رواية موت علي قيد الحياه الفصل الاول بقلم خديجه السيد


 رواية موت علي قيد الحياه الفصل الاول بقلم خديجه السيد 


- بـــــابــــا 

قالها طفل عمره ذات خمس سنوات وهو يركض الي حضن أبيه الذي دلف بعد العمل من باب المنزل واستقبله والده بأحضان والقبلات بحنان تقدمت زوجته ميرنا إليه بابتسامة عريضة: وليد حمد لله على السلامه يا حبيبي


بادلها الابتسامه وليد وهتف متسائلا باهتمام: هي ماما فين و سليم 


قبل أن تجيب ميرنا زوجته عليه هتف الطفل أدهم قائلاً: سليم جوه مع تيته بتعمله كمادات و حاجه يشربها عشان سخن و بطنه وجعاه أوي و عمال يرجع 


نظر وليد لها يفزع وخوف: إيه .. سليم ماله وما حدش اتصل بيا في الشغل و قاللي ليه ؟؟ 


تطلعت ميرنا إلي أبنها أدهم بحذر وضيق وقالت بتبرير: ما تقلقش يا حبيبي انا و مامتك عملنا كل اللازم .. هو بس شكله اخذت دور برد في معدته بس شويه 


قال وليد بحده مرددا: بردة كان لازم تديني خبر .. وهو عامل ايه دلوقتي 


خرجت والدته انتصار بوجه قلقان بشده لتتفاجا بـ ابنها وليد أمامها لتقول: وليد انت هنا يا حبيبي.. انت رجعت امتي ؟؟ 


أنزل أبنه ادهم وتقدم منها يقبل يدها بحنان قائلاً باهتمام: سليم عامل ايه يا ماما طمنيني 


لتقول انتصار بخوف: بصراحه يا ابني تعبان قوي الحراره بعد ما نزلت رجعت زيادة ثاني ومش عاوزه تنزل وجاب كل اللي في بطنه ثاني انا ما رأيي تودي لي دكتور يشوفه احسن ... . 

__________________________________


لم ينتظر وليد لو ثانيه واحده أخري بالتفكير ليأخذ أبنه ويذهب بيه إلي المستشفي وأصرت العائله جميعها للذهاب معه لم يستطيعون الانتظار في المنزل ! حتي والدته فـ وليد أبنها الوحيد وليس لديها أولاد أخري وأحفادها هم اغلي شئ في حياتها .. وميرنا زوجته رفضت أيضا الانتظار في المنزل تريد أن تطمئن علي ابنها فـ أضطر وليد اصطحاب الاسره جميعها حتي أبنه أدهم فهو ليس لديه أحد يتركه في المنزل معه .. .. 


خرجوا من المنزل بسرعة البرق و الخوف و القلق تمك منهم تماماً ،،، حتي وصلوا الى المستشفى و كانو يركضون في الممرات بتشتت و خوف ليجدوا الغرفة المطلوبة ليفحصوا الطفل بها حتي أمره الطبيب بـ عده فحص للطفل مما قلق الجميع أكثر وبخوف انتظروا النتيجه رغم الطبيب نصح بالذهاب وياتوا ثاني يوم فـ سوف تأخذ نتيجه الفحص عدده ساعات طويلة ..لكن خوفهم الشديد لم يقدرون على الرحيل دون أن يعرفوا ما أصاب ابنهم ..حتي أخيرا ظهرت نتيجه الفحص .. .. 


لم يعد وليد قادر على الانتظار فأمسك بالطبيب من يده يقول برجاء و بتوتر: اتكلم يا دكتور ابوس ايدك ابني عنده ايه ؟؟. 


الطبيب بأشفاق : للاسف زي ما توقعت كانسر في الدم ..


تعالت شهقت الجميع بصعقه كبيرة لتقول ميرنا بعدم تصديق قائلة ببكاء : انت بتقول ايه يا دكتور سليم ابني انا عنده سرطان .. طب إزاي حضرتك متاكد 


هز رأسه الطبيب بالايجابي هاتفاً : ايوه متاكد التحاليل قدامي أهي .. لازم تشدوا حيلكم و تشوفوا هتعملوا ايه ؟؟ 


أدمعت عينيها إنتصار بحزن شديد: لا حول ولا قوه الا بالله .. ده عنده سبع سنين هيستحمل حاجه زي كده ازاي بس 


حاول وليد التماسك لأجل عائلته حتي لا ينهار أمامهم ليقول بهدوء ميت: طب والعمل .. هنعمل ايه دلوقتي ؟ ايه المطلوب يا دكتور ..


تحدث بهدوء وكأنه استسلم للأمر لكن هو حاول اكتساب الوقت لصالح ابنه ليقول الطبيب مطمئنه: انا مش عاوزكم تقلقوا يا جماعه.. احنا كده في مصلحتنا الوقت طالما اكتشفنا المرض من البدايه ان شاء الله مع العلاج هيبدا يتحسن ويخف باذن الله .. 


هز رأسه بهدوء ليقول ادهم بصوت طفولي: بابا هي ماما بتعيط ليه هي و تيته .. 


وليد نطق بصعوبه: متخافش يا حبيبي ما فيش حاجه هم كويسين و وآآ واخوك سليم كمان كويس 


ادهم ببراءة: طب هو سليم فين مش هيروح معنا .. 


أقترب واحتضنه وليد بحزن و زادت كلماته من ألم لينظر إلي ميرنا زوجته الي تبكي في حضن والدته أخذ نفس عميق يهدئ حاله استغفر ربه كثير في سره يستنجد بـي ليخرجه من ذلك البلاء على خير ليقول وليد بصعوبة: هو احنا ممكن ناخذ سليم معنا ولا حضرتك هتحتاجه في حاجه ثاني ..


أجاب الطبيب بهدوء: لا تقدر تأخذه طبعاً بس لازم نبدا كورس العلاج من بدري يعني في خلال يومين يكون هنا .. !! 

__________________________________


فـ السياره ركبت ميرنا بجانب زوجها وفي الخلف إنتصار مع الأولاد وأخذت سليم في حضنها تلامس ظهره بحنان برفق وتقبل رأسه ... تطلع وليد بنظره إلي زوجته بجانبه يراها كعادتها لا تربط حزام الامان ليقول بهدوء: اربطي الحزام يا ميرنا 


لم تجيب عليه أخذت تبكي ميرنا بشدة لتقول: هنعمل ايه دلوقتي يا وليد في المصيبه دي .. ازي سليم هيستحمل مرض وحش زي ده, يا حبيبي يا ابني , ما ترد عليا يا وليد انت مالك من ساعه ما الدكتور قال لك أنه عنده سرطان وانت تعاملت مع الموضوع عادي ولا اكنه فارق معاك هو مش إبنك زي ما هو ابني ولا ايه .. 


نظر وليد لها بدهشة ماذا تتحدث لم يحزن علي أبنه ليقول بغضب شديد: بس يا ميرنا كفايه عياط عشان الاولاد.. ما تفكريش الموضوع عادي بالنسبه لي دي صدمه كبيره عليا زيك واكثر .. بس عاوزاني اعمل ايه اقعد اعيط جنبك ولا نفكر بالعقل ونكسب وقت بسرعه عشان يتعالج ويخف .. العياط والحزن مش هيخف ابنك بيهم يا هانم ..


أدمعت عينيها بندم شديد علي ما قالته فهي تعرف حبه الشديد إلي أولاده لتقول برعب: هو ممكن سليم يجراله حاجه و....


قاطعها وليد بشراسة والدموع متحجرة في عينه : اياكي يا ميرنا تكمليها سليم ان شاء الله هيخف وهيبقى كويس 


نفض وليد رأسه برفض شديد وألم بأنه يحدث شئ خطير إليه لتقول انتصار متداخلة: يا اولاد مش كده صلي على النبي (ص).. وليد بيتكلم صح يا ميرنا لازم يا بنتي تدوروا على مستشفى كويسه و تعالجه .. العياط والحزن مش هيحل حاجه !! ان شاء الله ربنا يتمم شفاه على خير 


قالت ميرنا وسط شهقاتها بيأس: يا رب يا طنط يا رب .. انا ممكن يجري لي حاجه لو سليم مخفش 


صراعات حاده كانت تدور في عقل وليد من حزن ، غضب صدمه ألم، و فقدان اخر امل يمتلكه لم يركز في القياده ولم يسمع اصواتهم و هم يحذرون فصوت الثوره التي كانت في قلبه غطى على كل الاصوات الأخرى ..الا انه سمع صوت زوجته ميرنا و هي تناديه بصراخ قوي وصوت عالي: حاااااااااااسب 


ولم يكن وليد يرى امامه من كثرة دموعه بحسره وألم علي أبنه بداخل عينه وكان قلبه ينفطر حزنا على أبنه وما اصابه بعد رحيله وما ان افاق قليل من ذكرياته الاليمة حتى وجد نفسه ..!! 


افاق وليد علي صوت ميرنا من شروده و فجأه وجد وليد شاحنه كبير على بعد خطوات من سيارته .. حاول تدارك الموقف بسرعه و استدار الى الجهه الاخرى قبل ان يصطدم بتلك الشاحنه ... 


لكن كانت الشاحنه تسير بسرعة جنونية على طريق وسط الطريق لـ يصطدم بتلك الشاحنه التي قادمه فى الاتجاه المعاكس فانحرف بالسيارة عن الطريق و انجرفت السيارة وسط الاشجار وحاول وليد ان يوقف السيارة فلم يستطع وهو يسمع صوت صراخ الجميع بخوف شديد ! لكن لم يقدر على فعل شيء .. وانقلبت السيارة به اكثر من مرة و الجميع يصرخ ...


واخذت السيارة تتقلب حتى استقرت وسط الاشجار كان وليد معلقة داخل السيارة ولا يستطيع الخروج واخذ يصرخ والبنزين كان يتسرب من السيارة وتوشك على الانفجار أن يسمع أحد صوت الصراخ ويأتي إليه 


اخذ يدعي الله فى نفسه بخوف شديد وتوسل اليه ان ينقذهم أحد .. وبالفعل جاء الجميع من الناس حوله للمساعدة ! اخذ يحاول فك حزام الامان واستطاع بالفعل ان يحرر نفسه منه و حاول فتح باب السيارة ولكنه مغلق بشدة ليساعده أحد من الخارج اخذ يصرخ علي الناس بترجي وبدموع: امي وولادي ومراتي جوه .. انقذوهم ابوس ايديكم ومش مهم أنا


استرد من جرحه دماء ينزل على عينيه من اثر الاصطدام ! بدأ الجميع محاولات استخراج ما به السياره استطاع وليد الخروج بصعوبة شديدة من ألم جسده الذي يشعر بيه لكن لا وقت بيه التفكير فـ الألم ! وقف لحظه مذهول مما يراه! زوجته ليس جانبه بالأساس و أمه تحضن أبنه سليم بقوه شديد والدماء تسيل من رأسها ولا تتحرك وابنه ادهم جانب والدته فاقد الوعي و ملطخ بالدماء ... 

__________________________________


بــعــد خــمــس ســنـــوات .. .


كان الجو جميل وهادئ فالسماء صافية والشمس ساطعه من بين السحاب والهواء يحرك اغصان الاشجار بكل حرية مع صوت زقزقه العصافير تنهد بهدوء وهو يغلق أزرار أكمام القميص الذي يرتدي للذهاب الى العمل ابتسم وليد موجه حديثه إلي والدته قائلاً: حاضر يا حبيبتي ما تخافيش مش هنسى اقفل الشباك .. 


ثم و اغلق الشرفة بكل اريحية ثم ابتسم مره أخري قائلاً: كان نفسي اسلم على الاولاد قبل ما انزل .. ههه عارف من غير ما تتكلمي يا ميرنا مش هدخل عشان ما يصحوش ذي كل مره انا عارف بتضايق قد ايه .. 


لتدلف خالته فايزه باستغراب تنظر حولها بتراقب وحذر لم تجد أحد معه فهي متأكد من ذلك منذ بعد وفاة الجميع أصرت عليه أن يسكن معها خوفنا عليه لتقول متسائلة باهتمام: هو انت كنت بتكلم حد يا ابني ولا انا متهيالي 


ابتسم وليد لها قائلاً ببساطة: اه يا خالتي كنت بكلم ماما و ميرنا .. كنت بصبح عليهم قبل ما انزل 


رحل من جانبها بهدوء واتسعت عينا فايزه بصدمه وقلق .. 


في الخارج سحب وليد كرسي الطاوله وجلس يأكل الطعام بهدوء وتقدمت فايزه بقلق وهي تنظر إليه وجلست أمامه, توقف عن الطعام وقال: ماما كانت بتحب كل يوم تعمل لي الفطار بيدها عشان عارفه بحب الاكل معمول ازاي .. 


تنهدت فايزه بحزن عميق علي فراق أختها وقالت: الله يرحمها ويغفر لها .. 


ليكمل وليد قائلاً بشرود: و ميرنا كانت لازم هي كمان تعمل لي القهوة بيدها قبل ما انزل الشغل .. ههه بس انا كنت فاهم كانت بتغير من ماما عشان كنت بحب كل حاجه من ايديها هي اكتر منها ..


هزت راسها بيأس وقالت بحزن: ربنا يرحمها هي كمان .. ميرنا كانت طيبه و بتحبك يا ابني 


ابتسم وليد بمرارة وقال: وادهم وسليم كانوا بيقبوا زعلانين قوي ومتضايقين لما كنت رايح الشغل و سايبهم


أدمعت عينيها بألم شديد وقالت: ربنا يرحم ادهم ويقوملك سليم بالسلامه .. ارحم نفسك يا حبيبي اللي بتعمله ده مش كويس عشانك اطلع من الحاله اللي انت بقيت فيها دي بقى و ركز في حياتك حتى عشان ابنك اللي في المستشفى ده ما بقاش لي غيرك 


أغمض عينه وليد شاعره بغصه من الحسره تخترق قلبه فلم يكن يتخيل فى اسوء كوابيسه ان يحدث له كل ذلك فقد كان راضي بمرض أبنه لحظه سماع الخبر لكن جاء خبر بعضها أخري جعله في موجه مؤلمه يعتصر قلبه بداخل صدره.. يعرف أن الجميع مات في الحادث ما عدا سليم فقد دخل في غيبوبة طويله لمده خمس سنوات بسبب الحادث وبسبب مرضه !! لم يتحمل كل ذلك مره واحده لذلك دائما يهرب به من واقعه المرير الذى يعيش به...ضغط بيده فوق الطاوله للتخفيف من الالم الذي لا يطاق بينما اشفقت فايزه خالته علي حالته لينهض للخارج .. .

__________________________________


فتحت عينيها على اشعه الشمس المتسللة من النافذة ثم جلست وهي لا ازالت على الفراش ! تجلس شاردة بنظرة الحزن التى ترسخت فى عيونها الزرقاء التى تخفيها بداخلها فـ مع كل صباح يتجدد ويوم جديده تعود تتذكر حالها .. تتذكر كل ما مرت به فى حياتها البائسة التى ما ان تتفتح و تزدهر لتضحك بوجهها يأتى اعصار الذكريات المصحوب بالحزن و الالم ليدمر كل ما يعطيها امل جديد فى الحياة .. فيخيم عليها اليأس و الحزن .. تريد أن تطلب من الله السماح والمغفرة ! تعلم أنها قد أذنبت في حقها وحق والدتها المسكينه المريضه 


التي إذا علمت في يوم حقيقيه ابنتها الوحيده سوف تموت من الصدمه !! لكن هي فعلت كل ذلك لأجلها هي فقط ! طفله صغيره حملت المسئولية الكاملة لوحدها في سن 18 سنه عملت كثير وبحثت عن عمل لتصرف علي نفسها في البدايه حتي لتكمل دراستها وبالفعل نجحت وتخرجت من تمريض ومرت السنوات وأصبح لديها 25 سنه وعملت الآن مـمرضـه فــي احـــد المستشفيات وكانت والدتها تعمل بالخياطه قبل أن تمرض ولم تستطع العمل جيدا ! اضطرت ليلي حينها أن تحمل مسئولية والدتها وهي، كان الحمل كبير جدآ عليها مصاريف المنزل مع مصاريف علاج والدتها و مع تقرب ذلك الشيطان كما تلقبه و وسوس لها لتوافق في النهاية وتصبح كما هي الآن .... !!! 


سمعت صوت والدتها تنده عليها من الخارج : يلا يا ليلي اصحي يا حبيبتي عشان تروحي المستشفى هتتاخري 


مسحت دموعها سريعا بلهفة قبل أن تراها والدتها ونهضت من مكانها دلف المرحاض استحمت ولبست سروال من الجينز و قميص ابيض واسع سرحت شعرها بطريقة بسيطة وخرجت من الغرفة متجهة للمطبخ لتري والدتها تقف تعد الفطار، تقدمت تقبل يدها بحب وقالت: صباح الخير يا ماما .. بتعملي ايه اقعدي انتي وانا هكمل الفطار ما تتعبيش نفسك 


نظرت حنان لها بابتسامة خفيفه نحو ابنتها بحزن: تعبك راحه يا حبيبتي انا مش تعبانه ولا حاجه .. كفايه عليكي مصاريف البيت اللي تعباكي ما جتش علي شويه فطار بعملهم .. شلتي الحمل من وانتي صغيره يا بنتي


اغتصب ابتسامه ليلي لتقول بمزاح مصتنع: ايه يا حنون الكلام الكبير ده انا مش تعبانه ولا حاجه المهم انك تبقى بخير ..هاه اخذت الدواء بتاعك ولا نسيتي 


أجابت حنان بارتباك واضح: هاه آه آه 


عقدت ليلي حاجبيها بشك لتذهب الي مكان علاجها وتمسك العلبه لتكتشف أنها فارغه لتقول بعتاب: ليه يا ماما كده ما قلتليش ان الدواء خلص من امبارح 


حنان بضيق شديد: يا بنتي انا زهقت من الدواء ده بقى مش جايب فائده .. غير تمنه الغالي اللي قاتم ظهرك .. مش هاخذه ثاني انا كويس اهو وما فيش حاجه


هزت راسها برفض هاتفه بجدية: ما فيش حاجه اسمها مش هتاخذي الدوا يا ماما ! التعب هيبدا يزيد عليكي بالليل زي كل مره ..


تنهدت حنان بيأس وعطف عليها: يا بنتي طب هتجيبي فلوس منين .. انتي لسه القبض بتاعي اخر الشهر 


وضعت خصلات شعرها خلف أذنها بتوتر وقالت بابتسامة مصتنع : ما تشيلش هم إنتي يا ماما هاحاول اخذ سلفه النهارده من المستشفى واخذ نبطشيه زياده .. المهم خلي بالك انتي من نفسك وادعي لي 

__________________________________


وضع وليد المفتوح في السياره ليبدأ السير بها إلي مكان عمله وهي شارد الذهن وهو شاعر بتلك الخنجر حاد ينغرز فى قلبه يدميه بقسوة وعينه يلتمع الدموع فـ عينيه بوضوح....


فتح عينيه بألم شديد وهو ينظر حوله بتراقب يلاحظ بأن في غرفته مستشفى أسرع بالنهوض عندما تذكر عائلته أطلق تاوه عالي من شدة الوجع أراد الصراخ عندما لمس أقدامه الأرض وكب الالم بداخله ..خرج ونظر حوله مثل المجنون يبحث عنهم لتاتي الممرضه إليه سريعاً: انت إيه اللي قوم حضرتك بس من السرير كده غلط عليك 


تسأل بلهفه شديدة: ولادي فين ؟ وماما ومراتي راحوا فين .. أبني تعبان أوي هو فين ؟؟. 


صممت الممرضه بارتباك ولم تجيب ليقول وليد بصراخ : فين الدكتور محدش عايز يرد عليا ليه أهلي فين .. !! اتكلمي امي و مراتي وعيالي مالهم ؟؟؟؟


ابتلعت ريقها بتوتر وقالت الممرضه بأشفاق: البقيه فـ حياه حضرتك والدتك ومراتك وابنك توفوا في الحادثة ؟؟. ما حدش نيجي منهم غير ابنك وأنت !! 


ولكم ان تتخيلوا كيف كانت وقعت الكلمات على وليد صرخة عاليه حزينة كتمها وسط جموده من الصدمه لم تنزل دموعه ،لم يصرخ و لم يتحدث ولا كلمة واحده ,صدمته جمدت الدموع في عينيه ,شعر بأن قلبه ينزف و يتمزق و رأسه يكاد ينفجر من صدمة ذلك الخبر المشؤوم .. هز رأسه برفض شديدة يردد: لا انتي كذابه عائلته بخير وكويسين .. 


حاولت الاقتراب منه لكن صرخ عليها بانهيار وليد وسقط جالس على الارض محتضن رأسه بين كفيه و يبكي بحرارة على رحيل الجميع قبل ان يودعهم حتي.. 


مرت ايام العزاء ثقيله على وليد وأصرت فايزه خالته الوحيدة فهي لم تنجب، أن يأتي معها المنزل ليسكن ولا يعيش هنا بمفرده خوفه عليه أن يفعل لنفسه شئ فهو في وضع صعب جدا ومن الممكن أن يفكر في الانتحار .. . 


آفاق وليد من شروده عند صوت صراخ أحد عليه بالشارع بأن ينتبه إلى الطريق ! اوقف السياره وشعر وليد بان الضغط الذي قبض علي صدره يهدد بسحق قلبه فهو يعلم الان بان لا يوجد امل أن يرجع ويري عائلته .. 

__________________________________


كأنت ليلي تسير في ممرات المستشفى شارده في حالها بحزن لكنها انتفضت فازعه بمكانها عندما ضربت في جسده أحد ليسقط فنجان القهوه سريعاً منها لكنها شعرت بالصدمه فور ان وصل السائل الحار إليه .. شهقت بفزع فور ان اصابت القهوه التى خرجت من الكوب الذي تحمله ما بين يدها إلي ملابس الشخص الذي اصطدمت به ! رفعت عينيها بخوف اليه تتفحص الفوضى التى صنعتها فقد اصابت القهوه قميصه و رابطة عنقه مدمره اياهم تماماً ابتلعت لعابها بصعوبه و هى تراقب باعين متسعه بالذعر وجهه المحتقن بالغضب مزمجراً بقسوة من بين اسنانه: إيه إللي إنتي زفتي ده ؟؟. 


همست بصوت مرتجف وهى تتنحنح بارتباك واضعه اصبعها فوق فمها بتوتر لتقول بأسف:انا....انا ...اس.....


وضعت يدها فوق خدها المشتعل بالخجل عندما لم تقدر على أن تكمل الجمله من شده راغبتها بان تنشق الارض و تبتلعها من تصرفاتها همست بصوت مرتجف محاوله الاعتذار عن حماقتها : أنا آسفه ولله مختش بالـي.... 


ثم لتسرع محاوله التقاط انفاسها تقول وهي تريد تصليح القميص: انا ممكن اخذ منك البدله دي اوديها المغسله واغسلها بنفسي تحت .. و ارجعها لك نضيفه ذي ما كنـ.. 


هتف بغضب مقاطعاً اياها: بس خلاص مش عاوز حاجه منك .. بس أبقي بصي قدامك بعد كده يا انسه وانتي ماشيه 


ليرحل من أمامها دون أنتظار أجابه أو تعليق منها ,لتضع يدها فوق قلبها تتنهد بعمق وغيظ من نفسها .. 

__________________________________


قبل وليد رأسه ابنه سليم بحنان الراقد أعلي الفراش دون حركه نظر إلى هيئته وهو نائم تحت الاجهزه وتخرج منه بعض الاشياء الغريبه انهمر دموعه بعجز عندما رأي جسد أبنه وهو هزيل جدآ وهو نائم على السرير لا يتحرك مغلق العينين جثه هامدة لا ترد ولا تستجيب وهو عاجز أمامه بهذا الشكل.. !! 


وضع أمامه مقعد خشبى وجلس عليه نظر له كثيره صامت لا يعلم ماذا يقول له تنهد بحزن وقال: سليم حبيبي اخبارك ايه .. انا اسف انا عارف انك زعلان منى ولا عمرك هتقدر تسامحني على ان كنت السبب في موت امك واخوك وتيته ! بس والله يا ابني كان غصب عني ما اعرفش ازاي الحادثه دي حصلت لحد دلوقتي وكلهم راحوا في غمضه عين .. سابوك انا وانت لوحدينا .. اوعي ياسليم تسيبني انت كمان ! بلاش انت كمان يا حبيبي تروح وتسيبني .. انا لحد دلوقت مش قادر اتخيل ان هم راحوا وسابوني ما تعذبنيش انت كمان وفوق لبابا يا حبيبي ..


صمت وليد بيأس عندما لم يستجب له ابنه كعادته شعر كما لو ان احدهم طعنه بسكين حاد بقلبه عندما انهار فوق مقعده يشعر جسده المرتجف فما مر به لم يتعرض له من قبل أخذ ينظر إلي أبنه الراقد دون حركه بداخله كسكين حاد يمزق قلبه تجمعت دموع كثيفة في عينيه حاولت الضغط علي يده بعنف لي كبت دموعه تلك حتى لا ينهار لا وقت لذلك حتي ! 


أنتبه إلي دخول الممرض مسح دموعه سريعا 

وهمس بصوت مرتجف ضعيف: لو سمحت هو اخباره ايه النهارده برده مافيش استجابه ..ده بقيله خمس سنين على كده مش هيفوق 


هز رأسه برفض الممرض ليقول بقسوة: للاسف زي ما هو ! انا من رايي توافق ان هم يشيلوا الاجهزه من عليه وترضى بالامر الواقع انه مات ! وتوفر الفلوس اللي عماله تاخذها منك المستشفى بقيلها خمس سنين 


قاطعه وليد ينهض سريعاً بقسوة و هو مرمقاً اياه بغضب يسحبه من ملابسه بعنف قائلاً بصراخ: انت بتقول ايه يا حيوان انت ،مين ده اللي مات ده انا هموتك بايدي سامع .. انا ابني مامتش انا ابني عايش فاهم 


أبتلع ريقه بصعوبة الممرض بخوف وهو يحاول الفرار منه دون جده حتي دلف الطبيب وائل راكض إلي وليد يبعده عن الممرض بصعوبة .. .



وليد امسك برأسه بعنف وجلس على اقرب كرسي يردد بغضب شديد: الحيوان الكلب كنت سبتني عليه اموته قال اوفر الفلوس واخلي أبني يموت انا ابني مامتش و هيعيش .. 


تنهد وائل الطبيب المشرف علي حاله أبنه فهو من فتره طويله وكان وليد يتردد على المستشفى حتي نشات بينهما صداقه وتعرف على حكايه وليد، تفوه قائلاً بهدوء: اهدي يا وليد وما تاخدش على كلامه و انا بنفسي هحسبه على الكلام ده 


تنحنح وليد قبل ان يتمتم بحده متسائلا بخوف : هو الكلام اللي قاله صح ! سليم مات وانت حطين الاجهزه بس كده عشان تدوني امل وخلاص .. ما هو بقيله فوق الخمس سنين ما فيش استجابه للعلاج حتى 


هتف وائل بوضوح قائلاً : وليد انا كنت صريح معاك من الأول ! حاله سليم صعبه جدا للاسف الحادثه قصرت على العمود الفقري غير المرض اللي عنده سرطان في الدم ! احنا مش قاعدين ساكتين زي ما انت فاكر .. احنا بنحاول نيديله العلاج بتاع ضهره والمرض اللي عنده كمان.. بس طفل في سنه وعنده كل ده صعب الاستجابه تكون سريعه .. وهو حاليا دخل غيبوبه ! وانا قلت لك الاحسن لي تسفروا بره يتعالج ...


شعر وليد بالدماء تغادر جسده فور مشيراً بيده وهو يتمتم بحده وعينيه تلتمع بقسوة مريره: وانت مفكرني قاعد ساكت ما انا بحاول أنا كمان واكتر منكم.. اول ما قلتلي سفره بره احسن .. جريت على الاجراءات عملتها علي طول بس اتصدمت من المبلغ اللي طالبينه مني .. اجيبه منين انا موظف على قدي ! ومع ذلك مش ساكت انا بشتغل في اليوم ثالث شغلانات .. في مصلحه الضرائب الصبح ومن بعد 4 العصر بدي دروس للاطفال في سن الابتدائي اتفقت معاهم عن طريق خالتي ماهي مديره مدرسه بتاعتهم .. وبفضل انبح معاهم في صوتي باجي خمس ساعات ! وبعد كده وانا مروح بعدي في طريقي علي المكتبه .. اتفقت مع صاحبها اترجمله مجموعه من الكتب لي اللغه الانجليزيه ... و بفضل طول الليل سهران عليهم لحد ما اخلصهم وعقبال ما اخلصهم تكون الساعه جت علي اثنين اخر الليل وبرجع انام ويرجع يبتدي يوم ذي كل يوم على كده .. وبحاول في وسط كل ده اوفر نص ساعه حتى اشوف ابني هنا ؟؟. 


اتسعت عينا وائل بعدم استوعب قائلاً باشفاق شديد: ايه يا ابني اللي انت عمله في نفسك ده انت كده بتنتحر .. و بترتاح امتى على كده ؟ انت فين نفسك من كل ده ؟؟ 


نظر له وهو يتمتم بصوت منخفض ساخراً: راحه ! هو انا بقيت اعرف طعم الراحه .. لازم اشتغل الـ 24 ساعه يا وائل لازم اجمع المبلغ اللي مطلوب عشان اسفر ابني يتعالج بره هو اللي فاضل .. كفايه كنت أنا السبب في موت أمه وأخوه وأمي ! 


وائل بجدية: هنرجع للكلام الاهبل ده ثاني .. يا وليد انت ما لكش ذنب في الحادثه اللي حصلت من خمس سنين .. ده قضاء ربنا سواء انت اللي عملت الحادثه او غيرك كان ده اللي يحصل برضه .. ارضي بنصيبك بقى ان انت بخير وابنك كمان لحد دلوقتي 


همس وليد بشفتين مرتجفتين بضعف : والله العظيم راضي الحمد لله على كل شيء .. انا لازم امشي معاد دروس الاولاد هيبدا كمان ربع ساعه .. انا كان عندي نصف ساعه بدري خرجتها من مصلحه الضرائب قلت اجي اشوف ابني فيهم 


وائل بعتاب: يعني بدل ما تريح نفسك النصف ساعه دي .. 


وقف وليد يتطلع اليه بصمت عدة لحظات شاعراً بضعف يستولي عليه ليقول بجمود: ولما انا ارتاح مين هيشيل عني الحمل .. قلتلك ما بقاش فيها راحه يا وائل عن اذنك !! 

يتبع 

                      الفصل الثاني من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>