
رواية جمال الاسود الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم نورا عبد العزيز
نظرت "مريم" إلى وجهه وهو واقفًا أمامها حازمًا أمره على أخراجها لوالدها فبدأت ترتجف وهى تجيب عليه بصوت متقطع مع شهقاتها القوية هاتفة:-
-صدقنى الخادمة هنا أفضل من كوني سيدة قصر بواسطة حمزة، تمام كالفرق بين الجنة والجحيم
حدق "جمال" بها وهى ترتجف باكية ضعفًا وألمًا وحتى لم تلقب "حمزة" بأبًا لها بل نطقت اسمه هكذا، أزدردت لعابه بتوتر شديد ثم قال بجدية:-
-ماشي، إحنا هنلعب لعبة لو كسبتي هسيبك تقعدي فى قصري وأوعدك أن الرجل دا مش هيلمح ظلك أبدًا لكن لو كسبت أنا هتخرجي من قصري للأبد ومتخلنيش أشوف وشك تاني
ترددت كثيرًا فى الموافقة وهى لا تعلم ماذا ستلعب وكون هناك أحتمال لمغادرتها جعلها ترتعب خوفًا، نظرت إلى "سارة" لتشير لها بألا تفعل لكن "مريم" لم توافقها الرأى وقالت:-
-ماشي موافق، وإذا خسرت هعتبرها إشارة من ربنا على موتي... أيه هي اللعبة؟
غادر الغرفة بوجه حادة غليظ بعد أن أخبرته انها على أستعداد للأنتحار والواد بحياتها على أن تعود مع "حمزة"، قال بحزم:-
-حصليني
_____________________________
"مــــزرعة الفيــــوم"
وضعت السيدة كوب الشاي الساخن علي الطاولة ثم جلست أمام "شريف" ليقول :-
-مريم!!
تنهدت السيدة الخمسينية بهدوء ثم قالت:-
-مريم طفلة عجنها القدر، صدق اللي قالته سارة، أه حمزة أبتزاز ورجل حقير متعاشرش، مريم ما عرفت طعم الحياة والأمان غير من اللحظة اللى بقيت فيها زوجة لمختار بيه، حمزة كان بيجي يشوفها من فترة للتانية وكل مرة لازم يديها علقة والتانية وحرمها من تعليمها وطفولتها دمرها وقتل برائتها، بنت يتيمة الأم وكأن ربنا حرمها من الحب والحنان مع حرمان الأم، ربنا يرحمها بقي له حكم فى كل حاجة
-مريم أتجوزت مُختار بيه أزاى؟
سألها بنبرة هادئة لترتبك كثيرًا قبل أن تجيب عليه وبدأت تتحاشي النظر له فقال بهدوء ونبرة مُطمئنة:-
-أتكلمي وأوعدك أن محدش هيعرف باللي هتقوليه نهائيًا لكن أنا محتاج أعرف اتعرف عليها أزاى
أجابته السيدة بتوتر شديد وبدأت تفرك أصابع يديها الأثنين معًا قائلة:-
-كان دايمًا بيسمع عن البنت اللى فى جنينة اللي عايشة فى الأسطبل مع الخيل مني، مريم كانت قنوعة وراضية رغم حرمانها من التعليم والأحلام زى أى بنت فى سنها لكن قدرت تخلق سعادتها هنا وسط الطبيعي والأرض الخضراء والزرع والخيل، أتعلمت ترويض الخيل مع جوز عمتها اللي جابها هنا تعيش معرفش كانت قساوة منه ولا رحمة لما مراته ماتت ومبقاش موجود فى البيت غيره هو وابنه فخاف عليها بعد ما بدأ جسمها يتغير وتكبر وجابها هنا، كن نص الحكاوي اللى بحكيها للبيه عن المزرعة والناس هنا عن مريم لكن فى مرة جه زيارة مفاجئة لينا وسمع صويت وحد بيطلب النجدة
-كانت مريم!!
سألها "شريف" بفضول شديد لتقول:-
-كانت بتتعذب وتموت بالبطيء، حمزة كان هنا فى زيارتها وكالعادة مجرد ما بيجي بتنطفي وسعادتها بالتدمر كان دايمًا شايف أنها السبب فى موت مراته خصوصًا أنها ماتت أثناء ولادة مريم، كان بيحب مراته جدًا ومن بعد موتها أنتقم من نفسه فى شرب المخدرات ومن مريم بتعذيبها كونها السبب..ـ، وقتها حكيت لمختار بيه عن العذاب اللى بتشوفوا مريم الطفلة الصغيرة وقرر أنه يتجوزها لكن معرفش بأنها طريقة ولما عرف أن حمزة بتعاطي أديله كمية كبيرة وهو عارف انه راجل طفس وطلبه بالفلوس ومكانش معه فقرر أن يكون التمن مريم، أنا عارفة ان كل الناس بتكرهه وشايفين أنه وحش لكن مريم كانت الحسنة الوحيدة فى حياته، كتب عليها وكان دايمًا بيسمع عنها وعمره ما شافها لكنه شافها يوم الجواز ووقتها كان جايبلها هدية حصان وسارة مربية ليها تعتني بيها عوضًا عن امها اللى ماتت...
_____________________________
خرج "جمال" من القصر كاملًا وخلفه "مريم" ثم "سارة" تراقبهما، وقف أمام السياج لترى "حاتم" يخرج من منزل الخيول جالبًا فى يديه الأثنين فرس أبيض جميلًا و"إيلا" فرستها المحبوبة وصديقتها الوحيدة لتبتسم "مريم" بحماس وقد تلاشي خوفها ثم قالت:-
-عايز تركب الخيل؟
نظر لبسمتها المشرقة وكأنه قد نال مراده من هذه اللعبة، تلاشي خوفها وتوقفت عن البكاء فمنذ الوهلة الأولى التى طلبت فيها حصانها عن المال علم جيدًا أنها تعشق الخيول وركوبها على "إيلا" كان بمثابة نيل الحرية من سجنها الأليم، توقف العامل أمامهم وترك الخيول ثم غادر فقالت:-
-أيه هى اللعبة؟
تبسم وهو يرحب بحصانه الأبيض ثم قال:-
-دا مرجان فرسي الغالي ولا مرة سمح لحد يركبه غيري، لو قدرتي تركبي علي ظهره وخلصتي 10 دورات فى 10 دقايق داخل السياج هسيبك تقعدي فى قصري
نظرت إلى "إيلا" بحزن فحماسها وبسمتها كانوا لأجل "إيلا" فرستها الجميلة الساحرة والركوب عليها فقالت بعبوس:-
-خليهم مائة أو ألف لكن على ظهر إيلا
ألتف إليها بوجه حاد ثم قال:-
-أنا عارف أنك ماهرة جدًا فى ركوب إيلا فبكل الأحوال هى حصانك لكن وريني قوتك وماهرتك على مرجان وفى المقابل أنا هركب على ظهر إيلا
أتسعت عيني "مريم" على مصراعيها بصدمة ألجمتها وقالت بسخرية بريئة:-
-إيلا حصان بري مبتسمحش لحد يقرب منها أو يركبها
تبسم بعفوية وهو يقول:-
-دي مشكلتى أنا
تنهدت بأغتياظ شديد وعينيها تحتضن عيني "إيلا" ثم قالت:-
-أتفقنا
ربتت على عنق "إيلا" حتى صعد عليها "جمال" كأنها أخبرت صديقتها أن تكون جيدُا وتحسن معاملته لأجلها فهو قادر على تدمير حياتها بكلمة واحدة ثم قالت بعبوس:-
-أمسك كويس لأن حصاني عنيدة وشقية
أقتربت من "مرجان" ليعود للخلف رافضًا صعودها عليه، أعطي "جمال" الساعة إلي "سارة" لتكن حاكمًا بينهما، أقتربت "مريم" منه وقالت:-
-أهدأ .. اهدأ
أصدر صهيله وهو يرفع عنقه للأعلي رافضًا رفض قاطع ركوبها على ظهره، عكس "إيلا" التى كانت هادئة مما جعل "جمال" يطمن جدًا وبدأ السباق قبل أن تصعد "مريم" على ظهر حصانه، ركضت "إيلا" به بخطوات ثابتة حتى أنهت اللفة الأولي وصعدت "مريم" بدلال على ظهر "مرجان" ودخلت السياج فى هذه اللحظة بدأت "إيلا" فى التذمر والعناد رافضة وجود غريب على ظهرها لتسرع من قوتها وهى تهز رأسها بقوة مُحاولة إفلات شعرها الطويل من "جمال" لكنه كان فارسًا ماهرًا تمامًا كـ "مريم"، ركضت "مريم" بحصانه وهى تتقرب إليه بحنانها ولمساتها الناعم فهى تملك الكثير من الخبرة فى ترويض الأحصنة، كان "جمال" يسبقها بدورة لكن مع تذمر "إيلا" جعل "مريم" تقترب منه بحماس وهى تصدر صافرة بفمها فهمتها "إيلا" جيدًا وبدأت تهدأ من حركتها وتذمرها فنظر "جمال" إليها بدهشة من ترويضها إلى "إيلا"، تبسمت "مريم" بفخر رغمًا عنها وهى تهز كتفيها الأثنين للأعلى بمعنى أنها ماهرة لا شك، شعر "جمال" بقشعريرة فى قلبه من بسمتها فعاد للنظر مرة أخرى للأمام بخوف من هذه الفتاة، كان "جمال" يسبقها بفضل ترويضها لـ "إيلا" ومساعدته فى توقف فرستها عن التذمر لكن "مرجان" لم يكن كإيلا رحيمًا مع راكبه فأرتطامًا بالسياج قاصدًا التذمر على "مريم" فقد وصل لأقصي درجات الغضب من ركوبها عليه لتصرخ "مريم" بألم من قدميها التى أعتصرت فى السياج الخشبي، ألتف "جمال" برأسه ليراها تتألم وفرسه ما زال يتذمر ويقفز بجنون لإسقاطها فتمتم بخوف قائلًا:-
-خلينا نروح لها قبل ما يأذيها
وكأن "إيلا" فهمت ما يقول لتسرع فى خطواتها وعينيها على "مريم" لا تفارقها وتصدر صهيلها بخوف شديد على صديقتها، تشبثت "مريم" جيدًا فى لجام الفرس مما جعل "مرجان" غاضبًا فبدأ يدور حول نفسها مرات متتالية لتشعر "مريم" بدوران شديد وتركت اللجام وجسدها فقد توازنه لتسقط من فوق مرجان فأسرعت "إيلا" أكثر نحوها وهى تراها تهتز وعلى وشك السقوط فأمسكها "جمال" وهى تسقط بذراعه وجذبها بقوة إلى صدره، تشبثت به بقوة وهى جالسة أمامه ولفت ذراعيها حول عنقه بأحكام وذراعه يحيط بخصرها حول ظهرها والأخر يمسك بإيلا، شعر بأنفاسها تضرب عنقه بجنون وصعوبة فقال هامسًا:-
-حصل خير
تساقطت الدموع من عينيها على عنقه ليشعر بحرارتها وسمع صوتها المبحوح قائلًا:-
-ممكن نكرر مرة تانية، أرجوك أوعدك أني هكسب بس أدينى فرصة رجاءً
لم تترك القشعريرة قلبه من قربها إليه وضمه إليها أشعره بدفء لم يشعر به من قبل فلم يتمالك نفسه وبدأ يربت على ظهرها بلطف وهمس قائلًا:-
-ممكن تبطلي عياط، مش هخليه يأخدك خلاص
توقفت "إيلا" أمام "سارة" فأخرجها "جمال" من عناقه وأعطاها إلى "سارة"، تشبثت "سارة" بها جيدًا وقالت:-
-أنتِ كويسة، إن شاء الله ما يكون حصلك حاجة؟
هزت رأسها بالنفي، بينما "جمال" ترجل من فوق "إيلا" وغادر أمامه بحرج وأرتباك شديد فى قلبه، سارت مع "سارة" بتعب وتشعر بألم فى قدمها لتهمس "سارة" إليها قائلة:-
-رجلك بتوجعك؟
نظرت "مريم" بحرج على "جمال" وهو يسير أمامهم وقالت هامسة حتى لا يسمعها:-
-لا خالص، دى أتجرحت
أستشاطت "سارة" غضبًا من هذا الرجل لكن "مريم" أربتت على يدها بلطف وصعدت إلى الغرفة مُبتسمة لموافقته على بقاءها وأتصل "جمال" بالأمن ليصرفه "حمزة" قبل أن يتصل "جمال" بالشرطة وبالفعل هرب "حمزة" فور سماعه كلمة الشرطة...
__________________________
خرج "شريف" من المرزعة مذهولًا مما سمعه ونظرت هذا العامل تراقبه عن كثبه وتجعله يرغب فى معرفة المزيد وحتمًا هناك ما يخفيه هذا الرجل، صعد بسيارته ثم أنطلق إلى القصر وفي طريقه حاول يرتب الأحداث والكلمات التي سمعها ليجمع خلاصة حياتها وما مرت به، ربما صدقت "سارة" عندما أخبرته أن "حمزة" هو الجحيم لها وتحتاج لمساعدته حتى تخلصها منه، لكن "جمال" هل سيقبل ببقائها لفترة أطول داخل قصره فربما هي تخشي "حمزة" لأنها تعرف مكره وغضبه لكنها لا تعرف من هو "جمال" وماذا سيفعل بها وكيف يكون فى قسوته، ما زالت لا تعرف أنها تركت عرين الشبل ودخلت لعرين الأسد ....
_________________________
دق باب الغرفة مساءًا ودلفت "حنان" وخلفها بعض الخادمات يحملون الكثير من الحقائب ثم قالت:-
-مستر جمال بعت لك الحاجات دي
نظرت "مريم" بقلق إلى "سارة" لتقترب من الحقائب وتفتحها وكان بداخلها الكثير من الملابس والأحذية ومستلزمات كثيرًا لأجلها فقالت "سارة":-
-هدوم عشانك
أومأت "مريم" بهدوء لها فغادر الجميع، قالت "سارة" بقلق:-
-مريم أنا مش واثقة فى الرجل دا، متثقيش فيه كتير
جلست "مريم" على المقعد بصمت ثم وضعت الوسادة على قدميها وقالت بشرود:-
-عارفة لكن تعرفي يا سارة هو دافئ
تعجبت "سارة" من كلماتها وذهبت نحوها بدهشة وبعد أن جلست حدقت بها وقالت:-
-نعم!! مريم متفكريش بأى حاجة نهائيًا غير أنك تأخذي ورثك منه كونك زوجة المرحوم مختار او على الأقل تأخدي أى مبلغ يعرضه عشان نقدر نهرب بيه بعيد عن حمزة وتبدأي حياتك وترجعي لتعليمك وتعيشي، أوعي تنسي إحنا هنا ليا ووصية المرحوم جوازك لازم تتفتح، أوعي تفكري أن قربك من جمال حل وممكن يكون فى صالحك إحنا فى غني عن الوقوع مع الكبار والرجالة وكفاية علينا حمزة، أوعي تنسي أن جمال لو عرف بالماضي واللي حصل هيقتلنا إحنا الأثنين عارفة دا ولا لا؟
تأففت "مريم" بضيق شديد ثم قالت:-
-أساسًا لو حمزة عرف أني شوفته بيقتل مُختار بأيده هيقلتني أنا كمان، متنسيش أني شوفته يعني شاهدة على جريمة قتل ودا كفيله بلف حبل المشنقة حول رقبته
أنتفضت "سارة" خوفًا من أن يسمعهم أحد ووضعت يديها على فم "مريم" بخوف وقالت:-
-قولتلك تنسي الليلة دى بكل اللي حصل فيها مش بس الجريمة ومتتكلميش عنها حتى قصاد المرايا مع نفسك يا مريم
أحتضت "مريم" وسادتها بخوف وهى تتذكر الماضي ثم قالت:-
-أنسي! سارة أنا ولا مرة نمت فيها بسلام وأنام بعد الليلة دى من بداية اللى عمله مُختار فيا وقتل حمزة له، الكوابيس ملازمني كأن حياتي كان ناقصها اليوم المشئوم دا، أزاى أنسي دا، أنا عارفة أن الجحيم جاي جاي هي بس مسألة وقت
أخذت "سارة" يدها الصغيرة بين راحتى يديها ونظرت إلى "مريم" بدفء ثم قالت:-
-صغيرتي أنا معاكي ومش هسيبك نهائيًا لكن حرصًا مننا متقربيش من جمال وأبعدي عنه قدر الإمكان لحد ما يجي الوقت المناسب ونهرب من هنا...
أومأت "مريم" إليها بهدوء ثم وضعت رأسها على قدمي "سارة" لتنال قسطًا من الراحة فى مأواها الوحيد ربما لا تأتيها الكوابيس وهى بقرب "سارة"..
_________________________
فى الوقت نفسه كان "جمال" جالسًا فى مكتبه وفتح أحد الأبواب السري ثم دلف إلى الغرفة وكانت صغيرة والحائط مليء بالصور والملاحظات ويتوسطه صورة "مُختار" ليقول بضيق شديد:-
-أنت فين يا مختار؟ إذا كنت ميت فعلًا فين جثتك؟ أنا وأنت عارفين كويس أن الجثة اللي أدفنت مش أنت وأني وافقت الشرطة علي أنها أنت عشان التحقيقات لأني تعبت مش قرفك لكن فين جثتك الحقيقية يا مختار وأيه اللي حصل معاك؟
سمع صوت باب المكتب يدق فخرج من الغرفة مُسرعًا وأغلقها ثم أذن بالدخول ودلف "شريف" بعد أن عاد من المرزعة ليقول:-
-أتمني مكونش أتاخرت؟
هز "جمال" رأسه بلا، أقترب "شريف" منه وهو يقدم له الجهاز اللوحي وقال:-
-مريم حمزة العاصي تسعة عشر سنة و8 شهور يتيمة الأم اللي أتوفت فى الولادة ومن وقت ولادتها وعاشت مع جدتها والدة حمزة مريضة السرطان وربتها لحد ما وصلت 5 سنين بعدها حمزة وداها علي بيت عمتها في الفيوم لطالما كره وجودها من لحظة ولادتها بسبب وفاة مراته معتقد أنها قتلت حبيبته، عمتها قدمت لها فى المدرسة ودرست لحد أولي ثانوي عام بسبب كونها طالبة متفوقة فى الدارسة وربتها مع أبنها ياسين لحد ما أتوفت عمتها وفضل جوز عمتها عامل الأسطبل فى مزرعة السيد مُختار يربها لحد مر شهر وأخدها على المزرعة بسبب خوفه على بقاء بنت مراهقة مع ابنه اللى بيكبرها بثلاثة سنين لذا تربت مريم وسط الخيول وتعلمت معه المهنة، وقتها رجع حمزة بعد خبر وفاة أخته وأعتبر أن مرة شؤم على كل أحبابه كل ما تروح لحد يموت فقرر يمنع مريم من تعليمها وأتجوزت أخوك وقتها بعد فترة، قدم مُختار مربية لها وهى سارة بيوم زواجهما وقدم لها فى المدرسة تكمل ثانية ثانوي لكن منعها من تعليمها مرة تانية بسبب معارضة أخاك وبصراحة معرفتش أوصل لسبب دا، من لحظة جوازه بها وهي مخرجتش من باب البيت فى المزرعة بمعني كانت سجينة هناك لحد ما مختار مات من ثلاثة أشهر وطوال فترة الجواز حمزة ملمحهاش بنظره، لكن الحاجة الوحيدة اللى مؤكدة أن حمزة كان نار بتحرقها طول الوقت
كان "جمال" يستمع جيدًا لقصتها على لسان "شريف" وعينيه تحدق بصورتها الموجودة فى الجهاز اللوحي أمامه ليكمل "شريف" بأهتمام أكبر:-
-معندهاش صحاب ولا عائلة بطبيعة حياتها فى سجن المزرعة غير حصانها اللي قدمه مختار ليها واتعلقت به كتير، حياتها كانت طبيعة لحد ما فيوم الخادمة سمعت صوت زعيق من فوق وكان مختار أول مرة يتخانق معها ومحدش يعرف السبب كان أيه لكن الأكيد أنه كان حاجة كبيرة لأنه عاقبه ليها كان حرمانها من حصانها لما بعته هنا من ثلاثة شهور ومن وقتها ومريم دخلت فى حالة صدمة وفقدت النطق بالفعل بسبب فراق حصانها وجابولها دكتور نفسي لكن منفعش ومريم متكلمتش لحد ما جت هنا وطلبت بحصانها وأتوفي مختار بعد ثلاثة أيام من خناقهم وكانه لسه متخاصمين
تمتم "جمال" بنبرة خافتة وسبابته تلامس وجهها الموجود على الشاشة قائلًا:-
-يعنى حمزة مكدبش لما قال أنها خرساء
أومأ "شريف" بنعم وتابع:-
-كمان الخادمة قالت أن طول الثلاثة شهور اللي فضلت فيهم فى المزرعة بعد موت مختار بيه كان حمزة عايش معاها هناك وبيعذبها بكل الطرق اللى ممكن تتخيلها لدرجة أنه فى مرة طعنها بسكينة فى كتفها وسابها تنزف من غير حتي ما يجيب لها دكتور
كان "جمال" صامتًا طيلة الوقت يستمع فقط دون أن يتفوه بكلمة أو يعلق، فقط عينيه لم ترفع عن وجهها ثم أغلق الجهاز اللوحي ووضعه على المكتب قائلًا:-
-خلاص يا شريف كفاية، روح أنت
غادر المكتب صامتًا مما جعل "شريف" متعجبًا فقد أكتفي بشكره فقط، أين أسئلته وشكوكه المعتادة ليقول بتمتمة:-
-بس كدة، بتفكر فى أيه يا سيد القصر؟
خرج "جمال" من المكتب وصعد الدرج شاردًا حتى وصل إلى غرفة "مريم" وتتطلع بالباب كثيرًا ثم قال مُرددًا كلمات "جمال" إليه:-
-مات وقت خصامها، معقول قتلتيه يا مريم؟
الفصل الرابع
صراخها داخل مكان مُظلم لا تري فيه حتى أصابعها، صوت أستغاثتها سرعان ما تبدل الصوت بصوت أحتكاك الحديد بالحائط الصلب، ظلمة مُرعبة ومُخيفة ونيران مُشتعلة بنهاية المطاف ويد رجولية قوية ترفع عاليًا حتى سقطت بالعصا الحديدية على رأس "مختار" أسقطته أرضًا وبسمة مُخيفة وكأن الشيطان من يبتسم لمكره وفخرًا بقذارته....
صرخت "مريم" بقوة هزت جدارن القصر كاملًا وفتحت عينيها بهلع شديد ترتجف وجبينها تتعرق كأن أحدهن سكب دلو من الماء على رأسها، نزل "جمال" من الأعلى على صوت صراخها وكانت نائمة على الأريكة، جاءت "سارة" إليها من الأعلى بقلق شديد لتضمها بقوة بين ذراعيها، تتطلع "جمال" بها كثيرًا وهى تخفي عينيها داخل "سارة" بقوة وكأنها لا تقوى على النظر أو مواجهة هذا العالم، والفضل يعود إلى "حمزة" التى أرتكب جريمة القتل أمام عينيها لكن أن علم بما رأته عينيها سيقتلها هى الأخرى بلا شك فالقدر وحده من وضعها بهذا الموقف وخلق بداخلها هذا الخوف وسلب منها الأمان حين رأت ما لا يجب أن تراه عينيها، أحضرت الخادمة ماء باردة لأجلها لترتشفها بخفة ثم عادت إلى المطبخ، أنتبهت "مريم" لوقوف "جمال" بعيدًا يراقبها عن كثب بعد أن إيقظت الجميع بصراخها لترفع نظرها به فكان يتطلع بها بقوة والفضول يقتل ملامحه والقلق لتتعجب لرؤية قلقه عليه فقالت بنبرة هادئة:-
-أنا أسفة صحيتكم
لم يجيب عليها وسار إلى الحديقة فأمسكت "سارة" بيدها ثم قالت بلطف:-
-ولا يهمك يا حبيبتي هعملك كوباية ليمون ساقع، أهدئي
أومأت "مريم" لها بنعم وألتفت برأسها على الحديقة حيث ذهب "جمال"، كان يسير واضعًا يديه الأثنين فى جيوبه بنطلونه القطني ذات اللون الأزرق ويرتدي سترة سوداء مُغلقة الساحب الخاص بها وينظر إلى الأمام بشرود ولا يفارق عقله صرختها القوية وانتفاضها رعبًا فقطع هذا الشرود صوتها الخافت من الخلف تقول:-
-ممكن أمشي معاك
ألتف إليها وكانت تشبه المراهقات الصغيرات جدًا بوجهها الخالي من مساحيق التجميل وصغر حجمها مُرتدية بيجامة قطنية ذات اللون الأصفر الفاتح بنصف كم وشعرها الطويل مسدولًا على ظهرها حتى بلغ نهايته وعلى الجانب الأيسر، صمت ولم يعقب على كلمتها فقالت بترجي:-
-مش هعمل أى صوت ولا هزعجك، أنا بس خائفة أقعد لوحدي لحد ما سارة تيجي
تابع سيره للأمام بمعنى الموافقة لتلحق "مريم" به وكانت حقًا ضئيلة بجانبه تصل إلى ساعده برأسها فقالت بهدوء:-
-أنا دايما بحلم بكوابيس مُخيفة
أنتبه لحديثها بأذنيه دون أن يتطلع بها وقدميه تسير فى هدوء، أخبرته أنها لن تصدر صوت لكنها تفعل الآن فتنهد "جمال" فهو سمع عن حياتها ما يكفي ولا يرغب بسماع شيء أخر عن تعاستها فهذا لن غير الأمر كثيرًا، تابعت "مريم" بنبرة خافتة وقد بدأ الخوف يظهر فى صوتها:-
-من لحظة وفاة عمتي وظهور حمزة مرة تانية فى حياتي ومعاملته القاسية ليا والكوابيس ظهرت معاه
ضمت ذراعيها الأثنين إلى صدرها وقد بدأت تشعر بالبرد القارس ليلًا لتتابع حديثها قائلة:-
-فى الحقيقي أنا كنت عايزة أقولك أنى أسفة على أني ضيق ثقيل عليك ومش مرحب بوجودي هنا لكن برضو أحب أقولك شكرًا على اللى عملته معايا وأنك مسمحتش أن حمزة يأخدني
توقف عن السير لتنظر إليه بخوف فربما تفوهت بشيء أغضبه لتراه يفتح سحاب سترته ونزعها عن جسده ثم أقترب ليضعها فوق أكتافها بلطف لتميل رأسها لليمين بدهشة من لطفه وقالت:-
-أنا...
قاطعها "جمال" بجدية قائلًا:-
-متمرضيش فى بيتي أن كوني عارفة أنك ضيف غير مرحب فياريت متزعجيش البيت دا حتى الخدم بمرضك
أنتفض قلبها رجفًا وهى ترفع رأسها نحوه وتشعر بأرتباك شديد حتى أنها شعرت أن حرارتها أرتفعت بسبب قربه هكذا وفعله فأومأت بحرج إليه ليخفض نظره نحو عينيها وقال بلطف:-
-خليني أقدم لك نصيحة متثقيش بلطفي ولا معاملتي أنا مش باللطف اللي أنتِ مُتخيلاه، لو كنت سمحت لك فى البقاء هنا فـ دا عشان اللى عملته فى المستشفي أنا محبش أكون مدين لحد بحاجة لكن متثقيش فيا أنا أكثر وحشية من حمزة اللى خايفة منه
يخبرها بمدة وحشيته التى يخفيها خلف قناع اللطف والهدوء كأنه ينذرها بألا تأمن له لكن ما أصابها بالغضب الأكثر وجعلها تشعر بتوتر شديد فور ذكر اسم والدها لتقول:-
-أنت بتتكلم كدة لأنك متعرفش حمزة لكن أنا واثقة أن مفيش أقسي منه ولا حد أوحش منه
غادر "جمال" دون أن ينطق بكلمة واحدة لتنهدم سترته الكبيرة على جسدها الضئيل وكانت يديها مخفية تمام داخل أذرع سترته الطويلة وتصل لركبتها لتسير مُسرعة للداخل فرأت "سارة" تخرج من المطبخ حاملة بيدها كأس من عصير الليمون فدهشت "سارة" عندما رأتها ترتدي سترة "جمال" وقالت بخوف شديد:-
-أيه دا، مش قولتلك أستنيني هنا؟ جبتي الهدوم دى منين؟
نظرت "مريم" إليها وقالت بحرج:-
-أنا هطلع أنام
صعدت للأعلي ولم تنزع سترته عنها بل ولجت لفراشها بملابسه وكأنها تحتمي من كوابيسها بها و"سارة" تتبعها حتى جلست جوارها على الفراش وقالت بلطف:-
-أشربي الليمون
أومأت "مريم" لها بنعم وأرتشفت الكأس كاملًا ثم غاصت فى نومها، و"سارة" بجوارها تنتظرها أن تغرق فى نومها ثم خرجت للشرفة بتسلل وأخرجت هاتفها لكى ترسل رسالة واحدة محتواها
(لقد دخل العصفور القفص)
أنتظرت الرد على رسالتها وكان من كلمات قليلة غامضة
(أبقيه بداخله)
عادت للغرفة فى هدوء....
___________________________
جلس "حمزة" بسيارة الأجرة أمام القصر ينتظر خروجها صباحًا حتى فُتح باب القصر وخرج منه سيارة "جمال" مُتجهًا إلى عمله وأنتظر حتى رحل "جمال" تمامًا عن القصر وأخرج هاتفه ليتصل على رقم "سارة" فأجابته بجدية قائلة:-
-بتتصل تاني ليه؟ عايز أيه مننا؟
تحدث "حمزة" بمكر شديد قائلًا:-
-قولي لمريم تخرج وأنا مستنيها برا وإلا هطلع على جمال بيه اللى بتتحامي فيه وأقوله كل حاجة وعليا وعلي أعدائي ووقتها هو اللى هيقتلها مش أنا
نقلت "سارة" الرسالة إلى "مريم" بغضب شديد والفضول يقتلها لما فعلته ويبتزها به "حمزة" فصرخت بغضب قائلة:-
-أنتِ عملتي أيه يا مريم؟ ردي عليا مخبية أيه مخلي حيوان زى دا يبتزك بيه؟
على عكس "مريم" الذي شحب لونها وأرتجفت بذعر شديد ثم قالت:-
-أنا هطلع له
أتسعت عيني "سارة" من موافقة "مريم" على الذهاب إليه وقالت:-
-مستحيل، أنتِ عملتي أيه من ورايا يا مريم مخليكي تروح للموت برجلك، ربنا يستر
لم تقوى "مريم" على رفع عينيها بها وذهبت للخارج بقلق مُرتدية بنطلون جينز أزرق اللون وفوقه سترة "جمال" التى أخذته منه امسًا وحذاء رياضي أبيض اللون، خرجت من باب القصر وبحثت بنظرها عنه لترى سيارته هناك فذهبت إليه بقدمي مُرتجف وتكاد تصبو إليه، وصلت إلى السيارة ولم تجد "حمزة" بداخلها وقبل أن تستدير جاء "حمزة" من خلفها ومسك رأسها وضربها بالسيارة بقوة لتفقد الوعي أرضًا ليتطلع بها بغضب وكره شديد، رأه رجل الأمن فى كاميرات المراقبة ليفزع منه مكانه خوفًا من "جمال" وأرسل إشارة إلى أصدقاءه وهو يرى "حمزة" يضعها بالسيارة فاقدة للوعي، خرج رجلين من الأمن إلى الخارج ليمر "حمزة" بسيارة من أمامهم بسرعة جنونية هاربًا منهم، وصل الخبر إلى "سارة" لتفزع خوفًا على "مريم" وهى تعلم بأنه سيقتلها فى الحال...
_______________________________
كان "جمال" جالسًا بغرفة الأجتماعات فى مقدمة الطاولة الكبيرة ويستمع إلى مدير التخطيط وهو يعرض عليه مشروعهم الجديد على الشاشة والغرفة مُظلمة و "شريف" جالسًا جواره على اليمين رن هاتف "جمال" مرة وأخرى ليقلب هاتفه على وجهه بضيق من أتصال "حنان" المتكرر وأكمل أجتماعه ثم خرج من الغرفة بصحبة "شريف" وهو يقول:-
-خلينا نبدأ فور بالمشروع ودا وبلغوني بالجديد، بالمناسبة حنان أتصلت كتير فى الميتنج أتصل شوفها عايزة أيه؟
أخرج "شريف" الهاتف من جيبه ليتصل بـ"حنان" وفور أستقبالها للمكالمة قالت بقلق:-
-شريف، فين جمال بيه، أنا أتصلت فوق العشرين مرة بقالي ساعتين
أنتبه لصوت بكاء "سارة " المجاور له فسأل بقلق:-
-كان عندنا ميتنج مهم... فى أيه مين اللى بيعيط جنبك
تنحنحت بخوف مما سيفعله "جمال" بعد أن يعلم وقالت بتوتر:-
-حمزة خطف الهانم الصغيرة
أتسعت عيني "شريف" على مصراعيها بصدمة ألجمته وتوقف عن السير مكانه بمنتصف الرواق وقال:-
-بتقولي أيه؟ مريم حصلها أيه؟ أنتِ أتجننتي يا حنان والأمن اللى عندك بيعملوا أيه؟
توقف "جمال" عن السير فور سماع أسمها وألتف إلى "شريف" وهو يقول:-
-حصل أيه؟
رفع "شريف" عينيه وهو يقول بتوتر:-
-مريم أتخطفت، حمزة عملها
لم يصدق "جمال" حديثه نهائيًا فكيف لرجل أن يقتحم منزله الملأ برجال الأمن ويخطفها من بينهما...
_____________________________
كانت "سارة" تبكى بعجز شديد وهى لا تملك شيء تفعله، دلف "جمال" من باب القصر كالثور الهائج أو العاصفة الهالكة لكل من تقابله وقال بصياح:-
-حصل أزاى؟
أبتلعت "حنان" ريقها بصعوبة وقالت:-
-هي اللي خرجت من القصر بنفسها والله
تمتم "جمال" بسخرية من رجاله وقال:-
-قُلتي لوحدها، شريف أطرد كل رجالة الأمن أنا مش محتاج لرجالة بهايم زيهم غير أكفاء ومش قد المسئولية لكن قولهم لو مريم حصل حاجة مش هكتفي بطردهم أنا هقتلهم واحد واحد
نظر إلى "سارة" بضيق شديد وقال:-
-حاولتي تتصلي بها
أجابته "سارة" ببكاء شديد قائلة:-
-مريم معهاش موبايل
ألتف "جمال" بضيق شديد وهو يقول:-
-بتهزر معايا! معقول حد فى الزمن دا عايش من غير موبايل
ذهب إلى مكتب الأمن كى يرى كاميرات المراقبة ورأه وهو يضرب رأسها بسيارة ليغلق "جمال" قبضته بقوة وقد أشتعل غضبه بقوة النيران الملتهبة وكأنه على وشك قتل "حمزة" بهذه اللحظة إذا رأه...
_________________________
سكب "حمزة" دلو من الماء الباردة المليئة بمكعبات الثلج على جسدها لتنتفض رعبًا وبرودةً، ألقي بالدلو بعيدًا وهو يقول:-
-بيعجبني فيكي يا مريم أنك غبية وسذاجة
تنفست بصعوبة وهى تحدق به بجيبنها المجروح الملوث بالدماء، كانت جالسة على الأرض وسط بركة من الماء ويديها مُقيدة خلف ظهرها فقالت بخوف:-
-أنت مش هتقتلني، متقدرش أنت محتاجني عشان تأخد الفلوس من جمال من غيري أنت مش هتورث حاجة ولا هطول جنية واحد وكل خططك هتبوظ
حدق "حمزة" بها بصمت شديد، أرعبها صمته ليقول بهدوء وهو يجثو على ركبته امامها ومسك فك وجهها بقبضته القوية:-
-فعلًا عندك حق لكن مين قالك أني ممكن أقتلك، مريم معقول لسه معرفتش ولا فهمتي أنا بتلذذ بعذابك ووجعك، صوت صراخك ووجعك بيعجبنى لا دا أدمان والله بعشق صوت صراخك وعشان كدة أصرخي يا مريم، ورينى دموعك متعرفيش وحشوني قد أيه.. أصرخي
ألتزمت الصمت وهى تحدق به ليخرج سكين حادة من أسفل قميصه وقال بغضب سافر وهو يمسك وجهها بيده الأخر:-
-سمعتني بقول أصرخي.... أصرخي وصويت يا صغيرتي، أنا أبوكي وبأمرك تصرخي خليني أتبسط وأتلذذ بيكي
قالها وهو يغرس السكين بقوة فى قدمها من أعلى ركبتها تحديد بفخذها لتصرخ بألم شديد فتبسم بحماس شديد وهو يقول:-
-هو دا أقسم لك أم مفيش أجمل من صوت صرختك يا مريم، أنتِ إدماني يا بنتي، مرة كمان صويتي يا مريومة مرة تانية أنت متعرفيش أني وصلت لدرجة نشوة ومتعة مالهاش مثيل فى اللحظة دي
أغلقت فمها بأحكام بعد أن رأت بسمته وسعادته بصراخها فرغم ألمها هى لا ترغب بإسعاد وحش مثله وهو يشبه الشيطان تمامًا على هيئة بشري، ضغط على السكين أكثر لتتألم بصمت وأنينها الذي تكبحه يقتلها هى وهو أيضًا ،تتواري بسمته وتتحول لغضب بسبب رفضها للصراخ أمامه، تحولت بركة الماء إلى دماء من قدميها، دموعها كالفيضان الذي يسيل على وجنتيها فألقي بالسكين جواره ومسك وجهها بيديه الأثنين وقال:-
-لا ..لا لا يا صغيرتي متكتميش العيط والصرخة... قولتلك أنى بحب صوتك وألمك
أقترب منها أكثر حتى همس بأذنيها قائلة:-
-أزاي بتعمليها، أزاى قاتلة زيك تمثل البراءة بالإتقان دا
أبتعد عنها لتتقابل عينيهما وقال بجدية صارمة:-
-كفاية تمثيل يا مريم أنا وأنتِ عارفين كويس انك أنتِ اللى قتلتي مختار
لم تجيبه بل ظلت تتألم أكثر من قدمها...
_____________________________
تعقب "شريف" سيارة "حمزة" حتى عثر عليها وأنطلق "جمال" مع "شريف" إلى حيث موقع السيارة، وكانت بأحد المخازن الصغيرة بأمبابه، ترجل "جمال" من سيارته مُسرعًا فور رؤية سيارة "حمزة" وذهب إلى هناك ركضًا..
كان "حمزة" جالسًا على الأرض أمام شعلة النار وينظر على "مريم" النائمة على الأرض على وشك فقد الوعي بعد أن فقدت كل طاقتها من كثرة الدماء التى فقدتها من جرحها، تتطلع بها وهى كالطير المكسور جناحيه وقدميه فلا يقوى على الطير أو السير ليقول بتمتمة:-
-مش قولتلك أنا هخليكي تتمنى الموت ألف مرة، لكنى مللت منك يا مريم ومن عنادك وكبريائك لو مش هتصرخي وتمتعني فموتي، أنا مستعد أقتلك لو مش هتمتعني
نظرت إليه وهو يتحدث ويشير لها بالسكين الملوث بدماءها أنه فى أنتظار أن تطلب الرحمة وتركع امامه راجية موتها، ثم قال:-
-أنتِ غبية يا مريم، معقول صدقتي أن واحد زى جمال ممكن يحميكي مني مستحيل، رجال الأعمال والناس الأغنياء دول مبيعملوش حاجة غير أنهم يرموا الأمور بأيديهم لأتباعهم لكن أنا بعمل بأيدي
أتاه صوت "جمال" من الخلف يقول:-
-خلينى أوريك اللى بعملوا بأيدي؟
أنتفض "حمزة" من مكانه ذعرًا من صوته ووجود "جمال" ليراه واقفًا على بُعد خطوات، تطلع "جمال" بها وهى على الأرض والدماء حولها واضحة جدًا ليستشيط غيظًا وغضبًا من هذا الرجل وعقد حاجبيه بضيق شديد وقال:-
-خليك بعيد يا شريف
أقترب "جمال" منه ليواجه "حمزة" السكين نحوه لكن بسمة "جمال" أرعبته وهذه البسمة تخبره بأنه لا يخشي هذا الشيء، أخذ "جمال" كرتونة فى طريقه وألقي بها على "حمزة" ليدفعها "حمزة" بقوة بعيدًا فتلقي لكمة قوية على وجهه من قبضة "جمال" أسقطته أرضًا فأتكأ على ذراعيه ليقف ليركل "جمال" في ذراعه بقوة لينكسر ويسقط "حمزة" على وجهه فوضع "جمال" قدمه على رأسه بقوة وقال:-
-خلينى أوريك مين هو جمال المصري وإذا تأخذ حاجة أنا منعتك عنها
أبتعد "جمال" لكي يجلب عصى حديدي فأنتهز "حمزة" فرصة رحيله بعيد عنه وهرب بعيدًا فحاول "شريف" إيقافه فجرح ذراعه بالسكين وهرب تمامًا، أسرع "جمال" إليها ليجثو على ركبتيه أمامها ونظر إلى ملابسها المبللة وقدميها المجروحة بغزارة ودماءها التى لوثت بنطلونها ليشفق على حالها وشعر بأنقباض قلبه خوفًا عليها ليفك رباطها بلطف ورفع رأسها برفق لتتألم من حركة جسدها وجرح قدميها الذي ما زال ينزف ليقول بهمس:-
-أسف
تحدثت بصعوبة من قسوة ألمها:-
-قوله يقتلني خلينا نخلص وأرتاح من الجحيم دا
مسح "جمال" على رأسها بلطف وهو يقول:-
-متقلقيش حصل خير أنا هنا
حدقت بعينيه بضعف وقالت بتمتمة ضعيفة:-
-أنا عايزة أنام، ممكن أنام؟
أتاها صوت "شريف" من الخلف يقول:-
-لا، مريم تحملي لكن أوعي تنامي ويغمي عليكي
حملها "جمال" على ذراعيه ووقف بها لتتألم بقوة وأنينها يخترق أذنيه وجسدها البارد ينتفض بين ذراعيه فقالت بصوت مبحوح:-
-مش قادرة أتحمل أكثر من كدة، والله حاولت
سار بها للخارج ثم أخذها للمستشفي بقلق وبعد فحص جرحها ومعالجته، جاء "جمال" لها بفستان قطني طويل وأعطاه للممرضة من أجل "مريم" بعد أن مزق الطبيب بنطلونها وأنتظر حتى أذنت له الممرضة بالدخول، دلف ليراها نائمة فى فراشها وترتدي فستانها الأحمر، تحدثت الممرضة بهدوء قائلة:-
-هتخرج بكرة
أجابها "جمال" وهو يرفع الغطاء عنها قائلًا:-
-لا، أنا هأخدها دلوقت
حملها على ذراعيه أثناء نومها وغادر المستشفى بعد أن رحل "شريف"، وصل للقصر بها ونظر إليها قبل أن يترجل من سيارته وقال:-
-أيه هي حكايتك يا مريم؟ أيه الأسرار اللى دفناها جواكي؟ أيه اللى حصل معاكي أنتِ ومختار؟ الفضول بيقتلني
أتاه صوتها المبحوح تقول:-
-رجاءًا متحاوليش تتدور جوايا، اللي مدفون جوايا سيبه مدفون لأنه لو حلو مكنش ادفن
فتحت عينيها بتعب ليشعر "جمال" بحرج شديد بعد أن سمعت حديثه ليقول:-
-لكن أنا عايز أفتحك يا مريم، عايز أنبش فى اللى جواكي
تبسمت بحزن شديد وهى تفتح باب السيارة وتقول:-
-براحتك لكن تأكد أن اللي جوايا مجرد أوجاع وحزن مُخيف، أنا شايلاه جوايا بصعوبة من الأساس، الوجع دا لو أتفتح يبقي قتلت الباقي من مريم .....