رواية الماضي الملوث الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد


 رواية الماضي الملوث الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد

ساق صناعي
لم تبكي لأنها استسلمت لحياتها منذ سنوات ولن تتبدل اليوم وهي تعرف أن رجل مثل زهير سيندم أصلا أنه عرض ذلك العرض، بالتأكيد كان ثمل وقت أن فعل، كما أنه لو عرف حقيقتها فلن تراه مرة أخرى أبدا
استلقت على الفراش بملابسها ونامت من الصداع والتعب
بالصباح تحرك لمكتب هاري الذي خرج له وهو يرحب به ويقول بحرارة "آسف أن اضطررت لدعوتك هنا لم يمكنني الانتهاء من الاجتماع مبكرا لآتي لك بالفندق"
فتح جاكته وجلس أمام هاري وقال "لا داعي لكل ذلك هاري، أنا أفضل المكتب بالنسبة لأمور العمل"
تناقشا بالعقد مرة أخرى حتى اتفقا فقال زهير "جيك سيوافيكِ ببيانات أول صفقة"
هز هاري رأسه ونهض لمكان جانبي أخرج كأسين وسكب مشروب بهما وعاد له مرة أخرى سلمه كأسه وجلس وهو يقول "تمام، بيري سيكون لديها بعض الأمور المشتركة بيننا، صحيح هل كانت بخير بالأمس؟ اتصلت بها فلم تجيب"
أبعد وجهه وهو يشعل سيجارة ونفخ دخانها قبل أن يجيب "كانت بخير، تبدو مهتما بها!؟"
ابتسم هاري وقال "لو لم تكن الديانة لتزوجتها"
جذب نفس عميق من السيجارة وأخرجه بغضب قبل أن يقول "ولكنها ترفض الرجال كما عرفت، وتلك الملابس الغريبة تجعلها امرأة من الستينات"
تناول هاري مشروبه ونظراته بعيدة وقال "لابد أن تفعل"
ضاقت عيون زهير وسأل "تفعل ماذا؟ على ما أذكر ما زالت بالثلاثين فلماذا تدفن نفسها بأذواق منفرة؟ هل لديكم الرجال تفضل هذه الأذواق؟"
التفت له هاري بضيق وقال "كفى زهير، بريهان ليست هكذا، كل الأمر أنها لا تستطيع ارتداء ملابس أخرى هي لا تقوى على أن تفعل"
ظل يحدق بهاري وهو لا يفهم شيء والدخان يتطاير بينهم حتى قال "لا أفهم، لا توجد امرأة لا تهوى الجميل من الملابس وإظهار مفاتنها هاري"
نهض هاري وهو ينهي مشروبه وسكب آخر ثم نظر لزهير وقال "ولكنها لا تستطيع زهير فلديها ما يمنعها"
نهض زهير وأطفأ السيجار وتحرك لهاري حتى وقف أمامه وقال "الذي هو ماذا؟"
ظل هاري ينظر له والتردد بعيونه وهو يقول "ستغضب بريهان مني لو تحدثت بما يخصها خاصة ذلك الأمر فهو يؤلمها حقا"
دق قلبه بقوة وبدا نافذ الصبر وهو يتناول ما تبقى من مشروبه دفعة واحدة ثم قال "والسكوت عنه أيضا قد يؤلمها هاري خاصة لو مسه أحد دون قصد، هل تخبرني ما هو السر؟"
ابتعد هاري وقال "بيري لديها ساق صناعي زهير، لذا هي ترتدي تلك الملابس الطويلة والبنطلونات وبالطبع لديها اعتقاد أكيد بأن لا مجال للزواج بحياتها وبالطبع أنت تفهم الباقي"
يا الله! هتف من داخله بقوة وأغمض عيونه لحظة وقد جف حلقه وشعور بالغضب من نفسه يجتاحه وهو بالأمس كان يطعنها بدون رحمة بصميم إعاقتها وهي بدت قوية وصامتة ولم تضعف أو تنهار 
انتبه وهاري يقول "لذا هي تنغلق على نفسها وترفض كل محاولات الرجال للتقرب منها وغيره من الأشياء التي تفهمها"
كان قد فتح عيونه وتحرك لمكان الشراب وسكب بعض الشراب ثم تناوله جرعة واحدة وكأنه يبتلع معه الصدمة وقال "منذ متى؟"
عاد هاري لمكتبه وقال "منذ أتت أمريكا هي أجرت الجراحة بنيويورك وتابعت علاجها هناك ثم أتت واستقرت هنا مع والدتها بعد أن سلمها أخيها الفرع"
التفت لهاري وقال "هي شخصية قوية ومثيرة للإعجاب حقا"
ضاقت عيون هاري وقال "تبدو معجب بها، لقد رأيت صوركم معا بالمنتجع"
أغلق جاكته وقال "ولم لا ألا تفعل أنت؟ لابد أن أذهب، لو هناك أي تبديلات برجاء الاتصال بي"
نهض هاري ونظراته غير مفهومة ولكن زهير لم يهتم بينما قال هاري "متى ستعود؟"
حياه وقال "لا أعلم لقد ظهرت لي عدة أمور علي أن أنتهي منها قبل العودة، أراك قريبا هاري وسعدت بشراكتك"
وتحرك للخارج دون أن يمنحه وقت للتفكير أو الرد وهو يعلم جيدا ماذا عليه أن يفعل دون تردد ولكن هاتفه رن برقم غريب فأجاب وليته ما فعل
****
لأول مرة تفقد التركيز بغداء العمل من الصداع الذي لازمها منذ الأمس والأفكار التي كانت تتصارع داخل عقلها وهي تحاول أن تظل قوية كما اعتادت وكما عاهدت نفسها 
عادت للرجال بتركيز أفضل وهي تتناول القهوة بعيدا عن الطعام الذي لم تمسه وأجابت الحديث عندما قطعها رؤية ذلك الرجل وهو يتقدم للداخل بصحبة امرأة جديدة فاتنة وتابعته وهو يجلسها ويجلس أمامها فجف حلقها وضاعت من كل ما حولها ونست الرجال والعمل وشعرت بألم حاد يمزق صدرها، بالأمس كان يريدها زوجة واليوم..
"بريهان هل تسمعيني؟"
عادت للرجل واعتذرت بارتباك وحاولت إعادة عقلها لمكانه الطبيعي بعيدا عن ذلك الرجل ورفضت الدموع التي حاولت الانهيار من الألم وتابعت حديثها ولكن ليس كما كانت تأمل 
بصعوبة تمكنت من الأمور وانتهت بها كما أرادت ولكنها استهلكتها تماما فلم تذهب مع الرجال ومنحها المسؤول قدح جديد من القهوة حدقت بسواده بصمت لا تجرؤ على رفع عيونها للمائدة المواجهة لها ولكن بالنهاية انتهت ونهضت وللأسف نهض هو الآخر مع امرأته والتقت عيونهم سويا ولكن سرعان ما أبعدت وجهها وتحركت للخارج والقلب يدفعها دفعا لتفر من أحزانها وعقلها يجبرها أن تظل قوية مهما كان الحزن أو الجرح
لم تكد تصل للسيارة حتى كان هو قد لحق بها بعد أن تخلص من المرأة التي كانت معه وقد اصطحبها فقط كي لا يبقى بالمطعم وحده، قال "هل يمكنني توصيلك؟"
التفتت له بقوة والدهشة تأخذها وترتسم على وجهها لتراه يقف خلفها بلا معالم على وجهه سوى عيونه الزرقاء تنزل على عيونها، استجمعت نفسها وقالت "السائق موجود"
كادت تذهب عندما قال "أكرر طلبي بريهان"
توقفت دون أن تنظر له وهي تستوعب كلماته ولا تظن أنها فهمته جيدا فالتفتت وهي تقول "أي طلب سيد.."
ولكنها لم تكمل وهي تراه يمسك بيده علبة سوداء وبداخلها خاتم ماسي رائع أخذ بريقه عيونها خاصة أنه أحد منتجات لاموند 
صوته أعادها له "الغضب دائما ما يسقطني بالخسائر وأنا أحاول التعويض، ما زلت أريدك"
رفعت عيونها له وما زالت الصدمة تأخذها فاقترب منها وأكمل بإصرار غريب "ليس لكل ما ذكرته بالأمس ولكن لأني أريدك أنتِ بيري، منذ قابلتك لأول مرة وأنا عرفت أن هناك لعنة أصابتني وجعلتني أريد مطاردتك حتى أنالك وما زلت فهل تقبلين الزواج من رجل ملعون مثلي؟"
لم تعرف ماذا تفعل أو تقول ولكنها استوعبت عندما لمس أصابعها بيده فانتبهت له وهو يخرج الخاتم ولكنها سحبت يدها وقالت "ليس بعد"
رفع وجهه لها وقد توقع ذلك فقال "ولماذا لا؟ لو تلك المرأة هي لا تعني شيء مجرد شكل لأنتظرك"
ارتفع وجهها دون ضعف ولم تهتم لكلماته وقالت "لا، ولكن لدي ما يوقفك"
أغلق العلبة ووضعها بجيبه وقال "إذن لنجلس وتخبريني ماذا بي لا يليق بكِ"
هزت رأسها وهي تعلم أنه آن الأوان لتفعل ما لم تفعله حتى الآن فتنحى جانبا لتذهب معه فالتفتت للسائق وقالت "لن أعود معك"
هز الرجل رأسه وتحركت هي أمامه لسيارته وتبعها
جلسا بكافيه هادئ وطلبا قهوة ثم تراجع بالمقعد وقال "أسمعك"
ظلت تنظر له وهي ما زالت ترتب كلماتها لتخبره ما يجب أن يعرفه وعندما طال صمتها قال "أنتِ ترفضيني شخصيا بريهان؟"
رفعت عيونها له وقالت "لدي ساق صناعي"
اعتدل وكم ثار إعجابه من القوة التي تتحدث بها والشجاعة التي تمتلكها لمواجهة إعاقتها، أشعل سيجار والرجل يضع القهوة فأخذ قدحه وتناول بعضه ساخنا وقال 
"وماذا؟ باقي الأسباب"
تملكتها الدهشة وهي تحدق به وقالت "ألا يضايقك الأمر؟"
نفخ الدخان بعيدا لينظر بعيونها دون حواجز وقال "يضايقني أنكِ تتخذينه سبب للرفض"
قالت بضيق "لست امرأة كاملة"
ابتسم وقال "وأنا كامل؟ أنا زئر نساء، ساخر مغرور أملك سمعة لا أحسد عليها"
أبعدت عيونها وقالت "لا أوافق على الزواج سيد زهير"
ظل ينظر لها حتى أرهقها الصمت أكثر فقال "لأني زهير؟"
رفعت رموشها ليرى حزن عميق داخلهم وهي تقول "كنت تعلم بإعاقتي أليس كذلك؟"
جذب نفس عميق من سيجاره ونفخه بينهم ليخفي عيونه عنها فعقدت يداها سويا على المائدة وهي تفرك أصابعها معا ولم تبعد عيونها عنه وهي تقول "هاري أخبرك؟ لا أحد يعرف سواه لذا عدت ولكن أنا لا أريد كل ذلك لست بحاجة لتلك النظرة بعيونك"
وكادت تنهض لولا أنه قال "اجلسي بريهان أنا طلبتك للزواج قبل أن أعرف بساقك وبعد أن عرفت لم يتغير موقفي أين الشفقة في رغبتي بك؟"
لم تتبدل ملامحها وما زالت بمكانها لم تتحرك وهي تنظر له وقالت "لا أفهمك، بحياتك مئات من النساء الرائعات واللاتي لا تشوبهم أي شائبة ويتمنين رضاك والزواج منك هو حلم بالنسبة لهم يسعين له بكل طاقاتهم ومع هذا تترك كل ذلك وترغب بي أنا؟ هذا خطأ"
ظل صامتا ثم تناول القهوة وقال "تلك النساء كانت بحياتي كل تلك السنوات فلو أردت الزواج من واحدة منهم لفعلت ولكن هل تظنين أن أيا منهم تصلح لأن تكون زوجتي وتحمل اسمي وتكون أم أولادي؟"
اقترب من المائدة وأسند يداه على المائدة وقال "بيري الزواج أمر مختلف وارتباط مقدس وأبدي"
نظرت لأصابعها وقالت "الصراحة سيد زهير، أنا أريد الصراحة"
ظل صامتا للحظات وعيونه تتجول داخل عيونها ثم قال "الصراحة أن الفكرة بدأت منذ يومين، صديق أرسل لي دعوة لزيارته باستراليا من أجل أجازة عملية وأنا بحاجة للذهاب لمباشرة أعمال وخطط لي معه هناك ولكن شرطه الرئيس الارتباط"
صمت فلم تفهم وقالت "لا أفهم"
لم يتحرك وهو ينظر لأصابعه وقال "هو يقدس الزواج والحياة العائلية وبالطبع كل المدعوين متزوجين وسيذهبون بزوجاتهم وأنا لن أختلف عنهم طبعا لذا طردت فكرة الذهاب من ذهني لكن عندما رأيتك بالحفل عادت الفكرة لذهني وأدركت أنكِ من تصلح لأن تكون زوجتي وما زلت أذكر ذلك الشيء الموجود بيننا"
شحب وجهها ولم تتخيل أن يكون الزواج من أجل المصلحة ومع ذلك احترمت صراحته التي طالبته بها وربما ما ذكره عما بينهم لطف من صراحته، تراجعت بالمقعد وما زالت تنظر له وقد شعرت بجفاف فمها وبرودة تسري بجسدها، حقا لا تفهمه 
قالت "كان يمكنك اصطحاب أي امرأة على أنها زوجتك أو خطيبتك، لست ملزم بربط نفسك بزواج حقيقي وأنت لست رجل زواج"
اعتدل بالمقعد وأنهى قهوته كما فعلت هي وقال "ومن وضع تلك الفكرة برأسك؟"
رفعت حاجبها بدهشة وقالت "ماذا!؟"
ابتسم فبدا جذاب لدرجة قاتلة وقال "أخبرتك أني بتلك المرحلة العمرية لابد أن أفعل ليكون لي وريث وهذا لن يكون إلا بالزواج لن أقبل بابن غير شرعي كنت أحرص على ذلك بكل علاقاتي"
احمر وجهها فاتسعت ابتسامته وقال "بالثلاثين من عمرك وتخجلين لكلمات بسيطة كهذه؟ ماذا عن الكلمات الأخرى التي ترفع درجات الرغبة بين الرجل والمرأة؟"
زاغت عيونها وشعرت بأنها تحترق من الحرارة واعتصرت أصابعها فضحك بصوت مرتفع وهي لا تقوى على النظر له حتى قال "هل عرفتِ رجال من قبل بيري؟ بخلاف هاري"
وأخيرا نظرت له وقالت بصدق "بمصر كنت أعرف الكثير من الشبان لكن دون علاقات من تلك التي..، كنت فتاة مدللة من والدي ووالدتي لا أعرف للالتزام معنى سوى ما تحتفظ به الفتاة لزوجها فقط، حتى وقع حادث بابا ومات وأصيبت ماما بظهرها إصابة أقعدتها وعرفت أننا فقدنا كل شيء بموته ولكن بالطبع ليث لم يتركنا وحاول معي ولكن كنت"
تنهدت بقوة وهي تذكر تلك الفترة من حياتها كارهة أن تخبره بها ولكنها تفعل، رأت يده تمسك يدها وقال بنبرة هادئة مطمئنة "لا تفعلي إذا كان يؤلمك الأمر"
كانت الدموع قد وصلت لعيونها وهي تنظر له وتترك يداها بين يديه وقالت "كنت بغيضة لدرجة لا يمكن تصورها، أنانية مغرورة، لا أفكر بأحد سوى نفسي"
ضغط على يدها وقال "ولكنك أصبحتِ امرأة أخرى"
أخفضت عيونها ليده التي تحيط يداها وقد ضاعت منها الرؤيا من بين دموعها وهي تقول "الحادث الذي فقدت به ساقي كان درس قاسي، وقتها كنت بين الحياة والموت حتى عدت للحياة وعرفت بأمر ساقي وأدركت وقتها أنه إنذار من الله لأستدير وأعود من ذلك الطريق، ليث أتى بنا هنا وأجريت لي الجراحة وزوجته لم تتركني وكانت وما زالت صديقة رائعة تعلمت منها الكثير رغم أنها أصغر مني، حياتي ليست صفحة بيضاء سيد زهير، هي ورقة ملوثة بكل المساوئ التي لا يرغب بها رجل بامرأته عليك أن تعيد التفكير"
رفعت وجهها له أخيرا وقد أفضت بعض الحقيقة له فتلقاها بعيونه وقال "قدرتك الآن على الاعتراف بكل ذلك يعني أنك أصبحتِ امرأة أخرى، نقية تدرك معنى الخطأ جيدا ونتيجته المؤلمة وبالتأكيد لن تعودي له مرة أخرى وهذا يجعلني أصر أكثر على طلبي"
ظلت صامتة ربما سعيدة بكلماته وربما حائرة ولكن لا تعرف ماذا تقول حتى قال هو "أنا لست ملاك بيري ويوما ما ستعرفين ذلك ولكن على الأقل تأكدي أني سأكون زوجا صالحا لأني أريد ذلك ولأنك تستحقين ذلك"
قلبها عاد للدق وهي ترى الصدق بعيونه، لا غرور ولا سخرية فقالت "أنت لا تكتفي بامرأة واحدة"
ضحك وقال "بالليلة الواحدة امرأة واحدة تكفي"
احمر وجهها وضغط على يدها قبل أن تجذبها وهو يضحك مرة أخرى وقال "فقط أنا لا أكتفي من امرأتي خاصة عندما تكون جميلة بعيون رمادية قاتلة كتلك العيون وقوام يثير جنوني، هيا بيري وافقي وأنا أعدك ألا تندمي"
لم تستطع الرفض فليس لديها أي سبب يجعلها ترفض ذلك الرجل بعد كل ما كان الآن، هو يعرف بحالتها وما زال يريدها وعليها أن تخرج خارج دائرة الاعتزال وتعود للحياة فقالت 
"تحتاج لزيارة ليث"
تنفس بقوة وهو يترك يدها ليخرج الخاتم ووضعه بإصبعها وقال "هذا عملي أنا، سنعود سويا نيويورك غدا والزواج آخر الاسبوع وسنمضي شهر العسل باستراليا بعد أن ننتهي من دعوة لويس"
تراجعت وقالت "أنت تمزح، لا يمكننا الزواج بأسبوع سي"
رفع حاجبه وتبدلت نظراته للجدية فأخفضت عيونها وقالت "لن يمكننا الزواج بأسبوع زهير"
رفعت وجهها له وأكملت "فقط أحتاج للوقت"
هز رأسه بتفهم فبدلت الحديث وقالت "ربما تقابل ماما الليلة وتتناول العشاء معنا"
عاد يتأمل نظراتها الهادئة وقد زال منها أثر البكاء والأرق وسكنتها بعض السعادة فتجاوز عن غضبه وقال "حسنا، سأعيدك البيت وأنتهي من بعض الأعمال وأعود على الثامنة"
هزت رأسها فنهض ونهضت معه، تحرك الرجل تجاهه فوقع الفاتورة وما أن تحركت له حتى أمسك يدها فلم تعترض وهو يقودها للخارج 
لم تصدق دولت ابنتها التي أخبرتها أن هناك رجل بحياتها يريد الزواج منها ولولا الخاتم ما اقتنعت، أخذت حمام سريع ثم ارتدت فستان ذهبي طويل ومفتوح من أعلى، ترددت كثيرا قبل أن تختار اللون ولكنها فعلت من أجله ورفعت شعرها ووضعت بعض مساحيق التجميل لتذهب بملامح الإرهاق عندما سمعت صوت سيارته تقف فأسرعت للخارج وهي تهتف 
"لقد وصل ماما"
ابتسمت دولت لسعادة ابنتها وتابعتها وهي تتقدم للباب ثم وقفت تنظم أنفاسها عندما دق الباب فانتفضت وهي تمد يدها لتفتح وتراه يلتفت لها بمظهره المثير ببدلته ثلاثية القطع وربطة عنق أنيقة مناسبة وشعره المصفف للخلف بعناية، كان فاتنا كالعادة
ابتسمت كما فعل ولاحظت باقة الورد من اللون الأرجواني غاية في الجمال واندهشت من معنى اللون، رفع يدها لفمه وقبلها وعيونه بعيونها وقال "اللون الذهبي يجعلك كالشمس المضيئة بيري، سعيد أنكِ ارتديته من أجلي"
تصارع قلبها داخل قفصه راغبا بالقفز للخارج واحتضان ذلك الرجل الذي يمنحها ثقة لم يمنحها لها سوى أخيها
همست "لم أظن أنه سيعجبك"
ظل يحتضن يدها وعيونه تتجول على وجهها وقال "لو كذبت أنا ألم تجيبك مرآتك؟ أنتِ فاتنة عزيزتي"
ضحكت لأول مرة منذ سنوات فابتسم وهي تتنحى جانبا وتقول "ماما بانتظارك"
تحرك للداخل فأغلقت الباب وتقدمت أمامه حيث دولت فتبعها وهو يتأمل البيت الجميل والبسيط حتى رأى دولت وبيري تقف بجوارها تحتضن باقة الورد، تمنى لو التقط لها صورة وهي تقف هكذا واحتفظ بها معه، الأرجوان من الألوان التي تحفز في النفس على الكرامة والاعتزاز والإنجاز والنجاح كما وأنه رمز للغموض وقد كان يعلم أنه أيضا يرمز لبيان عمق المشاعر والتحفظ العاطفي وربما بيان عن الألم والحزن
ابتسم للمرأة بأدب وبيري تقول "ماما، ماما هذا زهير من حدثتك عنه"
ابتسامة دولت كانت جميلة وتعلن عن سعادتها ورضاءها بالرجل الذي سيأخذ ابنتها أخيرا فقالت "أهلا يا بني، سعيدة لرؤيتك تفضل"
حياها وتحرك للأريكة وفك جاكته وجلس وهو يقول "بيري تحدثت عنكِ كثيرا مسز جبالي"
تحركت هي للمطبخ ووضعت الزهور بزهرية وبعض الماء وأعطت تعليماتها لميرا لتجهيز المائدة ثم عادت ووضعت الزهرية بمكان قريب وسمعت دولت تقول "عرفت أنك لا تقيم هنا"
قال "نيويورك هي مكان إقامتي الأساسي ولكن لي بيت بأكثر من ولاية وكذلك باليونان وفرنسا وإيطاليا، لي هناك فروع لذا لابد من مكان للإقامة"
جلست أمامه وقالت "ظننتك تقيم بالفنادق"
التقى بعيونها وقال "بالتأكيد أفعل ولكن بالأماكن التي ليس لي بيت بها كهنا مثلا ولكن قريبا سأفعل بعد شراكتي مع هاري"
قالت دولت "هاري فتى جيد ساند بيري كثيرا ببدايتها"
تجهم وجهه قليلا فقالت هي "ستقيم مبنى خاص للشركة هناك؟"
عاد وجهه لطبيعته وهو يجيب "ليس بعد، هاري يوفر تلك الأمور"
دعتهم الفتاة للعشاء تناولوه بين الأحاديث العامة حتى انتهى وعادوا لغرفة الجلوس وقدمت له القهوة بابتسامة رائعة بادلها إياها وما أن جلست حتى قال "مسز جبالي اسمحي لي أن أتحدث بالأمر الذي أتيت من أجله"
أخفضت بريهان وجهها بينما قالت دولت "تفضل يا بني"
وضع قدح القهوة على المائدة وقال "أنا أريد الزواج من بريهان وبالطبع لابد من موافقتك"
ابتسمت الأم ولم تجرؤ هي على رفع وجهها وظلت أصابعها تفرك ببعضها البعض ودولت تقول "هذا من دواعي سروري بني ولا مانع عندي بعد أن أخبرتني بريهان عنك كل شيء لكن تعلم أن أخيها هو المسؤول عنها و"
لم تكمل وهو يهز رأسه وقال "لقد هاتفت ليث اليوم ومنحته فكرة عن الموضوع وعندما نرحل غدا لهناك سأذهب إليه لطلبها منه وهي تدرك أني متعجل بإتمام الزفاف"
رفعت وجهها له وقالت "هاتفت ليث؟"
كان هادئا وهو ينظر لها ويجيب "بالتأكيد، لا يمكنني تجاوزه"
قالت دولت "وأنا سعيدة بك يا بني"
كان الحوار هادئ واستأذنت دولت للتعب وتركتهم فأخرج علبة السجائر وقال "بالتأكيد لن تعترضي"
ضحكت ونهضت للمطبخ ثم عادت بأكواب العصير عندما رأته يقف أمام النافذة وما زال يدخن سيجارته فتحركت تجاهه ومنحته العصير فأخذه وقال "لم أدخل بيت كهذا منذ عشر سنوات"
رفعت وجهها له بدهشة ولكنه لم ينظر لها وتناول بعض العصير ثم وضعه على المائدة القريبة وأكمل التدخين وقال "أفضل الفيلات أو القصور"
تناولت العصير وقالت "ولكن تلك البيوت بها دفء غريب وسكينة لا توجد بالبيوت الكبيرة، فيلا بابا بمصر كانت باردة، وبعد رحيل ليث خيم الحزن عليها أكثر، حتى البيت الذي رحلنا له بعد الحادث، فقط بيتنا بنيويورك أو هذا هما ما شعرت بهما بالراحة"
التفت لها فواجهته وقال "سنقيم بنيويورك بيري على أخيك البحث عن مدير جديد زوجتي لا تعمل"
تجهم وجهها وتراجعت ولاحظ هو ذلك وهي تقول "لكن أنا"
 اقترب منها وقال "أنتِ ماذا بيري؟ أنا بليونير عزيزتي ولست بحاجة لعملك أنا بحاجة لامرأة تدفء بيتي وفراشي، موجودة بأي وقت أتواجد به بالبيت، تربي أولادي وتمنحهم حبها ورعايتها وحنانها وكل اهتمامها"
ظلت تنظر له وهي لم تفكر أنها ستترك ذلك العالم الذي أحبته ووجدت نفسها به، كادت تتحرك من أمامه ولكنه وضع يده على ذراعها ليوقفها فوقفت ولكن دون أن تنظر له وسمعته يقول 
"أنا رجل لديه رغبات لا تنتهي بيري"
 رفعت وجهها له فقابل عيونها بجدية وقال "أنا لا أمزح، أحب أن تكون امرأتي لي وحدي وكلما احتاج لها أجدها، أحب أن تهتمي بنفسك من أجلي، تمنحيني ما لم أجده بأي امرأة، أريد أن أكتفي بك عن الجميع"
ورفع يده لوجنتها فارتجف جسدها من لمسته وكلماته تشيع الخوف بقلبها ولم تبتعد وهو يزداد قربا حتى شعرت بوجهه قريبا جدا منها واخترقت أنفاسه بشرتها وهمس بجوار وجهها 
"دعيني أُقبلك بيري، لكم تمنيت ذلك"
ولم تسمعه وهو يأخذ شفتها العليا بين شفتيه ولمس نعومتها وبراءتها واخترقت يده شعرها وعنقها ليقرب وجهها منه وتعمقت قبلته وهي تستجيب له وتتعرف على القبلة التي لم تعرفها من قبل وقد ارتجف جسدها وهو يحيطها بيده الأخرى ليزيدها قربا منه وتحولت القبلة الهادئة لأخرى قوية وجريئة وتعلقت يداها بجاكته بدون وعي منها حتى شعر بأنه يفقد السيطرة بشكل غريب فترك فمها بصعوبة وقد تسارعت أنفاسه وهو يرى وجهها المصبوغ بالأحمر وعيونها المغلقة وشعرها الذي أفسدته يداه وهمس من بين أنفاسه
"أنتِ قاتلة بيري"
فتحت عيونها لترى عيونه من بين رموشه المتهاوية عليها وما زالت يده تداعب وجنتها وأكمل "لكن بريئة، حتى أنفاسك بريئة، لا أكاد أصبر حتى الزواج"
تراجعت عنه فأفلتها لتعيد ترتيب شعرها ولكنه لم يحررها تماما وهو يقول "هل أدركتِ كم أنا رجل متطلب ولا أشبع من امرأتي، لنجرب بعض الوقت دون عمل ولو كان الأمر صعب نتناقش ووقتها يمكنني أن أوافق على عودتك"
ابتسمت فتحرك وقال "لابد أن أذهب، الطائرة ستذهب بالعاشرة، سأمر عليكم بالتاسعة" أغلق جاكته وأكمل "لا تأخذي أي ملابس سنشتري غيرها سويا، لن ترتدي تلك الألوان مرة أخرى"
تحركت تجاهه وقالت "ألن تندم؟"
التفت وهو يأخذ ولاعته ورفع عيونه لها ثم اعتدل والأفكار تتزاحم برأسه قبل أن يقول "أنا اعتدت على أن أكون مسؤول عن أي قرار أتخذه بالعمل أو بحياتي ولا أفر من تبعياته بالندم عليه لذا مهما كانت نتيجة زواجنا فعلينا أن نواجها سويا بكل الطرق ولن يكون الندم واحدا منها بيري"
ابتسمت له فابتسم هو الآخر وتحرك للباب فتبعته وقالت "شكرا لوجودك الليلة مع ماما"
التفت لها وقال "من دواعي سروري سيدتي الجميلة"
وانحنى وطبع قبلة على شفتيها لم يمكنها إيقافه ثم تحرك للباب وقال "أراكِ بالصباح"

يتبع..

الفصل السادس
زواج.. صدمة
ارتفعت الطائرة بهم بعيدا عن القارة الأمريكية فشعرت بقلبها يهبط بعيدا عنها مع والدتها وأخيها وعهد بعد أن ودعتهم بالبيت وها هي بفستان الزفاف تجلس بجوار زوجها وهي تحاول أن تستوعب ما حدث بالأيام الثلاثة الماضية وقد كان زهير ينافس الزمن في سرعته، نظرت ليده التي تقبض على يدها ودبلته الفضية تلمع بإصبعه وقد وضعتها بإصبعه بعد أن أنهي المأذون عقد القران
اقتربت المضيفة بابتسامة رائعة وقالت "الكابتن يحييكم سيد زهير ويبلغكم تهانيه"
ابتسم وقال "اشكريه نيابة عني"
ولكنها تنحت قليلا وسمعا ركاب الدرجة الأولى يصفقون بحماس فاعتدل الاثنان وصدعت الموسيقى حولهم والفتاة تبتسم وتنظر للباب حيث الكابتن يتقدم منهم وخلفه كعكة عروسين من دورين، ضحكت بريهان بسعادة، ترك يدها وهو ينهض لتحية الكابتن الذي قال 
"الف مبروك سيد زهير، ألف مبروك مسز أسيوطي"
الاسم غريب عليها لقد اعتادت على اسم الجبالي لكن الآن اختلف الأمر لقد حملت اسمه وبيوم ما ستحمل أولاده، هل ما يحدث حقيقي؟ ردت التحية للكابتن ومنحهم السكين وتذكرت الحفل الفاخر الذي أقامه لهما بأكبر الفنادق بالولاية ليليق باسم الجبالي والأسيوطي والكعكة التي كانت من خمسة أدوار
حياهم الجميع بسعادة وتم توزيع الكعك على الركاب وعاد ليجلس بجوارها وقد بدت رائعة بفستانها الأبيض بدون أكمام وبدت أكتافها وصدرها منه كعارضة أزياء مثيرة، مال تجاهها وقال "لولا مرض الطيار الخاص بي لرحلنا بطائرتي وكنا الآن بغرفتنا نحصل على بعض المتعة"
احمر وجهها رغما عنها فما زالت لم تعتاد كلماته تلك، رفع يدها لفمه وقبلها وقال "أتمنى أن تكوني الآن بين ذراعي بيري، وقت الرقص بالحفل تمنيت لو حملتك وصعدت بكِ لجناح لنا وحدنا لأحصل عليك"
لم ترفع عيونها له وقالت "أخشى ألا أسعدك زهير"
أغمض عيونه لوهلة ولم يرد فرفعت عيونها وقالت "هل أنت بخير؟"
فتح عيونه ليرى لهفتها بعيونها فقال "ألم تسمعي نفسك وأنت أخيرا تناديني باسمي؟ أنتِ كنتِ حريصة على ألا تفعلي بيري"
ظلت تتأمل عيونه وكل علامة على وجهه وقالت "حتى كتب الكتاب كنت أظن أن كل ما يحدث مجرد حلم ولن يتم وسأستيقظ بأي وقت عائدة إلى حياتي بدونك فكنت أجد الأمان والواقع بعدم نطق اسمك"
تراجع بدهشة وقال "وأين الأمان بالنسبة لكِ إذن؟"
احمر وجهها وقالت دون النظر له "بوجودك هنا بجواري، بيدك التي لا تترك يدي، بعيونك التي تبحث عني، باسم الأسيوطي الذي أصبحت أحمله مما جعلني أدرك أنني أصبحت حقا لك"
ظل ينظر لها ثم ترك يدها ليرفع ذراعه ويحيطها به ويضمها له وقبل جبينها وقال "أنتِ لي بيري، لي ولن تكوني لسواي، زواجنا للأبد بيري، للأبد عزيزتي"
ارتاحت بين أحضانه ومع ذلك أفكار كثير اجتاحت الاثنان عن تلك الطريقة التي ارتبطوا بها وكلا منهم يريد الآخر بقوة رغما عن قصر مدة تعارفهم والصراع الذي كان بينهم.. أسئلة كثيرة دارت بذهن كل واحد منهم لكن بدون إجابات
سيارة ليموزين انتظرتهم بمطار سيدني وقد كانت رحلة مرهقة وتحركت السيارة وسط المدينة الرائعة وكان يشير لها بأسماء الأماكن التي كان يعرفها حتى وصلا الفندق وكانت العيون تنطلق للعروس الجميلة التي تسير بجوار زوجها الوسيم 
خرج الرجل من الجناح ولم تلتفت هي لزوجها الذي أغلق الباب والتفت لينظر لها ولكنها لم تنظر له فابتسم وهو يتحرك ويخلع جاكته وتركه على أقرب  مقعد وتحرك تجاهها حتى وقف خلفها وقال 
"يمكنك تبديل ملابسك حتى يصل العشاء"
التفتت له بعيون زائغة وأدرك بتلك اللحظة أنه يريدها أكثر من أي وقت مضى، كان يعلم أن الزواج هو وسيلته ليصل لها وبالزواج حقق الكثير من الأهداف خاصة مشروعاته مع لويس وخطط أخرى هو فقط من يعرفها، وبالتأكيد ما أن ينتهي كل ذلك يكون قد أشبع رغبته منها وقد يظل الزواج ولكن بالتأكيد سيعود لحياته
رفع يده لشعرها وفك الطرحة وأبعدها وقال "لو احتجتِ أي مساعدة أنا هنا"
هزت رأسها ثم تحركت لأول باب ودخلت لتجد حقيبتها على الفراش الكبير والغرفة رائعة حقا، لم تنبهر بالمكان فقصر أخيها لا مثيل له، تحركت لحقيبتها وفتحتها وظلت واقفة أمامها وجمدت مكانها وهي تنظر لملابس النوم القصيرة وعادت للواقع الذي نسته بالأيام السابقة
رفعت قميص أحمر بلون الدم وعرفت أنه بالكاد سيصل لأعلى من ركبتها وهذا يعني أنها..
ارتجف قلبها وشعرت أن ساقها السليمة لا تستطيع أن تحملها، جلست على طرف الفراش والقميص بيدها وعيونها تحدق بالفراغ، لن ترتدي هذا ليرى أسفل ركبتها حيث تلك الساق الصناعية من المعدن، لا لن يمكنها تحمل ذلك، كيف ظنت أنها تستطيع الزواج والحصول على حياة طبيعية كأي امرأة وهي ليست كأي امرأة؟ 
لم تشعر به وهو يقف أمام الباب وقد شعر بتأخيرها فتحرك ليراها ليجدها جالسة تحتضن قميص النوم والدموع تسيل على وجهها فضاقت عيونه ولم يفهم سبب الحزن
عندما لمس يدها انتفضت لتراه يقف بجوارها وجذب القميص من يدها وألقاه على الفراش ثم جذب يدها لتقف أمامه ومرر يده على وجنتها ليمسح دموعها فقالت دون توقف عن البكاء 
"لا يمكنني أن أفعل، لا أستطيع"
وهاجمها البكاء بقوة فجذبها له وهو يربت على رأسها بهدوء وهمس "كفى بيري هل تهدئي، أنا لن أجبرك على أي شيء فقط كفي عن البكاء لا أريد لتلك العيون أن يفسد جمالها بالدموع"
هتفت على صدره الذي التف بروب حريري أسود "لم يكن عليك الزواج مني زهير، أنا لن أمنحك ما تأخذه من الأخريات الكاملات، لن أستطيع"
فهم سبب دموعها وانهيارها فأبعدها وأحاط وجهها براحتيه وأحنى وجهه لينظر بعيونها وقال "أنا لا يعنيني سواكِ بيري، كل النساء انتهت يوم عرفتك ولم أعد أريد سواكِ وليست تلك الساق هي ما سيوقفني عنكِ"
وجذب وجهها له وهو يلتقط شفاهها بين شفتيه ويقبلها بقوة جعلتها تشهق لانقطاع أنفاسها فأبعدها برفق وقال "هل تدركين كلماتي؟ ما بيننا ليس تلك الساق بيري، هيا دعيني أساعدك"
تراجعت بوجه متورد وعيون فزعة ولكنه لم يفلتها وهو يقول "علينا بتخطي تلك الخطوة سويا بيري"
هزت رأسها بالرفض ولكنه لم يستسلم وهو ينحني مرة أخرى على وجهها وشفتاه تحط على وجنتها فأغمضت عيونها وقبلاته تملأ وجهها، شعرت بجسدها يتصلب وقلبها يدق بسرعة وقوة وحرارة تسري بكل خلايا جسدها ووهن يكاد يسقطها فاستندت بيداها على صدره وقد أدركت روبه الذي كشف عن صدره الصلب وطل من فتحته شعر أسود كثيف حطت يداها عليه فزاد من ارتجافها خاصة عندما وصلت قبلاته لعنقها فتاهت من العالم وهو يدرك ما يفعله بها من رد فعل جسدها بين ذراعيه وكم منحه ذلك شعور رائع لم يعرفه من قبل وهو يعلم أنها مختلفة فبراءتها لم يجدها مع اي امرأة سواها مما منحها جمال آخر
عندما فك شعرها انساب على يده ووجهها وسرت رائحته المثيرة لأنفه وبلطف تحركت يده بخبرة لسحاب فستانها وسحبه للأسفل فأدركت ما يفعله فحركت يداها لتمسك به وهي تبتعد عنه وتوقف كل ما يحدث ولكنه لم يبتعد وما زالت نظراته تمتلأ بالراحة وابتسامة هادئة تزين وجهه وهو يقول
"أنتِ بخير بيري، ثقي بي"
ظلت الدموع هي الإجابة الوحيدة فعادت يده لأطراف الفستان ولم تملك إلا أن تستسلم وهي تبعد يدها فيسقط الفستان تحت ساقيها وقد بقت بملابسها الداخلية وهي تخفض عيونها بعيدا عنه ونظراته تتجول على جسدها فاقترب منها ورفع وجهها بطرف يده لتواجه وهمس 
"أنتِ مذهلة"
وقبلها قبلة قوية ليعيد لها ثقتها الراحلة وهي تعلقت مرة أخرى بأطراف روبه حتى رفعها فجأة بين ذراعيه ووضعها بالفراش وظل ينظر لها ثم عاد يقبل وجنتها ويلتقط الدموع التي كانت تسيل ثم اعتدل وتجول على جسدها ليصل لتلك الساق الصناعية فتحرك بيده على كل جسدها حتى وصل لساقها، كادت تنهض ولكن يده وعيونه أعادتها للفراش وهو يقول 
"لا تقلقي"
وصل للساق وبدأ بنزعها وأبعدها ثم الشراب الطبي ومرر يده على الجزء السليم ثم قبله برقة فأغمضت عيونها وما زال قلبها يخفق بقوة وذلك الرجل يقتحم أكثر منطقة سوداء بحياتها ويجعلها تضيء فجأة بأمل لم تعرفه من قبل..
اعتدل ونزع روبه وعاد لها وهمس "أنا أريدك بيري، أريدك بقوة منذ أول مرة رأيتك بها ولا يهمني أي شيء سوى أنكِ هنا بين ذراعي فدعيني أستمتع بكِ وأمتعك"
ولم يمنحها فرصة لأي رد وهو يهبط على شفاهها بقوة أكدت على كلماته وهي بادلته إياها ولا تعلم لماذا مرت كلمة الحب على ذهنها مقارنة بكلمة أريدك، هل ما بينهم مجرد رغبة وستنتهي بوقت قريب؟ هل هذا هو سبب تنازله عن حريته وقبوله بالزواج؟ هل سيطردها من حياته بمجرد أن يشبع رغبته منها؟ 
لم تطول أفكارها لأن لمساته وقبلاته أخذتها له وهو يبعد ما تبقى من ملابسها الداخلية وهو يعلم جيدا كيف يمتع امرأته وقد جعلتها لمساته تتأوه من المتعة بين ذراعيه ولم تشعر من تصرفاته المراعية أن ساقها تعوقهم بأي شيء، لمساته كانت خبيرة ومع ذلك همس بجوار أذنها 
"هناك الكثير بهذا العالم أريد أن أمنحك إياه بيري ولكن ليس بأول مرة لكِ عزيزتي فهي مختلفة"
دقات قلبها كانت مرتفعة وربما كان يسمعها تتأوه برقة وهي تغمض عيونها ولا ترد فقط سمحت لنفسها بأن ترفع يدها لتكتشف جسده الهائل وعضلاته الواضحة وشعر صدره الذي كان يمنحها شعور مثير وعندما بدأ يتملكها غرزت أظافرها بكتفيه وتألمت بصوت حاولت أن تكتمه فتوقف ورفع وجهه لها وقال 
"اهدي بيري، فقط ارخي جسدك ولن تتألمي وأنا سأنتظر حتى تسمحي لي"
فتحت عيونها بدموع غريبة فابتسم فهزت رأسها ليكمل ولكنه عاد يقبلها برقة حتى رحلت معه لعالمه مرة أخرى ليكمل ما بدأه بلذة ومتعة لهما سويا وعندما انتهى هتف بجوار أذنها "سعيدة بيري؟"
تأملت عيونه وهي ما بين النوم واليقظة وقالت "نعم"
لم يبتعد وهو يقول "هل تحبيني؟"
النوم كان قد أخذها ولكنها قالت "نعم أنا أحبك"
لم تجده بالفراش عندما فتحت عيونها والصباح يملأ الغرفة، أبعدت شعرها من على وجهها وجذبت الغطاء على جسدها وهي تتساءل عن مكانه بأول صباح لهما سويا، ألم شعرت به بقلبها وكأنها ليست زوجته وإنما مجرد امرأة عرفها وألقاها بفراشه ونال منها ما أراد ثم رحل وتركها
نهضت تبحث عن ساقها ووجدتها فأعادتها مكانها وارتدت القميص الأحمر الذي ألقته بالليل بعيدا ثم تحركت للحمام، لم يترك لها حتى رسالة بمكانه..
عندما عادت للغرفة كانت أيضا فارغة والتقطت عيونها بقعة الدم الحمراء على الفراش فارتجف جسدها عندما ذكرت ما كان بينهم، الآن هي امرأته، له ولا تعرف ماذا تمثل بالنسبة له؟ 
كانت بروب الحمام عندما جلست أمام المرآة تجفف شعرها وتلاحظ وجهها وشفتيها التي لم يتركها بالأمس، لمستها بأصابعها وهي تذكر كل كلمة ولمسة 
فزعت من دقات الباب فتماسكت ونهضت خارجة من غرفتها ثم فتحت لترى خدمة الغرف والرجل يقول "صباح الخير مسز أسيوطي، سيد زهير أخبرني أن أصعد لأخذ الحقائب هل هي جاهزة؟ هو ينتظر بالأسفل"
غضب أشاع بجسدها من تصرفه وكذلك تخبط بعدم الفهم الذي تملكها ولكنها احتفظت لنفسها بالغضب وقالت "امنحني نصف ساعة"
احنى رأسه باحترام وابتعد فأغلقت الباب بغضب وتحركت تبحث عن هاتفها وما أن فتحته حتى تذكرت أنها لا تملك رقمه فضغطت على الهاتف بقوة وهي تهتف بغضب 
"كيف ذلك؟ لماذا زهير؟"
لم يحاول حتى الاتصال بها أو يشرح لها أي شيء، إنها صباحية زفافهم، بالأمس كان الزواج فكيف يتركها هكذا اليوم؟ ماذا يقصد بذلك؟ 
الفستان القصير كان تجربة جديدة لها أصر هو عليها عندما اشتروا ملابسها الجديدة سويا ووقتها لم يتذمر من مظهر ساقها وقد بدت خلف الشراب الشفاف وكأنها طبيعية لأن ليث أصر على أن تنال أفضل الأطراف الصناعية والتي تماثل ساقها الطبيعية، مسحة من الماكياج أخفت دموعها وما أن أغلقت الحقائب حتى دق الباب 
عندما نزلت ببهو الاستقبال جالت عيونها بحثا عنه ولكن تلك الضحكة الملفتة لامرأة جعلتها تلتفت لمصدرها لترتد بضربة مؤلمة بصدرها وهي ترى المرأة التي ما زالت تضحك ولكن ليست هي من ضربتها وإنما ذلك الرجل الذي كان يلف ذراعه حول خصرها وينحني عليها يكاد وجهه يلتصق بوجهها ويهمس لها بكلمات جعلتها تشعر بارتجافه بكل جسدها وذهول غطى ملامحها وتسمرت قدماها بمكانها غير قادرة على الحركة ولا التفكير ولا تدري ماذا يحدث حولها؟ 
دخول مجموعة من الأشخاص من الباب الزجاجي للفندق وهم يثيرون ضجة جعلته ينتبه ويرفع وجهه تجاههم ولكنه رآها والتقى بنظراتها وعيونها الدامعة ولم تعرف ماذا تفعل أو أين تذهب؟ هل تركها بصباحية زواجهم ليذهب لامرأة أخرى؟ لا، هناك خطأ ما، لن يفعل بها ذلك
أفلت المرأة وهو ينظر لها بجدية وهمس بكلمات بأذنها جعلها تنظر لبريهان فشعرت بالألم يندفع لقلبها والفتاة ترمقها بنظرة ساخرة ثم ضحكت وتحركت مبتعدة وهو يتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وقال 
"أراكِ جاهزة؟"
لا تصدق أنه يتحدث وكأن لا شيء حدث وهو يرى دموع تلمع بعيونها دون أن تنهمر على وجنتها وهي تحاول أن تنزع صوتها وتقول "من تلك المرأة؟"
ابتسامته الساخرة ارتسمت على شفتيه وهو يقول "واحدة ممن أعرفهم"
تراجعت وهي لا تصدق البرود الذي يتحدث به فقالت "تركتني بصباح زفافنا لترى امرأة كنت تعرفها"
وضع يده بجيوبه وما زال ينظر لها بنفس النظرة وقال "لم أقل كنت أعرفها بل قلت أعرفها"
شحب وجهها وحاولت أن تظل ثابتة بمكانها وهي تقول بصوت مبحوح "لا أفهم"
أمسك ذراعها وتحرك بها للخارج وهو يقول "دعينا نذهب أولا السيارة تنتظرنا"
وكأنها كالمخدرة تحركت بدون هدى تحت قيادته لتلك الليموزين التي وقفت أمام الفندق والسائق يفتح لهم فركبت وتبعها هو الآخر، ما أن استقرا حتى رفع الحاجز الزجاجي الخاص بالسائق ثم أشعل سيجارة بصمت فقالت وكأنها عادت من الغيبوبة 
"زهير من تلك المرأة وماذا كنت تفعل معها؟"
لم ينظر لها وقال "أخبرتك من هي، ولا أظن أنك تريدين معرفة ماذا كنت أفعل معها"
قال ذلك وهو يرمقها بنظرة تكاد تقسم أنها تمتلئ بالقسوة والغضب وكأنها تستحق ما سمعته، انهارت الدموع التي كانت عالقة بعيونها وتمزق قلبها بقوة مما سمعته وعرفته، هل كان يخونها بصباح زفافهم؟ بصعوبة نطقت 
"لماذا؟"
أبعد وجهه وقال بنفس القسوة "لأن هذا هو أنا، زئر النساء الشهير"
التفت لها بنفس العيون الغاضبة وقال "تزوجتني وأنتِ تعرفين من أنا فلماذا تبدين منزعجة هكذا؟"
لا، هتف قلبها دون لسانها رافضا ذلك الواقع وشعرت بالغثيان فجأة فهتفت "أوقف السيارة، أشعر بالغثيان، أوقف السيارة الآن"
بالفعل بالاتصال بالسائق أوقف السيار بجانب الطريق ففتحت الباب وألقت بعصارة معدتها بالخارج وعندما استعادت نفسها تراجعت للداخل دون أن يتحرك من مكانه، جذبت منديل وجففت فمها ولكنه منحها كوب من الماء فدفعت يده بعيدا وهي تقول بضعف 
"ابتعد عني"
ظل ثابتا لحظة وهو يدخن سيجارته وهي تتناول زجاجة الماء وتتناول منها الماء ربما تهدأ وتستعيد قوتها، الضعف لم يكن شريكها منذ الحادث ولن يكون الآن، جففت دموعها وأسندت عيونها على الزجاج وهي تهدأ حتى قالت 
"لم يكن عليك الزواج"
ضحك بطريقة جعلت الخوف يسكنها "بل كان علي أن أفعل"
لم تنظر له فعاد يكمل "اسمعي الجميع بما فيهم أنتِ يعلمون من أنا فلا داعي لتمثيل دور الضحية، لا أنتِ تلك البريئة التي تحاولين أن تكونيها ولا أنا الراهب الذي يحيا دون نساء"
التفتت له وقالت بدهشة "أنا لا أدعي البراءة"
زادت قسوة نظراته حتى ظنت أن هناك نيران تهب من عيونه تكاد تحرقها وقال "سنتوقف الآن عن هذا الحديث بريهان، ستقومين بدورك كزوجة لي أمام من نحن بطريقنا إليهم وتبدين أفضل عروس"
لم تصدق ما يقول وهتفت بتعب هاجمها "أفضل عروس؟ هل تسمع نفسك؟ بل هل تظن أنني قد أفعل ذلك؟"
قبضت يده على ركبته بقوة لاحظتها ولم تتبدل نظرته الغاضبة وهتف "نعم ستفعلين لأنكِ تحبين أخاكِ ولن تضري أبدا بسمعته أليس كذلك؟"
تراجعت وعيونها تتسع وهي تكاد لا تصدق أنه يهددها وهي تردد "أخي!؟"
هتف بصوت لم تسمعه من قبل "لن يحب أن يعرف الجميع أن أخته سيدة الأعمال المعروفة كانت مدمنة مخدرات وأنها كانت تصادق هذا وذاك وأنها"
وصمت وعيونها تزداد اتساعا ولم تجد تلك الدموع لتؤازرها بل ألم، ألم لا طاقة لها به، صدمة بل حريق يشتعل بصدرها رددت "أني ماذا؟"
ظل صامتا لحظة ثم أبعد عيونه فجذبت صوتها بصعوبة "أنت تفعل ذلك لأني كنت مدمنة بيوم ما؟"
عاد لها وألم غريب بدا بعيونه وهو يقول بصعوبة لاحظتها "لن تحبي أن تعرفي سبب ما أفعله ولن تحبي أيضا ماذا أريد أن أفعل بكِ بريهان وتوقفي الآن قبل أن تندمي ونفذي ما أخبرتك به وإلا أقسم ألا أرحمك أنتِ وأخيكِ"
ظلت ثابتة وهي تواجه نيران عيونه التي حولتها لرماد لا وجود له، صوته أفزعها وجعلها تنتفض وهو يقول "هل سمعتِ؟"
بالطبع هزت رأسها، لن تسمح له ولا لأحد أن يضر بأخيها، ليس ليث، ليث من أخذ بيدها وأعادها للحياة، أكمل "جميل، تذكري جيدا اسم أخيك عند كل تصرف ستقومين به أمام الجميع"
وأبعد وجهه لنافذة السيارة التي كانت تدخل بوابة دلت على أنها بوابة مزرعة كبيرة هائلة لم ترى أي شيء ولم تعد تنتمي للواقع من حولها وارتجفت يدها وهي تمسح دمعة أخيرة على وجنتها وذهنها شارد بعلاقتها بذلك الرجل وكيف غشها وخدعها وجعلها تصدق أنه يريدها ليطعنها اليوم بصميم كرامتها بل بصميم قلبها، لماذا؟ ليس ماضيها الملوث السبب فلا دخل له بالماضي هو أمر يخصها وحدها فلماذا كل هذا الكره والغضب الذي يحمله لها..




تعليقات



<>