رواية عشق الجمال الفصل السابع والعشرون27 والثامن والعشرون28 بقلم نورا عبد العزيز

رواية عشق الجمال الفصل السابع والعشرون27 والثامن والعشرون28 بقلم نورا عبد العزيز


فى عيادة الطبيب الخاص كان "جمال" جالسًا لا يُصدق بأن زوجته حامل حقًا فسأل بتوتر:-
-أنت قولت أن مريم مش هتقدر تخلف تاني وكتبت علاج لدا معقول العلاج يكون عمل تأثير بالسرعة دى وفى ثلاث شهور بس

تبسم الطبيب بلطف وقال:-
-أنا قولت أن الرحم فيه مشاكل طبية ومش هيقدر يشيل جنين لكن مدام مريم هتحمل عادي زى ما حملت مرة وأتنين المهم أن الحمل يثبت والجنين يكبر لأن فى الحالتين اللى قبل كدة الجنين مكنش بيكبر 

وضع "جمال" يده على جبينه بحسرة من خسارة زوجته وهى تحمل فى أحشائها جنينه الذي سيرد لها سعادتها وفرحتها، تنهد بهدوء ثم قال:-
-يعنى فى أمل الحمل المرة دى يكمل؟

أومأ الطبيب بنعم ثم قال بجدية:-
-كله بإرادة ربنا أولًا وبعد العلاج اللى أخدته مدام مريم هيبان، ممكن يكمل عمومًا ممكن تخلي مدام مريم تمر عليا فى المستشفي نعمل شوية فحوصات وبعدها أطمن حضرتك

شعر "جمال" بغصة فى قلبه لأول مرة يكن عاجزًا عن إحضار زوجته، كيف يخبره أن زوجته تركته وهربت بعيدة بعد أن سرقت قلبه وروحه وأولاده منه، نزلت من العيادة مهمومًا وكأنه شاخ وبلغ الستينات من عمره وأصبح عجوزًا ، لا يعلم من أين جاءت الجراءة لـ "مريم" حتى تسلبه كل شيء وترحل، لم تترك له شيءٍ واحدٍ حتى يحيا به فى غيابها وكأنها قد حكمت عليه بالموت الآن.....

_________________________________ 

تأففت "مريم" بأختناق أثناء جلوسها على المقعد الخشبي أمام المنزل وتراقب طفلتها التى تركض هناك مع بعض الأطفال وقالت بخنق:-
-ليه يا مسك قولتله؟ أنا أمنتك على سر؟ مكنش فى داعي تقولي لجمال أنى حامل، فى كل الأحوال الحمل مش هيكمل

نظرت "مسك" إلى الأوراق الموجودة فى يدها الآن وقالت بحماس:-
-بس عينة الدم اللى خدتها منك بتأكد غير كدة يا مريم ودكتور النسا اللى كشف عليكي قبل ما تسافري أكد نفس الكلام وأن العلاج اللى معاكي دلوقت هيساعدك فى اكتمال الحمل، المهم الراحة والحركة غلط عليكي، أنا وافقتك على السفر لكن زى ما وعدتني متتحركيش ولا تعملي حاجة مجنونة

تبسمت "مريم" بلطف ووضعت يدها على بطنها بعد أن سمعت حديث "مسك" الذي طمئن قلبها أن هناك أمل أن تولد هذا الطفل وقالت:-
-يعنى ممكن أولده يا مسك؟! ، أنتِ مبتكدبيش عليا صح؟

مرت "مسك" فى رواق المستشفي والهاتف على أذنها بسعادة تنير وجهها ثم قالت:-
-ممكن يا مريم،مفيش حاجة بعيدة على ربنا لكن المهم تخلي بالك من نفسك ومن صحتك 

توقفت عن الحديث حين رأت "جمال" يسير نحوها قادمًا من بعيد ومعه "عاشور" فتنهدت بأختناق وقالت:-
-يعجبنى فى الرجالة أنهم مبيعرفوش قيمة الحاجة غير لما تروح منهم

لم تفهم "مريم" حديثها فوضعت "مسك" الهاتف فى جيب البالطو الأبيض ووقفت تنتظر ببرود حتى وصل "جمال" إليها لتقول بقسوة جاحدة:-
-خير يا جمال بيه يا تري أيه سبب زيارتك اللى أنا مبحبهاش دى، مريم برضو؟

مسكها من ذراعها بقسوة وقال بأختناق وتهديد صريح:-
-مريم فين؟

دفعته بقوة بعيدًا عنها وعقدت حاجبيها بغضب سافر وقالت:-
-أحمد ربنا أنك جوز مريم وألا كان زمان قاطعة أيدك دى، وبعدين حد قالك أنى مخبيها وحتى لو ، مش أنا السبب اللى مشاها، ما تقعد تفكر مريم سابتك ومشيت ليه؟ ما هو من أفعالك

تقدم خطوة نحوها بعيني حادقة ثم قال وهو يشير على قلبه بألم:-
-أفعالي، أنهي أفعال أنا معملتش لمريم حاجة غير الحب، حبيتها بروحي وقلبي وعقلي، مرت بكل المر معها قبل الحلو، خبيتها جوايا من قسوة أبوها وسارة وعشان قتلت فريدة وأتحدت أخويا ورفعت السلاح فى وشه وكنت على أستعداد أقتله، عشان مريم أتحدت كل العالم والقدر بس عشان سعادتها وضحكتها، عملت أيه أتعصبت عليها عشان أمى... أنا بني أدم مش معصوم من الغلط ولا ملاك هفضل أحب فيها بس، أنا بني ادم والحياة مش كلها وردي كنت منتظر منها تقف جنبي فشدتي زى ما أنا وقفت معها فى كل الشدائد اللى مرت عليها لكن لا مريم كانت عايزني جمال اللى بيحب بس مع أنها من يوم ما دخلت حياتي وعرفتني وهى عارفة أنى وحش وحبتني وأنا وحش لكن دلوقت مبقتش أعجب .... غريب البني أدم فعلًا بيجري وراء الحاجة وأول ما يوصلها يتنمرد عليها، بس أنا بقي مش هسيب مراتي وولادي عشان حتى لو هي قررت تسيب أيدي فى شدتي أنا عايزها ومحتاجها جنبي

جهشت "مريم" فى البكاء وهي تستمع لحديثه عبر الهاتف و"مسك" لم تغلق الاتصال معها وكأن القدر أراد أن ينقل لها رسالته، توقف "جمال" عن الحديث عندما شعر بغصة فى قلبه ووضع يده على قلبه بتعب وأهتز جسده، نظرت "مسك" له بفضول بينما مسك "عاشور" ذراعه قبل أن يسقط وسأل بقلق:-
-جمال بيه أنت كويس؟ خلينا نمر على دكتور ما دام إحنا ف ى المستشفي

هز رأسه بلا ونظر إلى "مسك" وقال بتلعثم وتعب:-
-قوليلي مريم فين؟

-قولتلك معرفش
قالتها "مسك" بضيق من إصراره على الوصول لها، أنتفضت "مريم" من مقعدها ووقفت عندما سمعت كلمات "عاشور" لا تصدق أنه مريض وليس بخير الآن، مسح "جمال" جبينه بيده وأوشك على فقد أعصابه من برود "مسك" وهو واثقًا أنها تعلم أين زوجته؟ قال بانفعال أكبر مما جعل الجميع ينظرون عليه:-
-تعرفي وبتكدبي، أنتِ مش قدي يا دكتورة وفوقي اللى واقف قصادك وبتتحدي دا جمال المصري ، لا أنتِ ولا جوزك قدي ومريم هترجع حتى لو على موتي........

سقطت فاقدًا للوعي أمامها بسبب أنفعاله الزائد فهلع "عاشور" قائلًا:-
-جمال بيه، جمال بيه رد عليه.... دكتور عايز دكتور بسرعة 

سمعت "مريم" أرتطام جسده بالأرض وصراخ "عاشور" فصرخت بفزع قائلة:-
-جماااال....

سقطت على الأرض فوق العشب الأخضر فاقدة للوعي فهرع الأطفال نحوها من هول الصدمة ، ركضت طفلة إلى منزلها وجلبت والدتها إلى "مريم" لتفزع المرأة من هيئة هذه المرأة المنهارة على الأرض وجسدها باردًا كالثلج....

_______________________________ 

وصل "شريف" إلى المستشفي مع "جميلة" و "حسام" فور تلقي خبر مرض "جمال" فخرجت "مسك" مع طبيب أخر وكان وجوه الجميع حزينًا فقال الطبيب بهدوء:-
-للأسف جمال بيه بيعاني من ذبحة صدرية ودا بسبب عدم وصول الدم للقلب 

كانت "مسك" صامتة وهى خير الجميع معرفة بمرض هذا العاشق، لم تتخيل أن غياب "مريم" ورحيلها سيصيب قلبه بالمرض هكذا، أنتفضت "جميلة" فزعًا على أخاها وبدأت فى البكاء وكأن القدر لم يتكف بمرض امها التى تصارع الموت والآن حان وقت أخاها، تابع الطبيب قائلًا:-
-إحنا أدينله الأدوية المطلوبة وبلاش الأنفعال عليه أو الزعل رجاءًا ، عن اذنكم 

رحل من أمامهم ومرت "مسك" فى حالة من الصمت كما هى، أتصلت على "مريم" لكن أجابتها "مكة تبكي وترتجف فقالت بتلعثم:-
-مامى تعبانة أوي يا طنط مسك، أنا عايزة بابي

أغمضت "مسك" عينيها وهى تعرف أن "مريم" قد سمعت كل ما حدث وبالتأكيد علمت بمرض زوجها وفقده للوعي...

________________________________ 

-جمال
قالتها "مريم" بهدوء أثناء نومها حتى فتحت عينيها بذعر صارخة باسمه من جديد، وجدت سيدة جوارها من الفلاحين وتبسمت بلطف قائلة:-
-حمدالله على سلامتك يا بنتي

نظرت "مريم" بذعر إلى الهاتف وأتصلت على "مسك" وضربات قلبها تتسارع بجنون لا تصدق أن ما سمعت وقلبها يعاقبها بألمه الآن على رحيلها ويلومها وحدها على ما حدث لزوجها:-
-مسك، جمال جراله ايه؟ والنبي قوليلي

تنهدت "مسك" بهدوء ثم قالت:-
-أهدئي يا مريم هو كويس، الزعل بس تعبه شوية يمكن متحملش فكرة أنه خسرك، قلبه طلع ضعيف أوى من غيرك يا مريم 

جفف "مريم" دموعها وهى تحاول كبح أنينها بصعوبة ثم قالت:-
-يعنى أنا السبب برضو !! طيب أعمل أيه؟ أموت أنا، وأنا معاه أنا سبب كل المصايب وأنا بعيدة برضو أنا سبب مرضه طيب أعمل أيه ؟

جهشت باكية بأنهيار لا تصدق أنه يعاني من مرض فى القلب بسبب غيابها الآن، أتاها صوت "مسك" تقول:-
-متقلقيش إحنا عملنا اللازم وهيخرج بكرة يا مريم المهم تهدئي أنتِ عشان متخسريش اللى فى بطنك

أومأت "مريم" بنعم ثم أغلقت الخط معها تلوم نفسها وحدها على ما حدث....

________________________________ 

بعد ثلاثة أيام داخل قاعة الحفلات الخاصة بالجيش كان الكثير من المعازيم متواجدين يرحبون بـ "تيام" وهو يستقبلهم مع عائلته لأجل زفاف "جابر"، جاءت "مسك" نحوه مُرتدية فستان أحمر طويل وبأكمام يلمع كثيرًا فتبسم لوجه محبوبته الجميلة وعيونها الرمادية التى تتلألأ ببريق السعادة، وقفت جواره وقالت:-
-غزل جهزت، ممكن تطلع تجيبها

أومأ إليها بنعم ويده تحيط بخصر زوجته الجميلة وقال:-
-أنا لأجل عيونك أعمل أي حاجة يا قلبي

-نكزته "مسك" فى خصره خلسًا بمكر وقالت بخجل:-
-أتلم يا مُتيمي ويلا عشان متتأخرش، المعازيم قاعدين من بدري

سار معها نحو الباب مُمسكًا بيدها فى يده برفق وقال بعبوس:-
-مش أنتوا اللى قاعدين مستنيين دكتور غريب، قولتلكم دا حماي ومش جاي 

وصلوا لباب القاعة معًا لتقول "مسك" بجدية وعبوس:-
-كان عندنا امل أنه ميسبهاش فى يوم زي دا ويحسسها أنها من غير أب وأبوها عايش ... ما علينا يلا أطلع

توقف "تيام" مكانه لتدفعه "مسك" بضيق قائلة:-
-بقولك أطلع بسرعة .....

توقفت عن الحديث عندما رات "غريب" أمامها فتنهدت بأريحية لظهوره فى المكان وتبادلت النظرات الصامتة معه فى هدوء ليقول ببرود شديد:-
-هى فين؟

أخذته "مسك" إلى الأعلي حيث غرفة أختها ثم طرقت الباب ودلفت معه ليرى ابنته عروس جميلة بفستان زفاف أبيض منفوش وواسع جدًا بذيل كبير خلفها بأكمام شفافة وشعرها القصير مسدول على الجانبين وتضع تاج ضخم ملكي فوق رأسها مع طرحة فستانها المليئة باللؤلؤ، دمعت عينيه بسعادة لرؤيتها عروس جميلة تخطف القلوب والعقول بجمالها وللحظة تناسي حزنه وغضبه منها فقال:-
-كبرتي يا غزل

 تبسمت "غزل" بسعادة على ظهور والدها وتناست كل شيء مرت به معه وقالت بلطف وخجل جعل وجنتيها تتورد :-
-بابا

أقترب منها ثم قبل جبينها بحب ثم أبتعد خطوة عن وجهها وقال:-
-أتمني يكون أختار صح يا غزل ومينزلش دموعك ولا زعلك فى يوم

أومأت إليه بنعم فقال ببسمة خافتة:-
-مبروك يا حبيبتي، ربنا يحميكي من العين ويسعدك

عانقته "غزل" بسعادة لتغمز لها والدتها بسعادة فتبسمت "غزل" بفرحة تغمرها بعد أن أقنعت "بثينة" زوجها بألا يترك ابنته فى ليلة عمرها، أخذها من يدها للأسفل حتى وصل إلى "جابر" فتبسم رغمًا عنه لأجل ابنته وقال:-
-خلي بالك منها وأياك تزعلها فى يومها لأنك مش هتلاقينى بالهدوء دا وقتها

تبسم "جابر" بلطف وقال:-
-غزولة فى عيني

ضحكت "غزل" وهى تنظر إليه فأخذ "جابر" يدها التى تتبأطأ ذراعه وأعطاها لـ "جابر" ليقبلها بلطف وساروا معًا أمام الجميع .............

________________________________ 
مرت "مريم" على محل بقالة الخاص بالسيدة التى أنقذتها والآن أصبحت صديقة لها فى الفيوم وتمسك فى يدها "مكة" فقالت:-
-صباح الخير

تبسمت السيدة بعفوية وقالت:-
-تعالي تعالي 

دلفت "مريم" للداخل بسعادة تغمرها حين رأت السيدة قد صنعت لها حساء المأكولات البحرية التى تفضله وجلست تأكل مع طفلتها ، تأملتها السيدة بسعادة وهى تأكل وتضع يدها على بطنها المُنتفخة بسبب حملها وقد أصبحت الآن فى شهرها السادس، تحدثت السيدة مع "مكة" قائلة:-
-عملتي أيه النهاردة فى الحضانة يا كوكى

بدأت "مكة" تروي لها ما حدث بالتفاصيل الدقيقة حتى أنهت "مريم" الطعام ووقفت لكي تغادر ثم قالت:-
-إحنا هنمشي بقي مش عايزة حاجة 

هزت السيدة رأسها بلا فذهبت "مريم" فى طريقها للمنزل مع طفلتها وهما مُستمتعتين بحياتهما البسيطة هنا رغم جسد "مريم" المنهك من التعب بسبب الحمل وحركتها مع "مكة" لكنها تعافر لأجل أطفالها، تحدثت "مكة" بعفوية قائلًا:-
-مامي هو أخواتي هيخرجوا أمتى، أنا كل شوية أستناهم

تبسمت "مريم" وهى تضع يدها على بطنها بسعادة ثم قالت:-
-لسه شوية كمان يا لوكة، أنتِ عايزة أخ ولا أخت

وضعت "مكة" سبابتها على وجنتها تفكر قليلًا فيما تريده لتقول بحماس:-
-مش هم أتنين يبقي عايزة أخ وأخت عشان يبقي عندي الأتنين وأغيظ أصحابي فى الحضانة 

تبسمت "مريم" على رغبة ابنتها وقد وصلوا للمنزل ففتحت الباب لتنطلق "مكة" راكضة للداخل نحو جروها الصغير فوقفت "مريم" فى الخارج تفكر فى رغبة "جمال" وتساءلت ماذا يريد زوجها أن يكون جنس هذا التوأم الموجود فى أحشائها، ظلت "مكة" تلعب مع جروها حتى تعبت وغاصت فى نومها على الأريكة وتحتضن دميتها التى أشتراها "جمال" وأحضرتها معها لتدرك "مريم" أن طفلتها تشتاق لوالدها وتعوض هذا الشوق فى ضم دميته الوردي، جلست جوارها على السفرة وبدأت تكمل دراستها على اللاب وتحمل فى يدها القلم الذي أشتراه لها من المزاد وأمامها الكثير من الكتب التى أرسلتها "مسك" لها من أجل رسالة الداكتورة الخاصة بها.....

______________________________________ 

دلف "عاشور" إلى مكتب "جمال" بحماس وفرحة تغمره ثم قال:-
-لاقيتها...

رفع "جمال" رأسه عن شاشة اللابتوب بدهشة وعينيه تتسأل أن كان حديثه عن زوجته فأومأ "عاشور" بنعم له كأنه قرأ سؤال عينيه وقال:-
-اه مدام مريم......

فتح شاشة التلفاز المتصلة بـ جين لتظهر صورة فتاة مع "مريم" وبطنها مٌنتفخة بسبب الحمل ليدرك أن حملها قد أكتمل هذه المرة، تحدث "عاشور":-
-البنت دى نزلت الصورة من ساعتين وكاتبة أنها قابلت المذيعة اللى بتحبها ومش مصدقة أنها قابلت مريم العاصي على الحقيقة وجين قرأ الصورة فى لحظتها

أنتفض قلبه وعينيه لا تفارق وجهها و"مريم" تشتري شيء مع "مكة" ويبدو أن الفتاة ألتقطت الصورة خلسًا دون أن تعلم "مريم"، تابع "عاشور" الحديث بحماس وسعادة لعثوره على "مريم" التى سترد الحياة لرئيسه المُنهك بسبب غيابها وكأن الروح قد فارق جسده والآن أصبح ميت على قيد الحياة بدونها:-
-إحنا أتواصلنا مع البنت وقالت أنها من الفيوم وقابلتها فى السوق

قاطعه "جمال" بعد أن ذكر كلمة الفيوم وقد أدرك أين تختبي زوجته مع طفلتها وقال:-
-مزرعة الفيوم، أزاى مجتش على بالي

تابع "عاشور" الحديث بعد أن غير الصورة بصور لأوراق رسمية قائلًا:-
-من مراقبتنا لدكتورة مسك أتضح انها بشتري كتب أون لاين وبتبعتها للفيوم كل شهر ولما زودنا المراقبة لاقينا أن أسم مدام مريم فى سيستم كلية الأعلام بتدرس عشان الداكتورة وأمبارح أتصلت بنت بالقصر عشان تعمل مقابلة مع مدام مريم ولما حنان بلغتني كلمت البنت من شوية وقالت أنها من دار نشر للكتب وحابة تناقش تفاصيل العقد مع مدام مريم عشان هتنشر كتاب معهم

تنهد "جمال" بهدوء ثم قال:-
-يعنى مريم عايشة حياتها على اكمل وجه من غيري، بتدرس وبتكتب وتنجح ومبسوطة، دا الحب اللى بتحبهولي يا عاشور 

رن هاتفه باسم "جميلة" ليستقبل الأتصال وعندما سمع صوت بكاءها وصراخها أنتفض من مكانه بعد سماع كلماتها المُرعبة التى سقطت على قلبه كالجمر تحرقه :-
-أنت فين يا جمال ..... ماما ماتت ؟ ......


____ الفصـــــل الثامن والعشرون (28)  ____

وصل إلى المستشفي حيث والدته وكان على وشك الأنهيار من خبر فقدها، رأي "جميلة" تجلس بجوار جثمان والدتها تبكي بأنهيار من وفأة أمها و"حسام" بجوارها يربت على كتفها بلطف بوجه حزين، أخذ "جمال" نفس عميق بخوف وقد فقد والدته كليًا وكأن القدر لم يكتف بخسارته لزوجته وابنته فأخذ والدته حتى يظل وحيدًا بلا أحد، ساعده "عاشور" فى أنهاء كل الأجراءات اللازمة للدفنة، وصل "شريف" ووقف جواره وهتف قائلًا:-
-البقاء لله

-ونعمة بالله 
قالها "جمال" بهدوء، وعينيه تحدق بالأرض حزينًا والأوجاع قد تمكنت منه وتفتت فى جسده وقلبه الآن..
مرت "مسك" من أمام الرواق ورأت الجميع فى الخارج ومن بينهم "جمال" فنظرت بيأس ثم أكملت سيرًا للأسفل لتُصدم بوجود "مريم" أمامها فمسكتها من ذراعها بقوة بخوف ثم قالت:-
-أنتِ أيه اللى جابك هنا؟ مش قولتلك متجيش

تنهدت "مريم" بحزن مُرتجفة خوفًا على محبوبها ثم قالت بلطف:-
-مقدرش أعرف أن جمال فى محنة ومكنش جنبه يا مسك، حولت والله من ساعة ما قولتلي الخبر وأنا بحاول أمنع نفسي لحد ما لاقيتني هنا، مش قادرة أسيبه فى وقت زى دا يا مسك

تنهدت "مسك" بحيرة من أمر هذه الفتاة ثم قالت:-
-ماشي يا مريم ، روحيله

تركت "مكة" معها ثم أنطلقت وحدها إلى الداخل بخطوات بطيئة وهادئة بسبب حملها، فزعت "حنان" حين رأتها ونظرت إلى "جميلة" لتراها هى الأخري وهى تقترب منهم مُرتدية بنطلون أسود وقميص نسائي طويل أسود فضفاض وبطنها منتفخة من الحمل مما صُدمها ولا أحد يعرف شيء عن حملها سواه، وقفت أمامه فى هدوء ليغمض عينيه محاولًا كبح مشاعره الآن وحزنه بعد أن عرف أنها هنا من رائحتها، رفع نظره إليها تحت ألأنظار الجميع فرأي وجهها شاحبًا وحزينًا والدموع تتلألأ فى جفنها، كم أشتاق لهذا الوجه المُنهك من التعب وضمها إليه لكنه ظل ساكنًا ووقف أمامها ببرود ثم وضع يديه فى جيوبه وقال بجدة:-
-أيه اللى جابك يا مريم؟ أرجعي مكان ما جيتي

أبتلعت لعابها بلطف ثم قالت:-
-البقاء لله يا جمال

صرخ بوجهها بغضب سافر من هروبها وقد عادت له الآن ولا تعرف شيء عما يعانيه دونها:-
-مش عايز تعازيكي يا مريم، مش عايز منك حاجة أمشي

تساقطت دموعها من صراخه بخوف من تعنيفه لها، ظلت تنظر إلي وجهه الحزين ولحيته التى كبرت مع همومه، محبوبها الذي ذبل من فراقها وهجرها إليه، أقتربت خطوة منه ولمست يده بلطف تعانقه فأنتفض قلبه وقشعر جسده من لمستها التى اشتاق لها طيلة هذه الأشهر فقالت:-
-جمال أنا ....

سحب يده من قبضتها بقوة غاضبًا وكأنه لم يتحمل أو يقبل خبر وفأة والدته وجاءته "مريم" حتى يفرغ بها حزنها وتكون الملجأ الذي يلقي به حزنه، تحدث بقوة:-
-متلمسنيش،  أمشي يا مريم ، خدها يا شريف وصلها ولا بلاش لأحسن تعرف هى مستخبية فين؟ وقفلها تاكسي

مسكت كم قميصه بأناملها الصغير ثم قالت بهدوء ونبرة دافئة:-
-خلينا معاك الليلة دى وبعدين همشي

أقترب خطوة منها بحزن وهو يتذكر كيف صارع قلبه الفراق ومرضه، لم يشفي جرحه لكنه أعتاد على هذا الوجع كرفيق لقلبه فتحدث بحزن وخيم فى نبرته قائلًا:-
-أنا اتعودت على الوجع وعلى الوحدة، 6شهور عايش من غيرك بعاني لحد ما أتعودت ومبقاش وجودك هيفرق يا مريم 

ألتف لكي يذهب إلى غرفة والدته تاركها خلفه فشعرت بحرج من وجودها هنا، أستدارت لكي ترحل ليوقفها صوت "جميلة" الباكية يناديها، ألتفت إليها لتقول بهدوء:-
-أنتِ حامل يا مريم؟ أزاى مشيتي وسبيته، أنا كنت محتاجة ليكي ففترة زى دى، كنت بعتبرك أختي يا مريم، كنت محتاجة وجودك معايا ففترة تعب ماما وحتى فى وفأتها، أنتِ ليه اتخليتي عننا يا مريم؟

كانت تتحدث بأنهيار تام ودموعها لم تجف على وجنتيها مما أسكت "مريم" كليًا أمامها حتى أنهت "جميلة" حديثها فقالت بخفوت:-
-ربنا يصبركم يا جميلة ويجعل مثواها الجنة.. عن أذنك؟

أنطلقت فى طريقها حزينة لا تعرف أهى من قسي عليها أم هى من هدمت حياتها بيدها حين رحلت وتركت زوجتها و"جميلة" التى بمثابة أخت لها، هى من أخطأت عندما هربت ولم تتحمل غضب زوجها وقلقه على أمه المريضة أم هو الذي قسي فى لحظة صدمة بسماعه لمرض والدته، خرجت من المستشفي ورأت "مسك" تنتظرها فى السيارة مع "مكة" لتصعد معها صامتة ومن وجهه الحزين علمت "مسك" أن زوجها لم يرحب بها فأنطلقت عائدة بها إلى الفيوم من جديد..........

___________________________________ 

وصلت "غزل" إلى المكتب الخاص بـ "تيام" وقابلت موظف الاستقبال فقالت بغضب مكبوح بداخلها:-
-فين جابر؟

-فى مكتبه
قالها الموظف لتنطلق إلى المكتب كالعاصفة وفتحت الباب بقوة لتراه جالسًا على المكتب مُنهكًا فى عمله ومع فتح الباب رفع رأسه ليرى زوجته أمامه وغاضبة فرأت فسأل بهدوء:-
-غزل، رجعتي أمتي؟

وقف من مكانه وتقدم نحوه ببسمة خافتة مُشتاقًا إليها بعد أن ظلت أيام كثيرة فى الجيش ولم يرى وجهها، ضربته على كتفه بغضب قائلًا:-
-والله مش مهم أمتى المهم أنى رجعت عشان أشوف خيانتك ليا؟

أتسعت عيني "جابر" بصدمة ألجمته من كلماتها ولم يفهم ما تقصده نهائيًا وعن أى خيانة تتحدث فقال بأندهاش:-
-خيانة أيه؟

-أيوة أنا مش كلمتك يوم الإثنين وكنت ويت وبعدها قولتلي شغل ويوم الأربعاء كلمت مسك صدفة قالتلي أنها بتتعشي مع تيام فى عشاء عمل وأنت كنت موجود والرجل كان جاي ببنته اللى سبحان الله كانت معجبة بيكي

أجابها "جابر" بصدمة من كلماتها قائلة:-
-محصلش

فتحت "غزل" هاتفها لتظهر له صورة للفتاة أثناء العشاء وتبسم بسعادة فى وجه "جابر" ثم قالت:-
-محصلش ها؟

أتسعت عينيه على مصراعيها من الصورة وقد فهم أن من فعل هذه الجريمة هى أختها "مسك" وكيف لها أن تصوره دون أذن له، أبتلع لعابه بلطف ثم نظر فى وجه زوجته الغيورة وقال:-
-يا غزل يا حبيبتي أنا مفيش بسمة واحدة بتشوفها عيني وقلبي غير بسمتك أنتِ

تبسمت "غزل" بلطف على كلماته فطوقها "جابر" إليه بحنان وتبسم بخبث على هذه الفتاة ثم قال:-
-بعدين دى مطلقة وبتدور على ابن الحلال أدعيلها يا حبيبتي
ضربته "غزل" بقوة على صدره بأغتياظ من كلماته وقالت بحدة:-
-والله وأنت بقي ابن الحلال مش كدة 

قهقه ضاحكًا أمامها مما زاد من غضب هذه الزوجة ونيران الغيرة تفتت قلبها وكيف لأمراة تطمع بزوجها بهذه البساطة وكأنه متاح للجميع وهو فى حقيقة الأمر ملكًا لها وحدها، أقترب "جابر" منها بلطف ثم قال بنبرة دافئة وعينيه تتلألأ ببريق العشق الذي يضرب قلبه للتو:-
-بالله عليكي أنتِ واحشاني وبقالي أيام مبشوفكيش يا غزولة

-مش باين 
قالتها بتذمر شديد وأستدارت تعطيه ظهرها ، عاقدة ذراعيها أمام صدرها فتبسم وعانقها من الخلف بسعادة وأشتياق ثم أغمض عينيه يستنشق عبيرها ويشعر بدفء جسدها، تسارعت ضربات قلبه من الشوق إليها والآن محبوبته بين ذراعيه همس فى أذنها من الخلف:-
-بحبك 

تبسمت "غزل" بسعادة وألتفت بين ذراعيه لتبادله العناق بحب وتلف ذراعيها حول عنقه بسعادة مُشتاقة بجنون له وهذا العناق الذي يشبه إعادتها للحياة معه .........

____________________________

مر أسبوعًا على وفأة والدته وأصبح القصر فى حالة هادئة من الحزن حتى "جميلة" أصبحت مُنطفئة وهادئة، "مريم" محبوبته لم تفارق عقله للحظة، لحظة رؤيتها وحملها ودموعها كل شيء بها يعذبه من الفراق والوجع!، تمني لو طلبت أن تظل معه للأبد لأبقاها لكنها طلبت أن تظل ليلة كأنها ستحي قلبه ليلة وتقتله من جديد برحيلها، ترك الأوراق المنثورة على المكتب وحسم أمره بالذهاب إليه مُتسائلًا لمتي سيظل بعيدًا عن محبوبته والشوق الذي ينهكه من الداخل؟ 
لم يقو على مقاومة قلبه وإشتياقه لها فأخذ "عاشور" وحده بسيارته إلى الفيوم، كيف له أن يعرف مكانها ويظل ساكنًا؟ قلبه مفطورًا من فقدها خلال هذه الأشهر، حولي سبعة أشهر ولا يعرف عنها شيء، لا يعلم كيف عاش دونها كل هذا الوقت؟ حتى قلبه مرض بسبب فقدها من الإشتياق والخوف معًا، وصل للفيـوم مع "عاشور" وأوقف سيارته بالخارج وظل ينظر من النافذة على فتاته التي بلغت الـأربعة سنوات وهى نائمة هناك على العشب الأخضر وحدها، ظل هكذا حبيس سيارته لفترة طويلة لم يقو على الذهاب إليها وضمها إلى صدره ولا يقبل قلبه بالرحيل قبل أن يري "مريم" محبوبته التى سرقت قلبه وروحه وهربت منه، راقبه "عاشور" فى المرآة الأمامية ويشفق على حال قلبه وعقله، منذ رحيل زوجته وهو تبدل حاله ربما عاد لـ "جمال" قبل أن يعشق "مريم" صارمًا وطيلة الوقت غاضبًا، تقدم بجسده للأمام خطوة بلهفة حين رأها تخرج من المنزل وبسمتها الخافتة تنير وجهه الشاحب وتحدق بطفلتها كأنها تطمئن عليها، ظل يراقب عن كثب من سيارته، تسير فى الحديقة وتحمل هاتفها فى يدها ناظرة به بينما ابنته "مكة" نائمة على العشب الأخضر وتلون فى كتابها، وجه "مريم" شاحبًا وأنفها منتفخة بسبب حملها وبطنها التى تحيطها بيدها الأخري، شعرها الأسود الجميل يتطاير مع نسمات الهواء مُرتدية فستانًا أصفر اللون بحمالة وفضفاض، شاردة فى هاتفها ولا تشعر بشيء حولها حتى لم تنتبه لسيارته الواقفة أمام بوابة المزرعة، تمتم بخفوت:-
-خلينا نمشي يا عاشور 
أنطلق "عاشور" قائدًا السيارة للرحيل بعيدٍ، تنهدت "مريم" بصعوبة وجلست على المقعد مُتشبثة ببطنها التى أشتدت من الألم وظلت هادئة تحاول تنظيم أنفاسها بلطف لكن لم يتوقف أطفالها عن ركل بطنها، بل زاد الألم سوءًا فنادت طفلتها الصغيرة قائلة:-
-مكة... تعالى خلينا ندخل 
أخذت طفلتها معها ودلفت للمنزل لكنها صرخت بألم أكثر مما أفزع طفلتها وتشبثت بيدها خائفة ثم سألت:-
-مامى أنتِ كويسة؟؟ 
عضت شفتيها من الألم وجلست على الأريكة وتمتمت بوجع وصوت مبحوح:-
-بالله عليكم ما تخرجوش دلوقت مش وقتكم ااااااه، مكة هاتي التليفون من على الترابيزااااه ااااه 
هرعت طفلتها للطاولة لتحضر الهاتف، فصرخت "مريم" بالم وسقطت عن الأريكة من الوجع ، احتضنت "مكة" وجه والدتها المُتألمة بين ذراعيها بذعر، رأت "مريم" ذعر طفلتها وشعرت بنفضة جسدها فتبسمت رغم صراخها القوي وقالت:-
-متخافيش يا مكة أنا كويسة.... اممممم 
لم تملك خيارًا سوى الأتصال بزوجها بخوف من أن تفقد أطفالها من جديد.. 
رن هاتفه برقم مجهول من هاتفها الجديد وكان "عاشور" يقود سيارته بسرعة جنونية نحو بوابة الفيوم، استقبل الأتصال بملل قائلًا:-
-الو 
أنتفض فزعًا حين سمع صراخها بقوة تناديه:-
-جماااال اااااه أنا...... 
-مريم!! 
قالها بفزع ويده تربت على كتف "عاشور" ليدير السيارة بذعر، اتاه الجواب من ابنته الخائفة وتبكي من الألم الذي تراه فى والدتها:-
-بابي تعالى بسرعة أنا خائفة ومامى تعبانة أوى ارجوك 
اخذ نفس عميق ثم قال:-
-أهدئي يا مكة أنا جاي يا حبيبتي.. أهدي بابي مش هسيبكم.... 
وصل للمنزل بسرعة جنونية ولم يمر أكثر من ربع ساعة على اتصالهم لكنه صُدم عندما رأى زوجته فاقدة للوعي والدماء لوثت ملابسها بينما "مكة"جالسة جوارها تحتضن رأسها بخوف بعد أن أصبحت والدتها جسد بلا روح جوارها، اقترب نحوها بهلع يناديها قائلًا:-
-مريم.... مريم أنا جيت يا حبيبتي، مريم ردي عليا.... 
وضع يده على عنقها بلطف ليجمد جسده محله عندما وجدها بلا نبض وقد توقف قلبها عن النبض تمامًا، أرتعب بذعر وتناسي خصامه وغضبه من هروبها ولم يشعر بشيء سوى أنتفاضة قلبه خوفًا عليها، حملها على ذراعيه دون أن ينتظر الإسعاف ومسك "عاشور" يد "مكة" وأنطلقوا فى السيارة إلى أقرب مستشفي، كان يضم رأسها بين ذراعيه برجفة أصابته من هيئتها وقلبه يتمنى أن تشفي زوجته وتعود إليه سالمة حتى لو كان الثمن فقد طفله من جديد، وصل إلى المستشفي القريبة من المزرعة وبعد أن جاء طبيب النسا تعرف على "مريم" فأمر بأخذها على العمليات أولًا ووقف أمام باب غرفة العمليات قبل أن يدخل ونظر إلى وجه "جمال" بأسي ثم قال:-
-حضرتك جوزها؟

أومأ "جمال" له بنعم فتحدث الطبيب بحزن قائلًا:-
-مدام مريم ولادتها هتكون صعبة جدًا وأحب أوضح لحضرتك أنها متابعة معنا وأنا من البداية أصرت على نزول الأطفال لكنها أتمسكت بيهم رغم أني وضحت ليها أن حياتها هتكون فى خطر أثناء الولادة

أتسعت عيني "جمال" على مصراعيها وهذا الطبيب يخبره أن زوجته تجازف بحياتها الآن وربما تفقد روحها كليًا، تحدث "جمال" بذعر:-
-أعمل كل حاجة عشان تنقذ مريم مش مهم أى حاجة تانية ولا حتى الطفل

جاءت الممرضة إلى الطبيب بملف "مريم" ثم قالت بهدوء:-
-أنا أسف بس حسب رغبة المريضة والإقرار الى مضيت عليه من أسبوع أن الأولوية للأطفال 

صُدم "جمال" مما يسمع وخيار زوجته، وخبر أنها تحمل توأمًا فى أحشائها لم يكن سعيدًا له بقدر خوفه من فقد زوجته، دلف الطبيب إلى غرفة العمليات دون أن يترك المجال للنقاش حول ما سيفعله، مر الوقت كالخنجر الموجود على عنق "جمال" ينحره ببطيء خائفًا من أن يخرج الطبيب يخبره بما سيقتله للتو، قاطع خوفه أقترب "مكة" التى تشبثت بأصابعه بخوف وعينيها تبكي بذعر على والدتها ثم قالت ببراءة باكية:-
-هى مامي هتجيب أخواتي دلوقت؟

جلس "جمال" على ركبتيه أمامه وتبسم رغم وجعه فى وجه طفلته ثم قال:-
-اه يا حبيبتي،أدعيلها يا مكة قولي يارب

تبسمت "مكة" بلطف وقالت بصوت مبحوح:-
-أنا خايفة؟

ضمها "جمال" بقوة وهو الآن خوفه أضعاف مُضاعفة على "مريم"، دمعت عينيه من هذا الشعور المرعب الذي يشعر به فوقف من مكانه وتنهد بهدوء ثم قال:-
-خد مكة للأوضة يا عاشور

أخذ "عاشور" الطفلة إلى الغرفة المخصصة إلى "مريم" حتى لا تنتظر هنا فى قلق وخوف وهو لا يعرف أى منهما سيفقد الأطفال أم الحبيبة.....
  جلس ينتظر فى أحر من الجمر وعقله يأخذه إلى ذكرياته معها فتبسم مع دموعه حين تذكر براءتها وكم مرة طلبت الطلاق بسبب ولادتها لـ "مكة" بسذاجة

(فـــــلاش بـــــاك)

صُدم "جمال" مما رآه عندما ولج للغرفة، زوجته تبكي بأنهيار وطريقة هيستيرية على الأرض جوار الفراش وهكذا طفلته التى تملك من العمر سنة ونصف لم تتوقف عن البكاء للحظة، سأل بقلق وهو يرمي بيده سترته علي المقعد المجاور:-
-فى أيه؟

لم تجيب عليه فجلس جوارها على ركبتيه وأخذ وجهها فى يديه ورفع نظرها إليه بسبابته، خائفًا مما حدث وأفزع زوجته الجميلة هكذا وقال بخوف:-
-حصل أيه يا حبيبتي فهميني؟!

تمتمت "مريم" بنبرة خافتة وسط بكاءها قائلة:-
-عاملاه تعيط يا جمال، بتعيط وأنا تعبت منها ومش عارفة أعملها أيه ولا فاهمة هي بتعيط ليه ولا عايزة أيه؟... أقولك يلا طلقني أنا تعبت من الجواز ومسؤولياته والخلفة، أنا كان مالي ومال الهم دا ...

قهقه "جمال" ضاحكًا على زوجته الطفلة وكأنها بعمر ابنتها، فقط لأن أبنتها تبكي تطلب الطلاق منه، بعثر غرتها بأنامله وقال بعفوية:-
-والله أنك مجنونة يا مريم، مش كفاية أنك قاعدة تعيطي على عياط بنتك وخضتني عليكم لا كمان عايزة تطلقي وهتقولي للناس أطلقتي ليه لأن بنتك بتعيط 
رمقته بحيرة من أمرها وهى جاهلة تمامًا فى رعاية الأطفال ولا تملك أحد يساعدها فى ذلك، تبسم "جمال" عليها ثم حمل طفلته يضمها إليه فهدأت قليلًا ثم غفوت فى نومها لتتذمر "مريم" من فعل ابنتها  وقالت:-
-يعنى أنا بقيت البعبع دلوقت؟

وضع طفلته فى الفراش ثم أقترب من "مريم" يأخذها بين ذراعيه بلطف وقال بحُب:-
-هو فى بعبع بالجمال والحلاوة دى، هو أنتِ حلوة زيادة النهاردة ولا أنا اللى بحبك من جديد

ضحكت "مريم" بسعادة على كلماته وجففت دموعها بأناملها ثم قالت متمردة:-
-أنا حلوة على طول ويكن فى علمك إذا جبلتك ولاد تاني أنا مش هربيهم هسيبهم لك أنت تربيهم بقي أنا تعبت من التربية دى 

فاق من شروده فى ذكرياتها مُتمتمًا بخوف:-
-بالله عليكي يا مريم ما تسيبهم ليا 

ذرفت دمعة من عينيه فمسحها بخوف ثم فتح باب غرفة العمليات وخرجت الممرضة بسرير صغير بداخله أطفاله التوأم بنت وولد رزق بهما الآن فأنتفض بخوف قائلًا:-
-طمنيني مريم عاملة أيه؟

نظرت الممرضة له بوجه حزن ولا تملك جوابًا له أو ربما خائفة من نقل الجواب الذي تعرفه لهذا الرجل، تمتمت بهدوء:-
-الدكتور خارج ممكن تسأله

جاءت السيدة العجوزة التى أصبحت جارة "مريم" فى هذا المكان بعد أن علمت من الأهالي أنها ذهبت للمستشفي ودهشت من وجود "جمال" فى المستشفي فقالت بخفوت:-
-كويس أنك هنا، كنت هسافر مخصوص عشانك وأنا مش حمل سفر

لم يفهم كلماتها فأعطته ورقة مطوية ثم قالت:-
-مريم سابتهالك معايا

أخذ الورقة فى صمت ثم خرج الطبيب قبل أن يفتحها وأخبره بما  أوقف قلبه من محله ولم يتحملها عقله فسقط جسده على المقعد من هول الصدمة التى ألجمته وجمدت جسده محله.............

تعليقات



<>