
رواية جمال الاسود الفصل التاسع9والعاشر10 بقلم نورا عبد العزيز
الفصــــل التــــاسع ( 9 )
خرج من غرفته بذعر وأستيقظ الجميع على صوت صراخها المستمر، فتح باب غرفتها ليراها جالسة بفراشها وتصرخ بأنهيار كأنها لا تشعر بشيء وتضع يديها الأثنين على أذنيها كأنها تمنعهم من سمع شيء او بالأحري من سماع صوت الرعد الذي يضرب السماء مع الأمطار الغزيرة، تسمر مكانه من الدهشة بينما دلفت والدته وخلفها "حنان" و"نانسي" لتسرع "نانسي" إليها وحاولت نزع يديها لكنها تقاومها بكل قوتها، نظرت "نانسي" إلى "جمال" فأشار إليها بأن تترك يديها كأنه فهم خوفها الشديد من صوت هذا الرعد، ضمتها "نانسي" إليها بلطف وبدأت تربت على ظهرها وتمسح على رأسها بحنان مُتمتمة إليها بلطف:-
-متخافيش إحنا معاكي هنا، متخافيش كله هيكون تمام
-الصوت مُرعب
قالتها بصوت مبحوح من الخوف ولا أحد يعلم سبب خوفها لكن "مريم" بهذه اللحظة كانت تتذكر ليلتها المؤلمة بكل تفاصيلها وجوارحها، خرجت "ولاء" بضيق من الغرفة مُتمتمة بضجر:-
-أنا مش هتحمل المحن دا كتير
عادت لغرفتها بينما فتح "جمال" هاتفه وخصيصًا على التحكم بـ "جين" وسريعًا بأقل من ثواني وقال "جين" بصوت يسمعه الجميع:-
-لقد تم أغلاق كل النوافذ والأبواب وتم تفعيل خاصية مانع الصوت
لم تسمع صوت شيء بعد إغلاق الزجاج العازل للصوت، غادر "جمال" الغرفة بهدوء دون ان يتساءل عن سبب خوفها من الرعد بكل هذا القدر حتى لا تشعر بما يحدث حولها؟ وماذا تسمع حتى تضع يديها على أذنيها هكذا...
عادت لوسادتها و"نانسي" جالسة جوارها تمسح على رأسها وتقرأ القرآن من أجل بينما "مريم" غارقة فى الماضي تحديد باليوم الذي توفي فيه "مُختار"....
عاد للمنزل غاضبًا بعد أن أعطي للخدم إجازة طويلة دامت لثلاثة أيام حتى الآن، كان سكيرًا ومعه أصدقاءه رجلين من عمره، فتح باب الغرفة لـ "مريم" لينهي حبسها الآن بعد أن حرمها من حصانها وأرسله بعيدًا وأكد له الأطباء بأنها تعاني من صدمة شديدة أفقدتها النظق لكنه لم يبالي بحالتها وحبسها بغرفتها حتى هذه اللحظة الذي أمرها بخدمته هو وضيوفه، بدأت تقدم لهم الخمر وتنفذ طلباتهم أثناء لعب القمار وتحضر لهم ما يريدون وتشاهدوهم وهم يشربون الخمر والمخدرات، وقفت بجوار "مختار" تسكب له الخمر فى كأسه حتى شعرت بصديقه يضع يديه على فخذها يتحسسه فأبعدته بغضب وسكبت الخمر على رأسه بأنفعال من لمسه لها، فحتى وأن كانت ضعيفة لكنها لم تقبل بأحد يلمسها أو يعاملها كعاهرة، أستشاط "مختار" غيظًا من فعلتها وهكذا صديقه فقال بضيق:-
-أنتِ فاكرة نفسك أيه يا بت، دا أنا شاريكي بفلوسي
-أنا أخدمك أه لكن حاجة تانية متحلمش غير على جثتي
قالتها بسخط شديد وغضب يأكلها من الداخل وبهذه اللحظة عادت للنطق مُدافعًا عن نفسها ولم يكن يعلم "حمزة" او "سارة" بأنها تحدثت وتخلصت من صدمتها للتو على يد هذا الذئب البشري ثم رحلت من أمامه، كاد "مُختار" أن يذهب خلفها بجسده الهزيل من كثرة الخمر الذي شربه، لكن أوقفه زميله عندما قال:-
-على فين يا مختار، أثقل عشان تستطعم وأنت بتدوق
غمز له بعينيه وبيده قدم له جزءًا من المخدرات ليبتسم "مختار" بمكر وذهب ليخلط المخدرات بكأس عصيرها ودقائق وبدأت تفقد الشعور بأى شيء يحدث حولها، أخذوها ثلاثتهما إلى غرفة النوم ولأول مرة يتقرب "مُختار" منها هكذا لتشعر بيديه تحسس كل أنش فى جسدها أثناء صعودهم الدرج وأصوات الرعد تضرب أذنيها بالخارج كأنها إشارة من الله بأن تستعيد وعيها وتقاوم ما يحدث بها بهذه اللحظة، ألقاها على الفراش بقوة وهى تأني من اللاوعي ليتطلع إلى جسدها بشهوة وأقترب الجميع مُحاولين تذوقها فتألمت من تمزيق فستانها وهنا فقدت وعيها تمامًا وعندما أستيقظت رأت جثة "مُختار" بجوارها وهى تحمل فى يدها مسدسًا تعرفه جيدًا فهو مسدس "مختار" الذي يحتفظ به أسفل وسادته دومًا لتفزع بهلع من منظر الدم وجثته وبدأت تصرخ وهى تلقي بالمسدس بعيدًا وتخفي جسدها العاري بالملاءة، ما زالت صوت الأمطار تضرب أذنها وهى تزيد من بكاءها ولا تقوي على الحديث ودخل "حمزة" فى هذه اللحظة ليُصدم مما رأه.....
لم تستطيع النوم بهذه الليلة التي أعادت لها ذكرياتها المُخيفة، أشرقت الشمس صباحًا وكان يوم الجمعة أتصلت على "أصالة" تطلب منها لقاءها فبعد مشوارهما الأول معًا شعرت بالرحب والأرتياح معها وقررت أن تعتبرها بمثابة أخت كبيرة لها، ذهبت إلى غرفته بهدوء وطرقت الباب بخفوت وهى تعلم أن هذا الأمر ممنوع تمامًا فأذن بالدخول وفور رؤيتها وقف ببرود ووضع يديه فى جيوبه وقال بحدة:-
-نعم
تنحنحت بحرج شديد ثم قالت:-
-ممكن أخرج شوية
-ويا تري هجيبك منين المرة دى
قالها بسخرية مما حدث سابقًا لتستشيط غيظًا وتشتعل نيرانها من حديثه فقالت:-
-أنا قولتلك أنى روحت عشان صاحبتني عزمتني على عيد ميلادها ومشربتش من القرف اللى فى خيالك، أنت مُصر أكون وحشة وخلاص
ضحك ساخرًا على حديثها وأقترب نحوها بخطوات ثابتة لكن مع كل خطوة كأن يدب بقلبها الخوف منه، أمقنها بعيناه وقال بجدية:-
-ويا تري عزمتك على فين المرة دى، فندق ولا حفلة شباب
كزت "مريم" على أسنانها بضيق شديد من برودته ولم تستطيع أن ترد على حديثه المُهين والمؤلم لها كأنه يريد أن يزيد من ألم ليلة الأمس عليها، تبسم على صمتها وهو يعلم بأنها لا تستطيع الجواب فتابع "جمال" بنبرة أكثر أستفزازًا:-
-خلي بالك أن طول ما أنتِ هنا مش مسموحلك بالقرف دا حتى لو كان بيعجبك يا مريم لمة الشباب حواليكي ومعاكستهم لكِ وطبعًا دا لو أنتِ شايفة أنى دي رجولة منهم... لما تغورى من هنا أبقي أعملي اللى عايزاه
قضمت شفتها السفلي بأسنانها ليعلم أنها وصلت لأكبر قدر من الغضب ثم أخذت خطوة نحوه أخيرة ولم يعد يفصل بينهما شيء وقالت:-
-معتقديش أن أنتِ ممكن تتكلم عن الرجولة لأنك هربت بعد عملتك حتى معتذرتش وقولت غلطة، بس أنت زيهم بالظبط اللى بتكلم عنهم عاجبك جمالي .... لتكون تقصد بكلامك أني أكون لك لوحدك
رفع يده كي يصفعها على وجهها بسبب حديثها وهى تُذكره بما فعله وأنه فى نظرها لا يختلف عن الجميع لكن توقف ويديه أمام وجهها لتبتسم بسخرية على حاله وتغادر غاضبة..
أرتدت ملابسها وأستعدت للخروج فنزلت الدرج لتراه واقفًا هناك مُرتدي بنطلون أسود وقميص أبيض يُفتح أول زرين منه بحرية لتتجاهله تمامًا كما يفعل معها...
رأها تستعد للخروج بملابسها الضيقة وهي ترتدي فستان أزرق يصل لركبتها بأكمامها ليقف محله قبل أن يخرج من القصر وامقنها بنظره ثم قال بنبرة حادة:-
-أيه دا
نظرت له بضيق شديد من حديثه معها بعد أن تجاهلها تمامًا فور تقبيلها، تمتمت بنبرة باردة:-
-خارجة
تحدث وهو يغلق زر سترته بضيق شديد من فستانها القصير الذي يظهر قدميها قائلًا:-
-أطلعي غيري القرف دا
-القرف دا أنت اللى اشتريته
قالتها ببرود غاضبة منه ولأول مرة تتحداه وتعصي أمره، التف إليها بصدمة ألجمته من جراءتها وقال:-
-أشتريته تعلقيه فى الدولاب أو تلبسيه فى البيت مش تخرجي بيه
نظر "شريف" إلي "حنان" بأندهاش فهل أشتري فستان بالعملة الصعبة وعلامة تجارية عالمية لأجل إبقائه فى الخزينة أيعقل هذا، تبسمت "مريم" بسخرية شديدة وقالت:-
-والله مكنتش أعرف، بس أنا برضو هخرج بيها، أنا واحدة زى ما قولت بتتبسط بإعجاب الرجالة بيها ومعاكستهم ليا
مسك ذراعها بأنفعال شديد من كلمته التى ترددها ببروده وتخبره بإعجابها بتجمع الرجال حولها الذين يتغزلون بها، حدق بعيناها بنظرة مُخيفة أرعبتها وهدمت كل شجاعتها، ولا تدرك سبب غضبه ونظرته المرعبة لها، قال بنبرة مُخيفة:-
-أنا عارف أن المرة الجاية هجيبك من فندق لكن دا بعينيك يا مريم وأنك تكوني علاقة مع أى شاب أو ذكر طول ما أنتِ هنا
تبسمت بسمة مُثيرة وتخلت عن خوفها الذي تبدل بالدلال المُفرط وهو يخبرها بأنها لن تكون لرجل نهائيً طالما تعيش هنا معه وقالت:-
-بتغير!!
استشاط غضبًا من سؤالها الذي تكرره دومًا عليه، عينيه لا تتركها وعطرها الفريد يغتصب أنفه فقال بجدية:-
-جربي يا مريم تكرريها مرة تانية ومتسألنيش عن وشي التاني
دفعها بقوة بعيدًا عنها، استشاطت غيظًا من تحجر قلبه فى حين أنه من بدأ بتقبيلها لتعتقد أنه كبقية الرجال يرغب بجسدها وهذا الإعجاب نابع من رغبته بها لتصرخ غاضبة من حديثه بأنفعال شديد قائلة:-
-أنت عايز تنام معايا!
أتسعت أعينه بصدمة ألجمته من كلمتها وأسرع إليها يضع يده على فمها يمنعها من الحديث بينما نظر "شريف" لها بصدمة قوية أصابته وهكذا "حنان" التى تقف مكانها متجمدة من كلمتها، أخذها للأعلي بصدمة لم يتحملها وأدخلها للغرفة ثم قال بانفعال ونبرة مُخيفة:-
-أنا هعرف أزاى أربيكي يا مريم وأعلمك أزاى تتعامل معايا وتتكلمي بأدب...
قاطعته "مريم" بقبلة ناعمة مُفاجئة تعانق شفتيه بشفتيها بدلال كأنها تفرغ غضبها باللين والدلال، أتسعت عيناي "جمال" على مصراعيها وتسارعت نبضات قلبه لا يعلم أيصفعها كعقاب أم يبادلها قبلتها كإمتنان لدقات قلبه...
فاق من شروده وعينيه المثبتة على شفتيها التى تتحدث وهو لم يستمع لشيء بل ذهب مع خياله فى قبلة من نسخ عقله، تتطلعت "مريم" بيه بغضب شديد من كلماته ليقول بحرج مما صوره عقله للتو:-
-أياكي تطلعى برا أوضتك يا مريم..، وطول ما أنتِ محبوسة هنا أحفظي القواعد الجديدة ممنوع تلبسي قصير أو ضيق ومفيش خروج مع أصحابك المستهترين زيك دول، ممنوع نهائيًا ألمحك بتضحكي مع أى كائن مكتوب فى بطاقته ذكر، ومفيش ركوب خيل غير بأمرى وفى وجودي، أياك ألمح قلم روج علي شفايفك يا مريم... أول ما تحفظي القواعد هتخرجي من هنا
خرج من الغرفة بعد أن أخبرها برسالة واحدة تحمل كل أوامره بألا تكون جميلة مع رجل غيره، أغلق عليها بالمفتاح ثم أعطاه إلي "حنان" وقال:-
-إياك تخرج من أوضتها يا حنان فاهمة...
أومأت "حنان" له بنعم ونظرت إلى باب الغرفة بإشفاق على هذه الفتاة، ضربت "مريم" قدميها بالأرض بغيظ شديد من حبسها هنا وأرسلت رسالة لـ "أصالة" تعتذر منها على عدم ذهابها...
________________________________
"شــركة الجمـــال جى أند أم للألكترونيات"
كان كبركان يغلي من داخله مما حديث والآن "مريم" أصبحت خطرًا عليه فأصبح يقبلها ويتذوقها كثيرًا فى عقله، لا يعلم ماذا يحدث معه؟ لكن كل ما يعرفه أنها تُربكه وتهزم كيانه وصموده، دلف "شريف" إلى غرفة مكتبه وكان مُتكئ بظهره على مقعده للخلف ومغمض العينين بتهكم شديد فقال بهدوء:-
-مش هتروح يا مستر جمال المؤظفين كلهم روحوا
أجابه وهو مُغمض العينين بضيق قائلًا:-
-لا مش عايز أروح
كان "شريف" يراقبه الفترة الأخيرةويعلم بأنه يهتم كثيرًا بهذه الفتاة حتى وأن لم يكن يسأل عنها وعن أحوالها، يكفي أنه أشتري مدرسة بملايين لأجلها وأجبر "سارة" على التنازل عن حصتها فى القصة لأجل "مريم"، ينتفض من مكانه إذا علم بأنها فى خطر ويغضب كلما أرتدت ملابس قصيرة أو ضيقة حتى وأن كانت جميلة، فكلما كانت جميلة كلما عاقبها وهو يعلم بأنه يعاقبها على شيء ليس من صنعها فهى خُلقت بجمالها، يخبرها ألا تدخل فى علاقة أرتباط مع شاب من مدرستها أو من أصدقائها دومًا وكأن "جمال" غبيًا بالحب ولا يعلم أن كل هذه التصرفات من فعل غيرته التى تلتهب بداخله، تنهد "شريف" بلطف ثم قال:-
-تحب أحجزلك فى فندق ما هو مش معقول هتنام هنا
هز رأسه بلا وقال بلهجة واهنة وصوت خافت:-
-أقعد يا شريف، معلش هأخرك على ولادك ومراتك
جلس "شريف" بأبتسامة على وجهه مرحبًا بهذه الجلسة لكن "جمال" كان صامتًا لا يتحدث بشيء وأكتفي بتنهيدة شقت طريقها من صدره مُعبأة بحيرته وصراعه النفسي والعقلي القائم بداخله فقال "شريف" بخفوت وقلق خافًا من رد فعل هذا الرجل:-
-مريم!!
فتح عينيه على مصراعيها بنظرة مُخيفة من ذكر أسمها فهو جلس هنا هاربًا من هذه الفتاة والآن يذكرها هو، تنحنح "شريف" بخوف منه ثم قال بلطف مُتابعًا الحديث:-
-أحم مريم من أمبارح من ساعة ما حبستها وهى رافضة تأكل أو تشرب وطلبت من حنان تشتغل فى القصر مع الخدم عشان تكسب فولس من تعبها وقالت صراحةً أنها مش عايزة حاجة من حضرتك حتى لو لقمة أكل، حنان ونانسي حاولوا معها كثير لكنها مُصرة على رأيها وعنيدة بتشبهك فى عنادك
أعتدل "جمال" فى جلسته من كلمته الأخيرة بغيظ شديد لتنحنح "شريف" بحرج وقال:-
-أسف... أعمل أيه؟
-خليها تعمل اللى عايزاه يومين وهتقولك مش قادرة عشان مذاكرتها لكن مدام قررت تكون من الخدم انا مش عايز ألمحها قصادي، حتى فنجان القهوة متجبهوش واضح...
قالها بإختناق شديد ثم هم بالرحيل ليستوقفه صوت "شريف" يقول:-
-مدام ولاء طلبت نحجز لها على أول طيارة للندن
وافق "جمال" على فعل ذلك لطالما والدته كانت تعيش فى الخارج ولا تأتي سوى زيارات قليلة، رحل من مكتبه وبدأ يتجول فى الشوارع بسيارته وحده وعقله لا يتوقف عن التفكير بها كأنها لعنة وسقطت عليه.....
___________________________
"قصــــر جمـــــال المصــــري"
تركت "مريم" غرفتها الملكية بالطابق العلوي وقررت أن تنزل مع الخدم فى غرفتها المخصصة فى السرداب لتكتشف جانب جديد فى القصر لم تكن تعرف عنه شيء، غرفتها صغيرة جدًا تكفي لسرير صغير ومكتب بجواره من اجل دراستها، أخبرتها "حنان" أن تعمل لمدة أربع ساعات يوميًا وستنجي ما يكفي لتناول طعامها حتى تستطيع الذهاب إلى مدرستها ودورسها وتهتم بدراستها، بدأت تعمل فى المطبخ مع الطباخ كمساعدة له شكليًا فالجميع يعرفون من هي وأنها هنا بسبب غضبها منه وليس أكثر لكن كونها هنا معهم لا يعنى نهائيًا بأنها سيدة القصر الصغيرة وإذا أصابها شيء أو جرحت يدها بالسكين أثناء عملها فى المطبخ سيهدم "جمال" القصر فوق رؤوسهم، أكتفي الطباخ بجعلها تغسل الخضراوات وتجهز له مستلزمات وجبة اليوم وكان يصنع لها طبق خصيصًا من الوجبة التى يُعدها إلى "جمال" فهى أميرة القصر...
ضحكت "مريم" بسعادة وهى تقف مع الطباخ ومساعديه ورؤيتها لصنع هذه الوجبات اللذيذة ليقول الطباخ:-
-تحبي تتدوقي؟
هزت رأسها بنعم إليه بحماس شديد بعد أن أغتصبت هذه الرائحة أنفها وفتحت شهيتها لتتذوق ما قدمه لها برحب ثم رفعت أبهاميها بإعجاب وقالت:-
-رائعة جدًا ... ممكن تعلميني
أومأ إليها بنعم لتدخل "حنان" بجدية ويتوقف الجميع عن الثرثرة وقالت بنبرة حادة:-
-مريم وقتك خلص أتفضلي
تأففت "مريم" بحزن شديد فأصبحت ساعات عملها القليلة تجلب لها السعادة داخل هذا القصر، خرجت من الغرفة وأتجهت إلى الأسفل فى السرداب وهى ترتدي ملابس الخدم وأخذت ملابسها وأدوات أستحمامها وأتجهت إلى دورة المياه العامة للخدم وأخذت حمام دافئ ثم خرجت لتسمع خادمتين يتحدثون عنه لتسترق السمع لهما:-
-بكرة عيد ميلاده ربنا يستر على اليوم دا
=أكثر يوم بحط أيدي على قلبي فيه
أقتربت "مريم" بفضول شديد من معرفة السبب لخوفهما الشديد من يوم عيد ميلاده ألا يجب أن يكون يوم سعيد، سألت بلطف:-
-ليه؟
ألتف الأثنين لها بصدمة ألجمتهم ونظروا إلى بعضهم بقلق من الحديث عنه أمام أحد أفراد العائلة وسكان القصر لكن جمعت أحدهن الشجاعة بعد أن نظرت حولها بخوف من أن تسمعهم "حنان" وتعاقبهما وقالت:-
-أصل اليوم دا بيفكروا باللى حصل قبل كدة لازم تخلي بالك من كل تصرف فى اليوم دا لأنه بيكون مراقب كل حاجة وأى غلطة حتى لو عطستي ممكن يطرد أو يعاقبك بطريقة مخيفة
-ليه؟
قالتها بفضول لمعرفة سبب هذا الخوف الذي رأته على وجه الخادمتين لتقول الأخرى وهى تأخذ صديقتها من يدها بخوف من البوح إلى "مريم":-
-منعرفش خلى بالك من تصرفات بس لأنه بيكون متعصب ومش طايق نفسه...
هرب الأثنين من أمامها ليشتعل الفضول فى عقلها حتى أحرقه فتبسمت بخبث وذهبت إلى "نانسي" صديقتها المُفضلة ونشرة أخبارها فى القصر، دلفت إلى غرفتها ورأتها تستعد للنوم فقالت:-
-نانسي
ضحكت "نانسي" بسعادة وهى تعرف ماهية هذه النظر التى تعلو عينيها وبسمتها الخبيثة التى تنير شفتيها فمنذ أن نزلت للسرداب ولا ترى "نانسي" هذه النظرة إلا وكان وراءها سبب للفضول، فقالت بعفوية:-
-سمعتى أيه المرة دى
جلست "مريم" بحماس على الفراش أمام "نانسي" ثم قالت:-
-عيد ميلاده!!
تحولت ملامح "نانسي" العفوية إلى الخوف والقلق ثم قالت بحدة وحزم:-
-مين اللى أتكلم معاكي فيه
هزت رأسها بالنفي وأخبرتها أن الخدم جميعهم حذرين فى التعامل معها، تنهدت "نانسي" بقلق ثم قالت:-
-أبعدي عنه اليوم دا بالذات يا مريم وألا....
-ليه؟
سألتها "مريم" بفضول شديد فتأففت "نانسي" من فضولها وإصرارها على المعرفة وقالت:-
-هحكيلك اللى أتحكي ليا بس أوعي يا مريم
أومأت "مريم" لها بلطف وأنها ستلتزم الصمت بعد أو مررت يديها على فمها بمعنى أنها ستصمت نهائيًا لتبدأ "نانسي" فى الحديث قائلة:-
-لما جيت هنا كان بعد عيد ميلاده بيوم بدل كام خادمة طردها يوم عيد ميلاد ووقتها حذرون البقية، وحكولي أن يوم عيد ميلاده كان مسافر فى شغل ومراته أتصلت به قبلها بيوم...
أتسعت عيني "مريم" على مصراعيها بصدمة ألجمتها من هذه الكلمة وقالت بتلعثم تمكن منها وشل لسانها:-
-مراته، هو متجوز
أومأت "نانسي" لها وقالت:-
-تفتكر واحد زيه هيعيش 34 سنة من غير جواز وهو عنده كل حاجة، ما علينا كان متجوز وقتها، المهم طلبت أنه يرجع عشان يحتفلوا بعيد ميلاده سوا وقعدت تشتكي أنه طول الوقت مشغول عنها ومبيشوفهاش إلا مرات قليلة فى السنة وأنها محتاجة ليه وفعلا الخدم نفسهم شافوا حالتها بتسوى بسبب بُعده وبدأت تشرب خمر وتسهر وأدمنت المخدرات لكن الفترة دى عدت ورجعت لطبيعتها من غير ما حد يعرف السبب مع انه كان لسه بيسافر كتير عشان ينجح شركته اللى كانت فى بدايتها، المهم قالها انه مش هيعرف يجي وفعلًا طلبت من الخدم يلغوا أى ترتيبات عملوها عشان عيد ميلاده لكن مستر جمال قرر يرجع فجأة ويعملها مفاجئة ورجع تاني يوم اللى هو عيد ميلاده وهنا لاقاها مع أخوه مختار فى السرير ومن ساعتها مختار ساب القصر ومدخلهوش مرة تانية وقرر يفضل فى مزرعة الفيوم لعشر سنين كاملين ومراته أختفت... محدش يعرف قتلها أو سجنها أو حتي دفنها حية كلام الناس كتير كل واحد هيقولك طريقة أتخلص بها من مراته من وحي خياله وطبعًا كمصريين كلهم هنا توقعوا أن حالتها أتحسنت بعد ما بقت فى علاقة مع أخوه، ومن بعدها عرفت أن من يومها والخدم أتمنعوا يطلعوا الدور اللى فوق وهو بقي يكره عيد ميلاده لأنه بيفكروا باللى حصل
دمعت عيني "مريم" وهي تستمع إلى حكايته وتشمئز من "مختار" الذي لم يترك امرأة على وجه الأرض إلا وطمع بها حتى زوجة أخاه، خرجت "مريم" من الغرفة باكية وحزينة وعادت إلى غرفتها.....
_______________________________________
-قولتلك مريم تحت وصية جمال لحد ما تم الـ 25 يعنى كمان أربع سنين هتكون حرة ووقتها ممكن اقتلها أو أجبهالك تعملي فيها اللى يعجبك
قالها "حمزة" بضيق وهو جالسًا فى مكتب "سارة" داخل الملهي الليلي لتقول بضجر شديد:-
-والله عايزني أستن أربعة سنين عشان أخد حقي منها، أنت عارف فى الأربع سنين دول ممكن يحصل أيه دى مش بعيد تكون سيدة القصر يا حمزة بقي وبدل ما تبقي تحت وصيته تبقي مراته، تفتكر أنت عندك الجراءة تقتل مرات جمال المصري
تأفف "حمزة" بضيق شديد ثم قال بحيرة:-
-وكمان معنديش الجراءة اتجرأ على مريم دلوقت، وحتى لو حاولت مريم مبتخرجش من القصر غير بحارس ومبيفارقهاش وأديكى شوفتي بعينيك أيه اللى حصل لما جت هنا مكملتش نص ساعة وجمال طب هنا ولو كان عرف أن دا الملهي الليلي بتاعك كان هده فوق دماغك
تأففت "سارة" بضيق شديد وقالت:-
-عايزني أستن أربع سنين عشان تدفع ثمن نصيبي فى القصر اللى خسرته بسببها
وقف "حمزة" من مكانه بجدية وهو لا يبالي بشيء سوى حياته وقال:-
-هعدوا هوى يا سارة وبعدين أخذ الحق حرفة وأتعلمي منى أنا أستنيت 19 سنة ونص عشان اقتلها وأدفعها تمن موت مراتي ولسه هستني أربعة كمان أهو وعايش للحظة دي
خرج من المكتب بعد أن حسم أمره بألا يفعل شيء الآن خوفًا من "جمال" وما سيفعله إذا أقترب منها الآن وهى تحت وصيته...
_________________________________
"قصــــر جمـــــال المصـــري"
قررت "مريم" أن تصنع يوم جديد له بعيد مولده رغم تحذير "نانسي" والخدمات له، أرتدت ملابسها عبارة عن بنطلون جينز وتي شيرت أبيض بكم وفوقه سترة جلدية تحميها من برد ديسمبر القارس وشتاءه، صففت شعرها البني وتركته مُسدولًا على الجانبين وأرتدت طاقية من الصوف حمراء اللون تليق ببشرتها البيضاء الحليبية وأنفها الحمراء من البرد، خرجت بحذائها الرياضي من الغرفة وهناك قابلتها "نانسي" بأندهاش وقالت:-
-أيه دا؟ شايفكي هتهربي من ساعات العمل النهار دا...
للحظة تذكرت "نانسي" مناسبة اليوم وقالت بحذر:-
-مريم!! أنا حذرتك
تبسمت "مريم" بعفوية ثم قرصت وجنتها بلطف وقالت:-
-أنا سيدة القصر الصغيرة نسيتي لا يمكن طردي ...
هربت من أمامها لتُتمتم "نانسي" بقلق قائلة:-
-لكن يمكن معاقبتك يا صغيرتى
صعدت "مريم" وكان القصر فى حالة من الذعر حتى الهواء تشعر بثقله فأقتربت من باب غرفة مكتبه وأخذت نفس عميق ثم قالت:-
-تشجعي يا مريم..
الفصل العاشر
فتحت الباب دون أن تدق ورأته يجلس على مكتبه ينفث دخان سيجارته، رفع "جمال" رأسه بأندهاش من فتح الباب دون طلب الأذن لكنه رأها، تقابلت عيونهما فى صمت مُنذ شهر تقريبًا وهو لا يراها وقررت العمل فى القصر كخادمة، تبسمت "مريم" بلطف فور رؤيته وتسارعت نبضات قلبها من لقاء عيونهما لتقسم أن مهما أختراع هو وأمثاله من وسائل للأتصال لن يكن هناك ما يشبه النظرة وهذا الشعور الذي يحتلها من الداخل بسبب رؤيته، أزدرد لعابه بأرتباك من رؤيتها لطالما هرب منها ليراها تقترب منه بلطف مُبتسمة كأنها تخطو على طريق قلبه حتى تصل إليه، قالت بنبرة خافتة:-
-ممكن أخرج!!
قال بسخرية من طلبها وعاد بنظرة إلى اللابتوب الخاص بيه:-
-دا طلب بصفتك موظفة هنا ولا ضيفة، لأن لو موظفة فدى أول مرة تحصل فى التاريخ وتجي موظفة عندي تطلب أذن عشان تسيب شغلها
كادت أن تتحدث لكن أستوقفها ألم رئتيها من الدخان الذي ينفثه من سيجارته وتتنفسه هي وبدأت تكح بصعوبة بعد أن وضعت يدها على أنفها وفمها وقالت:-
-أى حاجة بس أنا عايزة أخرج ضروري
تحدث "جين" بصوته الألي قائلًا:-
-عودي للخلف ستُصاب رئتك المريضة بهذا الدخان
رفع "جمال" نظره إليها بأندهاش من حديث "جين" وقبل أن يستفسر عما يحدث، أخترق "جين" اللابتوب الخاص به وأظهر له سجلها الطبي وأنها تعاني من حساسية مُفرطة من الدخان، أطفيء سيجارته وضغط على زر تقنية الهواء لأجلها، قال بهدوء:-
-روحي أخرجي
-ممكن تيجي معايا
قالتها بلطف لينظر إليها مُجددًا بتعجب فقالت بترجي تستعطفه:-
-واحد زميلي فى المدرسة عايز يعرفني على أهله وطبعًا أنا معنديش أهل غيرك، ممكن؟
أغمض عينيه بضيق شديد من كلماتها ثم قال بأختناق شديد:-
-أنا كام مرة قولتلك ممنوع ....
قاطعته بلطف شديد ووجه عابس:-
-أتكسفت أقوله لا عشان كدة بطلب منك تيجي معايا، هتجي ولا لا مين عالم ممكن يطلب مني الأرتباط وأتكسف أرفض
تأفف بضيق شديد من ردها وهي تخبره بأن هناك معجب بها ويطلب منها الأرتباط ويسعى لتقديمها إلى أهله، يحمل بداخله غضب كافي اليوم على أن تزيده هذه الفتاة، صعد ليبدل ملابسه وأرتدي بدلة رسمية وفوقها البلطو الخاص به وخرج معها بسيارته ليقود هو هذه المرة دون "صادق" أنطلق إلي حيث أتفقت مع صديقها على اللقاء وهناك قابل شاب من عمرها لم يرفع عينيه عنها ويجلس بجوار والدته التى أعجبت كثيرًا بجمال "مريم" فقال الشاب بلطف:-
-أوعدك يا عمي أنى مزعلهاش أبدًا
قالها هو يمد يده كي يمسك يدي "مريم" من فوق الطاولة ليرمقه "جمال" بنظرة أرعبته وجعلته يسحب يديه قبل أن تلمس يدها وقال بحدة:-
-عمك!! ومين قالك أنى هيدهالك
تحدث الشاب بنبرة ناعمة كأنه فتاة لا يحمل من الرجولة شيء هائمًا بالنظر إليها قائلًا:-
-لا أرجوك متفرقش أتنين بيحبوا بعض أنت معندكش قلب ولا أيه، مريم دى أجمل بنت قابلتها فى حياتي وخطفت قلبي من النظرة الأولي ومستحيل أسمح أنها تكون لغيري أو تكون فى حضن رجل تاني ....
لم يتمالك "جمال" غضبه أكثر وغيرته التى أكلت قلبها للتو وهو يتحدث عن ضمها وجمالها ليسكب كوب الماء البارد فى وجهه وهو يقول:-
-يمكن تفوق وتسترجل شوية
أخذها من يدها وأنطلق للخارج غاضبًا، نظرت "مريم" على يديهما المُتشابكة وأقسمت بأنه يغار عليها حقًا فلن تتعب نفسها بالسؤال وعينيها ترى غيرته بوضوح، كان قلبها على وشك الأنفجار من سرعة نبضاته على عكس "جمال" الذي يشتعل من الداخل غضبًا كالبركان، فتح لها باب السيارة وقال بجزم:-
-أركبي
-أنا جعانة
قالتها "مريم" بضيق شديد مُصطنع ليتأفف "جمال" قائلًا:-
-أبقي كُلي لما تروحي البيت، أهو بالمرة تتعلم أزاى تكسري قواعدي وتختلطي بذكر.. وحياة اللى خلقني يا مريم لدفعك تمن كسر .......
قاطعته "مريم" بلطف عندما وضعت يدها على فمه ثم قالت:-
-جعانة ممكن تأجل عقابي لما أكل
تسمر مكانه عندما وضع يدها على فمه كأنه جمد مكانه فقط عينيه ترمش بأرتباك وتحدق بها، ظلت تنظر إليه كثيرًا فى صمت ليأخذها إلي أقرب مطعم وطلب من أجلها الطعام الذي تريده وأختارته وجلس مكتوف اليدين يراقبها فى صمت دون أن يتناول شيء، وبدأت تجبره على فعل الكثير من اجلها كتناول المثلجات في هذا الطقس البارد وتسير معه فى الطرقات، تساقطت الأمطار لتركض بعفوية أسفلها وتبتسم بل صوت ضحكاتها تخترق أذنيه وتسرع من ضربات قلبه فظل يسير واضعًا يديه فى جيبه خلفًا ويراقبها وهى كفراشة تتطاير بخفة وسعادة فى الهواء، نظرت إليه وهى تكمل ركضها وتسير للخلف بظهرها لتلمع عينيه رغم تحجر شفتيه عن الأبتسامة، حتى رأي صخرة كبيرة يجلس عليها ثنائي من الأحباء وكادت أن تصطدم بها وتسقط فوقهما ليسرع فى خطواته إليها وسحبها من ذراعها إليه حتى أرتطمت بصدره القوي، نظرت إليه ووجهها مبلل بالأمطار وحبات الماء الباردة وشفتيها ترتجف من البرد لكنها سعيدة بهذا البرد الذي ينعش جسدها، تقابلت عيونهما فى نظرة صامتة رغم الحديث الطويل الذي دار بينهما، رفعت يدها إلى صدره القوي وقالت بتمتمة:-
-ممكن أقولك أنى هموت من الساقعة بس متروحنيش
رفع يده إلى وجهها يمسح حبيبات المطر عنه ويبعد غرتها عن جبينها بلطف ثم قال:-
-هتمرضي
-حتى لو، كفاية أنى مبسوطة.. دى من اللحظات الناردة فى حياتي يا جمال
قالتها بدفء رغم أرتجف جسدها من البرد لكنها تتشبث بهذه اللحظة الجميلة التى صنعتها السعادة بفضل قدرها، لا تملك الكثير من اللحظات السعيدة فى حياتها لذا تتشبث بهذه اللحظة جيدًا باستماتة، ظل "جمال" صامتًا يرمقها بعينيه لا يعلم أيكسر سعادتها من أجل صحتها أم يترك السعادة لأجلها حتى تظل هذه البسمة تنير وجهها، مرة أخري أقتحمت "مريم" عقله الذي يرغب بضمها أكثر إليه فى الحال رغم قربهما الشديد والتصاقها بصدره الصلب لكن يرغب بالشعور بدفء جسدها لتقول "مريم" قاطعة شروده بنبرة ناعمة:-
-بيعجني دفئك يا جمال، مهما كانت الأيام باردة أنت دافئ
أزدرد لعابه بتوتر شديد ثم أبتعد عنها بقلق من القادم وأخذها إلي السيارة كي يعود للقصر بها قبل أن يفقد صوابه أمامها، ضربات قلبه تؤلمه أكثر وعقله يتذكر الماضي فبعد ما حدث لعن جميع النساء وأخرجهما من حياته لكن جاءت طفلة تكسر كل حواجزه الذي صنعها، سبها بالكثير ولعنها بالسوء بسبب زواجها من أخاه الذي يكبرها بعمر لتتسلل بداخله هو الذي يكبرها بأربعة عشر عام، لا يعلم أهذا عقاب القدر له على ما تفوه به بحقها حتى يظهر له القدر أن الحب والعشق لا يحتاج لسن معين أو فرق سن محدد فقط يكفي أن يتألف قلبان وتعشق روحان حتى يصبحوا روحًا واحدة، وصل للقصر وألتف لينظر إليها فرأها تضم يديها الأثنين إلى بعضهما قرب فمها وتنفخ بهما بشدة من البرد، قال بجدية:-
-أنزلي
ألتف لكي يغادر أولًا لكنها أوقفته عندما مسكت يده فعاد إلى جلسته ونظر إليها بهدوء على عكس نظرتها التى تحدق به بلطف وعينيها تعانق عينيه فى عناق طويل ثم أقتربت لكي تضع قبلة على وجنته فوق لحيته السوداء بلطف وأبعدت قليلًا وما زالت أنفاسهما تخلتط معًا وهو مُصدومًا تمامًا فى فعلتها وتوقف عقله وجسده بهذه اللحظة حتى سمعها تهمس إليه من هذا القرب:-
-أنا بحبك يا جمال.......
__________________________________
نظر "حمزة" للهاتف الذي أخذه من هذا الرجل ويحدق بصورة "مريم" وهى على قرب من "جمال" أمام النيل ليتوقف عقله عن التفكير وتمتم بصدمة ألجمته:-
-سارة عندها حق، جمال رجل زى البقية ومريم بنت جميلة ولو أستنيت ممكن تبقي مراته.....
_________________________________
"قصــــــــر جمــــال المصـــــري"
دخل إلى غرفته بصدمة الجمته من أعترافها بحبه وكيف صفعها ردًا على هذه الكلمة التى تفوهت بها، لا يستوعب ما يحدث ليقذف كل شيء فوق مكتبه الموجود بالغرفة بغيظ شديد لكنه توقف فجأة عندما لمح بعينيه صندوق أسود فى الأرض، أنحني ليلتقطه وكان مُثبت به بطاقة مكتوب عليها
(أنا صنعتها بنفسي عشانك...
كل سنة وأنت طيب
مريم )
فتح العلبة وكانت تحمل دُمية وردية اللون مصنوعة من الصوف، أدرك بأن كل ما فعلته اليوم هو لأجل عيد ميلاده وأردت أن تمحي ذكرياته السيئة بصنع ذكريات جميلة معها، تأكد بأنها سمعت من الخدم قصة عيد ميلاده وخيانة زوجته لذلك سعت جاهدة لمساعدته فى التخلص من ألم الخيانة بأعتراف بالحب، أغمض عينيه بضيق شديد مما حدث ومسح وجهه بيديه....
________________________________
لم تتوقع "مريم" أن يصفعها لأنها أخبرته بأنها تكن المشاعر له وعاقبها كأنها تتحكم بقلبها ولها سلطان عليه وتختار من تحب، ظلت تبكي طوال الليل حتى الصباح، وقفت "حنان" تفحص الخادمات فى الساعة الخامسة والنصف قبل أن يبدأ يومهم وقالت بجدية لأحدهن:-
-قولت مشوفش قلم روج فى وشك
مرت لفحص البقية وبدأت تلقي بتعليماتها عليهن:-
-قولت ممنوع الزين والأكسسوارات بأى شكل..... تقريبًا بعلم فى بهايم مش قولت مشوفش شعرة خارجة من التسريحة بتاعتك...
وصلت أمام غرفة "مريم" ولم تجدها فقالت بتمتمة:-
-وأخيرًا قررت تعتزل الشغل
فتحت باب الغرفة لتراها بالفراش ترتجف وصوت أنينها عالي، أقتربت منها "حنان" بقلق ووضعت يدها على جبينها لتجدها مُلتهبة كالجمر لتطلب من الخدم الأتصال بالطبيب فورًا وحملوها إلى غرفتها بالأعلي ليراهما "شريف" فى طريقه لإيقاظ "جمال"، دلف للغرفة ووجده مُستيقظ بالفعل ليقول:-
-متقوليش أن حضرتك صحيت على صوت الخدم
هز رأسه بلا لينتبه "شريف" إلى غرفته الفوضوية ليعلم بأنها كانت ليلة أليمة كعادته وأنطلق الأثنين بعد الأستعدادات للخارج لكنه وجد الطبيب يغادر غرفتها وأخبره بأنها تعاني من حمي شديد، لا يفهم من التي تعاني لكن سرعان ما استوعب الأمر عندما أنتبه لغرفتها، فتح باب الغرفة ودلف مسرعًا بقلق ليغادر الجميع للخارج، تطلع بوجهها بقلق سافر ولمس وجنتها ليراها كجمر مُلتهبة لا يعلم سبب مرضها أهو البقاء أسفل المطر لوقت طويل أم صفعته من فعلت بها هذا بعد أن كسر قلبها ورفض حبها، أنحني إلى جبينها ليقبلها بدون وعي وهمس فى أنها قائلًا:-
-أمرتك مترمضيش يا مريم
غادر عابسًا وكأن مرضها من شأنها حتى تتطيع أوامره ولا تمرض، أمر الجميع بألا تعود للعمل فى القصر نهائيًا وغادر القصر وكانت هذه أخر مرة رأها، مرت الأيام وهى تتجنب رؤيته وتسكن غرفتها طوال اليوم ولا تذهب لرؤية "إيلا" إلا عندما يغادر صباحًا للعمل وتعود إلى غرفتها فور عودتها من المدرسة، قررت أن تتوقف عن حبه وستجاهد لهذا الأمر بكل عزيمتها...
________________________________
"شــــركـــة الجمـــال جي أند ام للألكرونيات"
وقع "جمال" الأوراق إلى "اصالة" وعينيه لا تفارق هاتفه الذي أنذره صباحًا بواسطة "جين" بأن اليوم عيد ميلادها، مر تقريبًا شهر ونصف مُنذ يوم مولده ولا يراها أو يسمع عنها فأصبحت كتومة جدًا لا تخبر "نانسي" بشيء عمدًا حتى لا يصل إليه، أكتفي بمعرفته لذهابها إلى المدرسة ورؤية "إيلا" غير هذا لا يعرف شيء بشأنها، أخذت "أصالة" الأوراق من أمامه وقبل أن تغادر أستوقفها "جمال" بتوتر قائلًا:-
-أصالة
نظرت إليه لتبتسم بعفوية وهى تعلم أنه لا يُحدثها بهذا التوتر إلا عندما يكون الحديث بشأن "مريم" فقدم إليها بطاقته البنكية ثم قال:-
-معلش خلي حنان تعملها حفلة صغيرة عشان عيد ميلادها وأشتري ليها هدية
تبسمت "أصالة" بحماس لفعل ذلك وأخذت بطاقته البنكية وغادرت من الشركة حتى تصل للقصر وهناك أخبرتها "حنان" قائلة:-
-بس مريم النهار دا ولأول مرة مؤخرًا تقرر أنها تخرج ومتسألنيش راحت فين
أتصلت "أصالة" به وأخبرته انها ليست بالقصر ولا يعرفون إلى أين ذهبت ليغلق معها بقلق وأتصل بـ "حسام" فأخبره أنها أخذت "إيلا" صباحًا للمشاركة فى سباق خيل بالغردقة ولن تعود إلا بعد الغد، أستشاط غضبًا من أفعالها وهى قررت أن تسافر دون علمه وخصيصًا بهذا اليوم كأنها تعمدت ألا تحصل على شيء من أحد فى يوم عيد ميلادها.....
أتصل بـ "أصالة" وطلب منها أن تلغي طلبه ولا تفعل شيء وأخبر "حسام" أن يعود بها اليوم قبل أن يأتي إليهم بنفسه وبالفعل عادت بالأكراه بعد أن ترجاها "حسام" أن تعود معه وألا سيخسر وظيفته وهو شاب مُقبل على الزواج بحبيبته لتخضع إلى طلبه وعادت غاضبة كالعاصفة مما جعل الجميع يخشوا مُحادثتها، اليوم أكملت العشرين من عمرها لكنها تحمل غضب بقدر أيام عمرها كاملة..
الأيام تمر وهى تصمد بصعوبة فى مواجهة قلبها الذي يشتاق إليه وعازمة أمرها على التغلب على هذا الحب والتخلي عن مشاعرها، بينما هو مثلها يكاد يفقد عقله من التفكير بها ورؤيتها تتطاير مع المطر كذكري أخيرة جمعتهما لا تفارق عقله، دخلت "أصالة" إلى مكتبه تقول:-
-نادر الهواري عايز يقابل حضرتك ضرورى
نظر "شريف" بتعجب إليه وقال:-
-والله!! جاي بنفس هنا مش كفاية عمايله، أرفض مقابلته يا مستر جمال
تبسم "جمال" برحب ومكر شديد كأنه يرحب برؤية منافسه بسعادة حتى يشعر بالأنتصار وقال:-
-دخليه يا أصالة
أومأت إليه بنعم ليخرج "جمال" بطاقته البنكية فتبسمت وهى كالوسيطة بين هذا الثنائي المتخاصم ليقول:-
-أنا معرفش غير أن فترة الإمتحانات بتكون ضغط علي طلاب الثانوية العامة، أشتري ليها أى حاجة تغير من نفسيتها وتساعدها على التركيز مشروبات وشيكولاتات، سناكس وبسكويتات كثير، كترى من الأكلت السريعة دى عشان حنان بتقول أن معندهاش وقت تأكل معرفش أزاى
تنحنح "شريف" بجدية ليُذكره بأنه يُفرط فى الأهتمام بها، على عكس "أصالة" التى رحبت بالفكرة جدًا خصيصًا أن امتحاناتها بعد أسبوع وكغيرها من الطلاب فى هذه المرحلة يعانون من التوتر والقلق وخصيصًا أن "مريم" تسعي لكلية القمة والمجموع الكامل أن أستطاعت، خرجت من المكتب بينما "شريف" قال بجدية:-
-مش شايف أن دا كثير شوية
رفع "جمال" نظره به ليبتلع لعابه بخوف وغير حديثه قائلًا:-
-قصدى على نادر جاي لحد هنا بنفسه مع أنه منافس لينا
تبسم "جمال" بسمة خافتة على خوف "شريف" منه وهو يعلم بأن حديثه كان عن "مريم" ليقول:-
-جاي يشوف اللى إحنا وصلنا له متقلقش يا شريف، نادر أصغر من أنه يكون منافس ليا...
______________________________
"قصـــر جمــــال المصـــري"
جلست "نانسي" ترتب لها الثلاجة الصغيرة الموجودة فى غرفتها بالأغراض التى أحضرتها "أصالة" كما أمرها وتراقب "مريم" وهى تجتهد فى دراستها حتى غادرت دون أن تشعر "مريم" بها او تنتبه لوجودها، مرت فترة الإمتحانات بصعوبة ضغط كبير عليها قليلًا ما تنام، حتى جاء يوم تكرمها من المدرسة لأكونها من أوائل، صعدت على المنصة بسعادة تغمرها رغم حزنها لأنها وحيدة جاءت لحفلة تكريمها بدون أهل معها كبقية زملائها، حتى "جمال" لم يأتي لكونه مالك المدرسة وأكتفي بمديرة المدرسة، أستلمت شهادتها ببسمة سعيدة وألتفت للجالسين ودُهشت عندما رأت "حنان" تقف هناك وبجوارها "نانسي" جاءوا لأجلها ويصفقون لها بحرارة وسعادة فتبسمت بسعادة أكبر علي وجودهما، عادوا معًا للقصر و"مريم" تقول:-
-شكرًا على حضوركم
-وانا مش هتشكرينى
نظرت إلى صوت "شريف" لتراه يقف فى البهو مع بقية الخدم والطباخ وكل موظفين القصر ومعهم "حسام" و"أصالة" وحتى "حاتم" عامل الأسطبل كان موجودًا و"شريف" يحمل كعكة صغيرة لأجلها، وضعت يدها على فمها بسعادة ودهشة ثم ركضت نحوهم بحب وإمتنان لشكرهم على ما فعلوا لأجلها لكنه الوحيد الذي لم يبارك لها ولم يظهر "جمال" ، الرجل الذي اعتقدت بأنه سيتحجج بنجاحها لرؤيتها لكنه لم يفعل، أخذت حمام دافئ وصعدت إلى فراشها بعد يوم طويل، دلفت "نانسي" للغرفة وقالت:-
-مستر جمال عايزك
نظرت "مريم" بأندهاش من طلبه لرؤيتها بعد ستة أشهر تقريبًا تعيش معه تحت سقف واحد ولم يراها مرة واحدة، تأففت بضيق من صلابة قلبه وتحجره ثم نزلت للأسفل فأخذتها "نانسي" للخارج لتراه يقف أمام القصر بجوار سيارة من ماركة المرسيدس صفراء اللون فذهبت نحوه ببرود وجه عابس ثم قالت:-
-أفندم
ألتف إليها ليراها بعد كل هذا الفراق رغم قرب المسافات، أشتاق لها بجنون ولبسمتها لكنها الآن عابسة وتعيسة نحفت أكثر عن السابق فأصبحت كهيكل عظمي وقصت شعرها الذي تعتز به كثيرًا فقال بأندهاش:-
-قصتي شعرك
-معتقدش أنك طلبتني عشان قصة شعري
قالتها ببرود شديد لتذكره بأخر مرة رأها بها وصفعته لها عندما كان يغمرها الحب من أجله ليدرك بأنه سبب كل هذا التغيير القائم بها، أخرج مفتاح السيارة وأعطاها له ثم قال:-
-هدية نجاحك
ضحكت بسخرية بعد أن عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتهكم شديد:-
-هدية نجاحي!! مش المفروض اللى يهدي حد على الأقل يقوله مبروك بس عمومًا أنا مش عايزاها منك لا كلمة مبروك ولا الهدية، أنا أجتهدت ونجحت مش عشان أخد هدية منك بل عشان أخلص منك يا جمال وأمشي من هنا نهائيًا ولحد ما يجي اليوم دا متخلنيش أشوفك أو حتى أسمع صوتك
ألتفت لكي تغادر من أمامه غاضبة، قلبها يصرخ بالشوق الذي يلتهمه وهذا المتحجر يقف كالصانم كعادته لا يهتم سوى بأن يهديها الأشياء رغم قسوته لطالما أرادت أن تخبره بأنها لا تحتاج للهدايا والمال بل تريد اللطف والحنان، دمعت عينيها وهي تغادر من أمامه بعد أن جاهدة بقوة ألا تسقط دموعها أمامه...
مرت أربعة سنوات بالفعل على لقائهما الأخير
ترجل "جمال" من الطائرة بعد أن وصلت لأرض مصر وقبل أن يرحل جاءت له "سلمي" كابتن الطيران التى كانت تحلق به وصديقته، غادرا المطار معًا وهى ترتدي زي طيرانها وهو يرتدي بدلته الرمادية فقالت بلطف:-
-قولي أنك موجهتكش صعوبة فى رحلتك معى
تبسم "جمال" بلطف وقال:-
-أنتِ عارفة أنك كابتن طيران رائع يا سلمي
خرج معًا من صالة الطيران ليرى "شريف" فى انتظاره مع سيارته فقال:-
-تعالي نوصلك
أشارت له على شاب هنا ينتظرها وقالت:-
-شكرًا معايا توصيلة، لكن هيجيلك أكيد لأاني حابة أتعرف عليها
سألها "جمال" بنبرة جادة وعينيه تحدق بها:-
-هى مين؟ مريم!
ضحكت بعفوية ثم قالت بتلقائية:-
-اللى خليتك تنطق أسمها باللطف دا كله واللي هتجنن عشان تشوفها وتسمع صوتها، لازم أقابل اللي قدرت تقلب كيان جمال المصري وأهو بالمرة أحاول أصلح بينكم قبل ما يجي حد يخطفها منك
-مستحيل أسمح لحد يخطفها مني
قالها بغرور وكبرياء بعد أن عزم أمره على أمتلاكها خصيصًا بعد أن كبرت الآن فلم تعد الطفلة التي جاءت لمنزله، صعد إلى سيارته وبعد ترحيب "شريف" بعودته بدأ يخبره بتطورات الشركة والقصر وهو يستمع جيدًا حتى وصل إلى الجزء الأهم له بالحديث عن "مريم" عندما قال "شريف" بخبث:-
-مش هتصدق أن زميلها فى الجامعة طلب أيدها مني الأسبوع اللى فات لكن أنا مدتهوش كلمة طبعًا وقولت له لما ولي أمرها يجي
صمت "جمال" تمامًا ولم يعقب على الحديث الذي سمعه للتو فهل أصبحت الآن عروس وسيتقدم لخطبتها كل من يعجب بها، تبسم "شريف" بمكر على هذا الرجل الذي يحبها كثيرًا وقد سكنت قلبه بالفعل والآن بعد أن بلغت الرابعة والعشرون من عمرها وما زال كلا منهما يتجنب الأخر لكنه غُرم بها كليًا فى بُعدها عنه، الفتاة التى دخلت قصره خائفة وترتجف وتترجاه ألا يتركها.. هى نفسها الآن الفتاة التى سكنت قلبه ولن يتركها مهما ترجته، وصل للقصر بسيارته لتفتح الأبواب تلقائية وسارت السيارة فى طريقها إلى القصر ليراها على ظهر "إيلا" تركض بعفوية كالطير المحلق بجناحيه بحرية دون قيود، تركض "إيلا" بها بسرعة تعادل سرعة سيارته فى الحديقة فوق العشب، تتطلع بها من خلف الزجاج الفتاة التى كبرت أمام عينيه وتسللت إلي قلبه مع كل يوم مر عليها فى منزله وأمام نظره والآن حتى بعد أن أصبح عمره 38 عامًا لم تجرأ امرأة أو فتاة على هز كيانه كما فعلت هذه الفتاة وأحتلت قلبه كليًا، تمني كثيرًا أن يعود الوقت لهذه الليلة التى أعترفت فيها بحبها له لأخبرها بأنه يحبها بدلًا من صفعها ورفضها فحينها لم تكن تمر كل هذه السنوات فى خصام وفراق طال بينهما....