رواية الماضي الملوث الفصل التاسع عشر19والعشرون20 بقلم داليا السيد


 رواية الماضي الملوث الفصل التاسع عشر19والعشرون20 بقلم داليا السيد


دمار
الشرطة ملأت المكان والاسعاف تتحرك بجسد لويس وكارين التي وصلت بحالة من الذعر لا تتركه والدموع تصاحبها بينما التف رجال الشرطة حوله محاولين إيقاف غضبه المتفجر على كل من حوله دون جدوى وقد انخلع قلبه من صدره عندما لم يجدها حوله غير مصدق أنها ليست معه..
هاتفه رن وسط الزحام فأخرجه ليسمع صوتا غريبا يقول "تعالى لتحصل على زوجتك، وحدك"
ابتعد من وسط رجال الشرطة ورجاله الخاصة وقد انتبهت كل خلية منه للصوت الذي يتحدث وقال "من أنت؟"
ضحكة ساخرة مرت عبر الهاتف ثم هدوء غريب تبعه الصوت "عندما تأتي ستعرفني"
أصابعه قبضت على الهاتف بقوة وهو يقول "ماذا تريد؟"
كان يحاول أن يكون هادئا رغم النيران التي بداخله والرجل يقول "عندما تأتي سأخبرك"
رفع رأسه وهو لا يفهم شيء ثم قال "المكان؟"
قال الرجل "أرسلت لك الموقع، البحر هنا رائع وزوجتك تجيد السباحة ولكن ماذا لو كانت بساق واحدة ويدين مقيدتين؟ أسرع ولا تتأخر"
وأغلق الخط فاندفع لسيارته دون اهتمام بالرجال التي كانت تناديه وقاد السيارة بجنون لم يتراجع عنه وهو يتخيلها بالبحر وحدها وساقها غير موجودة وهي لم تفعل من قبل فجن جنونه أكثر وهو يقود بالطريق الجبلي فداس على البنزين أكثر والطريق متعرج وخطر ولكنه لم يهتم بل كان كل تركيزه بالمرأة التي يحيا من أجلها..
فتحت عيونها على نسمات هواء باردة تصفع وجنتها وشعرت بشيء ناعم تحت جسدها وعندما استعادت كامل وعيها أدركت أنها رمال البحر من صوت أمواجه التي وصلت لأذنها ورائحة اليود التي اخترقت أنفها، كان الغروب قد وصل وهي تحاول أن تعتدل ولكنها وجدت ذراعيها مقيدتين بالخلف كما اكتشفت أن ساقها الصناعي ليست بمكانها حاولت أن تلتفت لترى ماذا يحدث حولها ولكن صوت جهوري قال بالعربية 
"لا داعي للحركة مدام، وضعك هكذا أفضل"
التفتت برأسها لترى رجلا يتقدم من خلف رأسها ووجه مقنع فقالت بفزع "من أنت؟ ماذا تريد مني؟"
ضحك بصوت مرتفع وقال "منكِ؟ لا شيء، من زوجك؟ نعم بالطبع"
ضاقت عيونها وقالت "زوجي!؟"
جلس على الرمال أمامها وقال "نعم زوجك، الرجل الذي تظنين أنه ملاك"
شعرت بأنها تعرف الصوت أو سمعته من قبل ولكن لا تذكر، قالت بخوف يسكنها "ماذا تريد منه؟"
قال بنبرة ألم "حقي"
لم ترد للحظة ثم قالت "أنت مصري؟"
قال بهدوء "بالتأكيد ألا أتحدث العربية بطلاقة؟"
لا تعلم لماذا تذكرت كلماته عن والده وعائلته فقالت "أنت من أقرباء زهير؟"
صمت أجابها عندما عبثت يداه بالرمال لحظة ثم عاد وقال "ربما، دعي التفاصيل بعيدا فلا داعي لها"
ولكنها لم تستسلم وقالت "بل أريد أن أعرف أنت تتحدث عن زوجي"
ضحك بسخرية وقال "الملاك؟"
قالت ببرود "ليس هناك ملائكة هنا، هل تتحدث؟"
نظراته الواضحة من القناع كانت حادة وهو يقول "أنتِ شُجاعة مدام، هل أخبرك شيء عن ماضيه الملوث؟"
قلبها دق بقوة وتساءل عقلها هل هناك أشياء أخرى عنه لا تعرفها؟ قالت بثقة غير حقيقية "بالتأكيد"
نهض مواجها البحر وقد حل الظلام بعد ذهاب الشمس ورحليها لعالم آخر وسكن القمر بمكانه مخلفا هالة كبيرة من الضوء من حوله، سمعت الرجل يقول "لم أظن أنه يملك الشجاعة ليفعل، ورث من أبوه النذالة والجبن وسوء الأخلاق من أمه الراقصة التي من أجلها سرق أبوه كل شيء"
تأكدت من أنه أحد أقرباء زهير فقالت "وأنت تعاقبه على أفعال والديه؟"
التفت لها والغضب حل بعيونه وهتف بقوة "لأنه يستحق"
قالت بقوة "لماذا؟"
اقترب منها وقال "لأنه أكمل نفس الطريق مدام، رفض إعادة الحقوق لأصحابها وأهان كل من طالب بحقه وطردهم، هل تفهمين معنى أن يتطاول شاب لم يتعدى العشرين على عمه ويرفض منحه حقه ويطرده بالخارج"
لم تعرف ردا مناسبا ولكنها قالت "لم يكن من السهل عليه تضييع ما تعب ببنائه هكذا"
صرخ بها "ليس من حقه"
تراجعت من صراخه وهو ينحني عليها وعيونه تنبض بالشر حتى ارتجف جسدها ولم ترد فاعتدل وقال "هي أموال ليست له بالأساس، كان عليه أن يعيد الحق لأصحابه، كان عليه أن يقف بجوار عمه عندما طلب منه الأموال، هل تعرفين سبب طلبه للأموال؟"
هزت رأسها بالنفي فالتف وقال بنبرة مختلفة "أمي كانت مريضة وبحاجة لجراحة كبيرة والجراحة بحاجة لأموال"
ثم التفت لها وقال بنفس النبرة التي احتوت على الألم والحزن "لم يهتم، زوجك قال أن الأمر لا يعنيه ولا يخصه مداواة أحد لا يعرفه"
لم ترد وهي لا تجد كلمات تجيب بها عليه ولكنه أكمل "وماتت، رحلت لأننا لم نستطع توفير الأموال لها وبعدها مرض أبي حزنا عليها واستمرت حالته كثيرا ويأسنا من إيجاد علاج له وهو لم يكن يهتم بالبقاء بعد موت أمي"
مرت الأفكار على ذهنها وقالت "وأردت الانتقام"
عيونه التقت بها ونزع القناع فلم يعد له داعي فقد عرفت من هو وما أن فعل حتى تذكرته فهو نفس الرجل الذي بلغها بزواج زهير السابق، قال "الانتقام كلمة لا تعني شيء بالنسبة لما كان يجول داخلي وقتها"
رن هاتف الرجل فابتسم وقال "زوجك يهاتفني"
أجاب قائلا "تأخرت"
كان زهير بمنتصف الطريق لهم وقد تملكه الخوف عليها فهتف "أريد أن أسمع صوتها لأتأكد أنها معك"
ضحك الرجل وقال "هي هنا وتستمتع بالتواجد معي أليس كذلك مدام؟"
هتفت بصوت مرتفع "زهير، زهير أنا بخير"
زادت قبضته على الهاتف وصرخ بقوة "بريهان، بريهان أنا قادم حبيبتي، بريهان لا تخافي"
ضحك الرجل وقال "حبيبتك!؟ يا لها من كلمة غريبة على لسانك زهير فأنت لم تعرف الحب ولا الرحمة بأي يوم"
عيون زهير تصلبت على الطريق المظلم وقال "متى ستخبرني من أنت؟"
ضحك الرجل وقال "لماذا تتعجل الأمور؟ عندما تصل سنتعارف جيدا وسيحصل كل واحد على حقه"
وأغلق الهاتف فتملك زهير الغضب وضرب المقود بيده عدة مرات بقوة وهو يهتف من داخله بقوة "لن أرحمك لو أمسكتك أيها الجبان، أقسم ألا أرحمك"
ووجد نفسه على مشارف منحدر خطير فضغط على الفرامل ولكن فجأة وجدها لا تعمل عاد وضغط مرات وهو يدور على المنحدر الخطر دون أن تعمل الفرامل وقد أدرك أن الفرامل توقفت عن العمل، جذب فرامل اليد ولكنها أيضا لم توقف السيارة أو تقلل من السرعة، اعتدل ويداه الاثنان تقبض على المقود وهو يفكر بالمصير الذي سينتهي إليه ومرت حياته السيئة أمامه بتلك اللحظة ولم يجد بها شيئا صالحا يشفع له بعد الموت وبالتأكيد هذا هو المصير الذي يستحقه..
أغلق الرجل الهاتف وصرخ قائلا "أي حب الذي يتحدث عنه؟ أمثاله لا يعرف عن المشاعر أي شيء لذا أنا لن أرحمه ولا أنتِ"
ثم انحنى تجاهها حتى كاد يلمس وجهها وهتف "لو تأخر لن يجد حبيبته بانتظاره، وحتى لو وصل لابد وأن يراكِ وأنتِ تنتهين أمامه كي يشعر بالألم الذي شعرت به وأنا أرى من لي يموتون أمامي"
بالرغم من الخوف الذي تعالى داخلها إلا أنها كانت تؤمن بزوجها وأنه سيأتي من أجلها لن يتركها ولن يتخلى عنها مهما حدث ومع ذلك لم ترد وكأن هناك بعض القلق من ألا يأتي 
تحرك الوقت ببطء شديد والرجل يتحرك بلا هدى فقالت تخفي توترها أو تشغل ذهنها "أنت السبب بموت ياسمين أخت زهير؟"
التفت لها ولولا الظلام الذي عم حولهم لرأت ابتسامته الساخرة وهو يقول "وهل لديكِ شك بذلك؟ ربما لم أقصد موتها ولكنها كانت هذيله وضعيفة ولم تتحمل فماتت"
تألمت للفتاة وقالت بغضب "لم يكن لها أي ذنب"
جلس على الرمال وقال "ذنبها أنها أخته وابنة الراقصة التي تزوجها أبوه وسرق مالنا بسببها كما هو أنتِ زوجته ومن سيتألم من أجلها"
كانت تريد أن تعرف كل شيء فقالت "والطلق الناري؟"
ضحك وقال "هو حقا أخبرك بكل شيء! ليست خطتي ولكن زوجك له أعداء أخرى مدام، ميريت زوجته السابقة مثلا"
اتسعت عيونها وهتفت "لا!؟"
قال بإصرار "بل نعم مدام، ميريت كانت تريد موته كي ترث أموال، وقتها كان موت أبي هو ما جعلني أسعى خلفه مرة أخرى، أنا كنت قد اكتفيت بموت ياسمين ولكن موت أبي جلب لي كل الغضب وتملكتني رغبة بالانتقام منه مرة أخرى وعندما تابعت أخباره عرفت بأمر زواجه وميريت كانت جاهزة للتعاون وأموالها ساعدتني كثيرا وهي سبب الطلق الناري"
نظر لساعته وهتف "أين ذهب؟ كان من المفترض أن يكون قد وصل هنا"
تسرب القلق لقلبها وهي تراه يخرج هاتفه ويضغط عليه ولكنه قال بغضب "الهاتف مغلق، زوجك تخلى عنكِ مدام، لن يأتي، هل تصدقين الآن أنه جبان وأناني"
الدموع تكورت كثيرة بعيونها وقالت "لا، زهير ليس جبان، زهير لا يهرب أبدا من المواجهة ولن يتركني أنا أعلم ذلك"
نهض الرجل وقبض على ذراعها وقال بغضب "من الواضح أن حبك ليس في محله، ليس هو الرجل الذي يستحق ولا أنتِ تستحقين الحياة وسأجعله يتألم غصبا عندما يدرك أنه فقدك للأبد وليس لعام واحد كالمرة السابقة"
جذبها بقوة من ذراعها للبحر فصرخت "اتركني، النجدة، النجدة"
ضحك بجنون وقال "اصرخي كما شئتِ فلا أحد يعبر من هنا، المكان مهجور كما تلاحظين" 
وظل يجذبها حتى ضربتها المياه الباردة للبحر ولكن صوت خشن تعرفه جيدا أوقفه وهو يقول "محمود، اتركها هي لا دخل لها بما يحدث"
ولكن الرجل لم يتركها إلا بين المياه التي غمرتها وهي بالطبع مقيدة الذراعين وساقها الصناعية ليست مكانها فلم تملك أي اتزان لتقف أو تنقذ نفسها مما وقعت به وقد بدأت المياه تضربها بقوة وتسقطها دون رحمة...
السرعة كانت تزداد رغم أنه لم يضغط على دواسة البنزين والمقود أصبح خارج السيطرة والسيارة تندفع بجنون عبر الطريق الخطر على المنحدر الجبلي وبالطبع لم يجد حلا والسيارة تتجه لدوران خطير والمقود لا يستجيب والفرامل رحلت بلا عودة ولم يكن يفكر بنفسه بتلك اللحظة وإنما بها هي وقد تفقد حياتها بسببه وهي لا ذنب لها إلا أنها تزوجته فقط الدمار هو كل ما جلبه عليها وعلى نفسه بأفعاله الآثمة
أغمض عيونه وقد سلم أمره لله وهتف "أنا آسف بريهان"
وفتح عيونه مستسلما لمصيره الذي يدرك أنه يستحقه لكن هي لا، لا ذنب لها لأن تعاقب على شيء ليس لها دخل به...

الفصل العشرين
خطف
ابتلعت الكثير من المياه المالحة الباردة مما أحرق صدرها وبدأت أنفاسها تنقطع بالطبع وهي تحاول فك يداها وما زال جسدها يغوص بالمياه والأمواج تضربها بقوة وتجذبها للداخل ولكن فجأة وجدت يدا قوية تجذبها للسطح بقوة 
شهقت بصعوبة عندما التقى وجهها بالهواء وسعلت بشدة كي تطرد المياه التي ابتلعتها وشعرت بذراعين قويتين تحملها لتخرجها ولكن ليست ذراع زوجها ولا دقات قلبه ولكن شخص ما أنقذها من الغرق الأكيد
عندما وضعها الرجل على الرمال سعلت كثيرا لتخرج المياه والصوت الذي تعرفه يقول "أخرجي المياه بيري، لا تخشي شيء أنتِ بأمان"
وأخيرا استعادت نفسها وفتحت عيونها لتواجه هاري الذي تفاجأت به منذ سمعت صوته ولم تفهم سبب وجوده هنا وكيف وصل لها وأين ذهب محمود؟ 
ارتجف جسدها من البرد وما زال هاري يحيطها بذراعيه وهي تستند على صدره فقالت وأسنانها تصطك ببعضها البعض "ماذا تفعل هنا هاري؟ كيف عرفت بمكاني"
لم ترى وجهه وهو يقول "ليس هذا وقت التساؤلات بيري دعينا نذهب من هنا"
ولكن صوت محمود عاد مرة أخرى بقوة "لا، هي لن تذهب قبل أن آخذ حقي هاري"
ساعدها هاري على الجلوس ونهض مواجها محمود الذي كان يمسح وجهه بظهر يده من الدماء وهاري يقول "ابتعد عن بريهان محمود، هي لا دخل لها بما يحدث"
اقترب محمود من هاري وعلى ضوء القمر لاحظت الدماء التي تنزف من فمه وقال "وماذا هاري؟ أنا لن أرحل خالي الوفاض، هو لم يأتي وفر مني لذا لابد أن يدفع الثمن وهي الثمن"
ظل هاري بمكانه وقال بهدوء "أخبرتك ألا دخل لك بها حسابك معه هو"
هتف محمود "لماذا تعترض الآن وأنت من وضع الخطة من الأساس"
شهقت هي بعدم تصديق وهتفت "لا"
صرخ هاري بالرجل "محمود كفى"
ولكن محمود قال "وإلا ماذا؟ لا هاري لن أتركك تفوز، مدام، هاري هو من دبر كل ذلك و"
لم يكمل وصوت طلق ناري صم الآذان ينطلق لمحمود الذي وضع يده على جسده وعادت هي تشهق مرة أخرى بفزع ورعب وتضع يداها على فمها ورغم الظلام إلا أنها رأت الدماء تنزف من تحت يد محمود الذي تهاوى على الأرض بينما تحرك هاري تجاهها فصرخت
"ابتعد عني"
ولكنه لم ينتظر وهو يحملها ويسرع بها بعيدا عن الرمال وهي تصرخ به كي يتركها حتى وصلا لسيارة تقف بجوار سيارة أخرى ووضعها داخلها وقال "توقفي عن الصراخ بيري فلن يسمعك أحد"
ولم يمنحها فرصة وهو يخرج شريط لاصق من تابلو السيارة ويضعه على فمها وهي تقاومه بوجهها دون جدوى ثم تحرك وركب بجوارها وهو يقول "آسف بيري لم أكن أريد أن تصل الأمور لهذا الحد ولكن هذا الغبي اضطرني لذلك"
نظرت له والدموع تنساب دون توقف وتريد أن تعرف ما الذي يحدث حولها وما دخل هاري بكل ذلك، ذلك اللاصق على وجهها جعلها تشعر بالاختناق وجسدها ما زال يرتجف من البرد بسبب البلل فشعرت بالضعف يجتاحها من كل ما يحدث، أرجعت رأسها للخلف وأغمضت عيونها واستسلمت للظلام من حولها دون رغبة بمواجهة الواقع من حولها ويكفيها أن زوجها، الرجل الذي أحبته ولم تحب سواه لا تعرف عنه شيء ولا تريد أن تصدق أنه تخلى عنها 
لم تعرف كم طال الوقت وهي بذلك الظلام ولكن عندما عاد النور لها كانت عيونها ترى مكان غريب، غرفة نوم واسعة وأنيقة ونافذة كبيرة تواجها، بجوار الفراش جلست فتاة عشرينية ترتدي رداء أبيض عرفت أنها ممرضة
حاولت أن تتذكر ماذا حدث ولكن آخر ما تذكره هو هاري وسيارته، عادت نظراتها للفتاة التي تنظر للهاتف وقالت "أين أنا؟"
انتفضت الفتاة على الفور واقفة ودست هاتفها بجيب الرداء ونظرت لها بعيون بنية وقالت "مدام، الحمد لله على عودتك"
اندهشت وحاولت أن تنهض وهي تقول "عودتي!؟ ماذا حدث؟"
ساعدتها الفتاة على الجلوس وهي تقول "كنتِ مريضة جدا مدام لعدة أيام وحرارتك كانت مرتفعة جدا وبالطبع الطبيب كان يظل بجوارك بالساعات تبعا لأوامر السيد"
شعرت بدوار طفيف ولكن سرعان ما رحل وهي تستجمع قوتها وقالت "السيد؟"
هتفت الفتاة "سيد هاري، سأهاتفه ليأتي لقد كان يجلس بالساعات بجوارك ليطمئن عليكِ"
لم تفهم سبب وجودها هنا، لماذا لم يعيدها هاري للمزرعة أو حتى، أو حتى ماذا؟ هي حتى لا تعرف ماذا فعل زوجها وأين هو ولماذا لا يبحث عنها؟ 
لم تعترض على الفتاة وهي تتصل بهاري وتخبره بحالتها ولكن عقلها كان شاردا بزوجها وهاري وأسئلة كثيرة لا تجد لها أي إجابات..
ساعدتها الفتاة على تناول الطعام بعد أن نزعت المحاليل من ذراعها ثم نهضت وأخذت حمام وبدلت ملابسها وأخيرا قالت "ماذا أصابني بالضبط؟"
قالت "ارتفعت حرارتك لدرجة خطر نتيجة ملابسك المبللة وكنتِ مصابة بصدمة كما قال الطبيب"
كانت تريد أن تسألها هل عرف الطبيب بالحمل ولكنها تراجعت دون سبب والغريب أنها وجدت ساقها الصناعي ردت لها ولكنها لم تستعيد عافيتها بعد وبالعصر دق بابها فأذنت لترى هاري يدخل بابتسامة مشرقة على وجهه وهو يقول 
"بيري حبيبتي لم أصدق جي جي عندما أخبرتني بعودتك"
كانت تجلس على مقعد وثير أمام النافذة وروب سميك يحتوي جسدها النحيف، نظرت له وقالت بهدوء "الحمد لله، ماذا حدث لي هاري؟ وكيف عرفت مكاني وما دخلك بكل ذلك؟"
جلس أمامها بنفس الابتسامة الباردة وقال "ما كل هذه الأسئلة بيري؟ ألا تدعينا نحتفل أولا بسلامتك؟"
ضاقت عيونها وحاولت ألا تثير العديد من الظنون به فقالت "لماذا أنا هنا؟"
ذهبت ابتسامته وقال "وأين من المفترض أن تكوني؟"
رفعت وجهها بدهشة وقالت "ببيتي هاري، المزرعة"
حدق بها لحظة ثم نهض وتحرك للنافذة وقال "تعلمين أنه تخلى عنكِ فكيف تريدين العودة له؟ أخبرتك أن الزواج والاستقرار ليس لعبته"
قالت دون تفكير "هذه حياتي هاري وهي تخصني أنا وليس من حق أحد التدخل بشؤوني"
التفت لها ولمعت عيونه بغضب مكتوم وهو يقول "أنا لي كل الحق بيري"
اندهشت ورددت "أنت؟ من منحك ذلك الحق هاري؟"
أشاح بيده وقال بنبرة غاضبة "حبي لكِ بيري"
نهضت ووقفت أمامه رغما عن ضعفها وقالت "لا هاري مشاعرك خاصة بك لا تلزم أحد سواك ولا تمنحك أي حقوق بحياتي ونحن متفقين أن حبك لي لا مكان له هاري"
اقترب بنفس الغضب وهو يقول "لأنه ظهر بحياتك وسرقك مني ورغم ما فعله بكِ عدتِ له مرة أخرى وها هو يتخلى عنكِ أيضا فهل تظنين أني سأعيدك له؟ لا بيري هو ليس جدير بكِ"
تراجعت من كلامه وقالت "كيف عرفت ما فعله بي؟"
لم يتراجع من أمامها وهو يقول "أنا أعرف عنكِ كل شيء بيري لذا هو لابد أن يخرج من حياتك للأبد"
صرخت به بغضب "لا، ليس أنت من يصدر الأحكام هاري ولا القرارات أخبرتك أنها حياتي ولا شأن لك بها، أعدني لبيتي هاري فلا مكان لي هنا"
ولكنه قبض على ذراعها بقوة وقال "لا بريهان، لن تذهبي لأي مكان، هذا هو بيتك ولن تكوني لرجل آخر بعد اليوم سواي"
حاولت الإفلات من قبضته دون جدوى وهي لا تدرك ما الذي يفعله بها وقالت بقوة "اتركني هاري ولا تنسى أني ما زلت زوجة لرجل آخر"
جذبها تجاهه وكادت تصطدم بصدره لولا أنها وضعت يداها على صدره لتوقفه وهو يقول "لن يبقى كذلك لأننا سنتزوج، لن تكوني لأي رجل سواي بريهان، لقد تساهلت معكِ كثيرا وانتظرت أن تعودي لعقلك وتدركي أن زهير ليس الرجل المناسب لكِ ولكن يبدو أنه أفقدك عقلك لذا أنا من سيدير الأمور بعد الآن"
دفعته بعيدا وقالت بقوة وغضب واضح بعيونها "أنت من فقد عقله هاري، أنا لن أتزوجك لأني متزوجة بالفعل، أنا أريد العودة لبيتي هاري"
الشرر تطاير من عيونه وهو لا يتوقف بكلماته " أخبرتك أن هذا هو بيتك ولمعلوماتك نحن لم نعد بسيدني نحن بقارة أخرى تماما ولا مكان لكِ سوى هنا ولو فكرتِ بالخروج من البيت لن يكون جيدا لكِ"
وتركها وذهب وهي لا تنظر حتى له وإنما تحدق بالفراغ من حولها وهي تستوعب ما يقول، قارة أخرى؟ كيف؟ وزوجها وحياتها وأهلها؟ ليث، نعم لابد أن تصل له، أين هاتفها؟ 
استدارت حول نفسها بالغرفة تبحث عن هاتفها وبحثت بكل مكان ولكن بلا فائدة، ملابسها موجودة، كل أشيائها الخاصة موجودة إلا هاتفها ولا حتى هاتف أرضي، أسرعت للباب لتفتحه وتخرج من هنا بحثا عن مهرب ولكن الباب كان مغلق من الخارج
تراجعت وعيونها تمتلئ بالفزع والخوف مما يحدث لها، هاري خطفها، نعم هذا هو التفسير الوحيد لما هي فيه الآن، وزهير ألا يسأل حتى عنها أو عن مصيرها؟ لا يمكن أن يتركها هكذا أبدا، لا، بالتأكيد هناك شيء منعه عنها هي أدركت مؤخرا أن زهير تبدل لشخص آخر وأصبح يحمل مشاعر لها، لقد سمعت دقات قلبه واعترف أن قلبه يدق لها واعترف أنه عاد للحياة الطبيعية بسببها، ليس بالضرورة أن يكون ما يحمله لها حب ولكنه يريدها وربط مصيره بها وترك حياة الفساد من أجلها، هي تصدق أنه لم يعد يعرف امرأة سواها، هي كزوجة تدرك ذلك، هو كان معها بكل الأوقات، لا يمكن أن يتخلى عنها الآن وهي تحمل ابنه، وريثه كما قال، هو أراده مثلها، لا، لن يتركها، زهير أين أنت؟ لماذا تركتني؟ لن تكون لرجل آخر، لا هاري ولا أي رجل سواه، هي لا تريد إلا ما يريده قلبها وقلبها لا يريد إلا زهير
تحركت للفراش وسقطت عليه والدموع تنهال بغزارة وهي لا تعرف ماذا تفعل عندما يعود هاري فستخبره بذلك ولن تطاوعه بأي شيء ولو دفعت حياتها ثمنا فلن يكون أي رجل آخر والد لطفلها سوى زهير..
الصباح كان بعيدا جدا والليل طويلا بلا نهاية وقد رفضت العشاء ولم ترى هاري مرة أخرى، بالسابعة غفلت عيونها وعندما استيقظت كان على صوت دقات الباب وقد رحلت الممرضة لأنها لم تعد بحاجة لها، دق الباب مرة أخرى فأجبرت نفسها على الاعتدال وقد انتصف النهار بالخارج وقالت
"ادخل"
فُتح الباب ورأت الخادمة تدخل وتقول "مساء الخير مدام، سيد هاري يسأل هل يمكنك النزول للغداء؟"
كادت تنطق بالرفض ولكنها أغلقت فمها للحظة وتمكن عقلها من التفكير، ربما عليها أن ترى ما حولها وتعرف أين هي وماذا يخفي هاري عنها؟ فتحت فمها وقالت "سأبدل ملابسي وأنزل"
عندما فتحت الباب فزعت وتراجعت عندما رأت رجلا عملاقا بملابس رسمية يقف بجوار باب غرفتها التفت لها بمجرد أن فتحت الباب وقال "تفضلي مدام، من هنا"
أشار لها بيده فاستعادت نفسها وأدركت أن هاري ليس الرجل الذي كانت تعرفه، تحركت حيث أشار لها وسمعته يتبعها للأسفل وهي تتأمل كل ما حولها فالبيت بدا قديم وليس حديث وكل شيء به لا يدل على الحداثة، السلم انتهى بها على بهو استقبال كبير وباب للخارج يقف عليه رجل آخر بنفس الجسد، سبقها الرجل الذي كان يتبعها وهو يقول
"من هنا"
أشار لفتحة على شكل نصف دائرة تحركت لها لترى غرفة طعام صغيرة بمائدة لست أشخاص فقط، جذب لها الرجل المقعد فتأنت قبل أن تجلس والغرفة تبدو صغيرة ولكن فارغة من أي شيء للتجميل، جلست والرجل يكمل 
"سيد هاري يتحدث بالهاتف"
لم ترد وهي لا ترى أي نوافذ للغرفة، بالتأكيد هذا ليس بيت هاري فهو يملك شقة فاخرة جدا بلوس أنجلوس دعاها لها مرة بحفل خاص له وهي تعلم أنه يحب مظاهر الثراء
فزعت من صوت هاري الذي دخل وقال "سعيد أنكِ قبلت الغداء معي"
لم تنظر له وقالت "ليس هناك داعي للبقاء سجينة بالغرفة"
جلس على رأس المائدة وعيونه عليها وهو يقول "سجينة!؟"
رفعت نظراتها الغاضبة له وقالت "وماذا يسمى قفل الباب من الخارج هاري ووضع رجال حراسة بكل مكان؟"
ضحك ببرود غاظها أكثر وقال "لم لا نطلق عليه حماية لكِ، ألم يسبق لكِ الخطف من قبل؟"
احتدت نبرتها وهي تحاول أن تظل هادئة وهي تقول "ألم تكن خطتك؟ وأنت ماذا تفعل معي الآن؟"
دخل رجلان بالأطباق والطعام ولم يرد حتى خرجا فبدأ يتناول الطعام وقال "أعيد ما سُرق مني"
لم تتناول شيء والغضب يسيطر عليها وهي تتحدث "أنت تعلم جيدا أن لا صحة لما تقول"
ظل يتناول الطعام ببرود وهو يرد "هذا لأني كنت متسامح معكِ بيري، ظننت أن مع الوقت ستوافقين لكن هو خطفك وبأسبوع تزوجك ولم يمكنني إيقاف أي شيء"
تذكرت كلمات زهير وهي تقول "ولكنك حاولت"
رفع عيونه لها وهو يمضغ الطعام فأكملت "وقت أن أخبرته بإعاقتي، ظننت أن ذلك سيوقفه؟"
عاد للشوكة وقال "بدا وكأنه سعيد أنني لن أحصل عليكِ لذا أسرع والتف حولك وجعلك تقعين بهواه"
قالت بغضب واضح "أنت من حاول الإيقاع بيننا زهير أليس كذلك؟ أكملت لعبتك الدنيئة بإرسال صور زهير لي و..، يا الله! كيف لم أدرك ذلك؟ أنت تعاونت مع محمود أيضا هاري، جعلت محمود يخبره عن ياسمين وأني سبب موتها كي يكرهني ويبتعد عني، هاري هل فعلت بي ذلك؟ أجبني؟"
كانت تنطق بغضب وصراخ فترك الشوكة والسكين بطريقة غاضبة أثارت ضجة لم تظهر مع صوته المرتفع الذي ردد "وما الفارق بريهان؟ المهم أنه خرج من حياتك، كان عليكِ الابتعاد عن رجل مثله كل حياته عبارة عن خطأ بخطأ، لم يكن من الصواب الزواج من فاسد وسكير وزئر نساء كل يوم مع عاهرة مختلفة كان لابد أن يصفعك أحد ليعيد لكِ صوابك"
دفعت المقعد للخلف بقوة الغضب الساكن داخلها ووقفت قائلة "ومن الذي منحك الحق لتحكم على حياتي وتتصرف بها كما يحلو لك؟"
نهض هو الآخر وقد تراجع أمام غضبها قائلا "حبي لكِ بريهان تعلمين أني"
صرخت به "أعلم ماذا؟ أي حب الذي تكنه لي ويجعلك تدمرني وتدمر سعادتي؟ هذا ليس حب هذا جنون، هل ظننت أنني بعد كل ما فعلته بي وبحياتي من الممكن أن أكون لك؟ هذا أبعد من النجوم، لأني لا أريد رجل سوى زوجي ولن أكون لسواه"
احمر وجه هاري وتلونت عيونه بالسواد وهو يهتف "لقد مات بريهان، زوجك الذي لن تكوني لسواه مات، انقلبت سيارته على منحدر ولن يعود للحياة"
اهتز كيانها كله من الكلمة، مات؟ أي موت هذا الذي يتحدث عنه؟ لا، زهير لم يمت، قلبها لم يخبرها بذلك، تكورت دموع بعيونها وهتفت بصوت مبحوح "كاذب، اخرس ولا تنطق بأي كلمة أخرى"
ولكنه لم يتوقف وهو يهتف "بل سأظل أردد بريهان، زهير مات ولن يعود لكِ بل لن يعود للدنيا أبدا هل تسمعيني؟ زهير مات، مات وانتهى من الحياة"
تحركت تجاهه بدون وعي وصفعته بقوة على وجهه ثم وجهت قبضات بيداها على صدره وهي تصرخ "اخرس، زهير لم يمت، لم يمت أنت كاذب، كاذب وجبان، أنا أكرهك، أكرهك أيها الجبان"
وانهارت قواها وهو يقبض على قبضتيها وما زالت تصرخ بدون وعي وهتف بها "اهدئي بريهان، اهدئي حبيبتي"
نزعت يداها من يده وهتفت من بين الدموع "لا تقل حبيبتك، أنت لا تعرف الحب، من يحب يتمنى السعادة لمن يحبه لا تدمير حياته، أنت من دمرت حياتي وربما قتلت زوجي"
ظل صامتا وهي لا تتوقف وعادت تقول "لا، زهير لم يمت، لو مات لأدرك قلبي رحيل نصفه الآخر، زهير ما زال حي وسيأتي من أجلي وسيجعلك تدفع ثمن كل ذلك هل تسمعني؟ ستدفع ثمن كل أخطاءك هاري"
ولكنه لم يتبدل بأي شكل وهز أكتافه وهو يقول ببرود "لا أحد يعود من الموت بريهان، وستكونين زوجتي بأقرب وقت هل تسمعيني؟"
وضعت يداها على أذنها وصرخت "لا، أنا لا أسمع أي شيء ولن أتزوج أحد لأني ما زلت زوجة وزوجي سيأتي من أجلي"
الغضب ملأ عيون هاري ولكنه لم يلفظ به وهو يقول "هنا بإيطاليا لن يدرك أحد أن لكِ زوج ولا حتى أنك مسلمة، بإشارة مني سيكون لكِ هوية إيطالية جديدة تمكني من الزواج بكِ وذكريني وقتها بأنكِ كنتِ متزوجة"
تجهم وجهها وهي تستوعب كل ما يريد أن يفعله وما زالت الدموع تغشى رؤيتها ولكن العقل ما زال يعمل رغم طغيان القلب بهلعه وفزعه فقالت "أنت لن تفعل ذلك"
ضحك ببرود وقال "ومن سيمنعني حبيبتي؟"
رفعت رأسها وتحولت نظرات الهلع والغضب إلى قوة وإصرار وهي ترد وتقول "أنا سأفعل، سأموت قبل أن يمسني أي رجل غير زهير"
احمرت عيناه أكثر وقبض على ذراعها بقوة جعلتها تتألم وهو يقول بغضب "هذا لو استطاع الموت أن يقترب منكِ أنتِ لا تعرفين من أنا بريهان حاولي أن تفري مني وسيكون عذابك بلا حدود"
ودفعها بقوة كادت توقعها والتف خارجا من الغرفة ولم تعد تستطيع الوقوف على قدميها فتحركت للمقعد وجلست وهي لا تعرف إلى أين يقودها ذلك الطريق المفروش بالأشواك، زهير، لا، أنت لم تمت حبيبي، أنا أعلم أنك تبحث عني ولن تتركني وأنا أنتظرك، الموت سيكون مصيري لو فكر أي رجل أن يأخذني منك، آه زهير أين أنت؟ 
وانهارت بالبكاء وسقطت رأسها على المائدة بين ذراعيها وهي ترى نفسها تهوي بقاع حفرة عميقة لا نهاية لها ولا منقذ منها
بالطبع لم يكن أمامها غير غرفتها فعادت لها وتلك الرجال تنتشر بكل مكان داخل البيت وعلى باب غرفتها وربما بالخارج أيضا، دخلت غرفتها وتحركت بيأس لا تعرف لماذا توقف عقلها عن العمل فجأة ولا يمنحها مساعدة للخروج من هنا، تحركت للنافذة ورأت حديقة واسعة وكما توقعت كان هناك رجال كثيرة هنا وهناك فتملكها اليأس أكثر وهي تدرك أن ذلك السجن المجمل لن يمكنها الفرار منه..
بالعشاء رفضت النزول فجلبت لها الخادمة الطعام بالغرفة وتناولته لأنها لم تتناول أي شيء طوال اليوم وتذكرت حملها وأن عليها الحفاظ عليه وفكرت أن هاري ربما لا يعرف أنها حامل لذا عليها ألا تذكر الأمر أمامه ربما يحاول التخلص منه
بعد أن انتصف الليل بكثير ظلت مستيقظة وما زالت تبحث عن حل لوجودها هنا وتتمنى أن يساعدها الله فهي لن تقبل الزواج من رجل آخر وتخالف تعاليم دينها، هو ليس مسلم وهي تعلم أن زوجها ما زال على قيد الحياة لذا كل ما يحدث لها خطأ ويعلم الله أنها لا توافق عليه وأكيد سيساعدها على الخروج من تلك الأزمة 
ظلت واقفة أمام النافذة تتابع رجال الحراسة الذين كانوا يلتفون حول بعضهم والخادمة تمنحهم أكواب القهوة وتذكرت ذلك اليوم عندما كان زهير يقف مع رجال الأمن، أين كانوا وقت خطفها محمود؟ لماذا لم يمكنهم حمايتها؟ لاحظت أن الرجال ظلت وقت طويل يتحدثون ثم انفضوا كل إلى مكانه وعندما غفلت على المقعد لم تكن تعرف أنها ستكرر ذلك المشهد بالأيام الثلاثة التالية حيث لم ترى هاري نهائيا ولم تخرج من غرفتها وعقلها لا يتوقف عن التفكير بمخرج وبتلك الليلة كانت قد قررت أن تجرب شيء ما ربما ينجح..
كانت تعلم أن الرجال يتم تبديلهم بالثانية عشر، منتصف الليل ويتجمعون تحت نافذتها يتناولون القهوة ثم ينصرف كل منهم لمكانه ولأنها لم تقم بأي حركة غير طبيعية فقد كان منهم من ينام بمكانه ومنهم من يجلس مع الآخر للتدخين وتناول المشروبات، والرجل الذي كان بالقرب من نافذتها كان ممن ينام 
الشراشف كانت كثيرة تكفي حبل طويل كالذي تراه بالأفلام لكن هي ليست بفيلم بل بالواقع والسقوط من ارتفاع غرفتها يعني ضياع طفلها الذي تحيا من أجله، لكن البقاء هكذا دون حركة جدية يعني ضياعها هي وطفلها..
بالثانية بعد منتصف الليل كانت الرجال قد اختفت لأماكنها وحل الصمت ككل ليلة وسقط الرجل الذي يجلس تحت نافذتها بالنوم فألقت بحبلها الغير مضمون من النافذة وبدون تردد تسلقت خارج النافذة وبساقها السليم التفت حول الشراشف وشعرت برعب يضرب كل كيانها وهي تمسك الشراشف بيداها بقوة وقلبها يضرب بصدرها ولكن خوفها على طفلها منحها الشجاعة والقوة والإصرار على تكملة ما بدأته وهي تنزل بصعوبة وحرص على ألا تصدر أي صوت حتى وصلت للأرض
أنفاس الرجل كانت منتظمة فتحركت من جواره بهدوء ودخلت الحديقة ذات الأشجار الكثيفة فاحتمت بها حتى ترى مواقع الرجال وتبحث عن البوابة ولكن سرعان ما سمعت بوق سيارة فالتفت خلف الشجرة الكبيرة وهي ترى البوابة تفتح وتدخل منها سيارة بيضاء حديثة، ظلت ساكنة بمكانها حتى توقفت السيارة وسمعت بابها يفتح وصوت هاري يقول 
"أين باقي الرجال؟"
رد صوت آخر "بأماكنهم سيدي"
ذهب الصوت فتحركت ببطء والخوف يتملكها من أن يكشف هاري غيابها، وكأن القدر يعاندها وجعله يختار اليوم ليأتي لرؤيتها
تحركت قليلا فرأت السيارة تقف ولا أحد حولها ولم تتردد وهي تسرع لتنفيذ ما تراءى بذهنها دون تفكير بالمخاطر وأسرعت للسيارة ولم تعبأ بأن يراها أحد ونور السيارة يضيء لها وسط الظلام كما يمنحها الأمل في الخلاص ولن تتركه يضيع
لم تصدر أي ضجة وهي تركب السيارة وتعلم أن البوابة لم تغلق بعد فربما سيعود هاري للخروج لذا عليها ألا تنتظر وقد فعلت وحمدت الله أن المفاتيح ما زالت بالسيارة فأدارتها ودون انتظار ثانية واحدت رجعت بالسيارة للخلف بارتباك كاد يجعلها تصدم الرجل الذي ظهر فجأة خلفها ولكنها لم تهتم وهي تضغط على البنزين فاضطر للابتعاد وكاد يطلق النار لولا صوت هاري الذي كان يصرخ به ليمنعه وهي تسرع خارجة وربما تفر من الفيلا ولكنها لا تعلم لأين ستذهب فإيطاليا بلد لا تعرفها ولا تعرف حتى أين هي
الظلام تحول لنور عندما رأت سيارة تتبعها بأضواء عالية فزادت من البنزين وربما يلتقطها أحد رجال الشرطة للسرعة الزائدة فينقذها من ذلك المصير ولكن شيئا من ذلك لم يحدث لأن الطريق كان خالي وظلت تقود بسرعة أكثر بلا توقف وبدون هدى ولكن السيارة لحقت بها ومالت تجاهها فاصطدمت بها بقوة جعلتها تهتز وهي تصطدم بالجزيرة التي تنتصف الطريق وقاومت بصعوبة قوة المقود وأدارته بالاتجاه المعاكس لتبتعد عن الجزيرة وتبتعد عنها السيارة الأخرى وهي تضغط البنزين أكثر
وجدت نفسها فجأة وسط المدينة وعرفت بالإيحاء أنها العاصمة روما ولكن لتأخر الوقت كانت هادئة ولكنها ظلت تقود بنفس السرعة وتفر من السيارة التي تتبعها بنفس السرعة وتحاول أن تتقدم عليها كي توقفها ولكنها لا تعلم كيف استطاعت أن تحافظ على المسافة الضئيلة بينهم حتى رأت نفق من بعيد فضغطت على البنزين أكثر وتحركت باتجاهه بأقصى سرعة وبآخر لحظة غيرت اتجاهها لممر جانبي بصعوبة وهي لتحكم بالمقود حتى سيطرت على السيارة ولكن السيارة التي تتبعها لم يمكنها تفادي النفق وقبل أن يرتد صاحبها خارجا ليتبعها كانت قد اتخذت أول منحنى جانبي ثم غيره وغيره حتى شعرت أنها تاهت وسط الشوارع المظلمة فأوقفت السيارة بجوار رصيف بشارع مظلم وألقت برأسها على المقود وهي تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة 
ظلت ساكنة بمكانها وقت لا تعلم مقداره وربما شعرت بأنها كانت فاقدة للوعي ولكن بالنهاية فتحت عيونها لترى الظلام يحيط بها فتحركت ونزلت من السيارة وهي تدرك أنها لابد أن تبتعد عنها بقدر المستطاع كي لا يصلوا لها 
لم تعرف أي مكان هنا والظلام مخيف وما أن دخلت شارع آخر مظلم حتى أدركت أنها سقطت بالخطر مرة أخرى فقد بدا أنه شارع لأولئك الأشخاص الذين يشربون الويسكي والمخدرات، توقفت بمكانها وهي تحاول ألا تبدي أي صوت واتخذت خطوة للخلف ولكن أحدهم لاحظها فتحدث بالإيطالية فلم تفهم ما تقول وارتفعت الرؤوس الخمسة تجاهها فعاد الرعب يهيمن عليها وما زالت ترتد للخلف ولكن الرجال تفرقوا وهم يتحدثون ويتحركون تجاهها ولم تنتظر كثيرا وهي تسرع بكل قوتها هاربة والرجال تجري ورائها بدون سبب وتملكها الفزع والخوف وهي تفر ولكنها تعلم أنها قد تفقد جنينها نتيجة كل ما تتعرض له 
تعليقات



<>