رواية نور الروح الفصل السابع7 بقلم نور البشري
الصحوة الأولى
نور- نوفمبر 2017
تفتح نور دفتر خواطرها القديم وتبحث فيه عن عام يوليو 2008 لتعيد إحياء ذكري قد حاربت الكثير من العمر لدفنها
تتذكر ذلك اليوم يوم أن جاء محمود لها ليصالحها كم كان رقيق وبرائته مثل الاطفال تنهمر دموعها مع ذكرى لون عيونه الخضراء المبتسمة لها عندما خرجت لإستقباله ببساطتها وجمالها الذي طالما عهدها منها
محمود يمسك يديها ويقبلها برقه محدثا إياه .. أنا أٍسف يا نور حقك عليا أنا بعترف إني غلطت وزعلتك .
تقاطعهم والدة نور بص يا محمود خد نور وأنزلوا أقعدوا تحت في الجنينه شوية إتكلموا وأتصافوا بهدوء نور بنتي بتحبك وأنا عارفه إنك بتحبها .
ينزل نور ومحمود إلي الحديقة ويجلس أمامها تاركاً عيونه غارقة في بحر عيونها للحظات لا يعرف عددها فكل ما بداخله قد نقل الي روحها بنظرة عيونهما .
يقطع محمود الصمت : نور .... ساكته ليه
نوربنبرة هامسة .. أنا محتاجة أسمعك يا محمود أنا عاوزة أسمعك .
محمود بنبرة حانية ... طيب إنتي لسه زعلانة مني .
مش فكرة زعلانة يا محمود او لا الموضوع أكبر من كدا بكتير هشرحلك بس أنا عاوزة أسمع وجهه نظرك في البداية ..
محمود مقاطعاَ بصي يا نور إنتي عارفة أنا بحبك أد إيه وبغير عليكي بحس إنك بتاعتي بتاعتي انا وبس لما شوفتك النهاردة واقفة مع ولاد خالتك وعمالة بوس وأحضان دمي غلي ومستحملتش أشوفك كدا فكان رد فعلي بالشكل الي إنتي شوفتي معترف إني يمكن إتعصبت جامد وزعقت وإنتي مش متعودة علي كدا وإنك متربية علي الحوار الهادئ والمناقشة بس دا كان خارج عن إرادتي .
ظلت نور لدقائق صامتة لم يكن محمود الي تلك اللحظة يعلم أنه بداخل عقل نور حرب داخلية تفوقها بمراحل حرب التخلي عن كل شئ معه والعودة الي الأصل الاجنبي أم التمسك بكل شئ والتخلي عن حياتها السابقة تماما بعد قرار أهلها بالهجرة مره أخري نهائيا الي انجلترا بعد زواج نور مباشرة وعدم الرجوع الي مصر مره اخري فالبنسبة لهم هم أغراب علي ارض الوطن وومواطنين متنمين الي ارض الغرب .
خرجت نور عن صمتها ... بص يا محمود إنت عارف أنا رجعت مصر إمتي
قبل الجامعة علي طول حتي الإجازات مكنتش بنزلها يعني حتى لحد النهاردة مش عارفة أعيش هنا ولو في حاجة هتخلني أستقر فى مصر يبقي أنت يمكن أنا هقولك خبر دلوقتي هيكون مفاجأه أهلي قرروا العوده إلي إنجلترا نهائياً بعد جوازنا محدش فينا مرتاح هنا .
نزل الخبر في تلك اللحظة علي محمود كالصاعقة يعني إنتي ممكن تسافري تاني
نور ممسكة يد محمود بحنية
لا يا محمود أنا بقولك أنا مش هرجع معاهم بابا قرر أنه يرجع هناك من الشهر الجاي وماما هتفضل تسافر ما بين مصر وإنجلترا لحد معاد جوازنا أنا مش همشي يا محمود أنا هضحي علشانك وإنت أكتر واحد عارف إني مش عارفة أعيش هنا يعني أنا هبقي لوحدي في مصر هنا علشانك من غير أهل هتبقي إنت بس أهلي وسندي في البلد دي ،
فمن فضلك أنا متعودة علي نظام حياة معين وطباع وتصرفات عارفه أنه ممكن مينسبكش بس بالراحة عليا إنت هتبقي كل الي ليا هنا .
هتقدر تكون أماني وحمايتي يا محمود وإنت بتخوفني ؟؟؟؟
محمود محاولا تجميع كلماته ...نور هو إنتي خوفتي مني النهاردة؟؟؟؟
أه جداً يا محمود خوفت من رد فعلك وزعقيك قعدت أفكر كدا لو أنا معاك ولسه ليا حد هنا طيب في موقف تاني ممكن تتصرف معايا إزاي ؟؟ لو أنا معاك لوحدي في مصر وإتخانقنا هتمشي وتسبني برضه ؟؟
ممسكاَ يديها محاولا طمئنتها أكيد لا يا نور بعد كدا أكيد لا يا نور أوعدك أن دا مش هيتكرر تاني وبعد كدا هقعد وأسمعك ... نور أنتي النور الي بينور حياتي النور الي من غيره أبقي من غير روح .
نور أنا أسف حقك عليا لو الموقف دا إتكرر أوعدك إني همسك أعصابي بس متزعليش مني .
نور بنبرة تحمل الهدوء والحنان .... توعدني بجد يا محمود محمود أنا بحبك مش عاوزه أخاف منك ولا أندم في يوم علي تضحيتي إني ارجع مع أهلي علشان أفضل معاك .
لتأتي كلماته بوعد لها .....
تستفيق نور من قراءة خواطرها وذكرياتها علي صوت المربية :
صباح الخير مدام نور حضرتك صاحية بدري النهاردة
تداري نور دموعها بيديها .... صباح الخير أنا مجاليش نوم تقريباً من فضلك خدي بالك من محمود أنا هلبس وأنزل أٌقعد علي البحر لما محمود يصحي فطري من فضلك وإتصلي بيا هرجعله هو لسه فاضل علي موعد صحيانه ساعتين .
ترتدي نور ثوبا رقيقاً كانت تمتلكه منذ ثماني سنوات رفضت أن تتخلص منه ضمن مجموعة من الأثواب كانت دائما ما تذكرها بمحمود ورغم مرور السنوات لازال جسد نور يحتفظ بكل تقسيماته كما كانت منذ سنوات فكان الثوب رقيقا هادئاً وصففت شعرها برباط شعر رقيق وعندما نظرت الي المرأه شردت قليلا فلم تنبه منذ سنوات انها لازالت محتفظة بنفس ملامحها وشكلها حتي لون شعرها منذ أن كانت طالبه وقت خطبتها لمحمود .
نور محدثه نفسها : يمكن نفس الشكل بس القلب إتكسر والعيون دبلت والروح موجوعة وجع ملوش أخر تمسك هاتفها لتفتح الرسائل لتقوم بارسال رسالة الي الطبيبة النفسيه التي تتابع معها منذ سنوات خوف من وقوعها في فخ الاكتئاب وقد إتفقت معاها ما بين جلساتهم أن ترسل لها رسائل تدون فيها شعورها وألمها الداخلي لتكون رسالتها
إنما في داخلي غربة تسكن غربة أنظر الي مرائتي فلا تتعرف علي وجهي نفس ملامحي يسكنها شبح غريب من الوحدة المرغوبة والخوف المشتت في جميع أنحاء روحي تحدثني مرائتي هل هذه أنا أم سكن ملامحك روحاً فقدت نكهة الحياة و ألم غير طعم الروح ..أري في عيون مرائتي كم أفتقدت بسماتي الراحلة ومن أين تأتي البسمات في مقبرة الأرواح ...
تذهب نور الي نفس المكان الذي اعتادت الجلوس فيه يوميا علي شاطئ البحر في عز عراك موج البحر مع برودة جو نوفمبر وإختلاط لون البحر بدرجات السحاب تفتح موقع فيس بوك الخاص بيها واول ما تقع عيونها عليه وكأنها إشارة من القدر
الحب لا يكتب على الورق ،ﻷن الورق قد يمحوه الزمان ، ولايحفر على الحجر لأن الحجر قد ينكسر ، الحب يوصم في القلب وهكذا يبقى إلى الأبد. - جلال الدين الرومي
تشرد نور في قول جلال الدين الرومي محدثة نفسها .. الحب كالوشم في القلب عندما يدخل الي روحك فلا يخرج مرة اخري هكذا كنت أنت يا محمود ..
في الجهة الأخرى من الشاطئ يجلس محمود في شرفة منزله شارداً في عالم أخر بعد ما خاصم النوم جفونه في تلك الليلة
ممسكا بصورة نور التي لم تفارقه منذ سنوات يحدثها وكأنها تسمعه وتحادثه
لا أعلم ما حدث لي منذ رأيتك بالأمس شعرت إمام عيونك أنه قد إبتلعتني فجوة زمانية كل هذه السنوات فجوة اخذتني من روحي ولم أشعر بطعم الروح الا في عيونك .. الطعم الذي تذوقته لعامين كانا زادي في كل السنوات لا تعلمي يا نور الي هذه اللحظة انني كلما أشعر بضيق اغمض عيوني لاري صورتك امامي لم تفارقني لحظة فأنتي لم تكوني مجرد فتاة أحببتها أنت نور الروح.... يضع الصورة في محفظته ليفتح موقع الفيس بوك الخاص بيه ليكون اول ما يقع عيونه عليه..
الله ما طلعت شمسٌ ولا غربت و
إلا و حبّـك مقرون بأنفاسي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم
إلا و أنت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا
إلا و أنت بقلبي بين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش
إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـاس
تبسم محمود عندما قرأ كلمات الحلاج التي كلما سمع تلك المقطوعة منذ سنوات يشعر وكانها رساله تخرج من روحه الي نور
محدثاً نفسه .. مهما كذبت علي من حولي وقولت أنك قد فارقتي فأنت لم تفارقي يوماً قلبي يا نور منذ يوم رحيلك لم تعرف روحي إلا عطش الظلام لم يرويه الا رؤيتك بالأمس.
يتنهد محمود وكأن انفاسه تتحدث عما كتمت عن الوجع بداخلها لسنوات مضت ألم مسجون بين أنفاسه يشعر به مع كل زفير وشهيق وصوته معدوم لا يقدر علي الصراخ من الألم محدثاً نفسه
لم أكن أعلم أن بعض اللحظات المسروقة من الزمن بصدفة منحني القدر اياه .
ستخرج كل الألم والشوق المدفون منذ يوم فراقك
لم أكن أعلم يا نور في يوما ما اني بمجرد رؤيتك سأعود لأتحدث باللغه العربية الفصحي التي أعلم كم كنت تتضايقين لعدم فهمك ما تحويه في كتابتي .
يتذكر نور وضحكاتها البريئة عندما كان يحاول التحدث معاها باللغة العربية الفصحي التي عشقها من قرائته في الشعر الصوفي للحلاج وشمس دين التيربزي وجلال الدين الرومي وغيرهم وكم كانت نور تضحك لأنها لا تفهم ما تحويه الكلمات من معاني وتتحدث معه بالإنجليزية حتي يتوقف عن التحدث معاها بالعربية الفصحي .
ينتبه محمود أنه قد اعد افطاره ولكنه لم يتناول حتي كوب الشاي فقرر أن يذهب إلي مكانه الذي يجد فيه الراحة سور البحر ويتناول إفطاره خاصة أن اليوم يوم عطلته فلا يوجد وراءه عمل وموعده مع ساره أخته بعد العصر
محمود محدثاً نفسه : الساعة الأن الثامنه صباحا أمامي الكثير من الوقت لأجلس علي البحر ، فهذا المكان الوحيد الذي اشعر فيه بروح نور تطوف معي تحاصرني ذكرياتها وضحكاتها حتي بكاءها يوم الرحيل وكأنه شريط سينمائيا بمجرد ان أنظر الي البحر أراه بين موجاته .
يسير محمود علي سور البحر متوجهاً الي الكافتيريا التي كان دائما ما يجلس عليها مع نور .
يحاوطه بروده الجو وبعضا من نقاط الامطار الخفيفة وصوت أمواج البحر بقوة ضرباته في الصخور وكأنها غريق يصرخ للنجاة مثله تماما .....يصل إلي باب الكافتيريا وكأنه مبرمج دون تخطيط منه فهذا الطريق الذي أتخده يوميا منذ شهور منذ عودته من السعودية بعد تصفيه أعماله هناك فلم يتبقي له أي شئ ليبقي من اجله فلقد توفي والده العام الماضي وتوفيت زوجته نادين منذ 3 اعوام فلم يتحمل البقاء وحيدا وقرر العودة والاستقرار في الإسكندرية ليكون بجوار والدته وشقيقته سارة وفي غمرة شروده يتصادم بيها علي باب الكافتيريا وكأنها صورة مستحضرة من الماضي بثوبها الرمادي الذي طالما عشقه عليها وشعرها الطويل المجدول برباط رقيق مثلها
ليهمس متفاجئا وكأنه في حلم ........ نور
وكم من صدفة أحيت في القلب حياة...