رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم تميمه نبيل
م تصدق سابين نفسها و هي تسير بتمهل على الأرض الناعمة تطرقها بكعب حذائها العالي .... الا إنها هذه المرة تطرق أرضها الخاصة , حلمها القديم الغالي .....الفارق الوحيد أن الحلم القديم كان مجموعة سابين الخاصة ...... أما الحلم الجديد فقد جرى له تعديلا بسيطا .....بسيطا جدا .......
إنها مجموعة بنات عماد الراشد ...........
هل مجرد اختلاف الإسم يشكل في داخلها هذه اللحظة من جموحٍ منتصر ؟؟....... أم أن شيئا آخر قد غير حياتها وجعل منها انسانة أخرى بإحلامٍ جبارة لا توازي أحلامها القديمة ..........
مر شهر على بدء تعاون عمار مع سابين و قد كان شهرا مهلكا لها نفسيا وجسديا , استطاعت بعد جهد إيجاد مقرا مناسبا للمجموعة .... مقرا عرض للبيع بفرصةٍ ذهبية فما أن ذهبت لتعاينه حتى وجدته المكان الأمثل بالنسبة لموقعه في مركز المدينة , لكن بالطبع كان ذو ثمنا خيالي لم يقارب حتى من بعيد كل ما جمعته خلال فترة عملها الطويلة في مجموعة مهران ......
فكرت في أخذ قرض من البنك الا أن عمار ما أن أطلعته على نواياها حتى رفض نهائيا و صمم أولا على معاينة المكان , و ما أن تأكد له صواب رأي سابين حتى قرر على الفور التكفل بشراء المقر و تجهيز ما ينقصه بالرغم من أنه مجهز بالفعل بمعظم ما يلزم ..... حاولت سابين الإعتراض الا أن عمار لم يترك لها الفرصة .... فأعلمها بأنه سيترك لها أمور الإدارة بينما تترك له أمور التمويل ....وأنه لن يضيع هذا المكان أو أن تتحمل المجموعة أقساط القرض وفوائدها بدون سببٍ وجيه .....لذا أصر على رأيه وبشدة ....
كان عمار يسير خلف سابين وهو ينظر اليها مبتسما .....إنها تبدو كطفلة اخذت للتو لعبة العيد .....وتبدو كأمراة على وشكِ تحقيق حلمها ..... من بريقِ عينيها المختلط بحزنٍ دفين ..... في الفترة السابقة ِ كان قد استنتج ان زواجي سابين وسما على وشكِ الإنهيار ....لكنه لم يعلم بالأسباب .......
يشعر بأنه الفترة السابقة قد ارتبط بهن للغاية ..... وأحبهن بشدة , لذا لا يمكنه منع نفسه من الحزن لحزنهن .... انهيار زواج سما سيحطمها بالتأكيد فهي رقيقةٍ كنسمة ...أما بالنسبةِ لسابين فسوف يجرحها , لكنها ستتعامل مع جرحها بشكلٍ رائع .......
أما حلا في تبدو وكانها تشرق و تتفتح يوما بعد يوم .....كزهرةٍ صغيرة تلتفت الى الشمس أينما ذهبت ..... لكنه أيضا لا يعلم لماذا لا تقيم مع زوجها بالرغم مما يبدو عليها من شوقٍ و تطلع لليوم الذى سيجمعها بزوجها بيت واحد .........
استدارت سابين لتجد عمار يحدق بها مبتسما فابتسمت هي الأخرى وقالت برقة
(ها هي البداية يا عمار .........)
ابتسم وهو يومىء براسه قائلا
( لقد أوشكنا على البداية ......لكن البداية الحقيقية ستبدأ ما أن ننزل للسوقِ بالفعل ...سابين هل أنتِ مدركة للمنافسة الشرسة التى سنخوضها ....نحن سننافس فطاحل السوق , ومن أهمهم مجموعة مهران .....)
ردت سابين بثقة ( أعلم هذا جيدا عمار فقد كنت في هذا العالم من المنافسة لأكثر من ست سنوات )
رد عليها عمار بحذر ( لكنك أغفلتِ أنكِ كنتِ مع.......مجموعة مهران وليس ضدها , فهل أنتِ مدركة للعواقب التى يمكن أن تنتج عن ذلك لكِ ولشقيقتيكِ على الصعيد الشخصي .....نظرا لتداخلكن العائلي الطويل مع عائلة مهران )
سكت قليلا ثم تابع ( أنا شخصا عمليا يا سابين لا أمزج بين العمل والحياة الشخصية ..... لذا أخبريني من الآن , هل أنتن على استعدادٍ تام لتحمل كل ما سينتج عن ذلك ؟..........)
ظلت سابين تنظر اليه دون أن يرف لها جفن ثم ردت بهدوء
( اذا كانت تلك العواقب التى تحدثت عنها ستنتج عن منافستنا لهم ..... اذن فقد فالأمر محكوم عليه بالإنهيار من البداية , حتى إن لم ننافسهم .....نحن وعائلة مهران يفصل بيننا وبينهم الآن خيط رفيع , فإن قطعوه ......ستكون النهاية بالتأكيد و لن يستحق الأمر منا لحظة ندم واحدة .......)
أخذ عمار ينظر اليها بإعجاب ثم قال بهدوء
(وماذا عن الطفل ؟...... هل ستستطيعين المتابعة الأشهر القامة ؟....)
نظرت اليه بدهشةٍ ثم قالت
( وكيف عرفت بأمر الطفل ؟............)
نظربمرح الى بطنها المنتفخة قليلا ثم قال ضاحكا
( لن تظلي نحيفة الى مالانهاية ..........)
عبست بشدة بينما لم تستطع منع نفسها من الضحك وهي تضرب كتفه بقبضتها ثم قالت
؛(الم تتعلم كيف تخاطب النساء الجميلات .............)
ضحك عمار وهو يقول بتملق
(هيا الآن يا سابين .... أنتِ تعلمين جيدا أنكِ ستظلين متربعة على عرشِ الجمال وحتى نهاية حملك )
أومأت سابين بمرح وهي ترفع سبابتها محذرة
( نعم هذا ما أحتاج لسماعه طوال الأشهر القادمة ...........)
ضحك عمار قليلا وهو يرفع يديه باستسلام
(أمرك سيدتي .....لكن سابين أنا أتكلم بجدية .. هل ستتحملين تعب الأشهر القادمة في العمل ؟....)
ردت سابين بهدوء ( لا تقلق عمار ......أنا أستطيع ذلك )
نظر عمار الى عينيها الجميلتين المتحديتين ثم قال مبتسما
( اذن ....مادام الأمر كذلك , فدعينا نذهب الآن , لدينا الكثير لنفعله ..........)
ابتسمت وهي ترد ( هيا بنا .........)
لكن في تلك اللحظة رن هاتفها ......نظرت بشرود الى الأسم الذى ظل يلاحقها كظلها الشهر الماضي كل يومٍ تقريبا ....ماذا الآن ...ماذا يريد ... ولماذا في تلك اللحظة بالذات .... هل هو مصر على إفساد كل لحظةٍ سعيدة لديها .....
فتحت الهاتف و ردت بهدوء ( مرحبا احمد ........)
أتاها صوته العميق الدافىء ( مرحبا يا روح احمد ..........)
أبعدت الهاتف قليلا لتنظر اليه بعبوس .....وكأنها تريد التاكد من ان احمد مهران هو الذى يتحدث .....أعادت الهاتف لتقول بحزم
( نعم احمد ؟..........)
(كيف حالك ؟........)
(بخير .......)
(والطفل ؟.......)
تنهدت سابين وهي تنظر لاعلى بغضب ثم قالت بحدة
( احمد ..... هل تهاتفني الآن....تعطلني وتعطل نفسك ...... لمجرد حديثٍ اجتماعي سخيف لا معنى له ......)
ساد صمتا طويلا ثقيلا لم تستطع سابين ان تتحمله اكثر فقالت بصرامة
( اذن يبدو أن لا شيء مهم لديك لتقوله .....أراك لاحقا احمد فأنا مشغولة الآن )
صرخ احمد فجاة حتى كاد أن يصم أذنها
؛( سااابين ....الى متى ستظلين بهذه الصفاقة ... لقد بدأت أفقد أعصابي )
ضحكت سابين بصوتٍ عالٍ ثم قالت وعيناها تلمعانِ غضبا
( نعم .... نعم .....هذا هو احمد مهران الذى اعرفه , وليس ذاك المصر على تمثيلِ دورٍ عاطفيٍ سخيف لا يليق به )
ساد صمتا ثقيلا مرة أخرى لكن تخلله تنهيدة احمد اليائسة وهو يحاول السيطرة على نفسه ثم قال أخيرا بصوتٍ فظٍ جاف
( كيف حالك وحال الطفل ؟.......هل ترهقين نفسك ؟.....)
أغمضت سابين عينيها وهي تطرق براسها .... نعم هذا هو احمد الذى تعرفه .... الخشن .. الفظ ....القاس ... والذى بداخله حنانا مخفيا عن الأعين لا يظهره الا لمن يحب ........هذا هو احمد مهران الذى أحبته ...........
ردت سابين بصوتٍ خافت
( الطفل بخير يا احمد اطمئن ...... لن أفعل أي شيء من الممكن أن يؤذي طفلي )
تنهد مرة أخرى ثم قال بحدة
( سابين .... أنا لم أسأل عن الطفل وحده .... بل سألت عنكِ أيضا ,لذا من فضلك أجيبيني هل ترهقين نفسك ؟)
في الواقع هي مرهقة أشد الإرهاق لكنها بالتأكيد لن تخبره بذلك والا فقد تجد نفسها محمولة على كتفه بعد دقائق ... لذا ردت بهدوء
(لا يا احمد ....أنا لا أرهق نفسي اطمئن ... أنا بخير )
قال احمد بعد لحظة بصوتٍ خافت
؛(سابين .....هل تصدقيني لو أخبرتك بأنكِ تهميني الآن اكثر من الطفل ؟......و أن لهفتي اليه ..هي لهفة لشيءٍ رائع سيربطني بك ِ )
صمت ...وصمتت هي ....امتد صمتهما للحظات ...لا يريدانِ كسره ... الى أن قالت سابين في النهاية بصوتٍ رقيقٍ خافت
(شكرا .......)
سمعته يسحب نفسا عميقا و كأنه لا يصدق انها شكرته بمثل هذه الوداعة ....ثم قال أخيرا بلهفةٍ رقيقة
( هل تتناولين العشاء معي الليلة ؟ ............)
تنهدت وهي تشعر بالحنين الغادر اليه ......قالت بهدوء
( احمد ..... هذا لن يجدي و أنت تعلم ذلك جيدا )
قال بسرعةٍ وحدة ( سيجدي سابين .....سيجدي فقط إن قررت منحنا فرصة جديدة لنحاول )
استدارت قليلا لتجد عمار ينظر اليها بتركيز فشعرت بالإحراج لأنها نسيته تماما .... فقالت وهي تدعي لنفسها أنها فقط تريد انهاء المكالمة
؛( حسنا .... للعشاء فقط ....لا لشيءٍ آخر )
ضحك قليلا ثم قال بسعادة ( ستظلين وقحة دائما ......سأمر عليك في السابعة ...)
ردت سابين بهدوء ( لا داعي ...... قل لي المكان الذى تريد الذهاب اليه وأنا سآتي اليك ......)
قال احمد بصوتٍ أجش من العاطفة ( إن أخبرتك أنني سأتناول العشاء في البيت .... فهل ستأتين الي )
التقطتت أنفاسها السريعة ثم تجاهلت معنى كلامه وقالت
( أنا أعني ما أقول .... المكان هنا بعيد , يبعد حوالي الساعتين لذا ليس من العدل أن أتي لتأخذني .......أخبرني وأنا سآتي )
سمعت تنهيدته المحبطة ثم قال يتجاهل ما قالته
(سأكون عندك في السابعة .............)
ابتسمت قليلا فبدت بأنوثةٍ مهلكة ثم قالت بخفوت ( الى اللقاء .......)
رد احمد عليها يستفزها ( الى اللقاء يا روح احمد ........)
ضحكت ضحكة صغيرة تبعتها تنهيدته العاشرة منذ أن بدات المكالمة ثم أغلق الخط
التفتت لتنظر الى عمار المبتسم بخبث فقالت بخبثٍ مماثل ( ماذا ؟..........)
قال عمار بعد لحظة ( لا يبدو أنكِ قد فهمتِ أيا مما قلناه منذ دقائق ........)
ردت سابين بهدوء
( بل فهمت ... وأعود لأخبرك أنه إن حدثت العواقب التى تحدثت عنها ..... فمعنى هذا أنه لم يكن لدينا يوما مانخسره....)
نظر اليها عمار طويلا وهو يتسائل إن كانت تدرك بداخلها أنها تعشق احمد مهران أم أنها تخدع نفسها بمنتهى الحماقة ........
.................................................. .................................................. .................................................
كانت سابين تبدو خرافية كالعادة هذا المساء ......بثوبها الأسود البسيط طويل الأكمام و الذى يصل الى ركبتيها و جواربها الشفافة السوداءالتى تحتضن ساقيها الملتفتين بنعومة ليكملهما الحذاء اللامع ذو الكعب العالي الرفيع......
وكعادتها مؤخرا أطلقت شعرها الطويل حرا خلف ظهرها فبدت بالرغم من بساطتها رائعة ساحرة ........
وصل احمد في تمام السابعة ....كانت سابين في منتصف السلم حتى سمعت صوت المفتاح والباب يفتح ليدخل احمد حاملا باقة ورد حمراء كبيرة ........
نظرت اليه من علو منبهرة بوسامته وطلته المهيبة في حلتة السوداء ......لكنه لا يرتدي ربطة عنق , دائما يحب الا يكمل منظر تحضره فيرتدي حلته الرسمية وتحتها القميص الناصع البياض ثم يترك الزرين العلويين من القميص مفتوحين ليظهر عنقه الأسمر ..... والذي دفنت وجهها به من قبل اكثر من مرة .....
هزت رأسها قليلا لتبعد تلك الأفكار الهوجاء عن رأسها .... ثم تابعت نزولها الهادىء وهي ترى عينيه اللتين اشتعلتا بشدةٍ لمرآها ...... وصلت اليه الى أن وقفت أمامه ......أخذت نتظر الى عينيه التى لم تفارق عينيها..الا لتلتهمان شفتيها القرمزيتين ثم تعودانِ الى زرقةِ عينيها من جديد ...... الى أن قالت بثقة
(لماذا استخدمت مفتاحك ؟...........)
رمش بعينه ليستفيق من سحره بها ثم قال بتساؤل ( ولما لا أستخدمه ؟..........)
ردت عليه سابين دون ان تبتسم
( هذا ليس بيتك ..... إنه بيت والدتك وهي تسمح لنا مؤقتا بالإقامة فيه .....أم أنك نسيت أن سما وحلا تقيمانِ معي ....لذا لا يصح دخولك بالمفتاح وهما هنا ........)
ارتفع حاجباه قليلا وهو يستمع اليها تحدثه بمثل هذه الغطرسة........لم يشعر يوما بالإحراج مثلما يشعر الآن ......لكنه لم يجد بدا من الرد بإعتراف
( لقد غاب هذا عن ذهني ....تفضلي )
نظرت الى باقةِ الورد الحمراء في يده بإستهجان ثم قالت بهدوء ( ماهذا ؟!!.............)
رد بهدوءٍ مماثل ( طماطم ......... ماذا ترينه ؟؟؟؟)
رفعت حاجبا ونظرت اليه وهي تقول بسخرية
(الن ننتهي من تلك اللفتات العاطفية التى لا تليق بك .........وبي أيضا , لست من هواة الورود )
ظل ينظر اليها بقسوة وشكت في انه سياخذ وروده و ينصرف الا انه حين تكلم قال هادئا
( مرحبا سما .......)
استدارت سابين لتجد سما آتية خلفها مبتسمة ثم ردت بهدوء ( مرحبا سيد احمد ...... كيف حالك )
ابتسم احمد بحنانٍ لا يظهر الا لتالا والآن لسما فقال بهدوء
( احمد فقط يا سما .....لا أحب كلمة سيد تلك منكِ )
ابتسمت سما واحمر وجهها فقالت تردد بخجل ( كيف حالك احمد .........)
مد اليها باقة الورد الحمراء الضخمة وهو يقول مبتسما ( تفضلي .......مع إن جمالها بهت بجانب جمالك يا صغيرة )
أخذتها سما وقد أشرقت ملامحها ابتهاجا واتسعت ابتسامتها وهي تتلقى الورود بين أحضانها لتدفن وجهها بها ........ثم نظرت اليه مبتسمة وقالت بسعادة طفولية
( ما أجملها .....لم أتلق أى ورودٍ في حياتي من قبل )
اتسعت ابتسامة احمد الحانية وهو ينظر اليها طويلا ثم قال ( اذن سأحرص أن تصلك الورود دائما يا صغيرة ........)
أطرقت سما برأسها مبتسمة بينما تبللت عيناها بدموعٍ خفية فسعلت قليلا لتستطيع التحدث
(شكرا لك يا احمد ....لم أرى أجمل منها من قبل , سأذهب لأضعها في إناءٍ يليق بها ......أتمنى لكم أمسية سعيدة )
ثم انطلقت لتختفي مع الورود ودموعها ..........
لم تستطع سابين في تلك اللحظة ان تفسر الشعور الحارق الذى تملكها ..... غضبا شديدا يكاد يفترسها , لا تعلم له سببا ......التفتت الى احمد بوحشية لتقول له
( ما كان قصدك من تلك الحركة السخيفة ؟...........)
رفع حاجبيه وقال ببراءة ( ماذا ؟........لقد قلت أنكِ لستِ من هواة الورود , فأعطيتها الى من يقدرها أكثر )
ظلت تنظر اليه بعينينِ تشتعلانِ بلهيبٍ أزرق ....ثم قالت أخيرا بصوتٍ جليدي
؛( هل ننصرف ؟.......لا أريد أن نتأخر في العودة )
الا أن احمد ظل واقفا مكانه ....فرفعت عينيها اليه فوجدته مسمرا عينيه بضيقٍ على ساقيها المغطاتين بالجوارب السوداء .....فسألته بتحدي
؛( هل من مشكلة ؟........)
رفع نظره الى عينيها المتحديتين .... ثم قال بضيق (الا تستطيعين ارتداء ما هو أطول ؟.........)
رفعت حاجيبها لا تصدق ما تسمعه .....ثم قالت وهي تحاول السيطرة على غضبها المتصاعد
(الن تتغير أبدا ؟.........)
قال بغضبٍ هو الآخر ( إن كنتِ تقصدين بالتغير ,أن أستمتع أنا أرى رجالا آخرين ينظرون الى ساقي زوجتي ......فالإجابة هي ...لا ..لن أتغير )
ظلت ساكنة طويلا تنظر الى عينيه العسليتين الصارمتين ثم قالت أخيرا ببطء
(انتظرني هنا , لن أتأخر .........لا تأخذ راحتك فى التجول هنا )
ثم استدارت لتصعد السلم دون أن تنتظر ردا منه بينما هو ينظر اليها مدهوشا من صعودها ...هل فعلا انصاعت بمثلِ هذه السهولة .....
لم تتأخر فعلا أكثر من دقائق وهي تنزل اليه مرتدية ثوبها الأسود الطويل الذى يتذكره جيدا ......والذى ارتدته يوم رقص معها للمرةِ الأولى ....لكن المختلف هذه المرة , أنها ترتدي فوقه سترة لامعة قصيرة ...لكنها تكفي لتغطية ظهره المكشوف والذى يتذكره جيدا ......
نظر اليها بوجوم .....كل ما ترتديه يجعلها أجمل و أجمل .....ماذا يفعل ليخفيها عن أعين الناس .......
وصلت اليه......نتظرة تقييمه النهائي بمللٍ واضحٍ على ملامحها .......ثم قالت تستفزه
( هل حصلت على رضاك الآن ؟.........)
مد يده ليمسك بذقنها يرفعه اليه ونظر الى عينيها طويلا ثم قال بهدوء ( تبدين رائعة ..........)
ثم أخفض وجهه ليقبل شفتيها برقةٍ أذابتها وتركتها متعطشة للمزيد ........رمشت بعينيها لتستفيق من سحرِ تلك اللحظة , ثم قالت بسخرية لتداري تأثير قبلته عليها
( لست رائعة الى هذا الحد ...... فبطني بدأت في الظهور قليلا في هذا الثوب )
اشتعلت العينان العسليتانِ اكثر و اكثر ومد يده ليتحسس بطنها الصغيرة بحنان وهو يبتسم هامسا
( بل تجعلك أجمل و أروع .........)
رمشت بعينيها مرة أخرى ..... ماذا يحدث لها .... لماذا يخفق قلبها بهذا الشكل الأهوج .......ولماذا تشعر بدموعٍ غادرةٍ على وشكِ الظهورِ بعينيها......الا إن احمد لم يمهلها لتحصل على الإجابة بل جذبها بين ذراعيه بقوةٍ يحتضنها وكأنه لا يريد أن يبعدها عن قلبه ......التفت ذراعاها لتحاوطانِ خصره من أسفلِ سترة حلته ......لا تريد أن تفارق صدره القوي ..... تريد أن تبقى هنا طويلا وتنسى ما فات ......ازداد ضغطه عليها أكثر حتى اضطرت أن ترفع رأسها اليه قائلة بسخرية مزيفة
( احمد ......لا احب ان افسد مزاجك العاطفي السخيف هذا .......لكنك تكاد تسحق الطفل )
ابتعد عنها في لحظةٍ واحدة دون أن يترك ذراعيها ونظر اليها بقلق ثم قال
( هل آلمتك ؟....... هل من الممكن أن أكون قد تسببت في شيءٍ للطفل ؟)
ضحكت سابين قليلا وهي تنظر الى ذلك المارد الضخم أمامها والذى يبدو القلق الشديد على وجهه الصارم ....لم يقاوم قلبها طويلا فهمست مبتسمة بمرح
؛( من المفترض أن تطمئنني أنت .....فهى ليست المرة الأولى التى ترى فيها مراحل الحمل )
لا تعلم لماذا تطرقت الى موضوع ليال .....ماذا أرادت .... ولماذا تسعى الى تخريبِ كلِ شيء .......
قال احمد بهدوء بعد أن اطمئن عليها قليلا ......( سأظل أقلق على كل طفلٍ كما قلقت على تالا ..........)
كل ؟!!!!!!........كل طفل ؟!!!......إنه فعلا في مزاجٍ غريبٍ الليلة ........
قالت بهدوء ( هيا لنذهب ...........)
أومأ برأسه ومد يده ليمسك بيدها ليتجها معا الى سيارته ..........
كان مكانا ساحرا للغاية ....راقي وجميل ....اضاءته خافتة وناعمة ....موسيقى حالمة تكمل الجو الساحر .......
جلست أمامه و الإضاءة تتلاعب بملامح وجهها الرائعه لتزيدها جمالا جعل قلبه يهفو اليها ........ولم يستطع المقاومة أكثر فمد اصبعه ليلاحق تلك الملامح الناعمة التى اشتاق اليها طويلا ......
نظرت سابين بعينيها حولها ...ثم قالت باحراج ( احمد الناس تتطلع الينا ............)
ضحك قليلا ثم همس بشغف ( منذ متى تهتم سابين الراشد بنظرات الناس ؟ ........)
ضحكت بسحرٍ وهي تهمس ( ومنذ متى كنت لا تهتم أنت ؟.............)
ابتسم ليمسك بذقنها بين أصابعه وهمس ( يبدو أننا تغيرنا كثيرا ..........)
ثم بهتت ابتسامته قليلا وأصبحت مستفزة وهو يلامس خصلاتِ شعرها الطويل وقال بصوتٍ لم يستطع إخفاء الضيق فيه
؛( أرى أنكِ أصبحتِ تطلقين شعرك دائما هذه الأيام ......كل من يراكِ لا يكاد يرفع عيناه عن شعرك , لذا فمن الأفضل أن تعودي لجمعه مرة أخرى مادام بمثلِ هذا الطول )
أبعدت يده عن شعرها وهي تقول بغضب ( يبدو أنك لم تتغير أبدا ..........)
قال بغضبٍ مماثل ( ماذا ؟......ألأنني لا أطيق أن ينظر اليكِ غيري ؟؟........)
أبعدت نظرها عنه بغضب وهي ترفض أن يستدرجها لمثل هذه المحادثة التى ستجر الكثير من الحوارات المخزية بعدها والتى تفضل أن تنساها ......
أخذ احمد نفسا طويلا وهو يحاول الا يفسد تلك الأمسية أكثر ......
ساد الصمت بينهما لدقائق طويلة غير محتملة فقال مغيرا الموضوع
(كيف هي أمور المجموعة ...... من أين ستتدبرين التمويل ؟..... لا تتعنتي سابين وتقبلي مساعدتي )
ابتسمت بسحرها المغوي وعينيها تداعبانِ عينيه ثم همست
( لقد تدبر شخصا آخر أمر التمويل .........لا تقلق )
صمت لحظة مبهوتا , ثم عقد حاجبيه بشدة ...ينظر اليها نظرة أرسلت رجفة خفيفة في أطرافها ثم قال بصوتٍ خافت
( من تولى تمويل المجموعة ؟.........)
نظرت اليه بتحدي ثم قالت بسخرية ( حقا أحمد ؟....... هل استدرجتني الليلة لتطلع على أسرار مجموعتي ؟)
مد يده ليمسك بيدها الموضوعة على المائدة أمامه بقوة وقد فقد صبره الذى ظل يجمعه طوال الأسبوع الماضي .......
( أجيبيني سابين ....من تولى أمر تمويل المجموعة ؟....شخصا يمتلك مثل هذه السيولة المادية , ما الذي يجعله يرمي تمويلا كهذا في مجموعةٍ جديدة قد تنجح وقد تخسر ؟.......)
شعرت سابين حقا أنها كرهته في تلك اللحظة .....تعرف الى أين يجنح تفكيره الآن ....تماما كتفكير جميع رجال مهران .......
سحبت يدها من يده بهدوء ثم قالت برقة ( أريد الذهاب الآن من فضلك ...........)
غرز أصابعه في شعره بنفاذِ صبر ثم أخذ نفسا عميقا وهو يغمض عينيه .....وظل هكذا عدة لحظات الى أن نظر اليها أخيرا وقال بهدوء
( سابين ......أنا لم أقصد ما فهمته , أنا فقط ..........اسمعي أنا فقط أريد أن أعرف من سيشاركك وماهى نواياه .....هل ما أطلبه صعب للغاية ......)
ظلت تنظر اليه صامتة , بملامحٍ متجمدة ......تراه يحاول السيطرة على نفسه , لكن بداخله فكرة واحدة عنها تسيطر عليه ..........
قالت أخيرا بهدوء
(لا داعي لهذا .....أنت لا تعرفه , أنه جديد على السوق هنا .....لكن لما لا أعرفك اليه ؟........)
نظر اليها بتشكك وقال ؛(حقا ؟.......)
ابتسمت وقالت بنعومة
( ولما لا ؟........إنه قريبي , ابن عم والدي سافر منذ سنين الى الخارج ....لكن دعك من كل هذه القصة الطويلة المهم أنه قريبي و سيكون سعيد بالتعرف عليك وعلى أدهم ......لما لا تحضر والدتك وتالا في نهاية الأسبوع ..... وحلا ستخبر ادهم ليأتي ......)
تنهد وهو يشعر بغضبه وقلقه يهدئانِ قليلا ......ثم قال مبتسما بحنان
( نعم ولما لا ......سنأتي بالطبع , المهم أننا سنقضي يوما كالذى قضيناه معا .........و سأكون سعيدا بالتعرف اليه , ولو أني كنت أتمنى أن أشاركك أنا ......)
نظرت اليه بنعومة ثم قالت بعد لحظة صمت
( كنت معك ......الى أن قررت استبدالي دون حتى أن تعلمني , فلماذا الغضب الآن ؟........)
عاد ليمسك يدها الرقيقة ثم لرفعها الى شفتيه ليقبل باطن كفها بنعومة وهو يهمس
(لن نصل الى أي مكان ونحن نتذكر مافات باستمرار سابين .......)
همست وهي تترك كفها لسيطرة شفتيه تماما ( نعم ......لن نصل الى أي مكان )
حين أوصلها الى البيت في نهاية الأمسية التفتت تنظر اليه برقة وابتسمت ابتسامة سلبت روحه وهمست
(شكرا لك ..... لقد استمتعت بهذه الأمسية كثيرا .........)
كانت يدها على مقبض الباب بالفعل .... الى أن مد يده ليمسك يدها الممسكة بمقبض الباب و يسحبها الى صدره القوى بينما يده الأخرى تخللت خصلاتِ شعرها لتقرب رأسها من وجهه .....ثم همس أمام شفتيها المكتنزتين واللتين أخذتا في التنفس سريعا لقربه منها
( الا تستحق هذه القيادة الطويلة لثالث مرة اليوم شكرا افضل من هذا ........)
همست وهي تنظر اليه بعينينِ مشتتينِ ضائعتين ( كيف ؟..........)
ابتسم بشيطنة وهمس ( سعيد أنكِ سألت .......اقتربي مني لأريكِ كيف )
سحبها بين ذراعيه بقوة ٍ لينهال عليها بأشواقه الجامحة المشتعلة ......ولم تبخل عليه بإظهار شوقا مماثلا كان يفترسها كل ليلةٍ من الليالي الماضية ......
ابتعد عنها بعد وقتٍ طويل وهو يتنفس نفسا هادرا ....ثم همس في أذنها
( عودي معي .....لا تتركيني أعود تلك المسافة للمرة الرابعة وحيدا )
أسبلت جفنيها ....تريد الذهاب معه .....تريد بشدة أن تسامح , لكن أن تريد شيئا فهذا يختلف تماما عن أن تستطيع فعله .....
فتحت عينيها ونظرت الى عينيه البراقتين بالرغم من ظلمة السيارة ....ثم همست
( أعطني بعض الوقت .........)
لم يصدق احمد ما سمعه ....هل عنت بالفعل ما قالته ؟..... هل ستعود ؟.....هل لان رأسها اليابس ؟.........همس بصوتٍ خشنا
(هل تعنين ذلك يا سابيتي .....هل ستعودين وتنسين كل تلك الحماقة المتعلقة بإنفصالنا ؟.......)
لم تستطع سوى الهمس ( سأحاول ..........)
جذبها بين ذراعيه وهو يتنهد تنهيدة من وصل الى نهاية السباقِ أخيرا .......الا انها ابتعدت عنه قليلا قبل أن تستسلم له وقالت بخفوت
؛( سأذهب الآن ......الى اللقاء )
لكنها توقفت لحظة دون أن تفتح الباب ....ثم عادت لتلتفت اليه وهمست بعد تردد
(أريد أن أخبرك شيئا .....قد ...قد لا أجد الفرصة في نهاية الأسبوع لأخبرك به لأنك ستكون مشغولا جدا ......بالتعرف الى قريبي الذى أخبرتك عنه ........إنها ..... طفله...... )
اتسعت عيناه قليلا من تلك الهمسة الأخيرة ..... والتى محت كل ما قبلها من كلماتٍ لم تعنِ له شيئا .........
ضحك برقة .... لمعت عيناه أكثر .....مد يده ليتحسس بطنها الجميلة ......ثم عاد ليأخذها في أحضانه الدافئة طويلا وهو يضحك بخفوت بجوار أذنها .....بينما رفعت ذراعيها لتحاوط بهما عنقه وهي تستمتع بذلك الحصن الدافىء والذى قد يضيع منها مرة أخرى .......
بعد لحظاتٍ طويلة ابتعدت عنه لتهمس سريعا ( أراك في نهاية الأسبوع ..........)
ثم حررت نفسها من بين ذراعيه وفتحت الباب وخرجت قبل أن يمنعها ........بينما ظل هو ينظر الى طيفها المبتعد وهو يقاوم شوقه المجنون ليذهب و يخطفها مبتعدا بها عن الجميع ...........
الفصل الخامس و العشرون (2)
في يومِ نهاية الأسبوع ....يومٍ مشمس دافىء ورائع ....وقد قرروا البقاء في تلك الحديقةِ التى كانت مهجورة ذابلة منذ سنين .....الا أن حلا وسما أعاداها للحياةِ من جديد ....فبدت جميلة ......تدعو من يراها الى الجلوس فيها .......
كانت حلا تبدو كحلمٍ ربيعي مشرق ...بثوبها الأبيض المرفرف من حولها أينما تحركت .....تحيط شعرها بشريطٍ حريري وردي اللون بينما انساب طليقا في موجاته العسلية مسترسلا على ظهرها كأمواجِ بحرٍ صيفي ناعم .......
لكن ما زاد إشراقها هي تلك الملامح الجديدة التى اكتسبتها .....بريقِ عينيها اللتين ازداد خضارهما ........ابتسماتها التى لا تختفي اينما ذهبت وكيفما تحركت ........حتى أنها كانت تتمايل بنعومة على أنغامٍ موسيقية ناعمة قامت سما بتشغيلها في الحديقة.......
مغمضة عينيها ..... مبتسمة تلك الإبتسامة التى تبدو في رقةِ حافةِ ورقةِ ناعمةٍ مرت سريعا لتجرح قلب من يراها دون أن يشعر ........
إنها تنوي قتلي ......هكذا فكر ادهم وهو ينظر الى تمايلها الناعم تحت أشعة الشمس التى تغلفها فتجعلها كحلمٍ ذهبيٍ خرافي ........
استدار في كرسيه ليرى إن كان احمد يراها هو الآخر .....الا إنه لم يكن موجودا ....جيد .... من المؤكد أنه يبحث عن سابين في مكانٍ ما .........عاد ليستدير اليها مبتسما...مستندا بظهره واضعا ساقا فوق الأخرى وهو يتابع ذلك الحلم الذى يوشك على أن يصيبه بنوبةٍ قلبية ........
فتحت عينيها وحانت منها التفاتة الى وحشها الرقيق ......ابتسمت بخجل وهي ترى نظرته المفترسة و ابتسامته الجائعة .....لكنها لم توقف تمايلها وهي تفكر .....يستحق هذا ......لا أعلم لماذا لكنه يستحق أن يذوب في أكثر و أكثر ......مثلما أذابني به منذ أن بدأت أدرك هذه الحياة .........منذ أن عرفته قبل حتى أن أتعلم حتى كيف أكتب اسمي ..........منذ أن قدرت حلا الراشد لأدهم مهران ........
قام ادهم من كرسيه ببطء وبخفة الفهد الذى يستعد للقفز على فريسته .......الا إنها لم تمهله أكثر .....فابتسمت بشيطنة حلا الراشد ذات الخمس أعوام .....فجرت تبتعد عنه ........
عقد حاجبيه وهو يقول بصوتٍ منخفض حتى لا يسمعه أحد
( حلا ...... تعالي الى هنا )
هزت رأسها علامة النفي وهي تبتسم ابتسامتها الخلابة .....فاندفع ناحيتها في حركةٍ واحدة فصرخت ضاحكة لتجري منه بينما لحقها وهو لا يهتم ان كان هناك من يراه .....فليراه من يراه ......المهم أنه سيلتهمها كما يلتهم حبة كرزٍ شهية ........
كادت حلا أن تصطدم بأميرة التى رفعت صينية المقبلات التى تحملها عاليا حتى لا يتناثر ما فيها أرضا .......
ضحكت حلا وهتفت وهي تتابع جريها ....( عذرا عمتي .......)
ضحكت اميرة بسعادة بينما نظرت الى ادهم الذى كان عازما على اصطياد غزاله الشارد بأي طريقة ......وما أن مر بها كالسهم ...حتى ابتسم هاتفا
(بعد اذنك عمتى .....سأعلمها الأدب ثم أعود اليكِ )
ضحكت أميرة بسعادة أكثر وهي تهتف في اثرهما ( خذا وقتيكما ...........)
تنهدت تنهيدة كبيرة وهي تتمنى لاحمد وسابين ... وسما وفارس ...أن يصلا يوما الى مثل هذه السعادة ...........
بعد لحظة كانت سابين تنزل خلفها الى الحديقة يتبعها احمد الذى بدا وكانه لا يريد أن يفارقها لحظة يبتسم لها ...يحيط خصرها بذراعه .....يقبل وجنتها كل لحظة ......بينما بدت هي شاردة .....عيناها تائهتان .....وكأنها ستودع حبيبها بعد لحظات .........
بعد فترةٍ قصيرة كان الجميع قد اجتمعوا في الحديقة ......يتهامسون .... يضحكون .....
الى أن لفت انتباههم السيارة التى دخلت من الباب ......فتوقفوا جميعا عن الكلام ووقف احمد وادهم استعدادا لمقابلة .....ابن عم عماد الراشد ........
ثم لم تلبث أن تجمدت ملامحهم تماما .....عم السكوت المكان وهما يستوعبان هيئة ذلك الشاب الذى نزل مبتسما من السيارة الرياضية .....اقترب منهما بهدوء وهو يتباهى بعضلاته من قميصه القطنى الخفيف .....
وما ان وصل اليهما حتى خلع نظارته الداكنة ليمد يده الى ادهم مبتسما قائلا بهدوء
(عمار الراشد ...........)
تمكن ادهم من مصافحته بعد عدة لحظات ثم قال بصوتٍ أجش ( ادهم مهران .......)
ثم نظر بقسوةٍ وتوعد بطرف عينه الى حلا الجالسة في كرسيها ترتجف كطفلةٍ صغيرة وهي تدرك ان المواجهة التى كانت تخشاها قد حانت .....
وحين مد عمار يده الى احمد وهو يقول مبتسما ( اذن لا بد من أنك احمد مهران ......زوج سابين )
كان احمد يبدو وكأنه تحول الى تمثالٍ حجري للقسوة والعداء ......حانت منه نظرة الى سابين التى غلفت القسوة ملامحها هي الأخرى ....تعرف تماما أية أفكار ستلوث رأسه عنها الآن .......
عاد احمد ينظر اليه حين تكلم ....فنظر الى يده الممدودة دون أن يبذل أي مجهود في اخراج يده من جيب بنطاله ......ثم رفع نظره اليه ليقول بكل برود
( أنا لا أحب المصافحة ..........)
علا الجو المحيط موجة من التوتر الا أنه لم تتبدل ملامح عمار المبتسمة ثم قال مازحا
( هل تخشى على وضوئك ؟...........)
انطلقت ضحكة سما في وسطِ ذلك الصمت المشحون ....فنظر الجميع اليها بذهول , فسكتت تماما وهي تنظر اليهم برعب وتهمس
( ماذا ؟..... الم يكن هذا مزاحا ؟.........)
ابتعد احمد عن كل ذلك الجو الخانق وهو يهتف لتالا القلقة بغضب
( هيا يا تالا سننصرف ........)
أمسكت سابين بيدِ تالا تمنعها من القيام من مقعدها ....بينما قامت هي لتتجه اليهما وهي تقول بقوة
( الن تتعرف على شريكي بعد يا احمد ؟...........)
التفت اليها لينظر اليها نظرة كادت ان تقتلها ....ثم قال بهدوءٍ شرس
(هل هذا هو ابن عم والدك الذى أخبرتني عنه ..........)
نظرت اليه بتحدي دون أن يرف لها جفن وقالت بنفس القوة
(ابن عم والدي الذى حدثتك عنه هو والد عمار .....وقد توفي منذ سنين رحمه الله )
ظلا يتبادلانِ النظراتِ القاسيةِ وكأنهما خصمان على وشكِ القتال الى أن تدخل ادهم ممسكا بذراعه هامسا له
(احمد .....تمالك نفسك ودع هذا اليوم يمضي بسلام ثم سيكون لنا حديثٍ آخر )
لم يبعد احمد نظره عن عيني سابين القاسيتين للحظةٍ واحدة ثم أومأ لادهم برأسه واتجه ليجلس في مقعده دون ان يخاطب احدا .....
مرت تلك اللحظاتِ المشحونة ....حتى هدا الجميع نسبيا وحاولو تبادل التعارف نوعا ما مع عمار .....الذى كان يبدو مبتسما وكانه يستمتع بالوضع المزري للجميع .........
بعد قليل كان عمار يحاول فتح حديثٍ مع حلا ليسألها إن كانت قد توصلت الى فهم الملفات المالية التى سلمها لها أم أنها تحتاج مساعدة منه في فهمها ......بينما كانت حلا في حالةٍ من الرعب وهي تنظر بطرفِ عينها إن كان ادهم يراقبهما .... وهي تكتفي بالرد على أسئلة عمار بمجرد إشاراتٍ من رأسها ........دون حتى أن تتكلم ......فجأة انتفضت على صوتِ صيحة ادهم تأتي هادرة من بعيد
(حلااااا.......)
التفتت برعب الى باب البيت لتجده واقفا هناك وهو يشير اليها بإصبعه لتذهب اليه فقفزت من مكانها لتجري اليه دون حتى أن تعتذر الى عمار الذى كان ينظر اليها مذهولا من تصرفاتِ الكائنات الغريبة المسماة برجال آل مهران ........
وصلت حلا الى ادهم وهي تشعر بقلبها يقع بين قدميها ...سحبها ادهم من يدها خلفه ليدخل الى البيت وما ان دخلا الى غرفة المكتب حتى أغلق الباب خلفه واستدار اليها بغضب .....فسارعت تهمس بتلعثم
(كنت سأخبرك ......أقسم أنني كنت سأخبرك , لكني ....لكننا .....فضلنا أن تتعرفا اليه وجها لوجه .......)
لم تلن ملامح ادهم المتوحشة وهو يقترب منها الى أن أمسك بذراعيها .....وقال بغضب وهو ينظر الى عينيها المتسعتين
(الى متى ستخفين عنى كل ما يخصك ......أقابلك و أحدثك كل يوم وتغفلين عن ذكر أنك تتعاملين يوميا مع كتلة العضلات الملقى بالخارج هذا ........هل يأتي الى هنا ؟......)
هزت حلا رأسها بسرعة وهى تهمس بخوف ( أبدا ....أبدا ....لم يأتي الى هنا , وأنا لا أتعامل معه الا نادرا في أمورٍ تخص العمل )
قال ادهم ولم يختفي غضبه بعد ( وعن ماذا كان يحدثك الآن .........)
قالت حلا بسرعة ( كان يسألني إن كنت أحتاج الى مساعدة في الملفات المالية التى سلمها لي ...........)
اشتدت قبضتا ادهم على ذراعي حلا وهو يهدر بعنف ( ها قد بدأنا ..........)
امتدت يداها لتحاوطانِ وجهه ثم نظرت الى عينيه المتوحشتين وهمست
(الا تثق بي ؟........هل فقدت كل ثقتك يا ادهم , إن كنت كذلك فأنا على استعدادٍ لترك المجموعة وكل شيء والعودة معك .......لكن قلبي سيكون قد تحطم يا ادهم ........)
تركت وجهه لتدفن وجهها بين كفيها وتبكي بصمت ....بينما ظل ادهم ينظر الى رأسها المحنى بوجوم ....ثم قال أخيرا بخشونة
( ماذا فعلت لكِ لتبكي الآن ؟.........)
لم ترفع وجهها بل ظلت تبكي بين كفيها وهي تهتف بصوتٍ مختنق من بين شهقاتها ( أنت لت تثق بي أبدا ........)
قال ادهم بعتابٍ وقد مزقه بكاؤها ( لا أثق بكِ ؟......تركتك تعملين ... وتقيمين مع شقيقتيكِ ....ومع كل هذا لا أثق بكِ ؟........)
رفعت وجهها الباكي اليه ثم قالت وهي تشهق بصعوبة
( اذن لماذا تعاملني هكذا ؟..........حتى وإن لم يكن عمار موجود فأنا بالتأكيد سأتعامل مع كثيرٍ من الرجال ........)
ظل ادهم ينظر اليها وغيرة ومشاعر بدائية تنهش قلبه ثم قال بصوتٍ اجشٍ مختنق
( هل ترين ما الذى علي أن أتحمله من أجلك .............)
اقتربت منه لتحاوط عنقه بذراعيها بشدة ........ثم همست
( أقسم أنهم لو وضعوني في كوكبِ رجالٍ فقط ......فلن أرى رجلا غيرك أبدا )
شدها اليه بعنف ليقبلها بعنفٍ اكبر ......ثم رفع رأسه لينظر الى عينيها المخضرتينِ بمشاعرٍ عاصفة .....إن لم يتركها حالا فلن يخرجا من هنا أبدا ...... وهذا اليوم لا ينقصه المزيد من الفضائح ........
ابعدها عنه ليقول بصرامةٍ زائفة
(اين هي تلك الملفات المالية المستعصية ؟............)
مسحت وجهها بيدها وهي تنظر اليه بحيرة ثم قالت بخفوت ( هنا .......في درج المكتب , لماذا تسال ؟.....)
قال بنفس الصرامة ( إن احتجتِ الى مساعدة خاصة فلن تحصلي عليها من غيري ........مفهوم ؟....)
ترددت حلا قليلا ثم قالت بصوتٍ خافت
(لا أعتقد أنني أستطيع ذلك يا ادهم .......إنها أسرار مجموعتنا .... وأنت من المنافسين )
نظر اليها بدهشةٍ غير متأكد من صحة ما سمعه .....ثم قال أخيرا وهو يضغط على كلِ حرف
( في يومٍ من الأيام ذهبت معكِ الى مدرستك لأستسمح المدرس الذى لصقتي وجها ضاحكا على ظهره .....ويوما آخر دخلت في شجارٍ عاصف مع مجموعةٍ من الصبيان كانت سابين تتعارك معهم بالأيدي .......أما سما فقد كنت أحملها وهي لم تتجاوز العامين من العمر ......ثم يأتي اليوم الذى تخبريني فيه بأنني من المنافسين ولا يجوز أن أتطلع على أسرار مجموعتكم الفذة ؟؟.......)
أخفضت رأسها خجلا ثم همست ( العمل عمل يا ادهم ........)
لم يستطع منع ابتسامته وهو ينظر الى طفلته الحبيبة وهو يعيد بمزاح ؛( العمل عمل يا ادهم ؟؟؟؟؟؟؟......)
ثم ضمها اليه ليقبل جانب فكها برقته التى تشعل كيانها ....ثم تركها ليشير الى المكتب ويقول بصرامة
(اجلسي واخرجي الملفات يا حلا والا فلا تلومي الا نفسك ..........)
ترددت حلا ثم قالت بخوف ( حسنا ...لكن إياك أن تخبر سابين )
ظل يشير الى المكتب بصرامة وهو يمنع نفسه عن الضحك بصعوبة ......أمضى وقتا طويلا جالسا أمامها......... يستمع اليها وهي تشرح له ما فهمته , وتسأله فيما لم تفهمه ....وحين كانت تخفض رأسها لتدقق في الأرقامِ المرصوصة أمامها كان يستغل الفرصة لينظر اليها شاردا مبتسما وهو يتذكرها في المرحلةِ الثانوية حين كان يجلسها في مكتبه رغما عنها ليشرح لها مادة الكيمياء التى كانت فاشلة فيها تماما .....وكل ما كانت ترجوه هو أن تعبر منها بنجاح ......
وكان يفعل مثلما يفعل الآن تماما ....ينتهز فرصة أن تخفض رأسها حتى يتأملها ويشبع من رؤية شعرها الجامح المتساقط على سطح المكتب ........
بعد ان انتهيا اغلقت حلا الملفات سريعا ثم وضعتها في الدرج ونظرت اليه مبتسمة وقالت
(أنت رائع ......لم أكن لافهم كل هذا وحدي )
نظر اليها بحبٍ أسكرها ثم قال بصرامة وهو يمد لها يده لتتشبث بها بسرعة
(هيا لنخرج اليهم الآن لنرى عدد الضحايا من المعركة التى ولابد أن تكون قد حدثت بسبب الكارثة المسماة سابين )
ضحكت حلا طويلا وهما يخرجانِ معا ....
الوضع كان هادئا نوعا ما ....لكن ادهم همس الى حلا بعبوس
(ابقي هنا .........)
ثم اتجه بهدوءٍ الى سما التى كانت واقفة تخفي فمها بيدها وهي تضحك بشدة على ما يقوله لها عمار الواقف أمامها وما أن وصل اليهما حتى جذب سما من يدها ليقول لعمار بهدوء وبرود
(عن اذنك ......)
ثم سحبها خلفه وهي تسير خلفه بوداعة .....مبتعدا بها عن مرمى عمار الذى وقف وحده وهو ينظر حوله ليقول بصوتٍ منخفض
(ماذا ؟؟؟.......هل أنا مصابا بمرضٍ معدي أم ماذا ؟؟؟؟؟.......)
.................................................. .................................................. .....................................
كاد كل شيءٍ أن يمر بسلام ......كاد .....لولا أن سابين في نهاية اليوم كانت تهبط على سلم مدخل البيت فانزلق كعب حذائها العالي وكادت أن تسقط لترتطم بالأرض بشدة ....لولا أن شعرت بيدين قويتين من خلفها يمسكانها من خصرها لتسندانها حتى تقف من جديد ...التفتت لتجد عمار ينظر اليها ممسكا بها ........ثم قال بهدوء
( لا يجب أن ترتدي مثل هذا الكعب العالي في حملك ............)
ضحكت سابين ضحكة عالية وهي تتنفس ارتياحا وقد ظنت للحظةٍ واحدة أنها ستسقط على السلالم وستهلك طفلتها قبل أن ترى النور ....لكن ما أن تركها عمار حتى التفتت لتواجه عينين متوحشتين ......احمد ....الذى صعد درجات السلم في لحظة واحدة ليمسك عمار من مقدمة قميصه بقبضةٍ حديدية ....بينما توجهت قبضته الأخرى الى وجه عمار .......وكل هذا كان في لحظةٍ واحدة دون أن يستطيع أحد استيعاب ما حدث ...........
صرخت سابين بغضب وهي تسند عمار الذى انهمرت الدماء من انفه بغزارة .....لكن دون أن يحاول الرد على أحمد بأي ضربة ....اكتفى بأن يكتم الدم بيده وهو ينظر باستخفافٍ اليه .......
استدار احمد مبتعدا ليهبط السلالم بعنف وهو يصرخ ( تالا ........هيا لنذهب )
تبعته سابين وقبل أن يصل الى سيارته تمكنت من الإمساك بذراعه بقوة وهي تديره اليها صارخة بوحشية
( إن خرجت من هنا فلا تعد أبدا ........)
أمسك بذراعها بوحشيةٍ كادت أن تمزق لحمها لكنها تحملت وكتمت صرخة ألم .....فهمس بصوتٍ كالفحيح
(كان يجب أن أعرف أنكِ لن تكفي عن عبثك أبدا .......ستظلين بنفس الصفاقةِ ولن تتغيري وكل ما سيهمك هو ان يقع كل رجلٍ يراكِ صريع سحرك )
شعرت كما لو انه لكمها هي الأخرى .....سكتت تماما ونظرت اليه بصدمة الى أن تابع
( كل ما أطلبه منكِ هو أن تحافظي على أسمي الى أن تسلميني طفلتي .......ثم اذهبي بعدها الى حيث تريدين )
كانت تالا قد وصلت جريا تتعثر بحقيبتها وهي لا تفهم شيئا مما يحدث ....لكنها ركبت في صمت خوفا من غضب والدها المرعب ........ترك احمد سابين بإشمئزاز ثم ركب السيارة ليرجع بها الى الوراء ثم يدور لينطلق بها بسرعة مجنونة .......
تاركا سابين تقف مذهولة ........تماما كما تركها ليلة زفافهما في نفس المكان .............
.................................................. .................................................. .......................................
بعد مرور شهر على ذلك اليوم المأسوي ....كان عمار يصعد سلالم واجهة مقر مجموعة عماد الراشد .....بسرعةٍ كعادته , بينما كانت شابة تهبطها مندفعة بغضبٍ أعمى لا ترى أمامها من شدته ......فلم يستطع تجاوزها في اللحظة الأخيرة , فارتطمت بشدةٍ بصدره القوي وكادت أن تقع لولا أن أمسكها ليمنع سقوطها .......تماما كما فعل مع سابين في ذلك اليوم الفظيع منذ شهر ......
فكر عمار بابتهاج وهو ينظر الى الشعر الذهبي الثائر والملامح الشرسة.....أنها ثاني جميلةٍ تسقط بين ذراعيه .....
رفعت تلك الشابة عينين ذهبيتين متوحشتين تنفثانٍ نارا اليه ....ثم دفعته بكلتا قبضتيها في صدره ليتركها ثم صرخت بتعالي وقح
(ابعد يدك يا احمق ....الا تنظر أمامك وأنت تندفع بمثل هذه الحماقة )
نظر اليها بدهشةٍ وقال بهدوء
(ولو أنكِ تنظرين أمامك بدلا من مظاهر الجنون البادية عليكِ تلك ......لكنتِ رأيتني )
صرخت بغضب مرة أخرى وهي تندفع من أمامه ( أحمق .......)
ثم أكملت هبوط درجات السلم بعنف ........صعد عمار درجتين ثم استدار مرة أخرى لينظر الى تلك المجنونة رائعة الحسن التى تعبر الطريق وشعرها الذهبي يتناثر متبعثرا في كل مكان من عنفِ خطواتها ....ثم همس مبتسما
(وقحة ........)
ثم استدار ليصعد السلم لكنه قبل أن يستقل المصعد ذهب الى حارس البوابة ليساله عمن كانت تريد هذه الشابة التى خرجت للتو , فأخبره الحارس بأنها سألت عن سابين وحين لم تجدها سألت عن مكتب حلا لتذهب اليه ........
ذهب عمار مباشرة الى مكتب حلا التى كانت منهمكة في الملف أمامها ......فاقترب بهدوء ليجلس على حافة مكتبها بعد ان القى عليها التحية .......قال بهدوء
(حلا .......)
ردت دون ان تنظر اليه ( همممممم.......)
قال عمار وهو يعبث في الأوراق الموجودة أمامه ثم قال بلا مبالاةٍ مزيفة
( أثناء دخولي الى المقر شاهدت شابة غريبة عن المجموعة ...... أتعرفينها ؟)
رفعت عينيها اليه وقالت بعد لحظة (أي شابة ؟........)
قال وهو يحاول أن يتذكر ( تقريبا ....شقراء ...أو لا أدري تماما )
ابتسمت حلا بخبث وهي تقول ( شقراء .....مجنونة , تثير المشاكل اينما ذهبت ؟؟؟)
ابتسم عمار وهو يقول ( نعم ..... تقريبا ...... من هي ؟؟؟....)
اعادت حلا نظرها الى الأوراق أمامها ثم قالت ( لم أرى من هي بمثل تلك المواصفات ........)
سحب عمار الملف من أمامها بغضب وهو يهتف مغتاظا
( كفي عن ذلك يا حلا ......لقد كانت عندك هنا في المكتب منذ دقائق ....من هي ؟؟)
ابتسمت حلا بخبثٍ أكبر وهي تقول
( أخبرني أولا ماذا تريد منها ؟...........)
هتف عمار وهو يزداد غيظا ( حلا .......من هي ؟؟)
قالت حلا بهدوء بعد أن قررت أن تريحه ( إنها دارين مهران .........شقيقة احمد مهران )
ارتفع حاجباه بصدمةٍ وهو يهمس لنفسه
( شقيقة احمد مهران ؟........كان يجب أن أعرف )
.................................................. .................................................. ...............................................
كانت سما في الحديقة منحنية على ركبتيها تضع بذورا في حوض الورود الخاص بها ......كعادتها كل يوم بعد ان تخرج كلا من سابين وحلا الى العمل .........
( ياسميناااا...........)
توقفت أصابعها تماما و توقف قلبها عن خفقاته حين سمعت تلك الهمسة المختنقة من خلفها ......هل هي تحلم ....هل وصل هوسها الى هذه الدرجة .......
التفتت ببطء وهي ترفع يدها لتداري أشعة الشمس لتتمكن من رؤية صاحب ذلك الظل العملاق .........
قامت ببطءٍ وهي تنظر بذهول الى حبيبها .....فارسها .....يقف أمامها بنظارته الداكنة و عصاه الرفيعة ............
همست بذهول ( فارس .......)
الفصل السادس و العشرون (1)
كانت سما في الحديقة منحنية على ركبتيها تضع بذورا في حوض الورود الخاص بها ......كعادتها كل يوم بعد أن تخرج كلا من سابين وحلا الى العمل .........
تغمرها أشعة الشمس بدفئها وهي سارحة بخيالها مسافرة بقلبها عند فارسها .....الن يرتاح قلبها أبدا .الن يهدأ بالها .....الى متى ستظل قلقة عليه ......ترى هل يستطيع تدبير أموره بنفسه .....هل يتقبل المساعدة كما أخبرها , أم أنه عاد لعناده الأحمق و رفض الجميع .....منذ أن هاتفته آخر مرة , لم تسمع صوته مجددا .....انتظرت منه أن يطمئنها على نفسها .....الا أنه كالعادة لم يبالي وتركها تستجدي أخباره خلسة من كل من حولها .........لكنها لم تستطع الحصول على معلومة ...... أي معلومة تريح قلبها الملهوف ..... الجميع يناورونها و يلتفون حول اسئلتها ........ ماذا به ..... هل حدث شيء والجميع يخفون عنها ..........
يالهي .......إنها تكاد تموت قلقا عليه .......منذ مدة .....منذ ما يقرب من الشهرين اتتها مكالمة من رقم غريب قرب وقت الفجر .....استيقظت على الفور من نومها القلق المحمل بأحلامٍ أسيرة فارسها ......فالتقطتت هاتفها لتجيب بلهفةٍ متمنية أن يكون هو من يهاتفها .....الا أن الصمت طال من الطرف الآخر فلم تستطع منع نفسها من الهمس بلهفة
( فارس ؟.......أهذا أنت ؟........)
لم يأتيها أي جواب , فقط سماع صوتِ أنفاسٍ كادت تجزم أنها أنفاس حبيبها ......لكن لو كان هو لماذا يهاتفها في هذا الوقت من رقمٍ غريب .......ودون حتى أن يسمعها صوته ......تعرف أنه خطأ كبيرا أن تتمادى في مكالمتها مع مجهولٍ قد يكون مجرد أحمق لكنها لم تستطع منع نفسها من الهمس باستجداء
( فارس .....أهذا أنت؟......أرجوك أجبني حبيبي ........)
تعالت أنفاسه المتحشرجة ......وسمعت تنهيدة حارة ثم أغلق الخط بعدها .....إنه هو , هي متأكدة أنه هو ......ماذا أراد , ولماذا لم يسمعها صوته ......إنه ليس بخير , وهي تدرك هذا ........حاولت مكالمته مرارا بعدها الا أنه لم يجبها أبدا وحتى هذه اللحظة .......
أين أنت .....فقط اشفق على حالي واسمعني صوتك يا من قلبك في قساوة الحجر
( ياسميناااا...........)
توقفت أصابعها تماما و توقف قلبها عن خفقاته حين سمعت تلك الهمسة المختنقة المتحشرجة من خلفها ......هل هي تحلم ....هل وصل هوسها الى هذه الدرجة .......
التفتت ببطء وهي ترفع يدها لتداري أشعة الشمس لتتمكن من رؤية صاحب ذلك الظل العملاق .........لم ترى ملامحه , لكنها عرفت ظله ......شموخه وصلابته .......وقفته الشرسة .....انقباضة كفيه ........
قامت ببطءٍ وهي تنظر بذهول الى حبيبها .....فارسها .....يقف أمامها بنظارته الداكنة و عصاه الرفيعة ............
همست بذهول همسة محتنقة لم تكد تسمع لكنها وصلت الى اذنيه ( فارس .......)
وقفت أمامه صامتة تماما ...بينما قبلها يصرخ ضاربا صدرها مهددا بقتلها في اية لحظة .......تنهدت أخيرا وهي تميل براسها لتتشرب من ملاحه الحبيبة ......إنه هنا ......يقف أمامها بوجهٍ لم تتبين تعابيره
الظالم القاسي هنا ......يقف أمامها بخيرٍ تماما بعد أن أهلكها قلقا الفترة الماضية .....لكن الغضب لم يعرف طريقا الى قلبها ......يكفيها إنه هنا من جديد .....
اقتربت منه ببطءٍ قاطعة تلك الخطوات القليلة التى تفصل بينهما الى أن وقفت على بعدِ خطوة واحدة منه ....لم ينطق أيا منهما لفترةٍ طويلة ..... طويلة جدا .......كان كلا منهما ينظر للآخر يريد أن يتأكد ان نصفه الآخر أمامه .......
كانت ملامح فارس متصلبه للغاية وانفراجة خفيفة تباعد بين شفتيه لتستطيع سحبه لأنفاسه بصعوبة ..... ماذا به ؟....هل هو مريض ؟....إنه شاحبا بالفعل .....صدره يعلو ويهبط بسرعةٍ غريبة ......
مدت أصبعها الرقيق لتقترب به من وجهه .... وتتتبع تفاصيل ملامحه ...لكن دون أن تلمسه ....فقط يبعد إصبعها عن وجهه مسافة لا تكاد ترى .....أخذت تحرك اصبعها وكأنها ترسم على الهواء الملامس لملامح وجه فارسها ..جبهته ...وجنتيه ...انفه .....فكه ......شفتيه ......آآهٍ من شفتيه ....إجتاحتها ذكرى امتلاكهما لشفتيها في أيامٍ ظنت فيها أنها لامست النجوم بيدها .....
ظل إصبعها يمر دون وعيا منها على الهواء الملامس لشفتيه ....مرة بعد مرة .... ترسمهما على الهواء ........بينما اغروقت عينيها بالدموع في لحظةٍ واحدة...........ثم انسابت في انهارٍ صغيرةٍ صامتة على وجنتيها ..........
تنظر اليه وهي تنهل من حب كل تفصيلة من تفاصيل وجهه .... لم ينقصها سوى أن تزيل تلك النظارة القاتمة التى تحجب عينيه الحبيبتين عنها ....لكنها لا تريد المخاطرة بافساد تلك اللحظة .....تريد فقط أن تشبع من رؤيته قبل أن يبتعد من جديد .......عند هذه الفكرة شعرت بقلبها يكاد نفجر من شدة خوفه ....هل هذا هو سبب عودته ؟.....أن يحررها أخيرا ؟.......
لم تستطع منع نفسها من التاوه بنحيبٍ صامت هامسة ( فارس ........)
لم يتحرك من مكانه .... بدا وكانه تحول الى تمثالٍ من حجر .. لا يتحرك به سوى تصاعد صدره المتزايد ..... اكثر واكثر ........
فجاة استدار معطيا ظهره اليها وهو يرفع يدا بسرعة ليمسح شيئا من على وجنته لم تتبينه .........ثم وجنته الأخرى .........
ماذا به ؟....إنه ليس بخير حقا ......حبيبها المسكين يتألم .......مسحت دموعها ثم التفتت حوله بسرعة لتقف أمامه وهي تمسك بكتفيه لتهمس بقلق
( ماذا بك يا فارس ؟.................)
لم يرد للحظة وهو مطرقا برأسه ينازع أنفاسه ليسيطر على شيءٍ ما .........ثم رفع يديه ببطء تاركا عصاه الخفيفة تسقط أرضا ليضعهما فوق يديها الممسكتين بكتفيه ......نظارا اليها عبر نظارته السوداء فلم تتبين ما به من الحاجز الذى يغطي عينيه ....
قبض على كفيها الصغيرين لينزلهما عن كتفيه دون أن يتخلى عنهما ....فظلا واقفين ممسكين بيدي بعضهما كطفلين ضائعين ......الى أن ترك فارس أحدى يديها ليرفع يده الى وجهها ....يتلمس كل جزءٍ منه كما اعتاد أن يراها دائما .......
أمال رأسه قليلا وهو لا يزال فاغرا شفتيه قليلا ...يراها باصابعه وكأنه فنان يريد أن يصنع تمثالٍ رآه بقلبه قبل عينيه ......
مد إصبعا واحدا ليلف خصلة ناعمة على إصبعه أكثر من مرة .....ليتركها بعد ذلك تنزلق ثم يعود ليلفها مرة أخرى الى أن همس باختناق
( تكلمي مرة أخرى ياسمينا........أريد أن أتأكد أنها أنتِ )
اغمضت عينيها والدموع تجري اكثر و اكثر على وجنتيها لتتساقط على شفتيها المبتسمتين ابتسامة حزينة ....ثم همست باشتياق خائن
( إنها أنا ............)
ظهر طيف ابتسامة على زاوية شفتيه تحاكي ابتسامتها حزنا وهو يستمر في لف خصلات شعرها حول اصبعه ثم تركها ....دون وعي منه تقريبا .......ثم همس بعد فترةٍ همسةٍ اكثر اختناقا
( ليس قبل أن أتأكد بنفسي ......)
في حركةٍ واحدة اعتقل خصرها النحيل بين ذراعيه الحديدتين ليرفعها اليه حتى اصبح وجهها الدافىء في مواجة وجهه ثم هبط برأسه كالصقر مندفعا ليدفن وجهه في عنقها الناعم ....ليقبله مرة ثم يستنشق رائحتها مرة اخرى ......مرة بعد مرة ......بينما أغمضت عينيها وهي تتعلق بعنقه تتلاعب بخصلاتِ شعره التى اشتاقت لأصاعبها المداعبة الحانية .......أخذ الدوار يحيط بها من شدة قربه و عصفِ مشاعره التى كان يبثها بالقرب من اذنها .... أنفاسه الدافئة تهدر في أمواجٍ موسيقية داخل أذنها .......
ثم همس بتحشرج ( أين عطرك ياسمينا ؟.........)
سحبت أنفاسها بجهدٍ وهي تتعلق اكثر بعنقه خوفا من أن يختفي من جديد ...... ثم حاولت النطق بصعوبة الى أن همست بصوتٍ مرتعش باكٍ
( لم أضعه منذ أن رحلت .........)
رفع رأسه لينظر اليها عبر نظارته الداكنة طويلا و صدره يتنفس بصعوبةٍ لاهثا ...ضاربا قلبها بشدة .....الى أن قال أخيرا بصوتٍ اجش ( لم يعد مهما بعد الآن .........)
فتحت عينيها المبللتين لتنظر اليه بخوف ....لم يعد مهما بعد الآن ؟.......ماذا تبقى بينهما اذن .........ماذا تبقى له من ياسمينا ......لا شيء ....ببساطةٍ لا شيء يذكر ..........
ازداد انهمار دموعها الصامتة وهي تنظر بعجزٍ الى عينيه المظلمتين ...تريد أن تنزع تلك النظارة اللعينة .....أومأت برأسها بصمت ....ثم همست أخيرا همسة منتحبة ....قد تمزق قلب أي انسانٍ يمتلك ذرة من الاحساس
(نعم .......نعم ...عرفت أنه لم يعد ........)
لم يدعها لتكمل عبارتها ......وهو يلتهم كلمتها الاخيرة بين شفتيه وهو يهاجم بهما شفتيها المرتعشتين من البكاء .....استمر هجومه الناري طويلا وهي بالمقابل لم تستطع سوى أن تستجيب له بجنون ِ شوق الليالي الطويلة التى كانت فيها وحيدة بعيدة عن حضنه الدافىء الذى لم تغرق فيه منذ فترةٍ طويلة ........
كان يتوقف فقط ليلتقط انفاسه هامسا بخشونة ( جميلة ......جميلة ) ثم يعاود هجومه الشرس وهو يدور بها وهي متعلقة به ...تطير فوق السحاب .... تلامس النجوم ......لقد عاد ......لقد عاد فارسها .....
حين تركها اخيرا كان كلا منهما ينظر الى الآخر لاهثا من تلك العاصفةِ التى أطاحت بهما منذ لحظات .....الى أن استطاع فارس النطق أخيرا بصوتٍ أجشٍ لاهث وهو يمسك بوجهها بين كفيه
(ما أجملك ......يالهي ما أجملك )
ابتسمت بانبهار من تلك المشاعر المجنونة المرتسمة على وجهه .... لقد علق على جمالها كثيرا من قبل ... الا إنه لم يكن بمثل هذا الشوق والجنون قبلا .... لم تره بمثل هذه المشاعر الهوجاء حتى في أشد لحظاتهما العاطفية معا .......هل اشتاق اليها بالفعل الى هذه الدرجة ؟......
اتسعت ابتسامتها اكثر و الدموع تابى ان تنضب ..... فمد يده ليمسح تلك الانهار الصغيرة برفق من احدى وجنتيها ..ثم الاخرى ..ثم همس بعذاب
( لا تبكي ......لا أريد رؤية دموعك أبدا )
ضحكت قليلا من بين بكائها وهي تومىء برأسها علامة الموافقة ....دائما ما تجيبه بالإشارة ....بعد أربعة سنوات لازالت تفعل ذلك ....
أخرجها من شرودها وهو يهمس بابتسامة ٍحانية ..مربتا على وجنتها
( احسنت ..........)
رفعت عينيها اليه لتسأله كيف رأى موافقتها الا إن ابتسامته المذهلة أوقفت الكلمات و منعتها من الخروج ....ما أجمل ابتسامته , إنها ابتسامة لم ترها من قبل .....ابتسامة من كان يلهث خلف شيئا ما الى أن وجده أخيرا .....
أفاقت فجأة من شرودها المجنون بطيف ابتسامته لتنظر حولها ثم عادت لتنظر اليه بحيرة وهي تهمس
( فارس .... كيف وصلت الى هنا ؟)
ابتسم اكثر وفتح شفتيه ليجيبها ...الا إنه عاد ليغلقهما وكانه تمهل قليلا ثم قال أخيرا
( لقد أقلني ادهم اليكِ ........)
اليكِ ......ما أروع تلك الكلمة البسيطة ....همست مرة أخرى
( لماذا عدت الى هنا .....ظننت ....ظننت أننا ........)
جذبها مرة أخرى الى أحضانه وهو يسند جبهته على جبهتها هامسا ( ششششششش..........هيا استعدي لنذهب الى بيتنا )
انتفض قلبها مراتٍ ومرات قبل أن تهمس بلهفة ( بيتنا !!..........)
ابتسم وهو ينظر الى صدمتها ثم همس ( نعم بيتك يا حرمي المصون ......يبدو أنكِ اعتدت على الحرية بدون زوجك )
ظلت تنظر اليه فاغرة فمها وهي تشعر فجأة بعدم قدرتها على فهم اي شيء ........همست
( لا أفهم ......لا أفهم )
رفعها بين ذراعيه مرة اخرى وهو يقبلها بقوةٍ عجزت معها عن التنفس ........الى أن شعرت بنفسها تترنح بين ذراعيه حتى كادت أن تسقط فتشبثت بكتفيه وهي تشعر به يكاد يسقط .....فصرخت بخوف
( فارس .......ماذا بك ؟؟؟)
أنزلها أرضا وهو يتمسك بخصرها بشدة يكاد أن يسقطها بثقله الذى ارتمى عليها ......صرخت سما مرة أخرى وهي تبكي بلوعة
( فارس ....أرجوك أجبني , ما بك ؟؟)
ظل يتنفس بصعوبة لعدة لحظات ثم همس بإجهاد
( أنا بخير ......لا تقلقي , لم يكن من المفترض أن أقف طويلا تحت أشعة الشمس )
همست سما بخوف ( لماذا ؟.......)
صمت قليلا مترددا ثم انحنى ليقبل وجنتها وهو يهمس ( الحرارة .....الحرارة انهكتني بعد ساعات السفر .....ثم حرارتك )
احمر وجهها بشدة وهي تضربه في كتفه لارعابها بهذا الشكل ...الا إنها لم تصدق كلماته . إنه يبدو متعبا للغاية .....همست أخيرا وهي تحيط خصره بذراعيها و تتحمل وزنه
( هيا لنصعد .......يجب أن ترتاح قليلا )
أوقفها وهو يمسك بذقنها ليرفع وجهها اليه قائلا بخفوت ( قوديني الى بيتنا ياسمينا .....لن أرتاح في مكانٍ آخر )
ظلت تنظر اليه تحاول أن تستشف ما به .....ثم همست أخيرا
( اصعد معي ........دقائق و سأكون جاهزة )
ابتسم برفق وهو لا يحيد بنظره عنها أبدا .....لم يتحرك حتى وكأنه يخشى أن يفقد لحظة من النظر اليها .....الى أن أومأ برأسه وهو غير قادر على النطق ...
دخل معها الى المنزل ببطء وهو لايزال مستندا عليها وعند بداية السلم توقفت ونظرت اليه قائلة
( هل تنتظرني هنا ......حتى لا تضطر لصعود السلم )
تشبث بها دون وعي منه وكأنه طفل على وشك ان تبتعد أمه عنه .....ثم قال بخشونة
( سألازمك كظلك .........)
ضحكت برقةٍ وهي تشعر بقلبها الذى كان يحتضر هذا الصباح ...قد انتعش الآن وتوهج بحرارة ِ شمسٍ ذهبية تجري في عروقها ..ثم ساندته مرة اخرى ليصعدا السلم درجة درجة .......بدا أن السلم بالنسبة لكليهما كرحلةٍ ناعمةٍ تلك التى كانا يقومانِ بها على شاطىء البحر كل يوم .....كانت تائهة في شرودها وذكرياتها العذبة بينما هو يميل عليها كل لحظةٍ يكاد ان يسقطها بوزنه وهو يقبل عنقها مرة و وجنتها مرة .......الى أن وصلا الى غرفتها , فساعدته ليجلس على حافة الفراش ثم اتجهت الى حمام وعادت بعد لحظاتٍ وهي تمسك بمنشفةٍ مبللةٍ بماءٍ بارد ......انحنت لتجلس القرفصاء امام ركبتيه و رفعت يدها بالمنشفة لتمسح وجهه وعنقه بها .......بينما كان هو متشبثا بحافة الفراش بقبضتين من حديد وانفاسه تتهدج فوق وجهها الأحمر .....
مدت يدها لتلتقط نظارته الداكنة تنوي ابعادها عن عينيه لتمسحهما بالمنشفه الا انه امسك بيدها بقبضةٍ وقوية قبل أن تتمكن من ذلك ليمنعها .... نظرت اليه بدهشة وهي تهمس
( دعني أنزعها لامسح لك وجهك .........)
ابتلع ريقه وظل ممسكا بكفها بين اصابعه بقوة ومد يده الاخرى ليعاود تلمس ملامحها برقة .......ثم همس
( لا أريد أن أنزعها الآن .... لقد تغير شكل عيني من العلاج المكثف , لا أريدك أن تريها الآن )
عبست بشدة من كلامه السخيف فقالت
(ما هذا الكلام الطفولي .....دعني أرى عينيك لاعرف ماذا اصابهما )
حاولت نزع النظارة مرة اخرى الا انه عاد ليمسك بيدها اسرع واقوى من المرة الاولى ثم رفعها الى فمه ليقبل باطن كفها بطريقةٍ غريبة لم ترها منه من قبل ..... كان كمن يلتمس الدعم منها فهمست
( لن يضايقني أبدا منظر عينيك يا فارس .......أبدا .......ضع هذا في تفكيرك دائما )
شعرت بتأوهٍ مكتوم في باطن كفها فرفعت يدها الاخرى لتتخلل خصلاتِ شعره بأصابعها ........الى أن همس باختناق
( هيا يا سما ....دعينا نذهب الى بيتنا حبيبتي )
حبيبتي ......حبيبتي .....مستعدة لان تموت وهي مبتسمة الان لمجرد سماعها تلك الكلمة منه .......لكنها استطاعت تجميع البقية الباقية من سيطرتها على نفسها ثم نهضت لتقول برقة
( سأعد نفسي ..........)
التقطتت حقيبة صغيرة و أخذت ترتب بها بعض الاشياء القليلة الضرورية ....الى متى سيبقيها بجانبه هذه المرة ؟......هي لا تعلم حقا .....لكنها لن تهتم , ستبقى بجواره طالما هو يحتاجها ......لن تعطل حياتها من أجله بعد الآن .... ستتابع ما بدأته لكنها أيضا ستبقى بجواره دائما ما أن يطلب ..... هذا هو ما سيكون الوضع .......وهي سعيدة به ....او على الأقل لا تملك غيره ........
بعد أن أغلقت حقيبتها أخرجت ملابس بسيطة لترتديها عوضا عن تلك البدلة الرياضية الوردية الطفولية التى ترتديها ......ثم فكت سحابها لتنزع عنها سترة تلك البدلة ......ظنت إنها سمعت شهقة مكتومة فنظرت بسرعة الى فارس الذى كان ينظر اليها هو الآخر ..... محددا مكانها من وقع خطواتها ........
أكملت خلع ملابسها ..........ثم أخذت تتعثر وهي تحاول ارتداء بنطالها الجينز كعادتها دائما اثناء ارتدائه ......واثناء دورانها كانت تراقب فارس الذى نهض من مكانه ليقف متابعا ما تفعله ومعالم الوجوم ترتسم على وجهه فاغرا شفتيه قليلا وهو يديره ملاحقا إياها في كل حركةٍ في انحاء الغرفة ......فقط لو يتوقف عن النظر اليها بهذه الطريقة .....لم تستطع منع ابتسامة خجولة من الظهور على شفتيها وهي ترتدي قميصها الابيض النظيف ......ثم قالت وهي تغلق ازراره .....
(أين حقائبك ؟.........)
لم تسمع منه جوابا وهو لايزال مسمرا بمكانه فأعادت مرة اخرى ( أين حقائبك ؟..........فارس هل سمعتني ؟)
رفع رأسه لينظر الى وجهها وقد ارتفع حاجباه من خلف نظارته وهو يهمس بغباء ؛( ماذا ؟............)
عبست وهي تهز رأسها بياس ....ثم قالت ( حقائبك .......أين هي ؟)
سعل قليلا ليجلي حنجرته ثم قال بخفوت ( سيأخذها ادهم الى البيت ........بعد أن أحضرني الى هنا ....)
عبست مرة اخرى ثم همست ( مدلل ........)
مرت لتلتقط حقيبتها الا إنه اعتقل خصرها بين ذراعيه ليرفعها عن الأرض وهو يقول بغضب ( ماذا قلتِ ؟.........)
ابتسمت لعينيه المخبأتين ثم ضحكت قائلة ( لم أقل شيئا ........أنزلني )
ابتسم هو الآخر وقال ( ليس قبل أن تعتذري ..........)
تظاهرت بالتفكير قليلا ثم همست بوداعة ( اعتذر .........)
اتسعت ابتسامته ثم اخفض رأسه ليقبل وجنتها ليهمس بعدها ( فتاة طيبة ...........) ثم أنزلها أرضا
ابتعدت عنه عدة خطوات ثم قالت بمرح ( هيا بنا أيها المدلل ..........)
هجم نحوها مباشرة فصرخت بالرغم من انها تعرف انها ستنجح في الهرب منه ....الا أنها لم تكمل في جريها نحو الباب سوى خطوتين لتشعر بنفسها تطير في دوامةٍ لتلقى بعدها على كتفه وهو يدور بها بسرعةٍ الى ان اخذت تصرخ شاهقة برعب وهى تغمض عينيها بشدة
( أنا اسفة ......أنا اسفة ......انزلني )
توقف بعد فترةٍ وهو ينزلها ارضا دون ان يتركها بينما يلهث ضاحكا .....رفعت رأسها اليه غاضبة ثم اخذت تضرب صدره بقبضتيها .....كيف نما مهاراته لهذه الدرجة .......هل كان يلعب مع الممرضات الاجنبيات ........ارتسمت في ذهنها صورا مجنونة فعادت لتضربه بقوة اكبر بينما ضحكه يزيد اكثر .........الى ان ضمها بين ذراعيه بقوةٍ وهو ينهي ضحكه بتنهيدةٍ كبيرة مستندا بذقنه فوق رأسها .......بينما تعلقت هي بخصره بشدةٍ وهي تغمض عينيها مستمتعة بهذا الحلم الرائع ......
رفع ذقنها اليه ليقول بعد فترةٍ بصوتٍ عميق (هيا بنا صغيرتي .........)
صغيرتي ؟!!!......انه حقا يبدو مختلفا للغاية ......
اتجهت الى حقيبتها لتحملها الا انها فوجئت به يمسك بالحقيبة لياخذها منها وهو ينظر اليها مبتسما ...ممسكا بمرفقها وهو يهمس
( فلتقوديني ياسمينا ..........)
كانت رحلة العودة طويلة جدا .....وكانت اعصاب سما على وشكِ الانفجار من الصمتِ الذى يسود سيارتها الصغيرة منذ ان بدا الرحلة ....انه صامتا بشكل مريب .... ملتفتا اليها بالكامل يراقب تحركات يديها ....هل تصدر صوتا ؟؟؟..... مالذى يثير اهتمامه الى هذا الحد ؟........حاولت مكالمته اكثر من مرةٍ لتسأله عن علاجه .....او عمله الذى تعرف انه بدا في متابعته من جديد .....الا انه كان يجيبها باقتضابٍ وكأنه لا يريد الكلام .....فقط يريد ان يستمع الى حركاتها البسيطة ..........
حين وصلا الى بيتهما اخيرا .....دخلت سما امامه لتتطلع حولها الى البيتِ الذى اعتبرته يوما بيتها ......ابتسمت بحزنٍ وهي تتنهد ....يالهي ...كم اشتاقت اليه ....
شعرت بيدي فارس على كتفيها وهو يديرها اليه ليقول بصوتٍ اجش ( لماذا هذه التنهيدة الحزينة ............)
مسحت دمعة خائنة سقطت على وجنتها لتقول بصوتٍ خافت وهي تطرق برأسها ( لقد اشتقت لبيتنا ....لهذا البيت )
عبس حين لاحظ محاولتها لتعديل الكلمة .....فقال بقسوة وصرامة ( بيتنا ......بيتنا يا سما )
رفعت عينيها الدامعتين اليه ثم همست بحزن
( لم أشعر به بيتي أبدا ...... كنت أخدع نفسي وأقنعها بأنه بيتي .....احببته .. احببته كثيرا لكنني ادرك الآن انه لم يكن يوما بيتي ..... ولن يكون .... سأظل دائما محطة استراحة في حياتك يا فارس ......لكن لا بأس في هذا , سأكون بجوارك دائما ما أن تحتاجني.......الى ان ....الى ان تقرر ......متى ستكون النهاية والى ان تاتي هذه النهاية ارى انه من العدل ان اخبرك منذ الان ان حياتي لن تتوقف عليك .....كما كنت دائما , اتمنى ان تتفهم ذلك .....)
ظل صامتا ينظر اليها من علوه ....انفاسه تتهدج بعذاب وهو يشدد من قبضتيه فوق كتفيها حتى كاد ان يحطمها ......عضت على شفتيها من الالم الا انها لم تصدر صوتا .......امسك فجاة بذقنها يرفع راسها بقسوة ٍ اليه وهو يصرخ غاضبا
( اسمعيني جيدا .... هذا البيت هو بيتك الوحيد , لن يكون لكِ غيره ابدا ....... ولن يكون لكِ مفرا مني , فدعكِ من كل تلك السخافات التى ذكرتها الان .......لقد كان احساسك هذا من الماضي اما الان فقد تغير كل شيء ...... هل فهمتِ ؟.....)
ابتلعت ريقها وهي تستمع الى قسوته الغاضبة .....هل سيعود الى قسوته القديمة ؟.... هل يجب عليها الان ان تبتعد عن مرمى يديه ؟......وبالفعل حين ترك ذقنها ورفع يده مدت ذراعها بسرعةٍ دون تفكير امام وجهها اتقاءا ليده الطائشة التى عرفتها سابقا .......
تسمرت يده فوق اطار نظارته وارتفع حاجباه من خلفها وهو ينظر الى ذراعها المرفوعة امام وجهها .......قال بصدمةٍ ظاهرة في صوته بوضوح
( لماذا أخفيتِ وجهك ؟........)
انزلت ذراعها ببطء وهي تنظر اليه بتوجس لكن مع بعض الراحة ....ثم همست بحزن ( لطالما عانيت من يدك الطائشة حين تغضب )
فتح فمه بصدمة ... ثم عاد ليغلقه وهو يتنفس بصعوبة .....الى أن تمكن في النهاية من الهمس بخوف
( لم أضربك يوما يا سما .........)
رفعت يدها لتمسك بيده الممسكة بكتفها ثم همست بندم ( لا .....لم تقصد أبدا , أنا أعرف ذلك ........)
ازداد ارتفاع حاجبيه وخرجت الأنفاس ساخنةٍ كاللهيب من شفتيه .....قال بتحشرج
( سما أنا لم أضربكِ يوما ....... اليس كذلك ؟....)
انه يبدو كمن فقد ذاكرته تماما ...... عادت لتسأل نفسها مرة أخرى ...ماذا به ؟........همست تحاول الخروج به من هذا الموضوع المؤلم لكليهما
(فارس .... أنا مدركة لأن غضبك في أغلب الأحيان لم يكن موجها ضدي , كنت تكسر الأشياء من حولك , تصرخ , تركل كل شيء .....)
استطاع أن يهمس مذهولا باختناق
( وكنتِ أنتِ من الأشياء التى طالتها يدي اليس كذلك ؟..............)
ترك كتفها ليستدير مبتعدا عنها وهو يغرز أصابعه في خصلاتِ شعره بشدةٍ كادت أن تقتلعه من جذوره ..........التاع قلبها من رؤيته بهذا الشكل ....حبيبي ....حبيبي المسكين , الى متى ستظل معذبا ......
اقتربت منه بسرعة لتقف امامه ثم امسكت بوجهه بين كفيها لترفعه قليلا .....ثم همست برقة ودموعها تنهمر على وجنتيها
( لا بأس .....صدقني لا بأس )
أمسك بوجهها هو الاخر بقوةٍ وهو ينظر اليه يكاد يلتهم كل جزء فيه ....ثم جذبها بقوة محيطا خصرها بذراعه بينما يده الاخرى انتزعت نظارته ليرميها على اقصى استطاعته لنهاية الغرفة ....لتعود الى شعرها جاذبا راسها اليه لييجتاحها بقبلةٍ عميقة اودعها كل عذاب وشغف السنين الطويلة التى جمعت بينهما .......قبل حتى أن تنظر الى عينيه التى اشتاقت اليهما ......فارتفعت على أطراف أصابعها لتتعلق بعنقه وتودعه كل حنانها واشتياقها في هذه القبلة التى لم تشعر في حياتها بما هو اروع منها .....
رفع رأسه عنها بعد فترةٍ طويلة ليلتقط انفاسه......ثم نظر الى عمق عينيها ليقول بصوتٍ متأوه لاهث
( لم أرى في حياتي من هي اجمل منكِ ........يالهي .... ما أنتِ حقا ؟.....حورية من القصص الخيالية أم جنيةٍ خياليها شاء الحظ أن يجعلها زوجتي ........)
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تشعر بشيءٍ خاطىء..........عينيه ...لونهما متغير قليلا ..كما قال منظرهما اصبح غريب من العلاج الكثف ....لكن ليس هذا ما اثار حيرتها .. بل انها لم تهتم أبدا بذلك ........لكن هناك شيءٍ ما في نظراته .... نظراته التى ترصد كل حركةٍ من حدقتيها .... من لسانها الذى يمر بارتجاف على شفتيها .......عينيه .....يالهي ......عينيه .......انه ........
قفزت من بين ذراعيه لتبتعد عنه خطوة واحدة ثم رفعت يدها لتلوح بها امام وجهه ....فتبعتها حدقتيه اللامعتين بدموعٍ ابت كرامته أن تحررها.... وهو ينظر اليها مبتسما بحزنٍ ولوعة
شهقت سما بشدة وهي تغطي فمها بيديها وعينيها تتسعان برعب .........ثم أخذت تبتعد الى الخلف بتعثر الى أن ارتطم ظهرها بجدار الغرفة ....... بينما هو يقترب منها بخفة النمر .......بعينين مفترستين ......
يالهي ...ما أجملها .... تخيلها كثيرا ...بعدد الليالي التى قضتها معه لاربع سنواتٍ كاملة .....لكنه أبدا لم يكن ليتخيلها بمثل هذه الروعة ......شعراشقر داكن يميل الى الذهب المختلط بالعسل ......تلتف خصلاته في موجاتٍ مجنونة حتى منتصف ظهرها ......بشرة ذهبية ليست شديدة البياض بل ذهبية مسمرة وكانها قضت اليوم كله على الشاطىء ..........ثم تأتي عيناها ........
عينانِ تناقضانِ سمارها الذهبي لتكونا في اللونِ السماءِ الصافية ......هل هذا هو سبب اسمها ؟...........
هل هذه هي سماؤه ؟...... هل هذه هي الطفلة التى سافرت معه منذ اربعةِ سنوات ؟.......هل هذه هي من تملك صفاتٍ قريبة للملاك .....هل هي الياسمينا التى لم يرها الا من خلالِ عطرها .........هل هي النسمة الوحيدة التى عطرت حياته .......هل هذه هي ؟......
لم يكن ليصل خياله الى روعتها .......ليس لانه لم يرى من هي أجمل منها ..........لقد رأى الكثير من الجميلات في حياته وبعضهن كن أجمل منها ربما .........لكن فيها شيئا ما .....سحرا طفوليا غريبا .... يعتقد أنه سيظل يلازمها مهما طال بها العمر .......
ظل يقترب منها وهو يبتسم بشراسةٍ عابثة .....صرخت سما بشدة وهي متسعة العينين بذعر
( لا تقترب .........)
توقف فارس مكانه وهو ينظر اليها عابسا بحيرة .......بينما لايزال مبتسما ثم قال برقة وهو يقترب منها خطوة اخرى
( اهدىء سما .....إنه أنا )
كان صدرها يرتفع وينخفض بشدة وهي تلهث من هولِ ما تراه الا انها تمكنت من التقاط تمثالٍ خزفي موضوع على الطاولة بجوارها ورفعته عاليا وهي تعاود الصراخ مرة أخرى
( لا تقترب مني .......)
ضحك فارس وهو لا يزال عاقدا حاجبيه ثم يده الى ذراعها ليحاول جذبها اليه ليهدئها الا إنها فرت من بين ذراعيه باعجوبة وكان الطريق الاقصر بالنسبةِ لها هو طريق غرفتهما فجرت اليها بسرعةٍ مذهلة قبل أن يستطيع فارس استيعاب ما يحدث
أغلقت سما الباب خلفها بالمفتاح وهي تلهث بعنف ثم استندت بظهرها الى الباب بينما كان هو خلفها بخطوةٍ واحدة لم يستطع فيها اللحاق بها قبل ان تغلق الباب .....طرق الباب برفق حتى لا يرعبها اكثر وهو يهمس ( ياسمينا ....افتحي الباب , لا تخافي )
لم يسمع ردا أبدا .....عاد ليطرق الباب برفق ....ثم قال بعد فترة بصوتٍ خافت مستعطف
(حسنا يا سما .....لا تفتحي الباب الآن , لكن هل لي أن أطلب منكِ طلب ؟........ اجلسي عند الباب )
لم يصله الا الصمت الكئيب ......لكن بعد فترة سمع صوتا ناعما يجري على الباب من الجهة الأخرى .........
انزلقت سما ببطءعلى سطح الباب المغلق بينهما الى ان جلست على الأرض وهي تحتضن التمثال الخزفي بين ذراعيها بشدة وهي ترتجف بقوة ......
استند فارس بظهره على الباب ثم على الأرض هو الاخر في الجهة المقابلة ......أخذ نفسا عميقا وهو يحاول تهدئة قلبه المرتجف ....لا يصدق انه يحبس ياسمينته بالداخل .....لكم يتمنى ان يظل مغلقا عليها هذا الباب طوال العمر حتى لا تطير منه مع نسائم الهواء التى قد تخطفها بعيدا .......استطاع ان يقول اخيرا بصوتٍ اجش
؛( لقد اشتقت اليكِ حبيبتي ........كانت فترة طويلة مدمرة بكل المقاييس تلك التى عشتها بعيدا عنكِ .......)
أرجعت سما راسها الى الخلف لتستند على الباب مغلقة عينيها على الدموع الحبيسة وهى تستمع الى صوته الاجش ......بينما تابع فارس
(لم أخبرك بنيتي في خوض الجراحة الأخيرة ......لاننى لم أكن لأتحمل فشلا جديدا أمامك يا صغيرتي , لم يكن هناك ما هو أشد استحالة عندي من خوض ذلك الألم مرة أخرى .......لكنى فعلتها من أجلك .......حين قررت أنكِ تستحقين الافضل )
أخذ جسد سما يرتعش بشدةٍ وبدرجةٍ مرعبة حتى باتت غير قادرة على السيطرة على شهقاتها المصدومة .......إنه يراها .... إنه يراها .....لم تكن يوما على هذه الدرجة من القرب برجلٍ مبصر ......لقد خاضت معه كل مراحل علاجه وابتهلت كثيرا من أجل نجاحه .....الا ان الواقع كان شيئا آخر .......هناك رجلا غريبا مبصرا يجلس عند الطرف الآخر من الباب .......رجلا استطاع رؤيتها حين عانقها .....رفعت يديها الى وجنتيها الساخنتين وهي تشهق بصمت ......رجلا غريبا يبثها الان كلماتٍ مغلفةٍ بمشاعر لم تسمعها في صوته من قبل ........
تكلم فارس مرة اخرى بصوتٍ مخنوق
( هل تستطيعين تخيل أن أكون منتظرا نتيجة أن تعودي الي من جديد......أم أن أكون مضطرا لتحريرك من تلك الصفقة القذرة بأكملها )
تابع بعد فترةٍ اخرى من الصمت
( هل قلت لكِ من قبل ........كم أحبك .....كم أحببتك وكم سأحبك ابدا .......لم أكن أتصور أن أحتاج الى بصري لاستطيع نطقها )
افلتت منها شهقة عالية من البكاء لم تستطع السيطرة عليها ......عندها التفت فارس ليطرق الباب وهو يقول مستجديا
( افتحي يا سما ...... افتحي أرجوكِ , أريد أن أضمك بين ذراعي )
كانت سما تهز رأسها بالنفي وهي تشهق باكية بحرارة ...... كيف استطاع ...... كيف استطاع أن يجري الجراحة وحده ....دون حتى أن يعلمها ..... ماذا لو .......ازداد نحيبها وهي تغمض عينيها بشدة ......لم تدرك لفترة ما قاله للتو من شدة هلعها من فكرة خوضه للجراحة ......ماذا قال ؟..... هل قال انه يحبها ؟.........هل قال هذا أم أنها أحلامها المثيرة للشفقة كالمعتاد .........
إنها تشعر بأنها على وشكِ الانهيار تماما .......فارس هنا ..... فارس خاض جراحة غير مضمونة بمفرده ...فارس يرى ......فارس يحبها !!!!!!.......
يالهي إنها على وشكِ الاغماء .....ماذا تفعل الآن .......كيف تتصرف مع هذا الكائن الملقى بالخارج والذى يبدو على وشكِ الهجوم عليها والتهامها ........انها تحتاج الى سابين ...... لكن كيف ستأتي اليها الان على وجه السرعة ؟.........حلا ..... ليس هناك سوى حلا ..... صحيح أنها تفوقها سذاجة لكن ليس هناك أحدا غيرها .........
التفتت قليلا الى الباب ثم قالت بضع كلمات لم يظهر منها حرفا واحدا معمولا به في اللغةِ العربية .......فقال فارس بصوتٍ مرتفع
( ماذا ؟؟..... لم أفهم شيئا ياسمينا ...تحدثي بشيءٍ أستطيع فهمه )
حاولت مرة اخرى وهي تحاول ان تتكلم بلغةٍ مفهومة فقالت بتحشرج عالٍ من بين بكائها ( أريد حلا ..........)
قطب جبينه وهو يسمع طلبها الساذج ....ثم حاول ان يثنيها عن طلبها قائلا بتملق
( سما .......افتحي الباب حبيبتي وسنتكلم فقط أنا وأنتِ )
صرخت بشدة وغضب ( أريد حلاااا ..........)
صمت فارس تماما ثم قام من مكانه ليكلم حلا وهو يتميز غيظا ..... لم تكن تلك الصورة التى رسمها للقائهما .......أن تكون حلا معهما !!!!!!!..................
الفصل السادس و العشرون (2)
بعد فترةٍ قصيرة كانت حلا تدق جرس الباب ليفتح لها فارس بعد أن أوصلها ادهم وألحت عليه الا يدخل معها حتى لا يحرج سما بوجوده في هذا الموقف ......دخلت حلا ببطء وهي تنظر برهبة الى فارس ...... إنه يبدو مختلفا تماما وهو ينظر الى عيني من يحدثه .....
إن سما محقة في أن ينتابها التوتر ....لقد أخافوها بما خططوا له .... فقد كان ادهم يعرف بجراحة فارس حتى أنه سافر وقتها ليحضرها الا انه تكتم الأمر حتى عنها هي حتى لا تبوح بأي شيءٍ لسما .... خوفا من فشل الجراحة ........
قالت حلا برقةٍ وهي تنظر بخجل الى فارس ( مبارك لك يا فارس ............)
نظر اليها فارس مبتسما وقد أطل حنانا جديدا من عينيه ثم قال بمرح
( اذن أنتِ حلا .......الآن فهمت ما أصاب ادهم من سنين طويلة ,أنتِ جميلة للغاية )
احمر وجه حلا بشدةٍ ثم ابتسمت بحرج وهي تهمس ( شكرا ........)
تردد فارس قليلا ثم قال بخفوت ( كيف حالك الآن ؟............)
ابتسمت حلا ورفعت اليه عينين ودودتين لتقول برقة ( أنا بأحسن حال ....... اشكرك )
قال فارس بعد فترةٍ صمت حرجة بينهما ( لقد حاولت مساعدتك صدقيني لكن ............)
قاطعته حلا برقةٍ وابتسامةٍ حزينة بينما قلبها ينزف من جرحٍ كان قد شارف على الشفاء ( نعم ....... أعرف , لقد أحكموا الحصار من حولي )
عبس فارس وهو يتطلع الى ملامحها الحزينة ثم قال بخفوت (منذ سنين وأنا أشعر بأنني تسرعت في تصديقهم ..........)
ابتسمت حلا مرة اخرى ونظرت اليه بعينين دامعتين ( لا عليك ....... لا مهرب من القدر , مهما كنت ستحاول ........)
ابتسم فارس بحزن وقال ( هل أنتِ بخيرٍ الآن ؟.............)
أمومأت حلا برأسها مبتسمة وهي تمسح دمعة ٍ وحيدة سقطت على وجنتها ......ثم تظاهرت بالمرح وقالت
(اذن أين هي تلك الجبانة ............)
ضحك فارس برقة وهو يشير الى الغرفة الاولى المجاورة عند أول الممر .......فاتجهت حلا الى باب الغرفة وطرقته برفق وهي تقول
( سما .......إنها أنا حلا ...افتحي الباب )
مرت عدة لحظات قبل ان تفتح سما الباب بحذر ثم تمد يدها لتسحب حلا الى الداخل ثم تغلق الباب لكن ليس قبل أن ترمق فارس بنظرةٍ شرسة .....و الذى كان واقفا يحاول ان ينظر بلهفةٍ من شق الباب ......
ما أن دخلت حلا الى الغرفة واغلقت الباب حتى تعلقت سما في عنقها وهي تبكي بصوتٍ مرتفع .......ضمتها حلا اليها بشدةٍ وهي تهمس برفق
( هششششش ......اهدئى , أعرف أنه كان أمرا صعبا عليكِ )
رفعت سما وجهها الذى كاد ان ينفجر من احمراره وتورمه ثم قالت شاهقة ( هل كنتم تعرفون ؟.......جميعكم تعرفون واخفيتم عني )
قالت حلا وهي تهدئها (لم نكن نعرف صدقيني ........لقد علمت الآن أن ادهم هو الوحيد الذى كان يعرف وقد كانت سفرته القصيرة منذ شهرين ليحضر الجراحة )
صرخت سما ( كيف استطاع ادهم أن يفعل ذلك بي .......كيف ؟؟....كيف منعني من أن أكون بجواره )
ربتت حلا على وجنتها لتقول برقة ( كانت هذه هي رغبة فارس يا سما .............)
اغمضت سما عينيها لتقول باكية ( يا الهي .....حين أفكر أنه كان من الممكن .....أن يحدث أي شيء )
عادت حلا لتقول برفق (هشششش ..... إنه بخير , ويقف بالخارج مثل الحائط المنيع )
ابتعلت سما ريقها واهتزت حدقتاها ثم قالت وهي تمسك بكف حلا ( حسنا ..... لا مجال للكلام هنا , هيا بنا لنذهب )
ارتفع حاجبا حلا بدهشةٍ وهي تقول بحذر ( نذهب الى أين تحديدا ؟.....................)
قالت سما بحدة ( الى بيتنا .......أنا لن أبقى هنا بمفردي مع هذا الكائن الموجود بالخارج للحظةٍ واحدة )
عبست حلا وهي تضع اصبعها على فمها لتهمس ( هششششش ..... اخفضي صوتك , سيسمعك ........ماذا سيقول عنا ....زوجناه لحمقاء ؟؟)
صرخت سما بهلع ( أنا لن أستطيع أن أبقى هنا بمفردي ...... مستحيل , أنتِ لا تفهمين .....)
سحبتها حلا من ذراعيها لتجلسها على الفراش وجلست بجوارها لتقول بصرامة ( ما الذى لا افهمه ...... انه فارس ...زوجك منذ اربعة سنوات )
ابتلعت سما ريقها وهي تقول بتلعثم ( انتِ لا تفهمين ..... لم اكن يوما بمثل هذا القرب من رجلٍ يراني ..... لم اعرف غيره من الرجال اصلا .....الان .... نظرته ......لا ....... لن استطيع ...... اشعر به غريب عني تماما , ليس فارس الذى اعتاد ان يحتاجني بكل تفاصيل حياته ......ماذا سيبقيه بجواري الان .......)
اخذت حلا تستمع الى هذيانها و تناقض عباراتها ...... انها تشعر به شخصا غريبا وفي نفس الوقت تتسائل ما الذى سيبقيه متمسكا بها الان بعد ان زال احتياجه لها .......آآآه يا سما الصغيرة كم كانت حياتك قاسية مشتتة .......
قالت سما اخيرا ودموعها تنساب على وجنتيها ( انتِ لا تفهمين كلمة واحدة مما اقول ......... اليس كذلك ؟)
ابتسمت حلا وشردت عيناها بعيدا وهي تهمس ( بل أفهمك تماما .........)
قفزت الى ذهنها صورا من ليلة زفافها .......زفافها لادهم .......حين وقفت امام المرآة لتنظر الى صورة الجارية التى باعت نفسها للمرةِ الثانية ......ولمن ؟...... للشخص الذى شهد حياتها منذ بدايتها ........ أذلت نفسها ولجأت اليه بالطريقة الوحيدة التى تعرفها بنات ايثار الراشد .........
تذكرت حين دخل الوحش الى غرفتها ينظر اليها بقسوة الايام التى ابتعدتها عن حمايته .........ابتسمت حين تذكرت حماقتها وهي تساله بغرور عن سبب دخوله الى غرفتها .........
اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر ذلك المفترس وهو يؤكد لها انها اصبحت زوجته وان لا شيء سيمنعه عنها .........حينها سقط قلبها بين قدميها ....... وطافت عبارة واحدة في عقلها ......... مالذى فعلته ؟!!... لقد تزوجت اخي ......أخي القاسي المتسلط الذى عرفته لاكثر من عشرين عام ......لن يصبح أخاها بعد الآن وسيصبح صورة طبق الأصل للشاري الأول ...... طلال .......
رمت تلك الذكرى البائسة لتنظر الى سما من جديد لتهمس مبتسمة ( أفهمك تماما ....... لم اتصور للحظة واحدة انى سأكون زوجة ادهم ......بعد كل ما مررت به .....ادهم مهران لا غيره )
ثم تابعت وقد شعرت بسما تهدا قليلا ( ادرك تماما ان الوضع جديدا عليكِ ..... لكنك اغفلتِ شيئا مهما , اغفلتِ أن تذكري سعادتك باستعادة بصره ..... هل أنتِ سعيدة أم أن هذا ما لم تكوني لتتخيليه بالرغم من خوضك الطويل للعلاج معه ........كنت بجواره دائما في مشوار العلاج لكن بداخلك لم تتمني أن يستعيد بصره حقا ......)
اتسعت عينا سما بذعر وهتفت ( مالذى تقولينه ؟....... لم أتمنى لفارس سوى الخير دائما , لو كنت استطعت لكنت أعطيته حياتي .....)
قالت حلا برفق ( أعلم ....... لكنك لم تتخيلي يوما أن يزول السبب الذى يبقيه متمسكا بكِ .......)
اغمضت سما عينيها ودموعها تزداد انهمارا ...... يالهي ..... هل هذا صحيح ؟....... الست سعيدة لاستعادته لبصره ؟........هل لهذه الدرجة أنا خبيثة النفس ..........
ربتت حلا على وجنتها برفق لتفتح عينيها المتورمتين وتنظر اليها بتضرع ...... لكن حلا قست قلبها قليلا وقالت بحزم
( ها هي الفرصة قد أتت لتعرفي السبب الحقيقي الذى سيبقيه معك ........لقد عاد فارس مهران , فتعاملي مع هذا .......)
ارتعش قلب سما من ذكر اسم فارس مهران ...... وكأنها لم تكن تعرفه من قبل ........ لكن شيئا ما في طريقة ذكر حلا لاسمه جعلها ترتجف وهي تتخيل عودة ...... فارس مهران ..... القادر على الحصول على أفضل واجمل النساء ..... وأعلاهن نسبا وأصلا .......
رفعت نظرها المحبط اليائس الى حلا .......التى نهرتها قائلة ( اياكِ ........ اياكِ ان تفكري بهذا الشكل )
ظلتا تنظرانِ الى بعضهما طويلا ...الى ان قالت سما بغضبٍ طفولي حزين
( لقد قال عنكِ جميلة .........)
اتسعت عينا حلا قيلا ثم انفجرت في الضحك طويلا الى أن استطاعت القول أخيرا
(كنت تتنصتين من وراء الباب ؟.....حسنا بالتأكيد معه حق ...... ادهم دائما يقول عني جميلة دائما )
عبست سما وضربتها على ذراعها ثم همست بجدية
( انه يستطيع أن يرى يا حلا ....... لقد رآني بالفعل ماذا لو لم أكن قد أعجبته ...... لم يعطني الفرصة لاستعد .....انظري الى شعري المشعث وثيابي الخرقاء ..... أبدو كمن على وشكِ تنظيف انابيب المطبخ .......)
طرقة قوية على الباب جعلتهما تنتفضانِ معا ثم وصلهما صوت فارس يقول بخشونة
( حلا افتحي الباب ......سأتولى أنا الأمر من هذه النقطة )
شهقت سما وهي تضع يدها على فمها ونظرت مرتعبة الى حلا ثم همست
( هل استطاع سماع كل ما قلناه ؟........يالهي الوضع يزداد سوءا )
قامت حلا من مكانها لتفتح الباب الا ان سما تمسكت بها بشدةٍ وهي تنظر اليها برعب هامسة
( لا تتركيني وحدي معه ......إنه يبدو مفترسا )
ابتسمت حلا ثم طرقت راس سما باصبعها وهي تقول ( تذكري ما قلته .......إنه الوقت الذى ستعرفانِ فيه إن كان مصيركما واحد ....دون أي حواجز )
ثم فتحت الباب لتطالعها هيئة فارس المخيفة بالفعل ....مرت بجانبه ثم مالت عليه لتهمس ( أعطها بعض الوقت ..........)
اختفت الوحشية قليلا من ملامحه وابتسم شبه ابتسامة اليها وهو يحاول أن يكون هادئا ......
بعد أن رافق حلا الى باب البيت حيث ينتظرها ادهم في سيارته ......عاد الى سما التى كانت جالسة على حافة الفراش متشبثة به بشدة وهى تبدو على وشكِ الانهيار في اية لحظة ......ابتسم قليلا بشراسة ...... وفكر ... تلك القطة الذهبية هي زوجته ...... الا إنه عاد ليخفي ابتسامته ورسم الجدية على وجهه ثم سار ببطءٍ ليجلس بجوارها على حافة الفراش دون ان يلمسها ...... الا إنه لم يفته انتفاضتها الخفيفة وابتعادها عنه قليلا وهي مطرقة براسها الى الأرض رافضة النظر اليه .......
قال بهدوءٍ ( مرحبا .....) ........ ردت عليه بخفوت بعد فترةٍ دون أن تنظر اليه ( مرحبا ........)
قال فارس باتزان بينما عيناه تموجانِ عبثا .......( لم تهنئيني حتى الآن .........)
ردت عليه سما بخفوت ( حمدا لله على سلامتك ..........)
اقترب منها ثم أحاط خصرها بذراعه غير مباليا بإحتجاجها المذعور ........أحنى راسه ليقبل وجنتها المشتعلة برقة ونظر اليها بطرف عينه ثم قال بصوتٍ عميق ( لكن تلك للعودة من السفر .......لم تهنئيني بعد على استعادة بصري )
ظلت سما مطرقة براسها دون أن تنظر اليه .... ثم همست بإنكسار بعد فترة
( لم تخبرني شيئا .......عن خوضك للجراحة , بعد كل السنين التى عشتها معك اثناء رحلة العلاج الطويلة .......لم تهتم لأن تخبرني , من باب العلم بالشيء لا اكثر ......لكن يبدو أننى ساظل دائما أحتل هامش حياتك فقط )
التفت اليها فارس بغضب فانتفضت تنوي الهرب منه الا إنه أمسك بذراعيها بشدة وهو يلصقها به بينما أخذت تتلوى بين ذراعيه برعب
لكنه لم يتركها بل شدد على ذراعيها وهو يقول بغضب ( انظري الي .........)
رفضت سما النظر اليه و استمرت في مقاومته وهي تتاوه فهزها مرة أخرى وهو يعيد بصرامة اكبر
( افتحي عينيكِ وانظري الي ............والا فسأتبع الطريقة التى ستجعلك تفتحينهما بها رغما عنكِ )
فتحت عينيها برعب تنظر اليه فصدمتها عيناه القاسيتانِ الشرستان .....قال بعنف
( الم تستمعي لأي مما قلته منذ قليل ..... كنت مرعوبا من النتيجة , لأننى اتخذت قرارا بأن أحررك اذا ما فشلت كالتى سبقتها )
ابتلعت سما ريقها وقد مزقتها كلمة .....أحررك .....كالمرةِ الأولى ........ظلت تنظر اليه مرتجفة بعينين مبللتين .......
هدأ فارس قليلا ثم قال بفظاظة
( اذن ........هل نبدأ من جديد ؟...........)
ظلت متسمرة مكانها فترة طويلة .....ثم أومأت برأسها في النهاية وهي تشعر بأنها على وشكِ الاصابة بنوبةٍ قلبية ..........
اخذ فارس نفسا عميقا وهو يشعر بزوال غضبه ... الا ان ملامح وجهه لم تتغير حين قال بصرامة
( بداية ...... هل هذا هو شكلك حين تنظفين انابيب المطبخ ؟........لأنه إن كان فأنا أعدك بأننى سألازم دوريات تنظيف الأنابيب طوال العمر )
نظرت اليه سما بعينين متسعتين وهي غير قادرة على استيعاب أيا مما قاله .....الى أن انفجرت في البكاء المختلط بالضحك الهيستيري فضمها الى صدره بقوةٍ وهو يستند بذقنه على رأسها المهتز بشدة من البكاء .......ثم همس
( كفى حبيبتي ........ كفي ....لقد عاد فارس مهران ........لكن ليس ذلك التافه الذى سمعتك تتحدثين عنه ..... ليس من سينظر الى نساءٍ مزيفاتٍ تاركا ياسمينة ..... لم يدق قلبه لغيرها دون حتى أن يراها ......ياسمينة أعطته كل ما استطاعت قبل أن تأخذ لنفسها شيئا.......)
أخذت تشهق وهي تخبىء وجهها في صدره القوى وهو يشدد من احتضانه لها .........ثم قال بصوتٍ عميق خنقته العاطفة
؛( سما ...... أنا متعبا جدا , أريد أن انام ........)
رفعت نظرها لتنظر الى وجهه بلهفة ثم همست بعطفٍ ملتاع ( نم حبيبي .........لقد اتعبتك للغاية ....)
ابتسم لمرأى تلك الكلمة وهي تخرج من بين شفتيها المكتنزتين اللتين تبدوان ِ في استعدادٍ تام ل ..........هز رأسه ليبعد تلك الأفكار السيئة عن تفكيره .... انه انسانا مسؤولا الآن ....... لا بد له من ان يعطيها الوقت لكي تعتاد عليه ........اللعنة ..... لابد ان يصبح مسؤولا .......سحبها معه لتستلقي على صدره وهو يرجع الى نهاية الفراش ليرتاح بينما قلبه أبعد ما يكون عن الراحة ........
استمرا على هذا الوضع الى أن حل المساء .....كان فارس قد ذهب في سباتٍ عميق بينما سما مستلقية في أحضانه متسعة العينين غير قادرة على التقاطِ انفاسها .........حتى لا توقظه ....... يا الهي ...... يا الهي ....... إنه يستطيع رؤيتها ........ ماذا سيحدث بعد ........
أخذ قلبها يخفق بشدة حتى شعرت بالدوار
( اهدئي يا سمينا .......لن انقض عليكِ )
انتفضت حين سمعت صوته العابث .....فرفعت رأسها اليه بذعر لتجد عينين مفترستين تنظرانِ اليها ..........شهقت بصمت ثم همست متلعثمة
( فارس ..... فارس .... أرجوك لست مستعدة بعد ........)
نظر فارس اليها بنفس النظرة المفترسة .... حتى كاد أن يتوقف قلبها الى أن قال أخيرا
( للطعام ؟؟؟.........)
رمشت بعينيها لتقول بغباء ( ماذا ؟؟.......)
أجابها مبتسما وهو يرفع نفسه قليلا (أنا جائع ...... لم أتناول شيئا منذ أمس )
عبست ... ثم فكرت قليلا .... ثم عبست مرة أخرى ..... ثم قالت أخيرا ......
( بالطبع ...... بالطبع ..... حالا سأرى إن كان هناك ما أستطيع تحضيره سريعا )
نهضت بحذر .... فنهض معها ليقول مبتسما ( سأساعدك .........)
قالت بحدة ( ابقى مكانك .........)
ثم استدركت لهجتها الحادة