رواية الماضي الملوث الفصل الاول1والثاني2 بقلم داليا السيد


 رواية الماضي الملوث الفصل الاول1والثاني2 بقلم داليا السيد


امرأة باردة

تحركت بريهان داخل المبني الفخم بخطوات ثابتة وقد فتح لها رجل الأمن الباب الزجاجي باحترام

بريهان الجبالي الأخت الوحيدة لرجل الذهب ليث الجبالي والذي ترك لها إدارة الفرع الخاص بشركته بلوس انجلوس، شركات التسويق الخاصة بماركة لاموند العالمية بالذهب والمجوهرات، أصبحت بريهان الآن هي المدير الإداري للفرع بعد أن أثبتت جدارتها بالمكان خلال العام والنصف الماضيين مما جعله يمنحها المنصب بعد أن أصيب المدير السابق بحادث طريق وكان الموت مصيره

كانت الألوان الرمادية والأسود هي الألوان المميزة لها بملابسها ورغم اعتراض دولت والدتها إلا أنها لم تهتم باعتراضها فحياتها تبدلت كثيرا والماضي مغلق عليه بسلاسل غليظة لا يدري بها سوى القليل ممن يعرفها ولكنها لم تكن تمضي وقت كثير لتفكر به فالعمل ومن قبله الدورات التدريبية التي لم تتوقف كانت تأخذ كل وقتها 

فتح باب المصعد على الدور الذي به مكتبها، نظرت لها أليكس السكرتيرة وقالت "صباح الخير آنسة جبالي"

اكتسبت من أخيها الملامح الهادئة ومن ماضيها عيون رمادية تمتلئ بالغموض وخلفه يكمن حزن لا يعرف سببه سواها

قالت بصوت هادئ "صباح الخير أليكس، هل هناك رسائل هامة؟"

لم تنهض أليكس وقد بدا الحمل عليها بشهورها الأخيرة وقالت "بالتأكيد، الطلبات الأخيرة لم نرد عليها لذا هناك استفسارات كثيرة وصلت"

هزت رأسها ولم يتحرك شعرها الأسود القاتم الذي تركته دون قص ورفعته بكعكة بمنتصف رأسها دون تفكير بإطلاقه وقالت "سنفعل، ليث أرسل الرد بالموافقة على اقتراحاتي لذا عليكِ طباعة ما أمليته عليكِ بالأمس وإرساله لهم وبلغي الطاقم باجتماع بعد نصف ساعة، متى موعد الولادة؟"

تنهدت أليكس وقالت "آخر الشهر الموعد الأكيد وأي يوم هو احتمال"

منحتها ابتسامة هادئة عملية وقالت "إذن لا تنسي تدريب جولي لتحل محلك، سأفتقدك، أريد القهوة"

أجابت أليكس "حاضر لا تنسي موعد الغداء اليوم مع هاري"

هزت رأسها وتحركت لمكتبها وما أن جلست خلف مكتبها حتى فتحت جهازها وتركت تليفونها أمامها ثم اندمجت بالعمل عندما رأت رسالة على الهاتف من عهد -زوجة أخيها وصديقتها الوحيدة حاليا- تطمئن عليها وكانت مفاجأة عندما أخبرتها بأنها حامل ابتسمت وأرسلت لها رد بالتهنئة ثم عادت للعمل

انتهى الاجتماع على موعد الغداء وتحركت لسيارتها حيث قاد بها السائق، لم تحاول قيادة أي سيارة بأي يوم رغم أنها تجيد القيادة جيدا، ربما منذ تلك الحوادث التي مرت بها بحياتها جعلتها تأبى القيادة، الحادث الذي مات فيه والدها بمصر، إبراهيم الجبالي، كان الحادث الذي أعاد أخيها الكبير وغير الشقيق ليث لحياتهم وقتها عرف عهد زوجته ومن بعده حادث أخيها الأوسط معاذ والذي مات هو الآخر بسببه وانتهت الحوادث بها هي عندما كانت حياتها دمار وفشل و..

عندما توقفت السيارة انتهت الذكريات وفتح لها السائق فنزلت وتحركت لداخل المطعم ببدلتها السوداء وبلوزة زرقاء تحتها، تجولت عيونها داخل المطعم الفاخر وهي ترى هاري يشير لها فتحركت تجاهه

نهض للقائها فابتسمت وقالت "أهلا هاري"

جذب لها المقعد وهو يبتسم ويقول "بريهان كيف حالك؟"

هاري رئيس إحدى الشركات التي تتعامل مجموعة لاموند معهم بل من أهمهم وهاري كان يفضل التعامل معها شخصيا كما كانت تفعل ورغم أنها دخلت وسط رجال الأعمال منذ وقت قصير إلا أنها تسلقت السلالم بسرعة فائقة وبنجاح فائق لفت الأنظار إليها ربما كانت عهد القدوة لها بالحياة وجعلتها تريد النجاح الذي حققته قبل أن تتزوج ليث وتتفرغ لحياتها وابنهم أحمد

ابتسمت بوجه هاري وقالت "بخير، هل بدأت التفكير بالانتقال؟"

نظر لها بعيون بنية ضيقة ورفع خصلة شعر من نفس اللون للخلف وقال "لا، نيو جيرسي لا تلقى ترحيب من المالك"

طلب لها عصير قبل الغداء وهو يتناول كأسه الذي ما زال بيده فقالت "ومتى ستستقر؟"

ضحك وتألقت عيونه البنية ببريق لامع وهو يتجول على ملامحها وقال بصوت عميق "تمنيت كثيرا أن أفعل يوم رأيتك ولكن تعرفين النتيجة"

ضحكت وفرت من نظراته، هاري صديق تعرفت عليه منذ فترة لا تعرف عنه الكثير ولكن تعرف ما يكفيها لأن يكون صديق جيد خاصة وقت الأزمات، قالت "ستكف عن ذلك هاري ودعنا نبدأ الحديث المفيد، متى ستورد لنا المواد المطلوبة؟ أنا لا أحب غضب ليث عن التأخير"

تحرك بمقعده وقال "سنبدأ أول الاسبوع، غدا سنلتقي مع جوزيف مانسين وهو من سيقرر الأمور تعلمين أن الخيوط كلها بيده"

وضع الرجل لها العصير وابتعد فقالت "مانسين لا يحب التعامل معنا هاري فلتجد طريقة أخرى"

تبادلا الحديث عن العمل أثناء الغداء وللحظة توقفت عن المتابعة عندما لفت نظرها ذلك الجسد العملاق الذي ذكرها بأخيها وعندما رفعت عيونها رأت ذلك الوجه الطويل بارز العظام والابتسامة الساخرة تزين فمه ونظراته الحادة تتجه نحو الشقراء التي تقدمت بجواره

شعرت بالحرارة تكتسح جسدها ورغم ذلك سمعت هاري يقول "بريهان ماذا حدث؟ هل بكِ شيء؟ لقد شحب وجهك فجأة"

أبعدت وجهها عن الثنائي الذين تحرك لهما المسؤول باهتمام وأرشدهم للنصف الآخر من المطعم فارتاحت لأنها بعيدة عن نظراته الساخرة

انتبهت لهاري وقالت "آسفة هاري ولكن الصداع دق فجأة برأسي، هل انتهينا أريد أن أعود المكتب لدي عمل هام؟"

ظل يحدق بها لحظة حتى قال "حسنا، هل ستأتين حفل الغد؟"

هزت رأسها بالموافقة وتاهت نظراتها بعيدا وهي تجيب "نعم كليف أرسل لي دعوة تعلم أن هيلين زوجته تعاملت معي شخصيا وتعتبر نفسها صديقة لي"

تنهد وقال بقوة "ستأتين معي"

عادت له بعيون حادة وقالت "هذا أمر هاري؟"

زفر بقوة وقال "بريهان!؟"

تراجعت بالمقعد وقالت بضيق "لا أحب طريقتك هذه أنت لست المسؤول عني هاري أنا كبيرة بما يكفي لاتخاذ قراراتي بنفسي"

نفخ وتناول ما تبقى بالكأس مرة واحدة ثم عاد لها وقال "اهدئي بيري أنا لم أقصد، فقط لن أتحمل رؤيتك بذراع رجل آخر"

لم تتبدل ملامحها وهي تقول "والآن عليك بالتوقف أيضا هاري لقد ناقشنا هذا الأمر كثيرا وانتهينا، نحن فقط أصدقاء فلا تجعلنا نفقد هذا أيضا"

شحب وجهه وسكنت نظراته عليها قبل أن يقول "أخبرتك أني سأغير ديانتي بيري ووقتها يمكننا أن"

جذبت حقيبتها ووقفت بإصرار وقالت "شكرا على العصير والغداء هاري ولا أظن أن لدينا أي شيء آخر"

لم تكن تريد إثارة أي جلبة حتى لا تلفت انتباه تلك العيون الساخرة التي اختفت بركن خاص تأكدت أنه خفي عن العيون حتى يمكنه ممارسة هوايته المفضلة مع النساء، متى وصل لوس أنجلوس؟ ولماذا؟ هل ما زال يذكرها كما تذكره؟ 

تحركت ولكن يد هاري أمسكت معصمها لتوقفها وهو يقف بجوارها ونظراته الجادة تحاصرها وهتف "انتهينا بريهان سأغلق الأمر هل تجلسي الآن؟"

سكن الغضب قليلا داخلها وهي تكن لهاري مشاعر خاصة فكثيرا ما كان موجودا بأوقاتها الصعبة لذا عادت لتجلس ونفذ وعده بإغلاق باب الغضب وأكملا الغداء بجو متوتر وحديث بارد عن العمل..

عادت متأخرة كالعادة لتجد والدتها بانتظارها على مقعدها المتحرك بعد تلك الحادث منذ سنوات بمصر عندما مات زوجها الجبالي الكبير بها وأصيبت هي بالعمود الفقري مما أقعدها على الكرسي المتحرك

ابتسمت لها دولت وهي تُقبلها وقالت "متى ستعودين يوما مبكرا؟"

ألقت جسدها على المقعد الوثير وقالت بتعب واضح "من الصعب أن أخبرك ماما فالعمل لا ينتهي"

سألتها والدتها "تناولتِ العشاء أم أجعل ميرا تجهزه؟"

أغمضت عيونها بتعب وقالت "تناولته بالمكتب، أليكس تركت لي وجبة قبل رحيلها وهي المفضلة عندي فتناولتها كلها"

ابتسمت دولت وقالت "هل أخبرتك عهد بالحمل الجديد؟"

فتحت عيونها وقالت "نعم، أرسلت لي بالصباح، بالتأكيد بعد شهر العسل الثاني بالمالديف لابد أن تعود حامل، لقد ترك كل شيء لماك وعزيز ورحل معها ومع أحمد وجددا شهر العسل"

ضحكت دولت وقالت "يستحقون السعادة بعد كل المعاناة التي واجهتهم هل نسيتِ؟"

تنهدت ونهضت وهي تقول "لا ماما أنا أمزح هم يستحقون كل السعادة بالطبع، أنا بحاجة للنوم، لدي غدا يوم طويل، مرور على محلاتنا الخاصة وبالمساء حفل"

 تحركت ولكن دولت قالت "ألن نتوقف عن دوامة العمل هذه والبحث قليلا عن حياتك الأخرى؟"

أغمضت عيونها ونفخت وقد أدركت أن دولت ستبدأ ذلك الحديث الممل عن الزواج والارتباط وأنها بلغت الثلاثين وعليها أن تفكر بحياتها 

فتحت عيونها والتفتت لها وقالت بهدوء "ماما من فضلك لا داعي لنبدأ حديث تعلمين جيدا نهايته"

اسود وجه الأم وامتلأت عيونها بالحزن وهي تقول "أنتِ ابنتي الوحيدة بيري"

انحنت على والدتها وقالت "ماما أنتِ تعلمين جيدا أن ليس من السهل أن يكون هناك رجل بحياتي، ليس بعد ما أصابني"

ضمت المرأة يدها على يد ابنتها بقوة وقالت "هذا ليس سبب بيري هناك الكثيرات ممن لديهم إعاقة وهي لم توقف حياتهم"

لم تترك يد دولت ولم تستسلم لمشاعر الألم داخلها من الكلمة وهي تقول "لا وأنا لم أفعل ماما، حياتي لم تتوقف وها أنا ناجحة بعملي ولولا ذلك ما ترك لي ليث الفرع كله بكل محلات العرض، ماما الزواج والرجال ليس الهدف الذي أعيش من أجله"

قالت دولت برجاء "ولكن ليس هناك مجال للزواج هنا بيري دعينا نعود مصر، هنا كلهم أجانب"

جذبت يدها من يد دولت وابتعدت وهي تقول بفزع واضح "لا ماما، أنا لن أعود مصر خاصة إذا كان من أجل الزواج"

التفتت لوالدتها بإصرار وأكملت "ماما أنا أحب حياتي هنا، نجاحي كامرأة لها هدف تعلمين أن مصر لا تمثل إلا الفشل والدمار والنهاية لذا لا يمكنني العودة والا لخسرت كل ما تعبت من أجله بالعام والنصف الماضيين"

أخفضت دولت وجهها بحزن فتحركت لها وعادت نبرة الحنان تهزم الغضب وهي تقول "ماما أنا سعيدة هكذا ألا تهتمين بذلك؟"

رفعت الأم عيونها الباكية لابنتها وقالت "أنا تعذبت كثيرا بسبب ليث وعانيت الألم والحزن حتى داوينا جراحنا وما أن فعلنا حتى اشتعل الألم من جديد من أجلك، أريد رؤيتك زوجة وأم، لكِ رجل يحبك ويرعاكِ وأطفال تملأ حياتك أنا لن أعيش للأبد بيري"

انحنت وضمت أمها لها بقوة وقالت "لا ماما، أطال الله عمرك من أجلي، عندما يأذن الله لي سيكون أمره منتهي فقط لا تحزني فأنا لا أتحمل دموعك وحزنك، أرجوكِ ماما"

هزت المرأة رأسها وضمت ابنتها لصدرها بحنان ولم تجادل أكثر وهي تعلم أن الحديث لا داعي له

ارتدت فستان اسود طويل بالطبع، مغلق الصدر فقط ذراعيها البيضاء الطويلة هي ما ظهر من جسدها وبالطبع ارتفع شعرها لمنتصف رأسها كالعادة وبعض الخصلات انسابت بحرية على أكتافها، أقراط لاموند الذهبية هدية أخيها بعيد ميلادها الثلاثين تلألأت من أذنيها وأسورة تماثلهم وجذبت حقيبة فضية تناسقت مع الحذاء الفضي الأنيق المناسب لها وقد كانت راضية عن نفسها والسائق يفتح لها أمام الفيلا المقام بها الحفل

كان من الصعب على امرأة أن تحضر حفل بدون رفيق ولكن الجميع أصبح يعرفها جيدا وأحيانا كانت تسمع لقب المرأة الباردة عندما تمر بجوار نساء أخريات ولكنها لم تهتم ولن تهتم

كليف كان منافس قوي وشريف لمنتجات لاموند ولكن هو يعتنق الفضة، من عشاقها كما هو ليث من عشاق الذهب لذا كانت المنافسة حرة وشريفة وبالعام الماضي أمضت عطلة نهاية اسبوع رائعة بمنتجع سياحي ملك له بدعوة من هيلين زوجته وقد أصبحت صديقة لها بسرعة خارقة وهي لم ترفض 

أسرعت هيلين إليها وقد كانت بالثانية والثلاثين ولديها فتاة بالخامسة رائعة تعشق بيري جدا، لديها عيون خضراء رائعة وشعر أصفر قصير تهتم به جدا تحب مساحيق التجميل بكثرة جسدها ممتلئ قليلا ولكنها بالمجمل جميلة

احتضنتها هيلين وقالت "سعيدة أنكِ أتيتِ، هل فلتِ من هاري؟"

ضحكت بصوت مرتفع بينما ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها وقالت "بالكاد هيلين، كيف حال بوسي الصغيرة؟"

وضعت هيلين يدها بذراع بيري وقادتها للداخل حيث امتلأت القاعة بالكثير من رجال الأعمال المعروفين والثراء هو السمة الأولى على الجميع، تلونت النساء من حولها بألوانهم وأزياءهم ولكن ولا مرة فكرت بتغيير ملابسها القاتمة..

كليف كان رجل متوسط القامة بمتوسط الأربعينات يهيم بحب زوجته وابنته، ابتسم لها وجذب يدها لفمه وقبلها وهو يقول "بيري تبدين رائعة"

قالت "وأنت أيضا كليف تبدو بأوائل الثلاثينات هيلين عليها أن تقلق عليك"

ضحك الثلاثة وتبادلوا الحديث بسعادة وسرعان ما انضم لهم العديد من رجال الأعمال ولم يذهب عنها انضمام نساؤهم لهم وهم يرمقوها بنظرة تعرفها جيدا..

تناولت رشفة من العصير عندما سمعت هاري يقول "رغم أنه الأسود إلا أنه مذهل عليك بيري"

التفتت تجاهه وقالت وقد بدا وسيما حقا وعيونه تلمع لرؤيتها "هو لوني المفضل هاري"

هز رأسه وقال "أعلم، لا تتنازلين عن تلك الألوان القاتمة، ما السر بها بيري؟"

أبعدت عيونها عنه وهي ترفع كأسها لفمها لتتوقف عيونها على تلك العيون الزرقاء التي تعرفها جيدا وهي تحدق بها بطريقة أفزعتها، لم تستوعب الأمر ورشفة العصير التي لم تنتبه لها جعلتها تسعل بشدة فأخذ هاري منها الكوب حتى هدأت واعتذرت فقال 

"هل أنتِ بخير؟"

أدركت أن المفاجأة أخذتها، لماذا يسقط بطريقها هذه الأيام؟ ونظراته تلك هل تعني شيء؟ كان يحدق بها بطريقة أفزعتها 

هدأت وقالت "أنا بخير هاري، من الواضح أن الازدحام ورائحة الدخان جعلوا صدري يضيق"

كان هاري مهتم حقا بها بينما تعمدت هي ألا ترفع وجهها مرة أخرى بنفس الاتجاه، ليس لديها أي رغبة برؤيته مع نساؤه ولا مواجهة نظراته الساخرة التي عرفتها..

أعادها هاري للهدوء بكلماته الهادئة وأخذها للأحاديث العامة حتى أنه استطاع أن يجعلها تضحك وقد نست ما حدث ولكن ما زالت تشعر بوجود ذلك الرجل حولها وكيف لا وهي تدرك تماما ما يفعله بها وقد كرهته بسبب ذلك وما زالت تكرهه

كانت صحبة هاري لطيفة حقا وهو الوحيد الذي بإمكانه جعلها تخرج من البرود الذي تحيط به نفسها وقد تساءل رجال كثيرة حول تلك المرأة التي لا علاقات لها ولا رجال بحياتها، كانت تضحك على كلمات هاري ولكن سرعان ما اقتربت منهم فتاة عشرينية شقراء متفتحة الملابس ووقفت بجوار هاري ورمقت بيري بنظرة غير مفهومة جعلتهم يوقفون الضحك وهي تقول 

"بالتأكيد لم تأتي بي معك لتتركني وتذهب لامرأة أخرى، هذا ليس من الذوق بشيء هاري"

التفت للفتاة وذم فمه بشدة وبيري تدرك أن تلك حركته عند الغضب ولكنه تماسك وقال "لن نتحدث عن الذوق الآن شيلا، هذه بريهان صديقتي وبيننا عمل"

رفعت شيلا وجهها الأبيض النحيف المستدير لبريهان وقالت بامتعاض واضح "امم، عمل، حقا؟ وهل أنتم تعملون الآن حبيبي؟"

جز على أسنانه بينما نفخت بريهان وقالت "لا، نحن نتناول المشروب سويا ولقد انتهينا، أتمنى لكما سهرة سعيدة"

وتحركت مبتعدة حتى قبل أن يعترض هاري على ذهابها، أول زجاج دلفت منه للحديقة حيث اختفت أصوات الموسيقى والمدعوين وارتجفت قليلا من نسمة الليل الباردة ولكن مشهد السماء الرمادية من تأثير نور القمر المكتمل جعلها تشرد معه وربما أرادت عد النجوم المتناثرة حوله بغزارة بليلة بدت رائعة حقا وظلت لحظة شاردة وربما كاد الماضي يجذبها بقوة ولكن ذلك الصوت العميق والمحلى بالنبرة الساخرة جعلها ترتد من ذكرياتها البعيدة وتفزع له وهو يقول

"تبدين بالضبط مثلها"

ابتعدت من قربه الذي لم تشعر به ورمقته بنظرة نارية بعيونها الجميلة فبدا كما كان من عام ونصف مع بعض التجاعيد حول فمه وعيونه دليل على التسعة وثلاثين عاما التي يحملها، أبعدت عيونها وحاولت الثبات وتهدأ جسدها الغاضب ولم ترد فابتسم نفس ابتسامته الساخرة وقال 

"الأسود عليكِ كالسماء الانسيابية والأقراط الماسية نجومك ووجهك الأبيض المستدير قمرك المضيء"

احمر وجهها من كلمات الغزل الصريحة وهي تندهش لنفسها فهي لم تتأثر بكلمات أي رجل من قبل فلماذا ترتجف لقربه وتحمر لكلماته؟

التفتت له ورفعت رموشها الطويلة لتنظر له بأناقته المثيرة للاهتمام ببدلته التي كانت من ثلاث قطع وهي تعلم أنه لا يرتدي سواها، ربطة العنق رائعة حقا، عطره جذبها بقوة، كان عليها أن تتحدث حتى لا يدرك تأثيره عليها فقالت 

"ما زلت تفعل ذلك"

ضحك بصوت معتدل وتناول بعض من مشروبه ثم قال "وما زلتِ تحمرين خجلا"

أبعدت وجهها واستدارت لتذهب ولكنه خطا خطوة واحدة فسد عليها طريق العودة وقال "لماذا تغضبين من كلمات الغزل بريهان؟ أي امرأة تهواها وتعشق سماعها؟"

إذن ما زال يذكرها، بل ويذكر اسمها، كيف وهو يعرف العديد من النساء، الحقيقة هو ربما لا يعرف عددهم من كثرتهم وأن يتذكر اسمها من بينهم أدهشها، تغاضت عن سؤاله وقالت وهي ترفع حاجبها الأسود الطويل 

"أنت تذكر اسمي!؟"

انحنى من طوله الشاهق ليصل لوجهها وقال برقة "تلك العيون لا تنسى عزيزتي، فقط لم أكن أعرف أين اختفيتِ؟"

تراجعت من قربه وأنفاسه التي تدل على الويسكي وقالت "لا أظن أنه من شأنك"

تحركت مرة أخرى ولكنه تحرك معها وسد الطريق أيضا فقالت بضيق "هل تبتعد عن طريقي؟"

لمعت عيونه الزرقاء بنظرة مسحت كل قوامها حتى عاد لعيونها وقال "لم تعاملني امرأة بتلك الطريقة من قبل، أنت منفردة عزيزتي"

تراجعت بقلق من حالته ومن كلماته ولكنها تماسكت ولم تضعف وقالت "لأني أعرف أي نوع من الرجال أنت ولا أحب التعامل معهم لأنني لست نوعية النساء التي تملأ جناحك"

ضحك بقوة وتراجعت هي حتى توقف وسقطت عيونه عليها مرة أخرى وقال "هل هذه نظرة غيرة بيري؟"

غضبت وقالت بقوة وحزم "لا تناديني بهذا الاسم ليس مسموح لك لتفعل هل تفهم؟"

وكأنه لم يثير غضبها وهو يلتهم وجهها بنظراته وقال بهدوء "لستِ باردة كما يدّعون"

وانحنى مرة أخرى حتى اقترب منها جدا وهو يقول "بل أنا أرى امرأة حارة ومثيرة وفاتنة وقضاء ليلة معها بالفراش سيكون من أمتع ما يكون"

لم تتردد لحظة وهي تنزل بأصابعها الطويلة على خده بقوة جعلت يدها تؤلمها والدموع تنطلق لعيونها من إحساسها بالإهانة وهتفت به "أنت حقير"

وتحركت أخيرا من جواره بأقدام مهتزة وقد ارتجف جسدها وفقدت الرؤيا أمامها من دموعها وهي تخترق الزحام من حولها حتى حصلت على المعطف الخاص بها وحقيبتها ورحلت لسيارتها وانطلق بها السائق وقد تركت دموعها تنزل وهي لا تدرك سببها، ربما كلماته جعلتها تشعر أنه يظنها من تلك النساء الرخيصة، أو أنها لم تتوقع منه ذلك، أغمضت عيونها وهي تدرك أنه ينتقم منها لأنها رفضته مرة بالماضي واليوم فعلتها مرة أخرى فليس عليها أن تغضب كلاهم جرح الآخر ولكن هو يستحق

لم يلتفت لها بعد أن طبعت أصابعها على وجنته وشعر بقوة الغضب الذي تسبب لها فيه والغضب الذي تملكه، سمع حذاءها وهي تسرع خارجة ملقية إياه خلفها باحتقار كما فعلت المرة السابقة، لم تهينه أو ترفضه امرأة سواها وعلقت بذهنه منذ رآها وزاد الأمر عندما رفضت دعوته للفراش فأراد أن يهينها فردت له الإهانة بقوة زادته غضبا على غضبه مما جعله يطبق بأصابعه على الكأس حتى تفجر بيده ورغم أنه جرحه وشعر بدفء الدماء إلا أنه لم يهتم ولم يسكن الغضب الذي أشعلته داخله وهو ينطق من بين أسنانه

"تشعلين النيران داخلي بكل مرة أراكِ، أي امرأة باردة أنتِ؟ أنتِ بركان متفجر بكل أنواع الحمم وتحرقين كل من يقترب منك ولكن ترى من منا سيطفئ لهيب الآخر؟"


الفصل الثاني

من أنتِ؟ 

لم تكن دولت مستيقظة فحمدت الله وأسرعت لغرفتها وأغلقت الباب خلفها وظلت بمكانها لحظة وما زالت تقاوم الدموع، لم تعرف لماذا كان الأمر مؤلم لهذا الحد؟ فقط كلماته صورتها كامرأة سهلة الانقياد وحديثه يجعلها كذلك، تحركت للأمام حتى جلست على طرف الفراش وأغمضت عيونها وهي تهمس

"أنا لا أريد أي رجال بحياتي، أنا أصلا لا أصلح لأي رجل فلماذا تسقط بطريقي؟ ماذا تريد مني؟"

لم تصل لأي إجابات وظلت عيونه الساخرة تطاردها حتى سقطت بالنوم مع أول ضوء للنهار ولم تستيقظ إلا على رنين هاتفها، فتحت عيونها بصعوبة من البكاء ومدت يدها للهاتف لتجيب دون رؤية المتصل لتجد صوت هيلين تقول 

"بيري كيف حالك عزيزتي؟"

رفعت شعرها الحالك عن وجهها واعتدلت بصعوبة من الصداع وقالت "أهلا هيلين"

سمعت المرأة تقول "لم تستيقظي بعد؟ إنها العاشرة"

الصداع ضربها بقوة فأغمضت عيونها وقالت "اليوم السبت هيلين"

ضحكت المرأة وقالت "إذن لنذهب للمنتجع الخاص بكليف ونمضي اليوم ونعود غدا بالمساء"

كانت متعبة حقا فقالت "لا هيلين أنا متعبة وأريد البقاء بالفراش اليوم"

ولكن المرأة لم تستسلم وهي تقول "لا أمامك نصف ساعة قبل أن أقود باتجاه بيتك هيا أحضري فستان أنيق للعشاء"

ولم تمهلها فرصة للاعتراض، تركت الهاتف وسقط رأسها على الوسادة للحظة عندما رن هاتفها برسالة فعادت تفتحه لتجدها من رقم غريب وتراجعت وهي تقرأ "الورود البيضاء تعني السلام ومني تعني الاعتذار"

تعالت دقات قلبها مرة أخرى وهي تقسم أنها منه، فزعت عندما دق الباب ودخلت الخادمة تقول "صباح الخير آنسة، مسز جبالي تسأل عنك"

نهضت وقالت "أخبريها أني قادمة هل يمكنك إعداد حقيبتي لليوم وغدا؟"

أجابت الفتاة "بالطبع آنسة هل أضع شيء رسمي؟"

تحركت للحمام وقالت "نعم من فضلك"

اغتسلت وبدلت ملابسها ببدلة بنية وربطت شعرها للخلف وتحركت للخارج ودولت تجلس أمام النافذة بغرفة المعيشة، طبعت قبلة على وجنتها وهي تقول "صباح الخير"

ابتسمت لها دولت وقالت "صباح الخير حبيبتي، عدتِ متأخرة بالأمس؟"

سكبت بعض القهوة لنفسها وأخذت كعكة وهي تقول "نعم، ماما هيلين تصر على قضاء العطلة بالمنتجع، ستمر عليّ الآن"

هزت رأسها وقالت "الورود البيضاء تخصك؟"

رفعت نظرها إلى حيث أشارت دولت ورأتهم بالزهرية، كانت باقة رائعة حقا وتثير الراحة بالنفس وربما كما قال السلام، احمر وجهها وتسمرت قدماها دون أن تتحرك وعيونها تتأمل الباقة بينما قالت دولت 

"هل هناك مصدر لها؟"

انتبهت لدولت وقالت "آه، بالتأكيد، هل هناك بطاقة؟"

تأملتها دولت وقالت "لا"

هزت كتفيها وتذكرت الرسالة وقبل أن يعود الحديث كانت سيارة هيلين تقف أمام البيت فقبلت والدتها وفرت هاربة منها وهي تقول "سأعود غدا ماما"

تحركت خارجة والفتاة تضع حقيبتها بالسيارة وركبت بجوار هيلين والتي تحركت بها ورأت بوسي الصغيرة تهتف باسمها فالتفتت لترحب بها بسعادة

تركا الطفلة بركن الأطفال بالمنتجع وجذبتها هيلين لمركز التجميل وتدللت كلتاهما بحمامات التجميل والشعر والبشرة والتدليك وخرجا منه غاية في الراحة والسعادة ونست ما حدث بالمساء ولم تعد تذكر ذلك الرجل بذلك الوقت وهي تشعر بالسعادة لجمالها الذي ظهر بعد خروجها من المركز

تناولت الغداء مع هيلين وبوسي ثم اتجهت لغرفتها واستلقت على الفراش فاستغرقت بالنوم دون أن تشعر

عندما استيقظت كانت السادسة تقريبا، فتحت هاتفها لتتصل بدولت فوجدت رسائل صوتية سمعتها حتى وصلت للثالثة وصوت تعرفه يقول "هل الصمت يعني الموافقة؟ العشاء تحت نجوم السماء المضيئة مثل أقراطك الماسية"

شحب وجهها وعاد الغضب لها، كيف يجرؤ على ذلك؟ هل نسى ما فعله بالأمس؟ 

قذفت الهاتف وقد أغلقته مرة أخرى ولم تفكر حتى بالرد وهي تنهض وتغتسل وارتدت فستان رمادي طويل بحزام فضي أظهر خصرها النحيف وتعلق على أكتافها بحمالات عريضة وصدره على شكل حرف v، وتركت شعرها على نفس الانسيابية التي صففها بها مصفف الشعر بالصباح وخرجت تبحث عن هيلين حيث كانت بالمطعم

تلقاها المختص والذي كان يعرفها بابتسامة رائعة وقادها حيث هيلين تجلس وتتحدث لكليف فاندهشت وهي تقول "كليف! لم تخبرني هيلين بوجودك"

قالت هيلين "لم أكن أعرف بيري"

ابتسم وقال "انتهيت من عملي وشعرت برغبة بالعطلة، هل قطعت عليكم الخلوة؟"

ضحكت كما فعلت هيلين التي قالت "حبيبي أنا سأدع بيري تحضر معي كل عطلة لأنها جعلتك تأتي"

هتفت بتورد "هيلين!؟"

ضحك الرجل وقال "لا تنزعجي بيري فهي تقلل من مشاعري تجاهها وهذا يجرح مشاعري؟"

ضحك الجميع ووصل الرجل لأخذ طلبات العشاء ولكن قبل أن يطلب الجميع سمعوا صوتا تمنت ألا تسمعه وهو يقول "هل ستفعل بدوني كليف؟"

نهض كليف لتحيته ولم تفكر هي حتى بأن ترفع وجهها لرؤيته وقد تسللت الحرارة لجسدها رغم اعتدال الجو حولهم وسمعته وهو يتحدث لتحية هيلين حتى قفز قلبها من بين ضلوعها عندما قال "كيف حالك بيري؟"

بصعوبة رفعت وجهها لتلتقي بعيونه الزرقاء التي كانت تنظر لها وتأمرها أن تواجهه ولم تلاحظ مشاهدة هيلين وكليف لها عندما تأخرت بالرد فجذبت صوتها بصعوبة وقد أدركت أن ملامحها تغيرت وهي ترد

"أهلا زهير"

اسمه مختلف، لأول مرة تنطق به، ما زال يذكر أول مرة لهما وهي تتردد بقول سيد زهير ووقتها كان يغازلها بوقاحة مما جعل الأمر بينهما يسوء لأنها أيضا صفعته بذلك اليوم، للحظة تملكه الغضب من نبرة صوتها الرقيقة ونظراتها الغاضبة ولكنه لن يتراجع، لابد أن ترضخ مثلها مثل كل النساء اللاتي عرفهن من قبل، صوت كليف قطع اتصال نظراتهم وهو يقول 

"زهير تعالى كنا سنطلب بدونك"

تألق ببدلته المسائية الخفيفة وأبعدت عيونها عنه كي لا يرى الغضب الذي يتأجج داخلها، فتح جاكته وجذب المقعد المجاور لها وجلس بكل جرأة وكأنه يتحداها أن ترفض وهو يقول 

"التقيت بأحد الرجال قبل أن أركب السيارة فتأخرت"

طلب الجميع العشاء وقال كليف "المهم أنك هنا، بيري هل أرسل ليث الموافقة؟"

نظرت له وقالت "نعم بالأمس وأليكس أرسلت لمكتبك"

تراجع بالمقعد وهو يتأمل ملامحها وقد زادت جمالا رغم ألوانها القاتمة غير فاهم سببها، من هن مثلها من النساء يظهرن جمالهن بكل الطرق وليس الاسود والرمادي منهم ولولا اتصاله بكليف ما عرف أنها هنا معهم وما اقترح تناول العشاء معهم

وصل الطعام وظل صامتا وهي تتابع كليف بالعمل حتى هيلين احترمت حديثهم وربما تملكه الإعجاب من طريقتها الواثقة وهي تتحدث عن العمل وأدرك أنها كانت جديرة بالمكانة التي اكتشف أنها وصلت لها مؤخرا

ما أن انتهى الطعام والذي رافقه تلك الزجاجة العتيقة والزهيدة بسعرها وقد تناول منها الجميع عدا هي وهو وقد تناولت عصير البرتقال، رفع الرجل الطعام ورن هاتف هيلين فقالت

"إنها المربية اسمحوا لي، بيري آسفة لابد أن أرى بوسي"

ابتسمت لها بينما نهض كليف هو الآخر وقال "انتظري هيلين أنا أرغب بالنوم، زهير أرجو أن تتصرف وكأنك صاحب المكان، بيري لستِ بحاجة لكلماتي"

اهتزت ابتسامتها وهي تدرك أي موقف وضعها به الزوجين عندما أجاب زهير "لا تقلق كليف أتيت لأستمتع بوقتي"

ابتسم كليف وتركهم مع زوجته وما أن تحركا حتى نهضت لتذهب ولكنه توقع ذلك فقبض على معصمها وقال "الورود لم تكن كافية، هل لابد أن اعتذر بنفسي؟"

نظرت ليده وقالت بقوة وغضب "ابعد يدك عني"

اندهش من قوتها في مواجهته فلم تتبدل ملامحه وقال "سأفعل بعد أن تجلسي، هيا بريهان كنت قد أسرفت بالشراب بالفعل"

ترددت قليلا وقد لانت قبضته على معصمها فجلست فترك يدها وقالت "لست ممن يفقد عقله بسهولة سيد زهير"

مال تجاهها بجسده وعيونه تتألق بنظرات لم تفهمها وهو يقول "لم تعودي تلك الفتاة التي تتلعثم أمامي وهي تخبرني عن خبراتها بالعمل، زهير أفضل، ولا، أنا لا أفقد الوعي بسهولة ولكن بجوار مؤثرات أخرى قد أفعل"

ظلت تحدق به للحظة ثم أبعدت وجهها عنه وقالت "هل تسمح لي بسؤال؟"

أخرج علبة سجائر ذهبية ولم تظن أنه كان يدخن ولكنه فعل وهو يشعل السيجارة الطويلة ذات الرائحة الغريبة بولاعة ذهبية أيضا لفتت انتباهها وبدا عليها بروز ربما حروف واضحة لم تفهمها 

نفخ الدخان بعيدا عن وجهها وعاد لها قائلا "بالطبع ربما يحسن السؤال من وضعنا فنحن لا نجيد شيئا سوى الصفع والهروب"

غضبت وقالت "أنت تستحق، بكلا المرتين تستحق ولست نادمة"

ضحك بصوت هادئ وعيونه تلاحق عيونها الغاضبة وقال "لدي كل الأعذار لم أجد امرأة من قبل ترفض الغزل"

أبعدت وجهها المتورد من أمامه وقالت "بل ترفضك أنت سيد زهير، المشكلة أنك تظن أنك الرجل الذي لا يرفض"

اقترب منها فتعطر الجو برائحة عطره وهو يقول "كان ذلك صحيحا حتى وقفتِ أنتِ بالطريق وأدرتِ المسار لأصبح الرجل الذي يصفع"

نظرت له وقالت بثقة "هل تلمح للاعتذار لك لأني لن أفعل؟"

ظل يواجه عيونها ثم عاد ليدخن سيجاره ونفخه بقوة وقال "لا، لا أريد أي اعتذار هل نتوقف عند هذا الحد؟ أذكر أن لكِ عندي سؤال لم تلقيه بوجهي"

استسلمت هي الأخرى فلا مجال للحرب التي لن تتوقف وقالت "ماذا تريد مني؟"

ضاقت عيونه الجميلة وانزوى حاجبيه بعقدة على جبينه وقال "أعرفك، أريد أن أعرفك، منذ رأيتك وشعرت أن هناك الكثير خلف تلك العيون الحزينة والملابس القاتمة التي تصرين عليها وعندما رأيتك بالحفل لم أجد شخص لا يلقبك بالمرأة الباردة فما السبب؟"

اخترق ما لم تسمح لأحد باختراقه فشعرت بأنه يلف الخناق حول عنقها وهو يدس رأسه بسرداب ذكرياتها وهي تأبى أن تسمح لأحد، لن يسعد أحد وهو أولهم بمعرفة تاريخها المشين وذكرياتها السوداء أو..

زاد اختناقها ولمعت دمعة بعيونها فأبعدت وجهها ونهضت فجأة وقالت "أشعر بالتعب اسمح لي"

ولكنه أدرك أنه لمس بها حقيقة تريد الهروب منها وتلك الدمعة المتصدرة عيونها الجميلة أكدت ذلك فكان أسرع وهو يقف أمامها وقال بصدق "هل نسير قليلا على الشاطئ؟ ربما يساعدك البحر على الاسترخاء"

هزت رأسها بالرفض دون أن ترد وما زالت عيونها عالقة بعيونه ولم تنطق وهو يكمل "أعدك ألا أتجاوز، لم أتناول أي كحول الليلة"

ظلت تنظر له بصمت وهي تعرف أن كل ما عليها الآن أن تستدير وتلقي عليه تحية المساء وتذهب ولكنها لم تفعل وتركته يدفعها بلمسة رقيقة على ذراعها تجاه الشاطئ حيث غرزت الأحذية بالرمال وشعرت بنسمات باردة تشق طريقها لوجهها وازداد انعكاس ضوء القمر على البحر فجعله ستارة رمادية تنساب بهدوء مطلقة رائحة البحر الجميلة من حولهم

لم تدرك أنه كان يتأمل ملامحها الرقيقة بصمت وربما ما زال يصر على أفكاره ومع ذلك جزء خفي به يتساءل عنها

التفتت له لتراه يحدق بها ولولا الظلام لظهر خجلها من نظراته، أبعدت عيونها وقالت "هل عشت بمصر أبدا؟ لغتك العربية واضحة وكأنك عشت منذ الأذل بها"

وضع يداه بجيوب بنطلونه وأبعد وجهه عنها وقال "ولدت بها وعشت عشرين عاما من عمري هناك"

لم يتوقفا عن الحركة وعندما صمت نظرت له فأكمل بصعوبة وكأنه يبحث عن الكلمات "رحل والدي وأنا بالخامسة عشر وترك لي شركة الأسيوطي مديونة وأعداء لا حصر لهم، الأقارب اختفت من حولي ولم أجد أحد حتى بالجنازة"

توقف والتفت للبحر فتوقفت بجواره وقالت "أعمام أو عمات"

لم ينظر لها وهو يقول "وقتها لم أكن أعرف أحد منهم، كنت أعرف أن لي عم واحد وعمة ولكنهم كانوا يقيمون بأسيوط بلد والدي وهو ترك البلد صغيرا ورحل للقاهرة وهناك تزوج أمي وأنشأ الشركة"

أخرج علبة السجائر وأشعل واحدة والتفت لها وقال "لماذا تسألين؟"

اندهشت من سؤاله وقطعه لحكايته فرفعت حاجبها الأسود الطويل وقالت "أخبرتك أن لغتك كأصحاب البلد، هل أزعجك سؤالي؟"

ظل ينظر لها بصمت، لن يعجبها تاريخ والديه الذي لا يعرفه أحد ولا تاريخه هو أصلا، هو ماضيه الخاص وليس من حق أحد معرفته، نفخ الدخان بقوة وأجاب "يزعجني أنكِ تديرين الدفة بذكاء بعيدا عنكِ"

ظلت النظرات عالقة بينهما حتى أبعدت عيونها عنه وقالت "إذن سيتوقف كلانا عن التنقيب بماضي الآخر"

نظر لأكتافها الصغيرة التي واجهته وشعرها المربوط بقوة للخلف وقال "ربما، منذ متى وأنتِ بأمريكا؟"

رمقته بنظرة من تحت عيونها وقالت "عامان ونصف تقريبا"

أحنى رأسه بتقدير وقال "لغتك رائعة مع ذلك الوقت القصير"

ابتسمت وقالت "أنا كنت بمدرسة دولية اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى بها لذا لم تمثل لي اللغة أي مشكلة"

هز رأسه وقال "عائلة الجبالي اسم كبير بمصر وهنا"

أبعدت وجهها وقالت بعمق "نعم"

اختصار الإجابة زاده فضول تجاهها والغموض الذي يلفها يجذبه أكثر لها تحرك حتى وقف أمامها وحجب ضوء القمر عنها بقوامه الهائل فرفعت وجهها له بدهشة وهو يحدق بها وقال 

"لا رجال بحياتك فهل هناك سبب؟"

شحب وجهها وشعرت ببرودة تسري بكل جسدها، مرة أخرى يتسرب لدواخلها التي لا تسمح لأحد أن يخترقها، لم تفر وهي تعلم أنها لابد أن تجيب لأنه لن يتوقف فقالت 

"بمصر كرهت العلاقات وهنا العمل كان هدفي"

أخذ نفس عميق من سيجارته ونفث الدخان بالهواء الطلق وقال "كان هناك رجل؟"

ظلت ثابتة وقالت "ليس بالمعنى الذي تقصده"

لا يعلم أي مسمى يمكن أن يطلقه على ما شعر به وعندما تحركت من أمامه أوقفها بقبضته اللينة على ذراعها فنظرت له ولم ينتظر وهو يسأل "أي معنى إذن؟"

أبعدت يده بيدها الأخرى من على ذراعها وقالت بهدوء "ألا تظن أنك تتخطى الحدود سيد زهير؟"

انحنى ليصل لوجهها كما يفعل دائما ليواجه عيونها وهو يقول "الحدود أنتِ من يصر عليها"

ابتسمت ابتسامة رقيقة وقالت "لست أنا من اختصر ماضيه بكلمات تعد على الأصابع ثم نحن اتفقنا على التوقف عند الحاضر"

ظل ثابتا مكانه وهو لا يفهم تلك المرأة التي تحاوره بقوة وذكاء فقال بنبرة مختلفة "من أنتِ؟"

العيون كانت تنطق بأسئلة كثيرة كلاهم أراد إجابتها من الآخر وكلاهم يتستر خلف حاجز وهمي خلقه لنفسه ولكن الحاجز يكاد ينهار فيما بينهم لأول مرة

قالت بدون أن تظهر ما بداخلها من خوف أو حيرة من ذلك الرجل صعب المراس لدرجة أرهقتها فقالت "لا تخبرني أنك فقدت الذاكرة فجأة"

والتفتت لتبتعد ولكنه جذبها من ذراعها نحوه بقوة جعلتها تكاد تصطدم بصدره لولا أنها وضعت يداها الاثنان على صدره فشعرت بتيار كهربي يضربها بقوة والعيون الزرقاء أغلقت فجأة لترى منها ظلام أشعله الغضب وهو يقول بقوة

"ألا تعرفين شيء آخر سوى الهروب من المواجهة؟"

أخذها الغضب هي الأخرى من كلماته ولم تهتم بقربها منه بتلك الطريقة ولا قسوة يده على ذراعها ولم تتراجع من الغضب النابض بعيونه وهي تجيب بقوة "كلانا لا يعرف سوى تلك الطريقة ولكن كلا منا يهرب بطريقته سيد زهير فلا تلقيني بالطوب وأنت بالأساس من زجاج"

القسوة المرتسمة بعيونها أوقفته جعلته يبحث بسنوات عمره التسع والثلاثين عن امرأة مثلها واجهته بمثل تلك القوة وتعمقت داخله لتكشف حقيقة هو نفسه كان يرفض الاعتراف بها

قالت والألم يشتد على ذراعها "كنت أظن أنك تملك قوة جاذبية لا مثيل لها تجاه النساء وليست القوة البدنية منها أم أنها لي أنا فقط"

انتبه بالفعل لقبضته على ذراعها فتركها على الفور فرفعت يدها الأخرى لمكان أصابعه ومررتها عليها فانطلقت نظراته لذراعها وقال وقد استوعب ما كان يدور بينهم "أعترف أن كل شيء معك هو الأول بالنسبة لي"

كررت كلمته وهي تشعر بضيق من ألم ذراعها "الأول؟"

عاد لسجائره والتفت للبحر وقال "أول امرأة ترفض الغزل، أول امرأة تتمسك بالبنطلونات والفساتين الطويلة والقاتمة، أول امرأة توقفني عنها، أول امرأة تدفعني للعنف"

وخزة ألمت بصدرها بذكر ملابسها، ليتها تملك القوة للنطق بما لا يعرفه ولكن ليس هناك سبب يدعوها لتبرر له أي شيء يخصها لذا قالت "أحب الأفضلية، هل نذهب أشعر بالتعب؟"

نظر لها من خلف الدخان وقال "تفشل كل محاولتنا لإدارة حوار دون صراع"

أخفضت وجهها وقالت "إذن دعنا نوقف تلك المحاولات التي لا معنى لها، طابت ليلتك"

وتركته وذهبت، تابعها بعيونه وهي تذهب وللحظة شعر بشيء غريب بخطواتها ولكنه أدرك أن الرمال السبب فالتفت عائدا للبحر، ربما هي على حق، ربما عليهم إيقاف تلك العلاقة الفاشلة من قبل حتى أن تبدأ ولكن رفضها له يثيره ويجعله يريدها أكثر ولكنها كالصخر لا تتفتت بسهولة

بالصباح لم تتعجل النهوض من الفراش فقد حظت بليلة طويلة من الأرق وعدم النوم وكأنه أمسك بملعقة وأخذ يقلب بقعر ذكرياتها مجلبا ما سقط بالقاع إلى السطح كما أنها لم تكف عن التفكير به هو الآخر، بنيويورك حاولت أن تبحث لتعرف عنه أي شيء فلم تعرف أكثر مما هو معروف، الرجل الذي صعد القمة بمجهوده وما زال يحتفظ بمكانته، لا يرحم منافسيه، يخترق الصفقات دون تردد ولا يخسر أي واحدة، ماضيه مجهول ولا يعلم أحد نقطة البداية الخاصة به، أما شهرته العالمية فهي النساء، يلقين أنفسهم بطريقه راغبين به فجاذبيته لا يختلف عليها اثنان وكرمه معهن يجعلهم يزحفون خلفه، اختفى عامان من حياته ببداية الثلاثينات لا يعرف عنهم أحد شيء وعندما عاد اندفع لتلك الحياة العابثة أكثر وأكثر..

اليوم لم تملك عنه أكثر مما عرفت وهي كانت على حق بأن كلاهم يفر من المواجهة وكما بحياتها ماضي ملوث لا ترغب بذكره هو أيضا لديه ما يجعله يفر منه وربما هو سبب انغماسه بالحياة العابثة

لم تستطع إخفاء اللون الأزرق على ذراعها نتيجة قبضته وبلوزتها الزرقاء بلا أكمام والبنطلون القماشي يناسبها، تحركت للمطعم حيث كليف يدخن ويتناول القهوة فقالت "صباح الخير كليف"

جلست وهو يبتسم لها ويجيب "صباح الخير بيري تأخرتِ اليوم"

تبعها الرجل بالإفطار وهي تقول "تأخرت بالنوم أمس أين هيلين؟"

أشار للألعاب وقال "مع بوسي بالألعاب"

وفجأة انطلقت عيونها لذلك الجسد الرائع الذي يتقدم منهما بلباس البحر معلنا عن صدر عريض وأكتاف متناسقة وعضلات بطن واضحة من أثر الرياضة مع خصر نحيف وساقين ارتسمت العضلات عليهم بوضوح، جسد مثير للإعجاب حقا مع المياه التي تتساقط منه وخصلات الشعر المبللة تتناثر على جبينه أرادت لو ترفع يدها وتبعدها وتعجبت هل حقا يملك تسعة وثلاثين عاما؟ 

"صباح الخير"

جلس بجوار كليف الذي ضحك وقال "ما هذا؟ منذ متي وأنت بالبحر؟"

تجولت عيونه على ملامحها المتعبة بوضوح وهي تخفي عيونها بالطبق وسمعته يقول "منذ السابعة كليف أين هيلين؟"

رد الرجل "مع بوسي بالألعاب"

رن هاتف كليف فأخرجه ثم شتم وهو يقول "لابد أن أرد"

ونهض مبتعدا فأشار زهير للرجل الذي وصل بأطباق الطعام والقهوة له فقال "أعتذر عن هذا"

رفعت رموشها السوداء عن عيونها فواجهت نظراته وأصابعه البرونزية تشير لذراعها فأخفضت رموشها مرة أخرى وقالت "حسنا"

تناول الكرواسون وقال "بشرة حساسة مع رجل لا يملك أي ذوق"

تراجعت بالمقعد وهي تنهي الإفطار وتناولت كوب القهوة دون أن تنظر له وقالت "لقد قبلت الاعتذار سيد زهير"

ظل ينظر لها وتوقف عن الطعام وهو يكتم غيظه دون التصريح به حتى أخرج صوت بدا هادئا وهو يقول "لماذا؟"

واجهته أخيرا وقد لمعت عيونها بنور الشمس وبدت أجمل مما هي وهي تبدي دهشتها وقالت "لماذا ماذا؟"

أنهى الطعام وأخرج علبته ليشعل سيجاره الغريب ولقد أعجبتها رائحته ثم عاد لها وقال "سيد"

احمر وجهها من معنى كلماته وهو يكمل "تعلمين أن الألقاب هنا لا معنى لها وأظن أننا تعارفنا من وقت يسمح لنا بتجاوزها وبصراحة أنا لا أحب طريقتك بنطق سيد هذه"

ظلت تنظر له وتحولت لضيق من كلماته عندما نهض وقال "أحتاج لحمام وارتداء ملابسي، أراكِ على حمام السباحة ألا تسبحين؟"

الأحمر ذهب وتحولت للأصفر فضاقت عيونه لتبدلها وهي تبعد وجهها وتجيب باختصار يزعجه "لا"

الصمت سيطر عليهما للحظة قبل أن يتحرك للغرف ورمشت عيونها بدمعة مسحتها وهي تنهض بضيق وتحركت للألعاب ربما تهون الفتاة الصغيرة عليها أحزانها..

نظرات النساء من حولها جعلتها تدير رأسها باتجاه عيونهم لتراه يتقدم تجاهها ببنطلون رياضي قصير محكم على عضلات فخذيه وتي شيرت أبيض شفاف مضبوط على كتفيه وصدره وشعره انجذب للخلف بطريقة مثيرة للإعجاب، مرة أخرى تتساءل هل حقا ذلك الرجل يملك عمره هذا أم أنها إشاعة؟ 

أبعدت عيونها لبوسي التي نادتها فابتسمت للفتاة عندما طار عطره الذي حفظته لها وهو يقول بمرح "مرحبا بوسي، هل تستمتعين؟"

هتفت الفتاة الصغيرة بسعادة "بالتأكيد عمي زهير، هل ستنضم لنا؟"

ألقى نظرة جانبية على فتاته التي تتجاهله بشكل يثير جنونه ثم عاد للصغيرة وقال "ربما، أين ماما وبابا؟"

ما زالت لا تقوى على النظر له وهو بتلك الجاذبية التي لا يمكن مقاومتها والفتاة تجيبه "ماما تجلب لي عصير ولا أعلم أين أبي"

وأخير قال "أرى أنكِ لا ترحبين بوجودي"

أدركت أنه يخاطبها فقالت "ولماذا لا أفعل؟"

انحنى ليقترب من أذنها وقال "اتفقنا على البسين"

رفعت جانب وجهها له لتلتقي بعيونه الرائعة وانسحبت منها الكلمات وهي تغوص داخل زرقة عيونه وبسرعة قطعت النظرة وقالت "أنا لم أفعل، أنت تلقي أوامرك ولكن ليس علي تنفيذها"

غاظته أكثر فاعتدل للحظة قبل أن يقول "وما معنى ذلك؟ عدم صحبتي لأنها أوامري أم لدي فرصة لو طلبت التحرك معي لمكان آخر بشكل أفضل؟"

ساعدت بوسي لامتطاء اللعبة ثم التفتت له لتواجهه وقالت "مكان آخر؟"

استقبل عيونها باهتمام وقال "لدي مطعم بمكان ساحري وظننت أننا يمكننا الذهاب للاستمتاع به وتناول الغداء"

لا تعلم لماذا لم ترغب بالرفض وشعرت أنها لو فعلت فهي تعلن عن رفضها فعلا لصحبته، سمعته يقول بنبرة نافذة الصبر "والآن ماذا؟ هل نذهب؟ أعدك أن أكون جنتلمان"

حاولت ألا تبتسم لكلماته وهزت رأسها بالموافقة وقالت "فقط ننتظر حتى تعود هيلين"

صوت هيلين جعلها تلتفت وهي تسأل "وها أنا عدت، ماذا هناك؟ أهلا زهير"

حياها وقال "سنذهب لتناول الغداء، أخبري كليف أننا سنعود قبل السابعة"

وفجأة قبض على يدها وجذبها دون أي كلمات ونظرت لهيلين ولكنها انتبهت لابنتها فعادت تنظر له كي لا تتعثر خلفه وهي تقول "هل تترك يدي يمكنني أن أسير بمفردي"

لم يفعل ولم يبطئ من خطواته وهو يتحرك خارج المنتجع لترى سيارة مكشوفة حديثة جدا حمراء اللون فتح لها الباب وقال "أعلم، تفضلي"

نظرت له وقالت بضيق "كف عن إجباري على فعل الأشياء أنا لا أحب ذلك"

انحنى عليها مقربا وجهه منها وقال "لا تعارضين كل متعة يمكنك الحصول عليها لمجرد أنها معي، أنا لا أحب ذلك"

كادت تضحك من طريقته وهو يقلد كلماتها ففرت لمقعدها كي لا تضحك بوجهه، أغلق بابها وتحرك لمكانه وانطلق بالسيارة بسرعة جعلت خصلات شعرها تتطاير حول وجهها وقالت 

"ألا تقلل السرعة؟"

نظر لها ثم عاد للطريق وقال "لا، أحب الطريقة التي يتطاير بها شعرك حول وجهك من الهواء"

نظرت له وما زالت تبعد خصلات شعرها عن وجهها والدهشة تعلو ملامحها فأكمل "لا مجال لأن تصفعيني لكلمات الغزل الآن وإلا قتلنا بحادث مروع"

ابتسمت وأبعدت وجهها ولكنه التقط ابتسامتها فقال "هل هو رفض للابتسامة بصفة عامة أم أيضا لأنكِ معي؟"

لم تنظر له ورفضت أن تضحك مرة أخرى وقالت "كف عن ذلك"

ابتسم ورفع يده دون أن تنتبه وجذب رباط شعرها لينطلق متطايرا فالتفتت وهي ترفع يدها والدهشة تلفها وشعرها يكاد يغطي وجهها وهي تهتف "ماذا تفعل؟"

قال بثبات "أحرر جزء منك"

تجمد وجهها عليه من كلماته فالتفت لها ورأى عيونها من بين شعرها فأبعدت وجهها وهو يقول "نحن خرجنا للاستمتاع بريهان، يمكنك أن تفعلي وبالليل يعود كلا منا لطريقه وانسي ما كان فقط دعينا الآن نلهو دون قيود"

عادت تنظر له وقالت "هل كل حياتك هكذا؟"

لم ينظر لها ولم يجيب لوهلة ثم قال "أعتقد أنك تملكين إجابة مذهلة عني أليس كذلك؟"

أبعدت شعرها ولم تبعد عيونها عنه وقالت "هل أنت تفعل المثل تجاهي؟"

ضحك بصوت مرتفع أذهلها حتى انتهى وقال "حقا أنتِ امرأة لا مثيل لها"

عضت شفتها السفلى من جهلها بمعنى كلماته وأبعدت وجهها فقال "لا"

التفتت له مرة أخرى فواجه عيونها وأكمل "لا بيري أنا لا أملك عنكِ أي إجابة أخبرتك بالأمس أني أريد أن أعرفك لأنه ببساطة لا يوجد عنكِ أي شيء، ورقة بيضاء كلون بشرتك، مدير مكتبي عجز أن يجد عنكِ أي شيء فقط أخت الجبالي"

زادت دهشتها وهي تواجهه وقالت "هل بحثت عني؟"

هدأ السيارة وهو يدخل مطعم زجاجي على جبل مرتفع والمكان من حوله رائع حقا، رفض الإجابة على سؤالها وهي نست السؤال وهي تتأمل ما يحيط بها بإعجاب وسمعته يقول 

"لدينا حجز باسمنا لنمضي اليوم كله، المكان هنا جديد يمنحك خصوصية بكل شيء"

نزلت وقد وصل لها وبدون انتظار موافقتها قبض على يدها وكأنه حق مكتسب ولا يسمح لها بالاعتراض فقالت "أنت تصر على ذلك"

لف رأسه تجاهها وقال بعيون تتحداها "أنتظر أن تمنعيني"

عيونها أخبرته بأنها لا تملك القوة لتفعل وتورد وجنتيها جعله يصر على ما يفعله، لن يتوقف ولن يمنعه أحد من اختراق جدران تلك المرأة وإذابة جليدها

يتبع 

             الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول الجزء الثاني من هنا 


تعليقات



<>