الفصل الخامس والعشرون : هواجس الماضي.
__________________
مر أسبوع على آخر حادثة وعاد الجميع لحياتهم الإعتيادية بعضهم من يبحث ويتحرى والبعض يفكر في طرق جديدة للإيقاع بالعدو وبعضهم من يجرب متابعة حياته وفق التيار والبعض الآخر يود الإنطلاق من آخر نقطة توقف فيها ... مثل نيجار.
استيقظت صباحا واغتسلت ورتبت الغرفة جيدا ثم شرعت في تصفيف شعرها وهندمة هيأتها بنشاط حتى دخل هو ملتحفا رداء الحمام ويلف منشفة على عنقه نظرت إليه وابتسمت هاتفة :
- صباح الخير.
اكتفى بهزة رأس بسيطة وجلس على السرير يجفف شعره الرطب فدنت منه وقالت :
- سيبني انشفلك شعرك.
رمقها آدم بتعجب وأبعد رأسه عن مرمى يديها مجيبا :
- مفيش داعي هنشفه لوحدي.
- ماشي انا حطيتلك هدومك ع السرير اهو وده البنطلون اللي كنت بتدور عليه امبارح انا غسلته وكويته عايز حاجة تانية مني ؟
هتفت نيجار بنفس الابتسامة على وجهها مما جعل الآخر يتعجب أكثر ويلتزم الصمت معتقدا أنه بتجاهله لها ستكف عن التحدث معه، ارتدى ملابسه تحت نظراتها العاطفية ناحيته وحينما كاد يخرج أوقفته وهرعت تعدل كم قميصه مرددة :
- هتتأخر النهارده ؟ سمعتك امبارح وانت بتقول انك هتلتقي مع واحد من التجار بس مش عارفة لو هتتأخر ولا لأ.
- متشغليش بالك.
ابتسمت نيجار وهزت كتفيها بطاعة :
- حاضر مع اني بتمنى لو انك ترجع بدري تعرف أنا نفسي اعملك الأكل بـ ايديا عشان اول ما تجي تذوقه بس حكمت هانم مانعاني من الطبيخ.
رفع حاجباه بغرابة ومد يده يتحسس جبينها مستفهما :
- انتي مش حاسة بسخونية ولا حاجة متأكدة أنك كويسة.
امتقع وجهها بعدم فهم مجيبة :
- اه انا كويسة ليه في حاجة ؟
نضبت قدرته على تحمل تصرفاتها المريبة التي بدأت منذ أسبوع فأزاحها عنه وخرج وهو يحدث نفسه :
- المجنونة ديه مالها مش ع بعضها من كام يوم ليه عماله تبتسم وتسمع الكلام ياترى ناوية ع ايه ... داهية لتكون ناوية تولع في البيت ولا تصور قتيل أنا مش مطمنلها.
***
بعد يوم طويل ألقى بنفسه خارج المزرعة بعد مساء قضاه مع حصانه يتسلى برفقته كنوع من الترفيه عن الذات إثر يوم مليء بالأشغال ومحادثة التجار، وصل إلى السرايا الغارقة في صمت عميق يؤكد نوم سكانها فاِغتسل ودخل لغرفته متوقعا أن يجدها نائمة أيضا بيد أن توقعاته خابت وبشكل كبير أيضا.
وقف آدم على أعتاب الباب متصنما بعدما اندلعت الحرائق وهبّت الرياح، رياح هوجاء استعرت فجأة بعدما وقعت عيناه عليها وهي ترتدي قميص نوم أسود يظهر أجزاء من جسدها أكثر مما يخفي، وعطر داعب حواس رجولته، ونظرات لامعة بثتها نيجار من عينيها الكحيلتين مبتسمة بشفاهها المطلية بلون أحمر قاني ثم شعرها الذي أسدلته على كتفه واحدة فجعلت بذلك الفرصة لرقبتها المرمرية للظهور أكثر.
مشت بخطواتها الرشيقة ناحيته حتى وقفت أمامه وهمست بصوت ناعم :
- طولت اوي ... أنا كنت مستنياك.
طالعها بنظراته الباردة ظاهريا متأملا كل جزء منها دون حرج وبرطم :
- انشغلت جدا علشان كده اتأخرت يلا تصبحي ع خير.
حاول آدم تجاوزها إلا أن نيجار أوقفته ولفت يداها حول عنقه مبتسمة بإغراء :
- يعني أنا بقولك اني كنت مستنياك عشان تقولي تصبحي ع خير وتروح تنام.
تعثر نبضه لوهلة واختطفت أنفاسه من قربها المهلك ومظهرها الذي كان قادرا على إغراء قديس في هذه الأثناء فتصلبت عضلات صدره وحاول إخفاء تأثره بها وهو يزيح يديها عن بشرته الساخنة قائلا بهدوء :
- اومال عايزة ايه.
- عايزاك.
ردت نيجار بطريقة مباشرة أدهشته ورمقها باِستنكار فعلقت ببساطة :
- ليه اتفاجأت كده انت جوزي وانا مبعملش حاجة عيب ولا حرام.
- دوافعك الخفية هي اللي بتفاجأني.
قالها بتهكم واضح وحاول تجاوزها للمرة الثانية لتهمس باِسمه بعاطفة ثم احتضنته من الخلف واعتقلت صدره بذراعيها مردفة :
- ممكن بقى الليلة ديه ننسى كل حاجة حصلت قبل كده خلينا مع بعض من غير ما نفتكر حاجة تضايقنا.
أغمض آدم عيناه متنهدا وأردف :
- نيجار انتي بتعملي ايه.
استدار يقابل وجهها بوجهه متابعا بتعب :
- عايزة ايه.
التمست بعض اللين في نبرته فلامست صدره بأصابعها هامسة بشجن وعاطفة :
- صدقني أنا مبقتش عايزة غير أن نظراتك ديه تتغير ... نفسي محسش بكرهك ناحيتي ولو لمرة واحدة نفسي عيونك تبصلي من غير لمعة النفور اللي جواها أنا متمنية تبصلي زي زمان.
حينها مالت شفته في ابتسامة يائسة :
- ده مستحيل.
آلمها برده لكنها لم تفقد إصرارها وهي تستدرك بأمل :
- وأنا عايزة آمن بالمستحيل.
وقف آدم بثبات تزعزع حينما رفع يده متلمسا بشرة وجهها الحنطية فأسدلت نيجار جفنيها تأثرا بلمسته الناعمة التي تحط عليها لأول مرة وأحست بقلبها يتضخم مجربة إحساسا جديدا، أن يقترب منها الرجل الذي تحبه وتشم رائحته عن قرب وتشعر بأنفاسه الساخنة تلفحها، وترى رغبته الواضحة في عينيه من دون أن تصاحبها نظرات السخط مثل المرتين السابقتين اللتين اقترب فيهما منها، هذا هو ما كانت تريد أن تعيشه نيجار لربما تقنع قلبها بأن هناك فرصة للمغفرة وفتح صفحة جديدة ...
أخفض آدم رأسه وضم شفتاها بشفتيه في قبلة هادئة صاحبها الشغف والوله فتمسكت به محاولة السيطرة على نبضات قلبها المجنونة وهنا شعرت به يحملها بين ذراعيه ... وغاصت معه في بحر عميق ... عميق لدرجة الغرق ...
_______________
تعلقت عيناه في سقف الغرفة بلا هدف شاردا في معاضل أخرى ثم نظر لنيجار الغافية بجواره وهي تضع رأسها على صدره وتشدد يداها حوله مغمضة عيناها بسلام بدا له غريبا لأن نيجار التي يعرفها كانت تنزوي لطرف السرير عادة بعيدا عنه أما الآن فهي ملتصقة به جسدها مرتخي ونسق أنفاسها معتدل شابه ركود مابعد الثورة ...
انكمشت تقاسيم وجهه بوجوم فجأة حين لمح الكدمات الباهتة على بشرتها كان أثر الهجوم لم يزُل كليا رغم مرور أيام عليه والجرح الذي في جبينها مايزال واضحا وكأن القدر لا يريد منه نسيان مشاكلها وما تسبب به تهورها فأزاحها ببطء عنه ونهض مرتديا ملابسه ثم خرج لشرفة السرايا المطلة على الفناء في الأسفل وأسند يداه اليها، استنشق هواء الفجر العليل بعمق وزفره على دفعات وغاس عقله في الموضوع الذي أصبح يؤرقه آخر فترة ... الطلاق.
" اللي بقوله انه وجودها معاك بقى بيضرك انت اكتر ماهو بيضرها هي بتستنزف طاقتك وصبرك أنا من رأيي تحرر نفسك من العلاقة ديه وتخلص "
" انت مش مضطر تستنى لحد ما تبقى العمدة علشان تعمل اللي انت عايزه بتقدر تطلقها اول ما تثبت ان ابن عمها ورا محاولة الاغتيال ومحدش هيلومك "
تردد كلام فاروق في رأسه كـ دق المسمار وفكر في مدى احتمالية تحقق هذا الأمر وتخلصه من علاقة لم تقدم له سوى الأذى ولكن حتى إن طلقها وأبعدها عن حياته هل سيستطيع إطفاء الكتلة النارية القابعة وسط قلبه هل سيُشفى كبرياؤه وتُداوى رجولته الضريرة أم سيظل كل شيء على حاله ولن يرتاح من العار الذي لحق به ؟
- وصلت لفين.
اخترق صوت أنثوي قوقعة شروده بغتة فأفاق ونظر لعمته الواقفة بجواره تتأمله ببسمة هادئة ليسألها مستفهما :
- جيتي امتى.
ردت عليه حليمة بتلميح :
- من ساعة ما تنهدت مرتين ورا بعض أنا بعرفك لما تبقى في الحالة ديه انت بتفكر فمراتك صح.
- اه ... مراتي.
برطم ساخرا بداخله وعاد ينظر أمامه بسكون حتى استطرد :
- تعملي ايه لما تكرهي شخص بس مبتقدريش تعمليله حاجة لأنك بكده هتبقي بتضري مصالحك.
فهمت حليمة ما يرمي إليه فرمقته بجدية مجيبة :
- في الأول لازم احدد اذا المصالح ديه بتخصني ولا بتخص غيري يعني الهدف اللي عايزة اوصله هو حلمي أنا ولا حلم ناس تانيين.
أطرق آدم لبرهة وعلم ماتقصده فكاد يعقب عليها غير أنها سبقته مستطردة :
- ولما احدد ففي الحالتين هقرر اللي بيسعدني ويرضيني أنا مش يرضي غيري.
كرر جملتها الأخيرة بخفوت وكأنه ينحت حروفها في رأسه ورمقها بطرف عينه فضحكت حليمة قائلة :
- كنت فاكرني هقولك اني هخير نفسي بين اني اتخلى عن هدفي واحقق انتقامي أو أحقق الهدف وساعتها هيكون الانتقام مضاعف عارف ليه ولا أقولك أن أشد عقاب بينزل على عدوك هو لما تنجح وكده ... أنا بجد كنت بفكر بالشكل ده من قبل بس الحياة علمتني ان مادام هعيش مرة واحدة يبقى أعيش بالطريقة اللي بترضيني لأنك لو اجبرت نفسك على حاجات مش عايزها عشان تريح غيرك ساعتها هتضيع نفسك وتضيع اللي بيحبوك معاك.
- بتقصدي والدتك.
- ايوة، والدتي اللي زينة البنات لقت نفسها بتدخل على ضرة وبتاخد واحد متجوز عشان التار بين عيلتهم يوقف قبلت بأبويا عشان ترضي والدها وترضي البلد بس ملقتش غير وجع القلب من الجوازة ديه.
هتفت تروي جزءا من الماضي المتقرح وشاب الحزن صوتها متذكرة ما عانته هي ووالدتها من حقد حكمت التي ضيقت الحياة عليهما وأشربتهما مُر العلقم حتى مرضت هذه الأخيرة من كثرة الضغط وماتت بقهرها، تنهدت بحسرة تبينت بوضوح في عينيها فتعاطف معها آدم وربت على كتفها مستدركا :
- عشان كده انا انبسطت لما جيتي لأن والدتك ربنا يرحمها استحملت عشانك وعشان حقوقك في البيت ده وأكيد هي مش هترتاح لما تشوفك اتخليتي عن حقك ببساطة كده.
أومأت بإيجاب وهنا صدع آذان الفجر فرددت خلفه وهتفت :
- أنا هروح اصلي واقرأ قرآن على ما الشمس تطلع.
- ماشي.
- مش هتصلي انت كمان ؟
تنحنح آدم بخفوت وحك شعره مدحرجا عيناه في المكان من حوله :
- هاخد دوش الأول.
رفعت حليمة حاجبها بتعجب اختفى تدريجيا بإدراكها فكتمت ضحكتها وذهبت ...
_________________
وقفت أمام المرآة تجفف شعرها الرطب باِبتسامة وجدت لنفسها مكانا على وجهها المتسم بإشراق نادر ثم شرعت تصففه وهي تدندن مطالعة بين الفينة والأخرى آدم الذي يقف في الشرفة التابعة لغرفتهما ويتحدث على الهاتف بتركيز، تنهدت بحماس وبرطمت محدثة نفسها :
- هو احنا بنقدر ننسى اللي فات ونفتح صفحة جديدة ولا يديني فرصة اغير من نفسي واصلح اغلاطي السابقة ياترى اقوله اني بقيت احبه وعايزة اكمل حياتي معاه ولا استنى كمان شويا ... لالا لو استنيت ممكن حكمت هانم تقلبه عليا أو صفوان يرجع يعمل تصرف غبي يبعدني عن آدم بس لو قولتله مباشرة ممكن ... ممكن يسامحني.
وقفت أمام آدم الذي انتهى من تجهيز نفسه وابتسمت له هاتفة :
- أنا عايزة اقولك حاجة.
نظر لها مهمهما :
- خير عاوزة ايه ع الصبح.
استجمعت شجاعتها وكادت تتكلم إلا أن طرق الباب المفاجئ انتشلها من انغماسها في الحديث لتزفر ممتعضة وهي تسمع الخادمة تقول بأن السيدة حكمت تريد نزولهما وهمست :
- حكمت ديه بتطلعلي فكل وقت وكل مكان.
- نيجار !!
زجرها بحدة فرسمت على وجهها ابتسامة بلهاء مدعية البراءة ليتأفف ويفتح الباب كي يخرج وهنا أمسكت الأخرى ذراعه ومشت بجواره حاول ابعاد نفسه عنها لكنها تشبثت به وأردفت :
- صحيح نسيت اسألك.
- نعم ؟
عضت على شفتها بشقاوة ورفعت فمها لأذنه هامسة :
- أنا كنت حلوة اوي امبارح صح.
توقف آدم محدجا إياها باِستهجان ثم عاد يتابع سيره متمتما بصوت خافت :
- واحدة مجنونة.
نزلا معا وقابلا حكمت التي أحست بالشياطين تطير من حولها ورمقتها بجمود مشددة قبضتها على عكازها وقد تمنت في هذه اللحظة لو تدق به عنق هذه الأفعى البغيضة لكنها سيطرت على نفسها ورددت بتلقيح :
- صباح الخير على حفيدي سيد الرجالة وعمود العيلة أخيرا شرفتنا يلا اتفضل عشان تفطر مع ست الحسن واحنا هنقوم دلوقتي نخدمكم.
حرر ذراعه من يد نيجار ونفى برأسه متشدقا :
- انا متأخر ع الشغل هبقى افطر مع فاروق في البستان بتاعنا كلو انتو ألف صحة وهنا.
نهضت ليلى من المائدة مستدركة باِستعجال :
- وأنا اتأخرت ع الكلية ولازم امشي دلوقتي.
- استني خدي السندويشات ديه معاكي.
- حبيبتي يا عمتو متشكرة.
ودعتهم ليلى وركضت للخارج فاِستقبلها محمد باِبتسامة خفيفة وهو يفتح لها باب السيارة فبادلته الأخرى بسمة واسعة وركبت وبعد قليل استقل آدم سيارته وغادر ...
أما في الداخل وقفت نيجار بعيدا عن حكمت نسبيا وقالت :
- حضرتك عاوزة مني حاجة اعملها ؟
ارتشفت من الشاي الدافئ وقالت بنبرة قاتمة :
- انتي كنتي مع حفيدي امبارح.
رفعت حليمة رأسها بدهشة من سؤالها أمام نيجار أجابتها ببرود :
- مش ملزمة أرد عليكي لأن ده مش من ضمن مهامي.
وضعت كوب الشاي بقوة على سطح الطاولة ونظرت لها بحدة :
- كل حد قاعد تحت سقف البيت ده ملزم يتبع قواعدي ويرد ع اسئلتي ويشرحلي كل خطوة بيعملها.
- طالما عايزة شرح لخطواتنا يبقي تعالي نامي معانا في أوضتنا عشان تشوفي بنفسك احنا بنعمل ايه يا هانم.
ألقت نيجار جملتها بوقاحة أخرست لسان حكمت التي سرعان ما جن جنونها وانتفضت واقفة وهي تصرخ باِنفعال :
- الزمي حدودك يا قليلة الرباية !
كادت تتهجم عليها وتضربها لكن حليمة نهضت بسرعة واعترضت طريقها هاتفة :
- انتي روحي شوفي شغلك وانا هبقى انادي لأم محمود مفيش داعي لوجودك هنا.
أشارت حليمة لنيجار بالذهاب فورا ولبّت الأخرى طلبها بنزق لتلعنها حكمت وتردد :
- وقحة عمرها ما هتعرف تتعامل زي بنات العيل المحترمة.
عقدت حليمة يديها باِستمتاع وهتفت مدعية التفكير :
- والله أنا مبعرفش الوقاحة بتبقى من مين بالضبط من الشخص اللي بيسأل عن حاجات خاصة جدا ولا من اللي بيرد عليه.
ضربت عكازها على الأرض والتفت لها هادرة بعنهجية :
- انتي مستمتعة باللي بيحصل مش كده هتبقي حققتي انتصارك لما تقفي زي دلوقتي تتفرجي وتضحكي مع عديمة الأصل ديه.
قلبت عيناها بسأم من صوتها العالي وعلقت :
- بضحك لأنك بتنتقدي واحدة شبهك فكل حاجة بعد ما كنتي بتتجبري ع الضعاف أخيرا واجهتي اللي تناسبك وقادرة تكون ند ليكي فـ اصحي يا حكمت هانم انتي مش هتقدري توقعي البنت ديه بألاعيبك ولا تكسريها ... مش هتعرفي تحوليها لنسخة تانية من والدتي.
وقفتا أمام بعضهما كل منهما تطالع الثانية بحدة وحقد لتبادر حكمت بقطع سلسلة التواصل بالعيون وهي تقول :
- يعني بتحاولي تاخدي بتارك اللي مخدتهوش وانتي صغيرة عن طريق واحدة مسيرها تندفن ولا تنطرد من البيت ... كلام غريب من بنت الست اللي دخلت ضرة عليا وخدت جوزي مني.
أظلمت عيناها بغضب دفين وقبضت على يدها هاسّة بصوت أجش :
- احنا الاتنين عارفين ان عمره ما كان جوزك هو همك بالعكس انتي خفتي تروح السلطة من بين ايديكي كنتي خايفة من والدتي تاخد مكانتك وعلشان كده تسببتي في انها تسقط حملها التاني خوفا من انها تخلف ولد يقاسم أخويا سلطان في الثروة والمنصب.
أطرقت حليمة قليلة مستعيدة أنفاسها ثم أضافت باِزدراء :
- تعرفي أنا بفكر فـ ايه لما بشوفك ؟ بقول يا ترى كم واحد حرقتي روحه وكسرتي قلبه اتسببتي في دموع كام واحد يا حكمت.
لم تجبها هذه الأخيرة أو بالأحرى عجزت عن الرد وهذا ما أدركته العمة لهذا غادرت الصالة تاركة إياها بمفردها تسترجع الماضي ...
__________________
عند نهاية اليوم وغروب الشمس غادر العمال وبقي آدم بمفرده يطالع الأشجار المثمرة برضا ليلمح محمد قادما من بعيد فعقد حاجباه بتعجب وسأله :
- انت جاي تعمل ايه هنا مش المفروض خلصت شغلك ووصلت أختي للبيت.
- ايوة يا آدم بيه بس فاروق اتصل عليا وطلب مني اجيله علشان اساعده في نقل الصناديق لجوا المخزن عمل اضافي قبل ما اروح للمناوبة الليلية زي العادة.
- وبتنضم وقتك ازاي.
- عادي الصبح بودي الهانم الصغيرة للجامعة وبعدها بروح لمكتب المحاسبة اشتغل في الورق ولما يخلص دوامي برجع اخت حضرتك للبيت وبروح اقف حارس ع بوابة المدرسة لغاية نص الليل.
همهم بإعجاب وربت على كتفه مثنيا عليه :
- برافو عليك أنا بحب الرجالة اللي بتكادح وتتعب ع نفسها زيك بص لو عوزت حاجة تعالى قولي وهساعدك فيها بإذن الله ماشي.
- ربنا يخليك لينا يا بيه.
بعد دقائق جاء فاروق على استعجال وهتف بإعلان :
- آدم بيه احنا وصلنا للراجل اللي كان بيتعاون مع صفوان وجرب يوقعك في شغلك ويبوظ صفقاتك مع التجار.
تأهب الآخر بحزم واقترب منه يسأله :
- مين هو ؟
- زي ما كنا متوقعين نفس الشخص اللي اتفق معاه من قبل بخصوص سبايك الدهب السمسار اللي اسمه مراد ... عرفت كمان ان صفوان خد الفلوس منه هو عشان أراضيه اللي اتحرقت.
شتمه بغلظة بعدما تأكد من شكوكه وعلم هوية الوغد الذي ظهر من العدم كي يكون عدوا له وسحب صوره من يد فاروق متأملا إياها واحدة تلوَ الأخرى بينما يتابع الآخر :
- اللي فهمته انه كان ناوي يبوظلك شغلك ويحط صفوان مكانك واستغل علاقاته مع التجار والمستثمرين للهدف ده بس من وقت ضربوك بالنار مرجعوش التقو مع بعض فمش متأكدين لو كان متفق معاه ع قتلك ولا لأ.
زفر مبرطما بتفكير :
- بس ليه مراد ده عايز يضرني كنت هستوعب لو متفق مع صفوان مقابل ياخد منه فلوس بس بالعكس ده اداله قرض كبير وساعده فعلاقاته يبقى مين المريض اللي هيعمل كل الحاجات ديه عشان يساعد واحد مبيعرفوش ... إلا لو كان هدفه يؤذيني أنا بالذات وملقاش غير صفوان ياخده وسيلة.
هز كتفاه بحيرة مماثلة واستدرك :
- أنا جبت عنوان بيته تحب نبعتله رجالتنا يعلمو عليه ممكن يقدرو يسحبو الكلام من لسانه.
- لا خلينا ندور وراه اكتر وبعدين نبقى نفكر نعمل ايه.
أجابه وهو يبعد الصور عن ناظريه فوقع بصر محمد عليها وضيق عيناه بتوجس مركزا في ملامحه حتى هتف فجأة :
- أنا بعرف الشاب ده شوفته قبل كده.
انتبها له وسأله فاروق متلهفا :
- ازاي ده شوفته فين وامتى.
- اول مرة لما كنت بودي أخت حضرتك للكلية اعترض طريقنا فجأة وروح، ومن أسبوع وانا بدور ع ليلى هانم لقيته واقف معاها وقالتلي انه ساعدها.
نالت الصدمة منه وتشنجت عضلات وجهه بتصلب مريب لتحتد عيناه بخطورة ويهمس بنبرة خالية من معالم الإنسانية :
- فين عنوان البيت بتاعه.
_________________
أغلق مكتبه وركب سيارته متجها للمنزل ليصل بعد مدة وجيزة وينزل كانت الشمس قد غربت منذ وقت وبدأت النجوم بالانتشار في السماء المغيمة معلنة عن انتهاء اليوم فتنهد بإرهاق وفتح هاتفه ليتفاجأ من عدد المكالمات الفائتة من المرأة التي تساعده، اعتلى القلق وجهه وسارع في خطواته كي يدخل إلا أن صوتا صدر من خلفه نبهه وجعله يستدير سريعا فتفاجأ برؤية آدم !!
حدجه مراد بذهول وعدم استيعاب للحظات بسبب وجوده مفكرا كيف وصل إلى هنا ولماذا جاء اليه ثم حاول استجماع نفسه وادعاء الهدوء فقال :
- آدم الصاوي ؟ ايه اللي جابك لهنا.
دنى منه بخطوات بطيئة كانت من شأنها زيادة توتر الجو حتى وصل اليه وبرطم بخطورة :
- شايفك افتكرتني اهو.
- أكيد مش حضرتك زرتني فمكتبي قبل كده واتهجمت عليا بسبب سوء تفاهم هنساك ازاي.
- وأنا بقول نفس الشي مش معقول تنساني وانت عملت كل حاجة علشان توصلي وتؤذيني في شغلي، من غير كلام كتير أنا عايز افهم انت مين وايه مشكلتك معايا علشان تبقى حاقد عليا للدرجة ديه.
قابله مراد بتعبيرات باردة وابتسامة هازئة مجيبا :
- صدقني أنا مش فاهم حضرتك بتتكلم عن ايه عموما الوقت متأخر دلوقتي لو عندك مشكلة أجلها لبكره الصبح هنبقى نكمل كلامنا في المكتب.
كاد يذهب لكن آدم قبض على ذراعه ورفع يده الثانية وأنزلها على وجه الآخر في لكمة عنيفة جعلت شفته تنزف فتأوه بألم ووجد نفسه معتقلا بين يدي آدم الذي صرخ بصوت جهوري منفعل :
- يا *** انت عطشان ع روحك وعايز تموت ولا ايه فهمني ايه مشكلتك معايا وازاي تتعرض لأختي مش خايف ع نفسك ده انا ممكن ادفنك حي ومحدش يعرفلك طريق !!
- آدم بيه لو سمحت اللي بتعمله ده غلط ومينفعش.
برطم بهدوء مصطنع وهو لا يود كشف حقيقته الآن إلا أن ذاك الذي يشتعل غضبا لم يكن ينوي التراجع على أي حال فلكمه مرة ثانية وثالثة حتى فقد مراد أعصابه وقابله بضربات دفاعية فاِشتعل الشجار العنيف بينهما دون هوادة وبدا كل واحد منهما كوحش بشري مصمم على تدمير الخصم !
وبعد مرور دقائق على تبادل الركلات واللكمات الدامية استطاع آدم إيقاعه أرضا وجثم فوقه قابضا على عنقه بوجه مكدوم وأنف نازف وصاح :
- اتكلم أحسن ما اقتلك انت عايز مني ايه وازاي تتعرض لأختي كنت عايز ايه منها.
تحشرجت أنفاس مراد وازرقت شفتاه اختناقا فحاول استجماع قوته البقية وركل بطن آدم متحررا منه وقبل أن يندلع الشجار مجددا خرجت سيدة أربعينية من المنزل المظلم وهرعت تركض ناحيتهما بهلع مرددة :
- الحق يا مراد بيه والدتك قاطعة النفس وبتموت !
الفصل السادس والعشرون : اعتراف.
__________________
تحشرجت أنفاس مراد وازرقت شفتاه اختناقا فحاول استجماع قوته البقية وركل بطن آدم متحررا منه وقبل أن يندلع الشجار مجددا خرجت سيدة أربعينية من المنزل المظلم وهرعت تركض ناحيتهما بهلع مرددة :
- الحق يا مراد بيه والدتك قاطعة النفس وبتموت !
هتافها المستنجد بدَّد ملامح الإحتقان عن وجه مراد واستحال لرعب خالص وهو ينتفض بهيأته المشعثة ويهمس قبل أن يركض للداخل :
- ماما.
تسمر الآخر في مكانه بتشتت لحظي وهو لا يزال يسترد أنفاسه المسحوبة ثم نظر لذلك الذي اختفى بين تلافيف الظلام وظهر بعد مدة وهو يحمل امرأة شاحبة بين يديه ويجري بها، وصل مراد للسيارة ونظر خلفه منتظرا المساعدة لتصل وتفتح الباب فاِمتدت يد آدم بتلقائية متوليا مهمة فتحه وعاد إلى الخلف مفسحا المجال كي يأخذها للمستشفى ...
ثم وقف في منتصف الساحة يحدق في السيارة التي انطلقت بسرعة البرق حتى توارت عن الأنظار وهنا تشدق بخفوت :
- ايه اللي حصل من شويا ده.
لا يكفي أنه عرف للتو بوجود عدو مهووس يتربص به من دون أن تجمعهما صلة سابقة تكفي لشن حملة كره شرسة عليه هاقد ظهر شخص آخر وهو والدته المريضة، شد آدم على شعره زافرا بغلظة وقرر العودة لأن الوضع الحالي لا يسمح له بالإقدام على فعل أي شيء فاِتصل بفاروق مخبرا إياه بألا يلحقه ثم ذهب إلى المنزل وبمجرد دخوله قابلته نيجار التي شهقت وطفقت تتحسس وجهه مرددة بذعر :
- في ايه مالك ايه اللي حصلك !
انكمش وجهه بضيق لأنها أحدثت جلبة وجعلت الجميع ينتبه حيث اقتربت منه حليمة مذعورة هي الأخرى وهرعت ليلى كي تجلب له علبة الإسعاف أما حكمت فوقفت أمامه بصلابة مغمغمة :
- انت اتخانقت مع عديم الأصل إياه ؟
نظرت لها نيجار وهي تعلم هوية من تقصده ثم عادت ببصرها لآدم الذي أجابها بجدية :
- لا ولو سمحتو بلاش تبالغو كده مجرد خناقة بسيطة وخلصت فمفيش داعي للإنفعال.
تركهن وصعد على درجات السلم مرددا بأنه يود البقاء بمفرده لكن نيجار لم تكن لتنفذ طلبه بالطبع فلحقته على الفور والتقت بليلى في طريقها ومدت يدها للعلبة وهي تقول :
- لو سمحتِ ممكن تديهالي.
استنكرت طلبها وكادت ترفض لكن إشارة صغيرة من جدتها جعلتها تمط شفتها بفتور ممتعضة :
- خدي وعلى الله متكونش عيلتك السبب زي العادة.
تجاهلت تقريعها ودخلت إلى الغرفة ووجدته جالسا على السرير وحين رآها غمغم ببرود :
- أنا بعرف ان الناس اللي عندها عقل بتفهم الكلام من اول مرة، مش قولت اني عايز اقعد لوحدي.
لم يظهر على وجهها تعبير على الإنزعاج من إهانته وابتسمت ببرود مماثل وهي تجلس مقابلة له ثم تقول وهي تخرج المواد الازمة :
- يبقى أنا معنديش عقل.
وضعت القطن على الجرح وبدأت بمسح قطرات الدن فكتم آدم تأوهه المتألم وهو يستمع لها :
- انت عالجتني قبل كده وخدت بالك عليا ازاي عايزني اتجاهلك وانت في الحالة ديه.
- قولتلكم اني كويس.
- كويس ايه مش شايف وشك متشلفط ازاي ده انا مكنتش هتعرف عليك إلا شويا.
وكتمت بداخلها حقيقة أنها ستتعرف عليه حتى لو كانت لا تبصر.
انتهت من تطهير جراحه وشرعت بتوزيع المرهم حتى انتهت وسألته بهدوء :
- انت متخانقتش مع صفوان بجد ولا قولت كده لأنك مش عايز ستك تتعصب.
تجاهل الرد عليها لكنها أعادت تسأله باِستماتة وإصرار :
- حصلت مشكلة جديدة مابينكو يعني طب اذا مكنش صفوان يبقى انت اتخانقت مع مين ؟
زفر بصبر نافذ وحدجها مجيبا بنزق :
- وانتي مالك مش ملاحظة ان العشم واخدك بزيادة وعماله تحشري مناخيرك فحاجات مبتخصكيش ومتوقعة مني ارضي فضولك ولا انتي قلقانة على ابن عمك العزيز وخايفة يكون اتأذى ؟ متشغليش بالك هو حسابه بقى مليان عندي صحيح بس وقت ما احب اهاجمه مش هعمل كده من وراه زي ماهو عمل ... او زي ما انتو الاتنين عملتو.
نهرها بحدة وغادر الغرفة وظلت نيجار جالسة مكانها ترزح تحت طيات قسوة حديثه وذكر جريمتها في كل مرة تحاول فيها التقرب منه فتنهدت بقلة حيلة وتركت ما بيدها مبرطمة بصوت منخفض :
- ازاي هخلي آدم يلين من ناحيتي وهو لسه منساش اي حاجة عملتها في حقه ياربي.
نزل آدم للطابق السفلي وبعد انتهاء العائلة من تناول طعام العشاء طلبت منه حكمت أن يتحدثا في غرفتها وعند دخوله تشدقت بجدية :
- مين ده اللي سيبت الأرض وروحتله ع ملي وشك عشان تتخانق معاه بعد ما جبلك فاروق صوره وعنوانه.
لم يتفاجأ آدم من معرفتها بالأمر لأنه يعلم بأن عيون جدته متربصة في كل مكان فجلس على المقعد أمامها ورد عليها بجدية مماثلة :
- نفسه اللي اتعاون مع صفوان قبل كده وحاول يضرني في شغلي طلع سمسار واسمه مراد وانا روحتله عشان اعرف هو مين بالضبط وايه مشكلته معايا بس مقدرتش افهم.
- وانت تحاول تعرفه ليه كنت خلص عليه مباشرة.
تشدقت حكمت بصرامة حادة وتابعت بعدما رأت استهجان آدم الواضح على وجهه :
- دوافع الراجل ده مش مهمة طالما هو عدونا وواقف ضد مصالحنا فلازم نخلص عليه.
- مقلتيش الكلام ده لما اقنعتيني اصبر ع صفوان واتجوز بنت عمه بدل ما اخلص عليهم هما الاتنين.
- في اختلاف مابينهم ولاد الشرقاوي معروفين وقتلهم كان هيتقلب علينا بالسلب ومكنتش هتقدر تبقى عمدة البلد لو رفضت نيجار، بس الواد ده نكرة ومش معروف أصلهم منين يبقى لازم يموت احنا مش ناقصنا وجع راس زيادة.
رمقها بوجوم دام بضع ثوانٍ ثم نهض مبرطما :
- على كل حال هشوف ايه اللي هعمله معاه ودلوقتي بعد اذنك تصبحي على خير.
هزت رأسها بإيجاب وبمجرد خروجه شددت على عكازها المثبت على الأرضية ورسمت ابتسامة مستهزئة على وجهها وتمتمت :
- طالما انت مبتحبش تقتل الناس اشمعنا قتلت الراجل اياه يوم هروب مراتك ودفنته بعيد يعني اذا كان اتعرضلها وحب يسرقها وضربها عشان كده انت دمك اتحرق وقتلته اومال ليه مقولتليش ع اللي حصل ... إلا لو كان القتيل ده وراه حاجة تانية مخبيها عليا يا حفيدي بس مسيرها تتعرف.
في الخارج اصطدم آدم بشقيقته بشكل عرضي فعادت إلى الخلف مجفلة ثم ابتسمت حين رأته :
- خضيتني وانت طالع من الظلمة يا ابيه.
بادلها ابتسامة سطحية فاِستطردت تسأله :
- انت كويس ؟ انا عايزة اسأل حضرتك اتخانقت مع مين بس عارفة انك مش هترد عليا.
مسح على شعرها بلطف وقال لها :
- قولتلكو انها خناقة عادية وانا متعود ع الحوادث ديه مفيش لقلقك بس أنا بردو عايز اسألك.
- طبعا اتفضل.
اختفت السماحة من وجهه وقطب حاجبيه متشدقا :
- لما طلعتي من الجامعة من اسبوع وروحتي تمشي لوحدك في الشارع في حاجة حصلتلك ساعتها.
- حاجة زي ايه.
- يعني حد ضايقك ولا خوفك.
ارتبكت ليلى من سؤاله وخافت أن تخبره بإقتراب مجموعة شباب منها فيغضب ويثور لكنه حينما طمأنها بهزة من رأسه استجمعت شجاعتها وهتفت قائلة :
- بصراحة في كام واحد كانو بيبصولي وانا خفت منهم وكنت هرجع بس في واحد ساعدني من غير مايحسو جه وقف قدامي وهما افتكروه بيعرفني عشان كده مشيو.
اعتلى الجنون ملامحه وقبض على يده بخنق نافثا أنفاسه وهو يتخيل أن أخته تعرضت لمثل هذا الموقف وخافت دون أن يكون هو بجانبها ثم رمقها هادرا بحمية :
- ومقولتليش ليه عشان اروح ادور عليهم واحد واحد و اشيل عيونهم من مكانها ازاي تخبي عليا حاجة زي ديه اومال أنا اسمي اخوكي ليه اذا مقدرتش احميكي.
انتفضت مجفلة من انفعاله وهبَّت تهدؤه بكلماتها :
- صدقني يا ابيه مفيش حاجة حصلت ولا كلموني نص كلمة يدوب عدو من قدامي وراحو لحالهم.
- والسواق كان فين بقى ؟
- هو مطولش عليا اول ما الراجل وقف قدامي لقيت التاني جاي وخدني معاه فورا.
هتفت مبررة وتابعت خوفا من أن يصب أخوها غضبه على محمد ويطرده من عمله :
- لو سمحت متعملش لمحمد حاجة لأن ملوش علاقة على العكس هو دايما بينفذ المطلوب منه وعمره ما قصر في شغله.
لم يلحظ آدم حمِّيتها الزائدة في الدفاع عن سائقها لأن عقله كان مشغولا بتفسير أشياء أخرى فطمأنها ووقف على الشرفة مفكرا، هل كان ظهور مراد أمام ليلى وإنقاذه لها مجرد صدفة أم ظهر بشكل مدروس منه.
حسنا أيعلم بأنها شقيقته أو يجهل هويتها ورأى بأنها فتاة غريبة تتعرض للمضايقة فهب لمساعدتها ؟
وبغض النظر عن هذه الحادثة بأكملها ترى ما مشكلة ذاك السمسار معه ولماذا يحقد عليه لهذه الدرجة المريبة وهل والدته تلك لها دور فيما يفعله أم أنها مجرد امرأة مريضة لا تعي شيئا ؟
________________
صباح اليوم التالي...
حملت الأطباق بين يديها وأخذتها لطاولة الإفطار وعادت تنقل بقية اللوازم بحرص حتى انتهت فتحدثت العمة مستفهمة :
- آدم فين منزلش ليه ؟
ردت عليها نيجار وهي تعدل مكان جلوسه باِهتمام :
- أنا سبته وهو بيصحى ونزلت للمطبخ مباشرة مش عارفة اتأخر ليه ممكن مشغول بحاجة.
طالعتها حكمت باِمتعاض وأشارت للخادمة كي تذهب وتنادي حفيدها لكن حليمة أوقفتها باِبتسامة :
- مراته موجودة اهي من الأحسن هي اللي تنادي ع جوزها يلا يا نيجار.
ثم همست بمكر لحكمت :
- مينفعش تبعتي واحدة غريبة لاوضتهم في الاخير الاتنين دول متجوزين وممكن الشغالة تشوف حاجة كده ولا كده حضرتك فاهماني طبعا.
من الناحية الأخرى صعدت نيجار إلى غرفتها وعند دخولها التقطت أذناها صوت آدم العالي والمتضايق من داخل الشرفة التابعة للجناح فتوجست خيفة واقتربت من الباب الزجاجي مسترقة السمع لتجده يردد بنزق :
- أنا بقالي فترة كويسة مستنيك تلاقي اي دليل يأكد تعامل صفوان مع اللي حاول يقتلني وانت بتفشل اومال انا حطيتك في البستان بتاعه ليه علشان تجي تتحجج فكل مرة وتبررلي فشلك ؟
اتسعت عيناها بدهشة ووضعت يدها على ثغرها كاتمة صوتها مفكرة هل وضع آدم جواسيس في بستانهم لينقل الأخبار اليهم حسنا لقد شكت هي بذلك حينما أحرق أرضهم أول مرة ولكنها لم تركز كثيرا بسبب ظهور مسألة زواجهما ...
ابتعدت نيجار عن الحاجز الزجاجي وجلست على السرير وهي تهتف :
- رغم انه حاطط جواسيس بس من يوم جوازنا عمره ما بدأ يعمل مشاكل بالعكس كل تصرفاته كانت ردود لفعل صفوان وفضل يفكر ازاي يطور شغله عكس ابن عمي اللي شغله الشاغل ازاي يغلبه ويدمره وآخر شي حاول يقتله.
ضربت جبينها بغيظ مردفة :
- وبسببي قتل الواطي اللي تهجم عليا وقضى ع اكبر دليل لجريمة صفوان والا كان زمانه وصل لمليجي وسلمه للعمدة ... ياربي هعمل ايه دلوقتي من جهة حاسة بالذنب ناحيته ومن جهة بفكر هيحصل ايه لصفوان لو القصة انكشفت.
انا لسه بقلق عليه ليه مش هو خاطر بحياتي ولبسلي تهمة قتل آدم ومهتمش لـ ايه ممكن يحصلي لو مصدقوش اني بريئة وبردو لما على اساس جه يدافع عني وشاف وشي مضروب ولمحتله ع مليجي معملش اي ردة فعل ولا قلق عليا ده خاف ع نفسه بس.
في هذا الوقت ولج آدم للغرفة وكان سيغادر فاِنتصبت نيجار واقفة فجأة وهتفت :
- استنى.
اقتربت نيجار منه وهي تعبث بأصابع يديها وقالت :
- أنا ... أنا لسه عند كلامي.
- كلام ايه ؟
- بخصوص الشهادة أنا لسه عند عرضي مستعدة اروح للعمدة واحكيله عن كل حاجة سمعتها ولو قلقان من ان موضوع التعدي ينكشف فأنا بقدر اتحمل المسؤولية واقول اني أنا قتلته من خوفي لما اتعرضلي.
نجحت في إدهاشه بحديثها وطلبها الذي عرضته عليه في السابق ورفضه وعادت تطلبه الآن لكنه تمالك نفسه وردد بثبات :
- وأنا بردو لسه عند رأيي انتي هتشهدي ولا تعملي أي حاجة تانية مطلبتش مساعدة منك.
امتقع وجه نيجار من رفضه مجددا فسارعت تقول بمهادنة علها تستطيع إقناعه :
- مطلبتش مساعدة مني بس اللي حصل كان بسببي لو مهربتش مكنش الراجل ده اتهجم عليا ولا كنت انت قتلته وقضيت ع الدليل الوحيد ضد صفوان ... أنا عايزة اكفر عن ذنبي واتحمل نتيجة غلطي.
- ذنبك؟ احنا لو جينا للتكفير عن ذنوبك يبقى مش هنخلص.
أجفلها آدم برده القاسي واستطرد بشك ساوره :
- وبعدين ايه اللي بيخليني اقتنع انك بقيتي فجأة كده عاوزة تساعديني وتثبتي تهمة ابن عمك اللي عملتي حاجات كتيرة عشانه بتخططي لـ ايه بالظبط.
تجهمت بعبوس من شكوكه الدائمة وعدم تصديقه لنواياها فقالت :
- أنا مبخططش لحاجة وحشة قولتلك اني عارفة غلطي وعاوزة اصلحه ولو بتلمح لـتعاوني مع صفوان ف انت عارف كويس ان ده مش حقيقي ومش هرجع اتواصل معاه بعد ما وقعني في مشكلة كبيرة واتخلى عني بعدها.
- يعني انتي مستعدة تقفي ضد عيلتك بسبب غضبك منهم ولا عشان حاسة بالذنب وعاوزة تشكريني بردو لأني ساعدتك.
تلكأت باِضطراب طفيف ووقفت محتارة بعض الشيء حتى ردت عليه :
- عشان الاتنين أنا عارفة اني هبقى غبية لو شكرتك ع انقاذ مراتك لأن راجل زيك مبيستناش شكر على حاجة زي ديه بس ده مبيمنعش اني مصممة ع كلامي.
سكت آدم متأملا إياها بنظرات تدقيقية وفكر لوهلة ان كانت ستبقى مصرة على قرارها اذا عرفت بأنه يفكر في تطليقها بعد كشف هوية المجرم الأصلي وحينها هل ستعتبرها فرصة للنجاة من براثينه وتُسعد بتحريرها أم تغضب وتثور، لكن لِمَ ستغضب من الأساس ؟
هي مجرد امرأة لعوبة خدعته في السابق وانصدمت عند وقوعها في الفخ الذي نصبته بنفسها بالتأكيد لن تتوانى عن الاحتفال في حال تخلصها من الرجل الذي توعد بقتلها وعاشت المتاعب والمصاعب في منزله، ومع هذا لا يصدق نيتها الصافية في هذا الموضوع حسنا هو لا يستطيع تصديق أي شيء مرتبط بها مهما كان بسيطا إلى درجة لو أخبرته بأن الخلاص يكمن في الطريق الأيمن سيكذبها ويسلك الطريق الأيسر !!
وضع يداه خلف ظهره وبلل شفته مفكرا تركيز لتتلهف نيجار وتتأمل موافقته بيد أن آدم تخلى عن سكوته واقترب منها ثم طرق بإصبعه على جانب رأسها عدة مرات قبل أن يقول :
- حلو كلام تأنيب الضمير ورد الجميل ده بس أنا معنديش ذرة ثقة بيكي مش بعيد توصلي للعمدة وتقلبي الحوار أو مخططة لحاجة تانية بعد ما تطلعي من البيت، وعلشان كده وفري اعترافك لنفسك ياحبيبتي ماشي.
فغرت فمها مصعوقة كأنه ألقى عليها دلو ماء بارد في منتصف الشتاء وانتفضت مبتعدة عنه كمن لسعتها الكهرباء ثم هدرت باِنفعال :
- قولتلك اني عاوزة اساعدك ونيتي سليمة مش فاهمة ليه الشك ده كله.
- تمام فهمنا بس مساعدتك ديه وراها ايه ؟!!
فتحت فمها لتخبره بأنها أحبته وهي نادمة على كل ما اقترفته في حقه وتنوي تعويضه لكن رنين هاتفه الذي صدع فجأة جعلها تتأفف وتصمت على مضض أما آدم فنظر لإسم فاروق المشع في الشاشة وأجاب :
- ايوة يا فاروق.
- صباح الخير يا آدم بيه، زي حضرتك ما طلبت مني أنا كلفت واحد من رجالتنا يروح للمشفى ويراقب السمسار ولقى ان والدته بجد تعبانة وهو فضل الليل بطوله قاعد جمبها ولسه من شويا بس خد تصريح خروج ورجعو ع بيتهم.
انزوى بعيدا عنها نسبيا وردد بصوت منخفض :
- معرفتش والدته عندها ايه ممكن يساعدنا ف اننا ناخد خلفية عنهم.
- ايوة الست جتها جلطة دماغية من سنين ومبقتش تتكلم أو تتحرك وكل فترة بتحصلها انتكاسة وبيودوها للمشفى بس مفيش أمل من حالتها تقريبا هي بتقضي أيامها الباقية بس.
تغضن وجه آدم بالأسى عليها وشعر بغصة تؤلمه في قلبه وقد تذكر أمه المتوفية فتنهد وأغلق الخط ونظر لنيجار التي كانت واقفة مكانها بإحباط ليقول لها :
- هنبقى نكمل كلامنا بعدين دلوقتي انزلي افطري ومتجبيش سيرة صفوان ومليجي لحد فاهمة.
قلبت عيناها مرددة بضيق :
- طبعا انت مش محتاج تنبهني ... هسبقك عشان ستك متوقفنيش وتسمعني كلمتين من عندها لأني اتأخرت.
فتحت الباب وغادرت بإنزعاج فحدق في أثرها بغرابة وأردف :
- مالها ديه بتتصرف كأنها بتموت فيا وانصدمت لأني مبثقش فكلامها اومال لو مكنتش عارفة اللي فيها هتعمل ايه.
تناول إفطاره وغادر السرايا وعند منتصف الظهر كان يقف أمام منزل عدوه المجهول يتربص فيه بتركيز حتى فتح الباب وخرج مراد الذي صعق من وجوده وبرطم بحدة :
- انت بتعمل ايه هنا.
امتدت يده لأسفل سترته ليسحب سلاحه فرفع آدم يده في الهواء مغمغما :
- مفيش داعي أنا مش جاي عشان اتهجم عليك.
- اومال مشرفني ليه هنا.
- والدتك عامله ايه دلوقتي.
- لا والله !
هدر مراد بدهشة ساخرة من سؤاله وضحك مردفا :
- انت النهارده رايق وجاي تهزر معايا ولا ايه.
هز الآخر كتفاه ببساطة معقبا عليه بمنطقية :
- لا بتكلم جد أنا شوفت حالتها امبارح ومهما كان اللي بيننا مستحيل افرح ع تعب أي أم في الدنيا فأكيد هسأل عليها ديه طبيعتي.
زفر مدلكا عيناه الحمراوتان وأسفلهما هالات سوداء تدل على قلة نومه ليقول :
- بص أنا مش حمل أي كلمة دلوقتي فلو سمحت وفرها لوقت تاني ولا خلينا نرجع نتخانق هنا لغاية ما حد فينا يموت ومع ذلك انت مش هتسمع اللي عايزه مني.
ألقى مراد ما بجعبته وكاد يدخل لكنه شعر بجسده يعود إلى الخلف ثم يلتصق بالحائط بعنف إثر دفعة آدم القوية أحكم يده على صدره الآخر مانعا إياه من التحرك وبرطم بصوت قاتم :
- بص أنت وافهمني كويس أنا خلاص عرفت العدو اللي بيلعب معايا في الخفاء وكشفت مكانك وعرفت اللي بتخططله في الحالة الطبيعية كنت هعذبك لحد ما تقريبا بكل حاجة جواك واقتلك بعدها بس مع الأسف اللي بيمنعني من اذيتك دلوقتي هو ان عندك أم مريضة ومحتاجاك، رغم اني مبعرفهاش شخصيا بس فاهم انها ملهاش غيرك يبقى اقصر الشر واحكيلي ايه هي قصتك معايا.
وياريت متحورش وتقول انك اتفقت مع فلان لمجرد الطمع والربح المادي عشان مش هصدقك فاهم.
تحشرجت أنفاس مراد الضائقة وعجز عن ابعاد قبضة آدم عن صدره فزفر بيأس وهو يعلم بأن لا نفع من الانكار أكثر بعدما انكشفت هويته وعُرفت والدته، لكن حديث آدم عن أنه لا يعرف أمه بشكل شخصي جعله يستهزئ منه فاِنزاح عنه بصعوبة وتشدق برعونة :
- انتو عيلة الصاوي بتبقو عاملين زي كده بتقتلو القتيل وبتمشو في جنازته لازم فكل مرة تورولنا قد ايه ناس أكابر وعيلة محترمة مبتقبلش بظلم المساكين.
مسح على وجهه بفقدان أعصاب وأوشك على دخول منزله مستغلا تعجب آدم وتحليل عبارته بيد أنه تراجع وعاد اليه مبرطما :
- انت عايز تعرفني انا مين وليه بشتغل ضدك مع انه مفيش علاقة مابيننا صح ؟ ماشي لما تخلص مسرحية تمجيدك روح لحكمت هانم ست البلد واسألها لو كانت بتعرف واحدة باِسم فردوس سليمان ولا لأ.
ضيق عيناه بغرابة وأعاد نطق الاسم بين شفتيه بينما يتابع مراد بلوعة انبثقت من داخل طيات جموده :
- ده لو كانت لسه فاكرة الاسم أصلا، ودلوقتي لو خلصت تحقيقك ممكن تروح من هنا.
رافق جملته الأخيرة صوت صفق الباب تحت أنظار آدم الذي ركب سيارته بحيرة أكبر من تلك التي جاء بها فمن هذه فردوس ولماذا طلب أن يسأل جدته عنها هل هذه المرأة المريضة لها علاقة بالسيدة حكمت أو ليسأل بصيغة صحيحة ... هل حالة المرأة الصحية لها علاقة بشكل أو بآخر بجدته ؟!
_______________
غربت الشمس وأسدلت ستارها فصعد القمر إلى السماء ليأخذ مكانها رفقة النجوم المتلألئة وطفقت نسمات الهواء الباردة ترسل رعشات في نفوس الجميع إلا ذاك الذي كان داخله يحترق بلهيب هادر لدرجة التعرق ...
دخل للسرايا وسأل عن حكمت وأخبروه أنها واقفة في الشرفة العلوية فصعد إليها ملقيا تحية المساء وعندما رأته ابتسمت ونادته كي يقف بجوارها نفذ آدم طلبها ونظر للسماء المظلمة مثلما فعلت هي بينما تقول :
- وانت صغير كنت بتحب تقف جمبي ونفضل نبص للسما زي دلوقتي ولما مامتك تزعقلك وتقولك ادخل عشان متبردش انت بتزعل وبتتحايل عليا علشان اخليهم يسيبوك معايا.
ابتسم لذكر ذلك الحدث من الماضي فتابعت حكمت :
- وبعدين بتجي لأوضتي وتحط راسك على رجليا وبتخليني العب فشعرك لحد ما تنام ... أنا كنت اهم شخص في حياتك.
تنهد آدم بشوق لتلك الأيام وتمتم باِعتلال :
- ولسه بعتبرك أكثر حد بحبه وبهتم بيه مع أن طبيعة علاقتنا اتغيرت لأن زمان كنت عيل صغير بيقضي وقته مع جدته بس دلوقتي ...
احتفظ ببقية الجملة داخله مقررا ألا يصرح بها لكن حكمت التي فهمت مايجول بعقله أدارت وجهها ناحيته مرددة بإيجاب :
- انت لسه حفيدي اللي بحبه وبتمناله الراحة يا آدم بس الظروف بتتغير كل لما بتكبر وبتشيل المسؤولية دلوقتي انت ابن أكبر العيل في البلد وخليفة العمدة كمان عشان كده بنضطر أحيانا لأننا نتخد قرارات قاسية علينا وعلى اللي بنحبهم علشان نحميهم ونحفظ حقوقهم وأنت اكتر واحد هيفهمني.
- عندك حق.
علق بشرود وتحرك ليغادر لكنه توقف في منتصف الطريق واستدار اليها نصف استدارة هاتفا :
- أنا عايز اسألك يا ستي حضرتك بتعرفي واحدة اسمها فردوس ... فردوس سليمان ؟
لاحظ جمود جسدها على حين غرة والتقطت عيناه اهتزاز حدقتيها اللحظي قبل أن تتلبس الوجه البارد المعتاد وتهتف بإنكار :
- مين ديه وليه بتسألني عليها.
- لا ولا حاجة مجرد اسم عدى عليا وقولت انك ممكن تبقي عارفاه بحكم مكانتك في البلد بس ... بعد اذنك.
راقبته حكمت وهو يرحل بعدم اقتناع نضح من ملامحه بوضوح ثم ضغطت بيديها على الحاجز وارتاع قلبها المتلبد محدثة نفسها :
- هو عرف الاسم ده ازاي مين قاله عليه وليه جه يسألني عنه ايه علاقة حفيدي بفردوس أصلا عشان اسمها يعدي عليه.
** دخل آدم لغرفته متوقعا أن يجدها فارغة فخاب ظنه حين رآها جالسة مقابل التلفاز وتقلب قنواته بلا اكتراث لمحتوياتها وسرعان ما انتبهت لحضوره فاِستقامت واقفة بلهفة :
- ممكن اتكلم معاك.
- أنا مصدع دلوقتي فأجليها لوقت تاني.
- تحب اعملك مساج عشان تريح ؟
- لا هبقى كويس بعد شويا.
رد عليها برفض وهو يأخذ مكانه على طرف السرير ليشعر بها بعد ثوانٍ تجلس خلفه وتمد يداها لصدغيه اعترض في البداية وحاول إزاحتها فأوقفته نيجار هامسة :
- استنى مش انت عملتلي مساج قبل كده انا بقى بعملك دلوقتي عشان نشوف مين أشطر واحد فينا.
- أشطر !
علق عليها بإستهزاء وأغمض عيناه مستسلما لأصابعها التي تنقلت بنعومة بداية من جانبي رأسه لغاية الخلفية وطفق الصداع يتراجع شيئا باعثا الاِسترخاء بداخله حتى انتهت وسألته :
- حاسس نفسك بقيت أحسن ؟
فرق آدم جفونه وهمهم بإيجاب فجلست نيجار بجواره وعادت تسأله بفضول :
- ايه اللي حصل عشان تصدع كده ولا خلاص متردش عليا عارفة انك هتقولي وانتي مالك متدخليش في اللي ملكيش فيه.
قلدته وهي تجعل صوتها خشنا مثله فحدق فيها برهة من الوقت ونطق في النهاية :
- انتي لسه عندك كلامك بخصوص الشهادة ؟
تفاجأت نيجار من فتحه للموضوع وانتفضت مومئة وهي تضم يداه بلوعة :
- ايوة لسه عند كلامي صدقني انا نيتي سليمة والله ونفسي اساعدك واخلصك من الحمل اللي بقى تقيل عليك.
نظر لعينيها الامعتين ثم لتمسكها به ولهنيهة صغيرة اعترى روحه بؤس غريب لم يعرف سببه وسرعان ما طمسه وتشدق بنبرة جادة :
- بس في حاجة لازم تعرفيها هقولهالك وابقي قرري بنفسك لو لسه عايزة تكملي ولا تتراجعي ... الحاجة ديه بتخص علاقتنا.
- تخص علاقتنا ؟ ايه هي.
- بصي أنا كنت ناوي انهي كل حاجة بمجرد ما صفوان ينكشف للكل واحرر نفسي من القيود اللي اتفرضت عليا.
نطق كلماته بتشدد وراقب وجهها الذي بدأ ينكمش بريبة وتوجس ثم زفر مكملا دفعة واحدة :
- وبالتالي انتي لو اعترفتي للعمدة فأنا هطلقك بعدها مباشرة !!