
رواية لن اكون بريئه يوما بنظرك الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم داليا السيد
زواج
عندما دخلت غرفتها أغلقت الباب خلفها واستندت عليه وهي تلهث من التعب وظلت وهلة حتى هدأت فتحركت للمائدة والمقعدين الوحيدين بالغرفة بعيدا عن الفراش الذي اتخذ مكانه بركن وحيد بالغرفة، جلست على المقعد وهي تشعر بتعب وطوت ذراعيها على المائدة وأسندت رأسها عليها وهي تدرك أن تلك الحياة لن تتوقف عن لطمها بكل لحظة لطمة أقوى من أختها، لم يكن عليها أن تعيده لحياتها ماذا كانت تعتقد أنه سيفعل؟ سيسعد بها ويضمها لأحضانه ويبتهج بابنه الغير شرعي؟
كم هي حمقاء تستحق الموت أول وآخر لأنها اتبعت سبيل قلبها وقبلت الزواج من رجل كان كل همه الانتقام من أخيها في شخصها هي بل والانتقام منها هي أيضا لأنه يصدق أنها شريكته بكل شيء
نهضت بتعب واضح ودون أن تستبدل حتى ملابسها دخلت الفراش واستسلمت للنوم بدون تفكير..
اليوم التالي لم يختلف عن الأيام السابقة منذ الصباح وهي تبحث عن أي عمل حتى حل المساء بدون فائدة فعادت لغرفتها وقد منعت الأفكار واسم يوسف من تملكها حتى وصلت لآخر درجات السلم لغرفتها عندما رأت شبح هائل يقف بجوار الباب مستندا على الحائط الملاصق له بكتفه
فزعت منه لكن سرعان ما فاح العطر بالمكان فعرفته بالتأكيد وبلحظة وجوده كان يهيمن على كل كيانها ويجعل جسدها يتلوى من إحساسه به فذلك الرجل له تأثير خاص عليها لم تعرفه برجل أي رجل من قبل فهو يسلب كل إرادتها
أخفضت وجهها وأكملت الدرجات النهائية دون النظر له وكأنها كانت تنتظره وليس العكس، فتحت الباب بمفتاحها وتحركت للداخل وضعت حقيبتها على المائدة وخلعت الجاكيت الجلد الأسود وتركته على المقعد وتحركت للنافذة المتهالكة ووقفت أمامها تاركة له فرصة تأمل المكان العظيم الذي تحيا به
من لحظة أن رفعت وجهها له على السلم وهو أدرك وجودها جيدا تلك الفتاة التي أحالت حياته لجحيم أبدي من الكوارث و.. والرغبة الجسدية الهائلة التي يقاومها كلما رآها
تحرك خلفها لداخل الغرفة الصغيرة وبدا كل شيء بها وكأنه يصارع نهايته، هل يعقل فتاة كانت تسبح ببحر الأموال مع أخيها المحتال تسكن بمكان كهذا؟ امرأة الرجال الثرية هم غايتها ترتدي مثل تلك الملابس؟
جلس على المقعد الخشبي ووضع ساقا فوق الأخرى محاولا ضبط غضبه مما فعلت به بالأمس وقال ببرود "خطتك نجحت بشكل باهر وحققت كل أهدافك"
نظرت له وكم كانت نظرتها تماثل البراءة بشكل رائع، كم هي ممثلة ممتازة، قذف بالأفكار خلف ذهنه وقال "لقد منحت الصحافة فرصتها لترقص على قبري، زواج سري، حمل بالسر أيضا وخلاف واضح جعلني أبدو ندلا متنصلا من لحمي وفيلم عربي رومانسي بانتظار النهاية السعيدة"
أدركت أنها ارتكبت خطأ كبير بما فعلت فهو ظن أنها فعلت ذلك لتبتزه وتعمدت أن تفضحه لتضغط عليه، احمر وجهها وقالت "آسفة ولكني حقا لم أقصد"
قاطعها بقوة "لم تقصدي؟ لعبة جديدة تبدئينها الآن؟ أغراضك القذرة واضحة فماذا تريدين بالضبط؟"
ظلت تنظر له صامتة للحظة ثم أبعدت عيونها وقالت "لا شيء، فقط كان لابد أن تعرف أن لك ابن هو حقك وحقه"
صمت قليلا قبل أن يقول "وهل كان الحفل هو المكان المناسب لزف الخبر السعيد لي؟"
أخفضت وجهها وقالت "لم أفكر"
نهض غاضبا وبدا عملاقا أمامها نظرا لضيق المكان واندفع المقعد من خلفه من قوة حركته وهتفت "لم تفكري؟ لم تفكري بأنك تعلني للعالم أن يوسف السمنودي غرر بفتاة وجعلها حامل وتخلى عنها؟ لم تفكري أنك من سعى لكل ذلك الخراب؟"
نظرت له بقوة وقالت "أنت صاحب الفكرة"
اعتدل بوقفته ورفع يده محذرا وقال "لحظة واحدة، كنا اثنان على ذلك الفراش، برضائك وبأقدامك سرت للغرفة التي تمنيت البقاء بها لآخر العمر"
أحرقت الدموع عيونها عندما هاجمتها ذكرى تلك الليلة وقالت بصوت مكتوم ضعيف "وثقت بك"
انصهر الغضب داخله وجعله يتراجع بشرايينه متأملا وجهها الشاحب وجسدها النحيل والرائع بشكل غريب بالجينز الأسود والبلوزة الرمادية التي بالكاد تسع جسدها والأزرار تكاد تنفك عند صدرها مبرزا كبره وكيف لا وهي ستكون أم؟
ابتعد وهو يزيح المقعد بقوة من طريقه وقال "كنت تعرفين ماذا تفعلين ولا تخبريني أنها مرتك الأولى فأنا لا أصدق كما لا أصدق أن ما تحمليه ابني هذا إذا كان هناك حمل من الأصل"
رفعت وجهها الملطخ بالدموع له وهتفت "كنت عذراء بتلك الليلة ولم يمسني رجل من بعدك"
ثم تحركت لحقيبتها وأخرجت محتوياتها لتحصل على الأوراق والاختبارات التي أجرتها عند الطبيب ومدتها له وهي تقول "أنا لا أكذب، ليس بحياتي رجل سواك"
التفت ونظر بعيونها الباكية وقد غطت الدموع على جمالها وحطمت الهالات السوداء أي بريق لها ثم هبط نظره على الأوراق فجذبها من يدها وفتحها ولم يكن من الصعب حساب بداية الحمل من تلك الليلة لهما سويا
أبعد الورق وقال "أنا أستخدم طرق حماية ولم يقع مثل ذلك الخطأ من قبل"
لم تواجهه وقد تولاها الخجل مرة أخرى وهي تقول "أنا لا أعرف شيء عن ما تقول"
حدق بشعرها الناري الذي واجهه دون وجهها المنخفض وهو يفكر بأنه كان يفحص وسيلته بكل مرة لكن تلك المرة كان مأخوذ بها، رغبته تجاهها أغلقت عقله يومها فلم ينتبه للخطأ، حتى أنه لم ينتبه لعذريتها التي تحدثت عنها
ابتعد وسقط الصمت بينهم كحكم يعلن وقف المباراة للراحة، جلست على المقعد الذي بجوارها بينما ابتعد هو للنافذة وما زالت الأفكار تهاجمه بشدة وأخيرا تمتم بكلمات تعبر عن أفكاره
“والدي صدق قصتك وينتظر وهو بفراش المرض رؤية زوجة ابنه التي تحمل حفيد لم يكن ينتظره بأي يوم"
رفعت وجهها إليه ولكنه كان شاردا لمكان آخر محاولا إيقاف الجنون الذي يحدث حوله، تذكر مكالمة والده الذي ترجاه أن يعلن زواجه ويحضر زوجته لبيت العائلة لينال الرجل الحفيد الذي تمناه من ابنته التي خطفها الموت منه فصرعه وأسقطه مشلولا بالفراش وأفقده الأمل بالأسرة ولكن ها هو الأمل يعود
شعرت بثقل ينهال عليهم فقالت "آسفة صدقني لم أعني أي شيء من كل ما حدث ولو أتوقعه، فقط أردت منحك حقك في معرفة أن لك ابن أو ابنة بطريقهم للحياة ولم أكن أعلم أن الصحافة ستكون موجودة"
التفت لها غاضبا مرة أخرى من كلماتها وقال "لم تعرفي؟ إن كل صحفي نظيف أو قذر يسحف خلفي لمعرفة أي خبر حولي فما بالك بخبر صاعق كهذا؟ إن سمعتي اليوم بالحضيض، وأسهم شركاتي تتمايل بين الانهيار والثبات أنت كارثة صدمت حياتي بداية بقتلك لأختي وانتهاء بهذه التمثيلية الهزلية"
عادت الدموع وهي ترفع وجهها لعيونه الدخانية التي حلق الرماد بها وكأنه خارج نتيجة احتراق غضبه الداخلي، قالت "لم أقتل أختك، لم أكن أعرف نية أخي صدقني"
صرخ بها بقوة جعلتها ترتعد وهو يقول "كاذبة، كل أنفاسك تنطق بالكذب، لا تخبريني أنك لا تعرفين أيضا بما كان يفعله من حولك وأمواله القذرة التي كان يضعها بحسابك؟"
رفعت وجهها له وقالت بصدق "عرفت الاسبوع الماضي عندما اتصل بي عم فهمي لإخباري بخطاب من البنك وصل له باسمي"
اقترب منها وانحنى تجاهها وقال بنفس الغضب "غسيل أموال، هل وصلت لعبتكم الدنيئة لهذا الحد؟"
رن هاتفها فجأة ففزعت من صوته بينما التفت هو للهاتف الملقى على المائدة وقرأ الاسم "وحيد بسيوني" أمسك الهاتف بقوة وقال "هل هو من أظن؟"
لم تفهم سؤاله ومد لها بالهاتف وهو يقول بغضب تأجج بعيونه "أجيبي، الآن"
ارتجف جسدها بقوة من نبرته المحملة بغضب لا مثيل له وقد احمر وجهه ذا اللون البرونزي وعيونه تتسع أكثر وهو يحدق بها عندما ضغط على زر الإجابة وفتح مكبر الصوت ليسمع كلاهم صوت ذلك الرجل الذي لم ترد عليه منذ وفاة أخيها وهو يقول
“وأخيرا يا ملاكي، بالتأكيد أجبت عندما أدركت أني وصلت لعنوانك وسأكون عندك غدا لأحصل على أموالي، أو ربما نتفق على طريقة أخرى للسداد ما رأيك؟ ما زلت أتمنى موافقتك"
لم تتحمل نبرة صوته فنهضت مبتعدة ولكنها ترنحت من النهوض المفاجئ وشعرت بأنها ستسقط فأسندها بيديه التي تعرف لمستها جيدا وأعادها للمقعد مرة أخرى وعندما عاد صوت وحيد يناديها أغلق الهاتف وقال
“لم تسددي ديون حمزة؟"
كانت تحاول استجماع نفسها وهي تسند رأسها وتغلق عيونها، هزت رأسها بالنفي وقالت "لا، لم أجيبه منذ موت حمزة"
ابتسم بسخرية وقال "ولكن نبرته تعني الود"
لم تفتح عيونها وقالت "أي ود؟"
ظل يتأمل وجهها الذي ذهبت منه الدماء فبدا بلون الليمون الأصفر وأصابعها الرفيعة التي ابيضت تسند رأسها، عندما أجابها الصمت فتحت عيونها لتراه يحدق بها فانتبه وقال "هل نمت معه؟"
بسرعة البرق عاد الاحمرار لوجهها وتملكها الخجل ثم تحول لغضب وهي تقول "أخبرتك أني لم أكن لسواك، لست عاهرة ولا فتاة ليل"
ظل يواجه نظراتها الغاضبة ثم ابتعد لحظة من الصمت حتى قال "لابد من أن أتأكد من أن الطفل ابني"
ما زالت الدموع كثيفة ولكنها قالت "افعل ما تشاء لا يهمني"
التفت لها بحدة وقال "لو لم يكن ابني"
قاطعته بحزم وقوة "اقتلني، اسجني افعل ما شئت فأنا أعرف عن ماذا أتحدث"
حاول أن يبحث عن الكذب بملامحها أو نظرتها ولكن القوة التي تحدثت بها جعلته يتراجع والثبات الواضح بعيونها جعله يصدقها فابتعد وقال "سنتزوج بالصباح ونرحل للقاهرة، أبي يريدك"
استعادت قوتها ونهضت مبتعدة وقالت "يكفي عقد القران، لا داعي لتلزم نفسك بي، يكفي أنك ستمنح الطفل الصفة الشرعية"
تحرك تجاهها وانتزعها من مكانها بقبضته التي أمسكت ذراعها وهو يجبرها على النظر بعيونه الغاضبة وهي النظرة الوحيدة التي رأتها اليوم بعيونه وهو يقول "بل أريد الطفل لو ثبت أنه ابني، من أخبرك أني سأتركه لأم مثلك؟ بل هناك اتفاق ستوقعين عليه قبل الزواج وينص على أنك تتخلين عن كل حقوقك الزوجية وحضانة الطفل يوم تفكري بالرحيل بعد إنجابه، وستحصلين على ثروة جيدة يوم تقررين التنازل عن حضانته وترحلي لكن طالما أنت موجودة معي فهو تحت حضانتك"
حاولت نزع ذراعها من قبضته المؤلمة وهي تقول بدهشة "ومن الذي منحك تلك الفكرة؟ أنا لن أترك ابني بأي يوم"
تحرك شيء بأعماقه لم تعرفه وهو يتغلب على أفكاره القديمة فلا مجال لها هنا وقال "الأمهات تفعل الكثير من أجل راحتهن بالمقدمة"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لست تلك الأم، لن أترك طفلي لأحد سواي هذا ما أضمنه لك، ولكن ليس بالضرورة أن أكون زوجتك يمكنك ألا تقيد نفسك بزوجة لا تريدها المأذون يعقد القران ثم يطلقنا"
ظل يدور بعيونه داخل عيونها وهو لا يفهم تلك الفتاة التي تلقي بفرصة ذهبية على طول ذراعها بدون أي تردد فقال وما زال قريبا منها وهي ترفع وجهها لتصل لقامته المديدة رغم انحنائه ليصل لها
“والآن لا أفهم، رجل سواي كان ليتركك وادعاءاتك دون اهتمام ولكني أعرض الزواج وبيت وعائلة وأنت تلقين بهم بلا اهتمام ماذا يعني ذلك؟"
كانت حائرة أو خائفة أو لا تعلم وهي تبتلع ريقها فتتحرك عروق عنقها الطويل وهي تقول "لا شيء، افعل ما تشاء أنت محق كان على فتاة مثلي ضاعت بلحظة طيش أن تتمسك بأول قشة نجاة تقدم لها لتستعيد شرفها، لكني ظننت وقتها أني"
لم تكمل وهو فهم كلماتها فترك ذراعها وابتعد وقال "لا يمكنك البقاء هنا أكثر من ذلك المكان غير آدمي بالمرة، أمامك ساعة أعدي حقيبتك وسأعود لأخذك لغرفة بالفندق الذي أقيم به"
هتفت بقوة "لا"
التف لها ووجد الاصرار بملامحها فأكملت "لن أذهب معك إلا لمأذون أعرفه وشهود أتأكد من صحة بطاقاتهم"
أدرك أن اللدغة السابقة ما زال سمها يسري بعروقها ولم تتعافى منها فأبعد وجهه وقال وما زال أيضا وجه أخته الصغير وعيونها الصغيرة الضاحكة تتجول أمام عيونه "حسنا دعينا نفعلها الآن، هل لديك مأذون بالجوار؟"
ظلت صامتة للحظة ثم هزت رأسها وقالت وهي تمسح دموعها بظهر يدها كالأطفال "نعم بالشارع الخلفي"
هز رأسه وقال وهو ينظر بساعته "حسنا أعدي أشيائك لن نعود هنا مرة أخرى سأنتظرك بالسيارة"
لم ترد وهو يتحرك للخارج دون إضافة وعادت تجلس وقد فقدت ساقيها أي قوة على حملها فما يحدث لها لا يزيدها إلا خوف من القادم هل يمكن أن يأخذ الطفل منها بعد ولادته؟ كيف ظن أنها ستتركه وترحل؟ أي أم تلك التي تفعل شيء كهذا بطفلها؟
أغمضت عيونها وهي تحاول أن تستوعب ما حدث لها وما بطريقه للحدوث، الزواج من يوسف السمنودي ليس ما تمنته بل تمنت الزواج من يوسف فقط الرجل الذي تعلق قلبها به بتلك الليلة من أول نظرة، الرجل الذي رأت نظرة عاطفية مماثلة بعيونه تجاهها، الرجل الذي كان رقيق ورومانسي وهو يأخذها كزوجة لا يوسف السمنودي الذي كان يسعى للانتقام، غشها وخدعها واغتصبها عنوة بدون أي حق، ترى أي رجل منهما هي بطريقها للزواج منه الآن؟ وأي حياة تلك التي ستشاركه إياها؟ ماذا يخفي لها القدر؟
أضاءت تلك الكاميرا مرة أخرى بوجهها فأخفت عيونها بيدها الحرة بينما يدها الأخرى حبيسة قبضة ذلك الرجل الذي أصبح زوجها وبدلا من أن يدخلا الفندق توقف وأحدهم يواجه ويقول "هل انتهى خلافكم؟ هل ودعت العزوبية سيد يوسف؟ هل تنتظر وريث حقا؟"
أجاب بثقة وقوة بكلمة واحدة "نعم"
ثم دفعها مرة أخرى لداخل الفندق حيث التفتت النظرات لهم ولكنه لم يهتم وتحركا للأعلى حيث رافقهم الصمت منذ انتهت كلمات المأذون الذي بارك زواجهم وحتى فتح لها باب جناحه بالفندق ولم ينتظرها لتدخل وهو يتقدم للداخل ويخلع معطفه الطويل ويضعه بعناية على ظهر المقعد وخلع جاكته وقال وهي ما زالت واقفة
“لا داعي للخوف الزواج شرعي وليس به أي غش"
تركها واختفى وهي لا ترى لأين ذهب فتقدمت للداخل وأغلقت الباب وهي تعيد النظر للجناح عندما رأت باب مفتوح حيث اختفى وبداخله أدركت أنها غرفة نوم تقلبت معدتها بقوة فوضعت يدها على بطنها وتذكرت تلك الليلة بداية ما هي تعانيه الآن، سمعت صوت المياه خارج من حمام الغرفة، تحركت حيث وضعت مقاعد مريحة وأريكة أيضا مريحة فجلست عليها بتعب واضح وهي تتأمل ما حولها بقلب ينبض بقوة خلف ضلوعها، هي لا تريد ذلك المكان بل لا تريد ذلك الزواج، لا بل تريده نعم تريد ذلك الرجل الذي لم تهتم إلا به ولم تفكر بسواه منذ رأته
سمعته يفزعها وهو يقول "حقيبتك بالداخل يمكنك النوم هنا، أنا لست باقي لدي عشاء عمل"
لم ترد وهو يختفي بالداخل مرة أخرى، لم تتحرك حتى خرج وقد سبقه عطره لها وقد بدا غاية بالأناقة والجاذبية وقمة الرجولة وهو بالبدلة السوداء والقميص الأبيض وربطة عنق سوداء بخطوط زرقاء وتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وقال من ارتفاعه الشاهق كالبرج
"سنرحل غدا"
وتركها وذهب دون انتظار أي رد وأغلق الباب خلفه، نهضت إلى حيث أشار وتفحصت الغرفة ثم فضلت حمام دافئ وارتدت ملابس النوم ودخلت الفراش ولكن التعب لم يجعلها تنام كما كانت بغرفتها وظلت تتقلب يمينا ويسارا حتى غفلت عيونها دون أن تشعر
نهضت فجأة على صوت لا تعرف مصدره ولكن الظلام لم يمكنها من شيء، أغمضت عيونها مرة أخرى وعادت للنوم
بالطبع استيقظت مبكرا ونالت كفايتها من القيء ثم خرجت من الحمام بعد أن اغتسلت وكادت ترتدي نفس ملابسها عندما وجدت كيس على المقعد المجاور للفراش فاتجهت له وفتحته لترى به بنطلون قماش أسود وبلوزة خضراء وجاكيت أسود رائع نظرت للباب فوجدته مغلق ولكنها تذكرت ما أقلقها بالليل ربما كان هو
لم ترتدي ملابسه وارتدت نفس ملابسها وخرجت فوجدته يجلس بجوار النافذة جالسا يطالع الجريدة ويتناول فنجان قهوة، انتبه لها عندما خرجت من الغرفة وعبست حواجبه عندما وقع نظره عليها وهي تتحرك تجاهه ولم يترك الجريدة ولا الفنجان وهو يقول
“ما هذا؟ أين الملابس الأخرى؟"
لم تنظر له وهي تقف مكانها وتقول "لا أريدها"
ترك الجريدة والفنجان ونهض بطوله الشاهق وقد اكتفى بالقميص السماوي على بنطلون كحلي وترك أزرار القميص العلوية مفتوحة وهو يتجه نحوها ويقبض على ذراعها كعادته ويدفعها لداخل الغرفة ويقول "أنا لا يهمني ما تريدين من عدمه، سترتدين تلك الملابس برضائك أو بطريقة أخرى قد لا تعجبك أو ربما تفضلينها "
حاولت نزع ذراعها المتألم وهي تقول "ألا تجيد شيئا آخر سوى إيلام ذراعي بتلك الطريقة؟"
انتبه لذراعها فخفف قبضته ولكن لم يتركها وهو يقول "وأنت ألا تعرفين عن حسن المظهر أي شيء؟"
احمر وجهها وقالت "هكذا هو أنا لم أدعي خلاف ذلك"
حدق بعيونها للحظة ولكنه سخر وقال "وكأنك لم تستفيدي من المحتال أخيك"
قالت بحزن من أفكاره عنها "هل تتركني، ذراعي يؤلمني"
لم يتركها وهو يقول "سأفعل حتى ترتدي الملابس الأخرى وانزعي هذه عنك، فقد تعبت من ملاحقة العناوين والفضائح"
ودفعها بقوة للخلف وتحرك للخارج وهي تمسد ذراعها مكان قبضته المؤلمة واستسلمت لأوامره واستبدلت الملابس وخرجت له كان قد ارتدى باقي ملابسه وعاد لرجل الأعمال وقد كان يتحدث بالهاتف، نظر لها نظرة متفحصة ثم أنهى مكالمته وقال
“هيا لابد أن نصل القاهرة قبل الظهيرة لدي اجتماع هام"
تحرك للخارج وتبعته دون أي كلمات ورأت السائق يفتح لهم فأفسح هو لها وانتظرها لتفسح له حتى ركب بجوارها وقال "ما أن نستقر حتى تعيدي إجراء الفحوصات الخاصة بالحمل"
عندما لم ترد نظر لها ولكنها كانت شاردة دون هدى فعاد يقول "لماذا عدت إلى هنا؟ هل تهربين من شيء؟"
لم تنظر له وقالت "هي بلدي هنا ولدت ونشأت وهنا أشعر بالراحة"
تأمل شعرها الأحمر النادر وجوده وقال "ولكنك تقيمين وحدك؟"
لفت وجهها له وقد تأهب جسدها عندما أدركت أنه قريب جدا منها يكاد جسده يلمسها وهي تدرك أنها أضعف من أن تقاوم لمسته فوجوده يعني القوة
قالت "مرضت والدتي وأنا بالعاشرة وكنت أقوم برعايتها ورعاية البيت بينما كان والدي يعمل خياط وحمزة كان بالسابعة عشر ولم يفضل كلية وإنما درس بمعهد، ماتت ماما بعد مرضها بعام وحزن والدي عليها جدا لمدة عامين بعدها ثم سقط هو الآخر مريضا وقمت برعايته حتى مات وقد رحل حمزة وتركنا دون أي رعاية وبوفاة بابا كنت بالخامسة عشر رحلت لحمزة"
بالطبع لم تكمل ولم تحكي عما فعله حمزة بها وقسوته وانتهازه لصغرها، لا يعلم لماذا غضب أكثر من حمزة لأنه لم يمثل أي دور رجولي بحياة أسرته بل جبان كما عرف عنه حتى مع من هم منه، أبعد أفكاره جانبا وقال "لم تكملي دراستك؟"
قالت بعيون لامعة "بل فعلت ولكن من المنزل، فقط كنت أذهب وقت الامتحانات"
فرت خصلة من الشريط الأخضر الذي يربط شعرها فسقطت على جبينها فلفت انتباهه وهو يقول "أنت بالواحدة والعشرين، لم تنهي دراسة الجامعة؟"
قالت بصدق "بل فعلت، ماما قدمت لي مبكرا بالمدرسة وهكذا نلت شهادة الجامعة بنهاية هذا العام"
هز رأسه وقال "ولم تنالي عمل بها؟"
أبعدت وجهها وتذكرت حمزة عندما كان.. لم تكمل وهي تغلق عيونها لتوقف الذكرى وقالت "لا"
التفتت له وقالت "تظن أن النجاح بالعمل يحتاج شهادة علمية؟"
ظلت العيون متواجهة وقال "ليس دائما الأمر يختلف حسب الوظيفة، الجامعة بالنسبة لي كانت إرضاء للوالد فقط لكن عملي لم ينتفع منها بشيء، علمتني الحياة إياه، خمس وثلاثين عاما كافية لاكتساب أفضل شهادة"
كانت النظرات متبادلة دون أن يرغب أيا منهم في البعد ولا يعلم لماذا رفع يده وأبعد خصلتها عن عيونها وأبعدها خلف أذنها ولم يبعد يده وهو يدسها بعنقها وارتجفت هي لتلك اللمسة التي تخدر كل جسدها وهو يقول "هذا اللون نادر ومثير"
انحنى وهو يجذب وجهها له محاولا إيقاف تلك الرغبة الراكدة بأعماقه تجاهها والشفاه المثيرة تناديه، كادت تنقاد بضعف وراء لمسته المثيرة والحرارة تندفع لجسدها ولكنها تراجعت فجأة رافضة قربه وقبلته ولمسته، رافضة الانهيار أمامه رغم رغبتها به
فلت وجهها من يده فهتف بغضب "وماذا يعني هذا؟"
ارتجفت وقد شعرت بالبرد يحل محل الدفء وقالت دون النظر له "أخبرتك أنك لست ملزم بزوجة لا تريدها"
كاد يهتف بغضب عندما أدرك أن السائق قد يسمع جدالهم فلا فاصل زجاجي بينهم فجز على أسنانه وقال "تعلمين أن الرغبة متبادلة بيننا فلا تكابرين"
أخفضت وجهها الذي تلون بالأحمر وقالت بصوت واهن "الرغبة سمة الحيوانات ونحن بشر لدينا عقول تحكمنا وكلانا يرفض الآخر ف"
قاطعها بحدة "الرغبة أساس الزواج وهدفه الأول لذا لا تظني أني سأتنازل عن حقوقي كزوج، أنت أصبحت لي ملكي ولن يوقني شيء عن الانتفاع بأملاكي هل تفهمين؟"
صدع شرخ كبير بقلبها، رغبة! كل ما بينهم مجرد رغبة، ما هذه الحياة التي هي بصددها إنها تكرهه وهذا ما قالته عندما التفتت له بحدة وقالت "أنا أكرهك"
ظل واجما من كلماتها وجمدت ملامحه لا تخبر شيء عما داخله حتى أبعد وجهه للنافذة وحل الصمت بينهم حتى وصلا للاستراحة ولم تنتظر حتى تتوقف السيارة وهي تنزل مسرعة لأقرب حمام سيدات لتستسلم للقيء
عندما عادت كان يقف ينتظرها والهاتف بيده وقد أنهى مكالمة، نظر لها وقد بدت شاحبة كالعادة فقال وهو يأخذ بذراعها برفق لداخل الاستراحة "هل تشعرين بتحسن"
جلست وجلس أمامها ولأول مرة يخرج سجائر ويدخن فقالت "نعم"
نفخ الدخان وقال "نتناول الإفطار ونرحل أنت لم تتناولي أي شيء بالصباح"
هزت رأسها وقالت "والدك يعلم من أنا؟"
نفخ الدخان بعيدا ورحل مع الريح الخفيفة وقال هو "لا ولم يعرف شيء عن علاقة حمزة بحياة فقط حادث سيارة"
هزت رأسها وظنت أنها لابد أن تقول ما قالته "آسفة، صدقني كنت أحبها ولم أفكر يوما بأن أضرها"
أبعد عيونه وقال "أفضل أن تأخذي طريق آخر غير هذا بيننا لأني لا أصدق كلمة واحدة"
ابتلت عيونها بالدموع ولعنت ضعفها كما تملكها الغضب من حمزة سبب تلك النظرة التي يرمقها بها ذلك الرجل، نظرة مؤلمة تجرح بقوة، وصل الطعام تناولاه بصمت حتى قالت "ألم تفكر بالزواج من قبل؟"
لم ينظر لها وقال "لا، الزواج لم يكن من خططي بأي يوم وحتى النساء وقتي كان محدود لأتمتع بهن"
رفعت عيونها من تحت رموشها وقالت "لا أفهم الجميع يتحدث عن مغامراتك"
لوى فمه بدون معنى وقال "وهل يضر الحديث عن المغامرات؟ الأمر لا يهمني"
قالت دون إكمال للطعام "ولكن بحياتك نساء"
نظرته كانت تمتلئ بالسخرية وهو يقول "بالتأكيد ألم تدركي معي أني رجل تعلم جيدا كيف يمتع امرأته؟"
احمر وجهها وتلوت معدتها فأبعدت الطعام فضحك وقال "كما بدوت أنت أيضا رائعة، لم تمتعني امرأة مثلك"
نهضت واقفة وقالت "هل نذهب؟"
لم تذهب سخريته المؤلمة وهو يرتد بمقعده وينظر لها ويقول "اجلسي ملاك، أنا لم انتهي بعد، سأتناول القهوة قبل أن نذهب، أنا رجل لا أخجل من شيء طالما هو حقي وأنت حقي وما أتحدث عنه بيني وبين زوجتي يمتعني وعليك التعود عليه"
ابتلعت ريقها وهي تشعر برغبة جديدة بالقيء فأسرعت للحمام مرة أخرى وعاودت الأمر ثانية حتى هدأت معدتها وغسلت وجهها ثم خرجت إليه وما أن وصلت للمائدة حتى نهض وقد أدرك التعب الواضح على وجهها فأمسك ذراعها برفق وتبدلت نبرته وهو يقول
“دعينا نذهب هل يمكنك إكمال الرحلة؟"
لم تنظر له وهي تهز رأسها بالموافقة وتضع يدها على بطنها والتعب ينبض من كل جسدها أركبها السيارة وأغلق الباب ثم دار وركب بجوارها وحاولت هي أن تتمالك نفسها وهو يرمقها بنظرة جانبية وهو لا يفهم تلك الفتاة ولا يصدق براءتها التي تحاول إظهارها له
كانت الرحلة بسيطة ولكن لأن جسدها لم يرتاح منذ وفاة حمزة وما أصابها والبحث عن العمل ثم الحمل لذا أصبحت رحلة شاقة عليها ولكن سرعان ما وصلوا القاهرة قبل الظهيرة وبالطبع كان الزحام هو السمة الأولى للعاصمة
وقت طويل مضى قبل أن تدخل السيارة مدينة سكنية جديدة والبيوت بها صغيرة وكل بيت منفصل بحديقة وسور، سمعته يقول "والدي لا يحب المكان هنا، يفضل العزبة ولكن لا مجال للعزبة أبدا وحياة هي من انتقت المكان"
نظرت له ورأت أن ملامحه أظلمت فجأة وابتعدت نظراته للنافذة ولكنها قالت لتبعده عن الذكريات "هل يفكر والدك بالعودة للعزبة؟"
هز رأسه بالموافقة وقال "نعم، يطلب الرحيل منذ وفاتها ولكن لا يمكنني أن أفعل، لا يجوز تركه هناك وحيدا وأنا لدي الكثير هنا"
هدأت السيارة أمام بوابة سوداء كبيرة مشابهة لكل السابقين ثم فتحت لتدخل السيارة بالممر الحجري والأشجار ترتفع على الجانبين حتى ظهر البيت الذي كان من طابقين وبدى حديث البناء
فتح لها السائق فنزلت وتحركت حيث وقف ينتظرها وهو يبدو متعجلا وقال "هيا هو بغرفته لا يتركها أبدا"
تحركت معه وهو يدفع الباب الأمامي للفيلا وبالداخل بدت رائعة وبالطبع الثراء هو السمة الأولى لكل شيء لكن افتقدت للذوق ولكنها لم تعلق
لحظات ورأت امرأة متوسطة العمر تخرج من الجانب الأيمن بسرعة وهي تقول "أهلا سيد يوسف سيد أحمد سأل عنك"
قال بهدوء "زينب المسؤولة عن المنزل، زوجتي زينب، هل هو بغرفته؟"
تراجعت المرأة واتسعت عيونها السوداء وهي تردد "زوجتك؟ يا له من خبر مفاجئ، كيف فعلت ذلك؟"
دفع ذراعها بلطف وهو يقول "عند المأذون زينب"
تحرك بعجلة واضحة وهو يدفع ذراعها حتى رأت السلالم العريضة فصعدا وهو يقول
“قاعة استقبال الضيوف وغرفة الجلوس والطعام والمطابخ بالأسفل وبالأعلى غرف النوم ومطبخ صغير"
هزت رأسها وهو يكمل الصعود حيث وصلا لممر يساري تقدما به وبأول باب توقف ونظر لها من أعلاها لأسفلها ثم دق الباب ودفعه وهو يخبرها بنظراته أن عليها الدخول فتركت عيونه وانتقلت لداخل الغرفة عندما رأت مكان كبير يواجها والشمس تنتشر داخله، اللون الرمادي هيمن على جدران الغرفة وتناسب مع خشب الحجرة الأسود، رائحة الدواء عبقت المكان وسرعان ما رأت الفراش العريض على يمينها وذلك الجسد راقدا عليه وبيده جريدة صباحية تركها بمجرد دخولها
كانت ملامح الرجل لا تشبه ابنه كثيرا عيونه فقط الرمادية تتوافق معه لكن بشرته الفاتحة اختلفت وجهه المستدير فمه الصغير كله اختلف عن ابنه قاسي الملامح
تحرك الفم الصغير ونطق دون أي ملامح "ظننتك ستبكر عن ذلك، علمت أن الفوج الروسي وصل، أهلا زوجة ابني"
قال وهو يقترب من فراش والده وقال وهي بجواره "أعلم، ملاك زوجتي، والدي"
أكلها الرجل بنظرات ثاقبة جعلت وجهها يتلون بالوردي ثم قال "من أين أتيت بامرأة تملك مثل هذا اللون الرائع يوسف؟"
قال بعجلة "هو نادر حقا"
ثم التفت لها وقال "هل تريدين رؤية غرفتنا؟ أظن أنك بحاجة للراحة"
شحب وجهها وهي تدرك كلماته، غرفتنا!؟ لن تنام بفراشه، لن تسمح له بأن يلمسها مرة أخرى، أعادها له بصوته "ملاك!؟"
قال الأب "هي بالفعل تبدو متعبة، يمكننا التعارف فيما بعد ملاك، خذها للراحة يوسف"
يده أخرجتها من دوامتها التي لا تتوقف عن الدوران وهو يقودها للخارج والصمت يسيطر عليها، باب والآخر ثم الثالث حيث دفعه وتحرك بها للداخل وتملكتها الدهشة من اللون السماوي الرائع للغرفة والستائر المماثلة والخشب أيضا فقال
“لم يكن اللون فكرتي وربما يتم استبدلها ولكن ليس الآن، الحمام هناك، غرفة الملابس على يسارك، الغداء بالثالثة وأكيد لن أشارك به والعشاء بالثامنة وأيضا لا أضمن وجودي، لابد أن أذهب"
ولم يمنحها أي فرصة لقول أي شيء وكأنها قطعة أثاث جديدة ألقاها بغرفته وتركها ورحل وتنفست بصعوبة وشعرت بدوار يهاجمها فبحثت عن أقرب مقعد وزحفت له وأسقطت جسدها عليه وألقت رأسها للخلف وأغمضت عيونها ولم تشعر بشيء
دقات الباب أيقظتها وأعادتها للحياة لتشعر بألم بظهرها وحاولت أن تفك جسدها وهي تقول "تفضل"
فتح الباب ورأت زينب تنظر لها وتقول "مساء الخير مدام الحقائب وصلت"
نهضت والدهشة تملأ عيونها وقالت "أي حقائب؟"
قالت المرأة "حقائبك مدام، سيد يوسف أخبرني عنها قبل ذهابه، هل أحضرها لترتيبها"
بالطبع لم تفهم أي شيء ولكنها هزت رأسها بالموافقة وهي تبحث عن الحمام وتقدمت له دون أي كلمات، كانت متعبة ووجدت أنها ما زالت الثانية ظهرا أي أنها نامت ساعة ولم تشعر بأي تحسن، بالطبع كان الحمام رائع ولكن كالعادة بهذا البيت الألوان غير متناسقة، السوائل الكثيرة جعلتها تفكر بوضع جسدها بالماء الدافئ كما كانت ترى الفنانين بالأفلام ونجحت وهي تستلقي بالصابون المنعش وأغمضت عيونها وهي تتذكر حياتها القديمة وحمزة الذي أذاقها من الذل والهوان ما جعلها بلا شخصية، امرأة هزيلة تختفي بالظلام حتى تذاكر دروسها كي لا يراها، تعمل بالنهار والليل كي تسدد مصروفاتها وبالشقة خادمة له كي يسمح لها بالبقاء، لم تكرهه رغم ذلك وظنت أنه بيوم ما سينهي هذه القسوة ويأخذها بأحضانه، وقت أن عرفت بأمر حياة أدركت أنه نذل وجبان وأرادت أن تحذر حياة ولكن القدر لم يمنحها أي فرصة وخطف الشابة الرقيقة بلحظة، شعرت بالراحة فنهضت وأزالت الصابون ثم جففت نفسها وارتدت روب الحمام وخرجت لتتجه ناحية غرفة الملابس حيث أشار لها وفتحتها لتجد ملابس لا حصر لها، اتسعت عيونها الزيتونية وهي لم ترى هذا الكم من الملابس من قبل انتقت فستان رمادي احتراما للرجل الذي فقد ابنته منذ شهرين فقط
بالثالثة دق بابها فأذنت وهي تقرأ على هاتفها فرأت زينب تدخل وتقول "الغداء مدام"
نهضت وقالت "هل تناوله سيد أحمد؟"
قالت زينب وعيونها تتأمل جسد ملاك "يتناوله بغرفته مدام"
صمتت قليلا ثم قالت "هل يمكن أن تسأليه إذا كان يسمح لي بتناول الغداء معه أم لا؟"
لاح شبح ابتسامة على شفتي المرأة وقالت "حاضر"
ذهبت زينب لوهلة وأبعدت هي هاتفها حتى عادت زينب بابتسامة صغيرة وهي تقول "هو يرحب بذلك مدام، لحظات ويكون الغداء جاهز بغرفته"
تنهدت وهي تخرج من الغرفة وجالت عيونها بالممر القاتم ولم ترتاح لتلك الفيلا التي افتقدت لأي ذوق وتذكرت غرفة الأب حتى وقفت أمام بابه ودقته وانتظرت الإذن ثم دخلت
كان قد بدل ملابسه على الفور ورجل بالأربعينات يقف بجوار فراشه بملابس بسيطة ينظر لها بينما الأب قال دون أي ملامح "لو لم تدعوني لتناول الغداء معك لفعلت أنا ولكنهم أخبروني أنك كنت نائمة، تعالي اجلسي هنا، هل حفيدي بخير؟"
تحركت بأقدام غير ثابتة وتفاجأت من سؤاله حتى جلست بمقعد أمام فراشه وقالت بصوت مرتبك "نعم حضرتك، بخير"
نظر للرجل وقال "سيد هو الممرض المختص بكل ما يلزمني، يمكنك الذهاب سيد"
خرج الرجل وقبضت يداها على بعضها البعض بحجرها عندما عاد الرجل لها وقال "تبدين خائفة، هل أخبرك يوسف شيء عني؟"
جف حلقها بدون سبب وهي بالفعل لا تدري سبب توترها ولكن ربما لأنه أول لقاء فهي لا تدرك كيف ستتعامل مع رجل ابنه يدعوها محتالة، قالت "لا سيدي، أنا فقط لا أرغب بأن أكون متطفلة على حضرتك"
لم تنفك ملامحه الجامدة تماما كما هو ابنه، جامد كالتمثال الجرانيتي، قال بنظرات بعيدة عن وجهها "دعي لي الأحكام ملاك ولا تفعلي مثل الجميع تظنون أنكم تعرفون ما يسعدني أكثر مني"
أسرعت تقول "لم أفعل"
نظر لها وقال "أعلم، كيف عرفت يوسف؟"
ارتبكت فهو لم يلقنها أي حكاية وهي لا تفضل الكذب ولكن دقات الباب منحتها الراحة حتى عندما دخلت زينب بصينية عليها الطعام فابتعد السؤال بلا عودة وعم الصمت حتى خرجت زينب ولم تفرض نفسها على الرجل الذي قال وكأنه يشعر بتوترها "هل أجريت اختبارات الحمل؟"
قالت بدون قيود "نعم"
قال بهدوء "أكاد لا أصدق أنه سيمنحني حفيد"
نظر لها بقوة فبادلته النظرة بأخرى تمتلئ بالحيرة والدهشة فقال مبعدا عيونه عنها "كان أملي بحياة"
تلك المرارة بكلماته جعلتها تشعر بألم وحزن فقالت "آسفة، تعازي الحارة سيدي"
لم ينظر لها وقال "عمي أفضل نحن لسنا بمكان عمل ملاك ماذا بك؟ لماذا أشعر أنك مجبرة على التواجد هنا؟"
احمر وجهها وتوقفت عن تناول الطعام مرتبكة ولكنها حاولت أن تجد إجابة مقنعة وهي تقول "لا سي.. عمي، فقط أشعر أني غريبة ولم أعتاد المكان بعد وأخشى أن أغضبك وها قد فعلت"
تأملها بنظراته الثاقبة ثم قال "تبدين صغيرة وبدون خبرة بالحياة، كم عمرك؟"
قالت "واحد وعشرون ونصف"
تراجع رافعا حاجبه وقال "فارق كبير بينكم بالعمر يبدو أن دافع زواجكم كان يستحق التنازل"
والآن تألمت معدتها وأصبح من الصعب عليها أن تكمل الطعام فالرجل أصعب مما ظنت ولكنها قالت "لم نفكر به وقت قررنا الزواج عمي، فارق العمر لا يوقف أي زواج"
هز رأسه بالإيجاب وقال "أحيانا ولكن أحيانا أخرى يصبح نقمة لا يمكن تجاوزها وتحيل الحياة إلى جحيم"
ظلت تنظر له وشعرت أن الرجل بحياته أسرار صعبة كثيرة وحياة ليست جميلة كما هو ابنه الذي يتمتع بحياته هنا وهناك، قالت "لكل قاعدة شواذ"
نظر لها بعيون باردة وقال "ليس فارق السن هو القاعدة ملاك، التناسب بالعمر هو القاعدة والفارق الكبير يشذ عنها ولا أعلم كيف تغاضى يوسف عن هذا الأمر؟"
ظلت تنظر له بتساؤل فهمه بالطبع فابتعد عن الطعام وقال "لا تهتمي بكلمات رجل عجوز مثلي لا معنى لكلماته، هل تجيدين صنع القهوة ولعب الشطرنج؟"
هزت رأسها وقالت "نعم"
أزاح الصينية وقال "هيا إذن اصنعي لي واحد زينب لا تجيد صنعها وتتذمر عند طلبي لها والشطرنج هناك على المكتب"
أطاعت الرجل واندهشت زينب عندما رأتها تستأذن في صنع القهوة بذلك المطبخ الشاسع والذي ذكرها بالموقد والحوض الوحيد بغرفتها الراحلة، عادت للرجل الذي أعجبته القهوة واندمج الاثنان بلعب الشطرنج لوقت لم يعرفا مقداره عندما دخل سيد وقال "إنها السابعة سيدي موعد الجلسة"
رفع الاثنان رأسهما من على طاولة الشطرنج وقال الرجل "نعم لم أشعر بالوقت"
نهضت هي فأكمل "هل أنت بخير ملاك؟ تبدين شاحبة لقد أرهقتك معي ولكن اللعب معك ممتع حقا لست خصم سهل كما ظننت"
ابتسمت وقالت "هذه شهادة أعتز بها عمي هل هناك ما يمكنني أن أساعد به؟"
قال "لا، يمكنك الذهاب سأنتهي من جلستي على موعد الدواء والنوم، طابت ليلتك"
لم تذهب ابتسامتها وهي ترد "وليلتك"
وخرجت عائدة لغرفتها والصمت رفيقها، لقد مر يوم عليها هنا وهي مع ذلك الرجل المتقلب، لم تفهمه ولم تعرف ما إذا كان الحزن يملكه أم المرض أم أن حياته تمتلئ بالأسرار
توقفت أمام النافذة والظلام يخيم على السماء لكن المصابيح تضئ الحديقة بالأسفل وانتشرت مائدتان بمقاعد هنا وهناك ولكنها لم تجد رغبة بأي شيء، عادت للفراش وأضاءت التليفزيون وظلت تشاهده وقت طويل حتى دق الباب وفتح لتراه يدخل
اعتدلت بالفراش بدون وعي وهو ينظر لها ويقول "هل أمضيت اليوم كله بالفراش؟"
خلع جاكته وألقاه على المقعد وفك ربطة العنق وهي تقول "لا"
جلس وقد بدا مجهد من اليوم الطويل وتأمل ملامحها وقد أطفأت الجهاز فقال "بالغد سنذهب لأحد المراكز الطبية لإجراء الفحوصات اللازمة، ألا تتناولين أي طعام؟"
قالت وهي تبعد عيونها عنه "بلى فعلت"
ثم رفعت وجهها له وقالت "تبدو مهتما وقد ظننت أنك لا ترغب به"
حدق بها لحظة ثم نهض وهو يبعد ربطة عنقه يفك أزرار قميصه وقال "لست مسؤول عن ظنونك، طالما هو موجود فهو يستحق الاهتمام مني ومنك وأعتقد أن اتفاقنا كان صريح وأنت وقعت عليه، أنا سأدفع ثروة مقابل بقاؤه معي لو رحلت أنت"
غضبت للذكرى فنهضت وقالت "أخبرتك أني لن أترك ابني وأموالك لا تعنيني بشيء"
تحرك تجاهها حتى وقف أمامها وانحنى ليواجه نظراتها الغاضبة وقال "يليق الغضب بالتمثيلية التي تكملينها، ألم نتزوج وأنت الآن تتمتعين بكل هذا فلماذا لا تتصرفين على طبيعتك التي يعرفها كلانا؟"
لم ترد وقد أدرك أن قربها منه أوقد تلك الرغبة به فهي كالنيران تمسك به بلحظة، حرارة جسدها تأكله تجعله كالجائع يريد التهامها، رائحة الزهور التي تلفها تثير كل جزء بجسده لا يعلم ماذا تفعل به تلك الفتاة؟ لم ينسى تلك الليلة أبدا وظلت محفورة بذاكرته حتى الآن بل ويريد تكرارها مرة بل مرات أخرى بدون توقف، نظراتها تشعره بلسعات مؤلمة على جلده وكأنها تؤنبه على كلماته المهينة
بلحظة تبدلت نبرته وهو يزداد منها قربا ويقول "دعينا نمرح قليلا، ما زال لدي وقت"
قربه كان الهلاك، وكأنها تسقط بحفرة من الجمرات المشتعلة وتتلوى على لهيبها، نظراته تخترق ملابسها وتعريها منها، أنفاسه سقطت على وجهها وكأنها ريح ناعمة دافئة عطرة بروائح تثير رغبة تعرفها جيدا، لماذا تضعف هكذا أمامه؟ لطالما قاومت العديد من الرجال من قبله لكن هو؟
يده تحركت لوجنتها لتلمس نعومتها بدون تراجع، تسمر جسدها وكأنه أصيب بشلل وقتي، عقلها توقف عن العمل وقلبها ينبض بقوة خاضعا لذلك العملاق، دارت نظراته على ملامح وجهها وعنقها نزولا لفتحة فستانها ثم عاد بنظراته ليستقر على فمها، تلك الشفتين المكتظتين يدعوانه لأخذهما بقوة وليس برقة ولم يتردد وقد أثارت تلك المرأة رجولته بشكل لم يعرف سره من قبل فلم يفكر وهو يقتص شفاهها بقوة جعلتها ترتد للخلف ولكن ذراعه قبضت على جسدها وجذبتها إلى جسده لتشتعل حرارة الاثنان وشعر كلاهم بالرغبة تتأجج بداخلهم، لم تشعر بالعالم لوهلة ولكن عندما جرح شفتها أعادها للواقع فرفعت يداها الاثنان ودفعتهم بقوة بصدره لتبعده عنها وهي تقول
"ابتعد عني، لن أكون لك"
نظم أنفاسه والذهول يأخذه مما فعلت وسرعان ما تصاعد الغضب إلى عقله واستوعب ما يدور حوله وعيونها الغاضبة والقوة التي تتحداه بها فقال بنفس قوتها وأكثر "والآن ماذا بك يا امرأة؟ هل نسيت أنك زوجتي؟ أنت لي"
أشاحت بيدها وقالت دون تراجع عن موقفها، لن تكون عبدة له أو جارية اشتراها بأمواله، رغبة كما يقول، لا هي ليست مجرد رغبة ولا تريد أن تكون حتى ولو كانت هي الأخرى تريده لكن لن تجعله يكسر كبرياءها كفاها ما نالها منه "أنا وأنت نعلم سبب زواجنا، ليست الرغبة كما تقول ولكن هذا الطفل"
ووضعت يدها على بطنها ولكنه جذبها من ذراعها بقوته النابضة من غضبه وعيونه تكاد تأكلها واللون الأسود القاتم يهيمن على حدقتيه وهتف بها "حتى لو، بالنهاية هو زواج شرعي وصحيح منحني حقوق وأنا أريد حقوقي وأنت عليك أداء واجبك"
كانت رأسها ترتفع لتواجهه وبدت قوتها بعيونها مثيرة للغضب أكثر وتتحدث عن التحدي وهي تقول "أنت تخدع من؟ كلانا يعلم أن لا مكان لتلك الحقوق أو الواجبات، تمثيلية كما تقول إذن عن ماذا تبحث؟ أعلم جيدا أنك مجبر على الزواج مني كما أني"
لم تكمل وظلت عيونهم عالقة وقد طارت معاني كلماتها التي لم تنطق بها إليه وكأنها قالت ما أرادت وهو أدركها ولكنه زاد من قبضته وجز بأسنانه وهو يقول "أنت ماذا؟ لا تتخلى عن شجاعتك هذه الآن وأكملي"
تبدلت ملامحها وقالت "أنت تتلذذ بإيلامي"
عبست حواجبه الكثيفة وضاقت عيونه وهو يحاول أن يفهم كلماتها قبل أن يقول "لا أفهم، لن تعودي بنا لشهرين ماضيين"
دمعت عيونها وقالت "وما السبيل للنسيان وهناك ندبة توصمني بالذكرى للأبد"
تألم ذراعها من قبضته كالعادة فأخفضت عيونها لذراعها حيث يده وقالت "أخبرتك أنك تتلذذ بألمي"
ترك ذراعها على الفور وابتعد من أمامها وهو يدرك أن طريقهم سد، ذكرى تلك الليلة هو السد الذي ارتفع بينهم ولن يهدم لأنه قام على الانتقام الذي ما زال ينبض بقلبه وذلك الجنين ندبة وصم بها الاثنان فقال "كان عليك دفع الثمن"
هزت رأسها وقالت "هذا من وجهة نظرك"
لم يلتفت لها وهو يجيب "هي الحقيقة"
لم ترد وهي تحاول مقاومة التعب الذي هاجمها فجأة فالتفت من صمتها فلم يرى شحوب وجهها لأنها أخفضته كي لا يرى ضعفها، لم يضيف وهو يتحرك مبتعدا لغرفة الملابس بينما بحثت هي عن مقعد ووضعت نفسها بين ذراعيه تلتمس بعض الراحة واستعادت بعض القوة لو أراد أن يكمل لكنه أخذ حمام وابدل بدلته بأخرى وتحرك للخارج دون أن يوجه لها كلمة أو حتى نظرة وكل حديثهم يتكرر بذهنه وكأنه شريط مسجل يدار مرة وراء الأخرى بدون توقف
الفصل الرابع
العزبة
ركب سيارته وقاد السائق به إلى الحفل المقام بأحد القاعات الشهيرة وهناك كان يعلم أنه سيواجه الكاميرات مرة أخرى وبعض الأشخاص الذين لم يفضل لقائهم
اخترق جمع الصحافيين أمام القاعة الفاخرة دون الإجابة على أي سؤال حول غياب زوجته عن الحضور وما إذا كانا قد عادا أم لا، وبالنهاية دفع باب القاعة وتقدم للداخل حتى أغلق المسؤول الباب خلفه وهو يأخذ معطفه ويقول "مساء الخير سيد يوسف"
حياه بهزة خفيفة من رأسه وتحرك للداخل حيث صدعت أصوات الموسيقى والجمع الغفير من رجال الأعمال وزوجاتهم وبعض الفنانين المشاهير وفتيات الإعلانات التي تأتي لاصطياد فرصة الحصول إما على فرصة ذهبية بالتمثيل وإما فرصة الفوز برجل ثري يمنحها الحلم الأزلي لكل فتاة وهنا تذكر تلك الرابضة بغرفته والتي رفضته بشكل أثار جنونه وجرح كبرياؤه كرجل لم ترفضه امرأة من قبل ولكن ما فعله بها جعلها تفقد ثقتها به وتكره تكرار ما كان..
"أهلا يوسف تأخرت"
نظر لابتسام المنياوي زوجة المضيف كمال وصفي أحد رجال السياحة الشهير والذي يسعى للشراكة مع يوسف ولكن يوسف لم يقرر بعد، لم يبتسم كالعادة وهو يقول "أهلا ابتسام كيف حالك؟"
كانت فاتنة حقا فقد كانت عارضة أزياء شهيرة قبل أن يقطفها كمال وتعتزل مهنتها بسبب الزواج والحمل ولم تندم ولكنها حافظت على جمالها ولم ينقص منه شيء، قالت "بخير ظننت أنك ستصحب زوجتك معك لنتعرف عليها"
لم يجعلها تكسب الجولة فهي دائما ما كانت تريد تأنيبه على أنه رفض دعوتها بيوم ما فقال بدون تردد "تعرفين الحمل خاصة بالشهور الأولى"
احمر وجهها وتراجعت وهي تقول "إذن الأمر صحيح!؟ كان زواجكم سري؟"
هز كتفيه بلا مبالاة مقصودة وقال "كنت أظن أنه زواج وقتي وسينتهي ولكن يبدو أنها علقت بي وتحول الأمر لشيء جيد فهي تمنحني ما أحتاجه من أي امرأة كما وأنها ستمنحني وريث"
شحب وجه ابتسام عندما وصل زوجها بجسده المماثل لجسد يوسف ولكن ليس بجاذبيته ووسامته وقال "أخيرا يوسف، هيا تعالى الجميع ينتظرك، هل حقا ستدخل مزاد ذلك الفندق؟"
سار مع كمال وقال "ولم لا؟ فكرة الفنادق أعجبتني"
نظر له كمال وهو يتحرك بجواره وكلاهم يقوم بتحية الموجودين وقال كمال باهتمام "ليست لعبتك يوسف فندق شرم كان لعبة الكبير"
أخذ كأس من الخادم وتناول رشفة منه أعادت له هدوءه وقال "ولكن الكبير خرج من الملعب كمال ولن أنتظر الهزيمة بخروجه والمكسب مذاقه رائع"
توقف كمال فجأة فنفخ يوسف ووقف ليواجهه وقال "لن نتنافس كمال أعلم ما تفكر به"
قال كمال بجدية واضحة "كلام يوسف، فأنت ما أن تدس أنفك بشيء حتى تمتص كل الحياة منه وأنا لا أريد أن ندخل بحرب بيننا تعلم أني أكن لك مشاعر خاصة"
تناول بعض من المشروب وقال بعيون ماكرة "أعلم، ماذا تريد كمال؟"
قال بدون تردد "اترك الصفقة يوسف، لا تدخل ملعبي ليكن لكلا منا ملعب خاص به"
ظل ينظر لصديقه ثم هز رأسه وقال "حاضر كمال، هذا من أجل ما بيننا، لكن فيما خارج هنا سيكون الأمر مفتوح ولن يوقفني شيء"
ابتسم كمال وقال "لك هذا، أنا لا ألعب خارج العاصمة يا صديقي، هيا تعالى مفيد يعقد جلسة هامة كعادته وزينة هنا"
عضلة تحركت بوجهه عند ذكر اسم تلك المرأة ولكنه تحرك وكمال يمسكه من ذراعه بحركة ودية ليقوده للجمع القريب عندما ابتسم الجميع له إلا ذلك الوجه الأبيض المستدير ذا العيون الزرقاء والرموش الكثيفة والقوام الساحر والشعر الأشقر المنساب بطريقة لا خطأ بها كعادتها بفستانها الذهبي الطويل، فاتنة، تذهب بالأنفاس من جمالها، رمقته بنظرة قاتلة وهو يحيي الجميع حتى وصل لها وهو يلقي نظرة قصيرة عليها ويرفع كأسه لتحيتها ويقول
"مرحبا زينة"
وتجنب النظر بعيونها واندمج مع الرجال بحديث عملي وزينة تراقبه دون أن تشارك بالحديث على غير عادتها ولكن بعد وقت لم يقدره شعر بجسدها يلمس جاكته فالتفت ليراها بجواره وعطرها الصارخ يقتحم أنفه لم تمنحه وقت ليبعد وجهه عنها بقامتها الطويلة وكعبها العالي تناطحه طولا وهي تقول "لم تبدو جميلة بالصور"
كاد يبعد وجهه بعيدا عنها عندما نطقت بكلماتها وقد فهم معناها فعاد لعيونها بنظرة جانبية منه وقال "هذا رأيك"
شعرت بالغيظ يأكلها وقالت قبل أن يتركها "أخبرني أنه ليس زواج وأنها كانت إشاعات"
قال بجدية وهو يعلم أنها لن تتركه حتى تنال مرادها "إشاعات!؟ يبدو أنك لا تتابعين أخباري جيدا زينة، لا ليست إشاعات إذا كانت إجابتي كافية"
والتفت ليعود بعيدا عنها ولكنها جذبته من ذراعه بجرأة جعلته ينفخ بقوة وهي تقول "لا تفلتني الآن، كيف تجرؤ على فعل ذلك يوسف؟ كيف تفعل بي ذلك؟"
اعتدل ليقف أمامها وقال "زينة لا تنسي أين نحن لن نفجر مصيبة بكل حفل نحضره سويا"
قالت بغضب لم تستطع التحكم به "لا يهمني فأنت من تدفعني للجنون يوسف، كيف تتزوج وأنت تعلم ما بيننا؟"
قال بجدية مماثلة لغضبها "هل لابد أن أذكرك بكل مرة أن ليس بيننا أي شيء"
قالت "وفيلا مصر الجديدة؟ والساحل؟ والغرفة الوردية والفراش الوردي"
أبعد وجهه ونفخ وقال "كان زينة كانت علاقة وانتهت ولا أريد تذكيرك أو تذكير نفسي كيف انتهت لذا لنوقف ذلك فكلا منا انتهى من الآخر ومضينا بطرقنا المختلفة فعلى ماذا تنوحين وتصرخين؟"
ارتفع صوتها لدرجة لفتت الأنظار لهما وهي تقول "على قلبي يوسف قلبي الذي أحبك"
بالطبع كانت النظرات من حولهم واضحة وتوقف الرجال عن الحديث بينما تدخل كمال وهو يقول "زينة، لا يجوز تكرار الأمر مرة أخرى"
نظرت له بغضب وقالت "تخشى على حفلك الرائع؟ لماذا أحضرته إذن؟ كنت تعلم أن ذلك سيحدث"
أبعد يوسف وجهه عنها وهو يعلم جنونها الذي سبق وحدث من قبل بحفلة مماثلة ولكنه لم يكن متزوجا وإنما بعلاقة بفتاة أخرى أما اليوم فيبدو أنها أثقلت بالشراب بينما أمسك كمال بزينة وقد انضمت له ابتسام ودفعوا زينة بعيدا ودفع هو ما تبقى من الشراب بفمه وعاد للرجال
انتهى الحفل بوقت متأخر وقد اختفت زينة وعم الهدوء حتى ودع كمال وزوجته وحصل على معطفه وتحرك لسيارته وما أن وصل وفتح له السائق وركب حتى رأى الباب المجاور له يفتح وزينة تركب بجواره فاندفع الغضب له وقد وصل لذروته بعد يومه الطويل وهتف "ماذا تظنين نفسك فاعلة؟"
ابتسمت وقالت "أعيد مجدنا السابق يوسف، هيا دعنا نكمل الليلة بمكان ما وحدنا ألم تشتاق لي؟"
كانت يدها تتسرب لصدره من تحت جاكته فقبض على معصمها وأبعد يدها وهو يقول "لن نفعل أي جنون مما برأسك زينة وانزلي الآن لأني لست بحالة تسمح بأن أكون جنتلمان معك"
تبدلت ضحكتها لغضب وهي تقول "ماذا هل عروستك تغضبك لهذا الحد؟ أم أنها تعصى عليك ولا تمتعك كما كنت أفعل معك؟"
رفع اصبعه أمام وجهها محذرا وهو يقول بغضب واضح بعيونه وكل ملامحه "احذري زينة ولا تبدئي شيء لن يمكنك إيقافه، فأنت تعلمين نتيجة ما تفعلين جيدا فتوقفي الآن"
فجأة تبدلت ملامحها للترجي وهي تقول بصوت مبحوح "لا تفعل بي ذلك يوسف تعلم أني لم أفضل أي رجل عليك، دائما كنت أنت ملك على الجميع وعلي أنا شخصيا، هيا يوسف أعدك ألا أعيد ما كنت أفعله، لن أطالبك بأي شيء فقط الليلة"
ترك يدها وهو يقول بقوة "لم يعد ذلك يجدي بشيء زينة، خطئك تدفعين ثمنه وحدك وأنا لا أتراجع عن خطوة اتخذتها للأمام ووجودك يعيدني للخلف كثيرا وهو ما لن أفعله بنفسي"
تسربت الدموع لعيونها وقالت "ندمت يوسف، كنت غير واعية"
التفت لها بجنون وقال "ولكني كنت واعي وأنا أراك بفراشه زينة فلنتوقف هنا أنا لا أريد المزيد والآن انزلي لقد انتهينا"
زادت دموعها وقالت "تحبها؟"
نظر لها وهزأ من سؤالها وهو يقول "كلمة لا تعرفين معناها فلا تنطقين بها"
صرخت به "أجبني هل تحبها"
قال بقوة مماثلة "أمر لا يخصك زينة والآن أنا تعبت من وجودك فإما أن تنزلي بكرامتك أو يجبرك السائق على الذهاب"
هتفت به بقوة من بين الدموع "أنا أكرهك"
والتفتت لتنزل وأغلق السائق الباب بعد ذهبها وانطلق بالسيارة وكلماتها تثير الكثير والكثير بذهنه من الماضي الذي انحسر بسرعة ليجد عيونها الزيتونية أمامه وهي تردد نفس الكلمات "أنا أكرهك"
أغلق عيونه ومسح وجهه براحتيه حتى ينسحب الغضب من داخله فرؤية زينة تثير ذكريات قاتلة لراحته وقد تجنبها كثيرا ولكن هو يعرف أنها تطارده منذ ذاع خبر زواجه...
لم يدخل غرفتهم وإنما دخل غرفة أخرى للضيوف وخلع جاكته وألقاه بعيدا وجلس على أقرب مقعد وهو يستعيد أحداث الأيام السابقة واليوم ولم يجد سوى غضب يثور داخله وصداع يفجر رأسه فنهض وعاد لغرفتهم وفتح الباب بقوة ولكن الظلام أوقفه وصوت أنفاسها يكاد لا يسمع وقد استسلمت هي للنوم بعد صراع مع القيء والدموع ظلت بينهم حتى سقطت بالنوم دون أن تشعر
كانت ملامحها هادئة ولا تمنحه أي شيء سوى رغبة بأن يمرر يده على وجهها ويتخلل خصلات شعرها ولكنه تراجع وهو يعلم أن ما بينهم تصدع بما فعله معها وما زالت أخته تربض على علاقتهم فتوقفه على المضي بأي اتجاه غير الانتقام، من المفترض أن يدخل الآن هذا الفراش وينزع عنها ملابسها ويأخذها بلا رحمة ليكمل انتقامه ولكنه لم يستطع، هل اكتفى بتلك الليلة وما فعله بها؟ لماذا توقفه حتى وهي نائمة عن أن يؤلمها كما تسببت بإيلامه؟ لم يجد أي إجابة فاستدار وابتعد لغرفة الملابس وأخرج ملابس للنوم واستبدلها ليعود إلى الأريكة وقد جلب غطاء لنفسه اندس تحته واستسلم للنوم
استيقظت مبكرا لأنها نامت مبكرا وما أن نهضت حتى رأت الأريكة والغطاء فأدركت أنه نام عليها، رأته يخرج من الحمام وهو يجفف وجهه بالمنشفة ثم ألقاها بعيدا والتقى بعيونها وما زالت بالفراش لم تنهض فقال "موعدنا بالعاشرة"
تذكرت أمر الطبيب فهزت رأسها ونهضت للحمام، عندما خرجت لم تجده فقط عطره دل على أنه انتهى من ملابسه فانتقت بدلة كحلية وارتدتها ولم تمنح شعرها أي حرية وخرجت لا تعرف لأين تذهب عندما رأته يخرج من غرفة والده، تأملها بعيونه ثم قال "سنتناول الإفطار ونذهب"
تحرك فتبعته للأسفل وهي لم تفعل منذ وصلت فبدأت تتأمل المكان ولم يعجبها أي شيء ولكنها لم تتحدث وإن لاحت معاني بعيونها وقد التقطها هو فقال وهو يفتح باب كبير انتظرها لتدخل ثم تبعها لتجدها غرفة طعام كبيرة "حياة كانت صغيرة عندما ترك لها أبي الفيلا لتعدها لنا وكلانا كان بالخارج"
جلس على رأس المائدة وهي بجواره وقالت "آسفة لم أقصد أي إساءة"
هز رأسه وهو يمسك إحدى الجرائد ويفتحها ليتابع العناوين وقال "لولا العجوز لهدمت كل شيء وأعدته من جديد"
تأملته وهو لا ينظر لها وقد بدت بشرته تلمع مع ضوء النهار وأصابعه القوية تقبض على الجريدة بثقة، تركت أصابعه عندما سقط نظرها على صورة أخذت انتباهها مما جعلها تعتدل وتقترب لتراه هو وبجواره امرأة فاتنة والعنوان "العريس الجديد يفر من قفص الزوجية ويعيد ذكرياته"
انتبه لصمتها فنظر لها ليجدها تحدق بالجريدة فقلب الجريدة إلى حيث تنظر ليرى صورته والعنوان الصارخ، أبعدت وجهها وقد شعرت بألم حاد يصيب جزء داخل صدرها بينما انتهى من القراءة فقبض على الجريدة بقوة وهتف "ألا يوجد رجل آخر يثير اهتمامهم سواي؟"
كادت تنهض عندما دخلت زينب بالأطباق وهي تقول "صباح الخير"
لم يجيب أحد منهم بينما وضعت الطعام وذهبت ولم تمد هي يدها وهو أخرج السجائر وأشعل واحدة وقال وهو ينهض "أنتظرك بالسيارة"
ولكنها نهضت وقالت "أنا جاهزة"
توقف ونظر لها وقال "الطعام؟"
نظرت له بعيون قوية وقالت "معدتي تؤلمني، هل نذهب؟"
هز رأسه وهو يعلم أن العنوان بالجريدة أضاف ندبة أخرى بعلاقتهم وهو لن يستسلم ولن يهتم وهي أدركت أنه يكمل طريقه بالانتقام منها بكل الطرق المؤلمة
انتهت الفحوصات وقالت الطبيبة "الحمل مستقر مدام لكن أنت لا، الأنيميا لا تبشر بالخير نقص الحديد واضح أخشى أن تعاني من سكر حمل لو أهملت الغذاء الصحي وهذا خطر عليك وعلى الجنين، لا أنصح بالمجهود بالطبع على الأقل حتى ينتهي الشهر الثالث، سأمنحك بعض المقويات ولكن لا غنى عن الغذاء الصحي"
عندما نزلا فتح لها باب السيارة فركبت وابتعد للباب الآخر وركب وقال "على مطعم.. يا عماد"
نظرت له بدهشة فقال "لم تتناولي أي شيء ولو أعدتك البيت لن تفعلي والطبيبة كلامها كان واضح"
أبعدت وجهها وهي تعلم غرضه من كل ذلك فهو يخشى على استثماره النابض بداخلها، قالت "اطمئن هو بخير كما أخبرتك الطبيبة"
قال بحدة "وأنت تحملينه ألا تستوعبين الأمر؟"
لم ترد وإن دمعت عيونها فأبعد وجهه حتى اخترقت السيارة الزحام ووصلا للمطعم، كان هادئ بذلك الوقت تناولت الطعام بصعوبة ولكن فعلت وهو أيضا وقاطعهم رنين هاتفه أكثر من مرة وعندما انتهى الاثنان انتظرا الشاي والقهوة فنظرت له وقالت "تبدو مشغولا فلم تضيع وقتك معي؟"
نفخ دخان السجائر وقال "أضيع وقتي؟ ألم يعلمك أحد كيف تتحدثين عن الأمور المصيرية بحياتك؟"
أبعدت وجهها عنه وقالت "لا"
عبست حواجبه كالعادة وردد "لا؟"
لم تنظر له وقالت "لا لم يعلمني أحد لأن لا أحد كان يستمع لأموري المصيرية"
ظل صامتا لحظة يتأملها وهي لا تنظر له حتى قال "والدتك؟"
نظرت له وقالت "كنت صغيرة عندما ماتت ولم تكن الأمور المصيرية قد ظهرت بالأفق وبابا لم يملك وقت ليفعل"
وضع الرجل الأكواب فأكمل وهو يضع السكر ودفع الفنجان لها فشكرته وهو يقول "حمزة نال اهتمامك مؤخرا"
عيونها منحته نظرة لم يفهمها وهي تقول "حمزة كانت له حياته التي كانت كافية لتشغل كل وقته"
ظل يتأملها وقال "وكيف كنت تعيشين مع أزماتك الخاصة؟"
أبعدت عيونها لفنجان الشاي وهي تحتضنه براحتيها وقالت "كنت أعيش"
إجابة بسيطة ولكن لا تمنح أي إجابة، أطفأ السيجارة وقال "هل اتصل بسيوني بك مرة أخرى؟"
نظرت له وقالت "وفيما اهتمامك؟"
اعتدل واقترب من حافة المائدة مادا بصره الحاد لعيونها وقال بنبرة قوية نفذت لأعماق عقلها "هل تمثلين الغباء الآن؟"
أدركت أنه على حق فجذبت عيونها بعيدا عنه بصعوبة وقالت "أرسل رسالة على الهاتف من أجل الديون"
مد يده عبر المائدة وقال "أريد هاتفك"
رفعت وجهها له فوجدت الجدية المعتادة وهو يقول "هاتفك الآن"
أخرجت الهاتف من حقيبتها ومنحته إياه فرأى الرسالة وأرسل الرقم لنفسه وعبث بهاتفها وقال "لقد أغلقت رقمه كي لا يتصل بك ثانية وسأتعامل أنا معه، لو حاول الاتصال بك لا تجيبي هل تفهمين؟"
قالت بضيق "والآن ماذا تريد أن تفعل معي؟"
ضاقت عيونه وقال بهدوء "أنهي علاقتك بدائرة حمزة اللعينة كي لا يمكنك السير على نهجه بمساعدة خارجية"
انهارت قوتها فجأة وشعرت بالآلام معدتها تعود، لن تمحو صورتها من ذهنه ولن يمكنها أن تغسل ما لصقه حمزة بها من افتراء وكيف وهي أخته وكانت تقيم معه وتعمل بالفندق الذي يباشر به أعماله القذرة ولكن هو أيضا ليس بملاك فاستعادت بعض من قواها وهي تقول
"لقد انتهيت منذ موته فمتى ستنتهي أنت؟"
ضاقت عيونه مرة أخرى من سؤالها وهو يقول "معذرة ولكني أعجز عن فهم سؤالك، أنتهي من ماذا؟"
قالت بدون تراجع "مغامراتك"
أدرك كلماتها فهز رأسه وقال "آه نعم تقصدين عناوين الصباح؟ لا يمكنني أن أعيش بدون تلك الدعاية الرائعة والمجانية لاسمي وشركاتي"
غضبت من طريقته وقد قصد إثارة غضبها فنهضت وقالت "أنا متعبة، هل نذهب؟"
لم تتبدل ملامحه وهو ينهض ويضع مبلغ كبير من المال على الطاولة ويقول "كما تشائين"
عاد الصمت يلفهم بالسيارة حتى وصلوا الفيلا فنزلت وهو ظل بالسيارة التي رحلت به مرة أخرى دون أي حوار بينهما
حاولت أن تهدأ عندما دخلت الفيلا بينما قالت زينب "سيد أحمد سأل عنك مدام"
نظرت لها محاولة استعادة نفسها ثم قالت "هل تناول قهوته؟"
قالت زينب "لا ينتظرك كما قال"
هزت رأسها ودخلت معها لتعد له القهوة وسط ثرثرة زينب التي أزالت الجمود من على ملامحها وأصبحت سهلة التعامل معها لحد كبير، صعدت لغرفة الرجل الذي كان يستمع لسيد الذي توقف عن الحديث بدخولها، نظر لها الأب فقالت "صباح الخير عمي كيف حالك اليوم؟"
ابتعد سيد ليفسح لها المكان لتضع القهوة وقال أحمد "بخير، هل سار الأمر على ما يرام عند الطبيب؟"
قالت "نعم، هل تناولت دواءك؟"
قال "نعم، اذهب يا سيد زوجة ابني ستبقى معي"
جلست أمامه فقال "تبدين متعبة"
حاولت أن ترسم ابتسامة على وجهها وهي تقول "لا فقط ألم معدتي، وحضرتك هل تشعر بأي تحسن؟"
أشاح بيده وهو يأخذ القهوة وقال "لا جديد وطالما أنا هنا لن أشعر بأي جديد"
انتبهت وقالت "هنا؟ لا أفهم"
أبعد نظراته عنها وقال "أريد العودة للعزبة، لم أعد أرتاح هنا"
تذكرت كلماته عن العزبة فقالت "ولم لا تذهب؟"
حدق بها للحظة قبل أن يقول "ابني الكبير لا يريد تركي هناك وحدي"
قالت بدون تفكير "يمكنني أن أصحبك لهناك"
لم يقطع نظراته لها وهو يفحص وجهها وعيونها ثم قال "وتتركين زوجك وما زلتم ببداية زواجكم"
احمر وجهها وأدركت أنها سقطت بفخ لم تدركه ولكنها سرعان ما قالت "يوسف ليس متفرغ لي، العمل يأخذه وربما يمكنه قضاء بعض الوقت معنا هناك"
هز رأسه بالنفي وقال "لن يفعل فهو لا يحب العزبة تذكره ب"
وصمت لم يكمل فقالت "بماذا عمي؟"
تبدلت ملامح الرجل للحظة ولكن سرعان ما قال "سأخبره برغبتنا بالرحيل والآن دعينا نكمل لعبتنا المفضلة"
أدركت أن هناك أسرار قائمة خلف أسوار تلك العائلة وهي لا ترقى لمعرفتها فلم تضغط فيما لا يخصها ونهضت لإحضار الشطرنج ولم تتحدث بالأمر مرة أخرى
بالمساء عاد مبكرا فقد رأت سيارته تدخل الممر الحجري ولكنه لم يصعد لغرفتهم إلا بعد وقت عندما اندفع للداخل باحثا عنها وهي جالسة على الفراش تعبث بهاتفها وهو يقول بغضب "من منحك الإذن بالذهاب لتلك العزبة اللعينة؟"
نهضت بفزع من غضبه الواضح وارتجفت من ملامحه الجامدة وقالت "كان والدك"
كان قد وقف أمامها وهي حافية القدمين فبدت قصيرة جدا بالنسبة له ولكن جمالها الطبيعي كان لا يقاوم بشعرها الأحمر المنساب على أكتافها كوهج الشمس وعيونها الزيتونية التي تحدق به بفزع وقد اتسعت لتعلن عن جمالها وانفرجت شفتاها لتبدو مثيرة ولكنه لم يقف ليشاهد كل ذلك وهو يقاطعها بغضبه وصوته العميق قائلا "والدي ليس بحالة تسمح له باتخاذ أي قرار ولا أنت لذا لا مجال للذهاب لأي مكان هل تفهمين؟"
لم تحاول أن تجادل ولكنها حاولت شرح حالة والده النفسية وهي تقول "حسنا ولكن"
هتف بغضب أقوى "ليس هناك لكن، لينسى كلاكم أمر العزبة هذا"
وتركها وتحرك لغرفة الملابس ونال ملابس خفيفة واتجه للحمام صافعا الباب خلفه بقوة أسقطت الرعب بكل كيانها وهي لا تفهم سر غضبه القوي من العزبة..