رواية جمال الاسود الفصل الحادي والثلاثون31والثاني والثلاثون31 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية جمال الاسود الفصل  الحادي والثلاثون31والثاني والثلاثون31 بقلم نورا عبد العزيز


دلف "جمال" إلى مكتب المقدم ودُهش عندما رأي "مختار" جاء لمقابلته، أخذ نفس عميق بهدوء وأتجه نحوه وكان المكتب فارغًا ليس به سواهما، تحدث "جمال" بنبرة باردة:-
-جاي شماتة ولا عشان تثبت انها عملتك

تبسم "مُختار" بسخرية وعينيه تفتك بـ "جمال" وهو يقف أمامه بأيدي مُقيدة فى بالأصفاد ثم قال بجدية:-
-بصراحة عشان أشمت فيك شوية وأقولك على خبر عندي مش عارف هيعجبك ويرجعك للماضي والليلة أياها ولا أنت نحست ومش هيأثر فيك

جلس "جمال" على المقعد المقابل له ثم وضع قدم على الأخري بغرور فلم يعطي لـ "مختار" تلك النظرة التي يريد رؤيتها ولم يترك له فرصة حتى يراه مُنكسرًا امامه وقال:-
-أنا جمال المصري لا عاش ولا كان ولا لسه أتخلق اللى يشمت فيا ويوم ما يحصل مش هيكون نجس زيك... متطمنش أوي كدة

قهقه "مختار" ضاحكًا على غرور هذا الرجل ويخفي غضبه من هذه النظرة القوية والتحدي الذي يراه فى عيني "جمال" كأنه جبلًا لا ينحني نهائيًا، قال:-
-طب بلاش تتغر اوى كدة... ألا صحيح مريم عاملة أيه؟ 

حدق "جمال" به بوجه عابس جاد بعد أن ذكر اسم "مريم" على لسانه وقال بحزم شديد:-
-مالكش دعوة، بس أكيد بخير طول ما هي بعيد عن الشياطين اللى زيك

تبسم "مختار" بعد أن وقف من مكانه وأغلق زر سترته وحدق بوجه "جمال" الثابت لم يهتز له شعرة واحدة من رأسه وقال بأستفزاز:-
-معقول خافوا على مشاعرك لدرجة أن خافوا يقولولك أن مريم أتخطفت...

وقف "جمال" من مكانه بذعر ليتابع "مُختار" بسعادة تغمره بعد أن رأي خوف هذا الرجل أخيرًا وقد حقق مراده من هذه الزيارة يقول:-
-مراتك عندي يا جمال، فاكر زمان.... ليلي والليلة إياها... أنت خدت مريم مني عافية وأنا هأخدها وهي على ذمتك 

مسكه "جمال" من لياقة قميصه بالقوة وكاد أن يفقد أعصابه وعينيه تبث نار من وقوع زوجته فى قبضة هذا الرجل وقال بتهديد واضح:-
-جرب تلمس من مريم شعرة ...

قاطعه "مُختار" بنبرة ساخرة بعد أن أبعد يديه المكبلة بالأصفاد الحديدية قائلًا:-
-أيه هتدخل فيا السجن ما أنت فيه ... أنت خدت مني كثير يا جمال وأنا بقي هأخد مريم منك...

خرج من الغرفة تاركه هنا سجينًا لا يقوى على فعل شيء، فتح باب الغرفة ورأي "راغب" و"شريف" قد وصلا فتبسم بسخرية على محاولة أثبات براءته وجميعها ستصب فى الفشل....

____________________________  

كانت "مريم"سجينة بهذه الغرفة، غرفة نوم فاخرة فى الطابق الثاني من هذا المكان، حاولت فتح الباب لكنه كان مُغلقًا من الخارج والنوافذ محاطة بالحيط لم ترى منها شيء سوى حديقة خضراء، حاولت التماسك والثبات على هدوءها لتستطيع أن تفكر جيدًا وكيف تفر هاربًا من هنا....
فتح باب الغرفة فأستدارت "مريم" بذعر لكنها صُدمت عندما رأته أمامها وتملكها الخوف والذعر من رؤيته، أتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة ألجمتها حين رأت وجه "مُختار" أمامها، هذا الرجل الذي هربت منه كثيرًا وقتلته من داخلها عاد إليها الآن ليُذكر بتلك الليلة التى تعدي عليها به، تمتمت "مريم" بخوف مُتلعثمة فى الحديث بأقدامها التى تعود للخلف:-
-أنت عايز أيه؟

أقترب "مُختار" منها بإعجاب شديد وعينيه تتفحصها من الرأس لأخمص القدم، تقف أمامه مُرتدية بنطلون جينز فضفاض وتي شيرت أبيض اللون فوقه سترة من القطن الناعم طويلة تصل لركبتها وشعرها مُنسدل على الجانبين يصل لساعدها بطوله الحريري، مرر لسانه على شفتيه بإعجاب شديد بهذه الفتاة التى تزوجها ولم يرغب بها والآن بعد أن أصبحت زوجة لأخيه أصبح مجنونًا بها ويريدها، قال بخفوت ونبرة مُخيفة:-
-عايزك يا مريم

أبتلعت لعابها بخوف وصدمة ألجمتها من كلمته الجريئة وأغلقت سترتها بيديها  مُحاولة الأختباء من عيني هذا الرجل المُختل بخوف من كلماته وقالت مُتمتمة بصدمة:-
-أنا مرات أخوك!!

قهقه ضاحكًا من كلمتها كأن هذا السبب سيؤثر به أو يقتل رغبته بها، لم تدرك بأن شيطان مثله فى جسد بشري لن يهتم لهذا الأمر، فقط كل ما يُريده هو رغبته والحصول على ما يريده، زادت ضحكاته من خوفها وأرتجافها بعد ان أرتطم جسدها بالحائط يخبرها بأن لا مفر لها من قبضة هذا الرجل، وصل "مختار" إليها ليحيط بها مُحاصرها فى الحائط بيديه وأحدهما تتسلل إلى خصلات شعرها يلمسها بإعجاب ، دفعته "مريم" بأشمئزاز بعيدًا وقالت صارخة:-
-إياك تلمسني يا حيوان... على جثتي 

تبسم "مختار" على جراءتها ثم جذبها إليه بقوة لتبصق لعابها فى وجهه بقوة، مسح وجهه بضيق من هذا المرأة ثم صفعها على سهو دون سابق أنذار بقوة فخرجت منها صرخة قوية وهو ينهل عليها بالضرب والصفعات وكادت أن تفقد قوتها أمامه وسحب سترتها بقوة، بدأت تبكي بذعر وخوف شديد وهو يحيطها بذراعيه وأنفاسه القذرة تضرب وجهها بينما تضع يديها الأثنين أسفل رأسه تحاول أبعاده عنها، ضرب رأسها بقوة فى الحائط، توقفت "مريم" عن مقاومته من الألم الذي أصابها ونزفت رأسها بعد أن أصابها دوران قوي، تبسم "مختار" بسعادة عليها وأبتعد لتسقط "مريم" بلا قوة .. لا حول ولا قوة لها، أنحني ليحملها على ذراعيه ووضعها بالفراش وظل يتأملها وهى تحاول الصمود وتحريك جسدها للهرب من هنا قبل أن يقتلها هذا الرجل بما يريده، خلع "مختار" سترته بشهوانية وجلس على الفراش بجوارها، لمس وجنتها فأبعدت يده عنها بقوة رغم تعبها وفرت هاربة من الفراش ليبتسم "مختار" على محاولتها فى المقاومة ليبتسم وهو يقول:-
-بتحبي الفرهدة يا مريم

سار خلفها مُستمتعًا برؤيتها تهتز أمامه وتفقد توازنها فى خطواتها، وضع يديه فى جيوب بنطلونه ويسير خلفها ببطيء حتى وصلت إلي باب الغرفة وفتحت الباب وهى تهز رأسها بقوة محاولة التخلص من دوران رأسها ورؤيتها المشوشة، وصلت للدرج ونزلت به وهى تتشبث بالدرابزين بقوة حتى لا تسقط وتعرض طفلها للخطر، تمتمت بأسمه بخفوت خوفًا من هذا الرجل:-
-جمال... جمال

ظلت تُتمتم بأسمه وهى تصارع الماضي الذي يفتت عقلها القوية وتتذكر تلك الليلة الذي أخذها به ويكرر الآن فعلته، سمعت صوت "مختار" ينزل خلفها وهو يقول:-
-كفاية لعب يا حلوة

وصلت لنهاية الدرج وكادت قدميها أن تُلفت من الدرجة قبل الأخري لكنها سقطت على جسد دافئ صلب وقوي تعرفه جيدًا ورائحته تطمئن قلبها وتروض عقلها حتى تنتشله من الماضي تمتمت بأمان وطمأنينة:-
-جمال

طوقها بذراعيه بقوة حتى لا تسقط فسقطت بين ذراعيه كحورية التى هبطت على قلبه، سمع تمتمتها بأسمه وعينيه تقتل "مُختار" الذي يقف بمنتصف الدرج مُصدومة من رؤية "جمال" أمامه حرًا طليق ولا يعرف كيف خرج من السجن فهو تركه هناك منذ ساعتين سجينًا مكبل بالأصفاد، كانت عيني "جمال" كعقله وقلبه الذي يشتعلان نارًا وغضبًا من هذا الفعل، لا يصدق أنه إذا تأخر قليلًا كان سيصيبها أذي ويُعاد الماضي وربما يأذي طفله الموجود فى أحشائه، أزدرد "مختار" لعابه بصدمة من وجود "جمال" ولم يتمكن من أخفاء خوفه وذعر من "جمال" هذا الوحش الذي يقف أمامه...
كاد أن يتحرك لكنه صُدم من أرتخاء جسد "مريم" وكادت أن تفلت من يديه فاقدة للوعي ليتشبث بها أكثر بخوف عليها... 
مر رجال الشرطة من جواره للأعلي وقاموا بالقبض على "مُختار" بتهمة إختطاف "مريم"، نزلوا به ليتوقف عندما تحدث "جمال" بقوة ونبرة غاضبة:-
-أحمد ربنا أنه خدوك وألا كنت قتلتك بأيدي

حملها جيدًا على ذراعه وذهب بها للخارج حيث المُستشفي ليفحصها جيدًا ويتأكد من سلامتها هى وطفلها...

___________________________ 

"قصــــــــر جمـــــــــال المصــــــري" 

تحدثت "ولاء" بسعادة تغمرها قائلة:-
-يعنى جمال خرج؟

أومأ "حسام" إليها بنعم وعينيه تحدق إلى بوجه "جميلة" التى تنظر إليه بغضب سافرالتى تتحاشي النظر إليه من الغيظ، صعدت "ولاء" للاعلي بهدوء ثم قالت:-
-أنا هجي معاك يا حسام 

كاد أن يوقفها لكنها صعدت مُسرعًا للأعلي، قدم "حسام" يده إلى "جميلة" بمفتاح سيارتها وقال:-
-أتفضلي..

نظرت "جميلة" تجاهه بضيق ويديها متشابكين أمام صدرها لتري مفتاح سيارتها فى راحة يده ثم قالت:-
-وأخيرًا قررتوا تفرجوا عني

تنحنح بحرج ثم قال بنبرة خافتة:-
-مش إحنا اللى قررنا، دا أمر من جمال بيه وإحنا كلنا موظفين عنده ولراحتكم وحمايتكم.. أكيد حضرتك عرفتي اللي حصل لمدام مريم

مطت شفتها السفلية بتذمر على حديثه رغم أنها على ثقة بأن حديثه مُحق خصيصًا بعد وصول خبر إختطاف "مريم"، أخذت المفتاح منه بهدوء ثم قالت بضيق:-
-شكرًا..

ألتف لكي يغادر بهدوء لكن أستوقفه صوت "جميلة" تقول بهدوء:-
-ربنا يعوض عليك وخفف على قلبك

ألتف إليها بدهشة من دعوتها لأجله فقالت بحرج وهى تتحاشي النظر إليه بخجل:-
-عرفت من عاشور أنك طلقت 

أومأ إليها بنعم ناظرًا إليها رغم أنها تتحاشي النظر إليه بحياء شديد فقال:-
-شكرًا

غادر المكان لتبتسم على أستعادة مفتاح سيارتها وصعدت للأعلي لكي تستعد للخارج ...

_________________________ 

صُدمت "سارة" من خبر القبض على "مُختار" وأتسعت عينيها بصدمة ثم ألتفت إلي "نادر" الذي جاء بالخبر إليها فقالت بذعر:-
-أتقبض عليه... ليه؟ عشان مريم برضو

تبسم "نادر" إليها بهدوء ثم قال:-
-اه، مش دى كانت خطتكم برضو تخطفوها وتخلوها تحمل وتلبسوا العيل لجمـال 

جلست "سارة" على مكتبها بضيق شديد من هذا الأمر ثم قالت:-
-دا مجرد فخ عشان جمال يحس بالخطر على مريم، تفتكر أننا منعرفش أنه خد باله من الرجالة اللى بيراقبوها، خطتنا أن جمال يشوف الناس بتراقبها فيمسك فيها أكثر عشان ميشكوش فى العيل لما تحمل، لكن مكنش هنفذ... لكن هو راجل طفس زيك كدة بالظبط

تبسم "نادر" إليها بإعجاب وأقترب خطوة منها ليحيط ذراعيها وظهرها بذراعه فدفعته بعيدًا عنه بتذمر من ما يفكر به وقضاء ليلة معها فقط وقالت بضيق:-
-دا اللى فالح فين؟ قولتلك خلصني منه تقدر تقولي دلوقت هتعمل أيه؟ هتخش تقتله جوا السجن

تبسم "نادر" ويديه تلمس خصلات شعرها بدلال وقال بنبرة دافئة:-
-دا اسهل من السهولة موته جوا السجن، أنت فاكره أنه قاعد فى جامع وشيوخ مبيصبوش فرض دول قاتلين قُتلة وأسهل ما عليهم يقتلوه ويقولوا أنه أنهما كانوا بيتخانقوا يا حياتي

نظرت "سارة" إليه بإعجاب شديد لعقله وأفكاره الخبيث، تبسم "نادر" بعد أن رأي فى وجهها بسمة الإعجاب بفكرته وترحيبها به، رفعت "سارة" يدها إلى صدره تداعب زر قميصه بدلال مُفرط وقالت:-
-يعنى هتخلصني منه يا عمري

أشار علي عينيه بلطف وطاعة إليها تام بسبب أبتزازها له من أجل إيصالات الأمانة وقال:-
-من العين دى للعين دى يا حياتي

تبسمت إليه ثم فتحت يدها أمامه فنظر إليه ثم تنحنح بهدوء وأخرج من جيب سترته اوراق لتنظر إليها وكانت تذكرة طيران من أجل "حازم" وجواز سفر إليه فقالت:-
-برافو عليك 

أعطته إيصال واحد من إيصالات الأمانة التى أخذتها منه، نظر "نادر" إلي الإصال ليتأكد من أصله هذه المرة فقالت بجدية:-
-بقيت شكاك 

نظر إليها بسخرية ثم مزق الإيصال إلى إشلاء وقال بتهكم:-
-اللى أتلسع من الشوربة بينفخ فى الزبادي وأنا جربتك مرة، هتدينى الباقي أمتى

نظرت إليه ببسمة خبيثة ثم قالت:-
-لما أبطل أحتاجك وتعملي اللى عايزاه... إحنا جينا لوقت الجد

وقفت من مكانها وسارت نحو البار بهدوء وسكبت كوب من الخمر لتأخذه فى يدهان قالت بعد أن أستدارت إليه:-
-أنت متعرفش أنا أستنيت اللحظة دى قد أيه؟ لحظة لما تقابل عدوك وتوصل لهدفك الحقيقي، سنين وسنين وأنا مستنية عشان أرد الدين والقلم اللى خدته عشرة منه ... 

كان الغل والحقد والكره فقط من يحتلون عينيها ممزوجين بالألم والقسوة والدموع اللا سبيل لها من الفرار بسبب الوجع الذي يجتاح عقلها وقلبها وروحها المُقتولة بداخلها، كبركان مُلتهب وصل لأقصي درجات الغليان وحان وقت الأنفجار وحرق الجميع بناره المُشتعلة.....

____________________________ 
   
طمأنه الطبيب على صحتها هى وطفلها، ولج "جمال" إلى الغرفة بهدوء ليراها جالسة فى الفراش ورأسها عليها لاصقة طبية على يسار جبينها الجميل، سار نحوها بعد أن رسمت بسمة على شفتيها وما زالت "مريم" لا تستوعب أنها تراه الآن أمامها وقد خرج من سجنه، جلس "جمال" أمامها بحب يتطلع بها حتى قالت:-
-أنت خرجت بجد؟ حمدًا لله على سلامتك يا حبيبي

تبسم إليها بلطف ثم أخذ يدها إلى يده بهدوء ثم نظر إلى عينيها اللامعتين بحب وقال:-
-أنا قولتلك عديهم على أيديك يا مريم ثلاثة أيام بالعدد

لم تفهم كيف كان يعلم بيوم خروجه أعتقدت بأنه يصبر قلبها على مصيبته لكي يخفف من ضغطها وخوفها، تبسمت "مريم" إليه بحب ثم قالت:-
-وأنا صدقتك ووثقت فيك.. أزاى عرفت مكاني عند مختار؟

أأخبرها بالتسجيل الذي حصل عليه "شريف" من "حازم" مقابل إنقاذ "تقي" والذي كان يحتوي على خطتهم وبعد أن فتح الهاتف لكي تسمع جيدًا بأذنها "سارة" تقول:-
-إحنا هنأخدها لدكتور معرفة هيعملها عملية حقن ونحط العين من مختار ونلبس العيل لجمال لحد ما يجي الوقت الصح وتورث جمال بذمتك فى أكتر من كدة

 إجابها "نادر" بهدوء قائلًا:-
-وهتخطفي مريم وتعملي العملية وجمال هيقف يتفرج

ضحكت "سارة" بسخرية شديد وأجابته بخبث شديد:-
-مش بقولك غلبان، جمال دلوقت عارف أننا بنراقب مريم وإحنا تعمدنا فعلًا أننا نعرفه بدا عشان بس يحاوط عليها لحد ما ننفذ خطتنا إحنا

تسأل "نادر" ليُجيب "مختار" بهدوء:-
-جمال قتل ليلي وأنا معايا الدليل وهنقدموا للنيابة بعد شهر من جوازه ولما يتقبض عليه هنقدر نخطف مريم وهو مسجون وعاجز، عشان لما تقوله أنها حامل ميشكش فى الحمل

أتسعت عيني "مريم" على مصراعيها وهى لا تصدق قذرة هؤلاء وكم وحشيتهما فتمتمت بعيني باكية:-
-دول لو شياطين مش هيفكروا كدة، أزاى دا ممكن يكن أخ .. دا لو أبن حرام مش هيكون بالشر دا كله 

جفف "جمال" دموعها بأبهاميه بلطف  وهول الصدمة التى أصابها واضحًا فى رعشتها، قال بدفء:-
-أهدئي يا مريم أنا هنا، ومحصلش حاجة عشان كدة مكنتش عايزك تقولي لحد أنك حامل، كنت عايز أمسكهم مُتلبسين وأخلص منهم 

سألته بخوف شديد من هؤلاء وبقائهم فى الخارج أحرار:-
-طب ليه متسلمش دا للبوليس وتثبت التهمة عليهم ويقبضوا على سارة واللى معاهم 

تبسم بخبث وغضب شديد يحتل عقله من فعل هذا ثم قال:-
-دول السجن رحمة ليهم أنا لو بأيدي هخلي راغب يترافع عنه ويطلعه عشان بس أنتقم منه بأيدي 

توقفت "مريم" لحظة عن التفكير وأبعدت يد "جمال" عنها بذعر ثم قالت:-
-لحظة، لحظة... أنت كنت عارف أنهم هيسجنوك ويخطفوني وحتى محاولتش تحميني بل بالعكس سمحت ليا بالخروج عادي ... جازفت بيا وبأبني

نظر "جمال" إلى غضبها الذي ظهر وحدقت بيه بأنفعال مُغتاظة من فعلته، حاولت تهدئتها قبل أن تغضب وتسوء فهمه فقال:-
-مريم، مستحيل أجازف بيكي، أنا كنت عايز أحاول أحط حد للخوف اللى عايش فيه معاكي وأنا حاسس أن دائما حياتك معرضة للخطر..

قاطعته "مريم" بضيق شديد من كلماته وتفكيره وهى لا تقوي على سماع مبرر منه أكثر قائلة:-
-روحني

نظر "جمال" إليها بحيرة من أمرها ثم غادرا المستشفي بهدوء معًا وكلا منهما ينظر إلى النافذة مُتجاهل الأخر، سألته "مريم" بنرة حادة بعد أن قتلها التفكير وأفكار عقلها:-
-عرفت منين أنك هتطلع؟

تنحنح بحرج ولم يجيب علي سؤالها بل نظر إليها بهدوء ثم قال:-
-مريم أنا عايزك تعرفي حاجة واحدة، أنا مبحبش غيرك ولا بحب حد قدك 

شعرت بشيء غامض فى نبرته فهى لم تسأله عن مكانتها ولم تسأله إذا غُرم بغيرها، فتحت فمها بقلق ثم قالت بحيرة:-
-أنت في حاجة مخبيها عني تاني غير أنك عرضتني أنا وابنك للخطر، فى الحقيقة أنا فكرت كتير وأكتشفت أنى سألت أكثر من مرة ليه أخبي حملي وليه بتراقبي وبتزد الحراسة عليها ولا مرة قولتلي على نواياهم كأنك مش واثق فيا عشان تقولي حاجة زى دا

هز رأسه بلا بقلق أكثر وقال:-
-لا يا مريم أنا مبثقش فى حد غيرك وأنتِ عارفة دا، أنا قدمتلك قلبي وروحي وعمرى وتعب سنيني وقبلت أنك تحملي مني، أنتِ فاكرة أنه سهل أني أخذ خطو الجواز من تاني او أثق فى ست بعد اللى حصل لكني وثقت فيك لأنك مريم، خدت الخطوة دى عشان مريم وحبيتك وأتغيرت عشانك وأنتِ تشهدي على دا، مستحيل أكون مبثقش فيكي وأنتِ عارفة أكثر من أى حد أنى لو مبثقش فيكي مش هنام جنبك فى سرير واحدن أنا بأمنك على روحي وحياتي وبأخدك فى حضني عايزة أيه أكتر من دا عشان تعرفي أني بثق فيكي وبحبك 

صمتت أمام حديثه، شعرت بصدق كل كلمة يتفوه بها وعينيه التى تقسم بهذا الحب فى دفئها ونظرتها اللامعة، أفاسها ونبرته كفيلين بأن تصدق هذا القسم، تمتمت بهدوء وعينيها تنظر إلى النافذة هاربة منه:-
-على أساس أنى سألتك بتحب غيري ... لحظة لحظة أنت أتجوزت عليا

قالتها وهى تستدير كي تنظر إليه فضحك بعفوية على حديثها ثم وضع رأسه سريعًا على قدميها، خجلت من فعلته ونظرت إلى "صادق" الذي يقود السيارة بهما فقال بلطف بعد أن أخذ يدها فى قبضته ووضعها على صدره:-
-هو عارف أنك مراتي

تنحنحت بحرج وعينيها تحدق فى الطريق، قال "جمال" بنبرة ناعمة:-
-أنا هموت وأنتِ مراتي الوحيدة يا مريم مستحيل تشاركك فيا واحدة تانية أقسم لك

نظرت إليه ببسمة خافتة تحاول إخفائها والتشبث بغضبها وموقفها، قالت:-
أصلًا جرب تعمل غير كدة وأنا هقتلك أنت وهى ومتقلقيش عليا من بعدك أنا هقتلني وراكم، لتكون فاكر أني ممكن اسيبكم فى الأخرة

ضحك بعفوية أكثر عليها ليقول بحب:-
-بتعجبني غيرتك، أحمدي ربنا أن صادق موجود وإلا .....

تنحنحت بحرج من كلماته ثم وضعت يدها على فمه تمنعه من الحديث تمامًا أمام سائقه، وصلت السيارة للقصر ثم ترجل "جمال" أولًا وأخذ يدها وقبل أن يدخل القصر قال بهدوء:-
-مريم، أنتِ بتثقي فيا؟

أومأت إليه بنعم، دخلوا معًا للقصر لتستقبلهم "حنان" وكان وجهها شاحب كأنها مريضة أو تحمل حزام متفجرات حول خصرها، قبل ان يسير للداخل توقف أمام الدرج وقال بحيرة:-
-مريم أنا عايز أقولك حاجة الأول...

تبسمت "مريم" بعفوية غليه وتحدق به ناظرة إلي عينيه مباشرة مُنتظرة الحديث، كاد أن يتحدث لكنها سمعت صوت أنثوي من الجوار يقول:-
-أنت جيت يا جمال؟

ألتفت "مريم" نحو الصوت الجديد على أذنيها فأغمض "جمال" عينيه بخوف من الصدمة، حدقت "مريم" بهذه المرأة وكانت امرأة سمينة قليلًا وتحمل عيني بنية وشعر ذهب مموج يصل لمنتصف ظهرها، بشرة متوسطة البياض وحواجب رفيعة ووجهه مُمتليء بوجنتيها التى تشبه التفاحتين وتضع مساحيق التجميل، قالت بهدوء وبسمة على شفتيها بتكلف:-
-مين دي؟

لم يجيب "جمال" ووضعت "حنان يديها على وجنتها بخوف من القادم، ظلت "مريم" تنظر للجميع على أن يتحدثوا ويخبرها عن ماهية هذه المرأة الموجودة فى منزلها لتُصدم عندما قالت المرأة بنفسها:-
-أنا ليلي قاسم البنهاوي

أتسعت عيني "مريم" على مصراعيها بصدمة ألجمتها وأرتجفت شفتيها من هول الفوغ الذي أصابها وقبل أن تتفوه بكلمة جاءت فتاة من الداخل طفلة بعمر الخامسة عشر عامًا وتركض نحوه قائلة :-
-بابي...

أستدارت "مريم" بصدمة إليه وقالت بتلعثم لا تستوعب شيء:-
-بابي !! .....


الفصل الثـــاني والثـــلاثــــــون ( 32 )

مهما كانت القوة التى يمتلكها الرجل والسلطة والمكانة سيظل الشيء الوحيد الذي يخشاه فى عمره كاملًا هو نظرة غضب من امرأته،نظرت "مريم" إليه بأندهاش شديد من هذه الفتاة التى تسير نحوهما ورغم قوته وجبروته الذي شهد الجميع به إلا أنه أرتعب من نظرتها التى لفحته للتو برياح عاصفة عينيها الهلاكية، هز رأسه بلا ويديه تشير إليها بالرفض ويقول بأرتباك:-
-مش أنا، أقسم لك مش أنا..

أشار على "عاشور" الذي يقف على باب القصر خلفهما ومرت الفتاة من جوارهما لتركض إلى "عاشور"، تطلعت "مريم" به بأنفعال وكأن هذا الشيء سينقذه من غضبها، سارت نحو الفتاة وقالت:-
-أنتِ بنته؟

أومأت الفتاة ببراءة إليها بنعم فعقدت "مريم" يدها أمام صدرها بغضب وهى لا تثق بشيء الآن وقالت ببرود:-
-أثبتي!!

نظرت الفتاة بأندهاش إلى "عاشور" والدها بعدم فهم لهذه المرأة ثم أخرجت هاتفها لتظهر لها صورة الخلفية الخاصة بها لها هى ووالدها، تنحنح "جمال" بحرج شديد من فعل زوجته بينما أستدارت "مريم" إليه تحدق بـ "ليلي" ببرود وهى تحاول تهدئة أنفاسها لتسيطر على حالها قبل أن تنفجر كالمجنونة وقالت:-
-حصلني!!

صعدت للأعلي فتنحنح "جمال" بهدوء ثم همس بخفوت:-
-شوية يا مريم

ألتفت إليه وهى تقف بمنتصف الدرج بأنفعال منه ثم قالت:-
-تحب أنزل أتكلم قصادها

نظر إلى "ليلي" التى تقف هناك وصعد خلف زوجته مُتمنيًا أن ينقذه أحد من غضب زوجته الذي لم يراه من قبل بلغ هذه الدرجة، دلفت إلى جناح نومهما ووقفت صامتة حتى ولج هو الأخر وأغلق الباب ثم قال:-
-مريم.....

قاطعته بصراخ مُنفعلة كالمجنونة التى سحبت مفتاح القنبلة اليدوية لكي تنفجر للتو فى وجهه قائلة:-
-مريم!! والله أنت عايز تموتني ولا تجلطني.. لدرجة دى مبتثقش فيا يا جمال، كل مدي تثبتلي أني لسه معرفكش، ليلي وعايشة والله وأيه كمان لسه بتخانق معاك على اللى عملته وأنك خبت عليا قبل ما يعدي ساعة تصدمني بحاجة جديدة

قاطعها "جمال" بنبرة هادئة محاولًا إلا يثير غضبها اكثر:-
-أنا مقولتش أنها ماتت ولا قولتلك أنك أول واحدة فحياتي لكن أقسمت لك أنك الوحيدة، أنا ملحقتش أقولك ..

كادت أن تفقد أعصابها أكثر وقالت بسخرية:-
-ملحقتش تقولي... تنكر أنك كنت ساكت كل الأيام اللى فاتت دى عشان عارف أنها عايشة وهتخرج منها.. أنا أكيد فرحانة أنك خرجت لكن أنا بتكلم فأنك خبيت يا جمال عليا... خبيت بقصد كان ممكن تقولي أنها عايشة وأنك مستنيها تيجي تخرجك لكن متحطنيش قصاد الأمر الواقع وألاقيها فى وشي، أنا لو عندي سبب واحد يخليك تعمل كدة فهو أنك مبثقش فيا ومش قادر تستأمني على أسرارك 

أقترب "جمال" منها أكثر ثم أخذ وجهها فى يديه بهدوء وجعلها تنظر إليه مباشرة ثم قال:-
-أنا لو بثق فى حد فى حياتي كلها فهو أنتِ، أنتِ واثقة من دا متحاوليش تكذبي كذبة وتصدقيها، لو مكنتش بثق فيكي مكنتش أستأمنتك على روحي يا مريم ولا سلمتلك قلبي، أقسم لك أن السبب الوحيد اللى خلاني مقولكيش هو أنى بحبك

أبعدت يديه الأثنين عنها بقوة مُنفعلة من كلمته ثم قالت:-
-بتحبني!! أنت لو بتحبني مش هتحطني فى موقف زى دا، أه أنا مكنتش أعرف أني الاولي وخدعتني عشان كدة كان لازم تقولي أنها عايشة وأنها مراتك....

-طلقتي يا مريم
قالها بحزم كأنه قبل منها كل شيء وصراخها فى وجهها لكن هذه الكلمة غير مقبولة لديه نهائيًا، أغمضت عينيها بنفاد صبر من عناده فى الجدال معها وقالت بعد ان نظرت إليه بحزم ونبرة صارمة:-
-أى أن كان طليقتك!! كان لازم تقولي... جمال أنا حكايتك كل حاجة فى حياتي وأوجاعي ودموعي وقهرتي ووريتك اللى حمزة عمله فيا...أنا عريتنى كلي قصادك، بقيت أنا وأنت واحد لكن فى المقابل أنت عملت أيه..

ظل صامتًا أمام حديثها الذي جلب الدموع تتلألأ فى عينيها من القهرة والحزن الذي أصابها والخذلان الذي لطمها "جمال" به، تابعت "مريم" ببكاء وحسرة على حالها مُشفقة على قلبها الحزين منه:-
-سكت.. المقابل أنك سكت يا جمال كل مرة أكتشف حاجة جديدة ولا مرة جيت تحكي ليا من نفسك على حاجة، كل مرة أتحط قصاد الأمر الواقع وأقبل وأتحمل وجعي وقهرتي وأقول معلش يا بت أعذريه بكرة يتغير ويجي لك جري ويفتح لك قلبه ويعري عيوبه وأوجاعه قصادك عشان تداويها بـ حُبك لكن لا ... لحد هنا وبس يا جمال كفاية أنا تعبت وأتقهرت وأتخذلت منك

أقترب منها بحزن لا يعرف كيف يخبرها بصراعه الذي يعيش به بداخله، ما زال بها جزءًا مُنهكًا من الماضي تمامًا ومعتم، لا يعلم كيف يطلب العفو منها على شيء خارج عن أرادته ليقبل عينيها الباكية بضعف وحزن شديد، قال بلهجة واهنة:-
-يلعني ربي لو قهرتك يا مريم، عارف أنى واجعك لكن وعزة مريم عندي اللى ما في أغلي منها وقسمًا بربي اللى عمري ما أقسم به كذب لو على موتي أن ما قصدت مرة أوجعك وما يهمني أبدًا فى الدنيا غير سعادتك 

تساقطت دموعها أكثر بعد أن رأت دموعها ولأول مرة تتجمع فى جفنه لأجلها وهذه الدموع وحدها كفيلة بأن تشفع له وتعفو عنه، تمتمت بوجع لا تقوي على تحمله:-
-أنا هديكي فرصة واحدة يا جمال... واحدة وبس تمشيها من تحت وتحكيلي كل حاجة مخبيها عني 

-همشيها بس شوية لأني عايز منها حاجة
قالها بهدوء محاولًا التحكم بدموعه قبل أن تتساقط، رفعت حاجبها بغيظ منه وجففت دموعها بأناملها بانفعال وقالت:-
-حاجة أيه؟

ألتزم الصمت أمامها لتتأفف بأختناق أكبر كأنه لم يفهم شيء من حديثها وما زال يخفي عنها الأشياء فقالت بعناد وتحدٍ:-
-براحتك يا جمال... لكن أطلع برا 

نظر إليها بأندهاش من كلمتها وطردها له فتابعت بغضب يجتاحها :-
-يحق لك تحتفظ بأسرارك لكن أنا كمان يحق لي أبعد عن راجل مبيثقش فيا.. ، أطلع برا يا جمال وأوضة النوم دى إياك تدخلها طول ما أنا فيا ونومك على الكنبة برا ... ما دام أختارت سرك العظيم عني

دفعته للخارج وأغلقت باب الغرفة فى وجهه ليظل واقفًا محله سر لا يقوي علي الحديث معها....

________________________ 

أوصلت "سارة" ابنها "حاوم" على المطار تحت التهديد مع رجالها لتعطيه الأوراق ثم قالت بتحذير شديد:-
-لحد ما أطلب منك ترجع، رجلك متتحطش فى البلد دى فاهم وأنا يومين كدة أخلص ورق الحلوة بتاعتك وهبعتهالك

-هتبعتيها؟!!
قالها وهو يشير بسبابته فى وجه والدته فقالت "سارة" بضيق شديد:-
-هبعتها عشان متتجننش فى عقلك وتنط هنا تاني

أومأ إليها بنعم ليغادر من أمامها، ظلت واقفًا أمام باب الدخول حتى تأكدت من رحيله وصعدت بسيارتها مع رجلها ورحلت من المطار....

_____________________ 

"قصـــــــــر جمـــــــــــال المصـــــــري"

وصلت "جميلة" بسيارتها من الخارج مساءًا وفتحت البوابة الإلكترونية الخارجية للقر لها، ولجت بها لكن أوقفها "حسام" لتفتح النافذة بهدوء ثم قالت بتذمر:-
-خير، إن شاء الله ما تكون عايز مفاتيح عربيتي عشان تحبسني تاني

-مقدرش يا فندم إحنا فى خدمتك
قالها بهدوء فحدقت به بهدوء وفضول لمعرفة سبب إيقافه لها فحتمًا يوجد سبب، قالت بجدية وحزم:-
-أيوة فى إية؟

تنحنح بحرج ثم اخرج من جيبه شيء ومد يده إليها به، نظرت إلى يد "حسام" وكان بها هوية عملها فأخذته بذعر قائلًا:-
-أنت لاقيته فين؟

-وقع من حضرتك فى الجنينة تقريبًا
قالها بهدوء لتؤمأ إليه بنعم ثم ترجلت من سيارتها وأعطته المفتاح، نظر إلى مفتاح سيارتها بأندهاش وهو لم يطلبه فقالت بجدية:-
-خلي حد يغير العجلة اللى وراء عشان نمت ويحط بنزين عشان عندي شغل الصبح

أومأ إليها بنعم فسارت فى الحديقة قدمًا هذه المسافة الطويلة إلى القصر، نظر "حسام" عليها وهى تسير بعيدًا بتعب من يومها الطول مع أصدقائها حتى سقطت على الارض ليركض لها بهلع مذعورًا مُعتقد بانها فقدت وعيها من التعب والأرهاق وفور وصوله إليها رأها تنظر للسماء تتطلع بالنجوم والقمر، تنحنح بحرج من ركضه إليها وكاد أن يغادر لكن أستوقفه صوت "جميلة" تُتمتم:-
-خليك 

أستدار إليها يحدق بها وهى نائمة على العشب مُرتدية بنطلون أزرق من القماش فضفاض وقميص أسود اللون بأكمام مُغلق وتدخله فى البنطلون وتضع حزام عريض من الجلد الأسود حول خصرها وشعرها مسدولًا بعشوائيًا على العشب حول رأسها، تحاشي النظر إليها بحرج وأحترامًا إليها وهى حرمة هذا البيت، ظلت تحدق فى السماء على النجوم وقالت:-
-طرت قد ما طرت ولكن بتفضل النجوم بعيدة من هنا ومن فوق، لكن من هنا أجمل كأن البُعد جميل 

وقف يستمع إليها بصمت فتابعت بنبرة حزينة مُستاءة من شيء بداخلها:-
-لو واحدة صحبتي من سنى كدة 31 سنة وجاليها عريس عنده 39 سنة دكتور ورئيس قسم فى كلية الطب ومتجوزش قبل كدة وعنده، معاه شهادات كتير وله أبحاث ناجحة ومسيرة عملية وعلمية ممتازة لكنها متعرفهوش تتجوزه؟؟

طأطأ رأسه هذه المرة بهدوء ثم قال بجدية:-
-مذكرتيش غير نجاحاته وشغله وشهاداته.. هى هتتجوز شهادات متعلقة على الحيطة ولا هتتجوز الإبحاث

تركت عينيها النجوم ونظرت إلى وجه "حسام" بحيرة من أمرها وظلت مُترددة ليقول:-
-العريس دا جاي لحضرتك صح؟

صمتت ولم تجيب عليه فتابع بجدية:-
-أنا جربت ومن تجربتي بقولك أنها مش بالشهادات ولا الشغل والنجاح، اه مطلوب أنه يكون ناجح وطموح لكن كمان فى حاجة أهم زى حنيته، التفاهم بينكم وأخلاقه وقبوله الفكري بشغل حضرتك وسفرك...

أغمضت عينيها بحيرة من هذا الأمر ثم قالت بنبرة خافتة دون أن تفتح عينيها:-
-ممكن تمشي

تنحنح بحرج شديد ثم قال برسمية:-
-عن أذن حضرتك... صحيح مدام ليلي كانت طالبة مني....

توقف عن حديثه من عينيها التى فتحت على مصراعيها من الصدمة من ذكر أسم "ليلي" وقالت:-
-ليلي!!

أومأ إليها بنعم وقال:-
-اه جوا جت من النيابة معانا على هنا

أتسعت عيني "جميلة" على مصراعيها وهى تعلم جيدًا ما حدث منها ولا تستوعب فكرة وجودها هنا مع "جمال" بماكن واحدة و"مريم" ماذا عنها؟، وقفت "جميلة" من مكانها لتحدق بعينيه مباشرة وقالت:-
-نيابة أيه؟ هي عايشة؟

-اه ما أنا مكنتش فى إجازة أنا كنت مع راغب بنجيبها من أسبانيا
قالها بجدية ولهجة باردة كأنه يلقي حجر نرد على طاولة ولا يعلم بأنه يلقي قنبلة نوع فتيلتها بلسانه، صرخت "جميلة" بذعر غير مستوعبة لشيء وقالت:-
-لحظة.. لحظة.. خليني أفهم، ليلي كانت عايشة فى أسبانيا وأنت روحت جبتها من هناك مع راغب المحامي عشان تطلع جمال من السجن 

أومأ إليها بنعم لتدرك أن صمت أخاها وأختفاء "راغب" كان من تخطيطه هو، حتى ظهور "ليلي" حية وتتنفس من ترتيبه، تمتمت بصدمة تحتل كيانها وأوقفت عقلها عن التفكير:-
-صحيح دا جمال المصري.. بتوقع منه أى حاجة

سارت للداخل بخوف شديد والفضول يقتلها لرؤية وجه هذه الخائنة ومعرفة موقف "مريم" زوجته؟ التى تقابلت اليوم مع زوجته الأولي وطليقته...

نزلت "مريم" من الأعلي غاضبة مُرتدية بيجامة من الحرير الوردي بأكمام وشعرها مسدولًا على ظهرها بحرية وقبل أن تنادي على "نانسي" سمعت "ليلي" تتحدث معها قائلة:-
-نانسي.. فين جمال

أجابتها "نانسي" ببرود شديد من وجودها الذي يسبب الحزن والألم لصديقتها "مريم" :-
-فى مكتبه ومبيحبش حد يزعجه وغير مسموح لحد يدخل أو يخبط عليه غير مدام مريم

-مالكيش دعوة أنتِ
قالتها "ليلي" ببرود وأستدارت لكي تذهب إلى المكتب لكن أستوقفها صوت "مريم" تقول بضيق:-
-قالتلك غير مسموح أيه مبتفهميش يعنى ايه مش مسموح لك

لفت "ليلي" إليها لكي تقابلها هذه الزوجة التى سمعت الكثير عنها من الخدم ورأتها على التلفاز والأخبار كثيرًا معه مؤخرًا، تفحصت "مريم" بعينيها وقالت ببرود:-
-خليكي فى حالك، وجمال هو اللى سمح ليا أقعد هنا وأفتكري أنى السبب اللى طلعوه من السجن، عن أذنك بقي عشان عايزاه

ألتفت لكي تغادر لكن أوقفتها "مريم" بعد أن مسكت ذراعها بقوة وقلبها يشتعل من الغيرة الممزوجة بالغضب الناري لتحولها هذه المشاعر المختلطة لفيضان بل طوفان سيقتلها...
-أياك تفكري تقربي من جوزي وأفتكري أنى قبلتك هنا فى القصر كام يوم ودا كرم منى عشان أنت ضيفة بس ضيفة تقيلة وبجحة
قالتها "مريم" بتحدٍ قوي وعينيها لا تتوقف عن الحدق بعيني "ليلي" بثقة وكبرياء، تبسمت "ليلي" بسخرية على كلماتها ونظراتها القوية ثم قالت:-
-بجحة، أعتقد أنك أسوء مني لما تقبلي تتجوزي واحد قاتل مراته بس مش غريبة عارفة الغريب أيه أنى حاسة نفسي واقفة قصاد جمال مش مريم 

رفعت "مريم" حاجبها بغرور شديد ثم وضعت ذراعيها أمام صدرها مُتشابكين وقالت بغرور ولهجة متغطرسة:-
-لأنه راجلي وأنا قوية بيه فـ متستهونيش بقوتي، أنا اللى يقرب من جوزى أكله بسناني وافرمه تحت جزمتي... لتفكري أنى هحزن وأندب حظي فى أوضتي وأقول دا بيخوني وجايب مراته.. تؤ أنسي أنا حبت جمال وأتجوزته ودخلت حياته وأنا عارفة أن كان فى قبلي واحدة خانته بقذرتها مش مصدومة بيكي يعنى ... وجمال حبيبي ميقتلش وأنا كنت واثقة أنه رماكي فى أى داهية بنجاستك لأنه مش قاتل..
 
شعرت "ليلي" بضيق شديد من هذه المرأة القوية التى تقف أمامها وتتحدث عنها بهذه الطريقة المُهينة وبكل جراءة، قضمت شفتها السفلية بضيق بأسنانها ثم قالت بأشمئزاز:-
-جوزى.. حبيبي..، خلاص عرفت أنكم غرقانين فى قصة حب مش محتاجة تكرريها ألف مرة فى وشي، لكن حاولي تتكلمي معايا بأحترام شوية ومتستفزنيش أكتر لأنك قولتي أنى بجحة وقذرة وخاينة ونسيتي حاجة متعرفهاش أنى حية ممكن أتلف حواليكي لحد ما أعصرك وأفرمك 
أقترب "مريم" منها خطوة اخيرة تفصلهن عن بعض وعينيها تمقن "ليلي" بأشمئزاز ثم قالت بتحدي دون خوف من تهديد هذه المرأة وبسمت ساخرة تنير وجهها:-
-جربي تهدديني ووقتها هتعرفي مين مريم.. أنا شوفت من أمثالك كثير فى حياتي من كل صنف ولون وعشت حاجات متتخيلهاش، بلاش أرد كل دا فيكي أنتِ لأنى مش هسمح لجنس مخلوق خلقه ربنا أنه يهدم بيتى وسعادتي ولا هسمح لحية زيك تقرب من جوزي

كادت أن تتحدث لتبتسم "ليلي" بهدوء بعد أن رأت "جمال" يقترب منهما وخرج من غرفة المكتب فألتزمت الصمت، تنحنح "جمال" بخوف من وقوفهما معًا وقال بهدوء اسمها:-
-مريم 

ألتفت "مريم" أليه ببسمة خافتة مُصطنعة تخفي غضبها منه ثم قالت بدلال:-
-حبيبي!! 

تبسم "جمال" إليها بتعجب فهى هجرتهى ومنعته من الأقتراب منها، سأل بقلق:-
-فى حاجة؟ نزلتي من أوضتك.... لحظة أيه اللي لابسة دا

توقف عن القل بغيرة تقتل قلبه وهو يراها بهذه الملابس رغم أن بيجامتها لم تظهر من جسدها شيء لكنها مخصصة لغرفة نومها فقط وتابع بحدة بعد أن وضع سترته القطنية على جسدها واكتافها:-
-قولتلك متخرجيش من أوضتك بالهدوم دي... عاشور وشريف بيدخلوا القصر

تبسمت "مريم" بدلال مُصطنعة وتزيف سعادتها أمام هذه الحية ثم قالت:-
-سورى يا روحي كنت نازلة أشوفك اتاخرت ليه؟

-كنت بخلص شغل وطالع
قالها "جمال" بلطف ثم أخذها من يدها وصعدوا للأعلي فتبسمت "جميلة" بسخرية وهى تقف على باب القصر بعد أن شاهدت كل ما در بين هاتان الأثنين وبدأت تصفق بحماس وأنبهار بقوة "مريم" وقالت بأمتنان شديد بينما تسير للداخل:-
-يييييس هى دى مريومة حبيبة قلب أخويامش تقوليلي حية

قالتها بأشمئزاز ثم صعدت للأعلي لتستشيط "ليلي" غيظًا من هذا المنزل الذي كان ملكها من قبل والآن هناك امرأة تشبهه كثيرًا تتحكم بكل شيء وغيرة "جمال" عليها الآن أشعلت نيران الغضب والحقد فى قلب "ليلي"...

وصل "جمال" معها إلي غرفتهما وفور دخولهما سحبت يدها من يديه وألقت بسترته على الأريكة بغضب سافر فقال بأندهاش:-
-فى ايه مش كنتِ كويسة من دقائق؟

ألتفت إليه بغيظ شديد من هذه المرأة وما زال غضبها منه قائمًا فقالت:-
-دا بُعد، دا قدامها بس ولا عايزها تقول أنك مش سعيدة معايا ومش قادر تعيش مع واحدة غيرها... لكن هنا مكانك على الكنبة وإياك تقرب مني ولا لسانك يخاطب لساني خلي أسرارك الكثيرة تنفعك

دلفت إلي غرفة النوم وأغلقت الباب بقوة فتأفف "جمال" بضيق ثم جلس على الأريكة ومدد جسده.. 
صعدت "مريم" بفراشها حزينة من هذا الخصام الذي حدث بينهما ولأول مرة يهجرها فى فراشها وحدها، أين عناقه التى ترتمي به حتى تنام بأمان ومأواها بين ضلوعه، كيف يستجيب لحديثها ويظل بعيدًا عنها، يؤلمها موافقته على هذا الخصام عوضًا عن مُحاولته فى أحتوائها وتصحيح الأمر، أغمضت عينيها بحزن يخيم على قلبها ويربط على روحها...
أقترب "جمال" منها أكثر حتى حاصرها فى الحائط وقرب رأسه من رأسها فى هدوء ثم وقف ساكنًا يشم رائحة شعرها التى يعشقها وهمس فى اذنها:-
-موحشتكيش؟! 
تنفست ببطيء من توترها وربكتها أمامه، قلبها يخفق كالمجنون بين ذراعيه وقرب قلبه الذي يرد بضرباته كأنها سيمفونية ناعمة واحدة يعزفها القلبين معًا، يُغيم فوق سماءهما سُحب العشق، لفظت اسمه بتلعثمة مُرتبكة من هذا القرب:-
-جمال
دار رأسه إليها حتى تتقابل عيونهما تكمل لحظة العشق هذه بنظراتهما الساحرة بدفئها الذي يحتلهما بحرارة العشق، أزدردت "مريم" لعابها بربكة من النظر إليه وأنفاسه تضمها وتأخذها إلى عالم غير هذا، عالم لهما وحدهما معًا لا يسكنه سوى رجل أربعيني عاشق وفتاة مجنونة ضعيفة رغم قوتها وسجينة له رغم حريتها، "مريم" أول فتاة حرة لم يجرأ أحد على مس حريتها وفى نفس الآن هي سجينة بل أسيرة مُعتقلة داخل قلبه وعالمه، يقيدها العشق رغم حريتها المُطلقة التي جعلت لا سلطان عليها...
همست "مريم" إليه وقد خلل قوتها التى أنهارت تمامًا أمامه قائلة:-
-يا الله.. بالله عليك أزاى أخاصمك وأزعل منك..... 
بترت حديثها بنفسها عندما مسكت رأسه بكلتا يديها وسرقت منه قبلة ناعمة تُسقط معها كل المشاحنات التى بينهما وتهزم بنعومتها قوتها وغضبها التى تواري من عقلها وقلبها وتغلق بها كل أبواب الهجر التى أوشكت على أن تُفتح بينهما، ضمها "جمال" إليها من خصرها الذي أحاطه بيديه يجذبها إليه مُستسلمٌ لهذه اللمسة الدافئة التى روضته تمامًا إليها فقد جعلت الملك أسيرًا لديها مُقيدًا بأصفاد العشق..
فتحت عينيها بحزن من هذا الحلم الذي راودها يفتت قلبها حزنًا لتشعر بثقل على خصرها ودفء خلف ظهرها لتدرك بأنه جاء إليها ولم يقوى على هجرها وفراقها، ألتفت "مريم" إليه بحزن تتطلع بوجهه الملاكي أثناء نومه يتكيء برأسه على جبينها وذراعه الأيمن يحيط برأسها من الأعلي والأيسر يحيط خصرها وبطنها كأنه يضمها هى وطفلهما، ظلت تحدق به مُطولًا حزينة على قلبها ورفعت يدها تلمس لحيته بحب وقالت مُتمتمة بعتاب:-
-أمتي هترتاح يا جمال وتطمن ليا.. معقول لسه جواك حتة محبتش مريم

دفنت رأسها تمامًا بين ضلوعه وعادت لنومها بين ذراعيه الآن لكنها ستعاقبه صباحًا بقسوة على تسلله لفراشها دون أذن منها...

__________________________

خرجت "ليلي" صباحًا من الغرفة الموجودة بالطابق السفلي فلم يسمح "جمال" لها بالصعود إلى الطابق الأعلي، حاولت "ليلي" الصعود إلي الأعلي لكنها سمعت صوت "جين" الألي يقول:-
-هناك مُتطفل

توقفت محلها لتسرع "حنان" إلى الخارج ورأتها تقف على الدرج فقالت بذعر:-
-لو سمحتى مش مسموح لك تطلعي فوق

نظرت "ليلي" حولها وقالت بأندهاش مما سمعت:-
-متطفل... دا أنا

اومأت إليها بنعم لتسال بفضول مُندهشة:-
-مين اللى أتكلم

-جين
قالتها "حنان" بحدة صارمة لتُصدم "ليلي" من "جين" هذه البرنامج الصغير الذي سعي "جمال" له من قبل فى بداية زواجهما والآن أصبح مُتحكم بالقصر كاملًا...

_______________________ 

فتح "جمال" عينيه بتعب ويمطي جسده بتكاسل شديد حتى لمس ذراعه كتفها بدون قصد فدفعته بقوة، نظر "جمال" بجانبه وكانت "مريم" تجلس محلها بوجه عابس ثم قالت:-
-بتعمل أيه هنا؟ أنا حذرتك متدخلش هنا 

أعتدل فى جلسته بتعب ثم نظر إليها وكانت غاضبة حقًا، لأول مرة تغضب "مريم" منه هكذا فقال بتذمر:-
-أنت حرمتينى منك ومنعتينى عنك لكن متقدريش تمنعينش عن ابني

نظرت إلي بطنها التى تحمل بداخلها طفلهما وقالت:-
-لما أولده أبقي خده جنبك على الكنبة

تبسم بسخرية على حديثها وقال:-
-أنتِ هتفضلي منيماني على الكنبة لحد ما تولدي بعد 8 شهور، وبعدين أنا مقدرش أتحرم من ابني 8 شهور

أقتربت إليه برأسها وتتكئ بذراعيها على الفراش بقوة وقالت بتحدي وكبرياء:-
-خلاص روح أحمل فيه أنت وبما انك مش هتعرف تعمل دا فبطل تتحجج به وتقول أبنى وأحرمك منه ، بطل شغل التلزيق والتمحيك دا

نظر إلي تحديها إليه وقوتها ثم قال:-
-لو أعرف مين اللى علمك الجراءة دي يا مريم وقواكي عليا!!

تبسمت بخبث وهى تشير بعينيها عليه فهى تعلمت هذا الشيء منه ليقول:-
-متعلمتيش منى غير دي

تحدثت بقسوة وحدة صارمة:-
-قوم يا جمال وإلا أنت عارف جناني كويس أنا ممكن أسيبلك البيت وأهج وحياة ابنى ما هتعرف ليا طريق لا أنت ولا جين بتاعك 

-بتتحدينى يا مريم!!
قالها بإعجاب، رغم غضبه من حديثها وقسوتها على فراقه لكنه مُعجبة بشخصيتها وهذا الجانب الجديد الذي أكتشفه بداخلها، لم تكن "مريم" جميلة كما هى الآن بقوتها وعنادها، ظلت تحدق به بتهديد مُنتظرة أن ينفذ طلبها، أومأ إليها بنعم ثم غادر الفراش وتنهدت "مريم" بهدوء لكنها صُدمت عندما عاد مُجددًا وسرقة من قبلة خاطفة على سهو وقال بتحدي:-
-وأنا قبلت التحدي

هرب من أمامها لتستشيط غضبًا منه وبعد أن دخل المرحاض تبسمت بسعادة تغمرها رغم حزنها، هذا الرجل سيقتلها لا محل وقلبها الأحمق غارقًا بعشقه لا يقوى على خصامه أو هجره لكنها تتشبث بعقلها القوي حتى تلقنه درسًا على فعلته لذا يجب أن تخمد نيران العشق بداخلها وتترك عقلها يسيطر على الوضع أولًا فلن يكن فى صالحها مشاعرها وخفقان قلبها المجنون به.....
 يتبع 



تعليقات



<>