رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع9والعاشر10 بقلم فاطمة أحمد


رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع9والعاشر10 بقلم فاطمة أحمد


الفصل التاسع : خير .. أم شر ؟
_________________

بعد مرور يومين وفي صباح يوم جديد. 

إستيقظ آدم من غفوته بعد ليلة قضاها في التفكير ولم تنغلق عيناه إلا بعد الفجر، إغتسل وإرتدى قميصا واسعا باللون الأبيض مع بنطال أسود وأرفقه بحذاء جلدي ذو رقبة مرتفعة يصل لأسفل ركبته بقليل،  ثم عدّل مكان السلاح وأخفاه بسترته الخفيفة. 
نزل للطابق السفلي ليجد الخادمة تضع اللمسات الأخيرة على طاولة الإفطار وعندما رأته إبتسمت بإحترام :
- صباح الخير يا آدم بيه. 

هز رأسه مجيبا عليها :
- صباح النور يا ست أم محمود، ستي فين لسه مصحيتش ؟

- لا هي فايقة من ساعة الفجر اصلا بس يمكن الهانم الصغيرة قاعدة معاها عشان كده اتأخرت. 

- ايه ده هي ليلى رجعت من عند عمتي ؟

في هذه اللحظة نزلت شقيقته مرددة بإبتسامة معاتبة :
- ايوة جيت امبارح ع اساس هلاقيك بتستقبلني بس انت اتأخرت برا وانا نمت من التعب. 

وصلت له وعانقته بحب أخوي فبادلها إياه ببسمة غلبتها معالم الإمتعاض لأنه تعمد إرسالها منذ أسبوع لمنزل أخت والده (من ناحية الأب فقط) حتى لا تكون شاهدة على الأحداث التي تحصل في المنزل خاصة ماحدث من يومين لكنه لا يعلم لماذا عادت وهي من توسلته حتى يسمح لها بالسفر للمدينة.
سمع صوت خطوات مقترن مع صوت العكاز فرفع نظره ورأى جدته تنزل من على الدرج بثقة وشموخ وهنا ضغط على أسنانه بإقتضاب مدركا بأنها هي من جعلت أخته تعود. 

إلا أنه لم يظهر مايفكر به وإبتعد عن ليلى قليلا مداعبا شعرها :
- في كام حاجة شاغلة بالي الأيام ديه عشان كده بتأخر برا البيت يلا اقعدي جمبي وافطري.

جلست حكمت على رأس الطاولة وبدأوا تناول الإفطار في جو يسوده الصمت حتى نطقت ليلى كمحاولة لكسره :
- امبارح وانا جاية لقيت زفة فرح في الشارع يا أبيه وكانت بتجنن طلبت من السواق يوقف عشان اتفرج اكتر بس مرضيش. 

همهم متفاعلا معها :
- محمد عمل المطلوب منه انا مكلفه يوديكي ويجيبك من غير ما يضيع وقت في السكة. 

زمت شفتها بعبوس وعلقت :
- بس انا بقالي زمان مشوفتش زفة هنا وحضرتك عارفني بحب الأجواء ديه. 

في هذه اللحظة دخلت حكمت في الحوار وهي تردد بنبرة ذات معنى :
- غالبا هتشوفي زفة في البلد عن قريب وممكن تكون لواحد من العيلة ديه.  

ضرب آدم الكأس على سطح الطاولة بحزم أمام ليلى فشهقت بذهول وحماس :
- ايه ده بجد انت نويت تتجوز أخيرا يا ابيه ؟ 

كان وجهه متصلبا وعيناه ملتصقتان في الصحن أمامه ولو نظر لشقيقته الآن لهالتها النيران المشتعلة فيهما، رطب شفته السفلية ثم حمحم وهو ينتصب واقفا :
- صحا وهنا انا عندي شغل في المزرعة دلوقتي ولازم اروح هنبقى نتكلم بعدين. 

رشق حكمت بنظرة حادة بادلتها بأخرى باردة وهي ترشف من الشاي ثم غادر متجها إلى المزرعة ليجد فاروق يساعد العامل في رفع الصناديق الخشبية وعندما رآه إقترب منه برسمية :
- صباح الخير يا آدم بيه انت جاي بدري النهارده. 

همهم وتحرك ناحية المقاعد الجانبية وهو يجيبه :
- ده لأن الست حكمت حالفة متسيبنيش في حالي.
- عشان قصة الجواز ؟
- اه، انا وصفوان هنتجمع مع العمدة بكره بليل ونقوله اذا موافقين ولا لأ ومع الأسف صعب جدا اني ارفض. 

جلس آدم متابعا بتهكم :
- انا حاسس نفسي بقيت لعبة كل واحد بيحركها بمزاجه مش كفاية ان ابن سلطان اتلعب عليه واتسرق لأ هو كمان هيتجوز أخت عدوه ولو معملتش كده مكانتي هتقل عند العمدة ومش بعيد يرشح حد غيري للزعامة أو العمودية. 

رفع فاروق حاجباه وأخفضهما دليلا على الحيرة التي إكتنفته هو أيضا بسبب ما يحدث، منذ أيام معدودة فقط كان آدم يخطط للزواج من نيجار التي يعشقها والآن أصبحت أكثر شخص يكرهه في الحياة ولم يكفي هذا بل سيتزوج قريبتها أيضا. 
تردد قليلا في الكلام لكنه حسم أمره وقال :
- أنا شايف أن الست حكمت معاها حق في تفكيرها يعني انت ليه لازم تضيع حلمك من بين ايديك عشان كرهك لواحدة متستاهلش اتجوز اخت صفوان ديه وضمن المنصب بتاعك وبالمرة تخليها ورقة رابحة ضد صفوان كفاية أنه هيكون عارف ان اخته معاك. 

علق آدم ساخرا وهو يفكر بأن صفوان الذي أرسل إبنة عمه لحضنه في السابق قادر على جعل شقيقته نسخة أخرى من نيجار :
- يعني هيخاف على اخته مني ؟ اطمن واحد زي ده متعود يستخبى ورا الحريم مش بعيد يرميها ويقولي هي مبقتش تخصني اعمل فيها اللي انت عايزه او يخليها نقالة علوم زي ما بيقولو ... 
بس كفاية بقى انا زهقت وصبري عليه خلص.

ردد جملته الأخيرة بحزم ناهضا فجأة ليجد فاروق يقف ويُعدل سلاحه على وضعية الإستعداد للإطلاق فعقد حاجباه بتعجب :
- انت بتعمل ايه !

رد عليه فاروق ببساطة وكأنه يمارس فعلا إعتياديا :
- مش احنا رايحين نتهجم ع صفوان ونقتله ؟
- مين قال كده ؟
- انت اللي قولت دلوقتي ان صبرك عليه خلص. 

تنهد آدم قائلا بإستهجان :
- انت يابني مابتصدق تحصل حاجة عشان اقولك يلا نعمل مداهمة ؟ انا مكنتش بقصد اننا نروح دلوقتي ونقتل صفوان خبي اللي ف ايدك ده. 

تنحنح بحرج وهز رأسه بطاعة فتأفف الآخر متمتما وهو يتركه :
- ماهي لو الظروف سامحالي اقتله كنت قتلته من زمان مش هستناك انت يعني. 

بدأ بإنجاز الأشغال مع عماله ومساعدتهم حتى مر اليوم سريعا وإقتربت الشمس من الغروب ، إتجه آدم إلى إسطبل الخيل وأخرج حصانه الذي سرعان ما بدأ يصهل عند رؤيته فإبتسم عليه قائلا بينما يداعبه بحب خالص :
- ايه ده انا وحشتك ولا ايه وانت كمان وحشتني يا سلطان عارف أنك زعلان مني بس أنا كنت مشغول في كام حاجة كده وأول ماخلصتهم جيتلك بسرعة.

صهل "سلطان" مجددا كأنه يبدي تفهما ثم أحنى رأسه فضحك هو ومسح عليه بلطف قبل أن يركب عليه ويبدأ جولته في الساحة الواسعة ، وبينما هو يركض ويستقبل الهواء الذي يضربه بعنف أغمض عيناه ورفع رأسه للأعلى ممررا شريط حياته في ذاكرته وسامحا لنفسه بإستقبال مشاعره الشتى ...

مشاعر الغضب والحقد على تلك العائلة، مشاعر خزي من ذاته لأنه سمح لإمرأة بإيقاعه في شباكها وهو الذي كان معروفا بحكمته وصلابته سمح لها بالتلاعب به تلك التي كانت أول امرأة يضعف معها فتبين بأنها لم تكن سوى ساقطة مخادعة ...
ومشاعر غدر لأنها طعنته بخنجر مسموم من أجل الحصول على المال وتقاسم الذهب مع إبن عمها. 

في الحقيقة هو ليس حاقدا على نيجار بقدر ماهو حاقد على نفسه لأنه لو لم يسهل عليها الأمور لما إستطاعت خداعه. 
تُرى كم مرة ضحكت سِرًّا وهي تنظر لإبتسامته معها، كم مرة جلست مع صفوان وسخرا منه مسترجعة الكلمات التي كان يقولها في لقاءاتهما عند البحيرة وكم مرة وصفته بالأحمق، وكيف رمقته بشماتة ورحلت تاركة إياه يحترق وسط النيران حتى تضمن موته ؟

تعمق آدم في الأفكار وإرتفع نسق دقات قلبه فضغط على لجام الحصان وشرع يركض بشكل دائري بعدما زاد من سرعته فقط يتذكر كل ما جعلته يعيشه حتى حينما صمم على قتلهما وكاد يفعلها وجد من يعترض طريقه والآن بدلا من أن يفكر في المكان الذي سيدفنهما فيه عليه أن يستعد ليكون صهرا لهما !
ركضه المريب هذا وعرقه المتصبب بغزارة من وجهه جعل أنظار العمال في المزرعة تلتفت إليه وبعضهم وقف بتوجس ينتظرون فقدان سيطرته على حصانه والوقوع في أي لحظة وبالفعل شعر آدم بنفسه يسقط ولكن ليس من على ظهر "سلطان" بل أحس أنه سقط من الهاوية حين فتح عيناه فتراءت له صورتها من بعيد وهي تمشي نحوه !! 

شد آدم على اللجام فجأة وأدى ذلك إلى رفع الحصان لجزئه الأعلى في الهواء وهو يصهل بحدة ولوهلة كاد يفقد السيطرة عليه إلا أنه إستطاع التوقف بسلام أخيرا فحدق فيها بقوة وهو لا يسمع سوى صوت أنفاسه المتسارعة بنسق مجنون ونبضات قلبه المتقاتلة كأنها تتنافس على من ستنجح في شق صدره. 
قبض على يده مستشعرا أحاسيس الكره التي تدفقت عليه في هذه الأثناء كتدفق قطرات المطر في ليلة عاصفة ولحظة فكر أنه يتخيل لكن نظرات العمال التي تحولت إليها جعلته يقفز بسرعة ويتجه نحو الإصطبل صارخا في فاروق الذي كان يطعم مهرة صغيرة :
- اطلع قول للبنت اللي برا اني مش عايز اشوفها قدامي دلوقتي وإلا انا مش عارف ممكن اعمل فيها ايه ... بسرعة ! 

إنتفض الآخر بتوجس ورغم أنه لم يعلم هوية هذه التي يتحدث عنها إلا أنه ركض ليرى ما الأمر فضرب آدم بقبضته على الباب الخشبي بوجه تخلو منه تقاسيم الآدمية وتعقل تطاير بفعل عواصف الهمجية التي تقدح من عينيه متذكرا وجهها الذي حفر في ذاكرته كالندبة. 
إلا أن الخيال تجسد في الواقع فجأة عندما سمع صوتها الهادر خلفه :
- انا مش همشي من هنا قبل ما اكلمك. 

زفر ماسحا على وجهه وإستدار ليجدها تقف عند الباب بعينين تنضحان بالتصميم وفاروق خلفها يشير له بأنه لم يستطع منعها فغمغم بجمود مشيحا وجهه عنها :
- اتقي شري واخرجي من هنا. 

رفضت نيجار وتقدمت منه خطوة متجاهلة الذعر الذي جعل ركبتيها كالهلام الرفيع :
- انا عايزة اتكلم معاك عارفة انك مش طايقني بس مش هاخد اكتر من عشر دقايق لو سمحت. 

بعد لحظات كانا يقفان بمفردهما فدنت نحوه وتمتمت بشجن :
- اول حاجة حابة اقولها اني آسفة ... صدقني مكنتش عايزة نوصل للنقطة ديه صحيح ا... 

- انجزي. 
قاطعها ببلادة جعلت الجو يتوتر أكثر ويزيد من خوفها ولوهلة ندمت لأنها جاءت إلى هنا كي تكلمه لكنها تحكمت في أحاسيسها وتنهدت مستطردة :
- انا سمعت بالقرار بتاع العمدة وبصراحة هو فاجأنا زيكم واكتر، وأكيد انتو مش موافقين تناسبونا واحنا نفس الشي بس صفوان مش هيقدر يرفض علشان كده بتمنى الرفض يجي من عندك بما انك مقرب من العمدة وهو مش هيزعل اوي منك. 

- ايه ده انا هعمل ده كله ... طيب والمقابل ؟

- انا عارفة اني أذيتك ووجعتك كتير وللسبب ده هكون مستعدة لأي عقاب منك حتى لو قتلتني بس رجاء مينفعش تتجوز سلمى لانها بريئة وملهاش دعوة باللي حصل مابيننا.    

سكتت نيجار منتظرة رده عليها وطالت مدة إنتظارها مساهمة في زيادة توترها حتى نفذ صبرها ورفعت عينيها له لتصدم حينما وجدته واقفا أمامها مباشرة تفصل بينهما مسافة لا تتعدى الخطوتين، أرجعت رأسها للخلف بإحتراز فأشرف آدم عليها من فوق موزعا بصره عليها بهدوء حتى قال :
- اقتلك ... بس كده ؟ 

قطبت حاجباها بعدم فهم فأكمل :
- مع اني كنت متوقع عرض أفضل من ده. 

- مش فاهمة ؟

ولصدمتها وجدت آدم يقترب حتى إلتصق بها وأصبحت أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها بضراوة فإزدردت نيجار ريقها بإرتباك بينما رفع هو يده وأزاح شعرها الذي كان يغطي وجهها هامسا :
- يعني اللي سبق ولعبت ع راجل وسمحتله يقرب منها ويحضنها عشان كام جرام دهب بتقدر تقدملي حاجات تانية عشان ابعد عن عيلتها مش كده. 

جحظت حدقتاها وشحب وجهها عند فهمها لتلميحه فشهقت مبتعدة عنه بذهول ليضحك آدم ويردد :
- انتي بتتقلي ليه ياحبيبتي مش ده اللي ناوية عليه وجاية علشانه عامله نفسك مكسوفة ليه دلوقتي. 

رمقته نيجار بذهول هاتفة :
- انت بجد شايفني كده ؟

- انتي اللي جاية في الوقت ده ودخلتي الاسطبل بتاعي وقفلتي الباب علينا وكل ده ليه تفسير واحد وهو انك جاية تعرضي نفسك عليا وأنا بقى موافق ... اقلعي اللي لبساه ده وقضي شوية وقت معايا وأنا بوعدك اعيد النظر في طلبك ده وممكن كمان أضيف عليه جرامين دهب حلاوة بعرفك بتموتي فيه. 

صمت متابعا وقع كلماته عليه وأردف بإستهانة :
- بس تصدقي صفوان عرف يلعبها صح زي كل مرة لدرجة بعت بنت عمه تعرض نفسها على عدوه بصراحة أنا مبهور بيه. 

كان يتحدث بجمود وهو يطالعها بنظرات لم تراها نيجار من قبل، نظرات تلاعب وإحتقار كمن يتكلم مع ساقطة ففكرت لهنيهة إن كان هذا الرجل الواقف أمامها هو نفسه آدم الذي كان ينتظرها لتكون حلاله ويعتذر منها إذا بالغ في معانقتها او لمس يدها !
ترقرقت عيناها بدموع أبت إنزالها حتى لا تظهر كسرتها أمامه وسيطر عليها غضبها بسبب إعتبارها رخيصة تقدم جسدها بمقابل فإنتفضت تدفعه من صدره ورفعت يدها كي تصفعه فأمسكها ضاغطا عليها بعنف مغمغما :
- هشش منصحكيش تعملي كده. 

تململت نيجار محاولة إزاحته بينما تردد بإنفعال :
- ازاي تتجرأ تقولي الكلام ده انت فاكر نفسك ايه انا كنت جاية اعتذر منك واطلب منك تبعد عيلتي عن انتقامك ومحدش عارف اني جاية لعندك فاهم اوعى تتكلم عني بالطريقة ديه تاني.  

حادت شفتاه في إبتسامة جانبية وإنخفض هامسا بقسوة في أذنها :
- كل واحد بيحدد قيمة نفسه في عيون غيره يا بنت الشرقاوي وبالنسبة ليا هو ده مقامك مجرد واحدة بتستخدم نفسها عشان تمشي شغل الرجالة ده لو اعتبرت ان ابن عمك راجل اصلا ومستعدة تنزل لأي مستوى علشان تحقق مصالحها. 

كلماته الكارهة طعنتها في الصميم ، دون أن تعي بأن قهره كان مختبئا خلف قشرة كرهه الصلبة ! 
إستقبلت إهاناته بصمت بارد إستفز آدم وجعله يرغب في خنقها وقطع أنفاسها على الفور ثم تراجعت قليلا لتستدير في النهاية مغادرة الإسطبل غير منتبهة للأنظار المسلطة عليها والمتهمة فهذه أول مرة يرون فيها امرأة من هذه البلدة تذهب لمكان عمل رجل بكامل رغبتها وتنزوي معه بعيدا عن أنظار الجميع دون خجل ! 

راقبها آدم حتى إختفت عن أنظاره ثم تبددت معالم جموده وقرعت طبول الخبل في رأسه فأطلق سُبابا ساخطا وركل الباب بعنف جعل الأحصنة تلتاع ليستند بيديه على إطار خشبي لاهثا حمما من سعير. 
سيجن ! وجنونه هذا سيحرقه قبل أن يحرقها هي...
كما لو أن الشياطين قد تلبسته عندما رآها تقف قباله بكل وقاحة وتعتذر طالبة منه الرفق بعائلتها والإنتقام منها هي ! 

جاءته برضوخ تلتمس الصفح متوقعة أن  يقول لها نعم ككل مرة ثم تسأله إن كان حقا يراها بتلك الصورة الشائنة وهو من كان يعتبرها مبجَّلة نقية لدرجة أنه لو قام والده من القبر وأخبره أنها لا تنفعه لما صدق ذلك !
فجأة سمع صوت فاروق من خلفه متسائلا :
- ايه اللي حصل البنت ديه جت لهنا ليه ؟

تنهد ونظر له مغمغما :
- جاية تعمل صفقة قال ايه بنت عمها ملهاش دعوة باللي ما بينهم ولو انا عايز انتقم فهي موجودة قدامي عشان اقتلها. 

إنكمش وجه فاروق مستنكرا وقاحة تلك الفتاة ثم زفر قائلا :
- مكنش ينفع تسمحلها تتكلم معاك انت مشوفتش العمال كانو بيبصولها ازاي انا خايف ان القصة تكبر والكلام يكتر عليك ماهو مش معقول تجي واحدة ست وتقعد مع راجل لوحديهم في الساعة ديه وفهمك كفاية.

لم يعقب عليه مما زاد من فضول الآخر ليسأله :
- طيب ممكن اعرف انت رديت عليها ب ايه ؟

___________________

مع غروب الشمس تماما دخلت هي للسرايا وعيناها لا تبصران من شدة الإنفعال فقابلتها زوجة عمها وسألتها بلهفة لا تخلو من الغضب :
- انتي كنتي فين ومردتيش على اتصالاتي ليه ؟ 

نزلت سلمى من الطابق العلوي وأعادت عليها نفس السؤال مردفة :
- احنا قلقنا عليكي بعد ما طلعتي من غير ماتكلمي حد وخفنا تحصلك حاجة يا نيجار معقول تعملي كده. 

زفرت تمسح على وجهها محاولة تهدئة نفسها وقالت بخفوت :
- انا روحت لـ....

قاطعها صوت صفق الباب الخارجي بعنف يليه صراخ حاد :
- نيجار ! 

إنتفضت النساء ونظرن إلى صفوان الذي كان كمن تكالبت عليه شياطين الجن والإنس ولم تلحق أمه لسؤاله عما يجعله يصرخ هكذا لأنه تقدم ناحية نيجار وكاد يهجم عليها لولا أوقفته جميلة بذعر :
- في ايه مالك انت هتعمل ايه. 

- سيبيني ... بقولك سيبيني خليني ارجع اربيها. 
صاح بعصبية إسترعت خوف نيجار التي قالت :
- انت بتقول ايه  انا مش فاهمة ايه اللي حصل. 

صفوان :
- ومش عارفة حصل ايه كمان انتي ازاي تروحي لمزرعة ابن سلطان وتقعدي معاه لوحدكو كنتو بتعملو ايه سوا جوا ! 

فغرت فاهها بصدمة كما فعلت جميلة وهي تضرب على صدرها :
- يالهوي انت بتقول ايه. 

- بقول الحقيقة البلدة كلها شافتها وهي داخلة لعنده وبتقفل الباب وراها ديه الناس كلها بتتكلم في السيرة وعمالين يقولو كلام طالع نازل علينا. 

هزت رأسها نافية التهم الموجهة ضدها ونظرت لإبنة عمها قائلة :
- أنا روحت عشان سلمى وطلبت من آدم يبعد عنها وينتقم مني أنا لوحدي ومتكلمناش كتير أصلا هو رفض طلبي وطردني. 

رفع يده في الهواء ملوحا بها بينما يهدر بصوتٍ عالٍ :
- وانتي ايه اللي وداكي ليه مخفتيش يؤذيكي او يعمل فيكي حاجة ويحط راسنا في الطين نسيتي ان الكل بيعرف الكل في المكان ده والكلام هيكتر علينا احنا مش هو لأنك انتي اللي روحتيله بنفسك ايه انتي مش لاقية حد يلمك ؟  

وقفت نيجار تستمع لحديثه مدركة بأن غضبه ليس خوفا عليها بل خوف من الفضائح في حال حدث لها شيء ما، وهنا تذكرت كلام آدم عن أنها مجرد امرأة تحقق مصالح الرجال على حساب نفسها فإبتسمت بإستهزاء تداري كسرتها :
- مش لاقية حد يلمني؟ مكنش ده كلامك وقت كنت بتبعتني لآدم وتخليني اقعد معاه بالساعات عشان اسحب الكلام من لسانه ولا ده كان عادي ومسموح مادام مدارى عن عيون الناس. 

ثانيتان فقط ووجدت نفسها ترتد للخلف إثر الصفعة التي وقعت على وجهها في غفلة منها فجعلتها تفقد توازنها لتلتقطها سلمى قبل وقوعها، إنتفضت جميلة مطالعة صفوان الذي ضرب نيجار لأول مرة في حياته وصاحت :
- لا ده انت اتجننت بقى ازاي تضرب اختك قدامي ايه مش عاملي حساب ولا كأني أمك. 

- وهكسر دماغها كمان قليلة الرباية ديه !

وضعت نيجار يدها على شفتها النازفة بملامح جامدة تخفي وراءها قهرا عظيما ثم رفعت عيناها له بشموخ جعل صفوان يحترق حيرة من جبروتها الذي لا يُكسر مهما عايشت، لذلك وفي لحظة مجنونة وعند رؤيته لها تتحرك لتذهب إلى غرفتها ألقى بقنبلته إلى الوسط وهو يقول :
- مادام بتتصرفي على هواكي يبقى انتي اللي هتتجوزي آدم مش سلمى. 

وقفت لبرهة دون أن تلتفت إليه، متمسكة بطرف فستانها تنشد منه تماسكا واهيا وعقلها عاجز عن إيجاد ثالث لإحتمالين إما أن صفوان جُنَّ وفقد رصيدا كبيرا من عقله الذي لا يملك منه الكثير بالمناسبة أو أنه يود اللعب على أعصابها ليعاقبها من وجهة نظره ، ولذعرها كان كل إحتمال أكثر رعبا من الثاني !

تجلّدت وإستنفرت حواسها فإلتفتت بوحشية إتقدت من عينيها متمتمة :
- بلاش الكلام الفاضي ده. 

هدأ صفوان قليلا عند ملاحظته لصدمتها وإستطرد :
- انا مبقولش كلام فاضي يا نيجار ...  بصراحة الموضوع زاد عن حده وعيلة الصاوي مش ناوية ع خير  هما قدرو يضرونا في شغلنا وخلونا تابعين ليهم بسبب خسايرنا المادية والديون اللي علينا. 

- و علشان كده انت قررت تقدمني قربان ليهم ؟ 
همهمت متجاهلة الغصة التي إحتكمت حلقها وتابعت :
- بس انا مش هنولهالك يا صفوان انا هسافر واروح للمدينة وابدأ حياتي هناك كفاية اللي عملته عشانك مش مستعدة اضحي بنفسي تاني. 

أنهت جملتها وركضت إلى غرفتها وطفقت تكسر ما تطوله يداها حتى دلف صفوان وقال :
- عايز اتكلم معاكي. 

شدت شعرها بحدة صارخة :
- وانا مش طايقة اشوف وشك اطلع برا !

لم يتزحزح من مكانه فإقتربت منه متشدقة بحرقة :
- مهانش عليك تبعتلهم سلمى بس هان عليك تبعتني ليهم صح كل ده لأني مش أختك الحقيقية مستعد تضحي بيا بالسهولة ديه. 

أمسك ذراعيها سريعا وضغط عليهما مرددا بلهفة :
- عمري ما فكرت بالطريقة ديه انتي اختي اللي اتربيت معاها وبأتمنها على أسراري يا نيجار انتي بنت عيلة الشرقاوي وهتفضلي طول عمرك كده بس ... بس انتي عارفة اللي حصل بينك وبين آدم هو دلوقتي حاقد علينا ولو اتجوز سلمى هيؤذيها ومش بعيد يموتها وهي اساسا ضعيفة ومش قده مش هتقدر عليه معقوله هترضي تحصلها حاجة وحشة ؟ 

أزاحت يداها عنه معقبة بنقمة :
- وانا ايه اللي هيحصل فيا اول ما ادخل بيته نسيت اني خدعته وطعنته وسرقنا سبايك الدهب منه ؟ 

- انتي قوية وهتعرفي تواجهيه وتقفي في وش حكمت هانم أرجوكي جوازكم هيكون مؤقت على ما ألاقي حجة تخليه يطلقك وتبعدي عن هنا. 

رغم لينه معها ومحاولته لإستمالتها إلا أن نيجار لم ترضخ فكيف ستدخل بنفسها لغرفة الرجل الذي غدرت به وطعنته كيف ستعيش في منزل مليء بأشخاص يكرهونها خاصة آدم الذي سبق وتركها للموت واليوم قام بإهانتها في شرفها. 
لهذا مسحت دموعها مجيبة بتصميم :
- مستحيل انا مش موافقة أبدا هسيب هنا وأسافر و ابقى انت اتصرف معاه لوحدك. 

نفذ صبره منها عند عجزه عن إقناعها وفكر بأنه ربما تسرع في الأمر لأن والدته ضغطت عليه، همَّ بالذهاب لكن قطعه طرق باب غرفتها يليه دخول جميلة وهي تقول بهدوء :
- ممكن اتكلم معاكي شويا. 

أومأت نيجار بإقتضاب فتقدمت منها الأخرى وأمسك يدها متمتمة بحشرجة :
- انتي عارفة اني بعزك زي سلمى رضعتك مع عيالي لأن أمك كانت عيانة بعد ما خلفتك وساعدتها في تربيتك وسهرت عليكي وأبو صفوان ربنا يرحمه مخلاكيش تحسي بفقدان الأب هو خد باله منك ودرسك وكبرك وانا نفس الشي ومامتك كانت أعز من اختي بالنسبة ليا وهي كمان اعتبرتني كده ووصتني عليكي قبل ما تموت من عشر سنين. 

شعرت بغصة في قلبها وحرق في عينيها عند ذكر والدها الذي توفى في طفولتها تبعته خسارة والدتها في سنوات مراهقتها فأخفضت رأسها ساحبة الهواء بعمق كي تهدأ ثم بلعت غصتها هامسة بنبرة مهزوزة :
- ايوة عارفة ... وانا اعتبرتك زي أمي. 

إبتسمت جميلة ومررت كفها على شعر نيجار مردفة :
- طيب الست اللي معتبراها والدتك ملهاش حق عليكي ؟ معقول تعبي عليكي طول السنين ديه مخلاش ليا خاطر صغير عندك يا بنتي. 
- لا طبعا خاطرك غالي.

- يبقى اعملي فيا الخير ده والحقي سلمى من الحفرة اللي هتقع فيها واتجوزي آدم بدالها يابنتي. 

تفاجأت نيجار من كونها تفكر في نفس الشيء فسحبت نفسها منها ولكن جميلة ضغطت عليها باكية :
- ابوس ايديكي ديه سلمى رقيقة ومش قد عيلة الصاوي لا هو هيرحمها ولا جدته خاصة أنها أخت صفوان الحقيقية صفوان اللي لعب عليه وكان هيولع فيه اتخيلي هيعمل فيها ايه لو راحتله. 

دمعت نيجار مجددا وشعرت كأنها تقف على خط رفيع بين نارين وكل طرف يسحبها إليه بضراوة حتى تحترق باللهيب !
أغمضت عينيها مستنجدة التماسك ثم فتحتهما وهزت رأسها موافقة :
- ماشي هعمل اللي انتو عايزينه أنا موافقة اتجوزه. 

__________________
مساء اليوم التالي في قاعة الإستقبال الخاصة بعمدة البلدة. 
جلس هو على المقعد الرئيسي وأشار لهما بالجلوس بجواره وقال :
- فكرتو في اللي قولتهولكم.
- ايوة. 

أجاباه في نفس الوقت وأردف آدم بجدية :
- لقيت ان كلامك صحيح وده الحل الوحيد علشان نعمل صلح بين العيلتين عشان كده أنا موافق على الجواز. 

هز رأسه برضا وإلتف لصفوان الذي قال :
- وأنا نفس الشي حضرتك بتمنى العداوة ديه تخلص وكل واحد مننا يكمل حياته في هدوء بس من بعد إذنك انا عايز اقول حاجة ... اجوزله بنت عمي نيجار مش سلمى. 

ناظره آدم بذهول ولسان معقود عاجز عن الكلام قبل أن ينفرط تعقله وتتوحش ملامحه ويجز على أسنانه مبرطما :
- انت اتجننت مين ديه اللي ...

أحكم بقية كلماته في حلقه حتى لا يقول شيئا خاطئا أمام العمدة وزفر بغلظة مستطردا :
- ممكن افهم في ايه بعتقد اننا عملنا الإتفاق كرجالة يعني احنا مش بنلعب علشان كل مرة تجيبلي حاجة جديدة والمفروض أقول أمرك.

إنتصب واقفا وهمَّ بالمغادرة لكن العمدة إلتمس منه الهدوء والعودة لمكانه ثم خاطب صفوان مستفسرا :
- انا قلت انه هيتجوز أختك اشمعنا رايد تستبدل العروس بواحدة تانية. 

حكَّ ذقنه ببلادة وقال :
- وأنا فعلا تكلمت مع عيلتي والست الوالدة وافقت مع أنها كانت خايفة على بنتها من الجوازة ديه بس اللي حصل امبارح قلب الموازين ووقعنا في مشكلة. 
 بنت عمي نيجار قلقت ع اختي جدا وده خلاها تغلط وتروح لمزرعة الصاوي عشان تقابل آدم وتطلب منه ميؤذيش سلمى وهو بدل ما يطردها او على الأقل يقابلها برا راح استقبلها في الاسطبل بتاعه والناس شافوهم وهما جوا لوحدهم ... وفهمك كفاية. 

إستمع لتلميحاته المبطنة وإستشاط غضبا شاعرا بالنار تحرق خلايا تعلقه الذي لا يملك منه الكثير فضرب بقبضته على الطاولة الخشبية الموضوعة بجانبه وهدر بثورة :
-  قصدك ايه بالكلام ده انت واعي للي بتقوله يلا ! 

رد عليه الآخر مدعيا الرصانة :
- أنا عارف انك مقصدتش حاجة وحشة وبنت عمي جتلك بنفسها علشان كده انا قاعد وبكلمك دلوقتي وإلا كان الموضوع هيتقبل لقضية شرف بس أنت كان المفروض تبقى واعي أكثر وتستوعب أنها صغيرة ومش دارية بنتايج اللي عملته مش تمشي معاها في الخط وتقابلها لوحدكو بعيد عن عيون الناس وأنت أدرى بالكلام اللي هيطلع عليكو. 

مبالغة، كان حديثه من أوله لآخره مبالغا فيه حتى يضع نفسه في موضع الأخ الخائف على شرف أخته صفوان يعلم بأن آدم لن يكون قادرا على إخبار العمدة أنه كان على علاقة مع هذه الفتاة لأنه بهذه الطريقة سيظهر بشكل الأحمق الذي سمح لإمرأة بخداعه، لهذا هو الآن يستغل الموقف ويستفزه حتى يخرج أسوء ما لديه. 

ضغط العمدة على عصاه بوجوم مرددا :
- الكلام ده صحيح يا ولد سلطان ؟ 

- ايوة صحيح بس انا مكنتش في نيتي حاجة وحشة هي جتلي بنفسها وانا قولتلها ان المواضيع ديه بين الرجالة بس وطلبت منها تطلع مش شايف ان الموضوع مستاهل الدوشة ديه كلها. 

أجابه ببرود مفتعل مفكرا بأن نيجار جاءته قصدا حتى تفتعل هذه المشكلة ويرفض هو الزواج بها فيغضب العمدة منه ، كان يجب عليه أن يتوقع ذلك تلك الخائنة لا تفعل أي شيء بغرض شريف ولهذا السبب كان عليه أن يقرر في الحال شيئا سيقلب موازين حياته كليا فإعتدل في جلسته ورفع رأسه بشموخ هاتفا بوقار :
- بس طالما حصلت المشكلة ديه من غير قصد يبقى مفيش حل تاني ... مبتفرقش مين العروسة سواء نيجار او سلمى علشان كده انا موافق على عرضك يا صفوان وهتجوز بنت عمك عشان احفظ شرفك.  

ضغط على يده بغيظ من إستفزاز الآخر له وتبيان بأنه سيفعل فيه خيرا ويحفظ شرفه لكنه أظهر إبتسامة مصطنعة وهز رأسه بإيجاب ، إنشرحت أسارير العمدة على تفاهمها فوقف وأشار لهما حتى يتصافحا بينما يردد :
- انتو بقيتو عيلة واحدة من النهاردة وأنا بوعدكم هعملكم فرح محصلش قبل كده.

إدع كل منهما التسليم على الآخر وقال آدم مبتسما :
- خيرك مغرقنا حضرتك بس بعد اذنك انا مش عاوز اعمل هيصة كبيرة كفاية كتب كتاب واحتفال صغير المهم حياتنا هتبقى ازاي بعد الجواز. 

ربت على كتفه موافقا :
- انت إبن أصول وأنا متأكد أنك هتصون الست اللي ع اسمك حددو امتى ميعاد الفرح وانا معاكو. 

همهم صفوان بإبتسامة صفراء سرعان ما اختلفت عندما نطق آدم على حين غرة :
- مفيش داعي نضيع وقت خلينا نجيب بنت عمه ومعاها مأذون يكتب كتابنا دلوقتي والفرح يتعمل الأسبوع الجاي ...

(بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير) 
وكانت هذه العبارة بداية لصفحة جديدة بالنسبة إلى الجميع ... وبداية جحيمها هي ! 


الفصل العاشر : أسرار خفية. 


تجلس أمام مرآة التسريحة بعقل شارد وصوت زغاريد النساء في الأسفل يكاد يصيبها بنوبة هستيرية، تناظر بعينين ميتتين هيأتها التي زينوها بعناية ولكنها لم تكن كأي عروس تنتظر بشوق لحظة الوصال مع زوجها، بل كانت كمن غسَّلوها وهي حية وهاهم سيأخذونها لقبرها وسط جو من الأغاني والصخب ! 

أغمضت عيناها مسيطرة على دموعها المحتجزة لتنطق إحدى الفتيات اللواتي كُنُّ جالسات معها :
- والله ووقعتي وانتي واقفة يا نيجار كنتي بتقولي مش هتجوز وفي الآخر خدتي شيخ شباب البلد. 

ضحكت رفيقتها وضربتها ممازحة :
- اذكري الله هترقعيها عين توديها في داهية ... بس ابقي احكيلنا يا نيجار هيقولك ايه ويتصرف معاكي ازاي عشان نعرف طبيعته مش ممكن ربنا ينوب علينا بواحد زيه. 

تعالت الضحكات مجددا ولاحظت سلمى تصلب نيجار بنفور فتنحنحت متدخلة :
- بس انتي وهي متضايقوهاش كده. 

في هذه اللحظة طُرق باب غرفتها ودلفت جميلة تتأمل نيجار وهي ترتدي فستان أبيض ينزل على جسدها بإحتشام وتضع مكياجا خفيفا أما شعرها فأسدلته في تموجات بسيطة، كانت جميلة كعادتها ولكن نظارة وجهها لم تستطع إخفاء جمودها وكأنها ستزف لموتها. 
وربما هذا صحيح فهي ألقتها في الجحيم لتنقذ إبنتها من الخطيئة المرتكبة في حق آدم الصاوي، لم تكن تريد هذا بالطبع بل وكانت تتأمل أن يرفض آدم الزواج لكن مع الأسف قد وافق ولم تستطع نيجار النجاة من لعنة الخطيئة هذه !  

تنهدت بحسرة طمستها سريعا وإدعت الفرحة وهي تخاطبهن ببهجة مزيفة :
- ممكن تسيبونا لوحدنا شويا يا عرايس. 

تغامزت الفتيات بإبتسامة ماكرة وخرجن أما هي فجلست مقابلها هامسة :
- بسم الله ماشاء الله طالعة زي القمر ياحبيبتي.

لم تجب نيجار عليها وظلت صامتة كأن على رأسها الطير فتابعت جميلة الحديث لعلها تحثها على التفاعل معها :
- أنا عارفة انك زعلانة وخايفة بس مين عارف ممكن تخلي حفيد حكمت يرجع يحبك ويسامحك وتعيشي مبسوطة معاه. 

رشقتها بنظرات ساخرة صامتة إبتلعتها الأخرى على مضض عندما دلفت إحدى النساء تخبرهما بوجوب النزول الآن فتلكأت جميلة وهي ترزح بين طيات الكلمات التي تود قولها الآن فتشجعت وهمست بتلميح عندما أوشكت نيجار على النهوض :
- هنبقى نجي ف صباحيتك بكره ونطمن عليكي. 

توقفت نيجار بمكانها وقطبت حاجبيها بترقب خطير لتنظر لها زوجة عمها بحزم قائلة :
- انتي كبيرة وعارفة ايه اللي بيحصل بين أي اتنين متجوزين في ليلة فرحهم ودلوقتي بقيتي عروسة في بيت الصاوي ولازم تعملي واجباتك الكاملة إتجاه جوزك. 

- قصدك اني لازم استسلم وأسيبه يقرب مني مع أنه بيكرهني وبيحقد عليا وده علشان يكسرني وينتقم مني بطريقته صح. 
برطمت نيجار بقهر مستشعرة بالدونية المريرة لأن عائلتها تقدمها كقربان لأعدائها حتى تنقذ نفسها من براثين غضب آدم رغم أن نيجار لم تكن لتدخل حياته أبدا لولا صفوان الذي دفعها إليه ! 

ولكنها هي نيجار الشرقاوي لطالما كانت صلبة وستبقى كذلك لن ترزح باكية تحت أنظار أي شخص أو تظهر روحها المجروحة أمامه فلقد توقعت على أن تكون دموعها عزيزة لا تنزل بسهولة ، لهذا رفعت رأسها بشموخ وغطت وجهها بالطرحة الشفافة التي كانت مثبتة في شعرها بدبوس خفي دون أي إضافات ونزلت مع زوجة عمها حتى تُزف له....

في الخارج كان صوت طلق النار والطبل يملأ المكان والفرس ترقص على  المزمار حيث أشرف العمدة بنفسه على الإحتفال بزواج فردين من أكبر العائلات في البلدة. 
وفي سرايا الصاوي كانت نيجار تجلس محاطة بالنساء إلى جانبها سلمى وعلى الطرف الآخر ليلى التي لا تكاد تستوعب الإرتباط المفاجئ لأخيها مع إبنة أعدائهم لكنها مجبرة على تدارك نفسها والتعامل بما يليق بشقيقة العريس فدعت النساء للرقص ليندلع جو من الصخب في المكان وتنتشر البهجة فيه. 

ومن فوق كانت حكمت تطل عليهن وتطالع تلك العروس الجامدة بعينين تمطران شرًّا وتوعُدَّا بجعلها تتمنى الموت وهي حية. 
لقد قامت عديمة الأصل هذه بجعل حفيدها ينزف وسط ألهبة النار لذلك ستجعلها هي تبكي الدم بدل الدموع بأضعاف وأضعاف وتحرق قلبها قبل جسدها ... !

جاءت خادمتها أم محمود وقالت لها بهمس :
- المعازيم عمالين يسألو عليكي يا ست هانم. 

هزت رأسها بوقار ونزلت إليهن متحدثة بصوت عالٍ :
- نورتونا يا جماعة الخير  ... فينك يا أم محمود خلي البنات يهتمو ب احتياجات ضيوفنا ده بيت الجود والكرم وفرح الغالي إبن الغالي مينفعش نقصر في حق حد. 

- طول عمرك صاحبة واجب يا ست هانم. 
تعالت المجاملات من النسوة فزفرت نيجار بضجر من هذه المسرحية الهزلية وإلتفت لجميلة التي همست لها بوجوب الإبتسام ولو قليلا لأن عبوسها جلب الإنتباه ، أما حكمت التي نظرت إليهما خاطبت جميلة قائلة بود زائف :
- اتفضلي يا ست أم صفوان متتكسفيش احنا بقينا أهل ومتقوليش العين متعلاش ع الحاجب لأن صحيح التعود صعب بما أننا طول عمرنا في مستوى أعلى منكو بس خلاص احنا قرايب دلوقتي. 

إصفر لون جميلة وعجزت عن القيام بالتصرف المناسب لأن إهانة حكمت كانت تلبس قناع المودة أمام الحضور فتظهر لهم بأنها تحترمها لهذا إكتفت بالإبتسام ولم تغفل سلمى عن تحذير نيجار التي تحفزت بشر وأظلمت عيناها موشكة على ردِّ الإهانة إلا أنها توقفت عندما طالعتها حكمت مرددة :
- ايه يا كنتنا مش هتقومي ترقصي ده انتي حتى متجوزة سيد البلد. 

رسمت نيجار إبتسامة لعوبة على وجهها مجيبة إياها :
- لا ازاي بس انا هقوم ارقص و اغني وازغلط كمان. 

حدثت فيها بتحدّي ونهضت تنتشل شالا من إحدى النساء لتربطها أسفل خصرها ثم شرعت تتمايل برشاقة في وسطهن على إيقاع الطبل وهُن تصفقن و ترددن الأغاني المعروفة، اِبتسمت جميلة بإعجاب من قوتها وطبيعتها المتحدية أما حكمت فوقفت تناظرها بجمود مفكرة بأن هذه الفتاة تملك من الجرأة الكثير ولا شك في قدرتها على إيقاع آدم في شباكها فهو لم يكن لينجذب إلى امرأة ولكنها لن تكون السيدة حكمت إن لم تكسر شوكتها. 
________________

وفجأة وجدت نفسها داخل غرفته وعلى سريره ! 

تسارعت نبضات قلبها المختض بين ضلوعها واِرتفع نسق أنفاسها بشكل زائد حتى كادت تظن أن هواء الغرفة لا يكفيها، صحيح أنها إدعت الصلابة ولكنها في الحقيقة خائفة بل مذعورة من فكرة تواجده معها بعد قليل لا تعلم ماذا سيفعل بعدما أصبحت زوجته مؤكد أنه سيعنفها ويذيقها العذاب تحت يديه. 

إنتفضت نيجار وجفت الدماء في عروقها حين فُتح الباب ودخل آدم بهدوء وقف مكانه وجال بعينيه على هيأتها بفستانها الأبيض وهي تغطي وجهها بالطرحة الشفافة، كانت لتخيل للناظر من بعيد أنها ملاك منزل من السماء لكنه وحده يعلم القدر الهائل من السواد الذي كانت تبتلع فيه المغترين ببياضها المزيف ! 
من غرابة القدر أنه منذ شهرين فقط كان يتشوق لمثل هذه الليلة حيث تكتب حبيبته على إسمه ويجتمعان معا تحت سقف واحد لكنه الآن لا يطيق النظر إليها حتى ! 

تحرك ببطء مقصود يقلص الخطوات بينهما باعثا في جسدها إهتزازات لا إرادية حتى أشرف عليها فتنهدت نيجار بخنق متمتمة :
-  انت دلوقتي فخور بنفسك طبعا لأنك قدرت توقعني تحت إيدك. 

إنتظرت رده لكنه لم يعقب عليها فحادت ببصرها نحوه مطالعة إياه من خلف الطرحة ليبتسم آدم وينحني بركبة واحدة على السرير حتى أصبح يقابلها تماما ثم مدَّ يداه ورفع الطرحة ليظهر وجهها له وهمس بنبرة مثقلة :
- سيبك من الكلام ده دلوقتي ديه ليلة دخلتنا اللي استنيتها بقالي كتير علشان كده خلينا نركز مع بعض ياحبيبتي. 

شحب وجه نيجار وإنكمشت على نفسها مرتعبة من الوهج الذي بعينيه، لقد أرادت إستفزازه حتى يغضب منها فتفسد الليلة بأكملها لكن من الواضح أنه ينوي بها شرّا حقا. 
أشاحت وجهها عنه بإرتجاف غير أنه قبض على فكها وأجبرها على النظر إليه مستطردا :
- أكيد انتي عارفة ايه اللي هيحصل مابيننا دلوقتي ومش مستنية مني أقولك نامي ع السرير وانا هنام ع الارض مش كده، حبيبتي. 

تغضنت ملامحها بغيظ من تكراره لكلمة "حبيبتي" المستفزة وتقلصت معدتها بنفور معقبة :
- مش ع أساس بتكرهني ومبطيقنيش اومال عايز تقرب مني ليه. 
ثم أردفت بتهكم مستفز :
- ولا أنت لسه بتحبني زي الاول ومبسوط بجوازنا. 

وعلى عكس ماتوقعت أن يثور عليها وجدته مستكينا بل وأنزل يداه على كتفيها ودفعها بقوة حتى تستلقي فاِنتفضت بهلع وحاولت النهوض غير أنه مال عليها مسيطرا على حركتها وهمس بقسوة عند أذنها :
- هقرب منك وبأبشع طريقة كمان عشان تعرفي قد ايه انتي واحدة بلا قيمة ومبتستاهليش راجل يعاملك بحب وإحترام. 

شعرت نيجار بمدى جديته وسُحبت الدماء من وجهها في غضون ثوانٍ لتضع يدها تلقائيا على ساقها التي ربطت خنجرها به غير أنها أجفلت حينما نهض آدم معدلاً بدلته ثم غمغم آمرا :
- قومي. 

رمشت بعينيها لوهلة غير مستوعبة فأعاد ما قاله بصوت أعلى لتنهض ويمسك يدها فسحبتها منه متمتمة بتلجلج :
- انت موديني ع فين انا مش جاية معاك. 

إبتسم آدم بقسوة وقبض عليها مجددا مبرطما بقتامة :
- هتجي معايا واحسنلك متعمليش دوشة برا والا مش عارفة انا ممكن اعمل فيكي ايه. 

سحبها خلفه وغادر السرايا تحت أنظار حكمت التي كانت تراقبهما من نافذة جناحها ثم جعلها تركب في سيارته وإنطلق بها بسرعة.....

_________________
أسند ظهره على المقعد بإرتياح وهو ينفث دخان سيجارته في الهواء ثم نظر إلى من بجواره وهو يتجرع الخمر بشراهة وقال :
- اتهدى شويا عشان ميغماش عليك دلوقتي. 

هز رأسه بنفي وأفرغ القطرات الأخيرة من الزجاجة في كأسه مبرطما :
- لازم اشرب عشان انسى يا مراد كل لما افكر ان بنت عمي قاعدة مع عدوي بيبقى هاين عليا أموت نفسي. 

مالت شفة مراد العليا بسخرية معقبا :
- مش انت ضحيت بنيجار بنفسك واديتهاله بدل اختك اومال ايه لزوم حركات الندم ديه. 

جز صفوان على أسنانه بغيظ من برود الآخر فنظر له بعينيه الحمراوتين هادرا :
- كنت مجبور اعمل كده عشان آدم ميؤذيش عيلتي اكتر من كده ... انت كنت هتعمل ايه لو كنت مكاني ؟ 

الوغد الجبان، وكأنه لا يعلم أن صفوان لم يضحي بإبنة عمه سوى لأنه خائف من إكتشاف العمدة لمصائبه وأيضا بسبب طمعه في الحصول على إمتيازات أكثر بما أنه أصبح على علاقة عائلية مع واحد من أغنى التجار في البلدة حتى أنه لم يهتم بالفتاة التي ألقت نفسها في النار من أجله وقدمها قربانا حتى تظل أخته الحقيقية في أمان !
ورغم هذا لم ينطق بما يدور بداخله بل إلتهى في سيجارته وهو يجيب عليه :
- سيبك مني وطلعني من قصصكم العائلية ديه دلوقتي ، انت عارف ان آدم اتهجم عليا في مكتبي من كام يوم بعد ما كشف اني كنت شريكك والبركة فيك انت وبنت عمك.

- اه عارف وبعدين ؟ 

إعتدل مراد في جلسته وقابله وجها لوجه متشدقا بجدية :
- وزي ما انت عارف بردو اني اتصلت بيك الأسبوع اللي فات لحتى نشتغل مع بعض تاني بس آدم مستني مني أي حركة مريبة علشان يعرف لو انا مستقصده بشكل شخصي او تعاوني معاك من قبل كان مجرد صفقة عشان الفلوس مش اكتر وهو غالبا دور ع أي معلومة تخصني بس ملقاش وده هيخليه يشك فيا. 

همهم يستوعب كلامه ثم اِستطرد :
- وانت عايز تخليه يفكر ان تعاونك معايا كان لمجرد مصلحة وانتهت صح فهيبقى تعاوننا المرة ديه مختلف ع المرة اللي فاتت. 

- تماما، هساعدك بس بشكل غير مباشر انا هتواصل مع سماسرة وتجار بعرفهم وتعاملو مع آدم قبل كده هضبط علاقاتك معاهم وادخلك في مشاريعهم واقنعهم يبعدو عن التعامل مع ابن سلطان وطبعا احنا هنضرب عصفورين بحجر واحد من جهة نكسب فلوس ونتقاسم الربح سوا ومن جهة تانية نخليه يخسر العملاء بتوعه  من غير ما اسمي يظهر في الوسط. 

اِستمع له صفوان باِنتباه شديد وأومأ بإيجاب على خطته :
- نقطة قوة آدم هي صورته الكويسة وعلاقاته مع التجار وهنبقى دمرناه لو قدرنا نضربه من الناحية ديه ... عارف حاجة انا كل مرة بتعامل معاك بقعد افكر ايه نوع علاقتك مع بيت الصاوي وليه حاقد عليهم كده بس ملقتش سبب مقنع. 

غامت عيناه بشرود أفاق منه سريعا وهو ينهض مرددا :
- الوقت اتأخر روح لبيتك وياريت متتواصلش معايا غير لما اطلبك انا بنفسي يلا تصبح على خير. 

حدق صفوان فيه وهو يغادر ثم همس بثمل :
- ايه الغرور اللي فيه ده انا مش فاهم هو شايف نفسه ع ايه. 

وضع الكأس على الطاولة بقوة وأكمل :
- انت قدرت تاخد بنت من عيلتي يا ابن سلطان بس لو فاكر انك كده هتقدر تمسكني من الإيد اللي بتوجعني بتبقى غلطان ... انا هحرمك من كل حاجة بتملكها وأخليك تترجاني ارحمك استنى عليا وشوف.  

*** بينما قاد الآخر سيارته ووصل لمنزله بعد فترة ليدخل وتقابله سيدة كبيرة في السن قليلا فألقى عليها السلام وقال :
- ايه الاخبار هي كويسة ؟

هزت رأسها بإيجاب مبتسمة :
- الحمد لله يا مراد بيه الهانم كلت وخدت علاجها وهي نايمة دلوقتي.

تنفس براحة ثم قابلها بإبتسامة :
- شكرا بتقدري تروحي ترتاحي. 

تحرك متجها ناحية إحدى الغرف ودخل ليراها مستلقية على السرير ونائمة بعمق، اقترب منها وأمسك يدها متمتما بصوت منخفض :
- كل لما أشوفك كده قلبي بيوجعني وبحقد عليهم اكتر عيلة الصاوي أذتنا كتير وسرقت حياتنا بس هانت ياحبيبتي انا بقيت قريب جدا من الهدف بتاعي خليهم يفرحو دلوقتي ويفتخرو كويس بإسمهم وصيتهم لأني هاخد كل حاجة منهم. 

اِنحنى طابعا قبلة خفيفة على جبينها ثم أسند رأسه على كفها مستسلما للنوم ...

_________________

كان الصمت مرافقا لهما طوال الطريق مسببا صداعا لدى نيجار التي كادت تجن وهي تحاول توقع المكان الذي سيأخذها إليه وما سيفعل بها ومع الأسف كان كل إحتمال أسوء من الآخر فرطبت شفتها بقلب وجل وهتفت بصوت متقطع :
- على الاقل قول انت موديني ع فين ... هتقتلني وترمي جثتي صح. 

لم يجب عليها لتستطرد هي بشجاعة مصطنعة :
- لو فاكر انك هتقدر تعمل كده من غير حد مايكشفك تبقى غلطان لأن الكل عارف اني معاك دلوقتي فقتلك ليا مش في صالحك. 

ومجددا لم تجد سوى السكوت إنتفضت بإنفعال وأوشكت على فتح الباب وإلقاء نفسها من السيارة إلا أنها تراجعت وقد حسمت الأمر إذا أراد قتلها فلن تموت دون أن تأخذه معها. 
كانت تلافيف الظلام مسيطرة على الأجواء ولم تستطع رؤية الطريق جيدا فأسندت رأسها على المقعد بإرهاق مقررة توفير طاقتها، وبعد مدة توقفت السيارة وللصدمة كان قد جلبها آدم إلى بيت الهضبة ! 

ترجل منها وأخرج نيجار بالقوة ثم تحرك بها وأدخلها مرددا :
- احنا هنقضي ليلتنا هنا زي ما كنت مخطط قبل كده ايه رأيك ده حتى بصي انا عدلت البيت عشانك. 

تطلعت للمكان من حولها والذي كان في حال أحسن من حالته في الليلة التي خطف صفوان بها وإستدرجها إلى هنا ثم لمعت عيناها بالدموع متذكرة ما حدث يوم عقد قرانهما فاِختض قلبها بين ضلوعها وتأوهت بألم على إثره، نظرت إليه بصمت ولم تدرِ أن الشعور الذي كان بداخلها الآن ليس خوفا بقدر ماهو حرج من فعلتها...
ربما لأن شخصيتها المصبوغة بطبقة من السواد لم تكن لتتقبل يوما أن تكون الطرف المنكسر في علاقتها مع عدوها الذي تشربت كرهه منذ طفولتها ! 

سحبها آدم مجددا وهذه المرة اِنقادت خلفه دون مقاومة حتى وصلا للغرفة التي إجتمعا فيها سابقا ... بالنسبة لنيجار فهذه الغرفة هي نفسها التي طعنت فيها آدم وكادت تقتله. 
أما بالنسبة له فكانت هذه الجدران هي نفسها الشاهدة على الغدر الذي تلقاه من المرأة التي أحبها !

غامت عيناه بسواد ذلك اليوم وإشتد حقده عليها في هذه الساعة فبدأ بنزع سترته وألقاها على الأرض مقتربا منها ثم لوى ذراع نيجار خلف ظهرها وجذبها ناحيته حتى اِلتصقت به تماما ليهدر بأنفاسه الساخنة فوق بشرتها :
- المكان ده عزيز علينا احنا الاتنين وعندنا فيه ذكريات جميلة وهتبقى أجمل لما نبدأ حياتنا الزوجية السعيدة في الاوضة ديه. 

أطلقت صيحة ألم بسبب ضغطه على ذراعها واِرتعبت من كلامه فهمست باِستعطاف مستجدية شهامته التي لطالما عُرف بها :
- آدم انا فاهمة انت بتحاول تعمل ايه بس معقول تاخد واحدة غصب عنها عشان تنتقم انت عمرك ماعملت كده. 

لم يبدو عليه التأثر ولو بمقدار ذرة بل كأن كلامها زاده رغبته أكثر فمدَّ يده الحرة واِنتزع الطرحة الشفافة بعنف ثم ألقاها على الفراش وجثى فوقها صرخت رافضة لكنه كتمها عندما اِنحنى عليها وضم شفتاها بشفتيه في أول قبلة لهما، قبلة رغم عمقها إلا أنها لم تحتوي على ذرة حب واحدة هذا ما شعرت به نيجار التي اِنصدمت من هذا الهجوم العاتي عليها وحاولت التحرر منه لكنها لم تستطع فأخفضت يدها كي تسحب سلاحها وهنا حلت عليها الصدمة الحقيقية حين وجدت يد آدم تتسلل لفستانها وترفعه حتى ظهرت ساقها بأكملها ثم سحب السكين واضعا إياه أمام عينيها بدهاء ماكر :
- كنت متوقع بردو. 

نقلت نيجار بصرها بينه وبين السكين بحدقتين مشتعلتين بالغضب فألقاه على الأرض ثم قيد يداها في كف واحدة أعلى رأسها أما الأخرى فمسح بها وجهها هامسا :
- كني واهدي يابنت الشرقاوي ومفيش داعي تهدري طاقتك ع الفاضي لأني مش هتنازل عن حقي. 

قبلها مجددا وشعرت به يزيح طرف فستانها فسكنت أخيرا بين ذراعيه باِستسلام مدركة أنه لا فائدة من مقاومتها وقد تمكن منها حقا ....



تعليقات