رواية لن اكون بريئه يوما بنظرك الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد


 رواية لن اكون بريئه يوما بنظرك الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم داليا السيد

رحلة عمل
خرج من الحمام ولم تهدأ ثائرته بينما ظلت هي على طرف الفراش متأهبة لتحركاته ولكنه خطف هاتفه وتحرك خارجا من الغرفة دون أي كلمات..
لم تتبعه وإنما دق بابها فرأت زينب تدخل وتقول "سيد أحمد يريدك مدام"
نهضت وتحركت لها وهي تقول "سأذهب له"
كانت بالفعل تفكر بالرجل وتريد أن تراه ولا تعلم لماذا شعرت أن هناك صراع قام بينه وبين ابنه، دقت باب غرفته ودخلت فوجدته بالفراش ينظر لها وقال بغضب "سأرحل بالصباح للعزبة ولن يهم موافقته من عدمها، أنا الأب وليس هو الكلمة الأولى لي"
أسرعت إليه وقد بدا عصبيا جدا فأحضرت كوبا من الماء ومنحته له وهي تقول "تناول هذا عمي من فضلك"
أبعد يدها بحدة وقال "لست بحاجة للماء بل لمن ينهي حياتي لأرتاح، لم يكن بأي يوم يهتم ولن يفعل لذا أنا أيضا لن أهتم"
تركت كوب الماء وأمسكت يده وهي تجلس على طرف الفراش وقالت "حسنا عمي من فضلك اهدأ، الغضب لن يمنحك أي شيء"
نظر لها وقال "الغضب لم يكن من هواياتي بأي يوم لكن هو من يدفعني له، لم يعد يهتم بأي شيء منذ وفاة حياة، ابنتي الصغيرة رحلت ولم تتمتع بشبابها وهو، ماذا فعل إنه حتى لا يبدي أي حزن من أجلها"
تألمت من أجله ولكنها كانت تعلم أن يوسف يهتم وقد هد حياتها هي من أجل أخته فكيف تشرح للرجل أن يوسف يهتم بأخته ويحيي ذكراها، قالت بحزن "بل هو يفعل عمي لكن ربما بطريقته، ربما هو ممن لا يكشف مشاعره للآخرين ويحتفظ بها لنفسه، وهو أيضا يهتم بك جدا فأنت سبب إعلان زواجنا عمي لأنك أردت حفيد وهو أراد منحك إياه، صدقني عمي هو يفعل من أجلك وهو لا يريد فعل أي شيء به ضرر لك"
كانت عيون الرجل تنطق بالحزن وأطبقت يده على يدها وهو يقول بحزن "كانت العزبة المكان الذي ولد به وكنت سعيد وفخور أني حصلت على ولد سيحمل اسمي من بعدي كنت أحمل داخلي أحلام كثيرة لي وله ولقد تبدل كل شيء بلحظة"
وصمت ولم يكمل وكأن هناك أحزان كثيرة مختفية خلف تلك العيون لتلك الأسرة التي حملت اسمها ولا تعلم عنها أي شيء، فزعت عندما دق الباب وفتح لتراه يدخل بقامته الشاهقة وبالطبع انطلقت نظراته كالسهم الخارق ليدهم المترابطة فارتبكت وحررت يدها من يد الأب الذي أبعد وجهه عن ابنه دون أي كلمات بينما تحرك هو للداخل وقال
"يبدو أني قطعت شيء ما"
نهضت ووقفت بجوار الفراش بينما قال الأب "أنت دائما تقطع كل جميل"
رمقت العجوز بنظرة عتاب ولكن نظراته الحادة كانت موجهه لابنه الذي توقف بجوارها وهو يضع يداه بجيوب بنطلونه الرياضي وقال "حقا؟ يبدو أنها جينات وراثية، هذا الشبل من ذاك الأسد"
غضبت من قسوته ولكن الأب قال "بالتأكيد، لم تكن لتحقق شيء مما حققته لولا وجودي معك"
لوى شفتيه وهو لا يبعد وجهه عن الرجل وقال "لا أنكر ما وضعته من أسس ولن تنكر ما حملته على أكتافي لبناء كل شيء"
التفت لها فجأة مما أربكها وجعلها تتراجع خطوة للخلف فاصطدمت بالأشياء الموضوعة بجوار الفراش وكادت توقعها فالتفتت كي تلتقطها عندما سقط كوب الماء على خشب الأرضية فكسر وتناثر الماء حول الزجاج المتناثر فانحنت لالتقاط قطع الزجاج وهي لا تدري ماذا كانت تقول "يا الله! أنا، أنا آسفة"
أسرع لها وهو يحاول أن يوقفها وهو يقول "انتظري ملاك، زينب ستفعل"
ولكن فات الأوان عندما انغرزت قطعة زجاج صغيرة براحة يدها فصرخت من الألم، أمسك يدها وقال بحدة "اللعنة، تعالي دعيني أراها"
رؤية الدم جعلتها تشعر بالغثيان وهتفت "الحمام"
استوعب الأمر وهو يساندها لحمام الغرفة وهناك ألقت كل ما بمعدتها والدماء تنزف من يدها وساءت حالتها وقد ضربها الدوار حتى توقف القيء فحملها وتحرك بها للخارج حيث الأريكة وضعها عليها وهي ما بين الغيب واليقظة وهو يعيدها للوعي فاستجابت وفتحت عيونها لتتناول بعض الماء من يده والقلق واضح بعيونه وهو يقول
"هل أنت بخير الآن؟"
هزت رأسها وقالت بتعب واضح "نعم، آسفة لما سببته من فوضى"
قال الأب "كفي عن كلامك السخيف هذا ودعيه يرى جرح يدك هل توقف النزيف يوسف"
كان بالفعل يمسك يدها وقد فقدت الشعور بها في وسط ما أصابها عندما تألمت وهو يخرج قطعة الزجاج من يدها ويقول "ليس بعد بابا ولكنها ستنجو"
ورمقها بنظرة جعلتها تتورد بدون سبب وابتعد للحمام ثم عاد بحقيبة الاسعافات وقام بتطهير الجرح وربطه وقال "لا يمكننا أن نمزح مع تلك الأشياء الحادة، الحمد لله أنه بسيط وسطحي"
قال الأب بعصبية "كف عن إلقاء اللوم عليها وخذها لترتاح"
وقبل أن تتحدث كان يحملها مرة أخرى بسهولة وكأنها دميته التي يتسلى بها وقال "لا تبالغ بابا إنها لا شيء، طابت ليلتك"
قبل أن يخرج قال الأب "أرسل لي السائق بالصباح أنا راحل للعزبة"
ولكنه لم يرد وهو يخرج من الغرفة بينما كانت هي بعالم آخر وهي بين ذراعيه وعطره يلفها وصدره الصلب يحتضنها ودقات قلبه تضرب جسدها بقوة، لم تحاول أن ترفع عيونها لوجهه ولم يمكنها أن توقف تسارع أنفاسها وحمدت أنهم وصلوا لغرفتهم عندما وضعها بالفراش وتراجع واقف ينظر لها وقال "فيم كان الأمر هناك؟"
ظلت تائهة لحظة فتراجع باحثا عن سجائره حتى أشعل واحدة وقال "مع أبي"
قالت بصدق "يريد الرحيل للعزبة"
جلس وقال دون أن ترى ملامحه من الدخان "لن يذهب أحد لأي مكان، وأنت لدي خطط أخرى لنا"
رددت وكأنها بببغاء غبي لا يعي ما يقول "خطط أخرى؟ أي خطط؟"
 رن هاتفه كالعادة فأخرجه من جيبه وأجاب وهي مشغولة بكلماته حتى انتهى فقال "لدينا دعوة لحفل بالعاملين بعد الغد، الدعوة شاملة الإقامة يومين ولابد أن تكوني معي، لا أريد نبش بالفضائح مرة أخرى"
اعتدلت جالسة وقالت "نعم بهذا أنت محق"
أدرك ما ترمي له فنهض واتجه لها حتى وقف أمامها ولم تقوى على الوقوف أو رفع رأسها لتصل له وهو يمسك ذراعها برفق ويجذبها لتنهض أسيرة بينه وبين الفراش ولم ترفع وجهها أيضا له عندما رفع يده لذقنها رافعا وجهها له لتجد ملامحه الجامدة تواجهها فانصهرت قوتها ولم تناصرها على مواجهته وفرغت ساقيها من أي محاولة لإنقاذها وهو يقول 
"بالنسبة لهم نعم لأني أفر من بيت الزوجية الجديد وهذا يعني إساءة لعروسي الجميلة"
شعرت بالغضب يحل محل الضعف والإغراء والرغبة فقالت وهي تبعد يده عن ذقنها "أنا لست عروسة أحد"
لم يتحرك وهيأ لها أن الفراغ بينهما انتهى وهي تشعر بجسده يحتك بجسدها فجأة فاشتعلت النيران بها وثارت داخلها تلك المشاعر التي عرفتها بأول لقاء لهما، اللعنة عليك أيها الرجل ماذا تفعل بي؟ قربك يدمرني، يمحو الحياة من حولي ولا يبقى سواك، أريدك، نعم أريد لمساتك، قبلاتك، كل شيء عرفته معك أريده مرة أخرى وأعلم أني لن يمكنني دفعك بعيدا مرة أخرى
همساته جعلتها ترتد له وهو يقول على طرف شفتيها "لست كذاك؟"
والتهم شفتيها بنفس القوة ولف ذراعه حول خصرها كي لا تدفعه بعيدا ويده الأخرى تمتد داخل جدائل شعرها الحريرية محكما قبضته على رأسها حتى لا تفلته وهي لم تفعل ولم تفكر أن تفعل فقد انتهت بين يديه وفازت عاطفتها على قوتها وانتصر القلب على العقل ولم تجد أنفاس تحيي بها القلب حتى أطلق شفتيها وهمس
"ماذا قلتِ عن عروستي الجميلة؟"
لم ترد وهو يتجول على وجنتها بشفتيه وعاد يقول "أنت تريديني ملاك، تماما مثلما أشتهيك بقوة"
لم ترد أيضا وهي تعترف بما يقول وسكنت بين ذراعيه لوهله حتى اشتعل جسدها وهو يقبل عنقها فتأوهت من المشاعر التي تملكتها ووجدت نفسها ترفع يداها لصدره لا لتبعد وإنما لتتشبث به غارزة أظافرها بعضلات صدره التي انشدت من لمساتها وزادته رغبة بها أكثر وهو يبعد فستانها عنها دون مقاومة منها لتجده يرفعها ويضعها على الفراش ويخلع التي شيرت ونظراته لها تعني الكثير وأنها مجرد البداية لم يريده الاثنان وهو يعود لها وقبلته القوية تنسيها أين هي فقط تستسلم له وتتعلم كيف تكون امرأة لرجل يعرف جيدا كيف يمتع امرأته ولكنه لأول مرة يجد امرأة تمتعه هو ويريدها ويرغبها بقوة ليس لمرة بل مرات عديدة لن تنتهي وهو يأخذها برجولته وينسيها الحياة التي عاشتها ولا تشعر إلا بسعادة لأنه امتلكها ولم تدرك أن هي من امتلكته وربما أصبح الاثنان جسدين بروح واحدة
فتح عيونه فجأة ليجد ضوء الفجر يكاد يظهر بالأفق فالتف بالفراش ليجذبها له كما فعل بعد أن انتهى مما بدأه ولكن يده لامست سطح الفراش البارد حيث التقى الاثنان بموجة حارة من المشاعر، نهض جالسا وهو لا يجدها بجواره، ما زال النهار لم يبث نوره فلم يرى شيء، نهض وارتدى بنطلونه الرياضي واتجه للحمام فلم يجدها، تملكه غضب كبير، تلك الحمقاء ماذا فعلت أثناء نومه؟ هل تجرأت على الرحيل؟ لأين؟ ليس لديها أي مكان تفر له
فتح غرفة والده فوجده غارق بالنوم ولا أثر لها، كاد ينزل ولكنه عاد يفتح الأبواب الأخرى بعصبية حتى وصل لغرفة أخته فتحها بقوة الغضب المكتوم بصدره حتى توقف ممسكا بيد الباب وهو يراها متكومة على الفراش نائمة بلا حركة
ظل ثابتا دون حركة وهو لا يفهم تصرفها ولكنه تحرك للداخل حتى وقف أمامها جامدا يتأملها وشعرها يخفي وجهها هذا الشعر الذي غرق بوجهه به وهو يتنفس رائحته العطرة، وكأن رائحته طارت إليها ففتحت عيونها لتفزع من رؤيته أمامها فنهضت جالسة أمامه وهو يقف أمامها عاري الصدر شعره مشعث من أثر النوم أو ربما من أصابعها التي كانت تغزوه من وقت قصير مضى
لمعت عيونه بالظلام المضاء بضوء الفجر الباهت وقال "ماذا تفعلين هنا؟"
دقات قلبها أصرت على أن تشاركها كل لحظاتها معه ولسانها حاول أن يساعدها وهي تقول "شعرت بعدم رغبة بالنوم فتجولت قليلا حتى نمت هنا"
ظل صامتا لا يفصل عيونه عنها حتى هز رأسه وقال "حسنا هيا لنعود لغرفتنا قبل أن يستيقظ أحد"
قبضت يدها على أطراف الفراش وقالت "يمكنني أن أبقى هنا كي"
انحنى وحملها دون أن تكمل وهو يقول "مكانك بغرفتنا ملاك بفراشي وبجواري، هناك خدم بالبيت ولا يجوز رؤيتك بغرفة منفصلة"
وضعها بالفراش وظلت يداها تحيط عنقه قبل أن يقول "سنرحل مبكرا لنصل قبل الغداء"
فكت ذراعيها فاعتدل وقال "نامي قليلا قبل أن نذهب"
وتركها وتحرك للحمام واستلقت على جانبها وقد شعرت بالدموع تحرق عيونها وتسيل دافئة على وجنتها فمهما حدث بينهم فهو مجرد تكملة لانتقامه منها فضعفها أمامه يجعله يدرك ذلك تماما وهو نصر بالنسبة له وتحقيق فوز جديد بدوري انتقامه
استيقظت على هزة خفيفة لتراه يقف مرتديا بدلة صيفية بدلت ملامحه تماما، اعتدلت بتعب وأبعدت شعرها وهو يقول "لابد أن نذهب، هل أنت بخير؟" 
جلست على طرف الفراش وقالت "نعم، لن أتأخر" 
تحرك للخارج وقال "أنا بغرفة الطعام" 
عندما نزلت كانت قد ارتدت فستان أزرق غامق وجهزت حقيبة صغيرة وجدتها بغرفة الملابس نظر لها وهو يترك الجريدة ونهض لأخذ الحقيبة وقال "هذه تتركينها بالغرفة لمن يحضرها عليك بتعلم أن هناك من يقوم بهذه الأعمال" 
لم ترد وهي تنتظره ليعود ويجلس وهو ما فعله وهي تجلس وضغط جرس لم تكن تراه بالمائدة عندما دخلت زينب وفتاة صغيرة لم تراها من قبل ووضعوا الأطباق فقال "زينب دعي صابر يأخذ حقيبة المدام للسيارة مع حقيبتي" 
نظرت زينب لحقيبتها وقالت "حاضر سيد يوسف سآخذها له" 
تناولا الطعام بصمت ولكنها قالت "والدك سيبقى وحده؟" 
رمقها بنظرة لم تبادله إياها قبل أن يقول "هنا هو ليس بمفرده، الجميع تحت أمره والطبيب يسكن بالفيلا المجاورة لنا لكن بالعزبة أقرب طبيب على بعد أربعة كيلو متر هذا لو كان متواجد بالأساس، زينب لا ترحل للعزبة أما بالعزبة فتوجد أم سعد وهي امرأة عجوز لا تستطيع القيام بالخدمة" 
هزت رأسها بتفهم فنظرت له وقالت "ألا نأخذه معنا؟" 
ظل هادئا وهو يجيب "لن يتحمل الطريق والسفر، هل تشغلين نفسك بأشياء أخرى أكثر فائدة؟" 
احمر وجهها وتوقفت عن بلع الطعام وهي تحدق به وتقول بصوت بالكاد سمعه "أشياء أخرى؟" 
أنهى الطعام وتراجع وهو يقول "سنتناول الشاي بالاستراحة هيا قبل الزحام" 
تابعته وهو يتحرك بقوامه العملاق لخارج الغرفة دون انتظارها وهي لا تفهم ماذا عنى بكلماته ولكن بالنهاية لا يهمها ما يقصد بل هو أصلا لا يهمها فإذا كانت بالنسبة له مجرد إشباع لرغبته في الانتقام فهي لن تعبأ بكلماته ولا تصرفاته، رن هاتفها برسالة فتحتها لترى كلمات بسيطة
“زواجك لا يعني خلاصك، بيوم ما سأنالك حتى ولو لم يعد هناك ديون"
بالطبع عرفت أنه وحيد، هو الرجل الوحيد الذي يتحدث عن الديون، بوق السيارة أعادها من أفكارها وجعلها تنهض للخارج حيث تفاجأت بأنه هو الذي يقود السيارة، جمدت بمكانها وشعرت بأن جسدها يرفض أن يطاوعها لولا أن دق هو البوق مرة أخرى لتنتفض وتتحرك ببطء وهي تفتح الباب وتدفع جسدها للداخل وجلست دون أن تنظر له فقط نظراتها حدقت بالأمام ورغم أنه سبق لها الركوب معه بالأمام إلا أنها اليوم لا تشعر بالراحة ربما لأن بالمرة السابقة كانت مشغولة به أو ربما لم تكن الحادثة قد ترسخت داخلها كما هي الآن
لم تنتبه له وهو يسألها حتى كرر سؤاله بحدة "ملاك، هل أنت بخير؟"
عندما نظرت له رأى وجهها الشاحب ونظراتها الزائغة وقطرات من العرق انتشرت على جبينها وحاولت أن ترد بصوت طبيعي ولكنه خرج مرتجف وهي تقول "نعم، بخير"
ظل ينظر لها محاولا أن يدرك ما بها ولكنها أبعدت وجهها للأمام مرة أخرى وهو يتحرك بالسيارة لخارج الفيلا ولم ينتبه ليدها التي قبضت على ذراع الباب بقوة حتى تألمت أصابعها ولكنها لم تهتم وعيونها لا ترى إلا ذلك المشهد بين المطر والظلام و..
"ملاك أنا أتحدث إليك!؟"
التفتت له وأنفاسها متلاحقة وقد انتبه لذلك فضاقت عيونه الدخانية وقال "ماذا بك؟"
لم تكن لتخبره شيء، لن تذكره بما سيجلب عليها الغضب والألم فهزت رأسها بالنفي وقالت "لا شيء، أنا بخير"
أبعد وجهه للطريق ولكنه انتبه لما تعانيه فقد تذكر أنها منذ شهرين تعرضت لحادث سيارة ورغم أنها ركبت معه مرات عديدة ولكنها كانت بالخلف لم تجلس بالأمام بمواجهة الطريق مباشرة، قال ليبعد تفكيرها "لم تخبريني كيف حصلت على شهادتك الجامعية وما هو تخصصك؟"
ابتلعت ريقها بصعوبة وحاولت أن تتجاوب معه ربما انتهت حالتها وقالت "هندسة"
التفت لها وكأنه لا يصدق وردد "هندسة؟ كيف؟ أنت صغيرة ودراسة الهندسة صعبة"
أبعدت وجهها عنه وهو على حق فقالت "أخبرتك أني دخلت المدرسة صغيرة، أنا أحب الرياضيات جدا كنت دائما متفوقة بها بالمدرسة أحصل على الدرجات النهائية لذا لم أفكر إلا بهندسة واخترت الهندسة المعمارية، كنت أدرس أون لاين بمعظم الأوقات كورسات مدفوعة الأجر حتى تخرجت هذا العام"
لم يتحدث لوقت، ربما لا يصدقها وربما يحاول استيعاب الأمر حتى قال "هذا يعني أني قد أستعين بك ببعض مشروعاتي المستقبلية؟"
لم تتبدل ملامحها ولم تترك يدها ذراع الباب وقد لاحظ أنها ربطت حزام الأمان بمجرد أن ركبت وقد كان هذا هو سبب نجاتها من الحادث الأليم بذلك اليوم فهي كانت تجلس بجوار أخيها المجنون وحياة بالخلف لأول مرة..
قالت "حقا؟ هذا رائع لكم تمنيت أن أعمل بمجال دراستي"
قال بجدية "أسعى لدخول مجال الفنادق والسياحة بعيدا عن أعمالي الأخرى الخاصة بالمولات التجارية، لو كانت لديك أفكار فمرحبا بها"
ظلت تنظر له وهي لا تصدق أنه قد يثق بها وهو ما قالته "هل أنت جاد حقا؟"
نظر لها ليواجه عيونها وقال "تحت رقابتي بالطبع"
استوعبت كلماته وهو أيضا كان معها على نفس الخط فأبعدت وجهها وقالت "لا داعي لذلك ربما أهد إمبراطورتك فلا تضع نفسك على المحك معي"
لم يرد وقد أدرك أنها تعني ما تقول وهو ليس على استعداد بعد للثقة بها، دخل استراحة وقال "أعتقد أننا بحاجة للقهوة"
لكن هي كانت بحاجة للحمام فكلماته جعلتها تتلوى من معدتها فقالت "أفضل الحمام"
هز رأسه وهو يوقف السيارة بمكان الانتظار وبصعوبة استطاعت تحريك جسدها ولكن يده الممدودة لها جعلتها تنظر له وقد وقف أمامها ونظراته تواجه عيونها الخضراء بضوء الشمس فمدت يدها له فجذبها وتماسكت وهي تلقي بثقلها عليه تجنبا للدوار وضمها له وهو يشعر بارتجافه جسدها فلم يعلق وهو يتحرك بها إلى حيث حمام السيدات فدخلت لتقوم بما اعتادت عليه مؤخرا من القيء
ألقى السيجارة على الأرض ودهسها بقدمه وهو يتحرك تجاهها وهي تخرج من الحمام وقد غسلت وجهها وبدت أفضل فقال "ألا تأخذين دوائك؟"
قالت وهي تضع يدها بذراعه مندهشة من اهتمامه بها "بلى أفعل ولكن الطبيبة لم تتحدث عن توقف القيء"
أدرك صحة كلماتها فلم يعلق، أجلسها ثم جلس بجوارها وأسرع المسؤول تجاههم فطلب القهوة وهي طلبت عصير، أشعل سيجارة أخرى وقال "حمزة كان يوافق على دراستك هذه؟"
قالت وهي تتذكر "لم يكن يعلم"
نفخ الدخان وقال بدهشة "عفوا!؟"
أخفضت نظراتها وهي لا تنكر صعوبة تصديق الأمر فقالت "حمزة لم يعترف بالجامعة والشهادات هو نفسه لم يكمل بالجامعة لذا كان من الصعب أن أخبره برغبتي بإكمال دراستي"
وضع الرجل الطلبات وذهب فقال "وكيف أتممت الأمر؟"
رفعت عيونها التي عادت زيتونية بعيدا عن ضوء الشمس وقالت "كنت أدرس بوقت متأخر من الليل والامتحانات كانت هي أصعب ما كان ولكن تدبرت أمري بمساعدة عم فهمي"
ظهرت نظرات تساؤل بعيونه فأكملت "المسؤول بالفندق"
حدق بها لحظة ثم قال "المكان الذي اعتبرته بمثابة بيتك"
لم ترد على تعليقه وإنما قالت "كنت أبيت هناك للمذاكرة مع عم فهمي وزوجته، كانت الظروف تساعدني أيضا فقد كان حمزة يسافر كثيرا"
تناول القهوة عندما عاد هاتفه يرن فأجاب وانشغلت هي بالعصير حتى انتهى وقال "الجو برد بالعالمين حاليا لذا لن يمكننا الخروج كثيرا سأضطر لتركك وحدك بالجناح هل ستكونين بخير؟ أمر الدوار والقيء؟"
قالت وقد أبعد الحديث عن حمزة فلم تعترض "نعم لا تقلق، ماذا عن الحفل ؟ أنا لا أعرف أي شيء تلك الحفلات"
انحنى تجاهها واقترب منها وقال "هل تريدين إخباري أن ذلك المدعو حمزة أو رجل مما عرفتهم أنت لم يصحبك لحفل من قبل؟"
شعرت برغبة في النهوض وترك ذلك الرجل الذي لا يصدق براءتها، كيف يمكنها أن تجعله يصدق أنها لم تعرف سواه ولم تتحرك قدم واحد بطريق حمزة، أبعدت وجهها عن وجهه القريب وقالت "نعم لم يفعل ولا أنا فعلت من قبل"
كلماتها دفعته للخلف ولا يعلم لماذا يريد تصديق كلماتها وكأن تلك البراءة بعيونها هي جزء من براءتها من كل ما يعرفه عنها ولكن لا، لا يمكن أن تكون أخته ولا تشاركه دناءته ونذالته، أشار للمسؤول بطلب الفاتورة ودفع المقعد للخلف وهو ينهض ويقول "دعينا نذهب"
لم تعترض وهي تنهض وتتحرك أمامه وهو يمنح الرجل أمواله ثم تحرك وهو يحيطها بيده عائدا للسيارة ليقود في صمت دون أي كلمات من كلاهم وما زالت هي تقبض على ذراع المقعد بقوة وكأنها حبل النجاة
كانت العالمين رائعة حقا مكان سياحي من الدرجة الأولى ولا يزورها إلا الأثرياء والفنانين والشخصيات العامة المعروفة، أوقف السيارة ونزل وتقدم منه رجل بملابس رسمية حصل منه على المفتاح بينما تقدم هو منها ليساعدها على النزول كالعادة ولكنها كانت متماسكة وهي تتأمل الفندق الرائع ومن الداخل كان الوهم حقا، الاستقبال كان على علم بوصوله بالطبع وتم استقباله باحترام واضح وأرشدهم أحدهم لمكان جناحهم الخاص بهم والذي كان بالدور الثاني ويواجه البحر الرائع وكذلك بالأسفل كان المبنى يحتضن حمام السباحة، ابتعدت عن النافذة عندما سمعت الباب يغلق فالتفتت له وهو يخلع جاكته ويقول 
"لدي موعد هام بالأسفل بعد نصف ساعة هل يمكنك تدبر نفسك"
هزت رأسها وهو يبحث عن حقيبته فاتجهت لها وكادت ترفعها ربما تقوم بواجباتها الزوجية كما كانت والدتها تفعل وكما كان حمزة يجعلها تفعل وكما طالبها هو نفسه بحقوقه عندما أمسك يدها وهتف "لن تفعلي"
لم تفهم نظراته ولا معنى رفضه فأبعدت يدها وقالت "كما تشاء"
وابتعدت إلى النافذة مرة أخرى دون أن تتابعه وهو يدخل للغرفة الوحيدة بالمكان، ظلت تتأمل المكان بل وفتحت النافذة وتمتعت برائحة البحر الرائعة وتمنت لو لامست قدماها تلك المياه وظلت على رمال شاطئه حتى غروب شمس النهار ولم تحاول التفكير بمعنى تصرفه فهو بالتأكيد لا يعتبرها زوجة حقيقية كأي زوجة فقط تلك الرغبة هي ما ينشدها ويريدها منها ويحقق بها باقي انتقامه
سمعته يقول "لو أردت تناول أي طعام اطلبي المطعم، لن أتناول معك الغداء ولكن العشاء سيكون مع الجميع فاستعدي بالسابعة"
نظرت له كان قد ارتدى بدلة أخرى بنية صيفيه وقميص بيج مفتوح الأزرار بدون ربطة عنق وقد كان رائعا بتلك الملابس، هزت رأسها فتحرك خارجا وهي صامتة وتحركت باحثة عن حقيبتها فدخلت الغرفة وأدركت أنه وضعها بالداخل مع حقيبته وبدون تردد أو تفكير برفضه السابق بدأت بإخراج ملابسه ووضعها بدولاب الملابس وربما جذبتها رائحة ملابسه التي كان يرتديها فجعلتها تضمها لها وتتنسم العطر الخاص به والملتصق بها وتذكرت ليلة الأمس وروعة المشاعر التي شعرت بها وهي معه وقد كانت تعلم أنها وهي معه نست كل ما بينهم فقط تذكرت لمساته التي تجعلها تنصهر بدون نيران فقط نيران العشق، لم يمكنها رفضه بل كانت تريده وما زالت تريد قربه وقبلاته وأحضانه، قوته ورقته بآن واحد، لم يشعرها لحظة أنه ذلك العملاق الذي يمكنه أن يدهسها تحت ثقل جسده بل تعامل معها برقة جعلتها أسيرة فراشه للأبد لو أراد، فقط عندما تنتهي ثورة المشاعر بينهما تعود ذكرى تلك الليلة وكأنها كانت ليلة بكل العمر
نامت بعد أن انتهت وبدلت ملابسها ولم تستيقظ إلا على صوت جعلها تفتح عيونها لتراه يدخل الغرفة ويضيء النور وهو يتقدم والجاكيت على ذراعه ناظرا لها وهو يقول "إنها السادسة، أنت لم تنهضي حتى من الفراش"
اعتدلت جالسة ثم نهضت واقفة وبدت صغيرة وجميلة بالتي شيرت القصير ولم ترتدي بنطلون فأثاره رؤيتها هكذا بينما قالت هي ببراءة "لم أشعر بالوقت، سأنتهي بسرعة"
ولكنه كان قد تحرك لها ووقف أمامها كليلة الأمس وهي بين الفراش وبينه وعيونه تتأمل ملامح وجهها الرقيقة ورفع يده لوجنتها ومررها عليها وقال بصوت فقط هي من تسمعه وعيونه على شفاهها "لا داعي تم إلغاء العشاء لغياب العديد من المدعوين عن الحضور يمكننا تناوله فيما بعد"
وجذب وجهها إليه ليقبلها قبلته المعتادة الجائعة يلتهم شفتيها بنهم وكأنه لم يقبلها من قبل وليس بالأمس وظلت هي هامدة وهلة ثم بدأت تفرج له شفتيها وتتجاوب معه وقد أطاعت أوامر شفتيه بضعف ورضاء وكأنها كانت فاقدة للحياة وقبلته أعادتها للوجود، يده تجذبها له أكثر حتى تلصقها به لتشعر بحرارته تندفع لجسدها وصدرها يندثر على عضلات صدره كالموجة تندثر على رمال الشاطئ ويده تعتصر جسدها وتهز كيانها فترفع يداها لصدره وقد انتظر أصابعها التي تغزو جلده بأظافرها فتمنحه رغبه أكبر، كانت تبدو فاتنة عندما وقفت أمامه كالطفلة وشعرها يحيطها بهالة نارية تثير جنونه وتجعل رجولته تناديها لذا لم يتردد بأن يدفع عنها التي شيرت ليتلمس بشرتها الناعمة ومنحنياتها المثيرة ثم يريحها بالفراش وهي مستسلمة له وهو يفك أزرار قميصه ليبعده ويعود لها ولا يعلم كيف تحول بمجرد أن وقعت عيونه عليها من الهدوء إلى الرغبة الثائرة داخله وعاد لها وهمس 
"أنت امرأة تعرف كيف تثير الرجل ولا تتركه إلا بفراشها ملتصقا بها"
لم ترد وهي تشعر بحزن من فكرته عنها وهو لا يبعد فكرة الرجال التي بحياتها عن ذهنه ولكن سرعان ما ضاعت معه بعالم آخر خاص بهما وهما يتحدان سويا بموجة واحدة من المشاعر الدافئة
لم تنم بعد أن انتهى وأطبق عليها بذراعيه ونام، انتظرت حتى انتظمت أنفاسه وذهب بالنوم وانسلت من بين ذراعيه وتحركت للحمام وهي تنفذ قراها الذي لم تغيره


الفصل السادس
فضيحة 
داعب نور الصباح عيونها ففتحتهم لتفزع من جسده الهائل بصدره العاري وبنطلونه الذي يغطي ساقيه الطويلتين وعيونه كلها غضب وهو يقول "ماذا تعنين بتصرفك هذا؟"
اعتدلت على الأريكة وجسدها يؤلمها وأبعدت خصلات شعرها عن عيونها وقالت "أي تصرف؟"
جذبها إليه من ذراعها وقبضته تعود لتؤلمها مرة أخرى وهو يخفض وجهه ليقربه من وجهها الذي تملكه الفزع وهو يقول "وجودك على الأريكة وبالبيت لم تنامي بفراشي، ماذا تريدين من وراء ذلك؟"
حاولت ألا تضعف أو تبكي وهي تقول "لا شيء لم أكن أريد النوم ولم أرغب بإقلاقك فأتيت إلى هنا ونمت دون أن أشعر"
هزها بقوة وهو يقول "كفاك كذب وأخبريني الحقيقة مرة"
قالت بصوت مرتفع قوي بالنسبة لها "وكيف ستدرك أني أقول الحقيقة من عدمها وكل ما أنطق به كذب بالنسبة لك؟"
نظراته تجمدت على عيونها التي لم تفر منه ولم تتراجع أمام الغضب الثائر منها عندما قال "ومتى تنوين قول الحقيقة؟"
قالت "بالنسبة لك أنا لن أنطق بها أبدا، أنا أمامك الصورة الأخرى لحمزة، الغش والنصب والاحتيال والكذب أنا حقا لا أعلم لماذا تبقيني زوجتك؟ هل تترك ذراعي؟"
لم يتركها وهو يقربها منه أكثر وقال "لا، لن أفعل لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتعامل معك، الألم، أنا أبقيك زوجة لي كي تتألمي وأنت تدركين أني لا أرغب بك إلا بالفراش فهو شيء تجيدين القيام به على أكمل وجه وبالمقابل تحصلين على تلك الحياة التي كنت تحلمين بها، أمنعك من أن تكوني لرجل آخر ربما تمنته بيوم ما ولن تعيشي إلا بالمكان الذي أريده حتى يأتي ما يخصني وبعدها بالتأكيد يمكنك الرحيل مع ثروتك الجديدة وتمنياتي لك بحياة سعيدة"
ودفعها للخلف بقوة فسقطت على الأريكة مرة أخرى بينما اندفع هو للحمام وصفع الباب خلفه من قوة غضبه وقد أثارته بتصرفها هذا وكأنها تشعره أنها لا تريده رغم أنها تستجيب له وهي بين ذراعيه، أغلق المياه ولف وسطه بالمنشفة وتحرك ووقف أمام المرآة واستند بيديه على طرف الحوض ولم ينظر للمرآة فقط أسقط رأسه وأغمض عيونه وهو يشعر بغضب شديد يجتاح كل كيانه من تلك المرأة ومن تصرفاتها بل غضب من نفسه، نعم من نفسه كلما أراد أن يسحقها مطفئ رغبته بالانتقام منها ومن أخيها تسحقه هي وتأخذه لعالم آخر، عالم أراده وأعجبه بل وأصبح يريده بكل وقت ولكنها توقظه على صفعة قوية تعيده لواقعه وهو أنه مهزوم أمامها، تلك اللعينة تسلبه قوته بلحظة، اللعنة عليك امرأة لن تفعلي بي ذلك لن أسمح لك أن تنسابي داخلي بدون أن أشعر لن تفعلي بي ما فعله أخيك بأختي لن يكون ورفع رأسه ليرى وجهه بالمرآة فهتف بقوة غضبه 
"أيها الرجل لن تهزمك امرأة هل تفهم؟ لن تفعل ولا أريد أن أراك حتى تهزمها لن أراك فأنت لن تهزمني أبدا هل تفهم؟ لابد أن تستيقظ من نومك هذا استيقظ، هل تسمعني؟ استيقظ الآن"
وبدون وعي رفع يده ولكم وجهه بالمرآة وسقطت المرآة قطع صغيرة وسقطت معها الدماء من يده ولكنه لم يهتم وما زال غاضب من نفسه ومع ذلك من داخله صوت يسخر منه ويقول لن يمكنك هزيمتها فأنت تريدها 
فزعت من الصوت الصادر من الحمام فأسرعت إليه ودفعت الباب لتراه واقفا أمام الحوض والدماء تسيل  فأسرعت إليه وهي تقول "ماذا حدث؟ يدك تنزف"
حاولت أن تمسك يده ولكن غضبه جعله يدفعها بقوة بعيدا وهو يصرخ بها "ابتعدي عني"
لترتد بقوة من دفعته للخلف لتنزلق قدمها من الأرض المبللة فيختل توازنها ولا تجد شيء تمسك به فتجد نفسها تسقط على ظهرها بقوة ويصطدم رأسها بشيء صلب فتفقد الوعي بالحال
شعرت بصداع فظيع برأسها عندما فتحت عيونها فأغلقتها مرة أخرى ولكنه لم يتبدل فسمعت صوته يناديها "ملاك، ملاك هل تسمعيني؟"
فتحت عيونها مرة أخرى لتراه يقف أمامها وعيونه كلها قلق وقد اسود وجهه، عاد الصداع يدق بقوة فرفعت يدها لرأسها وقالت "صداع مؤلم"
نفخ بقوة وهو يتذكر ما حدث وقد شعر بالرعب مما يمكن أن يكون قد أصابها ونسى غضبه وسخطه كله بنفس اللحظة التي سقطت فيها أمامه وتملكه شعور بالذنب لو ضاع الجنين بسببه ولكن الطبيب طمأنه أنها بخير فقط بحاجة للمتابعة بسبب صدمة رأسها خوفا من الارتجاج 
دفع قرص من الدواء بيدها وقال "تناولي هذا، سيساعدك كثيرا"
نظرت ليده التي كانت ملتفة بالضمادات فأدرك نظراتها فقال "لم أقصد ما حدث بالحمام فقط كنت غاضب"
هزت رأسها بتفهم ولم تنظر لوجهه وإنما أخذت الدواء وقالت "هل الجرح غائر؟"
قال بلا مبالاة "بضعة غرز، هل تشعرين بأي ألم بأي جزء بجسدك؟"
فهمت سؤاله وقالت "أظن أن الحمل بخير ألم يطمئنك الطبيب؟"
لمعت عيونه من تلك الفتاة التي تملك شخصية محيرة يكاد لا يفهمها وهو الرجل ذا الأعوام الكثيرة والتي أكسبته خبرة تمكنه من فهم أي شخص أمامه إلا هي
قال "بلى فعل ولكن ربما هناك كدمات أخرى بجسدك"
قالت دون أن تنظر أيضا لوجهه "لا فقط رأسي تؤلمني أظن أني اصطدمت بشيء هو ما أفقدني الوعي"
ابتعد وجلس على أقرب مقعد وقال "نعم، حوض الاستحمام والطبيب يظن أننا محظوظين لأنك لم تنالي جرح غائر ولم نفقد الجنين"
رفعت رموشها لتنظر له فالتقط نظراتها وقد بدت عيونه مختلفة عن تلك الغاضبة التي جعلتها تمتلئ بالفزع والخوف، نفخ وهو يبعد عيونه ثم عاد وقال "حسنا أنا آسف فقط دعيني وشأني وقت غضبي فهو وقت أفقد فيه الوعي تقريبا"
هزت رأسها فنهض وقال "سأطلب طعام من خارج الفندق فقد أغلق المطعم وأنا جائع وأنتِ لابد أن تتناولي أي طعام وإلا ستتساقطين منهارة مرة أخرى"
لم ترد وهو يبتعد لهاتفه وتعامل وهي تتابعه وقد تبدل لرجل آخر غير هولاكو الذي دفعها بقوة جعلتها تكاد تفقد الكثير بسببه ولكن الآن نسى كلاهم خلافهم الأصلي وقد رأت الخوف والقلق بعيونه وهي أيضا شعرت بالخوف، وضعت يدها على بطنها ورغم أنها لا تدري ماذا سيكون مصيرها بعد وصوله للحياة إلا أنها تنتظره حقا وتتمنى رؤيته ربما يمنحها وجوده سعادة لم تعرفها بحياتها
بالصباح كانت أفضل كثيرا رغم أنه نام بجوارها بالفراش إلا أنها لم تنهض من جواره بل ونامت من التعب والصداع لذا كان الصباح أجمل لكلاهم وكأن الليل ذهب وخطف معه ما كان بينهم باليوم السابق، عندما خرج من الحمام كانت قد ارتدت بنطلون أبيض من القماش وبلوزة زرقاء بنقط بيضاء حريرية بأكمام وارتدت جاكيت أبيض ضيق فبدت مختلفة وهي تقف وتربط شعرها للخلف كالعادة فظل لحظة يتأملها قبل أن يدفع المنشفة بعيدا عن رأسه وقال 
"وأخيرا الأبيض يعود"
التفتت له وهو يخرج ملابس لنفسه ولكنها قالت "والدك ما زال بحداد على أختك، أخرجت لك ملابس هناك"
توقفت يده وهو يستوعب كلماتها ثم توجه نظره للفراش حيث وضعت له ملابس خفيفة فتحرك للفراش وقال "ليس عليكِ أن تفعلي"
قالت بصوت منخفض "أنا زوجتك"
نظر لها بقوة فارتبكت وهي تضغط على المشط بأصابعها وقالت "حتى تقرر أنت العكس"
تحرك تجاهها حتى وقف أمامها فرفعت رأسها لتصل لقامته وانتظرته حتى قال ربما ينهي الصراعات التي لا تتوقف "هل لديك اقتراحات بخصوص العكس؟"
ظلت تنظر له وقد شعرت كأنها تضيع وسط دخان عيونه المثير ولكن رائحة صابون الاستحمام الذي فاح منه جعلها تعود للواقع وتهز رأسها بالنفي وهي تقول "لا، أنا أعيش الحاضر، المستقبل ليس بيدي"
ظل يحدق بعيونها ثم خطر سؤال غريب عليه فقال "ما لونهما؟ عيونك؟ أحيانا أراهم كالزيتون النابض والمثير للشهية وأحيانا أراهم كالأخضر العميق فأيهم هي؟"
كف يا قلبي عن الهذيان من كلماته، توقف عن الدق لكل نفس من أنفاسه القريبة ولا تهجريني يا قوتي وكأنك تفري هاربة أمام قوة ذلك الرجل الذي لم أعد أعرف ماذا يفعل بي، رنين هاتفه فصلهم بقوة كالرعد يهز الوجود فابتعد إليه وتنفست هي وهي تضع يدها على قلبها الذي يؤلمها من سرعة وقوة دقاته 
سمعته يقول "الإفطار للتعارف، هناك شخصيات أجنبية ستكون موجودة هل يمكنك الصمود بمثل تلك الأجواء؟"
أبعدت المشط وهي تقول "سأحاول"
ووضعت عطر الزهور الخاص بها ورأته يسحب الملابس التي وضعتها ويرتديها بصمت، عندما نزلا كان الإفطار بقاعة كبرى العمل بها يبدو كخلية نحل لا تتوقف والموائد مزينة بمفارش من الستان الأزرق وباقات من الورد متنوعة الألوان على كل مائدة وبدت موائد كثيرة قد شغلت بأصحابها، تحرك أحد المسؤولين إليه فقال هو "يوسف السمنودي"
أحنى الرجل رأسه باحترام وهو يقول "بالتأكيد سيد يوسف تفضل من هنا"
كانت تضع يدها بذراعه وقد لاحظت أن نظرات الحضور تتجه لهم مما جعلها ترتبك فمال عليها وقال "ارتباكك يعني أنك أضعف منهم وأنا مكانتي لا تسمح بذلك وبالتالي زوجتي بالمثل"
رفعت وجهها له عندما وصلا لمائدتهم وقد كان عليها رجلان وامرأتان، نهض الرجلان بوصولهم، قام هو بالتعريف وقد كان أحدهم محمود الشرقاوي وزوجته، لم تعرفهم لأنها بتلك الليلة لم تكن تعي سوى ما كانت تسعى له أما الزوجين الآخرين فكانا إنجليزيان مدعوان للحفل الذي اتضح أنه من أجل العمل ومشاركة الأفكار والأعمال وإبرام الصفقات بين الدول
ألقت تحية بالإنجليزية على جاك وزوجته جينا وأجلسها هو بأدب وجلس الرجال وسرعان ما بدأت المحادثات المتبادلة وشاركت بها وقد تسرب الخوف منها وحل الأمان من وجوده بجوارها وهو يشجعها على المشاركة خاصة بعد أن تفاجأ من جودة اللغة لديها وتناولوا الإفطار بنفس الجو وقد تحول الحوار للعمل بينما اندمجت جينا بحديث جدي مع هدير وانشغلت هي بالغثيان الذي أصابها من الطعام فلم تتناول إلا القليل حتى انتهى الجميع ودخل أحد المسؤولين وقال باحترام بالعربية ثم ترجم للإنجليزية بقوله 
"السيدات والسادة قاعة الاجتماعات جاهزة"
نهض الجميع وساعدها هو على النهوض جاذبا المقعد من خلفها وحاولت تحمل شعورها بالقيء وهي تضع يدها بذراعه وتتحرك معه عندما مال ناحيتها وقال "تجيدين التصرف مولوكيلا"
رفعت وجهها إليه بدهشة فهمس بأذنها "زهرة أجراس أيرلندية لونها يشبه لون عيونك وهي زهرة تشبه الجرس بعد نموها وتبدو ساحرة المنظر بالحقول، عيونك تذكرني بها فقد رأيتها مرة بتركيا ولفتت انتباهي لذا لم أنساها"
ابتسمت لكلماته وقد كانت سعيدة بها حقا، الاجتماع كان كله يقوم على مشاريع إنشائية خاصة بالسياحة المتبادلة بين مصر ممثلة برجال الأعمال الحاضرين والدول الأجنبية الحاضر رجالها ولم تمل مثل السيدات الأخرى بل كانت تركز بكل ما يقال وتحركت عيونها لزوجها لتتأمل ملامحه الجامدة ولا تذكر أنه ابتسم مرة واحدة منذ عرفته لا معها ولا مع سواها، عيونه تنبض بحيوية وشباب وتنطق بذكاء صاحبها وقوة تركيزه، أنفه البارز يدل على العجرفة والكبرياء الذين تعرفهم جيدا، فمه المغلق يأخذها لقبلته القوية التي تدمي شفتيها دون اعتراض منها، ذقنه الموصوم بطابع الحسن مستند على أصابعه الطويلة البرونزية تدل على مدى وسامة ذلك الرجل وبدون أي إنذار التفت لها ليلتقي بنظراتها فاحمر وجهها وكأنه فاجأها بفعل فاضح وهي تتأمله فظل يقابل عيونها بلحظة طويلة أنهاها عندما عاد يستمع للمتحدث وأخفضت هي عيونها محافظة على مشاعرها الكامنة خلف نظراتها 
عندما انتهى الاجتماع قال محمود "ستحصل أنت على جاك أليس كذلك؟"
هز كتفيه بدون اهتمام وقال "لم أفكر بعد ربما أفضل العمل منفردا"
نظر محمود له وقال "تفكر بشيء محدد؟"
قال وهو ينظر لها "لا، ملاك هل تفضلين البقاء بالخارج أم تصعدين للراحة؟"
قالت بدون تفكير "الخارج"
لم يراجعها وهو يتحرك مع محمود وأكمل حديثه معه عندما واجهتهم كاميرات الصحافة ولم يتوقف أحد أمامهم بل تحرك الجميع إلى حمام السباحة دون اتفاق وجلس الأربعة وقد كان الجو رائع وجلست هدير بجوارها فقالت "يبدو أن الأمور أصبحت بخير بينكم"
انتبهت لها بدهشة وهي لا تفهم ولكن سرعان ما تذكرت فضيحتهم فقالت "نعم، لقد انتهى خلافنا وأصبحنا بخير"
فضول هدير ضايقها ولكن عليها أن تشبع ذلك الفضول بدون مشاكل، قالت هدير "منذ متى بدأت علاقتكم؟"
لم تعرف بماذا تجيب ولكنها قالت "شهرين"
نظرات هدير كانت غير واضحة وقالت "هل تدركين معنى زواج السمنودي، العازب الأبدي؟ هكذا أطلقت عليه الصحافة، خمس وثلاثون عاما ولم يفكر بالزواج يوما، ربما زينة داعبت عقله بالفكرة وقد كانت علاقتهم قوية فهي فاتنة حقا قوام وأناقة، وقتها ظن الجميع أن الحب هو المسمى الأول لما بينهم حتى انتهت العلاقة فجأة ولا يعلم أحد سبب النهاية ولكن بذلك الحفل الأخير بدا أن زينة تريد استعادة قصتهم"
شحب وجه ملاك وشعرت بمعدتها تنعقد وشعور غريب يتملكها ورغبة بلكم تلك المرأة بوجهها والتي بدا أنها تقصد إلقاء القصة بوجهها وكأنها تخبرها أنها لا تقارن بها، التفتت له ولمست ذراعه وقالت "يوسف"
اسمه غريب بالنسبة له، تنطقه بشكل جعله يلتفت لها باهتمام وهي تكمل "آسفة أريد الحمام من فضلك"
اعتذر من محمود ونهض وهو يساعدها ودفعها أمامه وهي تحاول إيقاف الغثيان وتضع يدها على فمها وسرعان ما تركها أمام الباب لتسرع هي إلى الداخل وتسمح لمعدتها بأن تعلن عن غضبها وتلقي بما بها للخارج وصاحب القيء دموع غزيرة، تعبت فسقطت على الأرض وهي تترك الدموع من الغيرة التي لمست قلبها فجعلته يتلوى وقد أدركت أنها تحب ذلك الرجل فتلك الرغبة التي تجعلها تستسلم له سببها الحب لذا لم تكن سوى له هو، هو فقط من رحلت معه دون أن تعرفه وظنت أنها تزوجته فتملكها دون أي مقاومة ولكن كم هو مؤلم إدراك تلك الحقيقة فهي تحب رجل يمقتها ويحتقرها ولا يحمل لها إلا الكره والرغبة بالانتقام منها ومن أخيها 
هدأت أخيرا ونهضت لتغسل وجهها وتجففه ثم خرجت لتجده ينتظرها بقلق جعله يتحرك تجاهها وهو يقول "أخبرتك أن تصعدي للراحة"
حاولت أن تخفي أشجانها وقالت بابتسامة باهتة "ألم تعتاد الأمر"
نظر لها بقوة وقال "وأنت تبدين كالأموات؟ لا شكرا لن اعتاده، هيا لنصعد لترتاحي وسأعود وحدي"
هتفت "لا، أقصد دعني معك لا أريد أن أبقى وحدي"
ظل ينظر لها وعيونها كلها رجاء فهز رأسه وأحاط جسدها بذراعه وهو يعود بها عندما نهض محمود بينما قالت هدير "هل أنت بخير ملاك؟ تبدين متعبة"
قالت ببرود "أنا بخير تعلمين الحمل خاصة الشهور الأولى"
أطلق محمود ضحكة مرتفعة وقال "بالطبع تعرفه لقد كان الأمر أسوء بكثير مع سارة ابنتنا، هدير لم تكن تنهض من الفراش ولم يكن مسموح لي بالاقتراب من الفراش ولا بأن أقوم بالتدخين بالغرفة لذا أمضيت الشهور التسعة أسافر من بلد لأخرى"
ابتسمت لكلمات الرجل بينما رفعت رموشها تجاه زوجها الذي بادلها النظرة وقاطعتهم هدير بقولها "كنت تعلم أن الحمل الأول لم يكمل وكنت تخاف مثلي تماما على سارة"
قال بجدية "بالطبع حبيبتي لكن حتى الخوف له حدود"
قالت بضيق "كل النساء تمر بتلك الحالة ها هي ملاك ومن قبلها الكثيرات، أظن أن يوسف يتفهم الأمر رغم أنه كان قد أخبر زينة من قبل أنه لا يرغب بأي أولاد"
جمدت ملامح الجميع بلحظة وشحب وجهها أكثر وقد بدت كالأموات حقا واعتدل هو وهو يقول "أظن أننا بحاجة للراحة قبل الحفل اسمحوا لنا"
نهضت هي الأخرى وكذلك محمود الذي حياها بوجه مرتبك وتعمدت ألا تنظر لهدير التي بدا أنها تستمتع بذكر زينة أمامها..
أغلق باب غرفتهم خلفه وتابعها وهي تخلع الجاكيت وتتركه على أول مقعد وتتحرك لغرفتهم دون أي كلمات وقبل أن يتبعها رن هاتفه فأجاب
جلست على أقرب مقعد وأغمضت عيونها للحظة تحاول أن تنال قدر من الهدوء والسكينة كي يهدأ قلبها الغاضب وأسئلة كثيرة تتصارع داخل عقلها عن تلك المرأة وكيف كان شكلها الرائع وماذا حدث بينهم؟ وكيف كانت علاقتهم ولأي حد وصلت؟ ربما ليست بحاجة لتسأل فالحديث عن الأطفال بين رجل وامرأة يعني الكثير..
نهضت وبدلت ملابسها وهي تسمعه يباشر أوامره بالهاتف فدخلت الفراش وحاولت أن تنام دون فائدة ولم يمكنها أن تهرب من ألم الغيرة ولا من فضولها المميت..
ارتدت فستان وردي بسيط وطويل مفتوح الصدر بشرتها الخمرية كانت تنطق بلمعة طبيعية، وضعت كحل أسود بعيونها وظلال وردية زادتها تألقا حتى الروج كان وردي فبدت هادئة وصارخة بذات الوقت ورغم عدم رغبتها بالذهاب إلا أنها تدرك أهمية ظهورها معه أمام الكاميرات لإيقاف الفضائح
بدلته الكحلية كانت تلف قوامه بأناقة وقد انتقت قميص وردي فاتح يناسب فستانها وربطة عنق كحلية بخطوط وردية خدمها الحظ بوجودها، تحرك تجاهها وقال "تقصدين اختيار الألوان مولوكيلا"
وضعت زجاجة العطر وتأملته وقالت "نعم"
تقدم تجاهها حتى وقف أمامها وقال "لم أعتد على ذلك"
كاد يتحرك لكنها لم تفكر وهي تسأل "مع من؟"
توقف ثم التفت لها وقال بدون تردد "مع من كنت أعرفهم مولوكيلا، فأنت لست امرأتي الأولي"
أظلمت عيونها من بروده وكأنه يقصد أن يؤلمها بذكر علاقاته فهو حتى لم يتحدث عن تلك المرأة زينة فشعرت بنسمة باردة تضربها وذهب بريقها ولكنه عاد واقترب منها وأكمل "ولكنك زوجتي الأولى"
ظلت تنظر له دون أن تفهم كلماته وهو لم يوضح ورفع يده وأبعد كم جاكته لينظر بساعته وقال "هل انتهيتِ؟ سنصل متأخرين"
اهتزت رموشها على عيونها وهي تبعد نظراتها عنه وتمنت لو تصرخ بوجهه وتسأله كم امرأة عرفت؟ ومن منهم ما زلت تعرف؟ ومن زينة؟ وما علاقتك بها؟ توقفت عندما رفع ذراعه فوضعت يدها بها وتحركت معه للخارج
القاعة الجديدة كانت أكبر وأكثر جمالا وتنظيما والموسيقى الهادئة تنساب من أماكن مختلفة ولم ينضما لمحمود وهدير وإنما تعرفت لأشخاص أخرى أفضل بكثير تجاوبت معهم حتى أعلن المسؤول عن بدأ الحفل بفقراته، وقد بدأ بمطرب شهير اندمج الجميع معه بالغناء وهي منهم وحاول هو مجاراة الجميع ثم هدأ الجميع بدخول فرقة روسية راقصة بهرتهم بجمال رقصهم، الفقرة الثالثة كانت لفرقة أمريكية تؤدي حركات بالجو خطرة ولكن أعجبت الجميع
الاستراحة أعلنت عن العشاء الذي سمح لهم بالحصول على وجباتهم من موائد الطعام المفتوحة وتحرك هو وهي بأطباقهم وحصلوا على الطعام وعادوا للمائدة وبدأوا بتناوله عندما أوقفهم صوت نسائي يقول 
"هذه هي المرأة التي أخرجت العازب من كهف العزوبية؟ ظننت أنها ستكون ملكة العالم للجمال وليست هذه يوسف"
رفعت عيونها للمرأة التي أمامها وعرفتها فهي من كانت معه بالصورة التي رأتها بالجريدة وهذا يعني أنه على علاقة بها، مسح فمه بمنديل ورقي وقال ببرود دون أن ينظر لها "لا يهمني ما تظني فقط أكتفي بما أراه أنا"
لاح غضب على العيون الزرقاء الفاتنة وهي تأكله بنظراتها وقالت "لم يكن هذا ذوقك من قبل فما الذي أصابك؟"
تراجع بالمقعد وقال وهو لا ينظر لملامح زوجته التي أعلنت عن غضب مكتوم مما يحدث "أصبحت أبحث عن المضمون لا الشكل فالزواج يختلف عن علاقة عابرة يا عزيزتي"
اشتعل وجه المرأة من الغضب وهي تقول "كنا سنتزوج بيوم ما يوسف"
قال بقوة "ولكننا لم نفعل زينة"
التفتت ملاك له بنظراتها، هذه هي زينة إذن؟ عادت لها لترى ملامحها الجميلة وهي تفوقها جمال وأناقة وجرأة تفتقدها بل تفتقد كل ما لدى تلك المرأة
فجأة وجدت زينة تنظر لها وتقول "زواج سري؟ أجدت اللعب يا فتاة وأمكنك تسديد هدف بالشبكة، وبالحمل تم تأكيد الفوز، لعبة لم تجرؤ امرأة من قبلك على الخوض بها وانتهت قبل أن تبدأ ولكنها كلعبة لابد أن تنتهي وأنت ستنتهي، هل تفهمين؟"
تراجعت ملاك وارتجف جسدها ولكنها لن تهوي أمام غريمتها فقالت "لا، بل أنتِ من لا يفهم، أنتِ لا تفهمين أنها ليست لعبة بل هي حياة وواقع، زواج على سنة الله ورسوله والزواج رابطة قوية لا تنقطع إلا بأسباب قوية وليس بخروج الكرة خارج الملعب"
لم تتراجع زينة وهي تقول "بل تنقطع يا مدام، تنقطع عندما تدركين أن زوجك سيعود لي لأني أنا أكثر امرأة عاش معها والوحيدة التي أحبها وصارحها بحبه لذا مهما طال خلافنا بالنهاية سيعود لي"
تلك المرارة ملأت فمها جعلتها تكره وجودها هنا وترغب بالفرار وتنهي تلك الآلام التي تنغز بكل جسدها وكأن أمواس تقطع جلدها بلا رحمة، تلك المرأة تصر على هدم أسوارها وصهر جليدها الذي تحيط نفسها به 
نطق يوسف بحدة ونفاد صبر "إلى هنا وتوقفي زينة، توقفي قبل أن تندمي"
نظرت له وقالت "يمكنني التوقف بحالة واحدة يوسف عندما تخبرها أنك أمضيت الأيام تسعى خلفي لتنال مني كلمة واحدة أو نظرة رضاء، سأتوقف عندما تخبرها أنك أمضيت ثلاثة أشهر تبيت بفراشي كل ليلة"
وصلت الحمم لفوهة البركان داخل ملاك فنهضت واقفة أمام زينة وقالت "كفى، لست بحاجة لتخبريني كل ذلك، ماضي يوسف خاص به ولا يهمني لأني لم أكن بحياته وله كل الحرية أن يعيشه كما أراد فقط حاضره هو ما يهمني وحاضره لا وجود لكِ به فتوقفي لأن كلامك لن يهين أحد سواك"
تراجعت زينة أمام كلمات ملاك القوية وللحظة تلجم لسانها قبل أن تقول بغضب ارتد لها بلحظة "بالطبع فتاة مثلك حقيرة تعمل ساقية بملهى ليلي لا يهمها إلا أنها حصلت على كنز بزواجها من يوسف السمنودي أنت حقا لصة ماكرة"
لم تشعر بنفسها وهي تصفع زينة بقوة على وجهها والدموع تملأ عيونها وهي تقول "ولكني لم أنم بفراش رجل ثلاثة شهور بدون صفة شرعية"
وتحركت للخارج والكاميرات تتبعها وهي تتعثر بين الموائد ولا ترى النظرات التي كانت تتابعها ولا طريقها الذي بدا طويلا حتى وصلت للمصعد عندما وجدت بابه مفتوح فدخلته والتفتت لتراه يلحق بها بالداخل وبلحظة جذبها إليه والكاميرات تتبعهم والباب يغلق عليهم وهي تنهار بالبكاء وهو يضمها بقوة ولم يبعدها حتى فتح المصعد فجذبها برفق لغرفتهم وفتح دون أن يفلتها حتى تقدمت لغرفتهم والدموع ما زالت تصاحبها وكلمات زينة ترن بأذنها 
"لم تخبريني أنكِ كنتِ تعملين بذلك الفندق"
لم تنظر له وقالت مندهشة من أن هذا هو كل ما يهمه وليس ما عانته هي من تلك المرأة "أنت لم تسأل"
تقدم حتى توقف أمامها وقال "أخبرتني أنه بمثابة بيت آخر لك"
لم تنظر له وقالت "اعتبرته كذلك لأني كنت أمضي به معظم وقتي أثناء وجود حمزة بالسفر، عم فهمي كان يساعدني بالمذاكرة فهو تخرج أيضا في كلية الهندسة"
ابتعد وخلع جاكته وقذفها بعيدا وفك ربطة عنقه وأبعدها وفك زر قميصه وهتف بغضب "اللعنة لماذا أنتِ أخته؟"
لم تنظر له ولم ترد، نظر لها وقال "لماذا كنتِ تفعلين معه ذلك؟"
نظرت له وهي لا تصدق أنه ما زال يظن بها ذلك فابتعدت وقالت "فكر كما تشاء ولكني لست كما تظن"
أمسكها كالعادة من ذراعها وجذبها له فقالت بقوة "لا تفعل واتركني أنا لم أكذب أنت الذي لا تريد تصديق أني بريئة فاتركني ولا تسألني عن أي شيء لن تصدق إجابته"
ولكنه لم يتركها وقال بقوة مماثلة لها "كيف يفترض أن أصدق وأنت كنت معهم بنفس السيارة ولم يصبك خدش واحد كنتم تعدون لها المكيدة سويا لنهب أموالها أليس كذلك؟"
خلصت ذراعها من قبضته وقالت "حمزة نعم لكن أنا ليس لي يد بأي شيء، حياة من طلبت أن تجلس بالخلف، كانت تريد رؤية الهدايا التي أحضرها لها حمزة وطلبت مني الجلوس بالأمام ولأني أعرف قيادة أخي المتهورة وضعت حزام الأمان وهو ما أنقذني"
هدأ غضبه وهي تسقط على طرف الفراش من التعب والإرهاق الذي اجتاحها بلحظة وضف عليهم ألم قلبها الصارخ من جرح الحبيب الذي لا يدرك مشاعرها تجاهه ولا يدرك إلا أنه يكرهها ويريد تدميرها وهو بالفعل يفعل..
رن هاتفه فلم يهتم حتى توقف الرنين فتحرك مبعدا خصلات شعره عن وجهه وظل معلقا يده بشعره والأخرى بجانب خصره والأفكار تتلاطم داخل عقله كالأمواج الثائرة تتسابق لتسقط منتهية على حافة الظلام الذي يحيطه من جهله بالحقيقة 
لم ينظر لها وهو يقول "لم تواجه امرأة زينة هكذا من قبل والصفعة ستكون قنبلة الصحافة" 
قالت بقوة "هي تستحق" 
التفت لها وواجه نظراتها وهو يعلم أنها على حق بل وهو معجب بما فعلت، قال بنبرة ما زال بها بعض الغضب "لن تجيبي أي اتصالات ولن تردي على أي أسئلة للصحافة"
هزت رأسها ثم رفعت وجهها الملطخ بالدموع وانسابت خطوط سوداء من أثر الكحل وقالت "فقط أوقفها هي قبل أن تفعل"
ظل يحدق بها وقد أدرك أنها على حق فزينة تجرؤ على خوض الجحيم في سبيل تحقيق ما تريده حتى ولو كانت منافستها ليست بالسهلة، رن هاتفه مرة أخرى فتحرك لجاكته وأخرجه منها وقد كان محمود الذي قال 
"من الغباء ترك تلك المرأة للصحافة يوسف انزل وأوقف تلك المهزلة"
قال وهو يجذب جاكته "سأفعل"
تحرك للخارج دون أن يتحدث لها وهي لم تكن تريده أن يفعل فقد تعبت وانتهت الكلمات لديها ولا يهمها حتى لأين سيذهب أو هل سيعود أم سيرحل لحبيبته التي فازت بقلبه بيوم ما، سقطت الدموع مرة أخرى أكثر غزارة ولم تستطع أن توقفها ولا إيقاف شعورها بالندم لأن هي من دفعت نفسها بطريقه وهي من بدأ كل ذلك. لم يكن عليها الذهاب لذلك الافتتاح ولا مواجهته ولا إخباره بابنه
لم تنهض إلا بصعوبة من التعب ثم اغتسلت وبدلت ملابسها وقد تأخر الوقت فتكورت بالفراش وكلمات زينة ترن بكل خلية من خلايا جسدها تنهشها وتؤلمها بقوة، المرأة الوحيدة التي ملكت قلبه 
شعرت به يدخل بهدوء فلم تتحرك حتى دخل الفراش بجوارها في صمت جعلها تزداد ألما وخوفا من القادم وكأن ما فات لم يكن والبركان لم يبدأ بعد ثورته
ألم معدتها أيقظها فنهضت وقد كانت متعبة لدرجة جعلتها تستند على الأبواب حتى وصلت للحمام وسكنت معدتها عندما أفرغت عصارتها الصفراء، عندما خرجت كان يقف أمام النافذة عاري الصدر يرد على الهاتف باهتمام ثم أغلقه وعبث به بغضب وهو يرى الصور التي انتشرت على الميديا والعناوين الثائرة لزوجة وعشيقة يتشاجرون على العازب الأبدي والشك في عودة علاقته بعشيقته، بل وصفعة ملاك لزينة كانت قنبلة بالفعل انفجرت على الملأ مطلقة الكثير والكثير..
تحركت للداخل دون أن تهتم به ولكنه تبعها وهي تتحرك للدولاب وقال "هل تتحملين العودة؟ أنا لابد أن أعود"
لم تنظر له وقالت "وإن لم أعد معك؟"
تحرك تجاهها وأمسك معصمها وواجه نظراتها وقال "ستفعلين"
قالت ببرود "إذن لم تسأل؟"
ترك يدها وقال "أنت على حق"
وتركها وابتعد، أعدت الحقائب وبدلت ملابسها وما زال التعب يسيطر عليها ولم يتحدثا طوال الطريق وكلاهم مشغول بكل ما حدث بتلك الرحلة الصعبة حتى وصلا قبل العصر، لم يتركها وإنما نزل لمساعدتها فلم ترفض حتى وقفت وقالت 
"أنا بخير"
هز رأسه وقال "لابد أن أذهب لا تجيبي أي أرقام هل تفهمين؟"
نظرت له وقالت بضيق "الصحافة تحتل اهتمامك الأول وزينة امرأة تهتز لها كل الأجواء، ماذا أخبرتهم عنك لتغضبك بهذا الشكل؟"
اقترب منها وقال "توقفي ملاك أنا لست بحالة تسمح بالجدال"
هزت رأسها وقالت "حقا هي تستحق، لماذا تركتها؟"
لم يبتعد عنها والغضب يحتل كل جزء بكيانه وقال "لأني مجنون أحمق قررت بدون تفكير فجأة أن اتخذ فتاة مثلك زوجة لي، هل تتركيني الآن وتذهبي؟"
تراجعت من كلماته ولكنها بدلا من أن تذهب قالت بغباء "يمكنك العودة لها فهي من تحب وتريد فقط أخرجني من حياتك وارحل لها"
اشتعل الجنون به من كلماتها وقال "لن أفعل ملاك، لن أمنحك حريتك لتكوني لهذا وذاك ابني لابد أن يولد وأنت هنا زوجتي وامرأتي هل تفهمين؟"
تحدته أكثر وقالت "وتمنح نفسك الحق باتخاذ عشيقة؟"
أمسك ذراعها بقوة وقال "تدفعيني لذلك حقا فلا تلوميني"
تراجعت وقالت بقوة "لن تجرؤ"
قال بنفس قوتها "لن يمنعني شيء، كنت أفعل وسأفعل ما يحلو لي فقط ابتعدي عن طريق السيارة لأني أتحرق شوقا للعودة لمساري السابق فهل تفعلي؟ اذهبي من أمامي الآن"
قالت بقوة من بين دموعها "فلتفعل ولكن انسى أن لك زوجة فلن تنالني بعد اليوم لن أكن لرجل خائن"
وتحركت بغضب من كلماته المؤلمة وتحديه الواضح وإعلانه الصريح أنه بطريقه لخيانتها، وكانت تعلم أن كلا منهما كان يثير غضب الآخر بلا سبب وامرأة تتصدر حياته وقد سبب ذلك فضيحة تتنازعها الصحف بكل مكان
أسرعت لغرفتهم وأغلقت بابها ثم أغلقته من الداخل ولكن سرعان ما شعرت بألم ببطنها فوضعت يدها على بطنها وهي تنحني من قوته وما لبث الألم أن زاد وضرب ظهرها أيضا ولم تحملها ساقاها وهي تصرخ من الألم فسقطت على الأرض وهي تتلوى وصرخاتها تعلو وسمعت دقات على الباب قوية وصوته يناديها ولم تقو على النهوض لتفتح له رغم أنها تمنت لو تفعل ليوقف هذا الألم الفظيع 



تعليقات



<>