رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم نورا عبد العزيز
الفصل السابع عشر (17)
___ بعنـــــــوان “زفـــــــــاف” ___
فتحت “فاتن” عينيها بهلع بعد أن علمت نية “نوح” وسعيه للأنتقام لترى “سلمي” بجواره فحاولت الوقوف بتعب وهى تُتمتم قائلة:-
-ولدي
ربتت “سلمي” على كتفها بلطف وهى تقول:-
-أهدئي يا سلمي، نوح مهيعملش حاجة لولدك هو بس عصبي هبابه
صرخت “فاتن” بهلع شديد قائلة:-
-ولدك هيجتل ولدي يا سلمي، أنتِ خابرة زين أن نوح يعملها، همليني لحالي
خرجت من الغرفة بهلع وخوف من أن يفوت الأوان وتخسر طفلها للأبد على يد “نوح” بسبب أفعاله ورغم أن أفعاله هي من جلبت الموت إليه لكنه ما زال طفلها وحملته برحمها كأى أم ومُتصل بقلبها وشعرت بنبضاته داخلها..
__________________
خرجت “عهد” من الغرفة بصحبة “ليلي” وهبطوا للأسفل معًا مُستعدين للخروج ومعهم “أسماء” وذهبوا بجولة طويل بين المحلات ليحضروا كل شيء من أجل الزواج والجهاز الخاص بها ثم جاءت لهم “مريم” وبعد أن جهزوا كل شيء خاص بالمطبخ أتصلت “عهد” بزوجها ليرسل لها أحد من رجاله كل يساعدهم فى نقل الأغراض والأجهزة إلى منزل “عطيه” وكانت ترتيبات الزواج تتم بسلالة وسهولة
__________________
وصل “عمر” إلى منزله وعندما دلف للشقة رأي “عليا” جالسة على الأريكة حزينة وتضع يدها على وجنتها شاردة وأمامها كوب الشيكولاتة باردًا جدًا يبدو أنها غرقت فى شرودها حتى نست تمامًا أمر مشروبها، جلس جوارها لتشعر به وتقطع شرودها ثم قالت:-
-حمدالله على السلامة، هحضرلك العشاء
أستوقفها “عمر” قبل أن تقف من مكانها ثم مسك ذقنها لكي يتطلع بملامحها الصغيرة وكانت مهمومة وحزينة فتسائل بقلق:-
-ما لك؟
أجابته بضيق ولهجة جادة قائلة:-
-مفيش
همت بالوقوف ليتشبث بيدها بقوة وهو يقول بإصرار شديد:-
-لا طبعا في حاجة وحاجة كبيرة كمان هو أنا لسه بتعرف عليكي النهاردة
تنهدت بضيق دون أن تلفظ بشيء ليقول “عمر” بتلقائية شديد:-
-أنتِ روحتى لأمي النهاردة صح؟
رفعت نظرها إليه بضغف وحزن شديد وهى تتذكر كل كلمات والدته الجارحة لها فقالت بضيق شديد:-
-أنا كنت عايزة بس أتقرب منها و...
لم تكمل حديثها وجهشت باكية بأنهيار شديد ليضمها “عمر” إليه بلطف وبدأ يربت عليها بدلال ليقول:-
-طب متزعليش وأنا هحلها
رفعت يديها تتشبث به بقوة كطفلة صغيرة رضيعة تختبيء من قساوة العالم بين ذراعيه ومأواها الدافيء، ألمه قلبه بشعور لأنتفاض جسدها وأنين بكاءها كطفلة مُنكسرة فقال بدفء:-
-حقك على رأسي يا حبيبة قلبي
شعرت بقبلة رقيقة على جبينها وكأنه يحاول جاهدًا أمتصاص غضبها وحزنها، محاولًا تبديل انكسارها كي يتلائم ويتلاشي الجرح
_________________
عاد “نوح” مساءًا من الخارج وعندما دخل غرفة نومه وجدها مُظلمة ليفتح الأضواء وكانت زوجته نائمة فى سبات نوم عميق بتعب وأرهاق شديد من كثرة التجول طيلة اليوم مع حملها، وقف امام خزينة الملابس وأخرج ملابسه ثم دلف للمرحاض كي يتحمم لكنه وجد زوجته وضعت الملابس له بالداخل ورغم تعبها أهتمت به فتبسم بعفوية عليها ليأخذ حمامه ويخرج على صوت طرقات الباب، فتح باب الغرفة ووجد حُسنة تحمل صنية الطعام فسأل:-
-أيه دا؟
أجابته وهى تدخل وتضع الصنية على الطاولة:-
-الست عهد جالتلي أحضر العشاء لجنابك أول ما تعاود
تبسم بلطف وهو يقول:-
-عهد أكلت؟
أجابته “حُسنة” بنبرة هادئة هاتفة:-
-لا هي عاودت من برا تعبانة طلعت على السرير على طول ومأخدتش كمان علاجها، ربنا يجويها ويجومها بالسلامة لجنابك هى والولد
غادرت “حُسنة” من الغرفة ليسير “نوح” نحو الفراش وجلس خلفها مباشرة ويربت على كتفها بدلال ثم قال:-
-عهد، حبيبتى
أومأت بأنين صوت مكتوم وعينين مُغمضتين، تبسم “نوح” وهو يمسح على شعرها بحنان ثم قال:-
-صحي النوم يا حبيبتى
أستدارت إليه وهى مُتشبثة بنومها من التعب ولفت ذراعيها حول خصره وشعرت ببرودة جسده بعد الأستحمام فقالت:-
-خلينى أنام شوية يا نوح
أجابها وهو يربت على كتفها بدف ثم قال:-
-جومي أومال عشان تأكل وتشرب طبق شوربة سخن وتأخدي العلاج
جعلها “نوح” تستيقظ رغمًا عنها وجلبت الطعام إليها وبدأ يُطعمها بيده وهو على وشك السقوط نائمة من التعب ليرفع يده ببطيء ويمسح بقية الصلصة من فوق شفتيها ثم قال :-
-زى الأطفال
نظرت إليه بتذمر شديد من إيقاظه لها بالقوة ثم قالت:-
-خلاص ممكن انام بقي
أجابها بعفوية وهو يقف من مكانه لكي يحضر الدواء الخاص بها:-
-العلاج وبعدها نامي كيف ما تحبي
تسللت “عهد” إلى الفراش بتعب شديد ووضعت الغطاء فوق جسدها ورأسها هاربة منه ومن عزيمته وإصراره على يقظتها، أحضر الدواء ليراها نائمة فجلس على الفراش جوارها وجذب الغطاء من فوق رأسها لتقول بتذمر شديد:-
-نوح والله تعبانة ومفرهدة جدًا من كتر اللف مع ليلي
نظر “نوح” إليها بإشفاق على حال زوجته فأحتضن وجهها بيديه وقال بهدوء:-
-أنا مردتش أزعلك الصبح بس اللف الكتير ينعبك وأنتِ حبلة يا عهد
أعتدلت “عهد” فى جلستها مقاومة النوم الذي هرب من جفنيها مع جدية زوجها لتقول:-
-قصدك أيه يا نوح؟ ما انت عارف كويس أن ليلي مالها غيرى مش معقول هتنزل تلف على جهازها وحاجاتها كلها لوحدها وحتى أن هى عرضت دا أنا اللى هرفض يا نوح عشان ميصحش أصلًا أسيبها لوحدها فى التوقيت دا خالص
صمت “نوح” ولم يُعقب على حديثها فنظرت “عهد” غليه بغضب سافر ثم قالت:-
-وبعدين تعالي هنا أنت كان قصدك أيه بالضبط بالكلام اللى قولته الصبح لمرات عمك
ترجل من الفراش بوجه عابس حاد وقد تبدلت ملامحه للقسوة والغضب الكامن بداخله بسبب هذا الحديث لتترجل من الفراش خلفه وتسير خلفه ثم مسكت يده لكي تُديره لها وتتقابل أعينهما فقالت بجدية:-
-أنت عملت حاجة فى ابن عمك
تحاشي النظر لعينيها هاربًا من لقائهما فشدت على ذراعه بقوة أكبر وهى تكرر سؤالها بصيغة مختلفة:-
-رد عليا يا نوح أنت أذيت خالد؟
نظر إليها بضيق ثم قال:-
-في أيه يا عهد؟
تركت ذراعه بقوة غاضبة من تصرفاته وغموضه وهى تصرخ بشدة قائلة:-
-فى أني مش متجوزة رجل عصابة وزهقت من حياة الخطر والكره دي
أستشاط غضبًا وغيظًا منها فصاح بحدة قائلًا:-
-أنا مش رجل عصابة أنا برجع حجي يا عهد واللى اعمله معاهم ميخصكيش أطلعي أنتِ بره يا عهد
شعرت بأن زوجها تبدل حاله وحنانه الذي كان يملأها من الداخل ويحتويها تحول لغضب وقسوة نيرانهما تلتهم كل من يقابله، عينيه تبث نار مُحرقة وتواري منها الدفء والأمان وكأن هؤلاء حولوا زوجها لشخص أخر غير الشخص الذي تعاشره ويحتويها بلطف وحنانه، تمتمت ”عهد” بذهول غير مُصدقة ما تراه او تسمعه:-
-معاهم! يعنى فعلًا تاج معاك مش خالد بس، هتأخد حقك كمان من ست يا نوح
ألتف لكي يغادر من امامه معارضًا هذا الجدال والنقاش معها لتقول بأختناق سافر:-
-أنا حاسة أني واقفة قدام حد تاني مش جوزى، معقول أنت نوح اللى اعرفه وبترمي فى حضنه
غادر الغرفة بعد أن سمع كلماتها القاسية وأغلق الباب خلفه لتعود “عهد” للجلوس على فراشها باكية بحزن وترتجف خوفًا من غضب زوجها وبدأت تتذكر الحديث الذي سمعته وما زالت تسمعه عنه من الأغراب وكما هو قاسيًا يخشاه الجميع ويرتعب الكبار قبل الصغار من ظله، كل من يحمل العداوة تجاهه يراه أسدًا مفترس..
_________________
مرت القليل من الأيام والجميع مُنشغلًا فى تجهيز الزفاف حتى حان الآن وجاء اليوم المُنشود المُنتظر لدي الكثير وبدأ “عطيه” فى الاستعداد وهكذا “ليلي” كانت موجودة بغرفة فى الفندق ومعها “عهد” و”عليا” و”أسماء” وكان الجميع مُنشغلين بالتجهيز، رن هاتف “أسماء” معلن عن أستلام رسالة لتنظر به وكان المرسل “نادر” فنظرت للهاتف بإرتباك وخرجت للشرفة تتحدثه فأرسلت له رسالة قائلًا:-
-أنا هتأخر على الفرح عشان عندي شغل
نظرت للهاتف بإستياء ثم أرسلت له كلمة واحدة لكنها توحي بالكثير من الغضب والقسوة
-براحتك
أغلقت الهاتف غاضبة ثم دلفت للداخل فرن الهاتف بأتصال وارد منه لكنها تجاهلته تمامًا ووضعته على وضع الصامت، وضعت “عهد” التاج فوق حجاب “ليلي” بدلال مُبتسمة ثم قالت:-
-كدة تمام
أشارت لها “ليلي” بنعم لتثبته “عهد” وبعد أن أنهوا التجهيزات، خرجت “عهد” من الغرفة وهى تقول:-
-هشوف العريس خلص ولا لسه؟
دقت على باب الغرفة المجاورة وهى على يقين بأن زوجها بالداخل وربما يغضب بسبب حضورها لهذه الغرفة لكنها لا تهتم بسبب غضبها وخصامهما المستمر ليالي طويل، فُتح باب الغرفة وكان “نوح” المُستقبل مُرتدي بدلة ببطلون أسود وسترة ذهبي كفستان زوجته ويرفع شعره المصفف للأعلى، تطلع بوجه زوجته الذي أشتاق لرؤيته وهذا الخصام بينهما يقتله غضبًا وشوقًا إليها ويجعله يملك الشعور ونقيضه، نظر بها وكانت جميلة كعادتها وهى ترتدي فستان ذهبي من قماش قشر السمك اللامع وشعرها مسدول على ظهرها ومرفوع من الجانبين للأعلي فقالت بنبرة خافت:-
-خلصتوا ولا لسه؟
وضع “نوح” يديه فى جيوبه حادقًا بها ثم قال بجدية:-
-طب جوليلي كيفك على الأجل؟
تجاهلته وقالت بحدة صارمة:-
-إحنا خلصنا والعروسة كمان
أستدارت لكي تغادر ليتأفف “نوح” بضيق مما ألي إليه الوضع بينهما وكيف أصبحه كالغرباء وبداخلهم العشق، لكن الكبرياء يقتل كلا منهما
ترجل الجميع للقاعة بعد أخذ “عطيه” لعروسته وجلست “عهد” جوار أختها ومعهم على نفس الطاولة “عمر” و”نوح” جالسًا جوار “عهد” لكنه يتحدث مع “عمر” فهمست “عليا” بأذن “عهد” قائلة:-
-أنتِ متخانقة مع نوح؟
نظرت “عهد” إليها لتقول “عليا” بأرتباك وحرج من نظرات أختها:-
-واضح أوى على فكرة
نظرت “عهد” للأمام بصمت دون أن تجيب فتنحنحت “عليا” بحرج ثم تحدثت بعفوية:-
-عمر
نظر “عمر” إليها لتقول ببسمة مُشرقة:-
-قوم نسلم على العروسة
أستأذن “عمر” من “نوح” وذهب مع زوجته، كان يشعر كلاهما بأنهما فى حرج كبير كلا منهما يخشي أن يُحدث الآخر وحتى النظر لبعضهما كان بمثابة الهزيمة فتطلع كلا منهما بالأمام مٌتحاشيًا النظر للأخر لتقف “عهد” بانفعال من مكانها لتراه يضع يده اليسري على حافة الطاولة حتى لا تصطدم بطنها المُنتفخة بها فنظرت ليده بذهول، حتى فى خصامهم لا يجرأ على محادتثها لكنه يهتم بها حتى لا تتأذي لتغادر بعيني دامعة وهذا الصمت يقتلها وذهبت لخارج القاعة وهو يتابعها بنظره وهو يشبه الحارس الشخصي لشخصية هامة يحرسها بعينيه لكن لا يجرأ لمحادثتها، خرجت “عهد” من دوره مياه النساء وسارت فى الرواق حتى قابلت مدير دار النشر فرحبت به وهو هكذا وحدثها عن عملها القادم ليصلوا أثناء حديثهما للقاعة مما أدهش “نوح” وأشعل نيران الغضب بداخله ليتركها الرجل ذاهبًا إلى “ليلي” وربما وقف القدر بصالحها هذه المرة عندما تركها المدير قبل أن يصل “نوح” كالبركان غاضبًا وغيورًا إليها ألتفت لتراه على قُرب منه ووجهه يخبرها بقنبلة على وشك الأنفجار لتدرك سبب غضبه وأزدردت لعابها بقلق منه ليأخذ يدها بقوة ويسير للخارج وهو يسحبها خلفه دون أن يهتم لخطواته السريعة وحركتها البطيئة بسبب حملها فقالت بتعب شديد:-
-براحة يا نوح
لما يهتم لذلك حتى وصل إلى مرأب السيارات وأدخلها إلي سيارته بقسوة وصعد جوارها على مقعد السائق لتقول بانفعال شديد من طريقته العنيفة:-
-فى أيه؟
ألتف إليها غاضبًا ثم قال بضيق:-
-مش معني أنك واخدة موجف مني وأنا سيبك على هواكي لحد ما ترتاحي وتتجبل الموجف أنك تسوجي فيها يا عهد وأفتكري أنى مهملك أكدة بمزاجي لتكوني فاكرة أنك ماسكني من يدي اللى بتوجعني، لا دا أنا أسهل ما عليا القسوة فبلاش تختبري صبري كتير وياكي
كانت تستمع إليه بذهول تام حتى أنهى حديثه وقالت:-
-هو أنت بتكلمنى أنا كدة؟
رفع حاجبه إليه بسخرية لتقول بغضب سافر:-
-أنت بتهددني يا نوح والمفروض أني أخاف يعنى، مش كفاية أنك طلعت شبه رجالة العصابات والبلطجية..
رفع يده لكي يصفعها على وجهها لتغمض عيناها بفزع من غضب والخوف تملك منها لكنها لم تشعر بصفعة أو شيء أخر بل سمع صوت باب السيارة يغلق ففتحت عينيها بخوف لتراه غادر السيارة ووقف ويسير بعيدًا عنها حتى توقف بجوار شجرة وأخرج علبة سجائره والقداحة من جيبه وبدأ يشعل سيجارته ينفث بها غضبه عوضًا عن صفعها، ترجلت دمعة من عينيها بحزن شديد لما وصلوا إليه، أنهي سيجارة وأخرى حتى وصل للخامسة وبعد أن أنهاها ألقي بها أرضًا ليدهسها بحذائه ثم وضع يده بجيب سترته ليخرج عبلة سجائره مرة أخرى فأخرج معها قلادة من الذهب تحمل اسمها واسمه وبينهم قلب وقد أحضر هديته من أجل مصالحتها لكن الخصام بينهما يزداد وهكذا البُعد فوضعها مرة أخرى فى جيبه ووضع سيجارته بين شفتيه وقبل أن يشعلها شعر بيدها الصغيرة تربت على ظهره وهو يعلم جيدًا بأنها زوجته وحبيبه قلبه دون أن يستدير فلمستها لها سحرًا خاص، ألتف إليها بصمت لتأخذ السيجارة من بين شفتيه بأناملها وهى تقول:-
-أن بتعاقبني بعقاب أسوء من الضرب وأنت بتأذي نفسك كدة
رفعت نظرها إليه ثم تابعت بحزن:-
-دى السيجارة الكام عشان متضربنيش
كان يتطلع بعينيها الباكية بعد أن دمرت هذه اللؤلؤات الحارة عينيها ومساحيق تجميل عينيها، همست بحزن شديد وهى تتحاشي النظر إليه:-
-أنا أسفة يا نوح على كلامي الغليظ
رفع يده ببطيء إلى ذقنها ليمسك رأسها ويرفعها للأعلى حتى تتقابل أعينهما بعفوية لتراه يأخذ خطوة نحوها ليصبح على قُرب منها وأكتفي بوضع قبلة على جبينها ثم أبتعد لتقول “عهد” بلهجة واهنة:-
-متزعلش يا نوح، أنا بقيت عصبية جدًا بسبب الحمل
أخرج القلادة من جيبه فنظرت إليها بدهشة فهو جهز كل شيء لمصالحتها لكنها من دمرت كل هذا، تطلعت بالقلادة بحب لتعود للبكاء بحزن من ذاتها ليبتسم بعفوية عليها وهى تشبه الأطفال فقال وهو يضع القلادة حول عنقها:-
-كفاية بكاء بجي
أغلق القلادة وقبل أن يبتعد عنها شعر بها تضع رأسها على كتفه باسترخاء وكأن تكتسب من طاقتها وأمانها التى فقدته فى بُعده ليظل ثابتًا وهو يقول بحنان:-
-عهدي
تبسمت بسمة ممزوج بتعبير وجه عابسة، ثم بدأت تشعر بالألم يزداد أكثر وأكثر فقالت بألم تكبحه بداخله:-
-ممكن نقعد شوية
قالتها وهى تبتعد عنه ويديها تتشبث بذراعيه وكأنها تتكأ عليه لينظر إليها وقال بعفوية:-
-طبعًا ..تعالي
سار معها خطوات قليلة لكنها تشبثت به بقوة أكثر وخرجت منها صرخة قوية فجأةً لينظر “نوح” إليها وهى تضع يدها الأخرى على بطنها وتحاول أن تنحني بظهرها من قوة الألم فتعجب لحالتها وتشبث بها هو بقوة حتى لا تسقط أرضًا منه وبدأت أنين الألم تجتاح بقوة ليقول:-
-ما لك؟
صرخت بألم وهى تكز على أسنانها محاولة كبح ألمها بداخلها والمارة بدأوا ينظروا عليها فأخذها “نوح” للسيارة وجعلها تصعد بها ثم نظر إليها عن قرب وهو يمسك يدها قائلًا:-
-طب أوديكي المستشفي ولا أعمل أيه؟
أجابتها وهى تغلق يديها بقوة على يده قائلة:-
-لا ما أنا أكيد مش بولد أنا فى أول السابع يا نوح، ممكن يكون عشان الزعل والعصبية..
قاطعت حديثها بصرخة قوية بعد أن شعرت بركلة قوية برحمها ليقول بقلق:-
-مفيش لا، أنا لازم أوديكي المستشفي
أغلق باب السيارة وصعد بمقعد السائق وأنطلق بها مُسرعًا للمستشفى دون أن يخبر أحد تاركًا الجميع فى حفل الزفاف، كان يقود بيد واحدة ويده الأخرى تاركها تحتضن يدي زوجته المُتألمة بقوة وعينيها تدمع بوجع شديد، وصل للمستشفي ثم حاول مساعدتها فى النزول لتصرخ بوجع وهى تفرد قدميها ليحملها على ذراعيه ويغلق السيارة ثم دلف بها ليأخذه للفحص وظل هو بالخارج وحده بأنتظارهم ليطمئنه على زوجته...
____________________
كان “عطيه” جالسًا جوارها على الأريكة الموجودة على المسرح فجاءت أخته لتأخذها من أجل الرقص ليجذب يدها من أخته بقوة وهو يقول بحدة:-
-روحي يا مريم
نظرت “مريم” إليه بدهشة ثم قالت:-
-أيه يا عطيه فكها شوية وخليها ترقص
نظر إلي أخته نظرة مُرعبة ثم قال بحزم شديد:-
-همليها يا مريم وروحي هى ما هتجومش من أهنا
نظرت أخته إلي “ليلي” الجالسة جواره بذهول ثم قالت بتذمر من أخاها:-
-الله يكون فى عونك يا بنتى، يا عطيه دا ليلة العمر مرة واحدة فى الحياة
أجابها بحدة كالسكين هاتفًا:-
-وعشان ليلة العمر أطلعها ترجص على المسرح والكل يتفرج ليه متجوز راجصة، ناجص تجوليلى أنزل لما النجطة، غورى من وشي يا مريم بدل ما أجولكم ليلة العمر خلصت وأجوم أروح
أزدردت لعابها من نبرة أخاها وغضبه ثم غادرت لينظر إلى “ليلي” بوجه حاد ليقول بسخرية:-
-لتكوني عايزة تجومي.....
قاطعته “ليلي” بنبرة ناعمة هامسة إليه بدلال:-
-بحبك
تحولت ملامحه من الغضب والغيرة إلى ذهول ودهشة من ردها ثم ضحك بعفوية وهو يفتح يده فنظرت إلي يده ووضعت يدها الناعمة بيها ليعانقها بحب شديد كأنه يعانق هذه الزوجة والحبيبة فى عناق يديهما وقال بعفوية:-
-وأنا بحبك وبغير عليكي من الكل، أنا حبيبة قلبي محدش يشوف كعبها غيري
تبسمت “ليلي” إليه بخجل شديد وتوردت وجنتها باللون الأحمر وهى تطأطأ رأسها بحياءًا لكنها دُهشت من رد فعله عندما قبل حبينها لترفع رأسها مُندهشة، نظر إليه بحب وقال:-
-يشهد ربنا عليا أني هحطك تاج على رأسي يا ليلي وهفضل أحبك طول ما بتنفس وقلبي بيدق
رسمت بسمة مُشرقة تنير حياته وقلبه المفعم بالعشق ليهمس إليها قائلًا:-
-نمشي
أومأت إليه بنعم باستحياء شديد منه ليبتسم بحب ثم أشار إلي أحد الرجال فأقترب منه ليطلب منه أنهاء الحفل ويده ما زالت تعانق يد زوجته..
_____________________
خرج الطبيب من الغرفة بعد فحصها فهرع “نوح” إليه وقال بقلق على وشك قتله:-
-طمني يا داكتور
أجابه الطبيب بهدوء قائلًا:-
-أطمن يا نوح بيه دا ألم ولادة، المدام هتدخل ولادة دلوقت وأن شاء الله تجوملك بالسلامة هى والطفل
غادر الطبيب من أجل الأستعداد وساعدتها الممرضة فى الأستعداد للولادة ليدخل “نوح” الغرفة فغادرت الممرضة ليأخذ يد “عهد” بين يده وهى جالسة على الفراش تبكي من الألم لكنها تتماسك قدر الإمكان وقالت:-
-نوح
جفف دموعها وهو يساعدها فى أرتداء روب الجراحة فوق العباءة وهكذا الطاقية الطبيبة ليشير برأسها تتكأ على بطنه بضعف فربت عليها بحنان وقال:-
-خليك قوية يا حبيبة قلبي وأتشجعي عشان ابننا وأنا هفضل هنا مستنيكِ
تبسمت بعفوية إليه وهو يجثي على ركبتيه أمامها فقالت:-
-قصدك مستنينا
رفع يده إلى وجنتها بحب ليداعب بأنامله ثم قال بحب:-
-أنا مستنيكِ أنتِ يا عهدي
أومأت إليه بنعم لينزع عن قدميها الجوارب ويمسح الأتربة عنها وهى تراقبه بحب شديد وحنانه يكفيها ويعطيها الأمان والطمأنينة، أخذوها الممرضات إلى غرفة الجراحة فوقف “نوح” أمام الباب ونزع عن رابطة عنقه بقلق ليرن على هاتف والده وعندما أتاه صوت والده يقول:-
-فينك يا ولدي؟ دورنا عليك كتير أنت ومرتك
أجابه “نوح” وهو يجلس على المقعد أمام غرفة العمليات:-
-أنت روحت ولا لسه يا حج
أجابه “علي” قائلًا:-
-فى الطريج أهو أنا وأمك
تحدث “نوح” بجدية قائلًا:-
-طب عهد تعبت وأنا جبتها المستشفي ودخلت ولادة
أتسعت أعين “علي” على مصراعيها بذهول ثم قال بقلق:-
-ومجولتناش ليه يا ولدي حد يجي وياك بدل ما تروح لحالك، أنا هجيلك
قاطعه “نوح” بجدية قائلًا:-
-خليك يا حج والصبح تعالى أنت وأمي، متجولش لحد عشان ميجلجوش وأنا لما عهد تجوم بالسلامة هطمنكم
تحدث “علي” بجدية قائلًا:-
-ميصحش يا ولدي، وأختها اللى عندنا فى الدار مهتسألش عنيها، إحنا هنجيلك، هى برضو بعد الولادة هتحتاج أختها معاها
أومأ إليه بنعم وأغلق معهم فخرجت الممرضة إليه وقالت:-
-مبروك المدام ولدت
تنهدت بأرتياح شديد ثم قال:-
-وعهد
أجابته ببسمة مُشرق قائلًا:-
-بخير الحمد لله، فين حاجات البيبي
نظر إليها بتعجب ولم يجيب وهو لا يعلم شيء عن هذه الأشياء لكنه تذكر كلمات زوجته حين أعدت الحقيبة ووضعتها بخزينة الملابس وهى تقول:-
-دى شنطة البيبي يا نوح، لو حصل ولادة فى أي وقت لازم تجيبها لأن فيها كل مستلزماتي أنا والبيبي
أومأ إلى الممرضة بحرج ثم قال:-
-هى فى البيت ربع ساعة وتكون موجودة
أتصل بوالده ليحضرها معه وعندما جاء والده بصحبة والدته ومعهم “عليا” و”عمر”، أخذ الحقيبة ليعطيها إلى الممرضة وبعد دقائق خرجت “عهد” وقالت الممرضة:-
-البيبي هيخرج كمان شوية
وقفت “سلمي” تنتظر مع الممرضة من أجل الطفل ومعها “علي” وجلس “عمر” فى الأستقبال لتذهب “عليا” و”نوح” مع “عهد” الغائبة عن الوعي وبعد أن أستقرت فى غرفتها، أقترب “نوح” منها بقلق ليرؤي قلبه برؤيته حتى يتوارى القلق منه ويطمئن عليها...
______________________
كان يسير مجموع من الرجال ليلًا ليري أحدهم كلابًا تحوم حول مكانًا معينًا ينبحوا معًا فأقترب الرجل منهم ليسقط أرضًا بفزع وخوف عندما رأي جثة بالأرض ليقترب بقية الرجال وأحدهن يوجه مصباح الهاتف نحو الجثة ليقول بهلع:-
-دا خالد الصياد.......
الفصل الثامن عشر (18)
____ بعنــوان “إتهـــام”____
ما زالت عينيها مغمضتين لكنها شعرت بشيء لطيف يعانق يدها الباردة بقوة مُتشبثًا بها كالوبر، من دون أن تفتح عيناها لتنظر علمت بأنه المحب والحبيب الغارق بهواها، فتحت عينيها ببطيء وتعب لتراه بصورة مشوشة يحتضن يدها بكفيه الاثنين ويقبلها بشفتيه ودفء أنفاسه يداعب هذه اليد الصغيرة لتقول بصوت مبحوح:-
-نوح
رفع رأسه بلهفة وشغف ناظرًا إلى زوجته طريحة الفراش ثم وقف بتعجل مطوقًا رأسها بيده وهو يمسح على شعرها بدلال ليقول:-
-حمدالله على سلامتك يا حبيبة قلبي
تبسمت "عهد" بضعف وما زالت تحت تأثير المخدر القوي من أجل جراحتها لتقول بهمهمة:-
-ابني....
ربت على رأسها بلطف أكثر ودفء يحتويها وقال بحب:-
-ربنا وهبني ملاك صغير جميل منكِ
تبسمت "عهد" بضعف لتغمض عينيها وهى تستسلم للنوم بحضوره وهو جوارها لتدخل الممرضة عليهم فسأل "نوح" بقلق:-
-مش المفروض أن ولادتها بدون ألم
أجابته الممرضة بجدية وهى تعلق لها المحلول الملحي قائلة:-
-اه ومفعولها هيبدأ متقلقش
أومأ "نوح" إليها بنعم ثم حمل الرضيع من صندوقه الزجاجي ليضعه بين ذراعي زوجته حتي يشعر كلا منهما بالأخر ويستنشق هذا الطفل رائحة والدته لتفتح "عهد" عينيها بتعب ثم نظرت إلي طفلها ببسمة مُشرقة وكأن تعبها وهذا الأرهاق الغليظ تلاشوا وتواروا فور رؤيتها لوجه طفلها الرضيع الذي لطالما أنتظرته لشهور طويلة وهى تشعر به يكبر بداخلها، تحدث "نوح" بسعادة لم يشعر بمثلها من قبل وهو يري أسرته الصغيرة أمامه:-
-عهد
رفعت نظرها إليه ببسمة مبهجة ليتابع الحديث وهو يجلس على حافة الفراش جوارها فى المقابل:-
-أنا بحبك بعمري كله ولو فى حاجة ممكن توصف سعادتي باللحظة دى هتكون أني فى الجنة على الأرض ما دام جنبك ومعاكي وربنا كرمي وأنعم عليا بطفل منك أن شاء الله أحسن تربيته وبيكون سبيلنا للجنة فى الأخرة زى ما كان سبب سعادتنا دلوجت
تبسمت "عهد" بدلال وهى تستمع لحديثه ثم قالت بإمتنان:-
-أنت عظيم أوي يا نوح، أعظم راجل شافته عيني وأنا حرفيًا بكل ما تعني الكلمة أنا مُمتنة للقدر والظروف اللى جمعتني بك وخلتني من نصيبك، كفاية أحتوائك ليا ومساندتك ليا فى لحظة زى دى وأنك تقوم بدور أمي اللى أتحرمت منها وتهتم بكل التفاصيل اللى المفروض امي وأختي اللى يهتموا بها فى لحظة زى دى، أنا فعلًا بحبك وعلى أيدك أتعلمت أن الحب مش مجرد كلام بيتقال ولا ورد وشوية هدايا، الحب أعظم وأثمن بكتير من كل دا
تبسم "نوح" بلطف ثم أنحني يقبل جبينها بدلال كأميرته التي يدللها دومًا ويتوجها بتاج العشق على عرش قلبه الذي سقط فى الهوي
قاطع حديثهم دخول مُفاجيء للغرفة بمجموعة من رجال الشرطة فنظر الاثنين إليهما بدهشة ليقول الضابط بحزم:-
-أنت نوح الصياد
نظر “نوح” إليه بغرور وجدية وقال:-
-اه فى حاجة
أجابه ضابط الشرطة بجدية دون أن يهتم لمكانة هذا الرجل أو هيبته قائلًا:-
-أنت مطلوب القبض عليك بتهمة جتل خالد الصياد
أتسعت أعين الجميع على مصراعيهامن الذهول والصدمة التى ألجمتهم وجمدت ألسنتهم داخل أفواههم، تتطلعت “عهد” به بصدمة غير مصدقة ما تسمعه فقال “نوح” بنفي ومعارضة:-
-أنا مجتلتش حد
أشار الضابط للعساكر بأخذه وهو يقول:-
-الكلام دا تجوله فى النيابة ومن حجك تنفي براحتك لكن أنا من حجي وواجبي أن أجبض عليك
أخذوا من أمامها دون أن يتركه له الفرصة لتوديعها أو ليطمئنها بأنه لم يفعل، لم تفوق من صدمتها إلا وهو يغادر الغرفة مع الشرطة لتنهمر الدموع من جفنيها بغزارة وأرتجف قلبها فزعها وحتى أنفاسها لم تصل لرئتيها لتوجه صعوبة فى التنفس مما ألقي عليها فى هذه اللحظة...
_________________
خرجت “ليلي” من المطبخ حامل طبقين بيديها ووضعتهم على الطاولة لتسمع صوته من الأعلى يقول:-
-صباح الفل والياسمين
ألتفت إليه لتراه ينزل على الدرج مُرتدي عباءة بيضاء حتى وصل “عطيه” أمامها وهو ينظر حوله باحثًا عن والدته وعندما تأكد بأنها ليست بالجوار وضع قبلة على جبينها بلطف قائلًا:-
-صباحية مباركة يا عروستي
تبسمت “ليلي” بخجل رغم سعادتها التى توصف بشيء فهذه اللحظة وقد أصبحت زوجة لرجل عشقته مع كل شجار بينهما وكأن المشاجرات هى من صنعت هذا العشق، نبضات قلبها تتسارع وتكاد تجزم أن “عطيه” سمع نبضاتها فى هذه اللحظة فتحدثت بصوت دافيء:-
-صباح النور يا حبيبي، أقعد أفطر وأنا هروح أصحي ماما
تبسم بخباثة وهو يعرف أمه أكثر من هذه الزوجة الجديدة فى منزلهم وقبل أن يتحدث أتاهما صوت والدته من الخلف وهي تقول:-
-ودا ما أفتكرتي يا هانم أن فى حد معاكم فى الدار ولا كنتِ ناوية تأكليني البواجي بتاعتك
ألتفت “ليلي” إلى والدته بدهش ثم سارت نحوها وهى تقول:-
-لا والله يا ماما أنا كنت بجهز الفطار بس
وصلت أمامها لتنحنى مُقبلة يدها فجذبت والدته يدها منها بقوة وقالت بشجن:-
-بعدي أكدة عني، ومالك أكدة حلوة وشبه الجمر على الصبح أيه رايح تتجوز
صمتت “ليلي” بحرج فتبسم “عطيه” وهو يتطلع بزوجته الواقفة فى صمت مُرتدية فستان أبيض ملأ بالورود الملونة وتستدل شعرها الحرير ذو اللون الأسود الفحمي على ظهرها وتضع رابطة حول رأسها باللون الوردي جميلة وترسم عينيها بالكحل وتضع ملمع شفايف فقط، كانت جميلة بحق فلم تخطأ والدته فى نعتها بالجمال ورقتها تزيدها جمالًا مع خجلها التى جعل من وجنتيها حمراء كالفراولتين، أقتربت “ليلي” من والدته بحيرة كيف تكسب رضا هذه المرأة العجوزة التى تجاوزت السبعين من العمر لكن عقلها عقل طفل لم تكمل العشر سنوات وقالت:-
-أجبلك برفيوم من بتاعي
نظرت والدته إليها ثم قالت ببسمة خبيثة:-
-حلو
قربت “ليلي” يدها من أنف والدته لتستنشق عبيرها وقالت:-
-عندك منه؟
أومأت “ليلي” بنعم لتبتسم والدته بحماس طفولية لتدفع “ليلي” المقعد المتحرك نحو السفرة وجعلتها تجلس بجوار “عطيه” من اليسار وجلست هى بجواره على اليمين ، جذبته والدته من ذراعه بقوة وهمست فى أذنه قائلًا:-
-زينة البنية دى وجميلة كيف الجمر أجوزهالك يا ولدي
تبسم “عطيه” بعفوية ممزوجة بالحب وعينيه لم تفارق النظر إلى زوجته المُدللة ذات القلب اللين وقال بحب شديد ساكنًا بين ضلوعه بيسار صدره:-
-يا ريت
قطع حديثهم دخول “مريم” من الخارج فجلست على السفرة جوار والدتها وبدأت فى تناول الطعام وهى تقول:-
-شوفتك أهنا حتى وأنت عريس بتجول أنك مسمعتهاش باللي حصل
نظر “عطيه” إلى أخته بأستغراب من حديثها لتقول بسعادة:-
-صباحية مباركة يا عروسة أن شاء الله كل أيامك الجاية هنا وسعادة
تبسمت “ليلي” بخجل وهى تقول:-
-أمين يا رب العالمين، عقبالك
قاطعهما “عطيه” بفضول من جملتها الأولي وقال:-
-حصل أيه يا مريم؟
أجابته ببرود دون أن تكترث كثيرًا لما يحدث بهذه البلدة قائلة:-
-أتجبض على نوح الصياد
أتسعت أعين “عطيه” بصدمة ألجمته فقال بذهول:-
-أنتِ بتجولي أيه؟
تناولت لقمتها وهى تقول:-
-وأنا مالي أنا، بيجولوا جتل خالد ولد عمه
وقف “عطيه” من مكانه ليغادر المنزل وفزعت “ليلي” بقلق على صديقتها لما حدث لزوجها فقالت “مريم”:-
-مش أنا جولت ما دام لسه أهنا يبجي متعرفش، أنت هتطلع وتسيب عروستك يوم صباحيتكم عاوز الناس تجول أيه علينا
أجابها “عطيه” وهو يقترب بخطواته من الدرج ولا يبالي لشيء سوي صديقه:-
-ما تولع الناس، أنا مههملش نوح لحاله فى ظرف زي دا
تحدث “ليلي” بتردد وخوف من رده قائلة:-
-ممكن أروح لعهد
ألتف إليها وهو على الدرج وقب أن يُجيب أجابتهم “ليلي” قائلة:-
-عهد فى المستشفى من أمبارح، تعبت فى الفرح ودخلت ولادة ومجالوش لحد
تأفف “عطيه” بضيق شديد من أخته وهو يقول:-
-أنتِ هتنجطينى بالكلام ما تجولي كله مرة واحدة، تعالى يا ليلي غيرى خلجاتك عشان أوصلك فى طريجي
صعدت “ليلي” معه بهلع وزاد خوفها على صديقتها الموجودة بالمستشفي وما حل بزوجها، خرج “عطيه” من المرحاض ليري زوجته واقفة أمام خزينة الملابس فى صمت ولا تتحرك تحدق بالملابس وكأنها فى عالم أخرى ويديها ترتجف ، أقترب منها بلطف ثم قال بنبرة دافئة مُطمئنة لها:-
-متجلجيش يا حبيبتي كله هيكون تمام وبخير
لم تتفوه بكلمة واحدة بل أخذت الخطوة الفاصلة بينهم إليه ووضعت رأسها فوق صدره بضعف كطفلة صغيرة خائفة وبدأت بالتمتمة تلوم نفسها على ما حدث لصديقتها:-
-أنا اللى تعبتها معايا الأيام اللى فاتت وبسببي ولدت قبل ميعادها
ربت “عطيه” على ظهرها بلطف وقال بحنان:-
-أيه اللى بتجوليه دا ها، دا مكتوب لها تولد دلوجت والولادة رزق يا حبيبتى وهى أكيد فرحانة دلوجت وهى شايلة ابنها بين أيدها أطمني
أبتعدت “ليلي” عنه لتحدق به ثم تمتم بخوف:-
-نوح لو حصله حاجة عهد ممكن تروح فيه، أنت متعرفش هى بتحبه قد أيه
مسح “عطيه” على رأسها بدلل ثم قال:-
-أطمني والله ما هيحصل حاجة، أنا مهملش حد يأذي نوح طول ما انا عايش وهيطلع منها بأذن الله
أومأت إليه بنعم وهى تثق بحديث زوجها وأنه سيفي بوعده لها ما دام قطع هذا الوعد...
____________________
ربتت “عليا” على أكتاف “عهد” الباكية بأنهيار تام وغير مصدقة ما حدث وكيف كسرت فرحتها بمولودها بما حدث لزوجها، تحدثت ”عليا” بنبرة خافتة قائلة:-
-أهدئي يا عهد أنتِ بطنك مفتوحة والعياط دا كله هيأذي جرحك، شدة وهتزول والله
لم تتوقف عن البكاء وتضع يدها على جرح بطنها المؤلم لكن ألم قلبها المُنقبض يقتلها أكثر ويجعل جسدها يتنفض فزعًا وخوفًا، لم يتوقف طفلها الصغير عن البكاء لوهلة بسبب الجوع وهى ترفض فعل شيء سوى البكاء حتى أرضاع طفلها لا تقوي على فعله، نظرت “عليا” بعجز فى مواساة أختها إلى “سلمي” لتضرب “سلمي” كفيها ببعضهم وهى تقول:-
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فتح باب الغرفة ودلفت “ليلي” بلهفة ونظرت إلى الجميع وتحديدًا إلى صديقتها المُنهرة لتسرع نحوها بلهفة وهى تقول:-
-عهد
نظرت “عهد” إلى بضعف وخوف لتدمع عيني “ليلي” رغمًا عنها فعانقتها بحب شديد صادق بينهما وهن أكثر من صديقتين لتبدأ تربت على ظهرها وتقول:-
-أهدئي يا عهد، عطيه راح لنوح وهم هيقدروا يحلوها متقلقيش يا حبيبتي
صرخات بكائها وشهقاتها القوية تعلو وتعلو، دمعت عيني “ليلي” أكثر على حال صديقتها فأنتبهت لصوت بكاء الرضيع هو الأخر، أبتعدت عنها لتحمل الطفل الباكي لكنه لم يكفى عن البكاء وهو يرغب بوالدته الآن أكثر من أن يدلله أحد، وضعته “ليلي” بين ذراعي “عهد” لتنظر “عهد” إلى طفلها فقالت “عليا” بحنان:-
-ياسين هيموت من الجوع يا عهد، أهدئي يا حبيبتى وخلي بالك منه كويس
أستسلمت لرغبة رضيعها الباكي فرفعت يدها ببطيء تجفف دموعها التى لوثت وجنتيها بالكامل وضمت “ياسين” إلى صدرها بقلب أم لا يعرف سوى الطيبة والحُب، فكم ليلة أنتظرت رؤيته وأشتاق لمعرفة ملامحه وأستنشاق عبيره ورائحته الطفولية، كم لحظة تمنت أن تلمس أصابعه بحب، سكن الحب قلبها لهذا الرضيع من قبل أن تراه وأكتفت بما تشعر به وهو داخل أحشائها وركلته لها المؤلم كانت كالنبض لأحيا عشقه داخل قلبها وروحها رغم ألمه لكنها كنت تنتظر ركلته حتى تطمئن أنه بخير، والآن أتعاقبه بعد أن جاء إليه فدمعت عينيها من قسوتها على رضيعها الذي لم يكمل سوى يومًا واحدًا من العمر....
__________________
ظل “عطيه” و”علي” واقفان أمام مكتب وكيل النيابة بانتظار خروج “نوح” من الداخل، فُتح باب المكتب وخرج “نوح” بيد العسكري ومعه المحامي ليسرع الأثنين إليه فقال “عطيه” للعسكري:-
-لحظة
أجابه العسكري وهو ينظر حوله بقلق:-
-بسرع اللى يخليكم عشان وكيل النيابة مشدد جوي بعد ما عرف أن نوح بيه من كبائر البلد ومعايزهوش يتميز عن بجية المتهمين
أومأ “عطيه” إليه بنعم وقال بقلق:-
-حصل كيف دا؟
تحدث “نوح” بجدية صارمة وتحذير:-
-مخابرش، المهم مرتى وولدى، متروحش عهد وياسين على البيت الكبير يا حج، فاتن وبنتها ميتأمنوش ومكرهم وسمهم هيأذوهم، مرتي وولدي أمانة يا أبويا
أجابه “على” بجدية مُطمئنًا له:-
-متجلجش يا ولدى عليهم محدش يجدر يأذيهم طول ما أنا عايش المهم أنت خليك فى حالك
نظر “نوح” إلى “عطيه” بجدية ليقول “عطيه”:-
-متجلجش يا نوح أنا فى ضهرك وبأذن الله مهتطولش أهنا
أومأ “نوح” إليه ثم قال بتحذير:-
-خلي الرجالة تدور على تاج وكل واحد له عداوة مع خالد حتى لو أضطرت تجلب البلد على رأسها، وهمام كمان دور عليه بس الأول أمن مكان لعهد وياسين النهاردة وجبل ما تطلع من المستشفي فاهمني يا عطيه
تحدث “عطيه” بجدية قائلًا:-
-متجلجش من كل دا وأنا هوصي العساكر عليك متخافيش
نظر “نوح” له ثم قال ببسمة ساخرًا من هذا الحديث وقال:-
-متجلجوش عليا، أنا نوح الصياد ألف من هيعوز يخدمنى حتى فى الحبس
مر الضابط من جوارهم ليصرخ العسكري بيهم وهو يقول:-
-هم أمال يا متهم
سار “نوح” مع العسكري بضيق ليغادر “عطيه” مع المحامى و”علي” وقال:-
-شايف أيه يا متر
نظر المحامي إليهم وقال:-
-القضية مش سهلة، فى شهود شهدوا أن نوح بيه ورجالته هم اللى خدوا خالد من البيت اللى كان فيه بالقوة دا غير التحريات اللى أثبتت العداوة بين خالد ونوح بيه وفاتن مرات عمه جالت انه هددها بجتل خالد وجتل حمدي لنادر ودا دافع تاني يخلي نوح بيه عايز يأخد ثأر أخوه من ولد حمدي
أومأ “عطيه” بحماس وحزم شديد قائلًا:-
-يعنى كلها أفتراضات للعداوة والمشكلة فى الشهود بس، سيبها على الله
تحدث المحامي بجدية وقلق من نبرة “عطيه” ونظرته التى توحي بالشر والأنتقام:-
-خليني نمشي بالقانون
تبسم “عطيه” وهو يهندم عباءته فوق أكتافه ويقول:-
-القانون دا ليك أنت يا متر أنما إحنا لينا طريجنا اللى يجيب الحج بيدينا
فتح باب السيارة إلى “علي” ثم صعد لينطلقوا فسأل “علي” بقلق:-
-خلينا فى عهد وياسين دلوجت
أجابه “عطيه” وهو يخرج الهاتف من جيبه بيده الأخرى أثناء قيادته وقال:-
-خليها على الله يا حج متشلش هم، بعون الله محدش هيلمس منه شعرة
وضع الهاتف على أذنه بأنتظار الطرف الأخر يستقبل اتصاله...
_________________
كانت “أسماء” جالسة بغرفتها حزينة وترتدي عباءة سوداء وتتحدث فى الهاتف مع نادر قائلة:-
-عمايله هى اللى وصلته لكدة بس برضو هو أخويا، أه ينعم اللى سمعته عنه مكانش أحسن حاجة بس دا أخويا يا نادر
أجابها “نادر” وهو يسير فى رواق المستشفى واضعًا يده فى جيب البلطو الأبيض هاتفًا:-
-أنا خابر زين ومن حجك تزعلى لأنه أخوكي، أدعليه بالمغفرة على أعماله ودلوجت فى أيدي الخالق
تحدثت بصوت باكي ونبرة واهنة قائلة:-
-أنا جلجانة جوي على ماما، من ساعة ما رجعنا من المشرحة وهى ساكتة مبتنطجش بحرف حتى دموعها بتنزل فى صمت، لدرجة أنى عايزها تصرخ وتصوت بس أسمع صوتها، خايفة أوى من صامتها دا يا نادر وجلجانة عليها
جلس “نادر” على أريكة بحديقة المستشفي وقال بهدوء:-
-خليك معاها وجنبها دايمًا هى برضو أمه وخسرت ولدها وكمان شافته فى المشرحة بعد كم الجروح اللى فيه اكيد مصدومة
صمتت “أسماء” قليلًا ثم سألت بتردد:-
-هى عهد خرجت من المستشفى؟
أعتدل “نادر” فى جلسته فى صمت وهو يدرك سبب سؤالها عن “عهد” فقال بجدية مُحذرًا لها:-
-عارفة يا أسماء أنا وياكي وأخترتك ليه حتى لو مكنتش جولتها بس أنا خابر زين أنك مُتأكدة من مشاعر ليكي، هجولك من غير ما تفكرى او تتعبي نفسك فى الكلام، أنا وياكي وأخترتك لأن قلبك أبيض وطيبتك ظاهرة فى كل تصرف وفعل بتعمليه، نقائك وجمال روحك هما اللى جذبوني ليكي وكونوا ليكي كل المشاعر الجميلة اللى جوايا، روحك وقلبك دول اللى خلوكي عندي أغلى من كل المجوهرات وأثمن ما فى الكون فبلاش تخرسي نقائك وطيبتك
كادت أن تتحدث “أسماء” قائلة:-
-نادر أنا …
قاطعها بحزم قائلًا:-
-عهدت ولدت وخرجت المغرب يا أسماء وأنا مهمنعكيش عن أى حاجة بس صدجنى بلاش تخسرني وتخسري كل الحلو اللى ليكي جوايا بتصرف غبي وعُذرًا فى الكلمة اللى هجولها بس كيف ما أنتِ جولتى، خالد مكنش أمام جامع ونوح لسه مشتبه به لكن القانون مأجزمش انه عملها وأنا عن نفسي ممصدجش أنه عملها
كادت أن تتحدث ليقول “نادر” بجدية صارمة:-
-أنا هجفل عشان عندي شغل يا أسماء
أغلق الاتصال معها لتظل تنظر للهاتف فى صمت وتفكر بحديثه وتحذيره لها بألا تخسره لتسيل الدموع من عينيها فى صمت بحزن شديد يفتت قلبها وينحر روحها بسكين حاد فتنهدت بأختناق لما يحدث بها وألمها...
_______________________
كان “نوح” جالسًا بالزانزنة يفكر بما حدث ومن فعلها لكن هذا الفاسق أعدائه أكثر من حلفائه، وبكل خطوة يخطوها يصنع عدو جديد مما يُصعب وجود الفاعل، أغمض عينيه بغضب ليفكر بزوجته المريضة ومولوده الذي لم يحمله سوى مرة واحدة وكيف تدمرت فرحتهما وكُسرت بسبب هذا الفاسق المختل، تمتم بحزن مُشتاقًا لزوجته:-
-كيفك يا عهدي؟
_______________________
بغرفة مُظلمة كانت “عهد” نائمة بفراشها تبكي بصمت ودموعها لم تتوقف لوهلة واحدة عن النزول وقلبها يفتك به الوجع والحزن على ما حدث ولم تبالى لبكاء طفلها النائم بجوارها ففُتح باب الغرفة ودلفت “خلود” ابنه “حُسنة” تجمل صينة الطعام وقالت بهدوء:-
-برضو مهتأكليش
لم تُجيبها “عهد” لتجلس “خلود” جوارها وقالت بلطف:-
-صدجني هم وهيزول، نوح بيه ميعملهاش وبراءته هتظهر جريب بس أنتِ مهينفعش اللى بتعمله فى حالك دا، ولدك محتاجاك
لم تبالي “عهد” وكأنها بعالم أخر غير العالم ولا تستمع لكلمة واحدة من حديث “خلود” فربتت “خلود” على ذراعها بلطف وقالت:-
جومي أمال كُلي أى حاجة عشان علاجك وجرحك حتى عشان تجدر تروح تزور نوح بيه وتطمني عليه
ألتفت “عهد” بعد ذكر أسمه بضعف وحاولت الجلوس بصعوبة فتبسمت “خلود” بعفوية وهى تتسائل أهذه المرأة تحبه بهذا القدر؟ بدأت فى تناول القليل من الطعام فى صمت لتحتضر لها “خلود” العلاج وهى تقول:-
-الحج علي ربنا يكرمك ويخليهولك مرفضش أبدًا أنى أجي أهتم فيكي أنتِ وياسين الجميل دا
تحدثت “عهد” بضعف ولهجة واهنة بصوت مبحوح:-
-نوح معملهاش أنا مُتأكدة من دا
جلست “خلود” أمامها ثم قالت:-
-نوح بيه ميعملهاش، اه هو ساعات قسوته بترعب وممكن بنظرة يخلي أخاف أجي داركم تاني لكن قلبه مفيش أطيب منه صدجينى، ميجتلش نفس ربنا حرم جتلها، هو جبروته وقسوته يرعبه ويخلوكي تتمني الموت لكن ميموتكش أبدًا
رفعت “عهد” يدها إلى عنقها تلمس القلادة التى أهدأها إليها قبل هذا الحادث وتحديدًا اسمه بأشتياق وخوف من أن يُصيبه شيء وتُثبت التهمة عليه وعينيها تنظر إلى “ياسين” بضعف وانكسار وهو يبكي كأنها تطلب من هذا الطلب أن يغفر قسوة والدته عليه فحقًا قلبها على وشك التوقف من الفراق والخوف......
_______________________
بأحد خيم الغجر، تحدثت السيدة العجوزة بصدمة قاتلة ألجمتها بنبرة هامسة خوفًا من أن يسمعهما أحد:-
-جتلتيه كيف؟ أنتِ جنتي إحنا كنا عايزينه يتجوزك عشان اللى فى بطنك؟
كانت “تاج” جالسة على الأرض وتأكل الفاكهة بفرحة عارمة تغمرها بعد أن أنتقمت منه على كل ما فعله بها ورفض للزواج منها وقالت بسعادة:-
-وهو مهيتجوزنيش يبجي يموت وأى ورجة عرفي وهجوله أنى أتجوزته واللى يشك فى كلام يبجى يروح يسأله فى الجبر
ضربت السيدة العجوزة الأرض بعصتها ثم قالت:-
-وأنتِ بجي مفكرة أن نوح الصياد بجلالة قدره هيشيل التهمة عندك ولا هيفضل فى السجن كتير ويلبسها عشان تفكرى فى ولدك، أنتِ متعرفيش أنك لعبتي مع اللي مينفعش تلعبي فيه
رمقتها “تاج” بنظرة مُرعبة ثم وقفت من مكانها وهى تمسك سكين الفاكهة بيدها لتقف أمام هذه السيدة ووضعت السكين على عنقها بغضب سافر ثم قالت:-
-أنا جتلت مرة ومعنديش مانع أجتل تاني دا بالعكس هتكون أسهل من الأولي، جربي أنتِ تفتحى تمك لحد وتنطج بكلمة واحدة وهتشوفي أنا هعمل أيه
أنهت كلمتها ودفعت السيدة بقوة لتسقط أرضًا بخوف شديد وهى تلهث رعبًا مما تحولت عليه “تاج” هذه الغجرية الشمطاء.....
يتبع