
رواية الماضي الملوث الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم داليا السيد
بستان
بالطبع رحبت جورجينا بالموجودين قبل أن تكمل طريقها إليهم ولكن ما أن اقتربت حتى استدارت بريهان لمواجهة زهير ورفعت يداها على صدره مما فاجأه وهي تقول "حبيبي لقد نسيت هاتفي بالسيارة هل نذهب لإحضاره؟"
تراجع زهير قليلا خاصة من كلمة حبيبي التي كان لها صدى غريب بأذنه وهو يحدق بعيونها التي امتلأت بنظرة غريبة فقال محاولا فهم تصرفها "ماذا؟ أنتِ تتركيه بالبيت بيري"
وقبل أن تكمل كانت جورجينا قد توقفت أمامهم ببرود وقالت "مرحبا زهير"
التفت زهير لجورجينا وقال "أهلا جورجينا كيف حالك؟"
لم تنظر بريهان لها ولكن المرأة قالت "كيف حالك بريهان؟"
لم تبتعد عن زوجها ولكنها نظرت لجورجينا التي بدت عيونها قاتمة والغضب يطل منهما فتغاضت بيري عنها وقالت ببرود "أهلا جورجينا"
ثم عادت له وقالت "حبيبي ألن أحتاج الهاتف؟"
بالطبع أدرك المغزى من حبيبي ولكن الكلمة أعجبته وربما شعر بلذة غريبة عندما تخيل أنه حبيبها، انتبه ليدها على صدره فقال "لا، لن نحتاج له بيري"
جورجينا حاولت قطع حديثهم وهي تقترب من زهير "لويس أخبرني بالافتتاح زهير، مبروك"
أحاط زوجته بذراعه معجبا بوضعهم وقال "شكرا جورجينا"
لم تذهب وقالت "هل سيكون هناك سباق بالافتتاح؟"
قال باهتمام "لم نحدد بعد، ما زال هناك وقت على الافتتاح"
ناداهم لويس للسيارات فقالت جورجينا "ستذهب مع لويس كالعادة؟"
قال دون أن يفلت زوجته التي تبدلت ملامحها "لا"
وتحرك لسيارته دون اهتمام بها وما زال يلف ذراعه على جسد امرأته حيث فتح لها باب السيارة فركبت وما أن أغلق الباب حتى التفت ورأى جورجينا خلفه وهي تقول "ربما أذهب معكم"
فتحت هي النافذة لتسمع كلماتهم بغضب واضح فسمعته يقول "من الأفضل لكِ الذهاب بسيارتك لأننا لن نعود لهنا"
كاد يذهب ولكنها ظلت بمكانها وقالت "وإلى أين ستذهبون؟"
تمنت لو تجيب هي ولكنها خشيت من إحراجه ولكن بذات الوقت كانت تريد أن تسمع كلماته للمرأة فقال "أظن أنه أمر لا يخصك جورجينا"
شحب وجهها وسقطت نظراتها على عيون بريهان التي واجهتها برأس مرتفعة وعيون ثابتة تعني الكثير..
ما أن قاد حتى التفتت له وقالت "لماذا هي هنا؟"
كان يعلم بالغضب المكتوم داخلها ولكنه تمسك بالهدوء وقال "لا أعلم ولكنها صديقة لكارين"
نظرت له بضيق وقالت "ليس أنت من دعوتها؟"
نظر لها لحظة ثم عاد للطريق وقال "لا بيري، لست أنا من دعاها، لا أظن أني بحاجة لمن يفسد السعادة التي أعيشها معكِ الآن، ليس بعد استقرارنا وتفاهمنا"
ظلت تنظر له صامتة فالتفت لها ليرى عيونها وقال "لا تثقين بي؟"
أبعدت وجهها للأراضي الصفراء من حولهم وقالت "لا أثق بها"
أمسك يدها فنظرت له وهو يقول "هل تثقين بي؟"
هزت رأسها وقالت "تعلم أني أفعل زهير ولكن مجرد وجودها يضايقني"
كان يتفهم بالطبع فقال "اتفقنا أن ننسى"
هزت رأسها فجذبها له وقبل جبينها وقال "فقط لنذكر أننا سويا ونريد أن نستمتع بكل لحظة نمضيها معا"
لم ترد وأرادت حقا أن تفعل ولكن ضوء أحمر كان يتراقص داخلها كإنذار لخطر لا تعلم ما هو فقط لمجرد وجود تلك المرأة التي أرادت بها الضرر بيوم ما..
المشروع كان عملاق حقا بداية بأماكن تربية الخيول والتي تعمد هو أن يظل بجوارها ويدها بيده للخوف الذي بدا بعيونها لرؤية الخيول عن قرب ثم انتقلا لمكان التغذية الخاصة بالخيل وجذب مكان التسابق انتباههم جدا لجماله واتساعه وقد بدا على أعلى درجة من الحداثة، بيوت إقامة العاملين كانت على درجة كبيرة من الكمال، محلات ومطاعم تحت الإنشاء
أشارت للمكان وقالت "ما زالت لم تفتح بعد"
هز رأسه وقال "أوشكت على الانتهاء فقد كانت فكرة كارين وتم إضافتها مؤخرا وتكلفت الكثير"
نظرت له بإعجاب وقالت "هذا ليس مجالك زهير؟"
نظر لها من أعلى وقال "وأين ذهبت حبيبي؟"
احمر وجهها وارتبكت وهي تخفي عيونها عنه وقالت بصعوبة "الحب ليس لغتك زهير، القلب ولد ليمنحنا الحياة فقط هذه كلماتك"
صمت وهو يذكر حديثهم فلم يقترب منه مرة أخرى وقال "أحببت الخيل منذ أول مرة عرفت بها لويس وبدأ هو الأفكار العامة عن المشروع ثم تناقشنا به وقت زواجنا المرة السابقة ومع الوقت اتفقنا"
عادوا لمبنى الإدارة والجميع يتناقش حول المكان ولاحظت محاولات جورجينا لجذب زهير لها ولكنه تعمد تجاهلها مما أرضى قلبها
تناولوا مشروبات روحية وهي عصير ولاحظت أنه لم يكثر من المشروب وما زالت بجواره حتى جذبه لويس وجوزيف بحوار فاقتنصت جورجينا الفرصة واقتربت منها وقالت
"ظننت أنكم انفصلتم؟"
نظرت لها بهدوء وقالت "تشغلين نفسك بحياتنا كثيرا جورجينا، ترى لماذا؟"
شحب وجه جورجينا من كلمات بريهان وقالت بارتباك "لا، أقصد أن أخبار زهير علنية للجميع"
لم تتراجع بريهان وقالت "لم أرى خبر انفصالنا على الميديا فمن أين تأتين بأخبارك؟"
تماسكت جورجينا وهي تفكر قبل أن ترد "منه هو شخصيا، كنتِ بلوس أنجلوس طوال العام الماضي وهو يلف العالم ويقضي أوقاته السعيدة مع هذه وتلك، عام بعيدا عن امرأة هذا لا يمكن أن يحدث مع زهير"
ظلت بريهان صامتة لأنها كانت الحقيقة، ربما بتلك الفترة كان مع جورجينا أو سواها وربما هو فعلا من أخبرها بكل ما كان، هو بالفعل لا يمكنه البقاء دون امرأة كل تلك المدة، هل عليها أن تنساق وراء كلمات تلك المرأة؟ أم ترتد لطلب زهير 'ثقي بي'؟
رفعت رأسها وقالت "تبدين واثقة من معرفتك بصفات زوجي"
قالت جورجينا بخبث "بالتأكيد، كنت أعرفه جيدا"
الغضب اشتعل وتصاعدت ألسنته داخلها وهي تحاول أن تبدو باردة وهي تقول "كنتِ، أما الآن فلا أحد يعرفه مثلي، وهو ليس بحاجة لأي امرأة سواي"
ضحكت جورجينا وقالت "هذا ما تظنيه أنتِ يا جميلة، ولكن زهير لديه شهرة معروفة مع النساء ولديه أيضا قدرة عالية في الاحتفاظ بالأمر سرا دون معرفتك، هو ليس مخلص كما تظنين خاصة لو كانت امرأته ليست بالكمال الذي اعتاد أن يحصل عليه أم هل تظنين غير ذلك؟"
ونظرت لساق بريهان وهي تؤكد كلماتها المؤلمة وتوارى الغضب لحظة خلف الألم الذي تسرب لصدرها وكاد يشع من عيونها ولكنها حاولت الاحتفاظ بالهدوء وعدم الإيحاء بالهزيمة لتلك اللعينة فقالت "أنا لا أظن أي شيء، أنا متأكدة من أن الأمر لا يمثل له أي شيء ولست بحاجة لأثق بكلمات امرأة أرادت قتلي بيوم ما"
تراجعت جورجينا وقبل أن تجيب كان صوت زهير يأخذها وهو يقول "بيري هل نذهب لقد انتهينا؟"
انتبهت له وهزت رأسها وهو يلمس ظهرها بيده دون اهتمام بتلك المرأة التي كانت كالسوس ينخر في الخشب..
ظلت صامتة طوال الطريق وكلمات جورجينا تدق برأسها برنات مزعجة والإعاقة تأكل قلبها، هو أخبرها أن الأمر لا يعنيه ولكن تلك الحية اللئيمة تسربت لدواخلها وعرفت كيف تلدغها وتؤلمها وتدع السم ينساب داخلها
لم تلاحظ نظراته لها ومحاولته فهم أي شيء من نظراتها التي أخفتها بزجاج النافذة حتى وصلا البيت فنزلت وانتظرته ليلحق بها وهو يقول
"تبدين متعبة"
حاولت الابتسام ولكنها كانت ابتسامة فاشلة وهو أدرك ذلك، ما أن دخلا الغرفة حتى أغلق الباب وتابعها وهي تتحرك ببطء لم يعتاد عليه معها فخلع جاكته وأبعده وتحرك تجاهها وهي تحاول خلع السلسة الفضية فقال
"دعيني أفعل"
تركته وهو يفلتها لتسقط بيدها ثم قبل عنقها وقال "ماذا قالت لكِ؟"
أغمضت عيونها من الألم ومن قبلته ولم ترد، جذبها لتواجهه ففتحت عيونها لتنظر بعيونه وهو يقول "ماذا قالت لكِ جورجينا بيري؟"
ابتعدت من أمامه وقالت "لا شيء"
فك أزار قميصه وقال "ماذا بكِ إذن؟"
تحركت للنافذة ووقفت تشاهد الغروب الرائع وقالت "هذا رائع حقا"
تحرك بعد أن أشعل سيجارة حتى وقف بجوارها وتابع معها الغروب ولكنه كان يتأمل ملامحها الجميلة وقال "أعجبك؟"
نظرت له وقالت "بالطبع، لم أرى مثله من قبل"
نفخ الدخان وعاد لعيونها وقال "الافتتاح الاسبوع القادم، لويس اقترح حفل كبير بأرض السباق وبعدها يقام سباق يضم أفضل المتسابقين بالبلد"
تابعته باهتمام وقالت "كيف ستترك مشروع كهذا دون وجودك؟"
أبعد عيونه للخارج حيث تضاءل النهار أمام سطوة الليل وقال "العمل لا يتوقف بمكان بريهان، أحب أن يكون لي بكل بلد قدم"
قالت "ومصر؟"
التفت لها وقال "لم أفكر بها، ربما مرت مرة على خاطري وذكر أحدهم مرة أمامي أنها تزدهر حاليا بالقرى السياحة وتحدث معي بشيء كهذا ولكن الأمر لم يغريني"
تحركت مبتعدة لتخلع الحذاء وقالت "أنا أيضا لا أريد العودة"
أطفأ السيجارة وتابعها وهي تقف أمام المرآة وتفك شعرها حتى وقف خلفها وقال "وعدتني بالثقة"
نظرت له بالمرآة وقالت "وماذا؟"
بادلها النظرة وقال "ما زلتِ تشكين بي!"
التفتت لتواجهه وقالت "لم أفعل"
عقد ذراعيه أمام صدره وقال "أخبريني إذن سر غضبك هذا"
تحركت مبتعدة من أمامه وقالت "لست غاضبة، فقط متعبة"
أخذت ملابس وتحركت للحمام فعاد للسجائر وأشعل واحدة أخرى بغضب وقد كانت تلك المرأة سبب بتبدل سعادتهم
عندما خرجت من الحمام لم تجده، شعرت بالراحة وهي تتمدد بالفراش وتتذكر كلمات جورجينا، هل حقا هو لا يهتم بإعاقتها؟ هل كانت له علاقات خلال ذلك العام؟ هل له الآن وهو معها؟
حاولت أن توقف الأفكار وهي تستدير للجانب الآخر ولكنها لم تستطع عندما شعرت به يدخل الغرفة
حركاته كانت تعرفها جيدا وهو يخلع ملابسه ويدخل الحمام ثم يتسرب للفراش ولم يحاول إيقاظها ولا تعلم لماذا شعرت بدموع تسيل من عيونها وهي تشعر بأنها ليست المرأة المناسبة له وأن بإمكانه الحصول على الأفضل
لم تجده بالفراش بالصباح فارتدت ملابسها ونزلت لترى هيلين تبتسم وتقول "صباح الخير مدام الإفطار جاهز وسيد زهير بالداخل"
ابتسمت للمرأة وقالت "شكرا هيلين"
وتحركت لغرفة الطعام فوجدته جالسا على رأس المائدة وجهازه أمامه وسيجاره بيده فقالت "صباح الخير"
لم يرفع عيونه لها وقال "صباح النور"
تبعتها هيلين بالأطباق وظل هو يتابع العمل حتى ذهبت هيلين فقالت هي "استيقظت مبكرا؟"
أغلق الجهاز وقال وهو يطفئ السيجارة "نعم"
أدركت أنه غاضب للطريقة التي تصرفت بها بالأمس ولكنها لم تستطع أن تتجاهل ما كان، قالت "ألن نخرج اليوم؟"
تناول الطعام وقال "كما تشائين، فقط أنتهي من بعض العمل ونذهب"
وتناول القهوة ثم نهض جاذبا الجهاز معه وخرج لمكتبه وهي تتبعه بنظراتها ولا تعرف ماذا عليها أن تفعل، تحركت للحديقة وتجولت بين الورود وهي تشتم رائحتها العطرة وتتمتع بألوانها الجميلة حتى ابتعدت للخلف فرأت الاسطبل الصغير الذي عرفت أن به اثنان من الخيل خاصان بزهير
بالطبع لم تفكر بالاقتراب وتحركت عائدة لتصطدم عندما رأته يركب سيارته ويذهب دون أن يخبرها أي شيء مما جعلها تشعر بالحزن والغضب وقليل من القلق..
طوال اليوم لم تراه ولم يهاتفها وهي تدرك أنه يعاقبها على ما كان بالأمس، ربما كان عليها أن تخبره بما قالته لها جورجينا ولكن كرامتها لا تسمح لها، هل تخبره أنها تعايرها بساقها الصناعي؟
لا، هي توقفت عن التذمر والشكوى والألم الصريح منذ سنوات ولن تعود لتلك الأيام، عليها أن تعالج مشاكلها وحدها حتى هو لا ذنب له بأنها تتألم من إعاقتها لم يكن عليها أن تفعل ما فعلته
كانت تقف أمام النافذة وقد تأخر الوقت جدا عندما توقفت سيارته أمام البيت ورأته ينزل ويتحرك للداخل، دقات قلبها كانت تؤازرها في محنتها التي لا تعرف كيف ستكون
تحرك لها عندما لاحظ وجودها بغرفة الجلوس من النور المضاء، ظنت أنه سيصعد للغرفة دون أن يواجها، ما زالت تذكر كل مواقفهم السابقة
كان يحمل جاكته على ذراعه ويفتح قميصه وهو يدخل ويقول "مساء الخير"
اعتدلت باتجاهه وقالت "مساء النور"
تحرك للبار وسكب بعض المشروب وتناول بعض منه وقال "لم تنامي!؟"
تحركت تجاهه مبدية قوة غير حقيقية وهي تقول "لا، ظللت أنتظرك كي نخرج سويا"
لمعت عيونه الزرقاء وهو ينظر لها ثم تحرك للجاكيت وأخرج علبته وأحرق سيجارة وانتشر الدخان حوله وهو يقول "هل كنتِ حقا تريدين الخروج؟"
كانت تفهم كلماته وقالت "هذا ما تحدثنا عنه على الإفطار"
ابتعد وقال "نحن لم نتحدث بأي شيء بريهان، أخبرتك أن لدي عمل ما أن ينتهي سنفعل"
شبكت أصابعها معا وهي تكتم توترها وقالت "عمل طوال اليوم ودون حتى أن تخبرني"
لم ينظر لها وهو يقول "والآن نتبادل الأدوار"
ضاقت عيونها وقالت "أي أدوار؟"
التفت لها من بين دخانه وقال "كلانا لا يخبر الثاني بأي شيء"
جمدت مكانها وهي تستوعب كلماته ثم هزت رأسها وقالت "نعم أنت على حق"
ثم تحركت لتذهب ولكنه زاد غضبا وهو يقول "أنا لم أنتهي بعد بريهان لتذهبي"
ثبتت مكانها والتفت برداء البرود ربما يمنحها بعض الشجاعة وهو يتحرك بخطوات ظهر بصوتها الغضب حتى توقف أمامها وقال "لستِ أنتِ من يبدأ الحديث وينهيه وقتما يشاء، تعلمين جيدا من أنا فلا تدعى العكس"
رفعت وجهها له والغضب يأكل كل جزء على وجهه وظلت جامدة وهي تقول "أنا لا أدعي أي شيء زهير، أنت قلت أنك لن تخبرني بشيء فأصبح لا مكان لي هنا"
هتف بنفس الغضب "كما هو أنا بالنسبة لكِ"
تراجعت من صوته الغاضب وارتجف جسدها وحاولت ألا تسمح للدموع بخيانتها وهي تقول بصوت مرتجف "أنت لست كذلك بالنسبة لي"
لم يتراجع غضبه وهو يقول "حقا؟ وماذا عن الأمس؟"
سقطت الدموع رغما عنها ولم يمكنها مواجهة كل هذا الغضب بدون دموع تساندها وقالت "لم أكن بحالة تسمح لي بالحديث"
ظل ينظر لها بنفس الغضب وعاد يقول "وأنا لست رهين إشارتك"
هزت رأسها وبصعوبة قالت "آسفة"
أشاح بيده وهو يبتعد للبار ويهتف "حقا؟"
سكب المشروب وتناوله جرعة واحدة مثلما اعتاد وقت الغضب وهي تتابعه ونبضها يهرع كالصاروخ فقالت "ماذا تريد؟"
نظر لها وقد تبعثرت خصلات شعره على وجهه وبدا وسيما ومخيفا بذات الوقت وقال "لا يمكنك تصور ماذا أريد"
وعاد إليها بنفس الغضب وقبل أن يلمسها قالت بقوة "إياك زهير، الجنس وقت الغضب لا يعني إلا شيء واحد"
ظل واقفا أمامها ولم تتبدل نظراته "أني حيوان شهواني؟ هذا هو ما أنا عليه بريهان، هذا هو الرجل الذي ترينه فقط، أنت لا تريدين رؤية الرجل الذي تزوجك"
أسرعت الدموع على وجهها وقالت "بل أنت من لا يرى المرأة التي تزوجتها كما يراها من حولك"
لم يفهم كلماتها ولكنه هتف بجنون "أنا لا يعنيني أحد، أنا اخترتك أنتِ وتزوجتك أنتِ ولا يهمني كيف يراكِ سواي"
هتفت بعيدا عن البرود "ولكن أنا يهمني، أنا يهمني زهير لأن هؤلاء الذين هم حولك ي.."
وصمتت ولم تكمل وأسرعت تهرع من أمامه لا تملك أي قوة على إكمال ما لديها، لا يمكنها
لم يتركها وتحرك خلفها للأعلى عندما رآها جالسة على طرف الفراش، تحدق بالأرض والدموع تنهار بلا توقف فتحرك تجاهها ووقف أمامها وأنفاسه تتعالى وهو يقول
"والآن أريد أن أعرف ماذا حدث بالأمس ولن أقبل صمتك بريهان"
لم تنظر له وهي تقول "الصمت أحيانا أفضل من كلمات مؤلمة"
رفع شعره بيده محاولا أن يهدأ ثم قال "أنتِ تدفعيني بعيدا بريهان وهذا يؤلمني"
رفعت عيونها المحطمة له وقالت "أنا أحاول ألا أفعل زهير فقط لا أعرف كيف"
انحنى أمامها وواجها بعيونه وقال "فقط تحدثي بيري، أخبريني ما الذي أبعدك كل تلك المسافة بعيدا عني بلحظة؟ أنا طالبتك بالثقة بريهان"
هزت رأسها وقالت "أنا أفعل"
جذبها من ذراعيها لتقف أمامه وقال بهدوء "لا، أنتِ لا تفعلين، أنا لا أعلم عن أي ثقة تتحدثين بريهان، هل ثقتك بي بأني لم أعاشر امرأة سواكِ منذ زواجنا، أم ثقتك بي كزوج عليه واجبات تجاه زوجته وأولها أن يكون هو أول من تلجأ له زوجته وقت الحاجة؟ أي ثقة منهما تكنيها لي بريهان ولو أني أرى أن لا واحدة منهما تملكينها لي"
الدموع لم تتوقف بعيونها وهي تقول "علّمت نفسي ألا أشكو من أي ألم لأي شخص زهير، لقد كانت شكواي مثار إزعاج لمن حولي لم أمنحهم سوى الحزن والألم"
مسح دموعها بيده وقال بهدوء "أنا لست كل هؤلاء بريهان، أنا نصفك الآخر، من يتألم لألمك ويسعد بسعادتك، أنا أول من يجب أن يسمع ألمك وضحكتك لا أن تقذفي بي خارج دائرتك"
انهارت بالبكاء فجذبها له واحتضنها بقوة وهي ترفع يداها حول جسده تطلب أحضانه وقد لمست كلماته قلبها وشعرت بيده على شعرها وهو يهمس لها بكلمات تهدئة حتى سكنت بين ذراعيه فأبعدها وقال بحنان
"تعالي، سآخذك لمكان يمنحك الهدوء والراحة"
أمسك يدها ولكنها قالت "الوقت تأخر زهير"
جذبها لخزانة الملابس وأخرج معطف لها وآخر له وساعدها بارتدائه وقال "هذه أملاكي بيري"
وارتدى خاصته وجذبها للأسفل خارج الفيلا ولفحهم برد الليل وهو يجذبها برقة خارج الحديقة ومنها إلى مرعى جانبي وسرعان ما تشابكت أغصان الأشجار وهما يمران من بينها حتى وصلا لمكان يشبه الدائرة والأشجار تحيطه من كل جانب وبدا أنها أشجار التفاح وشعرت أنها داخل بستان رائع
دارت حول نفسها وقالت "ما هذا المكان؟"
ابتسم وقال "هذا بستاني الخاص، اكتشفته بعد شراء المزرعة، انظري للسماء"
عندما فعلت رأت السماء وكأنها قريبة جدا وتلألأت النجوم بها بكل الأحجام أما القمر فبدا بدرا أضاء ظلمة الليل فأبعد الرهبة، توقفت عيونها عليه وقالت "هي تعرف أننا انفصلنا عام وأني كنت أقيم بلوس أنجلوس وأنت تلف العالم و"
حدق بها يسمعها وعندما توقفت أكمل "وأستمتع بالنساء"
هزت رأسها فقال "أنا لم أخبر أحد بانفصالنا بريهان، أنا بالعادة لا أثق بأحد لأخبره عن حياتي الشخصية فما بالك امرأة عرفتها بيوم ما؟"
أخفضت عيونها وقالت "هي تعرف كل شيء عنك زهير"
ابتسم وقال "والذي هو؟"
قالت "النساء"
ثم رفعت عيونها بألم وقالت "هي تعلم أنك لا ترضى بأي امرأة وأنك لن تعجبك امرأة.."
ولم تكمل وقد فهم عندما عاودتها الدموع فلعن وسب وهو يحيطها بذراعيه محاولا إيقاف دموعها وقال "لم يكن عليكِ الاستماع لها بريهان، تعلمين أنها تكيد لكِ، ليست هي من تخبرك أي امرأة تكون امرأتي"
قالت "ولكنها تعرف بإعاقتي زهير ولا أحد يعرف بذلك إلا القليلين، هي تعرف أشياء خاصة بنا فمن أين لها بها؟"
مسح دموعها براحتيه وما زال ينظر بعيونها وقال "هناك الكثير يحدث لنا منذ بدأت علاقتنا بيري ولم أعرف منَ ورائها وربما جورجينا لديها إجابة ولكن أن نتركها تدمر سعادتنا فهذا يعني انتصارها أو انتصار من يريد شرخ حياتنا مرة أخرى"
قالت "أنا لا أفهم"
جذبها إلى شجرة عملاقة وجلسا مستندين للشجرة وجذبها لأحضانه وقال "بداية بالصور التي تخبرني أنكِ من قتل ياسمين ونهاية بالصور التي كانت تصل على هاتفك لتخبرك بخيانتي، والآن أسرارنا الشخصية التي قد تدمر ما نحاول بناؤه"
رفعت رأسها له وقالت "أنا آسفة زهير، لم أستطع أن أتحدث بالأمس، كنت أتألم من أجلك"
مرر أصابعه على وجهها وقال "فقط دعيني معك بيري ولا تدفعيني بعيدا، أنا من يستحق أن يتألم معكِ لا أحد سواي"
هزت رأسها وقالت "أنا لا يمكنني أن أكون سبب بألمك بأي يوم زهير"
دفعها برفق على الأرض حيث صنعت الأوراق المتساقطة فراشا خشنا ولكن لينا واقترب برأسه من وجهها وقال "بُعدك يؤلمني بيري، تجاهلك لوجودي يؤلم بشدة"
رفعت يدها لوجنته وقالت "آسفة"
قبل راحتها وقال "لا تفعلي"
ثم قبل وجنتها وقال "أخبريني أنكِ تصدقين كلماتي بأني لم أخونك بأي يوم"
أغمضت عيونها وقلبها يهمس بكلمات الحب والعشق خلف ضلوعها قانعا بأن تظل تلك الكلمات حبيسة هناك لأن لا مكان لها بالخارج، أجابت "أصدقك زهير، أصدقك من كل قلبي"
قبلته توقفت على وجنتها وكلمة قلب تضربه بقوة تماما مثل كلمة حبيبي، عندما فتحت عيونها له عاد لنفسه وابتسم وقال بهمس "لو لم أكن أغار من عيون القمر عليكِ لكنت أخذتك هنا بيري ولكنك لي وحدي ولا يراكِ سواي"
واكتفى بقبلة قوية منحها فيها مشاعر كثيرة متضاربة كأنه كان يحاول توصيل رسالة غامضة لا كلمات بها، فقط مشاعر ودقات قلوب وتسارع أنفاس تضيع بين المحبين..
تمدد على ظهره وضمها له وكلاهم يرى السماء كسقف لهما وقال "عندما أتيت هنا أول مرة رأيت وجهك بالسماء"
رفعت وجهها له فنظر لها وأكمل "كنا على خلاف وقتها ومع ذلك رأيتك، وقتها أدركت أنك تلتصقين بي وعندها قررت أني قد أمتلك هذا المكان وأمنحه لكِ عندما أعيدك لأن عيونك تسكنه"
قالت "كنت أراك بكل رجل من حولي، عيونك الغاضبة تواجهني بقوة ومع ذلك كانت تتلاشى فجأة وأذكر فقط ليلة زفافنا"
قال بحزن "تلك الليلة كنت أخطط فيها لإهانتك ولكن الأمر انقلب علي ووجدتني أفقد نفسي معك"
قالت بدهشة "تفقد نفسك!"
داعب شعرها بأصابعه وقال "أخبرتك أنكِ تفعلين بي الكثير بيري، أنا فقدت المتعة بأي شيء برحيلك، لا أنكر أني دخلت الحانات ببداية انفصالنا لأسيطر على نفسي وغضبي ولكني لم أتحمل تواجدي بها ورفضت كل امرأة اقتربت مني بل وكنت فظا معهن جميعا"
ظلت تنظر لوجهه الذي كان يحدق بالسماء وقالت "لماذا اتخذت النساء طريقا لك زهير؟"
أسقط عيونه عليها للحظة قبل أن يقول "سن المراهقة كان البداية، لا أب ولا أم فلا توجيه، ضياع ثم مسؤولية أكبر من سنوات عمري فكنت أفر منها للهو، لم أتغير إلا"
وتوقف فقالت تحثه "إلا ماذا؟"
تلألأ أول شعاع للشروق من حولهم فرفع عيونه للسماء وقال "الشروق"
لفت رأسها للسماء التي بدأت تتلون بالألوان الذهبية ثم الصفراء حتى بدا قرص الشمس فنهض وجذبها له وقال "دعينا نعود، أنا أريدك بيري"
ضمها له وجذبها عائدا للبيت وكلاهم يتنسم نسيم الصباح والأشجار تتنفس من حولهم فتمنحهم هواء رائعا محملا بأطيب الروائح حتى دخلا البيت وفرا إلى غرفتهم حيث لم يمنحها فرصة إلا لإغلاق الباب ودفعها برفق عليه وبدأ ما أراده وهي لم تبتعد بل جذبته لها مستجيبة لكل لمساته ولم يختار الفراش مكانا بل أراد أن يأخذها بكل مكان بهذا البيت الذي أحبه خاصة بعد أن تواجدت هي به وشاركته لياليه التالية والتي أمضوها سويا بكل ركن بالبيت والحديقة والبستان 'بستان التفاح' والذي أصبح مكانهم الخاص بلا منافس..
ارتدت فستان أحمر هو من انتقاه لها بالطبع وعقد ذهب جديد وأقراطه التي تدلى منها فص أحمر ناري من الياقوت زاد وجهها تألقا، التفتت له وهو يربط ربطة عنقه وقالت "أليس مبالغ به زهير؟ مظهري هذا؟"
أنهى ربطة عنقه وأغلق الجزء الثاني من بدلته السوداء والتفت لها وقال بهدوء "انتظري حتى نذهب الحفل ثم بعدها تحدثي عن المبالغة"
تحرك تجاه جاكته ورفعه ولكنها تحركت تجاهه وجذبته برقة منه وساعدته بارتدائه وقالت "الحفل مبكر جدا زهير"
استدار لها وهو يعيد ترتيب نفسه وقال "وكأنك بأول يوم مدرسي لكِ بيري، اهدئي، أنتِ فاتنة"
وانحنى وطبع قبلة رقيقة على شفاهها الحمراء ثم تراجع وقد أخرج علبة من جيبه وقال "هذا فقط ما سيمنحك الثقة عزيزتي"
ورأت الخاتم ذو الفص الأحمر على شكل سداسي رائع يأخذ العين ببريقه، رفعت يداها الاثنان على فمها وهي تهتف "لا!"
أخرجه من العلبة وجذب يدها اليمنى ووضعه بأصبعها وقال "نعم، الياقوت يليق بلمعان عيونك بيري"
وقبل يدها فنظرت له وقالت "كل هذا كثير زهير"
ابتسم وقال "أحب تلك النظرة بعيونك عند رؤية هداياي"
ضحكت وقالت "أنا حقا أعشق هداياك"
العشق كلمة لم تتواجد بقاموس كلماته ولكنها الآن مختلفة، يريد أن يسمع عشق آخر من فمها، رفع يده لوجنتها وقال "فقط؟"
ذهبت ابتسامتها وهي لا تفهم سؤاله، ارتبكت مشاعرها ونظرات غريبة بعيونه لا تفهمها لذا قالت "لا أفهم"
ابتسم وقبلها مرة أخرى وقال "لا شيء، هيا لا يمكن أن نتأخر اليوم"
وجذب يدها فجذبت حقيبتها وتحركت معه وما زالت تحاول أن تفهم معنى تلك الكلمة "فقط"
تألقت هي وكارين وهما تستقبلان الضيوف بابتسامة فاتنة ولم ترى جورجينا رغم أنها توقعت رؤيتها، الصحافة كانت منتشرة بكل مكان وما أن تم افتتاح المزرعة والمباني حتى وصلا لمبنى السباق والمدرجات وأخيرا اجتمع الجميع بكبار الزوار ببهو الاستقبال المزين على أفضل شكل والمشروبات تتنقل بين الضيوف
أوقفها هي وزوجها بعض الصحافيين وتساءلوا "أليس من الغريب ترك أمريكا وبداية مشروع هنا سيد زهير!؟"
كانت ملامحه هادئة وهو يقول "أنا لم أترك أمريكا وليس هناك أي غرابة بأن تتوسع أعمالي بأي مكان على الأرض"
قال أحدهم "هذه ثقة بالنفس أم غرور؟"
تعصبت هي ولكنه بدا طبيعيا وهو يقول "ثقة بالنفس بالطبع فلو أني كنت أشك واحد بالمائة من عدم قدرتي على النجاح ما فكرت بالأمر"
قال أحدهم "مدام هل تفرغتِ للزواج بعد عودتكم لبعض"
قالت "لم نبتعد لنعود، أنا بإجازة من أجل الافتتاح"
قال آخر "سيد زهير هل فضلت الزواج على حياتك السابقة؟"
لمعت عيونه وهو يقول "بالتأكيد، زوجتي تمنحني كل ما أحتاج إليه"
شعرت بالدفء من كلماته بينما عادت للرجل الذي قال "هل تظن أن علاقتكم ناجحة لأن الحب عنوانها؟"
احمر وجهها وارتجف قلبها بينما قال هو "نجاح الزواج يعتمد على أشياء كثيرة وليس الحب فقط"
نظراتها له كانت غامضة فقد فر من السؤال بذكاء بينما انتبهت وأحدهم يقول "وهو بالمثل لك مدام؟"
ابتسمت بثقة وقالت "بالتأكيد"
سأل آخر "ألا تؤثر حياته السابقة عليكم مدام؟"
كانت تبتسم وهي تجيب "وفيم تؤثر وقد انتهت ولا أهمية لوجودها"
قال الرجل "هذه ثقة؟"
قالت بدون تفكير "بالتأكيد"
وأخيرا دفعها برفق وهو ينهي الحديث قائلا "أظن أن السباق سيبدأ، اسمحوا لنا، هيا حبيبتي"
التفتت له وعيونها كلها أسئلة ولكنه لم يبادلها النظرة وكلمة حبيبتي تشق صدرها نصفين، نصف يريد أن تكون حقيقية والنصف الآخر يعلم أنها مجرد كلمة أمام الصحافة، أبعدت وجهها وحاولت أن تتجنب التفكير لأن عقلها كان لا يريد التفكير بما يمكن أن يؤلمها
السباق كان ممتع رغم أنها لا تحب الخيل ولكنها استمتعت بالمشاهدة وقد فاز الفارس الذي اختاره زهير وعرفت أنه خاص به وهو ما أسعده جدا
ما أن انتهى السباق وتسليم الجوائز حتى انتقل الجميع لقاعة كبيرة لحضور العشاء الفخم والذي كان على أعلى مستوى وعرفت جيدا مكانة زوجها بين رجال المجتمع الراقي رغم أنه لم يتحدث عن ذلك بأي يوم وكانت سعيدة ويده تتخلل لساقها من أسفل المائدة تجعلها تدرك أنه معها ولا شيء يبعده عنها، لا امرأة جذبته ولا رجال جعلته ينساها
عندما بدأ الرقص جذبها لأحضانه والتقى بعيونها وقال "افتقدتك"
ضحكت وقالت "وأنا معك!؟"
تحرك بها وكأن لا أحد حولهم وعيونه لا تترك عيونها وقال "حتى وأنتِ بين أحضاني بيري، لا أعلم ماذا حدث بحياتي منذ دخلتِ بها؟ العالم يتحرك من حولي وأنا تقريبا لا أشعر به لأني فقط لا أرى منه سواكِ"
تحرك قلبها بدقاته المهووسة وقالت برقة "لكن أنا لا أريد أن يتحرك العالم من حولي زهير حتى لا تتركني بأي وقت، أنا أعلم أن عملك هو حياتك والنجاح أول أهدافك وأنا أريد أن تظل بالمقدمة للأبد لكن هذا يعني أن تتركني وأكون ثاني اهتماماتك وأنا"
قربها منه حتى أصبحت تلتصق به وكاد وجهه يلمس وجنتها وهو يقاطعها "أنتِ كل اهتماماتي بيري، أصبحتِ أولها، حتى وأنا بالعمل أفكر بكِ، أشعر بلمساتك على جسدي، أنفاسك على وجهي، ابتسامتك تداعبني طوال الوقت، صوتك يهمس بأذني، أنا أصبحت مجنون بكِ"
لم تعد تدرك أين هي فقط يداه التي تضمها له بقوة، أنفاسه التي تمنحها الدفء، كلماته التي تشعرها بجمال الحياة كل ذلك جعلها تنسى كل ما حولها وهي تقول "أنا أحلم حلم جميل"
قبل وجنتها رغم كل الحضور وهمس "لا، هو حقيقي بيري، أنا"
كلمة حب كانت على طرف لسانه لكن صوت لويس أوقف كل شيء وأنهى الحلم الذي كانت تعيشه وهو يقول "زهير، لابد أن نتحدث"
احمر وجهها وأخفت نظراتها بصدره وهو رفع رأسه للرجل محاولا استعادة تركيزه فيما يحدث حوله وهو يقول "ماذا!؟"
كانت نظرات لويس جادة وهو يقول "جوزيف يحدث مشاكل وأنا لا يمكنني السيطرة"
نظر لها وقال "بيري لابد أن أذهب"
هزت رأسها فتركها وتحرك مع لويس واستعادت هي نفسها وتحركت لموائد المشروبات حتى حصلت على عصير والتفتت لتبحث عن كارين ولكنها اصطدمت بعيون سوداء تحدق بها وجسد رفيع متوسط القامة يقف أمامها وابتسامة ليست صافية وصوت يقول
"مدام أسيوطي، اسمحي لي أنا أشاركك المشروب"
ظلت تنظر للرجل وهو يتناول كأس وقد أدهشها أنه يتحدث بالعربية السليمة فقالت "حضرتك تعرفني؟"
زادت ابتسامته وقال "بالتأكيد، خاصة وأنك زوجة الرجل اللامع الذي يخطف الأنظار اليوم"
تناول رشفة من الكأس وعيونه السوداء لا تتركها فقالت "ومن أنت؟"
قال ببرود "لا يمكن أن أقول صديق لأني لست كذلك بالطبع ولكن ربما أقول فاعل خير"
ظلت تحدق به دون كلمات تنتظر كلماته التالية وهو بالفعل قال "لدي بعض الأشياء التي أظن أنها تهمك"
سألت باختصار "عن ماذا؟"
تناول مشروبه ثم قال "زوجك، الرجل اللامع"
ضاقت عيونها وقالت رغم الفضول الذي يجتاحها "لا أظن أن ما لديك يهمني"
وظنت أنه سيخبرها عن علاقة من علاقات زوجها وهي ليست على استعداد لإفساد علاقتها بزهير مرة أخرى فهي وصلت معه لحد لا تريد التراجع أو التنازل عنه لذا تحركت لتذهب وهو لم يوقفها وإنما قال
"هل أخبرك عن زوجته وابنه؟"
الفصل الثامن عشر
لن تتركيني
الكلمات انطلقت لقلبها وعقلها كطلقات نارية تلمع بالظلام وتؤلم بالجسد والتفتت لتواجه الرجل الذي لا تعرفه ولا تعلم ماذا يقول وهي ترى نظرة الانتصار بعيونه وأكمل
"لم يخبرك أليس كذلك؟"
جف فمها وضاعت الكلمات ولم تجد ما تقوله بل وشعرت بالضياع هي نفسها وتأرجحت الأرض تحت ساقها السليمة حتى أنها شعرت أنها تفقد توازنها وتكاد تقع ولكنها مدت يدها واستندت إلى مائدة المشروبات لتستعيد توازنها ويدها المرتجفة ترفع العصير لفمها وتتناول بعضا منه وهي تغمض عيونها وتستعيد نفسها
سمعته يقول "كان السبب بموتهم"
فتحت عيونها وهي تجده يوجه لها نظرات لا تفهمها فأكمل وكأنه يستمتع بالألم الواضح بعيونها "كان منذ عشر سنوات، هي المرأة الوحيدة التي أحبها وتزوجها وحملت منه ولأنه لا يتوقف عن الشرب حتى الثمالة تسبب بمقتلهم ومن وقتها وهو يعيش حياة فاسدة عابثة لينسى الذنب الذي يحيا به والحب الوحيد بحياته وبالتأكيد لن تملأ مكانها أي امرأة أخرى"
دموع تكونت بعيونها وهتفت به بغضب "كفى"
ابتسم بخبث وقال "أنا انتهيت بالفعل من حكايتي"
واختفى من أمامها ولم تتبعه ونظراتها سقطت على الفراغ الذي تركه خلفه وهي بالأساس لم تكن ترى أي شيء ولا تسمع إلا كلمات الرجل تتكرر بذهنها، زوجته وابنه، السبب في موتهم، الحب الوحيد، أغمضت عيونها ولم تترك المائدة والدنيا تدور من حولها ولكنها تماسكت، لن تنهار بيوم كهذا، عليها أن تظل ثابتة للنهاية وعندما تعود لزوجها تعرف منه الحقيقة التي أخفاها عنها بل عن العالم كله فهي لم تجد أي معلومة واحدة عن ذلك الزواج، لن تفسد كل ما يحدث حولها وعليه أن يقدم لها تفسير..
عندما عاد لها كان الحفل قد أوشك على نهايته وهي صامدة وصامتة ولكن عندما احتوتها ذراعه استعادت قوتها ونظرت له فبادلها النظرة ومال تجاهها وقال "أنتِ بخير؟"
ابتسمت وقالت "نعم، هل سارت الأمور بخير معك؟"
قال بضيق "لا، كدت أزيدها سوء ولكن لويس تدارك الأمر، جوزيف كاد يدمر كل شيء"
انضم لهم بعض المدعوين بطريقهم للذهاب فقطع حديثه ولم يكمل حتى انتهى الحفل وركبت بجواره وقاد السيارة فقالت "لماذا جوزيف افتعل المشاكل؟"
لم ينظر لها وقال "هو ولويس دائمي الخلاف وكلا منهما يتمسك برأيه"
قالت "ألا ترى أن كثرة الشركاء تجلب مشاكل؟"
هز رأسه بالموافقة وقال "معكِ حق ولكن لويس احتاج لسيولة ولم يتمكن من السداد فلجأ للرجل"
لم ترد فنظر لها وقال "تبدين متعبة، كان يوم طويل عليكِ"
نظرت له وقالت "كان رائع"
ابتسم وجذب يدها لفمه وقبلها وقال "نحتاج للاحتفال"
ابتسمت رغما عنها، كلماته، تصرفاته كل ما يفعله معها يدل على أنها تعني الكثير له، ليست مجرد امرأة عابرة بحياته، بل زوجة حقيقية أمام العالم كله، تشاركه كل شيء وهذا ما يجعلها توقف أي رد فعل تجاه كلمات ذلك الرجل حتى تسأل زوجها وتسمع منه الحقيقة ومبرراته لإخفائها عنها
ما أن دخلا غرفتهم حتى ضمها له بشوق واضح وقبلها بقوة وهي لم تمانع واستجابت له حتى انتهوا بالفراش وتمدد على ظهره جاذبا إياها بين أحضانه وداعب شعرها وقال "تفضلين البقاء هنا أم العودة؟"
قالت بهدوء "هل كنت متزوج زهير؟"
السؤال أوقف كل جسده عن الحركة وتجمدت أصابعه داخل شعرها وهي تدرك تماما المفاجأة التي أسقطته بها
ابتعدت والتفت بالغطاء وهي تقول "طلبت مني ألا أدفعك خارج دائرتي ولكنك تفعل العكس"
اعتدل هو الآخر وارتدى سروال قطني ودخن سيجاره ولم يحاول النظر لها وقال "حاولت"
والتفت لها أخيرا وقال "ولكن الحواجز كانت تقف بطريقي"
ارتدت روبها وقالت "الحواجز ليست أبدية"
نفخ الدخان وبدت عيونه تائهة وهو يهرب منها حتى قال "كيف عرفتِ؟"
أشاحت بيدها وقالت "رجل لا أعرفه، تحدث معي بعد أن ذهبت أنت مع لويس"
ظل صامتا لوهلة فقالت "أنت خدعتني زهير، كان من حقي أن أعرف"
ضاقت عيونه وقال "أردت إخبارك كثيرا وآخر محاولة كانت الليلة ونحن نرقص لولا تدخل لويس"
ظلت تنظر له وهي تذكر لحظاتهم سويا فتحرك تجاهها وقال "لن تتركيني أليس كذلك؟"
عيونه كانت تلمع ببريق غريب وكلماته كانت تحمل معاني كثيرة مما هز قلبها وهي تقول "لماذا لم تخبرني بالبداية؟ كيف أخفيت الأمر عن الجميع؟"
ظل واقفا يواجها وقال "لم يعرف أحد بزواجي من الأساس"
عيونها اتسعت من الدهشة وهي تقول "لا أفهم"
ابتعد من أمامها وقال "كنت ببداية الثلاثينات عندما عرفتها، وقتها كنت قد وصلت لمرحلة جديدة بمراحل المليونيرات والتفت حولي النساء كالعادة ولكن هي كانت مختلفة، كانت تتبدل معي باليوم الواحد عشر مرات، بالنهار لي وبالمساء تتراجع عني وبالليل امرأة ثالثة لا أفهمها، كانت تعمل ببار مما كنت ألهو به بالبداية لم أكن أنتبه لها ولكنها فجأة لمعت بعيوني وبدأت علاقتنا، وقتها كانت مكانتي تأبى علاقة مثلها فرحلنا لكندا وأمضينا وقتا كبيرا سويا ظننت وقتها أننا نعيش قصة رائعة حتى مضى الوقت وبدأت أشعر بالملل ورغبة بالعودة لحياتي وعملي ولكن فجأة تحدثت عن الحمل"
وصمت وهو يتحرك للسجائر ليخرج واحدة يشعلها من الأولى التي قتلها بأصابع قوية بالمطفأة ونفخ دخان الثانية وقال دون أن ينظر لها "بالطبع لو كنت بعقل واعي لكنت أحسنت التفكير ولكنها كانت الأذكى وصدقتها وبالطبع كرجل يهوى امرأته ويتمنى ابنا تزوجنا هناك بكندا وبالطبع لم يعرف أحد بزواجنا"
جلست على أقرب مقعد فنظر لها وقال "أخبرتك أني أملك ماضي ملوث لا أمل بالتخلص منه"
لم تبعد عيونها عنه وقالت "أكمل"
تحرك للنافذة وقال "بعد الزواج تبدلت أحوالها، أصرت على البقاء بكندا عندما اضطرني العمل للعودة لأمريكا، منحتها بيت مثل البيت الذي تقيمين به ببلدة صغيرة هناك ووفرت لها كل شيء، انشغلت فترة طويلة بالعمل ومنحتها كل ما كانت تطلبه من أموال ومكتبي يسدد فواتيرها التي لا تنتهي وهي لم تحاول البحث عني أو حتى إعلان زواجنا وأنا لم أتساءل ولم أهتم فعلاقاتي الأخرى كانت تغنيني"
رفعت حاجبها وقالت "كنت تعاشر سواها!؟"
لم ينظر لها وهو يجيب "النساء نقطة ضعفي بريهان"
ثم نظر لها وقال "لا تذهبي لبعيد، كنت صادق عندما أخبرتك أني لم أعرف سواكِ منذ زواجنا"
تنهدت وقالت "فقط أندهش، الرجل قال أنك لم تعرف الحب إلا معها"
تحرك حتى وقف أمامها وقال "هل تصفي لي ذلك الرجل بيري، ربما أعرف من هو وكيف عرف بهذا الأمر ولماذا أخبرك؟"
وصفته له فظل صامتا وهو يحاول أن يذكر رجل يشبهه ولكنه ابتعد وقال "لا أعرف يبدو أني لا أذكر"
نهضت وتحركت تجاهه وقالت "ماذا حدث لها؟"
التفت لها وحدق بعيونها ثم قال "عندما كانت بالشهر السابع كنت قد قررت إعلان زواجنا"
سألته "لماذا؟"
لم ينظر لها وقال "لأني تعرضت لحادث"
رددت "حادث!؟"
رفع السيجارة لفمه وجذب نفس عميق ثم أطلقه وقال "طلق ناري"
شهقت فقال وهو يشير لمكان على صدره العاري غير واضح به شيء من شعره الأسود الكثيف "أصبت هنا بصدري، بجوار القلب ونجوت بأعجوبة، الأطباء تمكنت من محو الأثر على جلدي، وقتها قررت تغيير حياتي والتوقف عن كل ما كنت أفعله وبالطبع وجود وريث هو أهم من كل ذلك وأنا بالفعل لدي واحد بالطريق لذا رحلت لكندا لأخبرها بالأمر وأستعيدها ولكن"
ابتعد من أمامها فالتفتت تتابعه وهو يطفئ السيجارة فقالت "بالتأكيد لن تتحدث عن الخيانة"
التفت لها وابتسم بحزن وقال "القدر يثأر مني بيري وأنا أستحق"
هزت رأسها بدون وعي فابتعد وقال "فر مني دون أن أعرف حتى شكله من الظلام الذي كانا به وقتها"
هتفت "وهي حامل؟"
هز رأسه وقال "هو الأب"
تراجعت حتى اصطدمت بالمائدة وكادت تسقطت لولا أن أسرع تجاهها وتلقاها بيده وهو يهتف "احذري بيري"
تعلقت بصدره العاري والفزع بعيونه وشعرت فجأة بالغثيان مما تسمع فتركته وأسرعت للحمام لتلقي كل ما بمعدتها وهي لا تتصور تلك الحياة الغريبة، كلها خيانات وآثام وليس بها من الصواب أي شيء
لحق بها بالطبع وظل خلفها حتى انتهت وغسلت فمها ووجهها فمنحها المنشفة وقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وتحركت للخارج وهو يتبعها وجلست على المقعد وقالت "آسفة"
كان يشعل سيجارة فنفخ الدخان وقال "على ماذا؟ لكِ كل الحق بأن تشمئزي من تلك الحياة التي كنت أحيا بها، أنا نفسي أكره تلك الحياة وصدقيني لم أكن أدرك كيف يمكنني أن أخرج من تلك الدائرة حتى دخلتِ حياتي بيري"
كان وجهها شاحبا وهي تستوعب كل ما يقول وعندما جلس أمامها قالت "هل قتلتها؟"
الدخان صنع ستار أمامه أحال دون أن ترى عيونه الغارقة في الظلام ولكن صوته فقد قوته وهو يقول "كدت أفعل ولكن عندما خرجت لألحق بالجبان كانت تلك فرصتها لتسرع للخارج وتركب السيارة لتهرب وبالطبع عدت لسيارتي لألحق بها ولكن الطريق كان ملتوي وخطر وهي كانت تقود بخوف وفزع وأنا اقتربت منها بجنون وكدت أصدم سيارتها من الخلف لتقف وحاولت أن تتفاداني ولكنها فقدت السيطرة على السيارة ودارت حول نفسها ثم انقلبت لتسقط من على المنحدر الجانبي وتشتعل بها النيران"
صمت وسقطت عيونه على الأرض، احترمت صمته ولم تفهم هل كان يتألم أم نادم أم ماذا؟ عندما رفع عيونه لها قال "رؤيتها غارقة بالدماء لا يمكن أن أنساه، أخرجتها بصعوبة من السيارة قبل أن تنفجر ولكنها كانت قد فارقت الحياة"
لم تعرف ماذا يمكنها أن تقول له لتواسيه على ما كان ولكنها جذبت كلمات سهلة "آسفة"
أطفأ السيجارة وقال دون النظر لها "على ماذا؟ كنت أتمنى لو عاشت كي أقتلها بيدي"
ظلت تحدق بوجهه الذي ذهبت منه الدماء ثم قالت "أحببتها؟"
نهض مبتعدا وقال "لا أعلم لأني لا أعرف ماذا يعني الحب ولكن ما أعرفه أني لم أكن مخلص لها وكان من السهل البعد عنها ومعاشرة سواها من النساء فهل هذا يعني حب؟"
عندما لم تجيب وهي تستوعب كلماته التفت لها وقال "ما أن انتهى الأمر حتى ابتعدت عن العالم فترة طاردت فيها ذلك الجبان ولكنه هو الآخر مات ولم يعرف أحد سبب موته، فقط وجد ببيته ميتا، انعزلت عن العالم عامان، لم أكن وقتها قد عرفت أن الطفل ليس ابني مما جعلني أشعر بالذنب لأني قتلته بالإضافة لشعوري بأني مهزوما لأن امرأة مثلها تلاعبت بي وخانتني وانعزلت ببيت صغير باليونان لم يكن يعرف مكاني سوى جاكوب لمتابعتي بأمور العمل"
وعاد للصمت وأدركت أن هذه هي الفترة التي انقطعت فيها أخباره، نهضت وتحركت لتقف أمامه وقالت "كيف عرفت أنه الأب؟"
التفت لها وعيونه قاتمة ضاعت منها زرقتها الجميلة الصافية واخشن صوته أكثر وهو يقول "جاكوب هو من عرف"
ضاقت عيونها وقالت "هل كان يعلم بزواجكم؟"
ارتد للنافذة وقد بدأ الفجر يعلن عن وصوله وقال "لا، فقط كان يعلم بعلاقتنا وأن تلك العلاقة انتهت وقت أن سافرت هي كندا دون أن يدرك أننا كنا سويا، بعد انتهاء العامين كان يجري معي محادثة عادية وتم ذكرها بالحديث لأتفاجأ به يخبرني عن علاقتها بحبيبها قبل علاقتها بي وأنها كانت تستغل مكانتي للحصول على المال"
سألته "كيف عرف بأمرهم؟"
ابتسم بمرارة وقال "الجبان كان أخو فتاة جاكوب، كانت صدفة غريبة ووجدته يخبرني أن الجبان كان يعيش معها رغم زواجها من رجل غني لا يعرفه وأنها كانت تخدعه وتجعله يعتقد أن الطفل ابنه، تمثيلية رائعة وأنا صدقتها"
هتفت "يا الله! كيف يمكنها أن تفعل ذلك؟"
قال بنبرة خالية من أي مشاعر "المال بيري، هي كانت فقيرة وبذات الوقت تحب رجلها الذي كان فقير مثلها وبخداعي بالحمل أمكنها الزواج مني وضمان المال للأبد فكنت المغفل الذي تتلذذ بالتلاعب به"
اختنقت من نظرته لنفسه فجذبته لطريق آخر وتساءلت "كيف صدقتها؟"
عاد ينظر لها وقال "لا أعلم ربما ظننت أن الوقت حان للاستقرار أو لم أهتم بمعنى الزواج الحقيقي والأسرة"
أخفضت وجهها وقالت "أو ربما هو الحب وأنت فقط كنت غاضب منها لاكتشاف خيانتها"
ظل ينظر لوجهها المنحني للأسف دون أن يجيب فرفعت وجهها له تنتظر الإجابة فالتقت بنظرات لا تعرفها ولكنه قال "لم أكن مراهق بيري لأخلط بين الغضب والحب"
قالت بحزم "ولكنك تعاملت معها منذ البداية على أنها زوجتك وقبلت بها وتزوجتها وعشت معها فأكيد هو الحب"
قال بهدوء "أنا تزوجتها من أجل الحمل بريهان وليس من أجل الحب، ولو أني أحببتها ما شعرت بالملل تجاهها وأردت العودة لحياتي أليس هذا هو الحب؟"
ظلت تحدق بعيونه حتى تحركت لتبتعد ولكنه أمسك ذراعها وقال "هي لا تمثل لي أي شيء بيري، مجرد مرحلة سيئة مرت بحياتي وانتهت"
ظلت تنظر بعيونه قبل أن تقول "لماذا أخفيتها عني إذن؟"
رفع يده لوجنتها وقال "لم أفعل"
أبعدت وجهها عن يده باستنكار فقال "أقصد أني وقتها كنت حقا لا أذكرها، عشر سنوات كانت قد مرت عليها وأنا كنت قد طردتها من حياتي لأن ذكراها تجعلني أشعر بالهزيمة وهو شعور صدقيني لن تحبي أن تعيشي معه أبدا"
ظلت تواجه عيونه ثم استدارت مرة أخرى لتذهب، كانت بحاجة لتبقى وحدها ولكنه لن يقبل بل سيغضب ويظن أنها تلقي به خارج دائرتها، جلست على طرف الفراش وقالت "وعدت للنساء"
عاد للسجائر وقال "للانتقام"
التفتت له وهو يبعد الدخان بيده ليواجها وأكمل "كنت أنا من يتلاعب بهن وألقيهن بعدها بلا اهتمام كنت أسوأ مما تخيلين"
تحرك وجلس بجوارها وقال "لم أظن وقتها أني سأستطيع التوقف ولكني فعلت"
ظلت تنظر له وقلبها يؤلمها ولا تعرف السبب، ليس من حقها النظر للماضي ومعاقبته عليه، يده التي لمست يدها جعلتها تستعيد نفسها وصوته جذبها من أعماق بئر التوهان الذي سقطت به وهو يقول
"لا أحب صمتك بريهان، تحدثي معي"
كانت نظراتها تتحرك على وجهه حتى عادت لعيونه وقالت "لا أعلم زهير، أشعر كالتائهة، عدم صراحتك معي يؤلمني، رغبتك بالانتقام تجعلني أخاف، أنا لا أعلم ماذا يدور داخلي"
رفع يده لشعرها ليبعده خلف أذنها وقال "أعلم أني أخطأت بإخفاء الأمر ولكن صدقيني أنا لا أكذب عليكِ أنا بالفعل كنت قد نسيتها وقت كتب الكتاب جاكوب هو من تولى الأمر مع المأذون وحتى ليث لم يعرف وبالتالي أنا لم أتذكر ولكن ضياع طفلنا وانفصالنا جعل حياتي تتبدل وترتد لي الذكريات المؤلمة والنقطة السوداء بحياتي، ربما ظننت وقتها أني سأفعل المثل وأعود لحياة الضياع كما فعلت بعد موت ميريت، فقد اكتشفت أني فاشل بالحياة الزوجية والاستقرار وحياة اللهو هي الأفضل ولكن الأمر اختلف، لم أستطع بريهان حقا لم أستطع رؤية امرأة أخرى أمامي ولم يمكنني ضم أي واحدة بين أحضاني"
ظلت عالقة به وهو يمرر يده على وجنتها وعاد يكمل "أنا حقا أردت ذلك الطفل بريهان، تألمت بقوة لفقدانه، أنتِ لم تمنحيني الفرصة وقتها للتعبير عن ندمي وأسفي لضياع ابني، جزء مني، أنا كنت مثلك وأكثر لأنك وقتها كنتِ المرأة الوحيدة التي أردت أولاد منها وبرحيلك انتهى الأمل"
لم تجد سبب لمحاولة وقف الدموع فذكرى طفلها تؤلمها وقالت "ما زلت أتألم لذهابه حتى الآن"
جذبها له وضمها لأحضانه بحنان وهي لم ترفضه بل كانت بحاجة له ولضمة ذراعيه وبأن تدرك أنه تألم مثلها تماما
أبعدها ونظر بعيونها الباكية وقال "كنت أعلم أنكِ لو عرفتِ الماضي ستندمين على زواجنا ولكن صدقيني بريهان أنا حقا أكره تلك الأيام وأكره تصرفاتي لذا ما أن وجدتك حتى التصقت بكِ ومنذ أول نظرة لعيونك عرفت أنك مختلفة، رفضك لي وإصرارك على الابتعاد عن طريقي جعلني أدرك أنكِ المرأة التي أريدها، صفعتك كانت جرس إنذار يدق على أبواب حياتي حتى التقينا مرة أخرى بلوس أنجلوس وقتها تأكد لي الأمر وأصبح كل هدفي هو الحصول عليكِ والزواج أصبح رغبتي ولكن منكِ أنتِ، أعلم أن الانتقام أفسد حياتنا مرة ولكني لن أسمح لأي شيء آخر بإبعادك عني بريهان لن أسمح هل تسمعيني؟"
كلماته جعلتها تشعر بالراحة لأنه يريدها معه ويتمسك بها ولكن ما زال هناك من يريد إفساد حياتهم، قالت "نعم زهير أسمعك ولكن عليك معرفة من الذي يريد تدمير حياتنا، من وراء كل ما أصابنا"
مسح دموعها وقال بجدية "بالتأكيد سأفعل، هذا الرجل عرف بأمور لم يعرفها سواي والصور من قبلها وياسمين، كلها أشياء خاصة لا يعرفها أحد"
تلوت معدتها مرة أخرى ولكنها لم تخبره وهي تقول "لذا عليك معرفة من وراء كل ذلك لأن من الواضح أنه لن يتوقف ولو هناك سر آخر بحياتك.."
قاطعها وما زالت يده تداعب وجنتها "لا، أقسم أنني الآن كالكتاب المفتوح بصفحات بيضاء"
ظلت تنظر له ثم قالت "ستبتعد عن كل معاصيك السابقة"
ابتسم وقال "لقد فعلت بيري"
لم تبعد عيونها عنه وقالت "الكحول"
قبلها برقة ثم عاد وقال "أحاول، صدقيني أحاول ولكنك تعلمين أن المدمن يحتاج وقت بيري"
تذكرت نفسها وقت الإدمان فعاودها الغثيان فابتعدت عنه وأسرعت للحمام مرة أخرى للقيء ولكن بمعدة فارغة فألقت عصارتها الصفراء وترنحت قليلا ولكن يداه أسندتها بقوة فألقت رأسها على صدره وأغمضت عيونها فهتف
"بيري، بيري هل تسمعيني؟"
هزت رأسها وهي تقول بضعف "نعم"
حملها وعاد بها للفراش وأنزلها برفق ولكنها كانت قد رحلت للظلام ولم تسمعه وهو يناديها
نزل مع الطبيب الذي قال "هي بخير الآن ولكن الحمل ربما يكون صعب لذا عليك بعرضها على طبيب مختص لتثبيت الحمل وحتى تفعل عليها بالتزام الفراش طبعا"
بالطبع كان مختلط المشاعر والأفكار وهو يستمع للطبيب ولم يرد وهو يعود إلى غرفتهم ليجدها ما زالت نائمة وقد منحها الطبيب فيتامينات بالمحلول وهي استجابت ونامت، جلس أمام الفراش وذهنه مشتت لا يعلم هل يسعد بوجود طفل جديد بالطريق من المرأة التي أرادها، أم يقلق ويخاف عليه وعليها من الضياع مرة أخرى؟
عندما استيقظت كانت الشمس تسقط على عيونها معلنة انتصاف النهار تقريبا، عندما استعادت ما حولها سقطت عيونها عليه نائما على المقعد المواجه لفراشهم وحالته صعبة وخصلات شعره تتساقط على جبينه وتداعب رموشه المغلقة ونبت شعر ذقنه وقميص أبيض مفتوح الصدر يغطي صدره وبنطلون جينز قاتم يحتوي ساقاه الطويلة
لم تعرف ماذا حدث بالليل ولماذا ينام هكذا؟ ما أن تحركت حتى شعرت بألم بذراعها وعرفت سببها من الكانيولا العالقة به، التفتت لترى دواء بجوار الفراش و..
"هل أنتِ بخير؟"
التفتت له وهو يعتدل ويبعد شعره بيده وعيونه الدموية من أثر النوم تنظر لها بقلق فقالت "نعم، ماذا حدث؟"
تحرك لجوارها على الفراش وأمسك يدها وقال "فقدتِ الوعي وفشلت بإفاقتك فطلبت الطبيب"
الدهشة اعتلت وجهها وسألته "حقا!"
هز رأسه وقبل يدها وقال "سيكون لدينا طفل بيري"
عيونها حدقت به بدون تصديق وهي تحاول استيعاب ما يقوله، دورتها الشهرية لم يأتِ موعدها بعد، أم كان وهي أخطأت بالحساب؟ سمعته يقول "الطبيب أكد لي الأمر، الحمل ظهر مبكرا ولكن عليكِ بالفراش وزيارة طبيب مختص وهو ما سنفعله غدا"
ظلت صامتة تستوعب المفاجأة حتى سألها بقلق "بيري هل سمعتِ شيء مما قلت؟"
أخيرا رمشت عيونها وكأنها أفاقت وهزت رأسها وهي تتنفس بصعوبة وقالت "نعم، فقط أحاول فهم ما يحدث، دورتي الشهرية لم يأتي وقتها زهير"
هز رأسه وقال "نعم الطبيب قال أن الحمل ظهر مبكرا عزيزتي وسنتأكد غدا بالمركز الذي حجزت به"
وعاد يقبل يدها وقال "أنا سعيد وخائف"
قلبها ما زال يدق وهي تقول "خائف!"
نظر لها وقال "الطبيب ذكر أن الحمل غير مستقر حاليا وعلينا باتباع تعليمات الأطباء والتزام الفراش وكل الاحتياطات اللازمة طبعا"
أبعدت وجهها وقالت "تخشى من فقدانه؟"
رفع وجهها له وقال "بل أخاف عليكِ بيري، لا يمكنني تصور أن يصيبك أي ضرر مرة أخرى"
تجولت بعيونه فلم ترى سوى الصدق فقالت "وفقدانه"
ابتسم وقال "اعتدت على ذلك وربما هو عقاب لي على كل ما كنت أفعله"
قالت "تعلم ما عليك فعله، عهد كانت دائما ما تخبرني أن طريق التوبة مفتوح للجميع، فقط علينا أن نرغب بالاتجاه إليه وهو سيجذبنا بقوة"
مرر يده على وجنتها وقال بوجه جامد "أمثالي سيلفظهم الطريق بعيدا"
رفعت يدها ووضعتها على يده وقالت "هذا الطريق جعله الله للتائبين بكل أنواعهم زهير وليس التائب هو من فقط لم يرتكب ذنب لأن ليس لديه ما يتوب عنه لذا هذا الطريق أيضا لمن امتلأت حياتهم بالمعاصي وأرادوا التطهر منها"
لم يبعد يده عنها وقال وعيونه أصبحت قاتمة "هل رغبتي بطفل تجعل، تجعل الله يقبل توبتي؟ أنا أخجل من فعل ذلك"
قالت بابتسامة جميلة "هذا مجرد سبب منحه الله لك كي تلجأ له فيفتح لك أبوابه الكثيرة زهير، من سواه يمكنه منحنا ذلك الطفل؟ من سواه يملك الغفران؟ هو يغفر كل الآثام لو شاء فقط عليك النية واترك له هو كل شيء"
قبل راحة يدها ثم انحنى وقبل جبينها وقال "من وسط ظلام حياتي وجدتك كالبدر يضيء لي طريق العودة، أنتِ أجمل هدية من الله بريهان"
ابتسمت وقالت "حسنا ولكني الآن أريد أن أتناول مانجو"
أبعد وجهه عنها بذهول ودهشة وردد "مانجو!؟ هل أنتِ جادة بيري؟ مانجو هنا والآن؟"
هزت رأسها وملامحها جادة وقالت وهي تجذب يده لبطنها وقالت "هو من يريد"
سقطت نظراته على يديهم التي وضعتها على بطنها ليستوعب كلماتها وردد "هو! يا الله هل هذا هو..، لا أعرف ماذا يسمى ولكن"
هزت رأسها وقالت "نعم زهير أنا أريد مانجو"
ظل صامتا قليلا حتى قال "حاضر بريهان فقط امنحيني بعض الوقت لأجد طريقة للحصول عليها الآن بالشتاء وهنا بعيدا عن المدينة"
ثم نهض لهاتفه وهو لا يصدق أنه يفعل ذلك ويهتم بأول رغبة لطفلهم حتى قبل أن يراه أو يراها..
نامت مرة أخرى دون أن تشعر ولم تستيقظ إلا عندما سمعت صوت حركة بالغرفة ففتحت عيونها لتراه يخرج من الحمام في روب الحمام وضوء خافت يضيء المكان فاعتدلت وهو يجفف شعره
قالت "أنا نمت مرة أخرى؟"
أبعد المنشفة وهو ينظر لها وقال "نعم، كيف تشعرين؟"
أبعدت شعرها وقالت "أشعر بالسوء، أريد أن أحصل على حمام دافئ، المانجو زهير؟"
هز رأسه غير مصدق ثم تحرك للثلاجة الداخلية وفتحها ليخرج لها طبق به قطع مانجوا فابتسمت وهتفت "أنت رائع حقا"
كان يتحرك تجاهها وعيونه تحتويها ولكنها كانت تركز على الطبق وشهيتها مفتوحة وقد تناولت الطبق كله وهو يحدق بها بذهول..
أخذت حمام واستعادت بعض النشاط ولكنه أصر على عودتها للفراش وبالطبع لم يحاول أن ينالها وقد حذره الطبيب من ذلك وهي تفهمت الأمر، بالصباح كانت بالمركز المختص بسيدني وقد كان الأفضل بالمدينة، أجرت كل الاختبارات والفحوصات اللازمة وأخيرا انتهوا عند الطبيب المختص والذي فحص النتائج وقال
"الأمر ليس بسيء ولكن الاحتياطات كلها واجبة بالشهور الثلاثة الأولى حتى تستقر الأمور، المثبتات ستكون أمر أساسي مدام، الراحة بالفراش شرط أساسي، الحقوق الزوجية ممنوعة حتى أخبركم بالعكس، الطعام والفيتامينات"
نظرت لزوجها كما فعل هو ثم عاد للطبيب وقال "السفر؟"
نظر له الطبيب وقال "مستبعد تماما حاليا سيد زهير، التنقل لمسافات بعيدة غير مستحب، البقاء بالفراش هو ما يفضل بالفترة القادمة الحركة بحساب وللأهمية"
شحب وجهها من القلق وقالت بخوف "هل حالتي سيئة لهذه الدرجة؟"
التفت لها الرجل وقال "هو الحذر مدام، خطر الإجهاض موجود وقد حدث لكِ مرة من مجرد ضغط نفسي كما عرفت منكِ فما بالك بالسفر؟ أنا أحاول تجنب أي خطر قد يضر بالجنين"
تفهمت كلماته فقال زهير "تمام دكتور"
عادوا للبيت وجلست بغرفة المعيشة ونظر لها وقبل أن يتحدث قالت بضيق "لن أصعد للغرفة زهير، لن أمضي حياتي بالفراش"
تحرك تجاهها وركع على الأرض أمامها وقال "افعلي ما شئتِ بيري ولكن فقط لا تضري نفسك"
ظلت تنظر له والقلق يعلو وجهه رغم ابتسامته فقالت بعصبية "كيف سنبقى هنا وعملك وعملي وحياتنا بأمريكا؟"
ذهبت ابتسامته للحظة وهو يجذب يدها ليده وقال "عملي يمكنني متابعته من هنا ولكن لا أعلم ماذا يمكنك فعله مع عملك"
ظلت صامتة وهي تدور بنظراتها على وجهه ثم قالت "لا تخبرني أنني لابد أن أترك العمل"
نهض وتحرك بعيدا بجوار النافذة وأشعل سيجارة نفخ دخانها بالخارج وقال "أنا لن أخبرك بشيء يخصك بريهان، أنتِ قادرة على اتخاذ القرار الصواب والمناسب لكِ ولن أعترض عليه"
الحيرة ملأتها وهو يلقي بالكرة بملعبها وهي لا تدري ماذا يريد من وراء ذلك فأبعدت وجهها عنه والأفكار تأخذها وتعيدها كالأرجوحة حتى سمعته يقول "أنا جائع بيري"
نادى على هيلين وطلب الغداء وقال "سأنهي بعض الاتصالات حتى الغداء هل ستبقين هنا؟"
هزت رأسها فتركها وذهب وهي لا تفهم سبب تصرفه معها، هو يمنحها حرية الرأي وبنفس الوقت يخبرها أنه ليس بحاجة للعودة، أغمضت عيونها محاولة التفكير بما يجب عليها أن تفعله..
الغداء كان صامتا جدا وما زال يتابع عمله على الجهاز وما أن انتهى من الطعام حتى نظر لها وقال "أظن أنكِ بحاجة للراحة؟"
تعصبت وقالت "لن أبقى بالفراش زهير"
ظل ينظر لها قبل أن يقول "هل تخبريني ماذا تريدين بريهان؟"
واجهت نظراته وهي لا تعرف بالأساس ماذا تريد فنهضت وتحركت بعيدا لخارج غرفة الطعام فأغلق جهازه وتبعها للخارج وقال بعصبية مماثلة لها "بريهان أنا أتحدث معكِ"
توقفت والتفتت له وقالت "وأنا لا أريد الحديث زهير"
كان قد وصل لها وتوقف أمامها والحيرة هي عنوان نظراته وقال "ولا تريدين الحمل؟"
تجهم وجهها وهي لا تصدق ما يقول ورددت "لا أريد الحمل!"
لم يتراجع وهو يجيب "هذا ما تحاولين توضيحه، لا تريدين الفراش وتريدين العودة لأمريكا بل ولم تتخذي قرار بشأن العمل، تريدين كل ما نهاكِ الطبيب عنه فماذا يعني ذلك؟"
شحب وجهها وقد صدمها كلامه وقد كان على صواب ولكنها لم تعترف وهي تقول "لا يعني شيء زهير، أنا فقط أفكر بصوت مرتفع"
لم يتغير وجهه وهو يقول "تفكرين بماذا بريهان؟ هل الأمر أصلا قابل للتفكير؟ هل لدينا أي اختيارات؟ إما حمل أو إجهاض هذان هما الخياران الوحيدان بريهان"
استوعبت كلماته وظل وجهها شاحبا وهي تعلم أيضا أنه على حق ولكن لا تعلم لماذا يعشش الخوف داخل قلبها فابتعدت من أمامه ولكنه قبض على ذراعها ليعيدها أمامه والغضب يتلون بعيونه وصوته وهو يقول
"هل تريدين ذلك الطفل بريهان لأني بدأت أشك برغبتك به"
سؤاله صفعها بقوة على وجهها ليعيد لها صوابها فقالت بضعف "كيف تشك بذلك زهير؟ أنا تمنيت ذلك الطفل بكل ليلة ربما يعوضني عن الذي فقدته"
لانت ملامحه وقال "ولكنك تفعلين عكس ما تقولين بيري"
لم تتراجع من أمامه وقالت "لأني أخاف"
ضاقت عيونه وهو يردد "تخافين؟ من ماذا؟"
تمنت لو تخبره أنها تخاف من أن تفقده هو ببقائها هنا بعيدا عنه، خائفة من أن يحتاج لامرأة ووقتها لن يمكنها أن تمنحه طلبه ولكنها لم تستطع أن تخبره بذلك، قالت "من الضعف أنا لم اعتاده وقد تعلمت أن أواجه كل شيء بقوة"
ظل جامدا بمكانه حتى قال "الأمر ليس كذلك بيري هو ليس تحدي، هو محاولة الحفاظ على طفلنا كل امرأة تفعل من أجل طفلها"
ابتعدت بضيق وقالت "هذا ما أخبرتك به ميريت؟ كانت تحافظ عليه جيدا"
الصمت سقط عليهم وهي تستوعب ما قالت بعد ما فعلت فالتفتت لتواجهه ولكنه كان يستدير ويذهب وهي ظلت جامدة مكانها وهي تدرك أن كل ما تفعله وتقوله خطأ..
ظل بالمكتب باقي اليوم وهي استجابت لصوت العقل وتحركت للفراش ونامت بعد أن تركت بعض الدموع تصاحبها، عندما شعرت بحركة بالفراش لدخوله بجوارها ففتحت عيونها والتفتت لتراه يمنحها ظهره والظلام يحيط بالخارج
بدون تفكير اقتربت من جسده ومدت يدها لظهره ومررتها على كتفه برقة فلم يتحرك فقالت "لن تغضب مني أليس كذلك؟"
لم يرد ولم يتحرك وهي تعلم أنه مستيقظ فاقتربت أكثر حتى لمست جسده بجسدها ورفعت وجهها لوجهه وسقطت أنفاسها على وجنته وقالت "عليك بتحمل امرأتك الحامل بهرموناتها وجنونها الجديدين، ليس ذنبي هو ذنب ابنك"
رفعت يدها لوجهه ومررت أصابعها عليه وقالت "أنا فقط أكره البقاء بالفراش زهير يعيدني للخلف ويشعرني بالعجز"
التفت لها فظلت عالقة بالهواء ويدها على وجهه وهو على ظهره ونظراته ظهرت بالظلام وصوته يقول "الأمر مختلف بريهان"
هزت رأسها وقالت "أعلم فقط كنت بحاجة لبعض الوقت لاستيعاب ما أنا بصدده"
ظل صامتا فوضعت رأسها على صدره وقالت "وبحاجة لك زهير"
رفع ذراعه وأحاطها به ومرر يده بشعرها وقال "تعلمين أني معك بريهان فقط"
رفعت رأسها لتلتقي بعيونه وتقاطعه "فقط كن صبورا على مجنونتك ولا تغضب منها لأني لا أتحمل غضبك"
ظل ينظر لها فارتفعت رأسها حتى وصلت لوجهه وطبعت قبلة رقيقة على شفتيه وقالت "آسفة"
أبعد شعرها عن وجهها وقال "للحظة شعرت بالندم لإخبارك عنها"
أجابت "معك حق وأنا أستحق ولكنها غيرة نساء لا معنى لها"
توقفت يداه عن العبث بشعرها وهو يقول "حقا تغارين علي بيري؟"
لو النور ساطع لرأى حمرة وجنتيها ولكنه رأى عيونها تفر منه وهي ترد "ألست زوجي؟ ألا يحق لي أن أفعل؟"
ابتسم وقلبه يخفق بجنون وجذب وجهها له وقال "لكِ كل الحقوق التي تريدينها، أنا ملك لكِ بيري"
وقبلها قبلة قوية احتوت معاني كثيرة شعرت بها وأحبتها وصدقتها حتى أبعدها وكلاهم يبحث عن الهواء ثم همس "لولا الطبيب ما تركتك"
عادت لصدره فضمها وقالت "هذا أيضا ما أخشاه، كيف ستفعل ذلك؟"
قبل جبينها وقال ببساطة "لقد فعلتها من قبل بيري، عام كامل لم ألمس امرأة هل نسيتِ؟ أنا أريدك بصحة وسلام وأريده هو الآخر لذا سأفعل المستحيل من أجل سلامتكم"
لم ترد واكتفت بكلماته الصادقة ووجودها بين ذراعيه ومشاعره الواضحة تجاها وتجاه طفلهم فأغمضت عيونها ورحلت للنوم
بالطبع أطاعت التعليمات بالراحة بالثلاثة أيام التالية ولم تغادر الغرفة وهو كان يبذل جهده بالتواجد معها ومتابعة عمله ولكنها لم تشعر أنه يتركها أو يهملها بل منحها أكثر مما كان يفعل قبل الحمل..
بنهاية اليوم الرابع عاد متأخرا من المرعى الخاص بالخيل وتحرك لغرفتهم حيث كانت تشاهد التليفزيون، فتح الباب ودخل فنظرت له وقد بدا مجهدا فاعتدلت بالفراش وقالت "تأخرت وتبدو مجهد"
منحها قبلته المعتادة وخلع كنزته الصوفية وتحرك للحمام وقال "كان علي متابعة وصول الخيول الجديدة"
طلبت العشاء بالهاتف وانتظرته حتى خرج وهو يلف المنشفة حول خصره وقال "نعد لسباق جديد بنهاية الاسبوع"
ارتدى سروال اسود قطني وتي شيرت مماثل ودق الباب فأذن، دخلت هيلين بالعشاء فانضم لزوجته وقال "لم أتناول شيء منذ الإفطار"
تناولا العشاء سويا ثم ابتعد للتدخين فقالت "أريد رؤية السباق زهير"
نظر لها وقال "وأنا أريد ذلك، فقط نرجع للطبيب قبل أن تفعلي لا نريد المجازفة حوريتي"
ابتسمت وقالت "ماذا عن نيويورك؟"
نفخ الدخان خارج النافذة رغم برودة الجو ثم قال "قد أرحل لهناك بعد السباق يومين وأعود"
لم ترد فأطفأ السيجارة وعاد لها بالفراش وقال وقد جمدت ملامحها فمرر يده على وجهها وقال "تبدين صامتة وأنا لا أحب ذلك"
قالت دون النظر له "لا أحب أن ترحل وحدك"
رفع وجهها له فالتقت بعيونه وقال "ولا أنا ولكن لابد أن أذهب، هناك قرارات هامة تحتاج وجودي بيري ولا يكفي وجودي هنا لاتخاذها، هل يضايقك البقاء هنا؟ يمكنك البقاء عند لويس مع كارين"
هزت رأسها نافية ذلك وقالت "لا زهير أنا أحب هنا جدا، هذا البيت يسكن وجداني، أرتاح به وبالهدوء المحيط ويكفيني بستاننا الخاص"
جذبها له فأراحت رأسها على صدره وقال "أنا أيضا سقط بحب المكان من أول نظرة"
رفعت رأسها له وخطت بمنطقة خطر وقالت "أنت لا تعترف بالحب زهير"
واجه عيونها لحظة وقد أخذته كلماتها لعالم بعيد عن عالمه الذي اعتاد عليه، الواقع، العقل، كل شيء بعيد عن المشاعر والقلوب لكن هي تأخذه لدنيا أخرى تفتح له أبواب أغلقها منذ سنوات ولم يعد يعرفها، ألقاها بصحراء حياته السابقة وهجرها بلا نية للعودة ولكنها تعيده
أصابعه كانت تتخلل شعرها وما زال يحدق بوجهها حتى قال "ربما لا أعترف به بيري لأن حياتي ضمت خيانات من أولها لآخرها فمن أين أعترف به أو حتى أصدقه وأنا حتى لم أعرفه؟"
كانت تفكر بكلماته وماضيه وحياته كلها وهو بالفعل على حق كل من بحياته عاشوا بالخيانة ولم يكن للحب مكان، قالت "ولا أحد مر بحياتك كان صادقا معك"
الحزن طغى على عيونه وهي أول مرة يحزن على ماضيه الملوث وحياته السيئة وربما الندم يهزم الحزن ويفوز وهو يلوي شفتيه بابتسامة ساخرة من نفسه وقال "لم أحاول أن أعرف، الثقة لم تتواجد بداخلي تجاه أحد كي أفكر بصدقه من عدمه، أنتِ فقط من رأيت الصدق بعيونك ومع ذلك لم أصدقه لأني اعتدت الخيانة من كل من حولي"
كانت تعلم أنه يعني كلماته بالفعل فقالت "لماذا لا تنسى؟"
أبعد عيونه لبعيد ربما خمسة وعشرين سنة ماضية أو أكثر وقال "هل تعرفين كم عمري بيري؟ كل تلك السنوات لم أعرف بها إلا كل أنواع الهجر والخيانة والموت والألم والمصالح الفردية، هل تظنين أنني لو كنت وجدت ما يجعلني أنسى كنت سأرفضه؟"
ثم نظر لها وقال "فقط"
ووضع راحته على وجهها وقال "فقط لابد أن أعترف أني منذ عدت لكِ نسيت كل ما مر بي ولم أعد أذكر سوى وجودنا سويا، حقا بيري أن أتذكر تلك الأمور عندما تسألين عنها لكن غير ذلك أنا ألقيها خلفي بوجودك بل لم أعد أريد أن أذكرها وأنتِ تشهدين أنني أحاول أن أتبدل لرجل آخر، رجل جدير بكِ"
للمرة الثانية تجذب راحته لفمها وتقبلها وتقول بحنان "أنت كذلك زهير، أنت الرجل الذي لا أريد سواه ولم أحلم بأفضل منه خاصة بعد أن اتخذت قرارك بالتغيير"
جذبها له وقبل جبينها وقال "التغيير يشعرني براحة غريبة بيري، الراحة التي لم أعرفها سوى معكِ"
ابتسمت فقال "على فكرة هاري قد يحضر السباق القادم، تعلمين أنه شريك لي جيك وجه دعوة له لحضور الافتتاح وقد اعتذر لسفره ولكنه قبل الدعوة الأخيرة للسباق القادم"
لم تنظر له وقالت "تعلم أن الأمر لا يهمني وقد لا أحضر من الأساس"
الراحة تزداد داخله وهتف "هو يحبك"
رفعت وجهها له لتواجهه وقالت "امرأتك تثير المشاكل"
داعب أنفها وقال "الجمال يثير الجنون حوريتي"
ضحكت وقالت "ليس بعد الآن، ألا تدرك كيف سأكون بعد شهور قليلة؟ لن يعجبك المشهد"
ضحك وقال "أكاد أتلهف لرؤيته سيكون أجمل مشهد وأنتِ تحملين طفلنا، أحلم به وباليوم الذي أحمله بين ذراعي ويوم يجري أمامي ليلعب معي، أو عندما آخذه للمدرسة وأعيده لن يذهب بالباص بل أنا من سيفعل، سأكون معه بكل مكان لن أتركه لحظة"
ضحكت وقالت "أو تتركها"
استعادته من الحلم فنظر لعيونها وقال "نعم هو أو هي المهم وصولهم الحياة بخير وأنتِ قبلهم"
ثم جذبها ليقبل شفتيها وكلاهم يكمل الحلم كما يشاء ولو أن ليس كل الأحلام تتحقق..
انشغل بالأيام التالية بتجهيز السباق وهي لم تحاول الاعتراض وإن افتقدته، قبل السباق بيوم أخبرها أن الطبيب سمح لها بحضور السباق مع الحذر بالطبع
بمساء ذلك اليوم كان قد دعا بعض رجال الأعمال للعشاء ببيتهم وكانت معه ولكن دون إجهاد بالطبع وتفاجأت برؤية هاري يدخل وبرفقته امرأة لا تعرفها، ابتسم لها وقال
"بيري افتقدتك كثيرا"
رحبت به وقالت "وأنا هاري كيف حالك؟"
قال "بخير، ماري رفيقتي، ماري هذه بريهان الأسيوطي"
ابتسمت لها الفتاة الشقراء وقالت "الأسيوطي، صاحب هذا المكان؟"
ابتسمت بريهان وقالت "نعم، أهلا بكِ ماري"
لم تهتم الفتاة بكلمات بريهان وعيونها تتجول بالفيلا وهاري يقول "تبدين متعبة، هل المكان غير مناسب لكِ؟"
يد زوجها التفت حول جسدها وهو يقول "أهلا هاري كيف حالك؟ أهلا ماري"
نظر هاري لزهير وقال "بخير زهير، كنت أخبرها أنها تبدو متعبة، ألا يناسبها المكان؟"
قالت هي "بل العكس أنا أعشقه"
انضم لهم لويس وقال "والآن تبدين بأفضل حال بيري، ستكونين موجودة بالسباق؟"
التفت هاري له بدهشة وقال "وكيف لا تتواجد لويس؟"
أجاب زهير بهدوء "هي تفضل التواجد بالبيت مؤخرا للراحة"
شحب وجه هاري وهو يعود لوجهها وقال "بيت؟ من الغريب أن تنجح بصنع بيت زهير، بيري بيتها ليس هنا بل بلوس انجلوس"
ذهبت ابتسامتها وتجهم وجه زهير وهو يقول "بيتها حيث زوجها هاري وحيث نرى سويا أنه ملائم لنقيم به أسرتنا وحياتنا"
وبدون تفكير قال هاري "ولكن ليس أنت زهير، لست أنت من يتحدث عن الأسرة والاستقرار"
هتفت بغضب "هاري، كيف تقول ذلك؟"
نظر لها هاري بحدة وقال "الكل يعرف من هو زهير بريهان بل أنتِ نفسك تعرفين فكيف"
قاطعته بقوة "كفى، ليس من حقك أو من حق أي أحد التدخل بحياتنا هاري"
حدق بها هاري بينما ضغطت أصابعه على جسدها قبل أن يقول "اهدئي حبيبتي، هاري فقط يغير من حياتنا وربما يفكر بالمثل"
التفت له هاري بغضب وقال "ليست غيرة زهير، أنا فقط أجد أن الأمر غير مناسب أنتم الاثنان لستم متماثلين وعلاقتكم غير صحيحة"
تدخل لويس قائلا "هو شأنهم هاري، هما من لهم الحق بالحكم على علاقتهم بالصواب أو الخطأ فما دخلك أنت؟"
زاد شحوب وجه هاري بينما انفرجت شفتا زهير بابتسامته الساخرة وقال "كان يظن أنني سأترك حوريتي لويس"
رفعت رأسها لزوجها وعيونها كلها دهشة كما تجهم وجه هاري ورحلت عيون ماري أيضا لزهير بينما ضحك لويس وقال "لا أحد كان يصدق أنك ستكمل ذلك الزواج زهير، بريهان نجحت بتحقيق المستحيل، صنعت منك ما لم تستطع أي امرأة فعله معك"
لم ترحل عيونه عن هاري وهو يقول "هذا صحيح لويس هي بالفعل جعلتني أعشق الحياة الزوجية وأتلهف للعودة للبيت من أجلها"
تلجم لسانها ولسان هاري بينما قال لويس "وآمنت بالحب"
تجهم وجه زهير واحمر وجهها وتحولت كل العيون لزهير بانتظار إجابته
تحولت عيونه أخيرا للويس وكذلك هي بينما ظل هاري يحدق بزهير وكذلك ماري بانتظار إجابته ولكنه لم يفعل وقد دفعته الكلمات للا وعي باحثا عن رد لكلمات لويس الذي كان يعلم أن زهير لا يجد للحب مكان بحياته ولكن أن يتحدث هكذا عنه فهو ما أدهشه بل فاجأه وجعل قلبه يخفق من دقاته السريعة دون جدوى من إيقافه
كان هاري من انتزعهم من حالة الذهول وهو يقول "زهير لا يعرف الحب، علاقاته كلها للرغبة أما الحب فهو آخر اهتماماته وعلى بريهان ألا تحلم بقلب لا أمل به ولن يشعر بها بأي يوم"
الغضب أخيرا تسرب لزهير ولم يتمكن من حكم أفكاره وكلماته عندما تسربوا من بين شفتيه وهو يلتفت لهاري ويقول "بل هي فقط من جعلت هذا القلب الذي تتحدث عنه يدق ويدق لها هي فقط"
كادت تصرخ من المفاجأة وكلماته تندفع لعقلها وقلبها ويرتج لها كل جسدها وعيونها تغرقه بنظرات دهشة تحولت لحب ولويس يضحك ويقول "هذا حقيقي وواضح بعيونه ونظراته لها، هذا هو الحب يا رجل"
ظلت نظرات زهير وهاري ثابتة تمتلئ بالتحدي وزهير لا يفكر بإنكار أي كلمة مما قيل وكل ما كان يريده الآن هو أن يكون هاري قد أدرك أنه زوج جدير بامرأته ولكن هاري قطع الأجواء وقال
"ولكن هذا لا يعني أن بريهان تبادله الحب"
تجمدت هي بمكانها وشعرت ببرودة تضرب ذراعيها العارية وتمنت ألا يلتفت زوجها لها ولكن كل العيون التفتت لها عدا هو ظل ثابتا وقال "مشاعر زوجتي لي وحدي ولا تخص أحد هاري"
شعرت بالراحة لكلماته وبالأمان لأنه يدرك كيف يحمي امرأته من التطفل ومع ذلك اندفع شعور غريب تجاهها يتساءل هل يريد أن يعرف مشاعرها أم كل ما يدور حولها مجرد تمثيلية لضرب هاري ضربة قاضية؟
سمعته يقول "بيري أين ذهبتي؟"
نظرت له بوجه شاحب وقالت "ماذا؟ آسفة لم أسمعك"
ضاقت عيونه وهو يقول "أسألك هل العشاء جاهز؟"
استعادت توازنها وتفكيرها ولاحظت تحول لويس لهاري واختلف الحديث بينهم فقالت "سأذهب لمتابعة الأمر"
وابتعدت وما زالت الأفكار تتلاعب بها من كل النواحي والأسئلة تتوافد الواحد تلو الآخر ولا إجابات تتوافر لديها..
لم يحاول هاري الاختلاط بها مرة أخرى بينما لاحظت محاولات ماري التقرب من زهير فتركتها تفعل وكأنها بل هي فعلا أرادت أن ترى تصرفات زوجها..
يده امتدت ليدها فقبضت عليها ولم تنظر له وقد اعتاد على أن يفعل ذلك دائما وهي كانت بحاجة لذلك الآن، سمعته يقول "من الأفضل أن ننتهي الآن، تبدين متعبة"
رفعت وجهها له فرأت عيونه تمتلئ بالقلق فقالت "لا، أنا بخير زهير طالما أنت بجواري ثم الجميع مستمتعين"
نظراته لها كانت تحمل معاني كثيرة تمنت لو ترجمها بكلمات وهي بادلته النظرات حتى عاد الجميع لجذب انتباههم فاندمجوا معهم لوقت متأخر حتى رحل الجميع فأحاطها بذراعه وتحرك بها لغرفتهم وهو يقول
"كانت ليلة رائعة"
ابتسمت وقالت "نعم، لديك منافسين كثيرين زهير"
كانا قد دخلا غرفتهم ولم يفلت يدها وهو يغلق الباب ويحبسها بينه وبين الباب عندما ابتسم وهو ينحني ليقترب من وجهها وقال "نظراتهم كانت تأكلك حوريتي، كنت بالكاد أتحمل"
عيونها تجولت بعيونه وقلبها لم يعد يتحمل كل ما يحدث له الليلة والكلمات هجرتها بصحراء فارغة وحيدة لا شيء ينقذها من عيونه التي تطلب الكثير، أسندت يداها على صدره وقالت "أنت تعلم أني لا أرى سواك"
الراحة أخذت منه القلق لبعيد، ظل قريب من وجهها حتى شعرت بأنفاسه تهب على وجهها وهو يقول "هذا ما أحلم به ليل نهار"
ظل يتجول داخل عيونها الرمادية وقد تلونت بلون الليل وهو لا يبتعد عنها وهي ثبتت نظراتها عليه وقلبها يندفع بجنون خلف قفصه الصدري فقالت "ليس حلم زهير بل حقيقة، أخبرتك أني لك ولم ولن أكون لسواك"
تنفس بعمق وشعر بجسده يشتعل بحرارة مرتفعة فجذب نفس عميق من الهواء وقال "تلك الكلمات هي ما أحيا عليها"
قالت بهمس "لم أظن أنها تفعل"
رفع يده الحرة لخصلتها المتدلية على جبينها وقال "هذا خطئك"
لمسة يده تعيدها للحياة فقالت "ربما لأني لم أسمع منك مثلها"
توقفت يده على وجهها وقال دون تفكير "كيف بيري؟ لقد أخبرتك كثيرا أني لكِ أنتِ فقط، لا مكان لامرأة سواكِ بحياتي"
هي الأخرى رفعت يداها لوجهه وقالت "ببعض الأوقات أخاف أن تمل مني وتبحث عن راحتك مع أخرى"
انحنى أكثر وقبلها قبلة رقيقة منحتها راحة وجذبت القلق بعيدا عن قلبها وأغمضت عيونها واستسلمت لشفتيه التي أخذت روحها حتى أفلتها وأمسك يدها وحركها حتى وضعها على صدره فوق قلبه فشعرت بدقاته القوية تنبض تحت يدها، عيونها كانت على يدها التي على قلبه عندما قال
"هل تشعرين به بيري؟ هو يدق لمجرد قُبلة منكِ ولوجودك بجواري، لم يدق لأي امرأة من قبل ولن يدق سوى لكِ"
رفعت عيونها له وقد امتلأت بدموع غريبة قد لا يكون لها مكان ولكنها لم تعد تدرك أي شيء مما يحدث لها
ظل يضغط يدها على صدره ويده الأخرى تمر على وجهها وهمس "أخبريني أن قلبك يدق لي بيري"
سقطت الدموع على أصابعه فعاد يقول "ما معنى تلك الدموع بريهان؟"
قالت بصدق "سعادة زهير، عدم تصديق أن قلبك دق لي أنت أخبرتني.."
قبل وجنتها وقال برقة "انسي، انسي ما أخبرتك به بريهان، أنا لم أكن أعلم أني سأعود للحياة كالأشخاص الطبيعية، لهم قلوب تشعر وتدق ليس فقط لمنح الجسد الحياة ولكن معك أصبحت مثلهم، أنتِ من أعادني لحياة البشر بيري"
والتقى مرة أخرى بشفتيها بقبلة أخرى وتحركت يده لتحيطها ويجذبها له أكثر حتى ارتجفت بين ذراعه فأطلق شفتاها حتى فتحت عيونها وهمست "هو يدق لك زهير"
تنفس بعمق وعيونه تنطق بالكثير وما زال يحيطها بذراعه وقال هامسا "وكأني كنت ميت وكلماتك تعيدني للحياة بيري، تلك الدقات هي أغلى شيء حصلت عليه بحياتي بل هي أغلى حتى من حياتي"
ودس رأسه بعنقها يقبلها برقة ويداه تسرح على جسدها حتى كاد يزيد ولكنها همست "زهير، لا يمكننا أن نفعل"
توقف على الفور وأنفاسه غير منتظمة وهو يقول "نعم لقد نسيت، أخبرتك أني أفقد نفسي معك"
وابتسم وهو يقبلها برقة ثم قال "هيا لترتاحي غدا يوم طويل"
بالصباح لم تجده بالفراش وكانت متعبة حقا من تأثير الليلة السابقة ولكنها ابتسمت بسعادة وهي تذكر ما كان بينهم وكلماته عن القلوب، بصعوبة نهضت للحمام وألقت نفسها بالماء الدافئ حتى بدأ جسدها يرتاح
عندما نزلت كان بالحديقة يتحدث بالهاتف وأمامه رجلان انتبها لوجودها فتراجعا باحترام وهي تتقدم وتقول "صباح الخير"
أجاب الرجلان بأدب بينما انتبه هو لها وطبع قبلة على وجنتها وما زال الهاتف يجذب اهتمامه وهي تنظر للرجال وتقول "هل تناولتم أي شيء؟"
حدق الرجلان بها ونظراتهم لزوجها واضحة فابتسمت وقالت "لن يعاقبكم لقدح من القهوة"
سمعته يقول "لا ولكن لا وقت لذلك، هيا عزيزتي لابد أن نذهب"
تحرك لسيارته المرتفعة والرجلان خلفه بسيارة أخرى فقالت "من هم؟"
قاد السيارة وقال "رجال للتأمين بيري"
نظرت له وأبعدت شعرها المتطاير للخلف وقالت "تأمين؟ لا أفهم"
لم ينظر لها وقال "حدثت أشياء غير جيدة بالأمس بالمزرعة، محاولة تخريب ولكن رجال الأمن هناك أوقفوا الأمر وهرب الفاعلين لذا لويس أشار بضرورة الحماية الشخصية لنا"
نظرت للأمام والصمت لفها والأفكار تتدافع من اللا مكان فقال "كلميني"
نظرت له وقالت "قد يكون نفس الشخص"
صمت وهو يفكر بكلماتها ثم قال "ربما، لا وقت للبحث الآن السباق أهم"
لم ترد وهو يقود وكلاهم يبحث برأسه عن أي شيء قد يفيد ولكن الضياع كان نتيجة البحث..
كان المكان مزدحم جدا بالجمهور ولكن يده قبضت على يدها بحزم وهو يتابع كل ما حوله، واندهشت كيف يحافظ على وجودها معه وهو يركز بكل ما حوله ويمنح أوامره؟ لمست ذراعه فانتبه لها فابتسمت وقالت
"يمكنك أن تتركني بالمنصة وتتابع عملك بدوني"
التفت لها باهتمام وقال "أنتِ متعبة؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا ولكني أشتت انتباهك"
قال بصدق "لن تكوني سوى معي بريهان، فقط عندما تشعرين بالتعب أخبريني"
لم ترد وهو يمنح أوامره هنا وهناك وهي تتابعه بإعجاب وهو رجل يطيعه رجال لا حصر لهم وهو حازم صارم وقرارته سريعة بلا تفكير وصائبة وأحيانا تظن أنه متهور ولكن بلا خسائر
ساعدها على الجلوس بالمنصة الرئيسية بعد أن رحبا بالضيوف الهامة ولويس جلس بجواره وجلس هو بجوارها فقالت "نفس الفارس؟"
مال تجاهها وقال "لا، فارس جديد حصلت عليه بالصدفة منذ فترة قريبة وهذا أول سباق جاد له"
الدهشة ملأت عيونها وقالت "هذه مجازفة زهير"
ابتسم وقال "وهو ما أعشقه حوريتي"
ابتسمت له عندما أعلنت الموسيقى عن بدء مراسم الاحتفال قبل بداية السباق واستمتع الجميع بما كان حتى بدأ الفرسان بالاستعداد وبدأ السباق بالفعل مختلطا بصياح الجمهور وتعالت الصيحات مع صوت أقدام الخيل وهي تضرب الأرض بقوة معلنة عن مهارة الفرسان حتى انطلق فارس زهير فجأة من المرتبة الثالثة للثانية وهب زهير على ساقه وهي بجواره وحقق الفارس المفاجأة عندما تخطى الفارس الثاني ليتصدر هو المقدمة وينطلق كالصاروخ كاسرا الرياح بقوة ليصل للنهاية محققا النصر فيطلق زهير صيحة نصر والتفت لها ليحتضنها بقوة كما فعلت هي بسعادة ليشعر هو بنفس اللحظة بثقل على جسده من الخلف وصده كي لا يندفع على زوجته وعندما التفت وجد جسد لويس يسقط فتركها وتلقى جسده الذي سقط على الأرض وسط الزحام وصرخ باسم لويس الذي كان قد سقط على الأرض فاقدا الوعي وسال خط من الدماء من أسفله ليعلن عن إصابة لا أحد يعلم متى وكيف حدث ذلك؟
ساد الهرج من حولهم وهو يصرخ باسم لويس ثم رفع رأسه باحثا عن رجال الأمن ليكتشف أن زوجته اختفت من جواره فنهض والفزع يملأ عيونه وقلبه وكل خلية بجسده تنتفض بالخوف وعيونه لا تجدها وقد أدرك أنها اختفت من حوله فصرخ باسمها بجنون..
يتبع