رواية ردني لارضك الفصل الثالث3 بقلم نورا عبد العزيز
___ بعنـــوان (لعنة قلب)___
أستعدت “فرح” للذهاب إلى العمل وخرجت من غرفتها وهى تقول:-
-هخلص شغل وأكلمك يا ماما عشان نروح نشوف البيوتى سنتر
أتاها صوت والدتها من الداخل وهى تُجيب عليها قائلًا:-
-ماشي
خرجت من الشقة وهى تخرج هاتفها من الحقيبة وثم فتحت رقمه وتردد كثيرًا فى الأتصال به، مُنذ أن غادر شقتها من يومين وهو لم يتصل بها ولم تراه فى العمل بسبب إجازة يومي الجمعة والسبت، كانت تنظر فى الهاتف بتردد وقدميها تنزل الدرج فأصطدمت قدميها بشيء ليسقط الهاتف منها لترى طفلته الصغيرة ذات الأربعة أعوام فتشبثت بها قبل أن تسقط عن الدرج وقالت وهى تجلس على ركبتيها بلطف:-
-أنتِ كويسة
أومأ “إيلا” لها بنعم فتبسمت “فرح” لها بعفوية ثم قالت:-
-أنتِ رايحة فين لوحدك كدة؟
أجابتها “إيلا” بنبرة هادئة وبلهجة مصرية تعلمتها من والدها قائلة:-
-هشترى حاجة حلوى
تعجبت “فرح” بدهشة من خروج طفلة وحدها ونظرت حولها لترى الباب مُغلقة مما يعنى أنها ذاهبة وحدها فقالت:-
-لوحدك! مش جديد على أبوكى
أخذتها “فرح” للأسفل وذهبت معها إلى محل البقالة وأشترت لها الكثير من الحلوى وعادت للمنزل لترى “عمر” يركض بهلع هناك فعلمت أنه يبحث عن طفلته المُختفية فذهبت إليه وأربتت على كتفه من الخلف بلطف فألتف ليرى وجهها الذي أعتاد على رؤيته فى الماضي ثم سمع صوتها الذي يُذيب قلبه تقول:-
-أبقى أقفل باب شقتك كويس
قالتها وهى تمد يدها إليه بيد طفلته، نظر إلى يدها وهى تحتضن يد طفلته الصغيرة ثم عاد بنظر إليها لتتقابل أعينهما فى نظرة طويلة حزينة، عينيها تتهمه بالخذلان والألم الذي تسبب به لها وعينيه تخبره كم كان مُجبرًا على الزواج كما قالت والدته مُبرر فعل أبنها بوقتها لكنها تجاهلت كل هذا ودفعت “إيلا” إليه بلطف وألتفت لكى تغادر لكنه أستوقفها عندما قالت:-
-نسيتي فعلًا؟!
نفضة قوية ضربت قلبها مع سؤاله الخبيث لها فألتفت له تنظر إلى طفلته ثم له وتبسمت بسمة مُنكسرة ثم قالت:-
-أعتقد أنا الوحيدة اللى مبركتش جوازك.. مبروك يا عمر
غادرت بعد أن أخبرته بمن الذي رحل تاركًا الأخر أولًا، ألم تكن طفلته وحدها سبب فى تذكرها لخيانته كلما رأتها، لقد عاد بثمرة خيانته إليها يراها الجميع، ربما مشاعرها لم ترى بالعين المجردة لكن أبنته كيف ألا تُرى؟ تشبث بيد “إيلا” وعينيه تراقبها عن كُثب وهى ترحل بعيدًا عنه …
ذهبت “فرح” إلى العمل غاضبة وبداخلها دوامة مشاعر قوية غضب من “زيدان” ونيران غضب أضعاف مُضاعفة من “عمر”، حرب قد نُشبت بداخلها بين الماضي والمستقبل وهى واقفة تشاهد أيهما سيقتلها ويحرق صدرها أولًا أهو الماضي الذي عاد أم المستقبل الذي يصبو إلى طريق الرحيل...
ذهبت إلى مكتب “زيدان” ومسكت مقبض الباب لثواني مُترددة بين الدخول والرحيل، كبريائها يمنعها من الأعتذار والذهاب إليه لكن هناك شيء أخر بداخلها يخبرها بأنه ليس الوقت الصحيح للخصام فإذا تخاصما سيهزمها الماضي الذي يلحقها ويسبب لها إنتكاسة عمرها، فاقت من ترددها عندما سمعت صوت ضحكة أنثي تُصدر من الداخل لتفتح الباب على سهو بدون سابق أنذار وكان “زيدان” جالسًا بمقعده على المكتب وهناك فتاة تعمل بفريق الأتش أر تجلس فى المقعد المقابل للمكتب ويضحكان معًا بعفوية شديد فحدقت بهما لتقف الفتاة وتقول:-
-طب عن أذنك يا زيزو
لتبتسم “فرح” بسخرية على حالها أهى بهذا الوقت كانت بحاجة لهذا الموقف الذي سيخرب كل شيء بينهما، مرت الفتاة من جوارها لتقول “فرح” بسخرية ونبرة قوية يسمعها وهو بمقعده:-
-زيزو!! واضح أنك مشغول أوى يا زيزو
كاد “زيدان” أن يتحدث بوجه عابس قائلًا:-
-فرح....
قطعته مٌتابعة حديثها بجدية صارمة:-
-مشغول لدرجة أنك نسيت أنى معاك فى نفس المكان
ألتفت لكى تغادر المكتب فتأفف “زيدان” بضيق ثم وقف من مكانه لكي يذهب إليها لكن أستوقفه أحد الموظفين بالحديث عن العمل..
تعمدت “فرح” أن تغادر العمل قبل موعدها حتى لا تسمح له بالحديث فهو حتى لم يأتي خلفها لكى يعتذر او يبرر ما رأته وبالفعل عندما ذهب “زيدان” إلى مكتبها كانت قد غادرت بالفعل ليشتاط غيظًا فهى كانت مُخطأة حتى جاءت لمكتبه صباحًا، رن عليها أكثر من مرة ولم تجيب ثم حظرت رقمه
كانت “فرح” جالسة على كورنيش النيل تنظر للنيل فهى عادة لديها تنظر للمياه بصمت كجسد فارقه الروح لا يفعل شيء ومتكأة بذراعيها على الصخرة التى تجلس عليها وتهز قدميها وتضع سماعة الأذن فى أذنها ليرن هاتفها برقم “هديل” صديقتها فأستقبلت الاتصال وأتاها صوته يقول:-
-فرح أنا زيدان ممكن تسمعنى ….
لم تعطيه المجال للحديث أكثر وأنهت المكالمة ثم وضعت الهاتف فى وضع الطيران لتكمل أستماع الموسيقى لنصف ساعة أخرى وهى مُغمضة العينين ثم فتحت عينيها عندما شعرت بأحد يجذب عن أذنها السماعة لتراه يجلس جوارها ويضع السماعة فى أذنه فتحدثت بنبرة غاضبة:-
-أنت بتعمل أيه؟
نظر “عمر” للأمام مُتجاهل النظر إليها وقالت:-
-على فكرة أنا اللى عرفتك على المكان دا وجيت أقعد فى مكانى المُفضل مش جايلك
صمتت “فرح” بأغتياظ من بروده ثم قالت:-
-أشبع بمكانك كأنك كتبته بأسمك
كادت أن تقف ليمسك يدها يمنعها من الرحيل فنظرت إلي يده لتقول:-
-عمر!!
جذبها لتجلس مُجددًا بجواره فعادت للجلوس فى صمت ليضع السماعة بأذنه مرة أخرى وهو ينظر للأمام وبدأ الحديث قائلًا:-
-مصريين وأجانب نطقه اسمى لكن يفضل مُختلف منك يا فرح
لم تنطق بكلمة واحدة فبدأ يُتمتم بكلمة الأغنية التى أعتادوا على سماعها معًا بنفس المكان ونفس الأشخاص (شو بخاف دق عليك وما ألاقيك،شو بخاف نص الليل ما حكيك، شو بحس الليلة صعبة بسمعها ضربة ضربة … بيخطر لي أخذ حبة تقدر أنام..)
كانت تنظر للأسفل على يديها بصمت فألتف “عمر” إليها يرمقها بنظره وقال:-
-مين مزعلك يا فرح
رفعت نظرها إليه ثم قالت ببرود:-
-محدش
لكنها عينيها نطقت باسمه فتبسم بعفوية على هذا الزوج من العيون البندقية الذي يفضحها دومًا أمامه ومهما أخفت عنه تبوح عينيها بما يعجز لسانها عن نطقه فقال:-
-يبقى أنا
كحت بصعوبة من مُعرفته لما يدور بداخلها بينما هو ضحك بقوة وهو يمد لها زجاجة مياه لتنظر إلى الزجاجة وكأن الماضي يُعد نفسه فهو كلما يأتى معها إلى هذا المكان جلب الماء معه فكلما أرتبكت أصابها الكحة فدفعت يده بقوة وهى تضرب صدرها بيدها وتقول:-
-أنت رجعت ليه يا عمر، رجعت عشان تدمر اللى أنا صلحته ورممته ولا رجعت عشان تثبت ليا أنى من غيرك حياتى واقفة، لا يا عمر أنا هكمل حياتى من غيرك زى ما أنت عملت بالظبط هتجوز وهخلف بسهولة عارف ليه عشان أنا قلبى خد عزائك من زمان من يوم ما قلعت دبلتك وحطتها فى أيدى بايعنى وبايع حُبي بالرخيص، بس متقلقش أنا هعزمك على فرحى عشان تشوفنى مع راجل بجد راجل أشترى فرح اللى أنت بعتها، هعزمك عشان تيجى وتشوف وتتأكد أنك جوايا مجرد ماضي وندبة مالها غير أثر السكين اللى ضربته فى قلبي، هجيبك عشان تشوف ان لعنة حُبك اللى لعنتني بيها مقتلتنيش وهقدر أعيش حتى وأنا ملعونة بـ حُبك
وقفت من مكانها لكى تغادر وحدها تاركة “عمر” خلفها وعادت لمنزلها لتجد “زيدان” ينتظر أسفل المنزل وفور رؤيته لها ترجل من السيارة فأكملت سيرها تجاه المنزل ليقف أمامها وقدم لها شيكولاتة ويقول:-
-أسف
نظرت للشيكولاته ثم له ودمعت عينيها فرغم إنكسارها منه ومن فعلته التى سببت لها ألم وكأن الماضي يعد نفسه عندما ذهب “عمر” لامرأة أخرى وهو أيضًا يصبو إلى أخرى، لكنها صمدت أمام القدر الذي يتحدي سعادتها وقد حسمت أمرها على أن تكمل سعادتها رغمًا عن الجميع وعن القدر العنيد وستكسر لعنة الحب والغُربة التى تعيش بها كلاجئة تبحث عن أرضها وقالت:-
-محصلش حاجة يا زيدان
أخذت الشيكولاتة منه ليبتسم بعفوية رغم أدركه أنها أول مرة تكون مُصالحتها سهلة فبكل مرة كانت تستغرق أيام وأحيانا أسبوع فى الصُلح لكنها اليوم لم تستغرق سوى دقيقة واحدة فقال بعفوية:-
-هتيجى بكرة أنتِ وطنط تشوفي الشقة قبل ما نودى العفش
أومأت إليه بنعم ثم ودعته ببسمة وصعدت للمنزل وجلست على العشاء مع والدتها ووالدها فقال “سامي”:-
-فرح لو مش مستعدة للجواز دا الوقت قوليلى يا حبيبة بابا ونأجل الفرح
تبسمت إلى والدها وقالت بعفوية:-
-لا يا بابا أنا جاهزة صحيح بالمناسبة ماما هنروح بكرة نشوف الشقة
أومأت “منى” لها ببسمة مُشرقة بقلب أم ترى أبنتها كبرت وتستعد للزواج ثم قالت:-
-ماشي وبالمرة نروح البيوتى سنتر اللى مروحنهوش النهاردة
أومأت “فرح” لوالدتها بنعم ثم أنهت طعامها ودخلت المطبخ تُعد كوب من مشروب النسكافيه ودلفت إلى غرفتها وأتصلت بـ “زيدان” بهدوء وببسمة مرسومة على شفتيها وقد تجاوزت ما حدث لكنها وجدته يتحدث مع شخص أخر فأغلقت الخط وجلست بشرفة غرفتها …
******************
دخلت “منار” إلى غرفة “عمر” فرأته يجلس على الفراش وأمامه صندوق قديم، جلست جواره ونظرت بالأشياء المتناثرة على الفراش وكلها ذكرياته مع “فرح” وألبوم صورهما معًا مُنذ الطفولة والورد الجاف التى كانت تحضره إليه ودميتها التى أحضرتها إليه فتحدث “منار” بجدية تقول:-
-أيه دا يا عمر
لم يُجيب “عمر” على والدته فصاحت به قائلة:-
-إياك يا عمر تخرب علاقة فرح بخطيبها البنت فرحها بعد ثلاث أسابيع يا عمر وعفشها هيتشال بعد يومين
رفع “عمر” نظره إلى والدته وقال:-
-هى فرح مبسوطة مع خطيبها يا ماما
صرخت “منار” به قائلة:-
-معرفش ومسألتش ومعنديش فضول بالذات فى الموضوع دا وحذرى لك يا عمر إياك من تخريب العلاقة دا أنا ممكن أخسر أختى بسببك وفرح متستاهلش دا كفاية أنك سبتها مرة
وقف “عمر” من مكانه وقال وهو يغادر الغرفة:-
-أنا مش خرب حاجة يا أمى لكن خلى بالك من حاجة القلب مالناش سلطان عليه
غادر الغرفة بصمت لتنظر “منار” إلى هذه الذكريات الموجودة أمامها فقالت بقلق:-
-أسترها يا رب من اللى جاى
*****************
ترجلت “فرح” صباحًا مع والدتها وذهب إلى مركز التجميل وحجزت بيوم زفافها وقبله بأسبوع ليوم عقد القران ثم مر “زيدان” عليهما وكانت معه أخته الكبرى فكبحت “فرح” غضبها وزاد الغضب عندما جلست بالخلف بعد ان تشبثت أخته المقعد المجاور له وعندما وصلوا للشقة ترجل الجميع ليأخذ “زيدان” يدها وهمس إليها قائلًا:-
-هى اللى أصرت أنها تيجى ورنت عليك أقولك مردتيش
تبسمت “فرح” بعفوية من حديثه وشعرت بأهتمامه لرغبتها مما جعلها تتخطي هذا الغضب وقالت:-
-ولا يهمك يا حبيبى
تبسم إليها بدهشة وتوقفت قدميه عن السير عندما تفوهت بهذه الكلمة فنظرت له بعفوية وضحكت قائلة:-
-أيه يا زيدان أنا قولت حاجة غريبة
هز رأسه إليها مذهولًا ثم قال وهو يأخذ يدها مرة أخرى فى يده قائلًا:-
-لا طبعًا مش غريب خالص ما أنا حبيبك وهبقى جوازك كمان أسبوعين يبقى اكيد مش غريبة .. بس هى أول مرة باين فتلاقى الفرحة واخدانى
قهقهت ضاحكة عليه ثم فتح “زيدان” الباب ليدخل الجميع فصُدمت “فرح” مما تراه وكانت ألوان الجدران بكامل الشقة غير ما أخترتها والنجف كريستال رغم أختيارها للنجف المودرن فحاولت كبح غضبها أمام والدتها وأخته وقالت بهدوء شديد:-
-أيه دا يا زيدان
تبسمت أخته لتقول بعفوية مُصطنعة:-
-أيه رأيك بصراحة النجف اللى جبتيه طلع مش حلو معجبنيش أنا وماما فأنا أخدته لشقتى وجبنالك الكريستال دا غالى على فكرة والله
كادت “فرح” أن تصيح لكن مسكت والدتها يدها قبل أن تضرب هذه الفتاة ثم قالت:-
-أهدئي يا فرح
نظرت “فرح” إلى “زيدان” الواقف مكانه صامتًا لتقول:-
-مقولتليش أنك غيرت الألوان ولا حبت تحطنى قدام الأمر الواقع
تحدث “زيدان” بهدوء قائلًا:-
-أنا حبت أعملهالك مفاجأة
صاحت بانفعال وهى لم تعد تتحمل هذا الأمر قائلة:-
-لا يا زيدان دى مينفعش فيها مفاجأت أنت عارف كويس أن هجيب الستائر والسجاد نفس الألوان اللى انا مختارها يبقى مينفعش مفاجأة والنجف اللى نزلت لفيت معاك وأخترته جاى تقولى أختك أخدته وأشترت ليا اللى هى عايزاه دا أسمه أيه
-يا بنى مينفعش كدة أنت كدة هتخلينا نغير الستائر والسجاد
صرخت “فرح” بأختناق شديد تقول:-
-لا يا ماما أنا مش هغير حاجة ودا مش مفاجأة دا قصد من أخواته وأمه اللى مُصرين يتحشروا فى حياتى
تحدث “زيدان” بضيق من حديثها عن والدته قائلًا:-
-فرح خلى بالك من كلامك عن امى
دمعت عينيها بإنكسار وهى تحدق بأخته التى تبتسم كالحية أمامها مٌنتصرة عليها فقالت بضيق:-
-أمك ومقولتش لأهلك ليه أن دا بيتى وأنا اللى هعيش فيه مش هم، هااااا مقولتش ليه لأختك متجيش النهاردة معاك، عارف يا زيدان هى جاية ليه، هى جاية عشان تشوف رد فعلى على أعمالهم وتدخلهم فى حياتى زى بالضبط ما جت بيتى تشوف رد فعلى على أختيارها فستان فرحى اللى اتحججت أنه هدية
نظرت لأخته بغرور وكبرياء شديد تقول:-
-عايزة تشوفنى وأنا مجبورة على القبول مش كدة بس دا بعينيك أنتِ والست الوالدة
نزعت دبلته من يدها وألقتها فى الأرض ليرن صوتها ويخترق أُذن الجميع وقالت بكبرياء وهى تحدق به قائلة:-
-أنا مش هتجوز واحد ابن أمه يا زيدان
غادرت المنزل وركضت “منى” خلفها بصدمة بعد أن خرب زواج ابنتها لم تُصدق ما فعلته “فرح” بينما “زيدان” وقف مكانه محلك سر ينظر إلى دبلتها الموجودة أسفل حذائه......