، هدف به الإطمئنان عليها لكثرة تحركاتها لشراء مستلزماتها، كما أنه على وشك إتمام زواجه بها، قبل محمود مرغمًا لنفس السبب، الإطمئنان عليها.

  قبل أسبوع واحد من موعد الفرح، استعدت حبيبة لانهاء أخر تفاصيل مشترياتها، يرافقها سما، هاتفها عبد الرحمن وهي تتأهب للمغادرة.
-خلاص يا عبد الرحمن أنا نازلة، ومش هَتأخر إن شاء الله، وسما معايا.

-برضوا لوحدكم، حاولي ترجعي بدرى، كنت ناوي أكلم محمود وأجي النهاردة.
-الحاجات دي ضرورى لازم اجيبها، ده أخر مشوار خلاص، إن شاء الله بعد كده الكوافير وفرش الشقة وتركيب الستاير وبس.

اجابها ببشاشة متعجبًا:
-وبس! كل ده وتقولي وبس.

استمعت لطرقات الباب وهي تحادثه، تحركت بسمة ووجدت أمامها سيدة ثلاثينية العمر، يبدو عليها الاضطراب الشديد والتوتر، وطلبت مقابلة خطيبة عبد الرحمن.

انتبهت حبيبة لتلقبها بخطيبة 'عبد الرحمن' أثار اللقب تعجبها ودهشتها
-عبد الرحمن اقفل دلوقتي حكلمك تاني، في واحدة بتسأل عليا.
-شوفي مين وأنا معاكي. 

تحركت كليهما صوب الأخرى، ووقفتا متقابلتين، تعجبتا من شدة التشابه بينهما، كل منهما تتعمق النظر بالأخرى.

 ظنت حسناء إنه سيتزوج من شبيهتها، تفكير أرضاها رغم عدم اقتناعها، ولكن أراح كبرياءها المحطم، ودار تساؤل بعقل حبيبة، من منهما التي تشبه الأخرى من وجهة نظر عبد الرحمن؟
 قطعت حسناء حاجز الصمت والتساؤل:
-أنت خطيبة عبد الرحمن؟
-ايوة، أنت مين؟
-حسناء طليقته. 

 صدمة نالت منها، وحلت مثلها على عبد الرحمن الذي لم يُنهِ اتصاله، نبت بداخله سؤال أفزعه، أضاع حلمه من جديد؟! لا لن يتركه، ولكن إن تحدثت طليقته انهار حلمه بعد أن كاد يتحقق، ترك عمله واسرع لمنزل حبيبة، يجهل ما يمكنه فعله، ولكنه سيمنع حسناء ولو بالقوة، لم يتوقع مجيئها، هي سقطت من ذاكرته بل سقطت من حساباته جميعًا؛ فهي ماضٍ أسود. 

جلست مع حسناء بالصالون؛ وخارجه تداركت بسمة صدمتها، وبعد تفكير دام لبضع ثوانٍ، أيقنت ضرورة تواجد محمود، متوقعة سوء الوضع، فهاتفته وسردت له ما حدث، وحثته على سرعة الحضور؛ فانطلق إليهم مسرعًا الخُطى.
 

مرت لحظات صمت قطعتها حسناء الجالية بتوتر واضح:
-أنا فكرت كتير قبل ما أجي، لكن لما عرفت ظروفك جيت أخلص ضميري وعشان ما يحصلش معاكي زيي.
-هي أيه ظروفي؟! وتقصدي بإيه زيك!!!
-أنك يتيمة، قاعدة مع أخوكي، أنا كمان يتيمة الأب عايشة مع أمي، تقريبًا عبد الرحمن بيختار حد نفس ظروفنا، حد مكسور من جواه؛ عشان يكون سهل عليه يكسر الباقي اللي فيه.
-مش فاهمة قصدك! وياريت بوضوح.
-عبد الرحمن تشوفيه من بعيد تحسيه شخصية جميلة محترمة بشوشة، لكن في البيت مع مراته تحديدًا، بيكون شخص تاني على النقيض تقريبًا، عنيف في كل حاجة.

 أغمضت عينها أخذه نفسًا عميقًا واكملت بصوتٍ مختنقٍ مملوء ببكاءٍ مكتوم 
-عبد الرحمن بيتعامل في البيت بأيده، بيتكلم بايده، عارفة يعني أيه أكون مُدرِسة (مُعلمة)  الصبح توجه الأطفال وبالليل اتضرب لأي سبب وأتفه سبب مش بس كده.

 حاولت جمع شتات نفسها وكتم عَبَراتها، أحكمت إغلاق جفونها، وتخلل البكاء كلماتها وتحررت دموعها من محبسها.
-كان يتلذذ ان الضرب يكون مهين، زي ضرب الأطفال ودايما..

قطعت كلماتها ارتفع بكاءها وتزايدت دقات قلبها وكانها ترى نفسها بين يديه الآن؛ فدوت أنفاسها بالمكان شهيقًا وزفيرًا، ثم استرسلت بتوتر وارتجاف.
 -دايما يجردني من ملابسي وأنام على وشي..
 نوبة بكاء هيستيري تملكتها، تعيش أسوأ كوابيسها من جديد، مجرد قص ما كان يحدث يقتلها، ثم اكملت بوهنٍ وألم
 -حتى الوقت القليل اللي بيكون طيب فيه بعد فترة تحول هو كمان لتعذيب.

تألمت حبيبة من أجلها، شعرت بمعاناتها الجلية بمجرد تذكر ما كان، وعقلها يسألها أتلك هي الحياة التي تتمناها معه؟ لم تصدق ما قصه العامة عنه، ولكن ها هي بطلة الحكاية تلقي على مسامعها جمرات ملتهبة، نظرت إليها بألم على كلتيهما، يخبرها عقلها وقلبها أن ما تسمعه حقيقة وليس إدعاء؛ فتلك الدموع والحالة استحالة ان تكن تمثيل أو تخيل بل واقعٍ أليم.

تسائلت بدموع:
-طيب والدته ما كنتش بتتكلم معاه؟ ما كنتيش بتشكتي لها، ما كنتش بتمنعه؟

ضحت بآسى هيستريا واستنكار تتسابق عبراتها: 
-والدته ! هي اللي كانت تشجعه، أكتر وقت اتهنت فيه واتوجعت كان عندها، أول جوازنا كان كويس معايا مش حنون بس عادي، وأول مرة حصل كده في بيتها، بقي العادي بعد كده، ساعات قليلة كان وهو بيضرب يبص في وشي يسرح ومرة واحدة يحضني ويعتذر، يوقف كل حاجة، لكن بعد كده بقي يتجنب يبص لي، عارفة أكتر حاجة توجع هي أنه في اللحظات القليلة اللي بحس فيها معاه اني مراته وانه طيب معايا كان يناديني باسم واحدة تانية.
-واحدة تانية؟!
-أيوه "حبيبة " كان يناديني "حبيبة"

خفق قلبها واتسعت عينيها بصدمة، حدثها عقلها بصمت واستنكار:
 -أنا، أنا كنت السبب، أنا مشتركة معه في تعذيبها.

افاقت من شرودها تستمع لما تقصه غير مصدقة ما تسمع تفيض دموعها بسخاء، لم يستوعب تسمع، وكأنها تحدثها عن أخر يرفض عقلها تصديق ما تقص والأصعب أيقنت ان لها يد بمعاناتها، حاولت إيجاد أي عذر أو مبرر مخرج من تلك العتمة.

-ماحاولتيش تتكلمي معَه؟
-بخاف أتكلم، بخاف أقول أي حاجة تطلع غلطة واتعاقب، وجع الضرب مع الإهانة، روحي كانت وبتموت كل يوم وكل لحظة.

إزدادت حالة حسناء سوءً مع كل حرف تنطقه، رجتفها صريحة ووتوترها بَيِّن، ومع انتهاء أخر كلمة وطأت قدم عبد الرحمن المكان بزوبغة شديدة من الغضب، وضحت حالته من عنف طرقاته، لم يتح لبسمة فرصة التحدث ودون استأذان اقتحم البيت فالصالون بحث عنها بعينيه وبصوت محتد ثائر هدر. 
-هي فيــــن؟ 

زلزل صوته كيانها، تبكي بنحيب كالأطفال، ظهوره أمامها كان الطامة الكُبرى لها، أعاد على ذاكرتها سواد أيامها معه، متذكره صفعاته وضرباته، انكمشت على نفسها بذعر، ووضعت ذراعيها أمام وجهها كدفاع من ضرباته المتوقعة.
 حلت بها الصدمة؛ فكلمات حسناء عما عاشته كسهام اصابت قلبها، ورؤياه أمامها الآن بحالته تلك اودت بها إلى حافة الهلاك؛ فتمزق قلبها، وتوالت صدماتها بها بصورة كارثية، تشاهد أفعاله وكأنها بمكان أخر عجز لسانها كعقلها.

تملكه الخوف؛ فتوقف عقله، يخوض حربين، أحدهما ظاهرة عدوه بها طليقته، يدافع بها عن حبه المنشود، والأخرى خفيه عدوه بها وحشه الكامن بأعماقه.

 طفا جزء من وحشه منقضًا على ذراع حسناء بعنف، سحبها لتقف أمامه،  رجها بقوة هادرًا بعاصفة غضب: 
-أنتِ هنا ليه؟ عايزة تخربي حياتي ليه؟ مش كفاية اللي حصل قبل كدة.

انخرطت بفزع في بكاء هيستري، انتحابها أيقظ حبيبة من عنف صدمتها؛ فوقفت تحول بينهما تبعده عنها، لامته بنظاراتها الحزينةٍ؛ فبادلها بأخرى مدافعة آملة بفرصة، تحدثت بألم ورجاء:
 -سيبها يا عبد الرحمن، سيبها عشان خاطري، سيبها بقى.

ثبت مقلتهيه بعينيها، تألم من دموعها وحزنها البادي، ترك حسناء واضعًا كفيه أعلى كتفي حبيبة، وتحدث راجيًا: 
-ما تسمعيهاش يا حبيبة، أكيد مش جاية في خير، ما تسمعيهاش.

ايقنت أنها أمام حبيبته التي طالما ما ناداها باسمها، هي من تشبه حبيبته، أخبرها عقلها يكمل معاناتها أن هذا سبب زواجه منها، لم يكن شروده بها سوى بحث عن حبيبته بملامحها، زاد عذابها كما زاد بغضها له.

وصل محمود متحفزًا، صوت النحيب أطاح بعقله الذي صور له أخته بوضعٍ سيء مُهانة، ولم يعي عقله من هي صاحبة النشيج؛ فدخل متحفزًا ينوي بالأخر شرًا، ووصل لذروة تحفزه وانقض على الآخر جاذبًا إياه من ملابسه، وقد صور عقله بوضعهم هذا أنه يؤذيها وصرخ به مستعدًا لعراك متحد.
-بتعملها أيه ؟! نزل إيدك عنها.

نفض قبضتي محمود بدفاع دون أن يؤذيه: 
-مش بعمل لحبيبة حاجة، سيب هدومي.

 التفت لحسناء وجذبها بعنف شديد فخلع حجابها
-بكلم دي اللي جاية مخصوص تهد كل حاجة وتنتقم.

اشتاط محمود غضبًا، أبعده عنها بحماية: 
-هي تبقي ضيفه هنا، وأي ضيف عندنا ما يتهانش مهما كان ومهما حصل.

تحدثت حبيبة بنحيب مؤلم ورجاء:
 -كفاية يا بابا كفاية، عشان خاطري كفاية.

-قولت لك من الأول ده شخص همجي، بيتكلم بأيده أهو قدامك جاي بيت مش بيته، وبيضرب واحدة ست مفيش بينه وبينها أي حاجة إلا أنها في يوم قبلت تجوزه، بيضربها  حتى بعد ما تطلقوا، ياريت تكوني فوقتي وفهمتي أنا ليه كنت رافض، عشان ده ما يحصلش معاكي.

 منهارة مقتولة سابحة بدموعها، وتحاول تهدأته:
 -أهدى يا بابا عشان خاطري، والله ما جه جنبي.

 ثائرًا يدور حول نفسه، لا يرى مُذنب سوى حسناء، لو لم تأتي لمر اليوم دون إثارة مشاكل؛ فعاود جذبها من جديد هادرًا بعنفٍ غاضب:
-أنتِ السبب، كل حاجة كانت كويسة لحد ما جيتي أنتِ، جاية ليه؟ جاية تهدي حياتي ليه؟

ثار محمود وأبعده عنها دافعًا إياهه من صدره بفكفيه، مهدده:
-فكر تلمسها تاني وشوف هيحصل أيه.

 منهارة تواجه اصعب مخاوف تعيد ما ضيها الأسود، لم تود المواجهة ولكن أبت الصمت وترك أخرى تتذوق ما عاشته من مرار. 

 صرخت حبيبة بقهر مطلق وتوقف عقلها عن العمل: 
-كفاية يا عبد الرحمن، كفاية بقي حرام كفاية.

 التفتت لمحمود راجية:
 -بابا عشان خاطري وصلها ما ينفعش تمشي لوحدها وهي كده.
-مش قبل ما يمشي، مش حسيبك معاه.
-ما تخافش عليا، وبسمة وسما معايا ما تخافش عليا.

اقتربت بسمة وعاونت حسناء لتتحرك معها، تحاول تهدئتها، وتحدث محمود غاضبًا متعجب من أخته:
-لسه يا حبيبة لحد دلوقتي بتثقي فيه، بعد كل اللي حصل قدامك!!!

أخفضت رأسها بوهن، أشعل غضب عبد الرحمن، يدور حول نفسه، يتحرك بعشوائية التزم الصمت من أجل حبيبة يخشى إن تفوه بكلمة استحال الوصل، لم يقل محمود عنه غضبًا وثورة فنظر إليه بوعيد جلي وتهديد.
 -عشان خاطرها حسيبك تتكلم معاها للمرة الأخيرة وراجع لك، بس والله العظيم لو جيت لقيتك أذيتها ومديت إيدك عليها لأعمل معاك أكتر منه ميت مرة.

نظر لحبيبة بعتاب وخيبة:
 -هارجع بسرعة.
 
خلت الغرفة من سواهما؛ فاقترب منها عبد الرحمن محاولًا لمس يدها فتراجعت خطوة بارتعاش جلي نحر قلبه.
-حبيبة أنت خايفة مني!! أنا عبد الرحمن حبيبك، طيب اعقدي نتكلم.

 سندت على ظهر كل مقعد لتجلس، لا تقوى على الحركة، لم تعد تحملها ساقيها؛ فلم تتخيل بأقصى كوابيسها رؤيته بتلك الصورة البشعة. 
-خليني اساعدك.

أشارت إليه بعدم الإقتراب حتى جلست؛ 
فجلس بالقرب منها ومال عليها ناظرًا لعينيها:
-ما تخافيش مني يا حبيبة، أنا استحالة أأذيكي، أنت مصدقاني؟! عمري ما أعمل كدة.

  أبعدت ناظريها عنه، وخرج صوتها مهزومًا تسكنه الدموع وتتصارع أنفاسها:
-كنت بتعمل كده فعلًا! صحيح كنت بتضربها! وبالطريقة دي.

 بكت بنحيب احتدت انفاسها داخل صدرها:
-كنت تهينها كده! معقول عبد الرحمن اللي أعرفه هو نفس الشخص اللي كان موجود من شوية؟
-ما تحكميش عليا من اللي سمعتيه، أديني فرصة، إحنا جوازنا بعد أسبوع، لو...
قاطعته بوهن
-واللي شوفته يا عبد الرحمن.
 دخلت بنوبة بكاء حادة، ثم تمالكت حالها
-كان، كان المفروض جوازنا بعد أسبوع، ليه يا عبد الرحمن ليه؟ 
 
 حاول وضع كفها بين راحته؛ فأبعدتها  بارتعاش، فاسترسل راجيًا:
-ما تخافيش مني كفاية دموع، دموعك بتوجعني والله، سيبيني أمسك إيدك وبصي في عيني، حتعرفي بكذب ولا بقول الحقيقة.
-قولي أنها بتكذب وأنا هَصدقك، قولي اللي كان هنا من شوية مش أنت، وبردو هَصدقك.
-ما أقدرش أكذب عليكِ، بس صدقيني  ده الوقت الوحيد اللي تمنيت أعرف أكذب فيه.
عادت للبكاء، تلقى على مسامعهما ما ارجف قلبها:
-هَتعمل معايا كده! 

 تساقطت دموعها رغم غلق جفونها 
-مش هأقدر يا عبد الرحمن،  مش هأقدر أتحمل منك ضرب أو إهانة، هموت مرتين، مرة من وجع الضرب والإهانة ومرة لأنهم منك...

قاطعها بنفي: 
-لا يا حبيبة، عمري ما أعمل معاكي كده.

لم تسمع كلماته واسترسلت بوهن:
- مش هأقدر، الإهانة حتموت الحب وبتبدله بالكره، وأنا أفضل أبعد عنك دلوقتي ولا أحس ناحيتك بالك... 

قطعت كلمتها لم تستطع إكمالها، بكت بنحيب رج أركان الغرفة، أكمل رجاءه، أملًا بحصوله على فرصة:
-اللي حصل قبلك كان كله غلط، خلينا نبدأ مع بعض حياة جديدة صح من البداية.
-قبل طلاقكم كنت بسمع من الناس حكايات كتير عنكم، كنت بستغرب وأقول أكيد مش حقيقي، ما صدقتش كلامهم، أقول استحالة يكون كده، كان في صوت جوايا بيقولي استحالة، أكيد في سر، في حاجة غلط ، لكن النهاردة وهي وبتحكي كان نفسي أكذبها وابص لها وهي تبكي ومنهارة صعبت عليا وحسيت بوجعها، لقيت استحالة الدموع دي تكون كذب.

انهارت تشعر بنصل حاد غزا قلبها:
 -لما شوفتك بتحاول تضربها كنت بحاول أكذب عيني.

 صمتت لوهلة ثم أكملت برثاء:
 -كان نفسي أكمل معاك، كان نفسي أكون لك، والله كان نفسي.
-حبيبة ما تقوليش كده، أديني فرصة، ما تجيش النهاردة وتقولي كده، وجودك في حياتي الحاجة الوحيدة اللي تمنيتها من الدنيا.

-ما ينفعش أعيش معاك وأنا خايفة منك، كنت عايزاك سند وأمان وحماية زي محمود أخويا، سند يوقفني على رجلي ويخلي راسي مرفوعة، وأمان أنسى في حضه الدنيا كلها، ما أخافش من حاجة أبدًا، حماية من غدر الدنيا ووجعها، مش أكون معاك و خايفة منك، وأول أيد توجعني إيدك، وأول حد يكسرني أنت.

-استحالة أعمل معاكي كده، والله استحالة، ما تقسيش عليا أنت الوحيدة اللي شوفتيني من جوايا من غير ما أتكلم، حبيبة ما تحكميش عليا دلوقتي اديني فرصة.

فنظرت إليه بأعين احترقت من البكاء وحدثت بعذاب: 
--فكرة أنك ممكن ... 

 اطبقت جفنيها تستجمع قواها تتخيل نفسها مكان حسناء:
 - بتوجعني، لو ده حصل و منك هَاموت يا عبد الرحمن، الموت مش جسد يدفن تحت التراب، موت الشخص من جواه وهو عايش أصعب بكتير، هَتقدر يا عبد الرحمن، أي وجع منك حيقتلني.

-حبيبة خليني أمسك إيدك، وبصي في عنيا اللي بتهربي منها وأنتِ تعرفي إذا كنت بكذب ولا لأ.

أخذ يدها المرتعشة بيد والأخرى رفع وجهها إليه:
-حياتنا تستاهل فرصة.

تصدقه وتشعر بصدقه، وعقلها يحدثها عن محمود وحسناء:
-هَتكون ليا سند وحماية وأمان يا عبد الرحمن؟ فكر كويس لو هَتقدر تعالى أرجع تاني وأوعدني، ولو لأ يبقى نتوجع من الفراق أحسن بكتير ما نتوجع من بعض؛ لأن وقتها هَاموت بجد.

بزمنٍ قياسي عاد إليها، ولا يدري كيف ذهب وكيف عاد، يشعر بالغضب منها والخوف عليها، صدم حين وجد عبد الرحمن لا زال موجودًا؛ فانطلق صوبهما ووقف جانبها ضاممها إليه بحماية.
 حدج عبد الرحمن بدونية، مردفًا بحدةٍغاضبةٍ:
-أنت  لسه هنا! اتفضل يلا.

دوى صوت حبيبة راجيًا:
-خلاص يا بابا عشان خاطري. 

حولت نظرها لعبد الرحمن:
-لو لقيت رد لسؤالي أنت عارف الطريق. 

رحل يشعر بانكسار، فأسئلتها رغم بساطتها إلا أنها وضعته أمام مرآته؛ ليجيب نفسه أولًا بصدق، أيستطيع بعد إتمام زواجه التحكم في شخصيته الأخرى؟! هو نفسه لم يكن يعلم بوجود تلك الشخصية القبيحة بداخله، هل سيتطيع حقًا أن يكُن أمانها من نفسه؟! ترى إن غضب منها أو استفذته والدته، فما سيكون رد فعله؟ لن يستطع خذل حبيبة، لن يقهرها لن يسعد بدموعها، وآهٍ من دوموعها تحرقة وتؤلمه، يشعر أنها دواءه، صورتها المصدومة الباكية لازالت نصب عينيه تؤلمه.

همه الأكبر هو والدته حافظة؛ فإن كانت  حبيبة دواءه، فأين دواء والدته؟ هل ستقبل بهذا ؟!  وكيف يتصرف ان استنكرت ؟ تلك الاسئلة وغيرها الكثير دارت بعقله يجب أن إيجاد حل؛ فلن يترك أمله وأمنيته بعد أن وجدها وكاد يصل إليها، لا يعلم هل أتت حسناء بالوقت المناسب أم أنها عجلت بهذا المأزق؟

  ظل يجوب الشوارع بلا هُدى، لا يري سوى حبيبة ودموعها، محمود وغضبه، وحافظة وتذمرها، بالنهاية غلبت صورة حبيبة ضحكتها ودموعها.

لم تقل حالة حبيبة عنه سوءً، أُصيبت بخيبة الأمل بعد أن كادت أمنيتها تحقق، أصبحت أبعد ما تكون عنها، فتساءلت أسيرحل من حياتها للأبد؟! لا تعلم كيف تعلقت به؟! وكيف أصبح يسري بوجدانها؟ قلبها ينزف حد الموت، خيم الحزن بروحها، وما كاد أن يفتك بها أن بات لها يد في تعذيب حسناء.

 دخلت غرفتها رافضة اقتراب الجميع، أغلقت على نفسها، ضمت نفسها بالفراش، انسابت دموع القهر والحرمان الذي التصق بها، رافضًا هجرها، حُرمت والديها بالصغر، والآن ستحرم عبد الرحمن حبيبها من لم تتمنى سواه.

مر عليها الوقت طويلًا قاسيًا، تقتلها كل دقيقة وثانية، ظلت على حالها حتى غلبها النوم فجأة، استيقظت لصلاة الفجر كما اعتادت، ولأول لم تنضم لمحمود وبسمة، ثم عادت لوضعها حاولت بسمة وسما التخفيف عنها وتهوين الأمر، لكنها التزمت الصمت.

 أنب نفسه ولامها أخطأ بحقها، تراخى في الاهتمام بأمانته، فما حدث متوقع من شخصية كعبد الرحمن، هو يعلم على ما  تربي وشب، وحبيبة صغيرة لا تملك تجارب بالحياة لتتحمل نتيجة قرار مصيري، اثقلته وصية والديه، لا يشعر بالتعاطف على عبد الرحمن، يتمنى من أعماق قلبه ألا يعود؛ فحديث حبيبة أعطاه فرصة للعودة يتمنى أن يُضيعها، ليبتعد عنهم للأبد؛ فينتهي قلقه وخوفه عليها.

 ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ كاد أن يطمئن محمود لذهابه دون عودة، وما يؤرقه هو حال حبيبة، آثرت الصمت وتملك من اليأس؛ فزهدت الحياة، عقله يعكل ويفكر كيف ينقذها من بئر وحدتها وصمتها، فهي رافضة لجميع المحاولات، في خضم أفكاره وحروبه الصامته، حدث لا يريده بل يبغضه، عاد عبد الرحمن بحال غير الحال هادئ مرهق خسر بعض وزنه.

 كل منهم في ملكوته، حبيبة محاطة بصمتها، وبسمة شاردة بحال زوجها واخته بصحبة أولادها بالصالة، ومحمود يرهقه التفكير بحال حبيبة وما يمكن فعله من أجلها، أنتبه محمود وحبيبة على صوت بسمة تخاطب عبد الرحمن، جففت حبيبة دموعها، وقفت أمام باب عرفتها من الداخل، ثبتت مقلتيها عليه، واتجه محمود خارج غرفته سلط نظره على حبيبة، تنْهَّد بثقل واتجه إليهما.

تحدثت بسمة ببسمة هادئة:
-أ/عبد الرحمن تفضل.

استأذن بهدوء:
-شكرًا، ممكن تقولي لمحمود إني عايزه؟
-تفضل طيب.
-هَانتظره هنا.

تقدم محمود نحوه، وتحدث بملل دون ترحيب:
-خير، مش كنا خلاص نهينا كل حاجة.

-ممكن أدخل ونتكلم جوه.

 نظر محمود إلى حبيبة التي تتابع بترقب وصمت؛ فأدخله رأفتًا بها: 
-اتفضل.

خطا للداخل ثم خاطب محمود وعينيه باتجاه حبيبة:
 -لو ممكن حبيبة تكون معَنا، احب أنها تسمع كلامنا وتعرف ردي عليها.

أخر ما يتمناه محمود أن تستمع لتبريراته ودفاعه، ويفعل مرغمامن أجلها فقط.
-تعالي يا حبيبة.

جلسوا في الصالون وتحدث عبد الرحمن: 
-عارف إن اللي حصل كبير، عايز أعتذر لك يا محمود على اللي صدر مني في بيتك.  كان لازم أراعي حرمة البيت، يمكن عذري الوحيد إني ما كنتش عايز كل اللي حصل ده يكون، حياتي قبل ما أخطب حبيبة كان فيها أخطاء كتير وعارف انها كبيرة، كلنا بنغلط، أنا دخلت البيت ده عشان أبدأ حياة مختلفة بدون أخطاء الماضي.

اخذ شهيق عميق مسترسلًا:
 -جيت النهاردة يا حبيبة عشان أجاوب أسئلتك، ايوة يا حبيبة هاحافظ عليكِ و أحميكِ حتى مني، هاكون أمانك وسندك، عمري ما أضرك هَتكوني زهرة حياتي، أسقيها حب وحنان ورعاية، ده وعد يشهد عليه ربنا ثم محمود.

التف جه محمود متحدثًا برجاء مغلفًا بالثقة:
 -يا ريت نفتح صفحة جديدة أولها وعدي لك ولحبيبة، وتوافق أننا نتمم الفرح في معاده وتكمل الفرحة، وشروطك على رأسي ملتزم بها زي ما اتفقنا.

احتار محمود، ظن أنه رحل بلا عودة هو الآن بين قرارين كلاهما مر، يخشى عليها رفضه وموافقته، نظر إليها بتفكير، بما سيجيب؟! وجد بعينيها رجاء لم تنطقه، وأمل في موافقته، لم يستطع أن يخيب رجائها رغم خوفه وتخبطه؛ فلم يجد أمامه سوى الموافقة، ظل يدعي الله أن يحفظها، وأن يكُن أتخذ القرار السليم.
-موافق ويا ريت فعلًا تنفذ وعدك؛ لأني مش هَأقبل بديل، الفرح حيتم في معاده ومن بكرة حبيبة حتكمل اللي ناقصها.

ابتسمت بسعادة مفرطة، سالت على وجهها دموع فرحة سعيدة، وقد ظنت انها لن تزورها من جديد، تحدث عبد الرحمن راجيًا:
-طيب أخر طلب يا محمود، لو ينفع أفضل مع حبيبة عشر دقائق بس، وبعدين أمشي أوعدك مش أكتر من كده.

خرج دون حديث، لازمه التخبط والحيرة، لا يعلم، هل أحسن التصرف أم لا؟ يشعر بالخوف على حبيبة، يشعر أنه أذاها بقدر كبير.

اقترب عبد الرحمن من حبيبة، ورفع وجهها بأنامله، ونظر داخل مقلتيها مكفكفًا دموعها:
-كفاية دموع يا حبيبة،  أفرحي، عارفة كلها أربع أيام ونكون مع بعض دايمًا، أشوفك كل يوم من غير ما استأذن، أصحى على ابتسامك و أدفيكي في حضني.

  ابتسم وتحدث مداعبًا:
 -لو أي حد تاني كلمك عني ما اعرفهوش، أقول لك ما تفتحيش الباب لحد يوم الفرح.

دوت ضحكتها مسموعة له، كما لو كانت  تبحث عم سبب للضحك، فتحدث باسمًا:
-أيوة كده، من النهاردة، من دلوقتي عايزك على طول بتضحكي وفرحانة، أنت وحشاني قوي، أكتر مما تتخيلي وأسف إني تأخرت عليكِ، ما تزعليش مني، احنا حيبقي قدامنا العمر كله نتكلم ونحكي، ماشي.

أومأت له مبتسمة؛ فوقف عبد الرحمن مستعدًا للرحيل:

 -هَامشي دلوقت، عشان محمود ما يتضايقش زي ما اتفقنا إفرحي، تصبحي على خير.

غادر عبد الرحمن فتوجهت حبيبة إلى غرفة محمود، كان جالسا في  ركنه المعهود  يفكر في ما حدث وموافقته لاتمام زواجه، اقتربت منه وجلست جانبه نظرت اليه مبتسمة وقبلت كتفه،

-بابا أنا عارفة أنك قلقان صدقني عبد الرحمن كويس وهو وعدنا.

-ما يهمكيش يا حبيبتي عايزك بس تكوني مبسوطة وفرحانة، قولي لي يا حبيبة، ليه من بداية ما تقدم عبد الرحمن رجعتي تناديني بابا؟

-متضايق، لو متضايق أبطل.

-أكيد لأ، بسألك لأن له معني من اتنين يا إما حاسة بده فعلًا أو أنك خايفة وشايفة أني بتحكم فيكِ، وده يزعلني عشان حاجتين الأولي أني خايف عليكِ مش بتحكم، والثانية إن الأب مش تحكم الأب حنان وسند وحماية، ضهر يعني.

-لا يا حبيبي، رجعت أناديك بابا لأني رجعت احس نفس اللي كنت بحسه لما بتروح المدرسة معايا بدل بابا، لما كنت بتوصلني كل يوم عشان تتأكد ان مافيش حد بيضايقني، شوفت في عينك حنية وحب وخوف عليا وشدة، شوفت بابا. 
-أنا قسيت عليكِ يا حبيبة؟
-من غير زعل في الأول، بس أنا مقدرة والله.
-خفتي؟ 

 أومأت مؤيدة:
 -أيوة خفت على زعلك.
-علي زعلى بس؟! ولا خفتي مني كمان؟

-للحظة خوفت وحسيت......

-حسيتي بأيه؟ أوعي تقولي اني ممكن أأذيكِ؟!

 فأومأت مؤيدة بصمت، فأجابها باهتمام ودفاع:
-بقي غلطانة يا حبيبة، أنا عمري لمستك بأذي، أنا رافض عبد الرحمن خايف يعمل كده، فأعمل أنا كده واستخدم الأسلوب ده، أسف أني حسستك بده وتأكدي عمري ما حعمل كده.

مال عليخا مقبلًا رأسها مسترسلًا 
-المهم دلوقتي عايزك من الصبح تكملي اي حاجة نقصاكِ، وافرحي يا حبيبة افرحي .
-شوفت أول حاجة تتفقوا عليها، هو كمان قالي نفس الجملة.

ابتسم على قولها واحتضنها بحنان مقبلًا رأسها.
-روحي نامي بقى، الأيام الجاية هَتكون مُجهدة، وهَتعملي حاجات كتير، تصبحي على خير

تعليقات



<>