أخر الاخبار

رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل الخامس5والسادس6 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل الخامس5والسادس6 بقلم نورا عبد العزيز

 
الفصل الخامس (5) 
__ بعنوان “قلب أفتك به البكاء” __ 

كلاهما كان متشبث برأيه والغضب يجتاح الأثنين، نامت “عهد” بفراشها على حافته وتعطيه ظهرها وهو الأخر مثلها يعطيها ظهره بغضب و”نوح” يشعر بأنها لم تفكر إلا في أحلامها وما تريده وحدها لكن عائلته وزوجها وتحمله لمسؤولية والده العجوز ووالدته وأعماله وأرضه هنا هل يجب أن يترك كل هذا ويتنازل عن كل مسؤوليته لأجل أرضائها هي وأحلامها، هو لم يمنعها عن تحقيق ذاتها والعمل كاملًا ليقيدها بأحكامه ومعتقداته فلما تطمع بالأكثر وتلومه على رفضه لهذه الخطوة في حياتها، أغمض عينيه بضيق شديد من خصامهما لكن غلبه النوم بسبب أرهاق جسده في يوم شاق في العمل فألتفت “عهد” إليه غاضبة وتمتمت بضيق:- 

-وجالك قلب تنام كمان 

غادرت الفراش وهكذا الغرفة بأكملها لتمر من أمام غرفة “تاج” وسمعت همسات لم تنوى التجسس وأسترق السمع لكن الفضول غلبها فأقتربت من الباب بهدوء بفضول من معرفة الطرف الأخر فهى تسكن الغرفة وحدها وحسب حديثها لا تملك هاتف تتحدث به 

-أنا عملت كل اللى جولتلى عليه، بتلف وتدور له ولا هو أنت تأخد اللى عايزه وتيجى عند الدفع وتكبر دماغك وتنشغل 

-جولتلك مش جبل ما أحجج مرادى 

أتسعت عينى “عهد” على مصراعيها حينما سمعت صوت “خالد” بالداخل، وإذا كانا على وفاق لما يختلقا العداوة أمام أهل المنزل 

أقترب “خالد” من “تاج” وهو يحاصر خصرها بيديه ويقول:- 

-روجى دمك أمال يا تاج الرأس مش وجته الحديد 

ضربته “تاج” على يديه بأغتياظ شديد من بروده وقال:- 

-دا اللى أنت فالح فيه وبس 

ابتعدت “عهد” عن الباب وأكملت سيرها للأسفل مُتمتمة بضيق:- 

-خباثة ومكر 

جلست بالأسفل في الحديقة تفكر في حديثه ومستقبلها شاردة الذهن.. 

دق باب غرفة “نوح” ليستيقظ من نومه على صوت الطرقات لينظر بعيني غافلة إلى المنبه الموجود على الكمودينو أمامه وكانت الساعة الخامسة والنصف فجرًا وحاول تجاهل الطرق على الباب لكنه أستمر أكثر فقام من فراشه بتكاسل وهو يمطي جسده ثم فتح الباب وكان “خلف” يقف امامه حاملًا بندقيته على كتفه فقال “نوح” بضيق:- 

-في أيه يا خلف على الصبح 

تنحنح “خلف” بحرج من “نوح” وعينيه تتجول في العدم مُتحاشي النظر إليه ليقول “نوح” بضيق أكثر:- 

-في أيه؟ 

لم يتمالك غضبه من حديث “خلف” وترجل الدرج كالبركان الغضب مُتجهًا إلى الحديقة فرأى زوجته هناك كما قال “خلف” نائمة أسفل شجرة وترتدي فستان أزرق بكم وطويل لكن نسمات الهواء الباردة رفعته عن قدمها قليلًا ليشتاط غضبًا من الغيرة فسار نحوها وهو ينظر على رجاله الجالسين هناك بجوار بوابة المنزل حول دائرة من النار ويرتشفوا الشاي الساخن لم يرفع أحد نظره بها لكن هذا لم يكن سبب كافى لكي يوقف غضبه، وصل جوارها وكان غاضبًا جدًا وأيضا يلوم نفسه ربما شجارهما هو السبب في تركها للغرفة وبقاءها هنا أمام الرجال، أنحنى قليلًا ثم حملها على ذراعيه ووقف لتستيقظ من نومها ورمقته فدفعته في صدره محاولة النزول عن ذراعيه وغاضبة تقول:- 

-نزلنى يا نوح 

شد عليها بذراعيه بأحكام وتقابلت عينيهما وقال بحذر صارم:- 

-متتحركيش عشان صبرى منفدش عليكى يا عهد 

صمتت “عهد” خوفًا من غضبه وأخذها للغرفة ثم ألقاها على الفراش بقوة لتستشيط غضبًا من فعلته وقالت صارخة:- 

-أنا بترمينى كدة ليه ما تولع فيا أحسن 

صعد إلى فراشه وقال بنبرة غليظة:- 

-أن شاء الله أول ما أصحى من النوم 

نام مكانه مُجددًا لتلقى الوسادة عليه من الغيظ والضيق بسبب تجاهله لها وبروده، وتتساءل كيف تحول الحب النارى بينهما إلى برود تام هكذا كل هذا لأنها تريد النجاح وتحقيق حلم لتنام بفراشها على الجهة الأخرى غاضبة منه.. 

______________________ 

أعدت “سلمى” الإفطار مع “حُسنة” وجهزت السفرة وخرجت لكى تجلس بجوار زوجها على السفرة وقالت:- 

-بجولك أيه يا حج 

نظر “على” إليها وهو يرتشف الشاي الساخن وقال:- 

-جولى يا سلطانة قلبى 

تبسمت بسعادة ثم قالت:- 

-عاوزة أطلع أحج أدينى أطمن على نوح ويا مرته 

أومأ لها بنعم وجاء “نوح” وحده فسألته بلطف:- 

-فين مرتك هنا؟ 

لم يُجيبها وجاءت “عهد” لتجلس جوارها بعيدًا عن زوجها فنظرت لهما هي و “على” بدهشة وأدركت خصامهما الواضح في ملامحهما فتنهدت بعبوس وقالت بتمتم:- 

-أنسي يا حج اللى طلبته واضح أن الأمور مش في أحسن حال 

ظهرت “ليلى” وهكذا “فاتن” وجلسوا معهم على السفرة فتنحنح “نوح” بضيق وقال:- 

-الشاي يا حُسنة 

تبسمت “سلمى” وقالت:- 

-صُبي الشاي لجوزك يا عهد 

ضحكت “عهد” بسخرية وأكملت اكل طعامها وهى تقول:- 

-الشاي مضر بالصحة 

رمقها “نوح” بضيق لتقف “فاتن” وتسكب الشاي له فنظر لها ثم لزوجته وقال بجدية:- 

-خلينا في اللى مهوش مضر أنا عاوز أكل محشي ورق عنب  

أجابته ببرود شديد قائلة:- 

-مبعرفش  

وقف من مكانه غاضبًا ليقول:- 

-تتعلمي زى بجية الستات مأنتش أحسن منهم  

ضربت السفرة بيديها وهى تقف من مكانها هي الأخر وتحدق به غاضبة وتقول:- 

-أحسن منهم وبعدين أنا كدة مش عاجبك دى حاجة ترجعلك وزى ما أنت مؤمنة بمعتقداتك واللى في دماغك مبيتغرش أنا كمان كدة بقى 

كانت تلقى الحديث على معارضته لفرصة عملها فقال بشجن ونبرة أكثر غلاظة:- 

-ومن معتقداتي اللى معجبكيش أن الست تخدم جوزها واللى متعرفش تتعلم مش عجب أنك متعرفش لكن تحاول تتعلم لكن اللى متحاولش وتفضل أنانية تستاهل أن جوزها يتجوز عليها اللى تخدمه وتدلعه 

كان الجميع يتابع ما يحدث في صمت، ضحكت “عهد” على حديثه ساخرة من كلماته بضيق وهى تعلم أنه يرمي للحديث عن أنانيتها في العمل وأحلامها لتقول:- 

-روح أتجوز تحب أشوفلك عروسة بنفسي والله يا ما أحب على قلبى أنى أجوز جوزى 

قالتها ساخرة من حديثه ثم ألتفت لكى تغادر ليغادر هو الأخر المكان فوقفت “ليلى” من مكانها بحرج تقول:- 

-هشوف مالها؟! 

ذهبت لتجلس “سلمي” مكانها والخذل تمكن منها لتقول:- 

-مفهاش سفر لما نشوف مالهم 

وقف “على” مُتكأ على عكازه وقال بهدوء شديد:- 

-أنا هشوف ولدك حاولي أنتِ تشوفي المدام 

غادر المنزل لتنظر “سلمى” إلى “فاتن” التي وقفت “تربت على كتفها بلطف وقالت:- 

-كله هيتحل دى خناجات أول الجواز وأول سنة، الخناجات دى اللى بتجوى علاقتهم ببعض وأنتِ خابرة دا زين 

أومأت “سلمى” لها بحزن... 

___________________ 

تحدث “عطيه” بالهاتف وهو يقف في المحجر بعيدًا:- 

-يعنى أيه نأجل بس 

أجابته “ليلى” بحزن على حال صديقتها قائلة:- 

-هتيجى تطلبنى منهم أزاى والحال هنا شايط زى الحريق 

تأفف “عطيه” بضيق شديد لتتابع “ليلى” غاضبة:- 

-كله من صاحبك فيها أيه يعنى لما يوافق أنها تشتغل في الأخبار  

تحدث “عطيه” بلطف وقال:- 

-هكلمك بالهدوء والعقل والمنطق، نفترض أنه موافجش هيحصل أيه؟ 

أجابته “ليلى” بضيق قائلة:- 

-هتخسر عهد فرصة مبتتكررش 

أومأ لها بنعم وقال بحب:- 

-دا حجيجى، لكن لو وافج بقى هيحصل أيه؟ 

تبسمت “ليلى” بلطف وقالت:- 

-هتحقق عهد حلمها 

-دا من الناحية العملية يا ليلى لكن الحياة مش عملية بس في حياة شخصية وأسرية هتتدمر يا ليلى لأن نوح عنده حياة هنا ودا الجواز أثنين حياتهم مرتبطة ببعض يعنى حياتها مرتبطة بحياته مينفعش تبص للى هي عايزاه وبس، أهله اللى هنا هيهملهم لحالهم وهم كبر في السن ولا المحاجر اللى عنده والعمال اللى بيشتغلوا تحت أيده كل دى بيوت هتتخرب وأرزاق هتتجطع، إلا بجى لو عهد رجعت الجاهرة وهملت نوح هنا ينفع بجى واحدة تعيش في محافظة وجوزها في محافظة وتولد لحالها وتربى لحالها وتحرم ولدها من العيش ويا أبوه عشان بس حلم، إحيانا التنازل يا ليلى بيكون أحلى ومحدش بيأخد كل حاجة تفتكرى لو نوح خيرها بينه وبين الحلم دا؟ الحلم يستاهل أنها تخسر نوح قصاده ولا نوح الراجل اللى بيحب ويصون يستاهل يخسر عشان تتطلع في التلفزيون طب ما هي ناجحة في قناتها ومشروعها الخاص والناس بتشوفها الأختلاف أيه؟ 

صمتت “ليلى” أمام حديثه وأقتنعت بنسبة كبيرة بهذا الحديث، رأى “عطيه” سيارته تصل إلى المحجر فقال بعفوية:- 

-أنا هجفل دلوجت ونصيحتي ليكي يا ليلى أن عهد صاحبة عمرك أنصحيها باللى أنتِ شايفة ومقتنعة أنه الأصح 

أغلق معها الخط وذهب إلى عمله... 

_________________ 

وقفت “أسماء” أمام المرآة تتطلع بأنعكاسها بعد أن أرتدت عباءة أستقبال مطرزة بخطوط ذهبية كأنها تحفة فنية وقطعة ناردة تزيدها جمالًا بسبب تصميمها، بأكمام طويلة تظهر راحة يدها بالمنتصف وينتهى طرف الأكمام عند ركبتيها وشعرها مُصفف على كتفها وظهرها مموج ووضع القليل من مساحيق التجميل تظهر جمال ملامحها بينما عينيها دامعة تحاول جاهدة كبح هذه الدموع الأسيرة بداخل جفنيها فتح الباب ودلفت “فاتن” بسعادة وحماس حاملة فى يديها عقد من الذهب الخالص كبيرة الحجم وأقتربت لكى تضعه حول عنق أبنتها الثابتة كجسد فارق الحياة وبقى بلا روح هنا، حدقت “فاتن” بابنتها بعد أن وضعت العقد الذي أحتل منطقة صدرها بسبب كُبره وقالت:- 

-حصوة فى عين اللى يشوفك يا بتى وميصليش على النبى 

تبسمت “أسماء” بانكسار ثم قالت:- 

-مبسوطة يا ماما 

دمعت عيني “فاتن” من السعادة وقالت:- 

-واو وفى واحدة متكونش مبسوطة وبنتها عروسة كيف البدر أكدة 

أومأت “أسماء” بأنكسار فقالت:- 

-ودا يهمنى يا ماما، مينفعش ولادك الثلاثة يسببولك الحزن والوجع على الأجل أنا أجدر أسعدك 

قبلت “فاتن” جبين أبنتها لتتساقط الدمعة منها غصب عنها وقالت:- 

-متنسيش يا حبيبة أمك تلبسي دهبك معاوزنيش الناس تجول أننا أجل منهم 

هزت “أسماء” رأسها بلطف لتغادر “فاتن” بهدوء فأكملت “أسماء” استعداداتها حزينة مهمومة وكأنها تستعد وتتزين للموت، أرتدت حلق أذن كبير على هيئة زهرة تداعب أطرافه كتفها بسبب طوله وكبره وحاوطت معصميها بالأساور فى اليدين ثم بحثت عن الحذاء الأبيض ولم تجده فخرجت تبحث عنه بغرفة “حورية” لتُصدم عندما رأت “نوح” يصعد الدرج بعد عودته من العمل فوقفت تتطلع به بقلب مُنقبض وكيف تترك حبيبها هنا وتذهب لغيره، رأها “نوح” تقف بمنتصف الرواق وتحدق به وكانت جميلة بحق فسار نحوها بخطوات ثابتة وهو يمسك بيده عصا سوداء كعكازًا له ورأسها على هيئة تنين مطلية بالذهب ثم قال:- 

-طالعة كيف الجمر يا أسماء ربنا يتم لك على خير ويسعدك 

تتطلع بملامحه بوجع وغصات قلبها تشعل نيران الألم بداخلها فى هذه اللحظة لتقول بصوت مبحوح:- 

-هيسعدنى فعلاً، أعتقد أنى أكتر إنسانة تعيسة فى الدنيا وكأن الفرح مهوش مكتوب ليا 

صمت حادقًا بها لتتابع الحديث قائلة:- 

-هو كام واحدة بيجوزها حبيبها لراجل تانية؟ 

حد من ملامحه بجدية وكأنه لا يسمح لها بهذا الحب فى حين أن عينيها تنازلا عن أسر الدموع وتركوا العنان لهم ليشق طريقهم إلى وجنتيها وبدأت الحديث قائلة:- 

-معرفش ذنب إيه اللى عملته فى دنيتى عشان أستاهل الموت بالطريجة دى، عمرى ما أذيت حد ولا جيت على ضعيفة لكن الموت جالى أكتر من مرة بسببك يا نوح مرة لما أتجوزت أولانى ومرة تانية لما أتجوزت عهد ودلوجت لما هتسلمنى بأيدك لراجل تانية ..بس أنا مستاهلش الوجع دا كله … 

رفعت يديها إلى وجنتيها تجفف دموعها بحزن وتتحاشي النظر له وقالت بتلعثم قائلة:- 

-بس مجدرش أكسر أمى كفاية عليها خالد وحورية 

رفعت نظرها إليه تتطلع به وكأنها تودعه ثم أقتربت خطوة واحدة نحوه ورفعت يدها تلامس وجنته ولحيته بحزن وقالت بهمس:- 

-أعمل أيه يا حبيبى إذا كنت وعدت قلبى ما أحب غيرك ولا أكون لغيرك ها..وأنا جد وعدى دا والله 

أبعد يدها عنه وقال مُتجاهل أعترافها المعتاد بحبها له:- 

-أدعي ربنا يشيل الحب دا من جلبك يا أسماء عشان تعرفى تعيشي .. هغير خلجاتى جبل ما الناس توصل 

تركها ورحل لتخفض رأسها بالأسفل باكية بأنهيار وكأنه رؤيتها له الآن دهست كل الصمود والقوة المُصطنعة التى تحلت بها.. 

فتح “نوح” باب الغرفة ودلف ببرود كأنه لم يتأثر بشيء وكيف لأى امرأة أن تؤثر به وهو عاشقًا حد الموت وإلى اللانهاية بزوجته المدللة، أتاه صوتها من المرحاض تستفرغ وتتألم فألقى بالعصا وهكذا عباءة أكتافه وأسرع للمرحاض، طرق الباب أولًا ودلف ليراها جالسة بالأرض وتتستفرغ ما بأحشاءها فأسرع نحوها وهو يمسكها من أكتافها ويقول:- 

-مالك يا عهد؟ 

تشبثت بذراعه ويدها الأخرى تمسك بطنها ويبدو أن طفلها يلهو ما والدته بقوة لم تتحملها هى بجسد هزيل مثل هذا ورفعت نظرها به وكانت وجنتها تتعرق بشدة وقالت:- 

-من الصبح وبطنى وجعانة أوى يا نوح 

ساعدها فى الوقوف وكلا منهما تناسي شجارهما والخصام، وقف بها أمام الحوض وغسل لها وجهها بيده وذراعه الأخرى يحاوط خصرها من الخلف مُتمسكًا بها بأحكام حتى لا تسقط منه ثم أخذها للخارج وجعلها تجلس بفراشها وجلس جوارها ماسكًا بيدها وقال:- 

-تحبى نروح لدكتور؟ 

هزت رأسها بلا وقالت :- 

-مفيش داعي يا حبيبى أنا هبقى كويسة كمان شوية 

رفع يده إلى وجهها يضع خصلات شعرها خلف أذنها ثم بدأ يمسح على شعرها بلطف وقال:- 

-طب أرتاحي وأنا هجابل الناس اللى جاية دى وأطلع .. 

هزت رأسها بالنفي وقالت:- 

-لا ماما جابت ليا عباءة ألبسها عشان أنزل لستات 

أشارت بيدها على الحافة الأخرى من الفراش وكان عليها عباءة ذات اللون الأخضر فأومأ لها بنعم ودلف للمرحاض يأخذ حمام دافيء ويبدل ملابسه وعندما خرج رأها وضعت له عباءة سوداء اللون على الفراش وأختارت حذاء لأجله وحتى العطر أختار واحدًا ووضعت بجواره ساعة يد من أختيارها فتذكر شجارهما صباحًا عندما أخبرها بأنه سيتجوز أخرى تهتم به فتبسم على محبوبته التى أرعبتها بعض الكلمات الحمقاء التى تفوه بها وقت شجارهما وهى تعلم بأنه لن يتزوج غيرها، أرتدى ملابسه  ولف عمته ونزل للأسفل باحثًا عنها ليراها تخرج من المطبخ مُرتدية عباءتها الخضراء فأتسعت عينيه أنبهارًا بجمالها فى ملابسها المختلفة وكانت العباءة عبارة عن طبقتين أولها عباءة مطرزة بأكملها بالخيوم الفضية من العنق ومنطقة الصدر حى أنتهى التطريز حول خصرها مع الرباط الخاص بالعباءة وهكذا من الأسفل والطبقة الأخرى شفافة لها تبدأ من الكتف للخلف وتزحف خلفها قليلًا بسبب طولها من الخلف وتستدل شعرها بحرية خلف ظهرها وترفعه من الجانبين بدبابيس الشعر وهكذا غرتها وترتدي الطاقم الألماس الذي أحضره لأجلها، سارت نحوه بخطوات ثابتة وقالت:- 

-واقف كدة ليه يا نوح 

أجابها بأنبهارًا شاردًا بجمالًا:- 

-إياك يلمحك رجل غيرى النهاردة يا عهدي 

أتسعت عينيها بذهول من أمره فأن كان يتغزل بجمالها فلما يستخدم الأمر، عقدت ذراعيها أمام صدرها بغرور وقالت:- 

-دى غيرة ولا تحكم 

وضع يده خلف رأسها ليجذبها إليه وتلتصق جبينها بشفتيه واضعًا قبلة رقيقة عليها ثم أبتعد يقول:- 

-غيرة، إياك رجل يلمح طرف عباءتك يا عهد والله أفلق رأسك نصين  

قهقهت ضاحكة وهى تأخذه من يده للمطبخ وقالت:- 

-هههه غيرة عنيفة أوى بس عارف المشكلة فين؟ 

وقف بمنتصف المطبخ مُنتظر بقية حديثها لتقول بدلالية:- 

-المشكلة أنه عاجبنى  

كادت أن تذهب بعيدًا ليمسك يدها بقوة ويلفها إليه من جديد فنظرت له بدهشة، نقر بيده الأخرى على وجنتها وقالت:- 

-وإياك تضحكي أكدة لرجل تاني حتى لو مجاملة  

أقتربت نحوه لتضع قبلة على وجنته بلطف ويديها تتشبث بعباءته من الصدر حتى لا تسقط وهى تقف على أطراف أصابعها بسبب طول قامته وأبتعد عنه لتقول:- 

-معقول أشوف راجل غيرك يا نوح 

تبسم بسعادة فتابعت الحديث لتقول:- 

-أستنى لحظة 

وقف مكانه بينما ذهبت نحو البوتاجاز وعادت إليه بحلة صغيرة وفتحتها ليرى ما بداخلها فأتسعت عينيه بدهشة مما يراه وقد أعدت له ما طلبه صباحًا، رفع نظره إليها غير مصدق ما يراه فهو تفوه بالهراء لإغاظتها فقط لكنها بالفعل نفذت هذا الهراء لأجله، أخرجت صبع من ورق العنب وورفعت يدها به إلى فمه وأطعمته بنفسها وهى تقول:- 

-حاولت أعمله على قد ما أقدر  

تناول لقمته حادقًا بها وينظر بها فقط لتتابع الحديث بتعجل:- 

-والله ما حد ساعدنى أنا خليت حُسنة تعمل ورق عنب فى الحلة التانية وأنا قعدت جنبها عملت الحلة دى كلها لوحدى عشانك 

صمت وهو يزدرد لقمته وضربات قلبه تتسارع أكثر وأكثر لأجل هذه الفتاة لتقول بخجل:- 

-هى أصغر حلة بس كنت تعبت فعلًا وبطنى كانت وجعانى  وحاولت أكملها عشانك يا نوح فممكن لو الطعم مش ألطف حاجة تتقبله وبلاش تقول أنك هتتجوز عليا تانى 

بدأ يتناول بيده من الحلة وهى تمسكها بيدها فتابعت النظر له فى هدوء لتنتبه لأثر قبلتها على لحيته من أحمر الشفايف الخاص بها فمسكت طرف عباءتها الشفاف وبدأت تمسح لحيته بلطف وهو يتناول طعامه وينظر بها فقط حتى أكل الحلة بأكملها وقال بلطف ولين:- 

-حتى لو مش ألطف حاجة كفاية أنه من يدك يا عهد، الحب اللى عملتيه به الحلة دى حلاه وخلاه أحلى ورق عنب كلته فى حياتي  

أخذ يدها التى تمسح لحيته ثم قبلها بلطف كشكر لها وقال:- 

-تسلم يدك يا حبيبة قلبى وشكرًا أنك أتنازلتنى عن عنادك وحتى فى خصامنا لينة يا عهدي 

تبسمت بمكر شديد  وقالت بغرور:- 

-على فكرة إحنا لسه متخاصمين بس لما نطلع أوضتنا  

ضحك “نوح” على حديثها وكاد ان يتحدث ليسمع صوت أرتطام شيء قوي وتاليها صوت صراخ ليخرج للخارج فزعًا ووضعت “عهد” الحلة جوارًا وخرجت خلفه للخارج لترى الجميع يركض للحديقة وعندما خرجت شهقت بذعر ورعبًا حينما رأت “أسماء” على الأرض وسط بركة من الدماء ولم تصدق “عهد” ما تراه وكيف قفزت من النافذة قادمة على الأنتحار وتنهى حياتها بنفسها.......... 

 

 
الفصل السادس (6)
__ بعنوان “بعض القلوب علاجها النسيـان” __ 

وقف الجميع أمام باب غرفة العمليات وكانت “فاتن” في حالة انهيار تام تبكي بذعر على ابنتها التي كانت عروس وتحولت لمريض على وشك الموت وعوضًا عن ان تبدأ حياة جديدة اوشكت على نهى حياتها بيدها، جلست “سلمى” بجوارها وتربت على ظهرها بلطف ثم قالت:- 

-هتبجى بخير وزينة أن شاء الله 

ضربت ”فاتن” فخديها بيديها بحسرة وقالت بشرود:- 

-أنا السبب، أنا اللى أجبرتها تتجوزها وتجابل العريس، أنا اللى قتلت بنتى بيدي 

نظر “على” على “نوح” وهو يقف بعيدًا وحده وبجواره “عهد” وكأن الجميع يلومه على ما حدث أو هو من وضع حبه في قلبها لتقدم على الموت أفضل لها من الزواج من غيره، تشبثت “عهد” بيده خوفًا وهى تتذكر منظر “أسماء” على الأرض بداخل بركة الدماء وقد همشت رأسها بذاتها وتسائل أهذه الفتاة تحب زوجها إلى هذا الحد من الجنون، غادرت “عهد” المستشفى دون ان تنتظر أن يخرج الطبيب من الغرفة، ظهر “خالد” فجأة في المستشفى بعد ان سمع الخبر من “تاج” وبحث عنهم حتى وصل إلى غرفة العمليات وأنتظر إلى أن خرج الطبيب الجراح رجل مسن كبير وأخبرهم أن العملية نجحت ثم غادر تاركًا “اسماء” بالداخل مع الجراح المساعد وبعد ساعة تقريبًا خرجت على التروالى أمام أعين الجميع وأخذوها إلى غرفة العناية المركزة تحت أنظار أخاها ووالدتها المنهارة من البكاء ثم بدأ الممرضين بوضع الأجهزة عليها وغادروا، وقفت “فاتن” تنظر من خلف الزجاج على ابنتها وتبكى فوقف “خالد” بجوارها ثم وضع يده على كتف والدته وقال:- 

-متجلجيش يا أمى أسماء جوية وهتعدى منها 

أومأت إليه بنعم ثم غادرت مع الجميع لحين موعد الزيارة بالغد 

____________________ 

دلفت “عهد” من باب المنزل لترى “ليلى” تجلس بصحبة “يونس” وتلعب معه حتى يكفى عن البكاء فهرعت إلى الغرفة حزينة فتعجبت “ليلى” من أنعزال صديقتها وحزنها الشديد على ما حدث، دقائق ورن هاتف “ليلى” معلن عن أستلام رسالة من “عهد” فحدقت بالهاتف بدهشة ومنه إلى الدرج حيث صعدت “عهد” مُندهشة من الرسالة 

حملت “يونس” بعد أن نام على الأرض من كثرة اللعب وكاد أن تصعد فرأت الجميع يعودون، أقترب “نوح” وقال:- 

-عنك 

كاد أن يأخذ “يونس” منها لكن أوقفه صوت “ليلى” تقول:- 

-خليه، أطلع لعهد عشان رجعت من شوية وكانت غريبة 

أومأ إليها بنعم ثم صعد على إلى الغرفة وعندما دخل للغرفة رأى زوجته جالسة بفراشها وتبكى بحزين شديد ناظرة بهاتفها على صور زفافهما عندما أشترى لها فستان زفاف من أجله، يعلم بأن زوجته حزين رغم عنف “اسماء” معها لكن في كل مرة كانت تغفر “عهد” مُدركة بأن هذه حب مؤذي سكن قلب هذه الفتاة يسبب الأذي لها فقط، دلف إلى المرحاض غير ملابسه وأرتدى تي شيرت أسود اللون وبنطلون قطني أسود ثم خرج ليراها كم هي وكأنها لم تشعر بعودته فذهب إليها وجلس جوارها لتقول:- 

-أنا بحبك يا نوح، حب مقدرش أوصف بكلام ولا فعل لأن كل الأفعال مش هتكفى حُبي لك بس أنت جوزى لكن هي.. هى أزاى حبتك لدرجة دى، أزاى بقيت مهووسة بك لدرجة أنها تنتحر وتقرر تموت كافرة عشان بس حُبها لك 

كان يستمع لحديث زوجته بصمت مُتابعًا دموعها التى تسيل على امرأة تعشق زوجها، رجفة جسدها المُصابة بشهقات قوية أليمة، عيناها الباكية تتحاشي النظر له بضعف وكأن قلب محبوبته ينزف كعينيها على امراة عاشقة له أليس من المفترض أن تغضب من هذا الحب وتمقنه؟!، تابعت حديثها بأنهيار وشفقة على ما حدث من هذه الفتاة:- 

-أنا إحيانا بغيرة منها ومن حُبها لك، بيوجعنى أن فى واحدة بتحب جوزي لدرجة الموت  

أخذ رأسها بين يديه ليرفعها للأعلى كي تتقابل عينيه وبعينيها وقال بنبرة هامسة ناعمة:- 

-اهدئي يا عهدي، أهدئي يا حبيبة قلبي وأسمعيني ها... أسماء مبتحبش دا مش حُب دا هوس، هوس ومرض من أول عنفها ليكي فى كل مرة كانت بتمد يدها عليكي من مرضها لحد أنتحارها،، أسماء مريضة مش بتحب وأنتِ جوايا يا عهد غصب عنها وعن الكون كله لأنك أنتِ الكون بالنسبة ليا، أنتِ حبيبة قلبي وقلبي محبش غيرك ولا عايز غيرك حتى لو ستات البلد كلتها عايزيني أنا معاوزش غيرك  

نظرت له بهدوء وأبهامه يجفف دموعها لكنها لم تتوقف عن البكاء ابدًا فأقترب يجفف تلك الدمعة اللعينة التى تلوث وجنتي زوجته وعينيها الجميلة التى طالما عشق النظر لصفاءها بشفتيه لتغمض عينيها بأستسلام لحنانه ورفعت يدها إلى وجنته تلمس لحيته بدفء وقالت:- 

-ليها حق تحبك يا نوح، لو جينا للحق أنت مفيش ست تشوفك ومتحبكش  

أبتعد قليلًا عنها لتتقابل عيناهما معًا فى نظرة طويلة ويده ما زالت على وجنتها تتداعبها بحب وقال:- 

-وأنا مهما شوفت ستات مهحبش غيرك يا عهدي، أنا طلعت قلبي وحطته بين يدك وجواكي ومبجاش ملكي، هو لكِ أنتِ وبس تعملي فيه ما يحلالك 

داعبت لحيته بلطف وهى تكف عن البكاء وقالت:- 

-معنديش غير الحب أديهولك يا نوح، أنت متستاهلش حاجة غير الحب وأنك تتعشق، أنا أكتشفت أنك حلمي اللى مكانش فى خيالي وكان من المستحيل، عرفت أن حُبي للإعلام قصدك حُبك ولا حاجة وأني هقدر اعيش من غير الإعلام وتقديم الأخبار لكني مقدرش أعيش من غير حبيبي وقلبي لحظة واحدة وعشان كدة أنا خليت ليلي ترفض عرض تقديم نشرة الأخبار  

أتسعت عيني "نوح" على مصراعيها بدهشة من قرارها فحتى أمس كانت مُتشبثة بحلمها ورغبتها فى السفر للقاهرة ليقول:- 

-خسرتي حلمك!!  

تبسمت بإشراق عكس ذبول ملامحها من كثرة البكاء وقالت:- 

-كسبتك أنت، أى خسارة ممكن تتعوض يا نوح إلا خسارتك هتكون بموتي 

وضع سبابته على شفتيها يمنعها من التفوه عن الموت والفراق ثم قال:- 

-أنا عاشقك يا عشقي اللى ربنا رزقني به ومهما فضلت أشكره وأحمده على عشقك جليل أوي  

تبسمت بلطف وهى تقترب لتضع رأسها على صدره وتلف ذراعيها حول خصره بلطف فطوقها بذراعيه وهو يضع رأسه على رأسها ومغمض عينيه مُستنشقًا عبيرها وأنفاسها الدافئة.... 

__________________ 

خرج “عطيه” من غرفته صباحًا مُستعدًا للذهاب إلى العمل فسمع صوت والدته تتحدث مع أحد بالأسفل وعندما نزل رأى “ليلى” محبوبته تجلس مع والدته وما زالت تحاول كسب رضاها وموافقتها على الزواج من أبنها، مرأة مريضة لم تتذكر أولادها بالفعل وهذه الفتاة تسعى لطلب الزواج من ابنها، تبسم وهو يراقب “ليلى” أثناء تنضيفها لجسد والدته بالمنشفة بعد أن تناولت الحلوى ثم وقفت “ليلى” ماسكة بالمنشفة المبللة وتقول:- 

-هحضرلك هدوم نضيفة 

تبسمت بإشراق وهى تستدير لتراه يقف على الدرج متكأ بذراعه على درابزين السلم الحديدى مُبتسم بأشراق عليها فقال:- 

-أيه الصباح اللى زى الفل دا والله يومي ضحك ليا دلوقت 

تبسمت وهى تقترب منه وقالت بعفوية:- 

-صباح الخير  

وقف أمامها قبل أن تدخل لدورة المياه وقال بهمس:- 

-أيه اللى جابك؟ 

نظرت على والدته ثم قالت بهمس خافت:- 

-لسه مصرة أنى مش هتجوزك، أقنعها أزاى 

قهقه ضاحكًا عليها ثم قال:- 

-وااا أنتِ لسه مُصرة، أنتِ خايفة تتجوزنى من وراء أهلى ولا أيه، متخافيش مهجبلهمش العار 

ضربته على صدره بقبضة يدها الصغيرة وقالت بأغتياظ:- 

-أنت جاي تغيظنى وعاوز تتعض 

أتسعت عينيه بدهشة من هذه الفتاة العنيفة وقال:- 

-وااا واا عض مرة واحدة هو أنا بحب زومبي ولا أيه؟ 

كزت على أسنانها بغيظ منه وقالت:- 

-زومبى أنا زومبى أن كان عاجبك  

أقتربت منها خطوة لتنظر له بخجل وتوردت وجنتها بحياء وهى تستمع لحديثه يقول:- 

-أحلى زومبى والله وعاجبنى  

تنحنحت بلطف ثم دفعته بساعدها على صدره وقالت بتلعثم:- 

-أبعد كدة عشان الأكسجين  

وضع يده على رأسها فوق حجابها ثم قال:- 

-جد عجلة الأصبع ولسانك أطول من برج القاهرة ولماضتك محليكى يا ليلى  

تبسمت بخجل من حديثه رغم عفويته لكنه يجعل ضربات قلبها تتسارع فرحجًا وشعورًا بالأمان والسلام بوجوده، أخذها معه للخارج تاركًا والدته مع خادمتها، سار بجوارها ثم أخذ ذراعها في يده ليجعلها تسير بالداخل وهو على حافة الطريق لتبتسم بسعادة على فعلته فقال:- 

-أتحددتي وي صاحبتك 

أجابته بجدية قائلة:- 

-مش محتاجة أتكلم معها هى رفضت تقديم النشرة وأخترت سعادتها مع نوح 

سألها “عطيه” بنبرة هادئة:- 

-لو كنتِ مكانها كنتِ هتختاري تهملنى أهنا؟ 

نظرت له وهو يسير جوارها وينظر للأمام ثم مسكت طرف عباءته مُتوقفة عن السير فنظر إليها بدهشة، تحدثت بنبرة جادة:- 

-أنا مش هسيبك ولا هختار أي حاجة غيرك، أتاكد يا عطية لو خيروني بين أي حاجة في الدنيا وبينك هختارك  

تبسم إليها ثم نظر إلى يدها التي تمسك طرف عباءته فمد يده الأخرى ليأخذ يدها في قبضته وقال:- 

-أما أنا عمرى ما ههمل اليد دى واصل  

تبسمت إليه وأكملت السير معه متشابكان الأيدى.. 

___________________ 

دخل الطبيب “نادر” إلى الغرفة وكانت “فاتن” جالسة على المقعد بجوار ابنتها الغائبة عن الوعى مُنذ أسبوع ولم تستفق بعد، فحصها “نادر” جيدًا ثم غادر الغرفة لتعود “فاتن” للجلوس جوار أبنتها ففتحت “أسماء” عينيها بتعب، وقفت “فاتن” من مقعدها وأقتربت إلى ابنتها بحماس وسعادة تقول:- 

-أسماء.. أنتِ سامعاني أنا ماما  

تبسمت بحماس وركض للخارج تبحث عن الطبيب ثم عادت مع “نادر” وكانت “أسماء” فاقت من وعيها تمامًا فحصها “نادر” وفحص نظرها جيدًا وكانت بحالة جيدًا لتقترب “فاتن” منها قائلة:- 

-حمد الله على سلامتك يا حبيبتى 

-أنتِ مين؟ 

قالتها “أسماء” بغربة من هذه المرأة التي تتشبث بيديها بقوة وكأنها تفجر القنبلة بوجه والدتها فهى جسديًا جيدًا وسالمة لكنها لم تتعرف على والدتها، نظرت “فاتن” إلى “نادر” بقلق وقالت وهى تشير على جسدها:- 

-أنا ..أنا أمك يا بنتى كيف متعرفنيش 

أخذتها الممرضة للخارج وأكمل “نادر” فحصه لها ثم خرج إلى “فاتن” لتسأله بهلع:- 

-جرا أيه يا دكتور بنتى مالها؟ 

-للأسف يافندم بنت حضرتك مش فاكرة أي حاجة من حياتها ولا حتى أسمها وسنها  

أتسعت عيني “فاتن” على مصراعيها ونظرت على الغرفة بصدمة قاتلة لما حدث بأبنتها... 

___________________ 

وقفت “عهد” من مكانها بعد أن سمعت الخبر وقالت بتعلثم غير مصدقة ما تراه:- 

-فقدت الذاكرة!! 

أجابتها “ليلى” بجدية تقول:- 

-يمكن دى رحمة ربنا بقلبها عشان تنسي حبها المؤذي، يمكن النسيان هو السبيل الوحيد للنجاة عشان تعيش حياتها طبيعية 

نظرت “عهد” من الشرفة للحديقة شاردة بما تسمعه ثم قالت:- 

-ممكن فعلاً 

__________________ 

خرجت “تاج” من المنزل ليلًا مُتسللة دون أن يراها أحد وتلف حول رأسها الملس حتى لا يرى أحد وجهها وتتلفت حولها بخوف مُحذرة من عيون الناس حتى وصلت لملجأ الغجر ودلفت بأحد الخيم ثم رفعت الملس وقالت بجدية:- 

-عملتى أيه؟ 

أخرجت السيدة العجوزة صرتها زجاجة صغيرة ثم اعطتها إلى “تاج” وقالت:- 

-خدي..بس خدي بالك يا بتى لازم تشربها في ليلة البدروإلا السحر يبطل وميشتغلش واصل 

أخذت “تاج” القارورة منها بحماس ثم سألت بجدية وفضول:- 

-أنتِ متوكدة أن لو شربتها هتسجط الطفل 

أجابتها هذه السيدة الساحرة:- 

-أطمني ميكبرش عيل في دار الصياد غير عيلك أنتِ 

تبسمت “تاج” بسعادة ماكرة ثم غادرت مُتسللة ولم تنتبه إلى الراجل الذي تسير خلفه مترصدها 

___________________ 

أستيقظت “عهد” صباحًا وكانت بين ذراعي زوجها يطوقها بهما بأحكام وهو غارقًا بنومه العميق لم يستفيق بعد، أستنشقت الهواء في نفس عميق ثم وضعت يدها على بطنها تشعر بطفلها رغم أنه ما زال صغير جدًا لكن فكرة وجوده بداخل أحشائها تجعلها تولد من جديد كل يوم تستيقظ به وهو بصحبتها فتبسمت ورغم أن ما زال شهور أكثر مما مرت لكنها تتلهف لرؤيته وكأن صبرها نفد من الأنتظار، تبسمت بعفوية ويدها تتداعب بطنها بحركات دائرية فنظرت جوارها على رجلها النائم جوارها ثم قالت:- 

-يااا أزاى أتخانق معاك وأخاصمك وأنت بوسامتك، أنا موقفى ضعيف في أي خناقة أنا عارفة 

أتاها صوته الرجولي يُحدثها وهو مغمض العينين:- 

-دى هرمونات حمل يا عهد صح 

أتسعت عينيها على مصراعيها بعد أن سمع حديثها فقالت:- 

-أنت صاحي 

فتح عينيه بتذمر مُصطنع قائلًا:- 

-كنت نايم بس ربك رزجنى بزوجة شجية أول ما تفتح عينيها تبدأ تفكر في الخناج  

أخرجت نفسها من مُعتقل ذراعيه ووجلست على الفراش قائلة:- 

-على فكرة أنا مش ناسية خناقة الأسبوع اللى فات وأنك مصالحتنيش ولا كفرت عن خصامك ليا وخناقك معايا قدام باباك ومامتك 

قهقه ضاحكًا وهو يعتدل في جلسته على هذه الزوجة فحتى إذا انهت الموضوع ورفضت فرصة العمل لكنها تعاقبه على شجارهما وكأنه الوحيد المُخطيء بذلك، تحدث “نوح” بعفوية وهو يغادر الفراش:- 

-خلى ننسي اللى فاتت ونعتبر أنه محصلش لأن أنتِ كمان كنتِ غلطانة 

وقفت على الفراش بركبتيها مُنفعلة وقالت بعد ان وضعت يديها على خصرها:- 

-لا عندك كدة يا باشا عشان أنا كدة هتهور عليك، أنت مستكتر على نفسك وعليا أنك تصالحنى وتقولى متزعليش يا حبيبتى  

ألتف إليها وهو يدرك بأن أنفعالها ليس مُصطنع بل حقيقى وهي تلومه بالفعل وتكن الغضب داخل قلبها إليه وأقترب يقول بملل من شجارهما الذي أصبح روتين يومي في يومهما:- 

-حقك على رأسي يا عهد وأدي رأسك أبوسها كمان 

وضع قبلة على جبينها لكنها لم تشعر بالحب والدفء في كلماته أو قبلته بل شعرت بأنها يقضي واجب عليه أو ينفذ أمر صدر إليه فقالت بسخرية:- 

-مش من قلبك على فكرة 

لم يبالى بل داخل للمرحاض ليبدل ملابسه فعادت لنومها ووضعت الفراش على رأسها غاضبة، بدل ملابسه وأستعد للرحيل ونظر مرة أخيرة على الفراش ليراها تنام به فغادر الغرفة غاضبًا وأستقبلته “سلمى” على الدرج وقالت بعفوية:- 

-صباح الخير يا ولدى 

أجابها بضيق شديد قائلًا:- 

-صباحك ورد يا أمى 

مسكت فك وجهه بيديها وأدارت رأسه إليها بعد أن سمعت لهجته ونبرته الغاضبة فسألت بقلق:- 

-مالك يا ولدى؟ 

ألتف لها بضيق شديد وتوقفت قدميه عن النزول وتنهد بأختناق وقد فاض به الأمر ثم قال:- 

-هو الحمل بغير القلوب يا أمى 

تعجبت من سؤاله ورفعت حاجبيها بأستفهام لتقول:- 

-ايه اللى بتجوله دا يا ولدى 

شرع بالحديث بنبرة جادة وهو في حيرة من تغير زوجته المفاجي قائلًا:- 

-أسمع يا أمى عهد أتغيرت بجالها سبوع من يوم حادثة أسماء كان أول يوم ليها في الشهر الثالث لكنها أتغيرت مزاجيتها على طول متجلبة وتكون فرحانة وفجأة تجلب عليا زى العاصفة الرعدية وتبدأ الخناج، مثلا عشاء أمبارح أتصلت وجالت نفسها في البيتزا بالمشروم والجمبرى جبتهالها وأنا معاود جامت جالبها خناقة على رأس اللى خلفونى أنها مبتحبش المشروم وأن أنا كجوزها لازم أعرف هي بتحب أيه وبتكره أيه،  بلا دى أول أمبارح عملتلي كوباية شاى وكنا سمنة على العسل وفجأة سألتنى سؤال بريء نفسك في ولد ولا بنت جولتلها أن اللى ربنا يبعته حلو خابرة يا أمى جالت أيه؟ 

-أيه؟ 

سألته “سلمى” بدهشة مما تسمعه فقال بحدة مُغتاظًا من زوجته:- 

-دا بدل ما تجولى كلام حلو كيف مثل عاوز بنت كيف الجمر زى أمها ولا تتغزل فيا 

تبسمت “سلمى” بخفوت وهى تحاول كبح ضحكاتها أمام غضب أبنها ليقول:- 

-فعلاً هم يضحك، لو الحمل اللى عامل فيها أكدة جولولى وأنا أبجى عارف وأستحمل 

ضحكت “سلمى” عليه وهى تربت على كتفه وتقول:- 

-طب ولو مش الحبل هتطلجها مثلا 

نفض عباءته بأغتياظ اكبر فهو عاشقًا لا جدوى من الشكوى وقال بعد أن بدأ بالنزول من جديد:- 

-لا هستحمل برضو ما أنا بحبها ومجدرش على فراجها ولا زعلها  

نزلت “سلمى” خلفه وقالت:- 

-أسمع يا ولدى حقيقة أن الحبل بيغير في مزاجية الست دا حقيقى، خصوصًا أول ثلاث شهور، متنساش يا نوح أن الحمل في الشهور الأولى على طول مسبب للأم التعب ومرتك جسمها ضعيف ودا حسب كلام الدكاترة والحكماء، وأنا فيك يا نوح مش كنت بتخانق مع أبوك بس دا انا كنت بتخانق مع كل بت يجبها تشتغل في الدار وأطردها جبل الظهر لحد ما جاب حُسنة، ههههه دا أنا أتخانجت وياه عشان لبس عباءة سوداء عادى جولتله أنت بتفول عليا بالموت وكان يوم ميتنسيش 

تنهد “نوح” بضيق شديد وقال:- 

-إحنا الله يجوينا عليكم والله، طلعها فطار يا أمى والنبى لأحسن هي عاملة غضبانة ومهتنزلش واصل 

أومأت له بنعم فغادر المنزل ذاهبًا إلى عمله 

____________________ 

كان “خالد” جالسًا في السجن مع والده ليقول “حمدي” بضيق:- 

-حتى همام ولد الكلب اللى لحم كتافه من خيرى غدر بيا، جولتله يهربنى من هنا ويأخد اللى عايزه من السلاح بس الواطي الخسيس طمع في شحنة السلاح كلها لنفسه وهملنى أهنا  

تحدث “خالد” بغضب شديد يقول:- 

-مش وقته دلوجت له وجت وهنخلص منه هو ورجالته كلتها المهم طمنى عليك 

أجابه “حمدي” باستياء شديد ممزوج بالقلق هاتفًا:- 

-مالكش صالح بيا طمنى خيتك عاملة أيه دلوجت 

-لسه في المستشفى مفكراش حاجة واصل وأمى بعتتلك الزيارة ويايا صحيح عشان معرفاش تهمل أسماء لحالها دلوجت 

نظر “حمدي” للأمام بحزن على حال ابنته وقال مُتمتمًا:- 

-يعنى فجدت الذاكرة كيف ما بيجولوا 

أومأ “خالد” له بحزن، رفع “حمدي” نظره إلى ابنه بعد أن نظر حوله بتوتر وقال بنبرة هادئة:- 

-طمنى عملت أيه في اللى اتفجنا عليه 

-أطمن تاج ماشي حسب الخطة وجربي جوي هسمعك الخبر اللى يفرح جلبك 

تبسم “حمدى” بمكر شيطاني وقال:- 

-يا ما نفسي أشوف اليوم اللى نوح يتكسر جلبه وضهره بس ملحوجة تتعوض لما يخسر ولده 

مسك “خالد” من ذراعه بقوة وقال بحر:- 

-دار الصياد مينفعش يكبر فيها ولد حد غيرك، نوح مينفعش يبجى له نسل 

أومأ “خالد” له بجدية صارمة وقال:- 

-متجلجش نسله أنا هجطعه من الدنيا من جبل ما يطلع، ولد نوح ما هيخرج من بطن  أمه حي طول ما أنا عايش ..... 

 يتبع 
                 الفصل السابع من هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close