أخر الاخبار

رواية المتاهة القاتلة الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24 بقلم حليمه عدادي


رواية المتاهة القاتلة الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24 بقلم حليمه عدادي

وقع "رام" أرضًا، أحس وكأن الأرض تدور من حوله، احتل الألم ملامحه من قوة الضربة، حاول الوقوف لكنه وقع مجددًا، وضع يده على رأسه فأحس بقطرات دماءٍ ساخنة تخرج من رأسه، وقف بصعوبةٍ بالغة.. التفت سريعًا لكي يعرف من الذي ضربه، اتسعت عيناه حين رآها تقف وهي ممسكة بيدها عصا، كانت تحدق به بفمٍ مفتوح وعيناها تكادان تخرجان من مكانهما، كان يشعر بالدوار لكنه تماسك، أمسكها من يدها وخرج يركض وهي ما زالت على صدمتها، وجد أصدقاءه في انتظارهما، ركضا باتجاه المكان الذي ترسو به السفن وهم خلفه، صعدوا إلى أول سفينة راسية.. نظر إليه أصدقاؤه بتساؤل، لكن هذا ليس وقت الرد على أسئلتهم واستفساراتهم. 
ركض إلى غرفة القيادة، وجد رجلًا جالسًا يبدو عليه التعب، ويبدو من هيئته أنه قبطان السفينة أو قرصانها - من يقود السفينة حيث يُريد المسافرون فهو قبطان؛ ومن يقودها حيث يُريد هو فهو قرصان- طلب منه "رام" أن يخرجهم من هذه الجزيرة، كان يخشى أن يرفض طلبهم فهو تابع لهذه الجزيرة، فمن المؤكد أنه سيرفض، تحدث معه "رام" وحاول إقناعه، فوافق أن يخرجهم من هذه الجزيرة، فكان رده عكس توقعاته لقد أشفق على حالهم وأبدى موافقته في أن يساعدهم، لكن لكي يخرجهم كان له شرط، ظهر عليهم التوتر من شرطه، تحدث "رام" بقلق قائلًا:
وإيه هو شرطك؟
ابتسم الرجل وتحدث سريعًا عندما رأى القلق والخوف بادٍ عليهم:
أنا هخذكم لمكان ما انتوا عايزين، لكن عايز منكم تلاقولي شغل في بلدكم، لأني لو رجعت لهنا هيقتلوني.
ابتسم "رام" على الرغم من علمه أنه لن يجد عملًا حتى لنفسه، كان ما يهمه في الوقت الحالي هو الهرب من هنا، وبعد ذلك سوف يفكر له في عمل. 
نظر إليه "رام" بابتسامة ووافق على شرطه، تحركت السفينة في طريقها تشق الأمواج، سمعوا صوت طلقات نارية وصوت صراخٍ عالٍ، تحدث "رام" بقلق قائلًا:
اتحرك بسرعة، الظاهر إنهم عرفوا إننا هربنا وبيدوروا علينا.
أجابه الرجل وهو ينظر أمامه بتركيز:
متقلقش، مفيش واحد غيري ممكن يقود السفينة لحد بكرة، هيجي قرصان تاني.
تنهد "رام" براحة، وجلس بتعب ثم تذكر "ماريا"، نهض من مكانه سريعًا جلس بجانبها وسألها بلهفة:
أنتِ كويسة؟
رفعت عينيها إليه وكأن كلماته لمست قلبها، نظر إلى عينيها فتاهت نظراته في بحرهما وغاص قلبه وغرق بين زرقتها، بجانبها سعادة تغمره فينسى العالم بأكمله، أخرجه من أفكاره صوتها العذب، وكأنه ألحان عزفت على أوتار قلبه، تحدثت قائلة:
أنا كويسة، أنا آسفة مكنش قصدي أضربك، افتكرتك واحد منهم.
نظر إليها فابتسامتها تجعله ينسى كل همومه، ونظراتها تسعده، أجابها والابتسامة تزين ثغره:
كل اللي يجي منك حلو عزيزتي.
وأكمل مازحًا:
لكن إيدك تقيلة أوي، من قوة الضربة افتكرت إن اللي ضربني راجل.
نظرت إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع، أحس بالقلق وأنَّبه ضميره عندما أدرك أنه قد أحزنها بحديثه، لكنه كان يمزح، فتحدث بلهفة:
ماريا، أنا آسف، أنا مقصدش حاجة، كنت عايز ألطف الجو شوية، دموعك دي بتوجع قلبي.
مسحت دموعها بأناملها، ظهرت ابتسامة على محياها وتحدثت قائلة:
أنا مزعلتش من هزارك، دي دموع الفرح، هو احنا كدا خلاص خلصنا من التعب دا؟
أخذ نفسًا عميقًا: "آه من تلك الفتاة، عندما تحزن تبكي، وعندما تفرح تبكي، جعلت قلبه يهوي أرضًا عندما ظن أنها منزعجة منه، وتلك الدموع التي تنزل على خديها كسهمٍ غادر"، أجابها قائلًا:
كل التعب اللي تعبناه هينتهي، وأيام السعادة هتبتدي.
تحدثت "إليف" بحزنٍ بدا واضحًا عليها:
احنا هنرجع عند بابا، وهنرجع للعذاب من تاني.
قبل أن تجيب "ماريا" أشار إليها "رام" أن تصمت، اقترب من "إليف" ومسح على شعرها بحنان، وقال:
إنتِ بقيتِ أختي الصغيرة، وهتيجي معايا طبعًا دا لو معندكيش مانع.

تهللت أساريرها وارتمت بحضنه كأنها وجدت الأمان الذي كانت تبحث عنه، حنان الأب الذي فقدته وحنان الأم الذي لم تعرف عنه شيئّا، عاشت الألم والحرمان وهي ما زالت زهرة صغيرة نبتت بين أعشابٍ ضارة، وها هي الآن تجد عوضًا جميلًا تشعر بقربه بحنان الأب والأخ والسند، قطع شرودهم صوت "جان" المازح:
ما كفاية أنا كدا هعيط، تعالوا نتكلم عن فرحي أعمله فين.
وضع "رام" يده على كتف صديقه بحنان، فهو يعده بمنزلة أخيه الأصغر، ويتمنى أن يراه سعيدًا دائمًا، قال:
أنا هعملكم أحلى فرح، لكن لو زعلتها في يوم ساعتها هنسى إنك أخويا.
ابتسمت "دينيز" بخجل.. ونظرت إلى الأرض وهي تفرك يديها بخجلٍ طغى على وجنتيها، تشعر بسعادةٍ تغمرها، لقد حُرمت حنان الأم والأب، لكن عوض الله لها جميل، عوَّضها بأخٍ كريم، أما "جان" فهو كل شيء لها. 
جلسوا تحت ضوء القمر الساطع، يتحدثون عن زفاف "جان" وسط فرحته هو و"دينيز"، مع مزاح "جان" الذي يملأ المكان بهجة وسرورًا، أما "رام" فكان معهم بجسده، لكن عقله في عالمٍ آخر، عالمها الذي أسرته به، كان يفكر كيف يعترف لها بحبه، هو يعلم أنها تبادله المشاعر، لكن يريد أن يسمع ذلك منها، أفاق من شروده على صوت "جان" القلق:
رام، السفينة بتتحرك بسرعة، إيه اللي بيحصل؟
أحسوا أن السفينة تهتز بقوةٍ وسط الأمواج، ظهر عليهم القلق والفزع كلما اهتزت السفينة بقوة
الفصل الخامس والعشرون 

كانوا يحلمون ويخططون أحلامًا مع أحبتهم، لكن سعادتهم لم تدم.. ذهبت كل أحلامهم كالسراب وحل مكانها الرعب عندما زاد اهتزاز السفينة، كانوا ينتظرون "رام" الذي ذهب إلى قبطان السفينة لمعرفة السبب، تبخر أملهم وأصبحوا يخشون أن يحدث كما حدث في السابق وتبدأ متاهة جديدة في حياتهم، وقف كل واحدٍ منهم شاردًا يفكر في أمرٍ ما، الحزن خيَّم على المكان، مرت الدقائق عليهم كأنها أعوام، كانوا ينتظرون على أحر من الجمر، وعندما رأوا "رام" ركضوا إليه بلهفة، تحدثوا بصوتٍ واحد:
إيه اللي بيحصل يا رام؟ السفينة عطلت ولا إيه؟ اتكلم
أجابهم بابتسامة والفرحة تملأ عينيه:
فاضل شوية ونوصل لميناء إسطنبول، والاهتزاز دا بسبب قوة الرياح.
قفزوا بفرحةٍ وظهر السرور على ملامحهم، حلت البهجة في المكان، كل واحد منهم بقي يقول حلمه بكل حماس، كانت كلمات "رام" كالبلسم الذي شفى قلوبهم من الألم، كشمسٍ أشرقت بالأمل من جديد، ما أجمل الفرح!
 تنهيدة حارة خرجت من صدره، استند بذراعيه إلى سور السفينة ينظر إلى السماء الصافية مع بزوغ الفجر، أخذ نفسًا عميقًا محملًا برائحة نسمات الهواء البارد، شرد يفكر في كل ما حدث لهم، ضميره يؤنبه لأنه كان السبب في كل الذي عاشه أصدقاؤه، بل هم إخوته، وفي الوقت نفسه سعيد لأن هذه المغامرة المجنونة التي خاضها كانت السبب في لقائه مع تلك الجميلة التي أسرت عقله، أخذ نفسًا وانتصب واقفًا، عقد يديه أمام صدره.. يفكر هل يا ترى ما زال ذلك البيت الصغير الذي استأجره موجودًا، فهو الآن أصبح مسؤولًا عن عائلة، وكذلك زواج صديقه، ظهر شبح ابتسامة على ثغره، فكر كيف يصارحها بحبه، هو لا يريد الانتظار أكثر، يريدها أن تكون معه لبقية حياته، أفاق من شروده على يدٍ توضع على كتفه، استدار.. وجدها تنظر إليه، تحدثت قائلة:
رام، أنت كويس؟ بتفكر بإيه؟ لسه الجرح بيوجعك؟
نظر إليها فوجد معالم وجهها حزينة، ورأى الخوف والقلق ظاهرين عليها، ابتسم وتحدث قائلًا:
متخافيش أنا كويس، نسيت موضوع الجرح، أنتِ كويسة؟
نظرت إليه وتنهدت بتعب أنهك روحها، تلألأت الدموع في عينيها وتحدثت قائلة:
هربت من الخطر اللي هنا، ورحت لخطر تاني، ودلوقتِ رجعت لنفس المكان، يا ترى إيه الخطر اللي هنتعرض له دلوقتِ.
يؤلمه قلبه كلما رأى حزنها، فدموعها تخنقه، تحدث قائلًا:
مش هتروحي لأي مكان من دلوقتِ، أنتِ هتفضلي معايا، مش هسمح للخطر إنه يقرب منك تاني.
تنهدت بتعب، ومسحت دموعها بأناملها وتحدثت:
أنت ذنبك إيه علشان تستحملني أنا وأخواتي، أنا مش عايزة إننا نكون عبء على حد.
نظر إليها مطولًا، تحدث بشرود:
أنتِ شبه القمر، حالك بيتغير كل ثانية، أوقات بتكوني منورة وسعيدة، وأوقات في حاجة بتكون نقصاكِ بتخليكِ باهتة شوية، لكن في كل الأحوال أنتِ قمر بتنوري سما غيرك وأنتِ مطفية.
أكمل كلامه وهو ينظر إلى عينيها:
عمري ما عرفت إيه هو الحب، أنا عشت بعيد عن الحب والحنان، مكنتش بصدق الحب، ولما شوفتك صدفة أسرتِ قلبي، وقتها صدقت نبض قلبي لما سمعت دقاته وحسيت إنه هيطلع من صدري، كنت خايف الحجر يؤذي رجليكِ، كنت بخاف التعب يكسر قلبك، في كل خطر تتعرضي ليه كنت بحس إن قلبي بيطلع من مكانه، كنت بخاف إني أفقدك، كل اللي بتمناه سعادتك، ابتسامتك هي اللي بتزرع الأمل جوايا من جديد.
احمرت وجنتاها بخجلٍ وتحدثت:
كل الحب دا ليّ؟ أنا كنت طمعانة بالقليل.
أيوه ليكِ أنتِ، أول نبضة لقلبي.
صفق بيديه وتحدث بصوت عالٍ:
تعالوا هنا بسرعة.
اجتمع الكل حوله ينظرون نحوه بتساؤل، نظر إليهم بابتسامة، نزع خيطًا من ملابسه ثم عقده على شكل دائرة، وجثا على ركبتيه أمامها والسعادة تطل من عينيه، تحدث بحب:
سيدتي الجميلة، تقبلي تكوني صديقتي وأختي، تقبلي تكوني لقلبي بيت ومأوى وسند.
نزلت دمعة من مقلتيها، وابتسامة تزين ثغرها، مسحت دموعها بيدٍ مرتعشة، وكست حمرة الخجل وجنتيها، أجابته بصوتٍ تُبعث منه السعادة قائلة:
أقبل. 
مدت يدها له، وضع ذلك الخيط في إصبعها وقبّل يدها، وتحدث قائلًا:
دا مجرد خيط لبدايتنا، كأنه رباط بينا، نوصل بس بالسلامة وأنا هجيبلك أحلى خاتم يليق بيكِ.

تعالت التهاني بفرحة، لقد مر زمن طويل والحزن ينهش قلوبهم، حان وقت الفرح، حان وقت الراحة، وقفوا يشاهدون طلوع الشمس بنورها الساطع، تهللت أساريرهم حين رأوا موطنهم، نعم موطنهم، رأوا وصولهم إلى الميناء، يا لها من سعادة! فقد اشتاقوا لسماع أصوات الطيور وهي تغرد بصوتها العذب، وكأنها تعزف ألحانًا.
وقفت السفينة بهدوء، لم ينتظروا ونزلوا ركضًا، يشعرون بالحرية، وقفت "ماريا" تنظر إلى السفينة تارة، وإلى أصدقائها تارة أخرى، هنا بدأت الحكاية، نعم.. هنا عاشت الألم، لكن فازت بأصدقاء وحبٍ جميل، تحركت باتجاه "رام" عندما رأته يتشاجر مع صاحب السفينة، اقتربت منهما لكي تعرف ما يحدث، تحدث صاحب السفينة بصوتٍ غاضب:
أنا عايز شغل أو فلوس، مش عايز أتشرد معاك.
حاول "رام" أن يسيطر على غضبه وقال:
قلتلك معنديش شغل، أنا هدورلك على شغل بس استنى شوية.
رفض الرجل وظل مصرًا على رأيه، كان يصرخ بغضبٍ وبصوتٍ عالٍ ويدفع "رام" بيديه، وقفت "ماريا" بينهما وتحدثت قائلة:
أنا عندي حل يرضي الطرفين.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close