رواية الماضي الملوث الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم داليا السيد


 رواية الماضي الملوث الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم داليا السيد

امرأة من الماضي
طلبوا طعام للغداء بناء على اقتراحه للإرهاق الذي بدا على ملامحها وبدلت هي ملابسها لملابس عادية للبيت وظل هو بقميصه فقط مفتوح الصدر وعندما خرجت من غرفتها كان جالسا أمام النافذة ومدد ساقيه على المائدة أمامه والسيجارة الرفيعة بين أصابعه تكاد تحرقه وهو شاردا للخارج
ظلت تتأمله للحظة وهي تعلم أنها تحب ملامحه وتعشق وجوده معها ومع ذلك تخشى من نفسها واندفاعها وراء مشاعرها، هذه المرة لن تسمح له بأن يجرحها، التف لها عندما تحركت وقالت "السيجارة ستحرق أصابعك"
اعتدل وأطفأها وانتبه لنفسه وهو يقول "أندهش من نفسي لأني أشعر بالراحة ببيت كهذا"
جلست أمامه وقالت "أذكر كلماتك أنك لا تحب تلك البيوت الصغيرة ولم تخبرني السبب"
نظر لها لحظة ثم أبعد عيونه وقال "ليس لديكِ أي مشروبات أليس كذلك؟"
أدركت أنه يبدل المواضيع فتنهدت وقالت "لا، نحن نحافظ على تقاليدنا الدينية زهير والتي عليك أنت أيضا الحفاظ عليها"
عاد لها بعيونه وقال "ومن كان سيعلمني إياها بيري؟ هل تدركين كيف نشأت؟ أم راقصة وأب حرامي فهل للدين أي علاقة بي؟"
ارتاحت بالمقعد وقالت "ولكنك دخلت مدرسة وتعلمت دينك وعرفت عنه الكثير وحتى لو لا، الأزمات أحيانا ما تجعلنا نبحث عن الطريق الصواب كي نخرج منها وأعتقد أنك مررت بالكثير من الأزمات فلماذا لم تفكر بالدين كمخرج لك؟"
ظلت عيونه عالقة بعيونها وهو يفكر بكلماتها ثم قال "لم أجد من يأخذ بيدي لذلك الطريق، لم يكن بحياتي أحد منذ سنوات كثيرة ليهتم بي وبمصلحتي"
قالت بحنان "ما زال هناك فرصة"
رن جرس الباب فنهض وقال "سأفتح"
استلم الطعام وتناولاه وسط أحاديث مختلفة ثم صنعت الشاي وجلسا سويا وتمدد هو على الأريكة وهي على المقعد وقالت "لم تخبرني ماذا فعلت بعد موت والدك"
نفخ الدخان كحلقات بالهواء وقال "بالتاسعة عشر من عمري وجدت عمي بمكتبي وقد مات جدي وأتى هو ليطالبني بحقوقه بالأموال التي سرقها أبي وبالطبع كانت معركة كلامية حادة بيننا فأنا لست ذلك الشاب الذي لديه خبرة كبار السن وبالأساس لست من النوع الهادئ لأتحمل فكان الغضب هو الرد وطردته فكان منه أن تحالف مع الأعداء ضدي ليكسروني بالأسواق وفتح أبواب الديون من حولي ولكن وقتها كنت قد تعرفت على بعض الشركات بأمريكا وكنت أخطط لوضع قدم هنا فكان أن أنهيت كل أعمالي بمصر وصفيت كل شيء وتركتهم يصارعوا اللا شيء وأتيت هنا"
تأملته بإعجاب وقالت "لم تفكر بمنحهم حقوقهم؟ عمك وعمتك"
أسند رأسه على يداه الاثنان وقال "فعلت منذ ثمان سنوات"
هتفت "حقا؟ لماذا؟"
لم ينظر لها وهو يقول "سبق وتحدثتِ عن الأزمات ربما مررت بواحدة جعلتني أفعل"
عندما صمت قالت "بحياتك الكثير زهير"
ظل صامتا وقد شرد لبعيد ثم التفت لها وقال "أرغب بالنوم"
هزت رأسها وقالت وهي تنهض "هناك غرفة ضيوف تعالى"
تحركت فتبعها، فتحت الباب وتنحت ليدخل فدخل ووقف ليراها ثم التفت لها وقال "هذا البيت به شيء غريب، يجعلني لا أرغب بالذهاب منه وهذه أول مرة أفعل"
احمر وجهها فتحركت داخله تلك الرغبة التي كانت دائما ما تثار بوجودها فتحرك تجاهها حتى وقف أمامها فرفعت وجهها له لتواجه نظراته وقالت "ولكن لديك بيوت كثيرة أفضل"
رفع يده لوجنتها ولمسها برقة وعيونه تتجول على ملامحها وقال "ولكن ليس بها الدفء الموجود هنا"
أحنى رأسه وطبع قبلة رقيقة على شفتيها ثم ابتعد قليلا وهمس "وأنتِ لستِ بأي واحد منهم بيري"
ثم تحرك للفراش وقال "لو المشفى هاتفتك أيقظيني"
لم ترد وهو يلقي بجسده على الفراش وبلحظات انتظمت أنفاسه وهي تتابعه ثم لمست شفاها بأصابعها وكأن شفتاه ما زالت موجودة على فمها، هل حقا تعني له شيء؟ هل ما زال يريد ذلك الزواج من أجل الزواج وليس من أجل الانتقام؟ كيف يمكنها أن تعرف نواياه؟ هل يمكنها أن تثق به؟ 
أغلقت الباب وخرجت لغرفتها وتمددت بالفراش حتى نامت هي الأخرى ولم تستيقظ إلا على دقات على بابها فاعتدلت بفزع لتعود الدقات فقالت "قادمة"
تذكرت وجوده فرفعت شعرها للخلف وعقدته وعدلت ملابسها ولاحظت أن الظلام سقط من حولها، عندما خرجت كانت رائحة القهوة تملأ المكان فتحركت للمطبخ ووجدته يسكب القهوة فقالت "هل المشفى اتصل؟"
كان كما هو بنفس قميصه، رفع رأسه لها وجرت عيونه عليها وقال "لا"
تحرك تجاهها حتى توقف أمامها ومنحها قدح القهوة وقال "لدي موعد على العشاء جيك حدده لي دون علمي ولم أستطع إلغاؤه"
أمسكت قدح القهوة وتحركت للخارج بضيق حاولت ألا يراه وقالت "أخبرتك ألا تربط نفسك بي، أنا بخير"
جلست على مقعدها ولم تنظر له وهو يتقدم بسيجارته التي فاحت رائحتها وجلس بالمقعد أمامها وقال "أريدك معي"
لفت رأسها له وبدت بعيونها الدهشة وقالت "أنا؟"
تناول القهوة وقال بهدوء "هل هناك أحد آخر أتحدث معه؟"
وضعت القدح بعيدا وقالت "والآن هل تشرح لي سيد زهير!؟"
تناول القهوة مع السجائر بمنتهى الهدوء وقال "أشرح ماذا مدام أسيوطي؟"
تعصبت من اللقب فنهضت وتحركت لتبتعد ولكنه أمسك معصمها ليوقفها وقال "لم أقصد بريهان، فقط أذكرك أنني لن ألجأ لامرأة وزوجتي موجودة"
عندما لم تلتف له ظل ممسكا بيدها ونهض واقفا خلفها وقال "لم لا تبذلين أي جهد لإنجاح هذا الزواج؟ لو ما أطلبه أصبح مزعج بهذا القدر لكِ فقط أخبريني أن أرحل وسأفعل"
أغمضت عيونها والدموع تتكوم بعيونها وشعرت بيده تجذبها له لتواجهه ففتحت عيونها الدامعة لمواجهته وقالت "لماذا تلقيها بأرضي زهير وأنت سبب كل شيء؟"
اشتدت عضلات وجهه وغرقت عيونه بالظلام وهو يقول "لأني أريد فرصة أخرى بريهان وأنت من يمكنه السماح لنا بذلك"
سقطت الدمعة على وجنتها وهي تقول "لا أستطيع أن أفعل، ستؤلمني مرة أخرى ولن أتحمل، لن أعيش كل ذلك الألم مرة أخرى زهير لا أريد"
رفع يده ومسح دموعها وقال بحنان "لن أفعل، صدقيني لن أفعل لأني أيضا لا أريد ذلك الألم لكِ ولا لي"
قالت بحزن "أنا فقط من تألم زهير، أنا من خسر كل شيء"
تخللت أصابعه خصلات شعرها وقال "هذا ما تظنيه بريهان لكن الحقيقة غير ذلك، فقط امنحينا تلك التجربة، سنبدأ من جديد خطوة بخطوة ولن أتعجلك حتى تكوني مستعدة ووقتها أكون لك"
بح صوتها وضعف قلبها وما زالت أصابعه تتخلل خصلات شعرها وقالت "وإن فشلنا من سيدفع الثمن؟"
عادت يده لوجنتها وقال "لن نفشل بريهان كان بيننا شيء أفسدناه، حسنا أنا أفسدته ولكني أريد استرجاعه من حق كل فرد فرصة بريهان، ما زلت أتمسك بوجودك بحياتي وأعلم أن جزء بداخلك ما زال يريدني، فقط أبعدي خوفك قليلا، لن أطالب بثقتك الآن ولكني سأنالها مع الوقت"
رن الهاتف الخاص به ولم يهتم وكلاهم ظل يحدق بالآخر حتى همس "وافقي بيري ولن تندمي"
لم تستطع أن تقاوم والضعف يغلبها ويتملك قلبها وعقلها فهزت رأسها فانحنى وجذب وجهها له والتقط قبلتها وكأنه يوقع على اتفاقهم بتلك القبلة التي ألهبت مشاعر كلا منهما، ما زالت رغبته بها تعتلي القمة والضعف تجاهها لم يعرفه مع أي امرأة سواها، تحركه كالخاتم بإصبعها ويا ليتها تعلم ذلك ولكن للأسف ليس لديه الشجاعة ليخبرها
أبعدها لالتقاط الأنفاس وإيقاف نفسه قبل أن يتهور ويخرق الاتفاق قبل أن يبدأ، فتحت عيونها من بين وجنتيها المتوردتين لتواجه عيونه التي امتلأت بالرغبة وقالت بهمس "لا تجعلني أندم زهير لأني وقتها لن أسامحك أبدا"
هز رأسه وقال "لن أفعل"
عاد هاتفه للرنين فابتعد له ليجده جيك فأجاب بينما تحركت هي لقدح القهوة وتناولته لتبلل فمها الذي جف مما يحدث لها حتى سمعته يقول "هل تستعدي للعشاء؟"
التفتت له وقالت "وأنت؟"
دخن سيجارة وقال "طلبت بدلة جديدة وبعض الملابس الأخرى وستصل بعد قليل"
عادت تنظر لحرق صدره وقالت "هل نعتني بالحرق الآن؟"
رفع خصلات شعره بيده وقال "أغتسل أولا ثم نفعل، سأستخدم حمام الضيوف"
وتحرك ولكنها قالت "لا"
التفت لها فاحمر وجهها فقالت دون أن تنظر له "هو ليس معد للاغتسال، يمكنك استخدام حمامي"
تراجع قليلا وقال "حسنا"
وتحرك ليأخذ حقيبة صغيرة لم تراها من قبل وذهب لغرفتها وسقطت هي على المقعد وجسدها يفقد قوته وكأنه تحول لهلام يكاد يتهاوى على الأرض مفككا، هل حقا تريد ذلك؟
تلقت الأكياس من الرجل وتحركت لغرفتها فرأته يخرج وقد لف منشفة حول خصره، وقد أزال شعر ذقنه فبدا أكثر جاذبية وعادت لصدره وعضلات معدته المتناسقة فاحمر وجهها مرة أخرى وكأنها لم تراه عاريا من قبل ولكن ربما ما كان بينهم لم يكن شيء لتتذكره لذا لم يؤثر بها.. 
قالت وهي تبعد عيونها عن جسده المثالي "أحضرت المرهم"
تحرك تجاهها ففاحت رائحة الصابون من جسده وعطر ما بعد الحلاقة وهو يقف أمامها فلم ترفع عيونها له وارتجفت يدها التي تمسك بالدهان وقد بدا الحرق ملتهبا فقالت "التهب الجلد"
قال بهدوء "فقط ضعي المرهم بيري سيكون بخير لا تقلقي"
هزت رأسها وبصعوبة وضعت المرهم وربما كانت تحبس أنفاسها كما كان هو فقربها منه يوقظ كل خلية من خلاياه وكل تلك المدة بدونها تجعله متعطشا لها ولكنه لن يفعل أي شيء يؤلمها لقد وعدها، ما أن انتهت حتى تراجع من أمامها وقال 
"هل وصلت الملابس؟"
هزت رأسها ونظرت للفراش فتحرك تجاه الأكياس فقالت "أحتاج لأخذ حمام"
التفت لها فلم تنظر له وهي تأخذ روب الحمام فقال "لن تجديني عندما تخرجي سأكون قد انتهيت"
لم ترد وهي تدخل الحمام وتغلق بابه وتستند عليه وتغلق عيونها لتتنفس بعمق وكل ذرة بجسدها ترتجف من وجوده معها بغرفة نومها وهو نصف عاري، هي ليست محصنة ضده، أبدا لم تكن ولن تكون فهي أضعف من النسمة أمامه فلو جذبها له فلن تقاومه ولكن عليها أن تتماسك كي لا يكسر قلبها مرة أخرى فلن تتحمل
ما أن فتحت عيونها حتى رأت أدواته الخاصة على مائدة الحمام بجوار أدواتها تحركت تجاهها وكم نست كيف كانت تبدو بل هي لم تكن تراهم عندما كانت تعيش معه، هل كانت حقا تعيش معه؟ هل شاركته أي شيء من لحظات الزوجية؟ 
لمست ماكينة الحلاقة الخاصة به ثم معجون الحلاقة ورائحته الرائعة، زجاجة عطر ما بعد الحلاقة حتى الشامبو الخاص به موجود، قلبها يرفرف داخل صدرها ليس بالسعادة ولكن من الخوف، خوفها من نفسها أن تزداد تعلقا به ثم تندم
عندما خرجت لم تراه بالفعل، فستانها الأخضر بدا رائعا، طويل متناسق على قوامها الفاتن لم تضع أي مساحيق تجميل كان قلقها على والدتها يفقدها أي متعة بخروجها معه فقط رفعت شعرها بمنتصف رأسها وشبكته ببعض الدبابيس الفضية وتركت خصلات عشوائية متناثرة على وجهها
وضعت عطرها الهادئ وخرجت لتسمعه يتحدث بالهاتف بجوار النافذة وظهره العريض لها ويده الحرة بجيب بنطلونه، رائحة عطره كانت تملأ المكان ولكن عندما وصله عطرها التفت لها لتسقط عيونه على جسدها ورغم وجهها الشاحب إلا أنها بدت رائعة الجمال أمامه، آلهة فينوس كما يشعر تلك المرأة سلبته عقله حقا..
بدلته الثلاثية كانت محكمة على جسده الفاره منحته قوة ووسامة تعرفها جيدا، تقدم منها وهو ينهي اتصاله حتى وقف أمامها وقال "تبدين كما اعتدتك بيري، مثل القمر المضيء بين سماء مظلمة فقط ينقصك النجوم"
وأخرج علبة من جيبه وقال وعيونه تتبع يده "لم تفتحي هديتي"
أبعدت عيونها وتذكرت هدية الكريسماس التي كانت بجوار الشجرة، صوته أعادها له وهو يقول "ربما تعجبك"
وفتح العلبة، كانت أقراط ماسية، ليست لاموند ولكنها ماركة أخرى شهيرة وبدت الماسة على شكل نجمة حقيقية، حدقت بالأقراط ثم عادت لعيونه فالتقط نظراتها الرمادية وقال "لم أنسى تلك الليلة بذلك الحفل بريهان، كنت حقا تبدين كالنجمة لذا هذا ما رأيته يناسبك، اسمحي لي"
لم تتحرك وهو يقترب ليخلع خاصتها ويضعها بالعلبة ثم يضع الجديدة ولمسته تجعلها ترتجف والحرارة تلتهب داخلها فأغمضت عيونها حتى لا يرى ضعفها بهما حتى انتهى فقال "كما تخيلتك"
فتحت عيونها فابتسم لها ومنحها العلبة وقال "هل نذهب؟"
تحركت معه ومن داخلها خوف لا حدود له من ذلك الرجل الذي لا تفهمه، لقد ترك عالمه كله وها هو معها حتى إنه لم يطالبها بأي شيء رغم أنه زوجها وله حقوق عليها، الخوف يتملكها من المجهول والثقة لا تطرق أبوابها ولا تعرف ماذا ستفعل بما سيكون ولا تعرفه؟ 
طلبت منه المرور على المشفى ولم يرفض ولكن ما زالت دولت تحت تأثير المخدر ولم تتبدل حالتها، نظرة لجسدها الراقد على الفراش منحها بعض الهدوء، ما زالت تتنفس وهذا ما يهمها حتى تعود لها..
المطعم كان على أعلى مستوى بالمدينة، كانت تعلم أنه لكبار الشخصيات والفنانين والساسة ورجال الأعمال وتصحبهم عارضات الأزياء الشهيرات أو الممثلات المعروفة، لم تنبهر بأي شيء لأنها كانت تنتظر الألم الذي ستناله معه فكل مكان تجمعا به كان يشهد على كارثة أو مأساة لهما سويا أو ربما جرح جديد فترى ماذا ينتظرها الليلة؟ 
نهض الرجل بمجرد وصولهم ولمعت عيونه لرؤيتها بينما ظلت امرأته جالسة ولم يقدمها لهم على أنها زوجته أو خطيبته بل لم يكن بيدها خاتم أو أي شيء وهذا يعني أن زهير كان يمكنه الحضور بدون امرأة أو اصطحاب أي واحدة ولكنه أرادها هي
جلست بجواره ولوكس وراشيل بالطرف المواجه، لم تعجبها نظرات المرأة لزوجها وقد كانت من ذوات الشعر الأحمر والتي يفضلها زوجها كما كانت تعرف، حاولت أن توقف عقلها عن التفكير 
انتبهت لكلمات لوكس الذي قال "لم نتقابل من قبل بريهان، لم ندرك أن زهير متزوج"
احمر وجهها وتولى هو الرد قائلا "بريهان تمضي وقت كثير هنا من أجل عملها ووالدتها وأنا أتنقل بين هنا ونيويورك"
عادت عيون لوكس له وهو يقول "أنت بكل مكان زهير خاصة العام الماضي كنت لا تستقر ببلد"
شعر بها تهز ساقها السليمة فوضع يده على أعلى ساقها من أسفل المائدة فانتبهت له وتوقفت عن الاهتزاز وهو لم يبعد يده بل ظل هادئا ويده ساكنة عليها، حاولت ألا ترتبك وهو يقول "تعلم حجم أملاكي لوكس"
تحدثت راشيل لأول مرة بتهكم وقالت "كما نعلم مغامراتك زهير، هل تدركينها بريهان؟"
شحب وجهها وجف فمها وضاعت منها الكلمات ولكنه تولى الأمر و أجاب ببرود "كان راشيل، كانت تعلم بها قبل الزواج لكن ما أن أصبحت زوجتي حتى أصبحت لها وحدها"
التفتت له ولكنه لم يواجها وراشيل تقول "وماذا يعني ذلك؟ ليس الحب بالطبع"
ارتجف قلبها بصدرها وارتفعت دقاته بينما قال هو بنفس الهدوء "هو الزواج راشيل، العلاقة المقدسة بين رجل وامرأة كلاهم يتعهد بالإخلاص للآخر"
لم تبعد وجهها عنه وهي لا تصدق كلماته ولم تنتبه لسؤال لوكس إلا عندما نظر لها وقال "لوكس يخاطبك بيري"
كانت عيونها تخاطبه هو، تريد أن تسأله الكثير وتسمع منه أكثر وقد رأى كل ذلك بعيونها فضغط على ساقها فانتبهت وقالت "آسفة لم أسمع"
أعاد لوكس سؤاله "هل تستمتعين بتلك الحياة؟ كلا منكما ببلدة وتقريبا لا تلتقيان إلا بالعطلات"
جذبت صوتها من الأعماق وقالت "العلاقات لا تقاس بمقدار ساعات اللقاء لوكس بل بالسعادة التي نجدها بهذا اللقاء، فقد تتعدد اللقاءات ولكن لا تعنى أي شيء وقد يكون لقاء واحد وهو كل شيء"
كان الدور عليه ليلتفت لها وقد تحدثت كلماتها عما يشعر به حقا فلقاء واحد بها يعني له كل شيء..
ابتسم لوكس وقال "وأنتم من النوع الثاني كما أظن؟"
ضحكت راشيل ببرود وقالت "بالتأكيد، هذا ما يسمى بالحب كما قلت"
لم يرد أحد وتملك الجميع الصمت الذي كسره الرجل الذي وصل لأخذ الطلبات وسرعان ما انفتح باب العمل بين الرجلين ولكن يده لم تبتعد عن أعلى ساقها حتى وصل العشاء فتركها لتناول الطعام ولم يتناول الكثير من الشراب على عكس لوكس وراشيل حتى أزال الرجل الأطباق وما أن أراحت يدها على ركبتها حتى قبضت يده عليها فالتفتت بوجهها له ولكنه بدا هادئا وما زال يخوض حديث جدي مع الرجل 
التفتت لتلتقي بعيون راشيل التي اقتربت منها وقالت "ألا تجدين أنكِ بحاجة للتعديل؟"
لم تفهم سؤالها فقالت "تعديل!؟ أي تعديل؟"
للحظة انقبض قلبها وتذكرت إعاقتها هل تعرف بها وستؤلمها بها ولكن راشيل ضحكت بطريقة لا تعجب بريهان وقالت "طريقة تثير إعجاب الرجل، زهير يعشق الشعر الأحمر والملابس المثيرة، هو يحب العطور الصارخة"
ارتفع الغضب داخلها ورغم يده التي تحتضن يدها أسفل المائدة إلا أن الهدوء فارقها وهي تقول "تعرفين الكثير عن زوجي"
ضحكت مرة أخرى وقالت "ألم يخبرك عن علاقتنا؟ لقد أمضينا أيام ممتعة سويا، هو رائع بالفراش يعرف كيف يمتع المرأة حقا، لمساته تثير الرغبة وقبلاته يا لها من قبلات تشعل النيران بالجسد"
جذبت يدها من يده ونهضت لتوقف تلك الساقطة عن كلماتها قائلة "أحتاج للحمام"
ارتفعت عيونه لها بدهشة ولكنها لم ترد نظرته بل توجهت للحمام بأقصى سرعة وهي تقاوم الدموع وأمام مرآة الحمام رأت وجهها الملتهب وعيونها الدامية وحاولت تهدئة قلبها المتفجر من الغضب، هل أتى بها لترى واحدة من مغامراته؟ أم لتمنحها درسا عن إمكانيات زوجها المتعددة؟ لقد وعدها ألا يؤلمها فهل كان يخدعها؟ 
هدأت وخرجت لتراه يقف وهو يشعل سيجارة فتوقفت حتى انتبه لها فتحرك تجاهها والدهشة تسكن كل ملامح وجهه حتى وقف أمامها وانحنى عليها وهو يقول "هل أنتِ بخير؟ ماذا حدث؟"
لم تتراجع وهي ترفع وجهها بنظراتها الغاضبة وقالت "هل أتيت بي هنا لأرى واحدة من مغامراتك زهير؟ أم لتجعل امرأة ساقطة مثلها تخبرني كيف أمتع زوجي؟"
ضاقت عيونه والتقى حاجباها وهو يردد "عن  ماذا تتحدثين بيري؟"
قالت بنفس الغضب "لا تناديني بهذا الاسم واسأل راشيل من أين عرفت بقدراتك الخاصة في امتاع المرأة بالفراش؟"
وتركته وتحركت عائدة للمائدة، لن تذهب ولن تجعل تلك الساقطة تشعر بالانتصار وعليها ألا تمنحها فرصة أخرى للسخرية منها
جلس بجوارها دون أي كلمات بينما قال لوكس "علينا بتوقيع العقود زهير متى تفضل ذلك وأين؟"
كان يحاول استعادة هدوئه وهو يطفأ السيجارة وابتلع ما تبقى بالكأس وقال "يوم الأربعاء صباحا جيك سيعد العقود ونلتقي بشركة هاري تعلم أن ليس لي مقر هنا"
سألت راشيل بتهكم "ولا بيت على ما أذكر؟"
نظرات بريهان كانت نارية وهو يقول "بل لي بيت راشيل أقمته بعد زواجي ولكن بريهان تفضل بيت والدتها لظروفها الصحية وهو بيتي طالما هي به"
امتقع وجه راشيل بينما قالت بريهان "هل تعرفين بيوت زوجي راشيل؟"
التفتت الأنظار لها وظل وجه راشيل ممتقع وأكملت بريهان "هل كنتِ معه بواحد منهم؟"
قال باستنكار واضح "بريهان؟"
لم تنظر له وشحب وجه راشيل أكثر وعلا الغضب وجه لوكس وقال "كيف تجرؤين بريهان؟"
نظرت بريهان له وقالت ببرود "كيف تجرؤ هي على التحدث عن خصوصيات زوجي أمامي؟ إذا لم تكن تعرف من تصحب معك لوكس فلتفعل بالمرة القادمة، اسمحوا لي"
ونهضت فنهض هو الآخر ولم تهتم هي بعمله ولا بالرجل الذي بهت وجهه ولا المرأة التي تلجم لسانها ولا حتى زوجها الذي لم يمنح ضيوفه كلمة اعتذار وهو يلحق بها وهي تأخذ معطفها وترتديه وهو يفعل المثل ثم فتح لها الرجل الباب وهو تحرك بجوارها للسيارة التي منحه الرجل مفتاحها بعد أن فتح لها لتركب وهي لا تندم على ما كان ولم تسمح للدموع بأن تتساقط 
يتبع..


الفصل الرابع عشر
كرامتي
ما أن نزلت من السيارة حتى تحركت للبيت دون اهتمام به ودخلت أيضا دون انتظاره ولم تعرف ما إذا كان سيلحق بها أم لا ولكن ما أن سكبت بعض الشاي حتى سمعت الباب الخارجي يغلق وسمعت أقدامه تتحرك تجاه المطبخ فلم تنظر له وهو يقول بغضب
"والآن هل لديكِ تفسير للجنون الذي كان بالمطعم؟"
نظرت له وقالت "أنت لم ترى الجنون بحق زهير، عندما تأخذني المرة القادمة لأي مكان تأكد ألا تكون عشيقتك هي الطرف الثالث لأني لن أكون متفهمة كالليلة"
تقدم للداخل حتى وقف أمامها بعيون مشتعلة من الغضب وهو يقول بحدة "أنا لم أصطحب أي عشيقة معي، راشيل كانت مجرد امرأة.."
صرخت به "كفى، لا أريد أن أعرف ماذا كانت فقد تولت هي توضيح الأمر جيدا عندما تحدثت عن إمكانياتك بالفراش وقبلاتك ولمساتك"
وتحركت من جواره للخارج تاركة إياه مرة أخرى بنفس الحالة من الغضب فالتفت وتبعها للخارج ولكنها كانت قد دخلت غرفتها وجلست على طرف فراشها لتخلع حذاءها فقال "كنتِ تعرفين من أنا يوم تزوجنا"
لم تنظر له وقالت "هذا صحيح ولكني لم أعرف أن علي أن أرافقهم معك"
ونهضت لمائدة الزينة لتخلع الأقراط وتفك شعرها فرأته يتحرك تجاهها والغضب يسكن عيونه وهو يقول "لم أكن أعلم أنه يخرج معها بريهان وهو بالأساس أمر لا يعنيني فعلاقتنا انتهت قبل أن أقابلك"
التفتت لتواجه وقالت "حديثها لا يخبرني بذلك"
رد بقوة "حديثها لا يعنيني بشيء بريهان، أنا من يجب أن تثقي به"
صفعته بكلماتها "اتفقنا على أنك لم تنال ثقتي بعد زهير فكيف أفعل؟"
اشتعلت عيونه من كلماتها وشعر بالإهانة تدفعه أمتار للخلف فظل صامتا لحظة قصيرة قبل أن يلتفت ويتحرك للخارج وسمعت الباب يغلق بقوة وصوت سيارته تبتعد بصرير مخيف وسط صمت الليل، شعرت بوهن بساقيها فسقط على مقعد مائدة الزينة وهي تراجع كلماتها له، هي حقا لا تثق به ولن تفعل لطالما ستواجه مثل تلك المواقف فكيف يمكنها تحملها؟ متى ستدرك أنه حقا لها وحدها؟ هذا حلم لن يكون أبدا
كانت تعلم أنها أهانته بكلماتها ولكنها تعلم أيضا أنها على حق، جافاها النوم وقد شعرت بالفراغ بذهابه، وجوده بالبيت عنى لها الكثير، لم تكن تشعر بالوحدة ولا بالخوف لكن الآن مع صوت الثلج على الزجاج أصبح الخوف والحزن رفيقاها 
بالصباح استيقظت بصداع على صوت بالخارج فأدركت عودة ميرا، كانت السابعة، رن هاتفها فاعتدلت وتمنت أن يكون هو ولكن اسم أليكس كان البديل
عندما خرجت كانت ميرا تعد الإفطار، تناولته بدون شهية وأنهت القهوة ثم تحركت عندما رأت السائق ينتظرها وقد بحثت عيونها عن سيارته وانتظرت قليلا ربما وصل كعادته ولكنه لم يفعل فركبت سيارتها وطلبت المشفى
كانت سعيدة عندما دخلت لترى والدتها وقد أفاقت ولكن ما زالت واهنة ومتعبة ولكنها كانت أفضل حالا، سألتها عن زهير فقالت "لديه عمل ماما"
قالت دولت "هل عدتم؟"
لم تعرف بماذا تجيب ولكنها قالت "ما زلنا نتجنب الحديث بالأمر حتى تستردي نفسك"
أمسكت دولت يدها وقالت "لن أكون بخير إلا لو عدتم بيري، من أجلي حبيبتي حاولي أن تقبلي بالأمر"
لم ترد وأمضت وقتا جيدا مع المرأة حتى طالبها الطبيب بالرحيل كي ترتاح فرحلت للشركة واندمجت بالعمل كي تقتل الأفكار التي تخنقها وتسكت كلمات أمها عن عودتهم فهي بعد ليلة الأمس قتلت أي أمل لهم بالعودة إلا لو ذهبت له ولكن أين؟ هي لا تعرف له أي مكان ولا حتى رقم هاتف 
العمل أكل كل وقتها لتعوض الأيام السابقة حتى دخلت أليكس وقالت "متى سنرحل؟ إنها السابعة"
رفعت عيونها لها بذهول وقالت "السابعة؟"
هزت أليكس رأسها بالإيجاب فقالت هي "اذهبي أليكس أنا آسفة لتأخيرك كان عليكِ إخباري بالوقت"
قالت أليكس بتفهم "كان هناك الكثير من العمل لم أكن لأتركك، متى ستذهبين؟"
عادت للجهاز وقالت "ما أن أنتهي، لابد أن أمر على المشفى لرؤية ماما"
سألتها أليكس "متى ستخرج؟"
لم تنظر لها وهي تجيب "لا أعرف"
تركتها أليكس ولم تبقى كثيرا وهي ترحل للمشفى وعيونها تتلفت حولها للبحث عنه ولكنها لم تجده فأدركت أنها كانت على حق هو لن يكون الرجل الذي يرضى بعلاقة واحدة ويتحمل توابعها
اليوم التالي مر على نفس المنوال ولكنها تأخرت أكثر بالمكتب باجتماع هام لم تسطع الانتهاء منه مبكرا حتى انفض الجميع وظلت أليكس تلملم الأوراق وهي تقول "هذا كثير، تبدين شاحبة وعيونك تئن من طلب النوم"
عادت لمكتبها وقالت "سأفعل فقط أطمئن على ماما وسأسقط بالفراش دون تفكير"
ضحكت أليكس ثم قالت "الوقت تأخر كيف ستذهبين وحدك؟"
صوته جعلها ترفع رأسها عن الجهاز وأليكس تلتفت له بفزع وهو يقول "لن تفعل"
كان يقف عند الباب بهدوء ويداه بجيوبه وملامحه لا تنم عن شيء، كانت أليكس هي من تحدث وهي تقول "حسنا هكذا يمكنني الذهاب دون قلق"
عادت عيونها للجهاز ولكن دون عقلها الذي رحل بمجرد سماع صوته وطغى قلبها على كل كيانها وبصعوبة أمكنها إغلاق الجهاز بعد حفظ البيانات وسمعت أليكس تغلق الباب خلفها
اعتدلت وهو يتقدم ليقف أمام مكتبها ويقول "هل نذهب؟"
هزت رأسها وقالت بهدوء لم يعبر عن خفقات قلبها القوية لوجوده "نعم"
بارتباك حاولت إيقافه جذبت حقيبتها وهاتفها ثم توقفت وقالت دون أن تنظر له "لا أملك رقم هاتفك"
ضاقت عيونه وعقد حاجبيه وقال بجدية "كيف؟"
تناولت معطفها وقالت "لا تسأل"
وتحركت حتى وصلت له فجذب الهاتف من يدها وعبث به ثم قال "هذا رقمي الخاص وهذا رقم مكتبي" ثم رفع عيونه لها وقال "وهذا رقم بيتي هنا"
ظلت تنظر له وهي تعلم أن وجهها التهب من موقفها، أعاد لها الهاتف فجذبته منه فلمس المعطف وقال "اسمحي لي"
لم ترفض وهو يساعدها بارتدائه عندما اقترب منها وقال "هل فكرتِ بالاتصال بي؟"
أنفاسها علت داخل صدرها ولم تجد كلمات تساعدها ويده ما زالت على ذراعيها فعاد يقول "هيا الوقت تأخر"
شكرت له عدم تمسكه بأن تجيبه وإن بدا أنه فهم ما أرادت من كلماتها، تحركت وهو معها حتى صرفت السائق وركبت بجواره وهو يقود بصمت
دولت كانت سعيدة برؤيته مع ابنتها وتحدثت معهما كثيرا، الطبيب أخبرهم بإمكانية خروجها بعد يومين لو ظلت تتحسن بذلك الشكل
لم يعد للبيت وفضل مطعم صغير هو الوحيد الذي يعمل بوقت متأخر، كان على سفح الجبل والظلام يحيطه كحارس له وافتقدت السماء رفقائها من النجوم عندما ظلت هي تنظر للظلام وهو ينظر لها والرجل يضع الأطباق وقد سيطر الصمت عليهم حتى قال 
"الطعام بريهان"
التفتت لترى الطعام أمامها فرفعت عيونها له فتلقاها بنفس الهدوء الذي يقتلها فقالت "حسنا أنا فقدت نفسي بتلك الليلة"
ظل ينظر لها قبل أن يقول "تدركين جيدا كيف تصيبين الهدف"
احمر وجهها ولم تبعد عيونها عنه وهي تقول "لم تكن حرب زهير، كانت كرامتي ما تبعثر بتلك الليلة"
عبث بالشوكة دون النظر لعيونها وقال "وكرامتي"
أخفضت عيونها وقالت "لم أقصد"
قال بجدية "وبالتأكيد تدركين أني أيضا لم أقصد لأني لم أكن أعلم أنها رفيقته"
قالت بضيق "ولكنها كانت عشيقتك"
قبض على الشوكة والسكين بقوة وقال من بين أسنانه "كانت بريهان، اللعنة متى ستفهمين أنه كان ماضي؟ أعلم أنه ماضي ملوث بكل الآثام والسيئات ولكنه ماضي ولن يمكنني تبديله"
أدركت كلماته فأخفضت عيونها وقالت "أحتاج للوقت كي أعتاد على مواجهة تلك النساء أمثالها" ثم رفعت عيونها له وقالت "هذا لو استمر زواجنا"
ترك الشوكة والسكين وتراجع بالمقعد مواجها إياها وهو يقول "والآن ماذا؟ هل سنبدأ من جديد أم أن هذا هو قرارك بناء على واقعة ليس لي أي علاقة بها؟"
تراجعت هي الأخرى وقالت "توقف عن غضبك هذا أنت تخيفني"
تنفس بعمق وأبعد وجهه للحظة ثم عاد لها وهي تحاول منع الدموع من ملاحقتها حتى قال "تعلمين أني لا أفعل"
رفعت عيونها له فاقترب من المائدة وقال "لن يمكنني مسح الماضي بريهان ولا أستطيع أن أعدك أنكِ لن تلتقي براشيل أخرى بيوم ما ولكن كل ما يمكنني أن أخبرك به هو أن لا نساء بحياتي سواكِ هل يمكنك تصديق ذلك؟"
للحظة ظلت تتأمل عيونه بحثا عن أي كذب بهما ولكنها لم تجد سوى الجدية والحزم فهزت رأسها بالإيجاب فقال "حسنا هل نأكل؟ أنا فعلا جائع"
عادا للطعام بصمت ثم انتهيا ولم يتناول أي مشروب فقط القهوة عندما قالت "ماما تحسنت كثيرا"
نفخ الدخان بعيدا وقال "نعم، الطبيب سعيد بالجراحة ويرى أن حالتها استقرت"
أبعدت عيونها ثم قالت "ستعود للبيت"
ظل صامتا فالتفتت له فلم يتحدث فقالت "لست بحاجة للقلق من أجلنا"
من بين الدخان بدت عيونه مغلقة وهو يرد "لست قلق بريهان لأنني معكم ولن أغفل عنكم"
كلماته كانت حاسمة ولكنها لم تفهم منها الكثير، عبثت بقدح القهوة وقالت "وعملك؟"
أطفأ السيجارة وقال "بين هنا وهناك ستكون الأمور بخير، هل يمكنك الانتقال لبيتي مع والدتك؟"
عيونها الرمادية تحولت للون الاسود وهي تنظر له ثم قالت "دعني ببيتي زهير ما زلنا بمرحلة سابقة للانتقال لبيتك"
تناول القهوة وقال "حسنا هل نذهب؟"
تفاجأت من إنهاء الحديث فلم تعترض ونهضت وهو ينهض معها تاركا أموال على المائدة وانتظر حتى تقدمته ليتبعها
لم تفكر كثيرا وهو يغلق السيارة ويلحق بها على باب بيتها ويدخل خلفها وكلاهم يعلق معطفه فقالت "ميرا ترحل بالمساء وتأتي بالصباح"
توقفت فتوقف وهو يفك ربطة عنقه ويقول "وماذا، لن تمضي الليل بالبيت وحدك بريهان"
كانت سعيدة بوجوده لكن أن يبيت على الأريكة أو بغرفة الضيوف..
ردت بهدوء "فعلت اليومين الماضيين"
توقف والتفت لها وقال "لا أظنك تعنين تلك الليلة لأنك تعلمين أني لو بقيت لا أعلم ماذا كان سيحدث بيننا وبالأمس كنت بنيويورك وعدت منها على مكتبك"
ثم تحرك للأريكة وجلس وهو يقول "هل لي بغطاء الآن؟"
احمر وجهها وهي تجذب أنفاسها لمنح صدرها هواء قبل أن تقول "لن تبيت هنا"
خلع جاكته وقال "ولن أبيت بالخارج أمام البيت"
قالت "لا"
نظر لها ولا يفهم كلماتها فزاد احمرار وجهها وقالت "بغرفتي زهير، ميرا لا تمسك لسانها وسمعتي وسمعتك على طرف لسانها كفانا المرة السابقة"
ظل يحدق بها محاولا تصديق كلماتها ثم نهض مرة أخرى وتحرك ليقف أمامها ويحدق بعيونها ثم قال "أنا لست قديس بريهان لأملك القوة على التحكم بنفسي وأنا أنام بجوارك على الفراش دون أن آخذك خاصة وأنا أرغب بذلك الآن بقوة لا يمكنك تخيلها لذا الأريكة أو أي مكان بعيدا عنك هو الأمان بالنسبة لكلانا بالوقت الحالي وأعدك أن أستيقظ قبل وصولها والانتقال لغرفتك كي لا تلاحظ شيء"
جسدها كان ينهار من كلماته وصدرها كان يتلوى ما بين الارتفاع والانخفاض مع أنفاسها ولم تملك أي كلمات تجيبه بها ومع ذلك قالت بصعوبة "حسنا غرفة الضيوف أفضل" والتفتت لتذهب فقال 
"هل تمانعين لو أحضرت ملابس لي؟ لن أضطر للنوم بالقميص والبنطلون بكل ليلة"
لم تلتفت له وهي تقول "لم أمانع عندما وضعت أدواتك بحمامي زهير فهل سأمانع بملابسك أيضا؟"
ابتسم وهي تتحرك لغرفتها وتغلق بابها وتتحرك دون هدى وقلبها مستمر في هذيانه وصرخاته بالاعتراض على كل ما يحدث لها، هو يضغط عليها ويلاحقها ولا يمنحها فرصة لتفكر، كاذبة لقد تركها يومين وكادت تجن بدونه وتمنت لو يعود وقد عاد فماذا الآن؟ 
هل حقا يريدها كما يقول؟ رغبة؟ كيمياء؟ هي لا تريد ذلك، هي تريد مشاعر وهو أخبرها ألا مشاعر بينهم فهل ستقبل بنفس الوضع مرة أخرى؟ 
استيقظت على صوت المياه بالحمام فاعتدلت لترى ملابسه على المقعد وتذكرت وعده لها، اعتدلت على طرف الفراش عندما رأته يخرج بروب حمام خاص به ومنشفة يجفف بها شعره أخفت وجهه حتى أبعدها ليراها فقال 
"أيقظتك؟"
أبعدت عيونها عنه وهي تبحث عن ساقها وقالت "هو موعدي"
وضعت ساقها دون النظر له فقال "حقيبتي وصلت، أخبريني أين أضعها لم أبقها بغرفة الضيوف"
وقفت وهي ترتدي روبها ونظراته تخترق جسدها حتى أبعد وجهه للحقيبة فقالت "سأجعل ميرا تفرغ لها مكان بجوار ملابسي هذا لو لم تمانع"
وتحركت لتدخل الحمام فلم يفسح لها فتوقفت أمامه ورفعت وجهها له فقال "أن تكون بجوار ملابسك وتلتقط رائحتك؟ لا بريهان لا أمانع أبدا فكل ما أريده أن تكوني معي للأبد ربما لن أتعجل لذا سأكتفي برائحتك على ملابسي"
وتحرك لحقيبته وتركها تكاد تنهار من كلماته التي تلاعبت بقلبها الضعيف ورمشت عيونها معبرة عن الوهن الذي تملكها ولكن صرخة مكتومة من عقلها أعادتها لنفسها فتحركت للحمام بآخر ما تبقى لها من قوة..
عندما خرجت من الحمام لم تجده فارتدت ملابسها والغريب أنه خلال الأيام السابقة لم يكن يعترض على ملابسها كما كان يفعل وهي لن تستبدلها ما زالت تعني لها الأمان
كان قد ارتدى بدلة رمادية ويقف كعادته أمام النافذة يتحدث بالهاتف والسيجارة بين أصابعه ويده الأخرى بجيب بنطلونه 
رائحة عطرها جعله يلتفت وعيونه تتجول على جسدها فأبعدت عيونها وهي تتحرك للمطبخ لترى ميرا قد انتهت من الفطور فقالت "صباح الخير ميرا"
ابتسمت لها الفتاة وقالت "صباح الخير مدام"
سكبت هي القهوة وقالت "ربما تعود ماما بالغد هل تجهزي غرفتها"
هتفت الفتاة بسعادة "حقا؟ هذا أفضل خبر لقد افتقدتها جدا، بالطبع سأعد غرفتها"
ابتسمت للفتاة وسمعته يلحق بها ويجلس على المائدة وهو يقول "سترحلين للمكتب أم المشفى عزيزتي؟"
تناولت الطعام وقالت "المشفى ثم المكتب، لدي الكثير اليوم وربما أتحرك للفرع الجديد"
نظر لساعته وقال "هل نذهب الآن؟ لدي لقاء عمل بعد ساعة"
هزت رأسها وتركت الطعام وقالت "السائق موجود"
نهض وقال "أنتظرك بالسيارة"
كان يعبث بالهاتف دون انتظار ردها وكأنه لم يسمع كلماتها فاغتاظت منه ونهضت لتتبعه دون فائدة من الاعتراض فهو لا يسمع سوى نفسه..
المشفى كان جيد ولم يأخذا وقتا كثيرا ودولت تتقدم للأفضل وتركته أخيرا أمام مبناها وقبل أن تنزل قال "متى ستنتهين؟"
التفتت له وقالت "حقا زهير لن يصلح الأمر هكذا؟"
حدق بها ثم قال "تريدين ألا أنتظرك؟"
نفخت وأبعدت وجهها "أريدك أن تهتم بعملك دون التقيد بي"
هز رأسه وقال "كما تشائين لو تأخرتِ عن التاسعة هاتفيني"
كان الأمر سهل فبدت الدهشة على وجهها ولكن ملامحه الجامدة جعلتها تنزل وتتحرك للشركة وقاد هو مبتعدا دون أن تفهم تصرفاته حقا..
أخذها العمل بالكامل وقد كان مرهقا جدا ومع ذلك هي لم تعترض وما أن وصلت الفرع الجديد حتى دق مكتبها وسمعت هاري يطل برأسه مبتسما ويقول "مفاجأة"
رفعت رأسها من على الجهاز والتقت بعيونه بدهشة وهتفت "هاري! متى عدت؟"
تحرك للداخل وأغلق الباب وقال "الآن، من المطار رأسا إليكِ، افتقدتك يا جميلتي"
ضحكت بصدق وقالت "وأنا أيضا"
جلس أمام مكتبها وقال "احكي بسرعة عن أخبارك جميلتي"
تراجعت بمقعدها وقالت "أنت أولا، أين سارة؟"
نظر بعيونها وقال "بالبيت"
قالت "حقا! هذا يعني؟"
أبعد وجهه وقال "لا، لا تذهبي لبعيد ما زلنا بالبداية بيري، هيا احكي"
أخبرته عن دولت ففزع للأمر وقال "ولم تخبريني أو تهاتفي ليث؟ كيف تخطيتِ الأمر وحدك؟"
أبعدت وجهها وقالت "لم أكن وحدي هاري"
نهضت لنافذة المكتب فنهض وتحرك لها وبدت ملامحه غامضة وهو يسالها "لا أفهم"
نظرت له ثم أخبرته عن زهير فتراجع وهتف "ماذا؟ زهير؟ كيف بريهان؟ وهل وافقتِ رغم كل ما كان؟"
عادت للنافذة وقالت "ما زال زوجي هاري شئت أم أبيت"
أشاح بيده بنفس الغضب وقال "الزوج الذي أذاقك الأمرين؟ هل نسيتِ ما فعله بكِ؟"
التفتت له وقالت بعيدا عن الحقيقة التي لا يعرفها سواها "لقد فقدنا الطفل هاري، هذا هو كل ما كان بيننا"
حدق بها بغضب وصمت بينما تجاهلت غضبه وهي تعود للمكتب وتقول "لا يمكنني تجاهل زواجنا لو أراد هو إعادته للواقع"
لم ينظر لها وظل بمكانه وهو يقول "ما زلتِ تحبيه"
شحب وجهها عند ذكر الحقيقة ولكنها قالت "لا مشاعر بيننا هذا اتفاق"
التفت عائدا لها ولم يذهب غضبه وهو يقول "كذب بريهان، منذ رأيتكم يوم زواجكم والحب كان بعيونك له، الجميع رأى ذلك ولكننا أيضا رأينا كسرة قلبك يوم عودتك منهارة بيري، أنتِ تكررين الخطأ مرة أخرى فلا تفعلي ذلك بنفسك"
ظلت عيونها عالقة بعيونه وهي تعلم أنه على حق وطال الصمت حتى تحرك هو أكثر لقربها ووقف بجوارها وانحنى ليقول "زهير لا يعرف الحب بيري، ماضيه يخبر الجميع بذلك، نساؤه تملأ العالم، أسراره تخيف كل من حوله، لا أنكر أنه رجل أعمال رائع وناجح ولكن هذا فقط آخر حدود التعامل معه أما القلوب فاستدر وعد"
كان وجهه قريبا منها وتحركت يده على يدها المستقرة على مكتبها واحتضنها بيده وهو يقول بحنان "توقفي عن الاندفاع لطريق ستندمين عليه مرة أخرى"
صوت زوجها جعلها تسحب يدها بفزع من يد هاري الذي اعتدل هو الآخر وهو يسمع زهير يقول "اجتماع هام؟"
الغضب كان يسيطر على كل كيانه وعيونه تشع ببريق ناري وشحب وجهها وتجمد هاري مكانه

تعليقات



<>