رواية الماضي الملوث الفصل السابع7والثامن8 بقلم داليا السيد


 رواية الماضي الملوث الفصل السابع7والثامن8 بقلم داليا السيد


حقيقة الانتقام
القصر كان يقع داخل حديقة كبيرة كلها أشجار متناسقة وامتد البساط الأخضر أمامهم وبدا المشهد رائع لمن كان ذهنه قادر على التمتع به وليس لمن يحيا بلا وعي بما حوله مثلها
ما أن نزلت من السيارة حتى كان قد وصل لها والتفت ذراعه حولها فارتجف جسدها ولم تجرؤ على النظر له ورجل بالخمسينات يقف على السلالم الرخامية البيضاء كالقصر الذي تميز باللون الأبيض وبدت رؤوس بارزة بكل مكان على جدرانه، الهواء البارد لفحها وتسرب البرد لجسدها ولكنها لم تهتم والرجل يهتف 
"العريس الجديد، سعدت جدا أن مزرعتي ستكون مكان لشهر العسل"
دفعها برفق لتصعد معه السلم لتواجه الرجل ذي الشعر الرمادي والوجه السمين بعيون مريحة وتجاعيد تدل على عمره أما ابتسامته فدلت على أنه كان وسيم بيوم ما ولكن جسده المنتفخ أحال دون تخيل شكله بالسابق، همس بأذنها 
"ابتسمي"
أنفاسه جعلتها تنفر وتبعد وجهها وقد لاحظ ذلك ولكنه لم يعلق وهي ترسم ابتسامة على وجهها وهو يحتضن الرجل ويقول "ليس هناك أفضل من الطبيعة الخلابة لقضاء اجازة الزواج لويس، كيف حالك؟ بريهان زوجتي، بريهان هذا لويس أفضل عجوز عرفته"
قهقه الرجل واهتز جسده معه وهي تبتسم له بروحه التي جعلتها تهدأ وترتاح قليلا وهي تقول "أهلا لويس شكرا لدعوتك وسعيدة للتعرف عليك"
يد الرجل كانت دافئة رغم برودة الجو وهو يبتسم بعيونها ويقول "وأنا أيضا عزيزتي، تبدين متعبة، زوجتي أعدت لكما جناح خاص يمكنكم الراحة به قبل موعد العشاء وسأرسل الغداء لكما به، العشاء رسمي للقاء الباقين"
عادت يده تلتف حول جسدها فلم تهتم وهو يدفعها للداخل ولويس بجوارهم ومن الداخل بدا القصر أكثر جمالا وأناقة وكل شيء به عصري وحديث عندما رأت امرأة بأواخر الأربعينات تنزل السلم بابتسامة هادئة وجسد متناسق وملابس أنيقة وشعرها البني ارتفع على رأسها بجمال واضح بشرتها الخمرية تزيدها جمالا وعندما اقتربت منهم ظهر لون عيونها البنية الجميلة وابتسامتها زادتها جمالا وهي تقول 
"أهلا زهير، مبروك الزواج"
طبع قبلة على وجنة المرأة وقال "كارين، سعيد برؤيك" ثم ابتعد وأشار لها وقال "بريهان زوجتي، بريهان هذه كارين زوجة لويس"
لم تتركها ابتسامتها وهي تقول "أهلا كارين تمتلكين بيتا رائعا، شكرا لاستضافتنا، حقا المكان رائع"
ابتسامة كارين كانت هادئة ومريحة وقالت "لويس يعشق الزراعة والأرض الخضراء وأنا تعلمت منه ذلك"
قال لويس وهو يضم زوجته له "فقط أولادنا لم يفهموا ما فهمناه حبيبتي، هيا لندع العروسين ينالان قسط من الراحة"
نادت كارين على أحد الخدم وقالت "لورين سترشدكم لجناحكم والغداء سيلحق بكم، البيت لكم بريهان، زهير يعرف ذلك جيدا"
هزت رأسها وقالت "شكرا كارين"
ذراعه دفعتها برفق وقال "لن تفر من الهزيمة لويس"
قهقه لويس مرة أخرى وقال "أرتجف من اللقاء عزيزي"
فتحت لهما الفتاة الباب فدفعها بنفس الطريقة للداخل ولم تفكر برؤية أي شيء فقط المشهد الذي طل من خلف الزجاج هو ما أخذها وهي تتحرك تجاهه وتقف أمام البساط الأخضر الذي يواجها وأشجار متناسقة تبدو متجاورة بصفوف متساوية
رائحة السجائر جعلتها تعود للواقع فالتفتت لتراه جالسا على المقعد الوثير واضعا ساقا فوق الأخرى والدخان يحيط به وعيونه شاردة بعيدا، نظرت حولها لتجد أبواب متفرقة فتحركت لأول باب وفتحته لترى غرفة نوم بنفسجية رائعة الجمال فتحركت للداخل وهي تتأملها حتى وصلت للفراش الخشبي الذي نحت على قوائمه ملائكة بملامح رقيقة أخذت أنفاسها وتذكرت كلماته، تدعي البراءة، أغمضت عيونها والألم يعود لها والارتجاف يضربها مرة أخرى فأسندت يدها على القائم الخشبي عندما سمعته يقول 
"الأخرى وردية وتصلح للعرائس"
عندما التفتت له وجدته عند الباب يستند عليه بكتفه عاقدا ذراعيه أمام صدره فبدا جذابا وضوء الشمس يضرب وجهه فيلمع بإشراقة غريبة وتألقت خصلاته الفضية تمنحه وسامة وجاذبية حسدته عليها، أبعدت عيونها عنه وقالت 
"يمكنك الحصول عليها"
والتفتت لحقيبتها ورفعتها على الفراش وهي تفتحها ولكن يده كانت تقبض على يدها مرة أخرى بقوة ورائحته تخترق أنفها تخبرها أنه قريب بدرجة تخيفها، صوته اخترق جلدها وهو يقول 
"غرفتنا واحدة بريهان، لن ننام بغرف منفصلة"
حاولت تخليص يدها منه ولكن بالطبع الفشل هو النتيجة فنظرت له والغضب ينطلق من عيونها كالرصاص، سريع وقاتل وهي تقول "سأنام وسط النيران قبل أن أنام بجوارك"
ابتسامة ساخرة نطقت على وجهه وهو يرمقها بنظرة مختلفة وقال "أعدي النيران إذن لأنك لن تنامي سوى بجواري وبين أحضاني"
وفجأة جذبها لصدره وهو يحيطها بذراعيه بقوة وعيونها الفزعة تصطدم بعيونه وهي تصرخ ويداها ترتفع لصدره كي تبعده دون فائدة وهي تهتف "اتركني، ابتعد عني، لن أكون لك أبدا، أنا أكرهك"
ولم تكمل وهو ينقض على شفتيها بقوة ليوقف كلماتها وصرخاتها وما زالت تدفعه دون جدوى ولكن المقاومة خفت لحظة وراء أخرى وهو يأخذها بقبلته لبعيد ونست معها ما كان بينهم ولم تعد تذكر إلا أنها معه وهو يقبض عليها دون نية لتركها وعندما أبعدها لالتقاط الأنفاس همس 
"أريدك، الآن"
ولم يمنحها فرصة لتفيق من ضباب قبلته ليحملها للفراش وهناك اختفى العالم من حولها وتوارى الألم خلف لمساته وقبلاته وعندما تملكها كانت تعلم أنها هي أيضا تريده ورغم كل ما يحدث بينهم إلا أن رغبتهم مختلفة وأجسادهم تفرض رأيها عليهم
سقطت بالنوم دون أن تدري متى وكيف ولكنها لم تعترض حتى شعرت بيد تهزها برفق ففتحت عيونها لتراه يقف أمامها بكامل ملابسه وشعره المبلل أخبرها عن حمامه، اعتدلت وهو يقول 
"موعد العشاء"
وتحرك لخارج الغرفة دون أي كلمات، الضوء الخافت بالغرفة لم يجعلها ترى عيونه، أبعدت شعرها وجسدها العاري ذكرها بما كان بينهم بالظهيرة 
الحمام كان طويل وهي تحاول إبعاد الإرهاق عنها، ارتدت فستان أخضر رائع ضيق بالكاد يصل لركبتها وشرابها الشفاف وتركت شعرها منسدل بانسيابية على أكتافها المختفية خلف الحمالات العريضة للفستان فقط ذراعيها العارية وصدرها الذي ظهر من فتحة الفستان الكبيرة زادها جمالا، عطر الورد جعلها ترفع رأسها ببعض الهدوء وعندما واجهت صورتها بالمرآة كرهت نفسها وضعفها ولم تعد تريد أن ترى تلك المرأة التي يخونها زوجها وهي تعرف ولا تستطيع الاعتراض بل وتنام معه وكأن لا شيء بينهما
"لقد تأخرنا"
صوته العميق جذبها من بئر الضياع الذي سقطت به، التفتت له فلمعت عيونه التي تجولت على جسدها دون أن يتحدث فتحركت تجاهه وقالت "لقد انتهيت"
مرت من جواره فسد طريقها فرفعت وجهها له بتحدي واضح فقال "أذكرك باتفاقنا بيري"
لم تبعد عيونها عنه والغضب الكامن داخلها أصبح ملك لها وحدها، المرأة الباردة هي من تصلح له، الحرارة التي عرفها لابد أن تتوقف والضعف لابد أن يرحل لتكمل الحرب معه وترى إلى متى سيستمر 
قالت "لست بحاجة لتفعل، ليث يستحق أن أقدم حياتي لأجله"
وتحركت لتبتعد قبل أن تتوقف دون أن تنظر له وقالت "ولا تناديني بيري، لا تجيد النطق بها كما يجب"
وتحركت للباب الخارجي دون أن تنتظره ولم ترى تعبيرات وجهه التي ارتفعت عليه ولا شعرت بالصراع الدائر داخله ولا القوة التي كان يتخذها ليوقف نفسه عنها
سار بجوارها وهما يتقدمان من غرفة الاستقبال عندما رأت جمعا كبيرا حولها، توقفت الأصوات برؤيتهم وتحولت لهما الأنظار، لويس اندفع لهما وهو يقول "وها قد ظهر العروسين أخيرا"
توقف لويس أمامهم وقال بابتسامته الجميلة "تبدين جميلة بريهان"
ابتسمت بثقة وقالت "شكرا لويس"
أمسك يدها وجذبها وهو يقول بصوت مرتفع "اسمحوا لي أن أقدم لكم العروس الجديدة بريهان بالطبع الجميع يعرف زهير وبريهان من خطفته من حياة اللهو لقفص الزوجية فلنرحب به معنا"
كان قد تحرك لمائدة المشروبات وتناول كأسا أفرغه بفمه ليمنحه شعور بالهدوء والجميع يهتف له، أخذها لويس بجولة بين الأزواج الأربعة الآخرين ولأن عملها جعلها تتعلم التركيز بالأسماء والألقاب فقد حفظت رغم ذهنها المشغول
حاولت أن تبدو طبيعية وكارين كانت جميلة وكلماتها تبعث على الراحة وعندما لفت وجهها تبحث عنه وجدته يقف مع امرأة شقراء لم يقم لويس بتقديمها لها ولا رجل معها، اتخذ قلبها دفاعاته من الألم الذي توقعته عندما رأته يبتسم للمرأة بعيون تلمع بنفس البريق الذي رأته بالصباح مع تلك المرأة..
الغضب تسرب لها ولكنها دفعته بعيدا واتخذت البرود حصنها وحائط دفاعها تجاه ذلك الرجل الذي يتملكها بسهولة ويهينها ويؤلمها أيضا بسهولة ومع ذلك تستسلم له وتستجيب لرغبته والمساوية لرغبتها..
تقدم لويس وكارين لغرفة الطعام وبالطبع كان لابد أن يجلس بجوارها بعد أن جذب لها المقعد باحترام ولكن جورجينا كما عرفت جلست بجواره وتقريبا لم تتوقف عن الحديث معه واختفت يدها اليمنى طوال العشاء وتذكرت كلمات هاري بالحفل الأخير ففقدت شهيتها ولم تتناول غير قطع بسيطة من اللحم رغم أنها لم تتناول أي شيء منذ الأمس، صوته أخذها عندما مال تجاهها وقال 
"ستتهاوين إذا لم تتناولي أي طعام"
لم ترفع وجهها عن طعامها وقالت بهدوء "لا تخبرني أن الأمر يهمك، أنت مشغول بما يكفي كي تدرك تناولت طعامي أم لا"
رفع حاجبه ولم يبتعد عنها وهو يقول "يمكنني متابعة كل شيء بنفس الوقت عزيزتي ولابد أن أتابع طعامك فلن أكون سعيدا بانهيارك أمام الجميع"
شحب وجهها وأخيرا نظرت له لتلاحظ اقتراب وجهه منها ولا تعلم لماذا اخترق السؤال ذهنها الآن ولم توقفه وهي تقول "هل ستنام معها الليلة؟"
تراجع من سؤالها الجريء وللحظة ظل يتجول على وجهها ليرى أي ملامح للتراجع ولكنها ظلت ثابتة فأبعد وجهه وقال "لا، ليس هنا المكان المناسب"
جذب كأسه وتناول ما به ليبتلع مرارة بفمه بينما احمر وجهها وعادت للطعام بصمت دون أن تأكل إلا القليل وذهنها مشغول به وبما يفعله بها فهو لن ينام معها هنا لأن لويس لن يقبل بذلك ولكنه سيفعل بمكان آخر..
شعرت بالراحة عندما انتهى العشاء وتحرك الجميع لقاعة أكبر وأكثر جمالا، يده كانت تحيطها بلا معنى وقد تبدلت ملامحه منذ العشاء وأظلمت عيونه ولم يتحدث مع جورجينا مرة أخرى وإنما جذبه لويس بحديث وهي اندمجت مع بعض الزوجات ثم بدأت الموسيقى وتحرك لويس وزوجته لمنتصف القاعة وهتف 
"من أراد فليفعل"
وضحك وهو يضم زوجته له ولم تنتظر أن يأتي ليأخذها ولكنها رأته يرقص مع نفس المرأة وامتلأت عيونها بنظرات ملتهبة ولكن صوت أحدهم قال "هل تسمحين لي؟"
يده الممتدة جعلتها تدرك ما يريد، كادت ترفض ولكن مظهر زوجها ورفيقته جعلها تبتسم وتمد للرجل يدها وهي تقول "بكل سرور"
الرجل كان حريص على المسافة بينهم ولكن عيونه كانت تشع بالإعجاب الذي تعرفه كل امرأة ولكنها لم تكن بحالة تجعلها تعي ذلك ولكنه جذب انتباهها عندما قال "تبدوان زوجين رائعين"
عادت بوجهها له وقالت "هل نفعل؟"
ابتسم وقد كانت كالعادة قصيرة بالنسبة له، ابتسم وقال "بالتأكيد، هل هي قصة حب؟"
السؤال صدمها ولكن بسرعة تعاملت مع الأمر وشعرت بالسخرية تضربها تماما كابتسامة زوجها الساخرة فضحكت وقالت "نعم بالتأكيد قصة حب"
شعرت بالمسافة بينهما تقل ولكنها لم تتصرف والرجل يقول "حقا لابد أن تكون من يمكنه مقاومة ذلك الجمال؟"
أدركت كلمات الرجل ونظراته، هي ليست فتاة عشرينية مراهقة ولكن عليها أن تجيد التصرف فقالت "شكرا للمجاملة"
ثم توقفت وقالت "اسمح لي أشعر بالتعب"
تركها الرجل على الفور وقبل أن تبتعد كان زهير يقف أمامها وبعيونه نظرة مهيبة جعلتها تتسمر مكانها وهو يقول بصوت عميق "هل نرقص؟"
حاولت ألا تظهر الخوف الذي ملأها من نظرته وصوته وهو يأخذها ويضمها له وما زالت العيون متصلة حتى قال "ماذا كان يقول لك؟"
لم تفهم سؤاله وأبعدت عيونها وقالت "من؟"
ضغط بيده على خصرها وقال من بين أسنانه "جيف، الرجل الذي كان يراقصك، ما الذي قاله جعلك تضحكين هكذا؟"
تذكرت فاقتبست ابتسامته الساخرة وقالت "آه، كان يخبرني عن قصة حبنا"
يده زادت من الضغط على خصرها وجذبها أكثر له وأحنى رأسه ليصل لها وقال "لا تتلاعبي بالنيران بريهان، أنت من سيدفع الثمن"
لم تذهب ابتسامتها وهي ترد "تعلمت أن أتحمل من أجل من يستحق، ليس لدي ما أخسره زهير"
لم يرتد وما زال وجهه قريبا منها حتى قال "حقا؟ هل هذا استسلام؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت "أبدا، فقط هدنة حتى تخبرني سبب انتقامك هذا"
تبدلت ملامحه مرة أخرى وتبدلت الموسيقى فقالت "هل نتوقف؟ أريد الذهاب أنا متعبة"
ترك يدها دون أن يبعدها ودفعها وهو يقول "لنذهب"
نظرت له بدهشة وقالت "ظننتك ستكمل وحدك"
لم ينظر لها وهو يقول فاقدا الرغبة بالبقاء "أخبرتك أننا لابد أن نبدو زوجين سعيدين"
ضحكت مرة أخرى وقالت وهو يدفعها للخارج "ولقد فعلنا، الرجل تحدث عن قصة حبنا"
لم يرد وهو يتحرك بجوارها للأعلى وما أن أغلق الباب خلفهم وتبعها لغرفتهم حتى جذبها من ذراعها والغضب يغشى عيونه وهو يقول "احذري بتصرفاتك بريهان، لن أسمح لكِ بتلطيخ اسمي مع الرجال لن اسمح لكِ بالمهزلة التي كنتِ تعيشيها"
ظلت تحدق به وكان عليها فقط أن ترفع يدها وتصفعه ولكنها ظلت جامدة ويدها الحرة بجوارها وعيونها تنظر له ولسانها يقول "ووجودك مع نساء أخرى بعد زواجك لن يلطخ اسمك؟ خيانتك لي بوجودي لن يلطخ اسمك؟ اطمئن لا أنوي أن أبدو أمام أحد بمظهر المستهترة التي كنت عليها فأنا قبل أن أحمل اسمك كنت أجيد حمل اسم أخي"
كلماتها ضربته بالصميم وقوتها أمامه تردعه، توقف كل غضبه، عيونها تجذبه، أنفاسها تحرقه، ابتعد من أمامها للبار الصغير وأخرج الكأس وزجاجة معروفة وسكب لنفسه كأسا تجرعه بدون تمهل، تابعته بنظراتها وأدركت أنه يدرك صحة كلماتها فتحركت لتذهب ولكنه قال 
"تذكرين اسم ياسمين فرغلي؟"
توقفت والاسم ينساب داخل عقلها محاولة تذكره ولم تلتفت له ولكنه كان قد عاد لها وقد تخلص من جاكته وربطة عنقه وقال "كانت معك بالكلية منذ تسع سنوات، كانت بالفرقة الرابعة وقت أن كنتِ بالفرقة الثانية تقريبا"
لم ترفع وجهها له وهي تبحث بذكرياتها، تلك الأيام كانت كلها عبث ولا مبالاة، رائحة الويسكي فاحت حولها من فمه، قال ببرود غريب "هل كنتِ مدمنة وقتها؟"
هزت رأسها بالإيجاب وقالت "نعم وتعافيت منه ثم عدت له بعد موت بابا"
لم ترفع عيونها له وهو يقول "ياسمين كانت قريبة لواحدة من صديقاتك عرفتِ أنها كانت مرتبطة بفتى غني ولأنك ترفضين أن ترتبط فتاة قبلك ألقيتِ بها بطريق الإدمان وفتحتِ لها طريق الشباب الفاسدة وجعلتِ أحدهم يعبث معها حتى ماتت بجرعة زائدة"
رفعت عيونها له ولم يكن يراها ورأت نظرة عميقة بعيونه لم تفهمها فشعرت بالغضب من الماضي المجهول أو الملوث، تملكها الفضول تجاه تلك الفتاة بكل تفاصيلها فقالت بصوت ضعيف 
"من هي؟"
لم يجيبها وهو يقول بقوة "أنتِ من قتلها"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا أعرف عمن تتحدث"
قبض على ذراعها بقوة والغضب يكاد يتحول لسكين حاد يمزقها وصوته الثقيل النابض بالغضب يهتف "كاذبة، كنتِ معهم وأنتِ بأنانية منكِ دفعتها لطريق الدمار، أنتِ من قتلها وستدفعين الثمن غاليا هل تسمعيني؟ لن أرحمك، سأجعلك تندمين على ماضيك الملوث وتكرهين حاضرك، سأستمتع وأنا أجعلك تعرفين أني أنام معكِ بالليل وبالصباح مع امرأة أخرى، ستكونين بلا معنى بحياتي غير شيء يدفئ فراشي، امرأة تمنحني ما أريد وقتما أريد لكن لا وجود لكِ بحياتي أكثر من ذلك"
ثم دفعها بعيدا حتى كادت تسقط وتحرك للبار وجذب الزجاجة والكأس وتحرك للغرفة الوردية وصفع الباب خلفه بقوة مما جعلها تهتز فزعا وعيونها على الباب المغلق وهي لا تفهم أي شيء مما قال بل تبحث ببئر ذكرياتها عن تلك الفتاة ولكنها كانت فترة سيئة بحياتها ضائعة حذفتها من عقلها ولم تعد تذكرها 
يتبع...

الفصل الثامن
كيمياء متبادلة
استيقظت مبكرا لأنها لم تنم جيدا، أفكارها كانت ما بين الماضي والحاضر وبالنهاية لم تصل لأي شيء، اغتسلت وارتدت ملابسها وخرجت لتبحث عنه، توقعت ألا تجده كالأيام السابقة ولكن ما أن فتحت باب الغرفة حتى رأت جسده على الفراش ممدا على وجهه ببنطلونه وقميصه ورأت الزجاجة على الأرض والكأس ملقى بجواره، وجهه مختفي بالوسادة وفقط شعر متناثر هنا وهناك
دق الباب ففزعت وارتدت للخلف حتى أغلقت باب غرفته وباب الجناح يفتح ولورين تدخل بالإفطار وهي تقول "صباح الخير مدام، الإفطار، سيد لويس يخبركم أنهم سيقومون بجولة بالمزرعة على العاشرة لو رغبتم بالانضمام"
هزت رأسها وقالت "شكرا لورين"
لم تمنحها أي رد وهي لا تعرف ماذا ستفعل معه، تناولت الإفطار وحدها ولم تحاول حتى العودة لغرفته ثم نزلت لتجد لويس ومعه رجلان وزوجاتهم يستعدون لركوب سيارات جيب، ابتسم لها لويس وقال 
"وحدك؟"
بادلته الابتسامة وقالت "ألا يجوز؟"
قهقه كعادته وقال "بالتأكيد يجوز فهذا يمنحني الفرصة لأجد صحبة، كارين اعتذرت"
ركب الرجلين وزوجاتهم بسيارة وركبت هي مع لويس وهي تقول "هل هي بخير؟"
قاد السيارة وقال "تصاب بصداع نصفي من فترة لأخرى مما يبقيها بالفراش حتى تذهب النوبة وبالطبع لم يمكنني الاعتذار عن الجولة، ماذا أصاب الرجل الصعب؟"
أبعدت شعرها المتطاير وقالت "ما زال نائما"
نظر لها وقال "هل أسرف بالشراب أمس؟ لقد تناول عدة أكواب بعد العشاء"
هزت رأسها وقالت "نعم"
اختصار الإجابة أغلق باب الحديث وبدأ لويس يشير لها للأماكن من حولها حيث يقومون بتربية المواشي وأشار أنها من أفضل الأنواع عالميا ويتم تصدير لحومها للبرازيل واليابان، وبالطبع الأرض صالحة للمرعى، بعض الأماكن تخللها بيوت صغيرة للسكان المحليين وكانت القرية هي وجهتهم الأخيرة حيث المطعم الريفي الصغير استمتعوا جميعا بالغداء وسرعان ما عادوا للسيارات وباقترابهم من القصر أشار لويس لمرعى دائري كبير وقال 
"هذا حيث يتم تدريب بعض الخيول هو أمر بدأت به مؤخرا ولأنه يحتاج لرأس مال فقد عرضت على زوجك الشراكة، نحن ننوي أن نشتري خيل من أفضل السلالات ونقوم بتربيتها وتدريبها للاشتراك بالسباقات، نوع جديد من سوق المنافسة ولأن زوجك يحب المجازفة فقد وافق أفكاري"
تأملت الخيول القليلة وهتفت "لكم كنت أحب مشاهدتهم بالنادي ولكني لا أجرؤ على ركوبها"
ضحك وقال "لماذا؟"
ضحكت وقالت "ستفشي السر لويس؟"
ضحك هو الآخر وهتف "لا، لا تخبريني أنك تخافين منهم"
لم تتوقف عن الضحك وهي تقول "كنت صغيرة عندما كاد أحدهم يدهسني تحت ساقيه لولا ليث أخي"
هز رأسه وقال "نعم، الطفولة تعني الكثير بحياتنا"
هزت رأسها دون تعليق وقد كانوا قد وصلوا البيت وقد أوشك الغروب، تحرك الجميع للداخل عندما وجدته يقف بقاعة الاستقبال أمام أحد النوافذ بقميص أزرق سماوي وجينز قاتم وبدا غريبا لها وهو يدخن سيجارة وعيونه تنطلق تجاهها كالرصاص وقد تبعها لويس وهو يهتف 
"ها هو أنت أيها الرجل الهمام، كيف حال الصداع؟"
رحب بلويس والجميع وما أن اقتربت منه حتى احتواها بنظرات قاتمة وهو يقول "لورين منحتني شريط كامل لويس، هل استمتعتِ عزيزتي؟"
حاولت أن تبتسم وهي تقول "نعم، اسمحوا لي، احتاج لتبديل ملابسي"
أجاب لويس "لن يتناول معكِ العشاء لدي اجتماع هام معه ومع الرجال"
هزت رأسها وقالت "إذن سأتناوله بغرفتي"
وتحركت لتصعد وهي لا تريد التفكير بنظراته ولا المغزى منها وإنما تركت نفسها بالمياه الدافئة ورائحة الورد تنطلق من الصابون تريح أعصابها عندما سمعته يقول "من منحكِ الإذن بالذهاب وحدك؟"
فزعت من صوته واعتدلت بالمياه لتراه يتقدم ليقف أمامها فأغلقت عيونها ونظمت أنفاسها من الفزع ثم فتحتها ولم تنظر له وهي تقول "كنت نائم"
كان يضع يداه بجيوب بنطلونه وعيونه مسلطة عليها بحدة وهو يقول "كان عليكِ البقاء بجوار زوجك، ألم يعلمك أحدهم ذلك؟"
لم تتحرك والضيق يحاوطها وقالت "لا"
أخرج يداه وانحنى ليسندهم على سور المغطس ووجه يقترب من وجهها ليواجه عيونها التي لا تواجهه وقال بنبرة لم تفهمها "إذن علي تعليمك ما فشل الجميع فيه وعند الخطأ تتحملين العقاب"
كان يتحدث وارتفعت يده تفك أزرار قميصه فسقطت عيونها على يده وتعالت دقات قلبها ونظراته الساخرة تتجول على جسدها المغطى بفقاقيع الصابون وقال "والآن وقت العقاب"
أحاطت نفسها بذراعيها وسط فقاعات الصابون الغزيرة وتسلل الخوف لعيونها وهي تقول "لا"
ولكنه لم يكن يسمعها وهو يكمل التخلص من ملابسه ويقول "تعلمين أن لا عند النساء تعني نعم، توجد بيننا كيمياء غريبة بريهان تجذبنا لبعض كالمغناطيس"
ولم يمنحها أي فرصة لتعترض وهو ينفذ ما أخبرتها به عيونه والغريب أنها كانت تعلم أنه على حق، هناك شيء بينهم يحول دون أن ترفضه أو أن يبعدها هو عن ذراعيه
جلست تمشط شعرها أمام مرآتها وهي تفكر بما كان بينهم منذ وقت قصير عندما انتهى منها همس بأذنها "تتعلمين بسرعة عزيزتي"
خلصت نفسها منه بغضب فضحك وخرج من تحت المياه والتف بالمنشفة وهي تقول "أنا أكرهك"
رمقها بعيونه وهو يخرج وقال "شعور متبادل بالتأكيد"
وأغلق الباب خلفه تاركا إياها بين الألم والحزن والدهشة، كلاهم يكره الآخر ومع ذلك تلك العلاقة لا تتوقف، لا تستطيع إبعاده وهو لا يتركها بل ويصر على حقه بها
حدقت بنفسها بالمرآة وهي تفكر، هل هو حقا الآن مع لويس؟ أم مع جورجينا؟ أغمضت عيونها وهي تشعر بألم يجتاحها وهي تعلم أن ذلك هو عقابها على ماضيها السيء وتصرفاتها الغير مسؤولة، هي تستحق كل ذلك حتى ولو كانت قد توقفت وتراجعت عن أخطاءها لكن لابد من دفع الثمن..
نامت دون أن تعرف متى حتى أنها لم تتناول العشاء ولكن تلك اللمسات على جسدها والأنفاس الدافئة المعطرة برائحة الدخان جعلتها تستيقظ ويده تلتف حول جسدها وهو يهمس "أريدك"
ما بين النوم واليقظة تملكها مما أعادها للواقع ولكن ذهنها لم يكن صافيا للتفكير بأي شيء وما أن انتهى حتى عادت للنوم فتأملها بصمت ونهض مبتعدا للحمام وهو يكاد لا يفهم نفسه ولا تصرفاته معها وهو يعلم أنها ترضخ له خوفا على سمعة أخيها وليس من أجله، خرج من الحمام وارتدى سروال رياضي دون شيء على صدره وأشعل سيجارة وتحرك للنافذة وظل واقفا أمامها وهو يحاول أن يوقف رأسه عن التفكير، بالأمس سقط ثملا ليفر من مواجهة الماضي ولن يكرر ذلك، لا يحب نفسه عندما يثمل بتلك الطريقة ولكن
التفت لها وهي نائمة ووجهها يضيء تحت ضوء القمر، هي السبب، هي سبب كل ما يجتاحه من ألم وحزن وهو يعلم أنه ألقى نفسه بطريق ما كان عليه أن يسلكه وها هو لا يستطيع أن يلف ويستدير عائدا دون خسائر
أبعد عيونه عنها وبالظلام الخارجي ارتسم الماضي كله أمامه فجذب أنفاس كثيرة من السجائر حتى نفذت علبته فتحرك للفراش واندس به وتمدد على جانبه ولكنه استدار واقترب منها وأحاطها بذراعيه فأسندت رأسها على صدره العاري دون أن تعي شيء وشعرها يتساقط هنا وهناك فأبعده وتأمل ملامحها وهو يلعن نفسه على تصرفاته المتناقضة والتي لا يفهمها..
دقات على الباب أيقظتها ففتحت عيونها وكادت تتحرك عندما وجدت ما يعيق حركتها فاستعادت وعيها لتجد رأسها على صدره العاري الذي يرتفع ويهبط بانتظام وشعرت بذراعه تحيطها بقوة وتذكرت ما كان بالليل عندما أيقظها والآن
دقات الباب جعلتها تنتبه فتحركت ولكن ذراعه ضغط عليها وهو يتملل ويقول "إلى أين؟"
توقفت واندهشت وهي تجيب "اتركني زهير، الباب يدق"
فتح عيونه والنعاس ما زال يشبك رموشه كخيوط العنكبوت فرفعت وجهها لتواجهه وهو يقول "لا يهم"
تحركت ولكنه زاد من قبضته حتى هدأت ثم بلحظة كان يعتليها وقد نفض كلاهم النوم وتواجهت النظرات فقالت "من المفترض أن ننهض للإفطار"
ابتسم بسخرية وقال "الأزواج الجديدة لا تحسب خطواتهم، نحن بشهر العسل عزيزتي"
لم تتحرك وهي تندهش منه وقالت "تكرهني وترغب بي"
اقترب وقبل وجنتها وهمس "اتفقنا على الكيمياء وعلى أن لي متطلبات لا تنتهي ووجودك يوفرها لي"
دفعت يداها بصدره بغضب وقالت "أنا لست عاهرتك زهير"
ضحك بقوة وقال "لا فالعاهرة تكلف كثيرا"
دفعته بقبضتيها بصدره لتبعده وهي تهتف بغضب أكبر "ابتعد عني أنت مقزز"
ظل يضحك وهي لا تتوقف عن ضربه حتى أمسك يدها ورفعهم خلف رأسها مقيدا إياها وهو يقترب من وجهها وقال "ولكنك تريديني مثلما أريدك بيري، جسدك يريدني، رغبتك بي لا تقل عن رغبتي بك"
كادت تعترض ولكن قبلاته أذهبت قوتها فشعرت بالدموع تتكون بعيونها لضعفها وهي تعترف أنه على حق ومع ذلك تمنت لو أمكنها أن توقفه وتبعده ولكنها فقط همست 
"لديك نساء أخرى"
دس رأسه بعنقها وشفتاه تقبل النبض الساري به وقال "لكني أريدك أنتِ"
أغمضت عيونها وتركت دموعها تواسيها وتعترض بدلا منها وهو يأخذها وكل مرة بطريقة مختلفة تزيدها متعة وما أن ينتهي حتى يتركها كالعادة تلملم أحزانها وغضبها على نفسها وينهض مبتعدا
أخذ لويس الجميع بجولة بمرعى الخيول وعندما دخلا الاسطبل التصقت بكارين والخوف واضحا على وجهها فقالت كارين "أنتِ ترتعدين بيري"
حاولت أن تبدو طبيعية وقالت "لا أنا بخير"
ظلت كارين تراقبها ثم انتبهت للآخرين بينما حاولت هي التغلب على مخاوفها ولكن انتباهها انتقل فجأة لتلك المرأة التي لحقت بهم، جورجينا والتصقت على الفور بزهير وبسرعة انطلقت ضحكتها مع ابتسامته فأكلها الغيظ والغضب وتمنت لو اندفعت لتقف بينهم وتخبر تلك المرأة أنها هنا ولكنها تعرف أنه قد يهينها أمام الجميع دون اهتمام فتأخرت عن الجميع دون رغبة بالاستمرار معهم وتحركت بالإسطبل دون هدى عندما لاحظت أحد الخيول البيضاء الرائعة وللحظة شردت بتأملها عندما سمعت امرأة تقول
"تبدو جميلة"
التفتت لتجدها جورجينا فرفعت حاجبها بدهشة وأبعدت وجهها وقالت "نعم"
ضحكت المرأة وقالت "أعشق ركوب الخيل منذ نعومة أظافري وأنتِ؟"
أبعدت وجهها وقالت بضيق "أحبهم لكن لم أركبهم"
ضحكت جورجينا وقالت "لا تخبريني أنكِ تخشين منهم"
نظرت لها بتحدي واضح وقالت "لا، لا أخاف منهم"
وارتفعت أنفاسها رغما عنها فأمسكت جورجينا يدها فجأة وقالت وهي تدفعها تجاه الفرس الأبيض "حسنا لنرى كيف يمكنك التعامل معهم"
وكانت قد فتحت باب كابينة الفرس ودفعت بريهان تجاه الفرس الذي تراجع أمام الزائرة الجديدة والتي لا يعرفها فبدأ يتحرك بتوتر وارتجف جسدها وارتفع الفزع بعيونها وهي تتراجع وقد ارتفعت الذكرى لعقلها فتراجعت أمام الفرس وتلجم لسانها وبدأ توتر الفرس يزداد وبدأ يصهل بصوت مرتفع ثم رفع ساقاه اعتراضا على وجودها والتصقت هي بالجدار برعب واضح وعندما اقترب حاولت أن تتحرك ولكنها تسمرت ورفع الفرس ساقيه ويكاد يهوي عليها عندما اتسعت عيونها ودارت الدنيا بها وسقطت بلا وعي


تعليقات



<>