رواية الماضي الملوث الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم داليا السيد


 رواية الماضي الملوث الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم داليا السيد

حياة
ما أن وصلت لشارع آخر حتى رأت فندق شاهق ومحلات والأضواء تعم المكان فهدأت حركتها وهي تشعر بالأمل من أنهم قد يتراجعوا ولكنهم لم يفعلوا ولكن هدأت حركاتهم هم الآخرين وظلت تتراجع بظهرها وهم بوجوههم ولكنها فجأة اصطدمت بجسد صلب أفزعها فالتفتت لتلتقي برجل وسيم وأنيق بدت نظرات غريبة بعيونه وهو يرى حالتها المريعة ولكنها هتفت
"أنقذني أرجوك"
نظرات الرجل تجاه الرجال الخمسة أوقفتهم بمكانهم وهو يجذبها من ذراعها لسيارة تقف بجوار الرصيف وقال "اركبي السيارة"
وبدون تردد فتحت الباب وركبت فتراجع الرجال قليلا بينما ركب هو الآخر بجوارها ونظر لها وقال بنفس الإنجليزية "لقد رحلوا مدام بريهان"
كانت تنظر للرجال لتبحث عنهم خلفها ولكنه عندما ناداها باسمها دق الفزع بها مرة أخرى، هل سقطت بين يدي رجل آخر من رجال هاري؟ 
حدقت به وهتفت بارتباك وخوف "أنت تعرفني؟"
هز رأسه وقال "بالتأكيد أخت ليث الجبالي، أنا جان ميلتون زوج مي عزيز شريكه وأنا أعرفك بالطبع"
تنفست بارتياح وأغمضت عيونها وقالت "الحمد لله"
قاد السيارة بدون تردد وقال "ما الذي حدث لكِ؟ ومن هؤلاء الأشخاص؟"
لم تلتفت له وهي تسند رأسها على الزجاج وقالت "هي حكاية طويلة سيد جان، أريد أن أهاتف أخي من فضلك"
نظر لها ثم أخرج هاتفه وأجرى اتصالا وسمعته يقول "مساء الخير ليث كيف حالك؟"
سكت قليلا فنظرت له وهو عاد يقول "كلنا بخير هناك من يريد التحدث معك"
ومنحها الهاتف فأمسكته بيد مرتجفة وعيون باكية وشعر مشعث ولم تلاحظ الدماء التي جفت على وجهها وهي تقول "ليث"
هتف بصوت قوي على الطرف الآخر "بيري، حبيبتي أين أنتِ؟ كنت قلق جدا لعدم الوصول لكِ"
حاولت إيقاف الدموع وقالت "أين زهير ليث؟"
أجاب "لا أعلم بيري، انقطع اتصالي بكما منذ عشرة أيام ولم يمكنني الوصول لأيا منكما، كنتم بسيدني أليس كذلك؟ ماذا حدث بيري؟ وكيف تسألين عن زهير أليس معك؟"
أغمضت عيونها بألم وخوف وقلق على زوجها وباختصار شرحت لأخيها كل شيء فهتف بغضب "النذل الجبان، كيف يفعل ذلك بكِ؟ وكيف تركك زهير لهذا الرجل المجنون؟ ما الذي يحدث بيري؟"
وضعت يدها على جبينها لترفع شعرها فشعرت بألم وهي تقول "لا أعلم ليث، سقطت بحفرة عميقة لا أعلم متى سأخرج منها، لكن الحمد لله لولا سيد جان لكنت بعالم آخر الآن، كيف حال ماما؟"
صمت قليلا ثم قال "متعبة بيري، لم تستقر حالتها منذ الجراحة وتسأل عنكِ كثيرا، سآتي لأعيدك نيويورك وعندما يتذكر زهير أن له زوجة عليه أن يواجهني قبلها"
حدقت بالظلام بالخارج وقالت "لا ليث لابد أن أعود سيدني، لابد أن أعرف ماذا حدث هناك، زهير لن يتركني ليث صدقني لقد تبدل لرجل آخر وأنا أعلم ذلك"
صمت أجابها فأدركت أنه لا يوافقها فعادت وقالت "آسفة ليث ولكنه زوجي"
تحدث أخيرا "وأنتِ تحبينه بيري؟ حسنا كما تشائين فقط أخبريني ماذا تريدين مني لمساعدتك؟"
قالت "أموال وأوراق شخصية وجواز سفر، لا أعلم ماذا فعل هاري بأوراقي"
قال بهدوء "حسنا سأفعل، ماذا ستفعلين مع هاري؟ لا أظن أنه سيتوقف عن البحث عنكِ؟"
كانت تعلم أنه على حق فقالت "سأختفي بمكان ما حتى ترسل لي الأوراق"
قال "امنحيني جان"
منحت الهاتف لجان ولفت جسدها بذراعيها وما زالت تفكر بكل ما مر بها منذ ذلك اليوم بسيدني والسباق واختفاء زهير ومحمود ومن بعده هاري، شعرت بألم ببطنها فوضعت يدها عليها وهي تخشى أن تفقد طفلها ودعت الله بسرها أن يحفظه لها..
توقف جان بالسيارة أمام فندق وقال "ليث طلب أن أحجز لكِ هنا، ما أن تكوني جيدة حتى أرسل لكِ أحد بملابس، الحجز سيكون باسمي كي لا يصل لكِ أحد"
هزت رأسها ونزلت معه للداخل حتى استقرت بغرفة مريحة نظرت لجان وقالت "لا أعرف كيف أشكرك"
ابتسم وقال "لا داعي لأي شيء، هل تحتاجين شيء الآن؟ ذلك الجرح برأسك يحتاج عناية"
هزت رأسها وقالت "نعم سأفعل وقد أحتاج بعض الدواء الخاص بي يمكنك ارساله مع الحاجب"
لم يعترض وتركها وتحركت للحمام لترى بعض الدماء الجافة على جبينها، نظفتها وأخذت حمام والتفت بروب الحمام وخرجت عندما دق الباب ووصل الرجل بالدواء، تناولته من أجل طفلها وتحركت للفراش وسكنت تحت الغطاء ولم تشعر بأي شيء
عندما استيقظت كان على رنين الهاتف فأبعدت شعرها وأجابت فجاء صوت ليث "بيري ستكون الأوراق لديكِ غدا، هل أنتِ بخير؟"
اعتدلت وقالت "نعم ليث لا تقلق"
قال "طائرتي ستكون عندك غدا، هل يمكنكِ التصرف وحدك؟ أردت أن أكون معك"
قالت بهدوء "لا داعي لذلك ليث ما أن أصل هناك سأتصل ببعض الأصدقاء"
قال "أنا أفضل أن تهاتفي الشرطة تجاه هاري لما فعله بكِ"
قالت دون تفكير "لن تصل الشرطة لشيء ليث، هاري ليس الشخص الذي كنا نعرفه ولن يمكنني الوصول له"
أجابها ليث "لكنه لن يتوقف عن البحث عنكِ مرة أخرى لذا يجب إيقافه"
كانت تعلم أنه يقول الصواب ولكنها لا تريد البقاء هنا والتحقيقات تعني تأخيرها لذا لقد "لا يهم ليث المهم أن أصل لزهير، لابد أن أعرف مكانه أو ماذا أصابه والإبلاغ عن هاري يعني بقائي هنا وتأخيري"
صمت ليث وهي تعلم أنه لا يوافقها ولكن لا يملك إيقافها، لا أحد سيوقفها عن البحث عن زوجها
عاد وقال "حسنا لقد تصرفت برجال لحمايتك ستجدينهم خارج غرفتك سيأخذونك للمطار بالصباح وطائرتي الخاصة ستنقلك إلى سيدني، هاري لن يتركك بريهان"
أغمضت عيونها وهي تعلم أنه على حق ولكن لابد أن تعود لمعرفة ماذا أصاب زوجها فقالت "لا أعلم ليث كل ما أعرفه أني لابد أن أعود لأعرف أين زهير وماذا حدث بغيابي، أظن أن هاري سيختفي تلك الأيام خوفا من أن أبلغ الشرطة عنه وتلك فرصتي للرحيل"
أجاب ليث "ربما بيري، المهم أن تكوني حذرة"
لم تترك غرفتها واختارت الراحة بالفراش بعد مجهودها السابق وتناولت دواءها وباليوم التالي كان رجال أخيها يصحبونها للمطار ولم ترى أي أحد يمكن أن يثير الشكوك حتى هبطت بها الطائرة بمطار سيدني واستأجر رجال ليث سيارة إلى المزرعة وطوال الطريق وذهنها مشغول بالأسئلة الكثيرة وقلبها انقبض لفكرة أن زوجها أصيب بأي ضرر فهو الحياة بالنسبة لها
هيلين أسرعت لها عندما نزلت من السيارة  والتفتت لترى هيلين تهرع لها وتصرخ "مدام، يا إلهي أين كنتِ؟ الجميع كان يبحث عنكِ"
احتضنتها المرأة بقوة مما منحها بعض الراحة وهتفت "قصة طويلة هيلين، أين زهير؟"
ابتعدت المرأة عنها وانخفضت عيونها فشعرت بقلبها يفزع من الخوف وقالت "هيلين أجيبي، أين زهير؟ ماذا أصابه؟"
رفعت وجهها الشاحب لبريخان وقالت بحزن "بالمشفى مدام، منذ تلك الليلة المشؤومة"
أمسكتها من ذراعيها بقوة وصرخت بها "مشفى؟ لماذا؟ ماذا أصابه؟ تحدثي هيلين"
كان الفزع قد انتشر بكل كيانها واخترق عيونها وهيلين تقول "كان بطريق جبلي خطر بعد خطفك وانقلبت به السيارة، الشرطة قالت أن السيارة فقدت الفرامل وتشك أنها جريمة مدبرة"
تراجعت من الصدمة وهي تستوعب ما تسمع وتدرك أن قلبها كان على حق، حبيب قلبها لم يتخلى عنها وعليها أن تكون معه فهتفت "لابد أن أكون معه"
أسرعت دون هدى داخل المشفى والرجلين خلفها بمحاولة إيقافها ولكن قلبها كان يجرها جرا بحثا عنه والدموع تحاول مشاركتها الخوف والألم 
اصطدمت بممرضة أوقفتها وهي تهتف من بين أنفاسها المتقطعة "زهير، زهير الأسيوطي"
لحق بها الرجلان ولكن الفتاة قالت "سيد زهير بالعناية مدام"
تمايلت أمام الفتاة وشعرت بالضعف يجتاحها ولكن ذراع الرجل المصاحب لها أسندتها وهو يقول "مدام هل أنتِ بخير؟"
تماسكت وهي تهز رأسها وتستعيد نفسها والفتاة تقول "من حضرتك؟"
سقطت دموعها وقالت "زوجته"
تراجعت الفتاة والدهشة تطل من ملامحها للحظة تلجم لسانها حتى قالت "ولكن الشرطة"
وصمتت ففهمت هي وقالت "فقط خذيني لزوجي"
لم تناقشها الممرضة وهي تصحبها عبر الممرات والرجلين خلفها حتى رأت تلك الغرف الزجاجية فأدركت أين هي وقبل أن يصلوا للباب كان طبيب يخرج منه ويلتقي بهم بدهشة فعرفته الممرضة بها فتراجع وقال 
"مدام بريهان؟"
تراجعت وقالت " أنت تعرفني؟"
هز رأسه بالنفي وقال "فقط اسمك، سيد زهير يهتف به من وقت لآخر ومن التحقيقات عرفنا أنه اسمك"
انهارت بالبكاء وهي تقول "ماذا به؟ هل حالته خطر؟ أرجوك أخبرني"
قاطعها الطبيب ليوقفها وقال "اهدئي مدام، هو الآن أفضل بكثير مما كان عندما وصل وقت الحادث ولكن ما زالت حالته غير مستقرة ولم يعود للواقع بعد، الجرح العميق برأسه سبب تدهور كثير بحالته وغيرها من الإصابات بكامل جسده، الحادث كان خطر جدا وخروجه منه على قيد الحياة هو معجزة"
لم تتوقف دموعها وهي تقول "وماذا يعني ذلك دكتور؟"
قال بهدوء "يعني أننا بذلنا أقصى جهدنا كي نعيده للحياة ويبدو أن عمره لم ينتهي بعد، فقط يحتاج للوقت ليعود لنا"
قالت بلهفة "أريد رؤيته، من فضلك"
هز رأسه بالموافقة وقال "بالتأكيد مدام، هو نطق باسمك كثيرا وربما وجودك يصنع الكثير، تفضلي، اصحبيها للداخل يا آنسة"
اندفعت خلف الفتاة داخل غرفة العناية الخاصة به وقلبها يرتج داخل صدرها لدرجة الألم وهي تتحرك وعيونها تبحث عنه بين الأجهزة التي التفت حول جسده الذي تعرفه جيدا وتحفظ كل جزء به، تركتها الفتاة وخرجت من الغرفة وظلت جامدة بمكانها وهي ترى ضمادات بكل مكان بجسده وحول رأسه
أجبرت جسدها على الاستجابة لها وتحركت لتقترب من الفراش والدموع هي فقط من لم تستجب لها حتى لمست يدها جسده وصدره العاري الذي تنتشر لاصقات عليه متصلة بالأجهزة المجاورة والتفت ضمادات أيضا عليه وانطلقت عيونها إلى الأجهزة لتُطمئن قلبها أنه ما زال معها بالحياة ولم يتركها
انحنت حتى وصلت لوجهه الشاحب وعيونه المغلقة وتحركت يدها لوجنته التي نبت شعر ذقنه عليها يكاد يغطيها، همست "زهير، زهير حبيبي هل تسمعني؟ أنا هنا حبيبي، كنت واثقة أنك ما زلت بالحياة ولم تتركني، كنت أعلم أنك لم ولن تتخلى عني فقط عد لي زهير، أرجوك عد لي أنا لم أعرف كيف أعود للحياة وأنت لست بها، لا معنى لأي شيء وأنت لست معي، لا أمان بدونك، ابننا بحاجة لك، أرجوك زهير لا تذهب أنا أحبك، أحببتك وأحبك وسأظل أحبك لآخر يوم بعمري"
تحركت يدها لتلمس يده الساكنة بجواره وأمسكتها لتشعر بها باردة وكأن لا حياة بها، رفعت يده لفمها وقبلتها والدموع تغرق وجهها وهتفت بين دموعها "ما زلت أقبل راحت يدك حبيبي لأن السعادة بوجودك معي"
ظلت تمسك بيده ثم وضعت رأسها على صدره وأغمضت عيونها وأكملت "أرجوك زهير عد من أجلي، أنا لن أتحمل تركك لي"
 شعرت بيد تربت على كتفها فاستعادت نفسها ورفعت رأسها واعتدلت والطبيب يقول "كفى مدام"
لم تنظر للرجل وهي تمسح دموعها وتقول "من فضلك دعني معه، أنا لن أسبب أي ازعاج" ثم التفتت له بعيون كلها رجاء وقالت "لن أستطيع تركه"
نظرات الطبيب كانت بها شفقة من حالتها وقبل أن يرد صوت زهير أوقفه وهو يناديها "بريهان"
التفتت وسقطت على الأرض بجواره وهي تقبض على يده بلهفة وصوتها خائف أن يخرج وهو يردد اسمها فهتفت "زهير أنا هنا، حبيبي هل تسمعني؟"
الصمت سقط عليها كصاعقة مؤلمة وهي تنظر لوجهه الجامد، أين السخرية التي كانت ترتسم على وجهه؟ أين الثقة والقوة؟ 
همست بدون قوة "زهير لا تتركني، زهير أجبني أنا أحتاج إليك"
تركها الطبيب بالغرفة ولم يطالبها أحد بالخروج بل ظلت بجواره ولم تعرف كم انقضى عليها من الوقت فقط تخرج لتناول الطعام والرد على ليث بالهاتف وطالبته بعدم الحضور فوجوده لن يزيد بشيء، أجابت أسئلة الشرطة التي أخبرتها بأن فرامل السيارة تم إفسادها وهي أخبرتهم بمحمود وهاري وكل ما أصابها وأدركت أن هاري هو من أفسد الفرامل ليتخلص من زهير 
باليوم الثالث كانت نائمة على المقعد بجواره ويدها كادت تفقد يده من أثر النوم ولكن تلك الحركة التي لمست يدها جعلتها تفيق من النوم وهي تظن أنها كانت تحلم، قبضت على يده وما زالت بمكانها على المقعد وكادت تعود للنوم مرة أخرى ظنا أنها كانت تحلم ولكن صوته أعادها
"بريهان"
اعتدلت بلهفة والتصقت بالفراش وهي تناديه "زهير أنا هنا، زهير هل تسمعني؟"
للحظة كانت طويلة جدا عليها انتشر الصمت وكاد الأمل يرحل من داخلها ككل مرة ينادي فيها باسمها ثم يصمت ولكنه هذه المرة ضغط على يدها بيده فابتعدت وعيونها تنظر له بدموع احتجزت صوتها وهو يهتف 
"بريهان"
جذبت صوتها من أعماقها وقالت "نعم زهير"
لم تصدق وهي ترى عيونه ترمش فارتفعت لتتابعه وهو يفتح عيونه فزادت دموعها أكثر وقلبها يزداد دقا من السعادة بعودته وعيونه تلتقي بعيونها الباكية وظل ثابتا عليها وما زالت يده بيدها وهو يقول بوهن واضح
"بريهان"
ابتسمت من بين الدموع وهزت رأسها فقال "ماذا حدث؟ أين أنا؟"
قالت بصعوبة من الدموع "بالمشفى زهير، سيارتك سقطت من على المنحدر الجبلي"
أغمض عيونه ليتذكر ما كان والفرامل التي تركته، نادته فعاد لها وهو يقول "نعم تذكرت، وأنتِ!؟ ماذا حدث لكِ؟ كيف تركك ذلك الرجل؟ هل عرفتِ من هو؟"
هزت رأسها ولكن سمعت الباب يفتح فالتفتت للطبيب الذي أسرع لهم للاطمئنان عليه وظل يفحصه وهي تقف بجواره وعيونها تتسمر عليه خوفا من أن يرحل مرة أخرى تاركا إياها وحيدة وخائفة
التفت الطبيب لها وقال "هو بخير مدام، بالصباح يمكننا فحصه مرة أخرى قبل اتخاذ قرار خروجه من العناية، نحمد الله على عودتك سيد زهير، الحادث كاد يدمر حياتك"
لم يرد وهو يحدق بالطبيب الذي تحرك خارجا بينما رفع يده لها فتحركت تجاهه وقبضت على يده وركعت بجواره فقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها بالإيجاب فترك يدها ورفع يده لوجهها واحتضن وجنتها بها وقال "اشتقت لكِ بيري، كدت أصاب بالجنون عندما اختفيتِ من جواري"
مالت برأسها على راحته والراحة تملأ قلبها وقالت "ذلك المجنون أحاط وجهي بيد بها منديل وجسدي بيده الأخرى وجذبني بقوة حتى فقدت الوعي"
جذب وجهها له حتى لمس شفتيها وقبلها برقة استجابت له بالطبع حتى أطلقها وقال "أحبك"
لم يفلت وجهها القريب من وجهه وضرب قلبها داخل ضلوعها بقوة جعلتها ترتجف وحدقت عيونها بعيونه المتعبة وهي تحاول أن تصدق ما سمعته ودموع تسابق بعضها داخل عيونها ورددت "زهير"
داعبت يداه وجهها وعيونه تحتوي كل ملامحها بشوق وأكمل "نعم بيري أنا أحبك، لقد أدركت ذلك ببعدك عام كامل عني كدت أجن به ولكن الآن لم يعد بإمكاني كتم الأمر داخلي، سواء أحببتِ رجلا ملوثا مثلي أم لا فأنا أحبك ولا يمكنني التوقف عن حبك فأنتِ تسكنين كل ذرة بكياني، أحبك وأحب تلك الحياة التي عشتها معك، أحب كل لحظة تشاركنا بها سويا، أحب ابننا الذي لم أراه بعد فقط لأنه منك، أحب حتى أنفاسك التي تضربني وقت وجودك بين أحضاني، أحب لمساتك الرقيقة والتي لا تعرفين ماذا تفعل بي، فقدانك جعلني أدرك أنني لن أستطيع أن أعيش بدونك"
بكت ولكن من السعادة ثم تحول بكاءها لضحكة رقيقة وهي تنظر له بعيون كلها حب وهتفت "هل أنت واعي لما تقول زهير الأسيوطي؟ أنت تتحدث عن الحب، القلب الذي يضخ الدماء لنا لنحيا، أنت لا تعرف الحب زهير، لم تمنحني يوما أي أمل بأن قلبك"
قاطعها "ملك لكِ بيري، أخبرتك أني كلي لك، لم أجد نفسي سوى معك، لم أتخلى عن كل شيء إلا من أجلك، كيف لم تدركي أني كنت أفعل لأني أحبك وكل حياتي تبدلت من أجلك؟"
ضحكت مرة أخرى من بين الدموع وقالت "ومن أجل ابننا"
ابتسم وقال "ابننا لم يكن موجود وقت أحببتك بيري"
مررت أصابعها على وجهه وقالت "كنت ضائعة بدونك زهير"
ابتسم وسقطت رموشه على عيونه وانتظمت أنفاسه فقبلت يده ولم تتركه وظلت بجواره حتى صباح اليوم التالي عندما أيقظتها الممرضة ففتحت عيونها وهي تعتدل على المقعد فوجدته ينظر لها بحنان والممرضة تقول 
"صباح الخير مدام، سيخرج لغرفة عادية الآن فهل يمكنك انتظارنا بها حتى ننتهي من تجهيزه؟"
تحركت تجاهه وقالت "هل أنت بخير؟"
ابتسامته أضاءت حياتها وهو يقول "بالتأكيد طالما أنتِ هنا" 
ابتسمت وقالت "سأنتظرك بالغرفة"
هز رأسه فخرجت لتجد رجل ليث ومعه رجال جديدة اقترب منها أحدهم وقال "صباح الخير مدام، أنا جيسون مدير الأمن لدى سيد زهير لقد استلمنا التأمين من رجال سيد ليث"
هزت رأسها وقالت "أهلا جيسون، ليث أخبرني، هل عرفت شيء عن سيد لويس؟"
قال باحترام "هو أفضل حالا مدام وشفاؤه تم سريعا"
بالطبع رحل رجال ليث وتحركت هي للغرفة التي بلغوها بها واغتسلت وعدلت مظهرها حتى رأتهم يدخلون به ويضعونه بالفراش فانتظرت حتى انتهوا والرجال معهم بينما كان الألم واضحا على وجهه فلم تتحدث حتى هدأ وقال 
"هل هناك جديد جيسون؟"
تحرك الرجل له وقال "أرسلت رجال لروما للبحث سيد زهير وهنا لم نصل لجثة ذلك الرجل"
نظر لها فقالت "سأخبرك بكل شيء"
عاد للرجل وقال "لويس؟"
قال الرجل "بخير سيدي لقد عاد لطبيعته ولكن لم يعد للعمل بعد"
تحدث بجدية دلت على عودة الرجل الذي تعرفه ولم تحاول التدخل وهو يباشر معه العمل دون اهتمام بالتعب الواضح عليه حتى انصرف الرجال بأوامره فالتفت ومد يده لها فتحركت تجاهه بابتسامة مشرقة لعودته لها
قبل يدها وضمها لصدره وهي تجلس على طرف الفراش بجواره وتنظر لزرقاء عيونه التي افتقدتها فقال "هل تحكي لي ما كان؟"
لم تفكر وهي تحكي له كل شيء منذ افترقا وحتى عادت له وانتهت قائلة "والرجال بحثت عن جثة محمود ولم تجدها وهاري كان معي بروما ولا أعرف عنه شيء منذ هربت"
رفع يده لوجهها وقد تجهم وجهه من كثرة ما قالت ثم جذبها لصدره المجروح دون اعتبار للألم فأغمضت عيونها وهي تسمع نبض قلبه وهتف بحنان "لو طالته يداي سأقتله"
قالت برجاء "وتتركني مرة أخرى؟"
لم يرد فرفعت وجهها له وما زالت يده تداعب وجنتها وتبعد خصلات شعرها وعيونها تلتقي بعيونه وقالت "لا تتركني زهير"
قال وقلبه يضربه بكل قوته "وما فعله بكِ؟ وما كاد يفعله لولا هروبك؟ وتدميره لحياتنا من قبل؟ هاري يعرف ماذا يفعل حبيبتي ولن يتوقف"
قالت بخوف "ولكنك يوم تقتله ستنتهي بالسجن زهير وتتركني أنا وطفلنا فهل تريد ذلك؟" 
تنهد بقوة وثقلت أنفاسه وهو يقول "تعلمين ماذا أريد بيري، أن أعيش ما تبقى لي من عمر معك ولكي نحقق ذلك لابد أن يخرج هو من حياتنا ولن يخرج إلا بموته"
قالت بهدوء ورجاء "أو بالقانون"
ابتسم وقال "القانون أضعف من أن يواجه رجل مثله اتخذ عمل العصابات مجال له، هاري أخبرك أنه شخص لا تعرفيه وهذا واضح من خططه وتصرفاته، بيري حبيبتي لويس كاد يموت وأنتِ ضعتِ مني وأنا أيضا كنت بين الحياة والموت وكله من تخطيطه فماذا يمكن أن يوقفه؟"
لم تتركه أو تبتعد عن صدره المضمد وهي تقول "ليس القتل زهير، أنت لابد أن تسلك طريق جديد كما اتفقنا، طريق نظيف خالي من أي آثام والقتل كبيرة من الكبائر فابحث عن حل آخر"
دس أصابعه بين خصلات شعرها وقال "لقد رأيت الموت بعيوني بريهان وأدركت أن ليس بحياتي ما يمكن أن يقف معي وينقذني ومع ذلك وقتها من داخلي أدركت أنني لو عدت للحياة وعدتِ لي فلن أعود أبدا لما كنت عليه بل وسأكون الرجل الذي تريديه لأولادنا، وها أنا عدت بيري وأنتِ عدت لي لذا سأوفي بوعدي ولن أعود لأي معصية تلوث حاضري ومستقبلي، سأتعلم كيف أكون رجل صالح لأني أريد ذلك"
سقطت دمعة من عيونها وابتسامة أضاءت وجهها وأمسكت يده التي على وجهها وقبلتها وهتفت "أنا أسعد امرأة بالعالم لأنك زوجي زهير"
جذبها له مرة أخرى وقبل جبينها واحتضنها بقوة وهتفت "وأنا أدركت أن الله يحبني لأنه أسقطتك بطريقي لتمنحيني النور الذي أضاء ظلام حياتي"
يومان انقضيا وزارتهم كارين والتي فقدت بعض من وزنها نتيجة ما أصاب لويس ولم تصلهم أي أخبار عن هاري وتابعها ليث على الهاتف حتى خرج زهير من المشفى وبالطبع الفراش كان مكان غير مرحب به بالنسبة له ولكن الألم الذي أصاب ساقه وضلوعه ورأسه جعله يستجيب
جيسون كان الرجل الأول لزهير وتركته معه لمتابعة أعماله وأخذت حمام واستبدلت ملابسها وخرجت لتجدهم ما زالا يتناقشان فنزلت لترى الغداء وتأخرت بالحديقة حتى نزل جيسون فتحركت له
أنهى اتصاله بمجرد دخولها فتحركت له وقالت "استعدت رجل الأعمال بسرعة"
ترك الهاتف وقال "هذا بدمي بيري، أنتِ بحاجة للراحة"
تمددت بجواره بالفراش فضمها له وقالت "لقد استعدت راحتي بوجودك معي"
قبل جبينها وقال "حسنا والآن لتنامي قليلا حتى أنتهي من بعض العمل على النت"
هزت رأسها ولم تعترض وتركته لعمله ورحلت للنوم دون جدال وقد أجهدت بالأيام السابقة ولكن اليوم الراحة ملأت قلبها وسكن عقلها فنامت دون قلق أو خوف
انتهت الاجازة بعودته للعمل بأسرع مما تخيلت ولم تعرف أي أخبار عن هاري وهو لم يتحدث معها عن الأمر حتى انتهى الاسبوع وهو يدخل متأخرا وهي تقف بانتظاره ببهو الاستقبال كعادتها
قبلها قبلة رقيقة وقال "تعلمين أني اشتقت لكِ، هل نذهب للطبيب بالغد؟"
لم تخرج من أحضانه وقالت "كما تشاء، هل تفكر بالعودة لأمريكا"
جذبها للداخل وهو يفك ربطة عنقه وقال "نعم، فقط ننتهي من الطبيب لقد مررتِ بالكثير مؤخرا وأنا قلق عليكما"
ابتسمت وهو يجلس ويشعل سيجاره فابتعدت وقالت "نحن بخير، سنعود نيويورك؟"
عيونه لاحقتها من خلف الدخان وقال "نعم"
شعرت بالسعادة وهتفت "سأرى ماما"
نفخ الدخان وقال "هذا لو كانوا هناك، ليث لا يبقى بمكان تعلمين ذلك"
جلست أمامه وهو يطفئ السيجارة وقالت "نعم أعلم ولكنها هاتفتني بالأمس تسأل عنك وقالت أنها بنيويورك"
مد يده لها فنهضت وتحركت تجاهه ويدها تستقر بيده وجذبها لتجلس على ساقه فأحاطت عنقه بيداها وهو يقول "يشرق وجهك عند الحديث عنها"
داعبت شعره وقالت "هي أمي زهير"
جذب وجهها له وقبلها بحرارة حتى توقفت أنفاسهم فأطلق شفاهها وظل وجهه ملاصق لوجهها وهمس "أريدك بيري، أحتاج أن أكون بين ذراعيكِ"
همست بضعف "أنا أيضا أشتاق لك زهير، لا سعادة بعيدا عن أحضانك"
قبلها مرة أخرى باشتياق أكبر حتى اشتعل جسد كلا منهما بنيران العشق وعاد يهمس "ابتعدي عني بيري بدلا من أن نندم"
ضحكت ونهضت مبتعدة فتنفس بعمق ومرر يده بشعره فقالت "العشاء؟"
نهض وقال "بغرفتنا حبيبتي أحتاج حمام بارد بالتأكيد"
ضحكت مرة أخرى وهي تتحرك للمطبخ وهو يصعد لغرفتهم وكلاهم يدرك أن السعادة بوجودهم سويا دون فراق ولكن ما زال كلاهم يدرك أن الخطر لم يزول

الفصل الثاني والعشرين
خطر
احتضن يدها بالسيارة وقال "لا أعتقد أن هناك قوة يمكنها أن توقفني عنكِ بعد الآن"
ضحكت وهي تسند رأسها على ذراعه ونظرت له لتغيظه وهي تقول "هو قال علينا بالحذر وعدم"
قاطعها بجدية "توقفي بيري أنا لن يوقفني شيء، أريدك، أحتاج إليكِ، أشتاق لكل لحظة لنا سويا، أفتقد ذراعيك وقبلاتك وضحكاتك وأنتِ بين ذراعي، لن يوقفني شيء بيري هل تسمعيني؟"
ظلت تنظر بعيونه ووسامته تأخذها لبعيد، لوقت لم تفكر فيه أنها ستعيش تلك السعادة، رفعت يدها لوجنته وقالت "لا توجد قوة بالعالم يمكنها أن تبعدني عنك زهير إلا الموت، أنا لك ولن أكون لسواك"
ابتسم وقبل رأسها ورفع يدها لفمه وقبلها ثم قال "اليوم لنا وغدا نرحل لنيويورك"
بالفعل قضيا اليوم بغرفتهم ولم يوقفهم أي شيء عن بعضهم البعض وكأنهم التقيا لأول مرة والشوق بينهم يزداد أكثر وكلمات الحب التي أمطرها بها جعلتها تطير بالسماء من السعادة 
ما أن وصلا نيويورك حتى انتقلا لليموزين وشعرت براحة تخترق صدرها وهي تنظر حولها فقال "مضطر لتوصيلك البيت ثم الرحيل للعمل"
نظرت له وقالت "إذن لتأخذني لبيت ليث لأرى ماما وأبقى معهم حتى تنتهي"
أحنى رأسه تجاه وجهها وقال بجدية "لن تكوني إلا ببيتك بيري تعلمين رأيي بهذا الأمر"
لم تهرب من مواجهته وقالت بضيق "وماما زهير؟ أريد رؤيتها"
هو الآخر لم يبتعد وقال "سنجد حل"
وأخيرا توقفت السيارة أمام الفيلا وتذكرت الورود الرائعة ولولا رغبتها برؤية دولت لاستمتعت بعودتهم للبيت، أحاطها بذراعه عندما نزلا من السيارة وقال "هناك مفاجأة صغيرة تنتظرك حبيبتي"
رفعت وجهها له وقالت "مفاجأة!؟ أي مفاجأة؟" 
فتحت سولانا لهما الباب وابتسمت مرحبة بهم وهو يشير بيده "دعينا ندخل وستجدينها"
كان يتحرك تجاه غرفة الجلوس وهي بجواره وما أن فتح لها الباب لتدخل حتى هتفت من المفاجأة "ماما، أنا لا أصدق"
كانت دولت على مقعدها المتحرك بجوار النافذة الكبيرة تبتسم لابنتها التي اندفعت لها لتلقي نفسها بأحضانها بسعادة، ابتعدت وهتفت "ماما افتقدتك جدا"
احتضنت دولت وجه ابنتها بيداها وقالت "الحمد لله على سلامتك حبيبتي، حماكِ الله من ذلك المجنون"
أمسكت يد والدتها وقبلتها وهي ترد "نعم ماما الحمد لله حقا، كاد يدمر حياتنا"
التفتت دولت لزهير وقالت "الحمد لله على سلامتك زهير"
كان قد اقترب وقبل وجنتا دولت وقال "الحمد لله ماما كيف حالك؟"
نهضت بريهان وقالت "كنتِ متعبة ماما"
هزت رأسها وأجابت "قليلا ولكن عهد ممرضة رائعة حقا ولولا زهير ما تركتني هي وليث"
نظرت لزوجها الذي ابتعد للنافذة ودخن سيجارة وتابعها بعيونه فقالت بامتنان "زهير يحبك ماما ويفعل الكثير من أجلي، شكرا زهير"
ابتسم لها من خلف الدخان وقال "أنتِ بحاجة للراحة بيري ووجود ماما هنا سيجعلك ترتاحي أليس كذلك ماما؟"
ابتسمت دولت وقالت "بالطبع حبيبي، أنا أشتاق لرؤية طفلكم"
أطفأ السيجارة وتحرك تجاههم وقال "أنا لابد أن أذهب"
وتحرك فتبعته للخارج ونادته "زهير"
التفت لها فتوقفت أمامه وعيونها كلها حب وامتنان، عيونه كلها تساؤلات فقالت "شكرا"
هز رأسه وقال "ليث سيقتلني حقا ولكن من أجلك تغاضى عن الأمر، هو رحل للبرازيل وأنا طلبت منه بقاء والدتك معنا من أجلك"
لم تفكر وهي ترتفع على أصابع قدميها وتطبع قبلة على وجنته وهي تقول "شكرا، شكرا لكل شيء جميل تمنحه لي زهير، شكرا على وجودك معي"
ظل ينظر لها ثم رفع يده لوجهها وجذبه له وهو ينحني تجاهها ليأخذها في قبلة طويلة حتى توقف دون أن يبعد وجهها وقال "هكذا تكون قبلتك حبيبتي، حارة وقوية"
ثم خطف واحدة أخرى سريعة وأطلقها وهو يقول "لابد أن أذهب، استمتعي بوقتك"
تابعته بابتسامة رقيقة حتى ركب سيارته وابتعد بها وقلبها يخفق داخل صدرها، تحبه وتعشقه وهو أخبرها بحبه ولكن ما زالت تخاف أو لا تصدق وربما لهذا السبب لم تعلن عن مشاعرها له 
أمضت اليوم كله مع دولت تحكي لها كل ما مرت به منذ تركتها ولم تخفي دولت سعادتها بابنتها ونجاحها بحياتها وقالت "أخبرتك أنه يحبك" 
ظلت صامتة تنظر لوالدتها حتى قالت "ما زلت أخاف ماما، هل يمكن أن يتبدل شخص من النقيض للنقيض بأيام ولا يرتد للخلف مرة أخرى؟"
كانت ملامح دولت هادئة وهي تجيب ابنتها "ولم لا حبيبتي طالما هناك ما يستحق التغيير من أجله؟ زهير وجد عندك ما لم يجده بحياته كلها، الحب، الحب يفعل الكثير بيري وزهير أدرك أن سوء أخلاقه وأفعاله هي سبب الفراق بينكم وهي الحاجز الذي يفصلكم لذا اختار الطريق الصواب ونضيف لذلك تعرضه للموت وخوفه من فقدانك أنتِ وابنه كل ذلك دفعه لتبديل حياته، أنا أثق به بيري وعليكِ بالمثل"
تاهت بعيونها بعيدا وهي تجد الراحة بكلمات أمها ثم قالت "أنا بالفعل لا أجد الراحة والأمان إلا معه وأتمنى أن يديم الله تلك النعمة علي ويهديه كما أخبرني ويبعد عنا هاري"
تنهدت دولت وقالت "أنا حقا أندهش من أمر هاري ولا أصدق أن ذلك الرجل الذي كان يحبك ويخاف عليكِ ويساندك يمكن أن يفعل بكِ ما فعله"
قالت بتفكير بما كان "ولكنه فعل ماما ولا أعلم ماذا يخفي لنا بعد ما حدث"
لم ترد دولت وتبدل الحديث حتى تأخر الوقت وعادت لغرفتها بعد أن نامت دولت وجذبت هاتفها وضغطت اسمه وسرعان ما أجاب بصوت هادئ "ما زلتِ مستيقظة؟"
تمددت على الفراش وقالت "أردت أن أسمع صوتك قبل أن أنام"
نظر جاكوب له وقال "أنتظرك بقاعة الاجتماعات"
هز رأسه وهو يشعل سيجارة ويتحرك للنافذة وقال "تعلمين أنه غصبا عني بيري"
قالت بصدق "بالطبع أعلم وإلا لكنت معي الآن بالفراش لتشاهد الأحمر الجديد"
نفخ الدخان وقال بنبرة تعرفها "لا تفعلي بيري"
ضحكت ضحكتها التي تدرك تأثيرها عليه فتنفس بعمق وقال "ولا تضحكي هكذا"
لم تتوقف إلا بعد وهلة وهي تقول "فقط حاول ألا تغيب أكثر من يومين"
استعاد هدوءه وقال "لن تمنحيني فرصة لأفعل ستحرقينني بنيرانك قبل أن أفعل حوريتي"
تراجعت بالفراش وقالت "هل يمكن لأحد أن يحرق نفسه؟ أنت نفسي زهير، أنا فقط لم أعد أستطيع البعد عنك، بوجودك الراحة والأمان والسعادة"
عاد يتنفس بعمق وأغمض عيونه للحظة ثم عاد وفتحها وقال "كلماتك هذه تمنحني الكثير بيري" 
سألته "الكثير من ماذا؟"
أجاب وهو يراها أمامه "الكثير من السعادة والرغبة والاشتياق لكِ، الكثير من الكثير الذي لم ألاقيه بحياتي من قبلك"
تنهدت ولم ترد فناداها "بيري"
نبرته كانت مختلفة وكلمات السؤال كانت على طرف لسانه عندما دق الباب ورأى جاكوب يتعجله فهز رأسه وقال "آسف حبيبتي الاجتماع على وشك أن يبدأ وأنا أخذت الرجال من بيوتهم فهل تسمحين لي بالذهاب؟"
لم تنتبه لما كان يريد قوله فقالت "بالتأكيد، لو عدت بالليل أيقظني"
أجاب وهو يتحرك ليطفئ السيجارة وقال "سأفعل طابت ليلتك"
أجابت وأغلق كلاهم وتحرك هو للباب بينما احتضنت هي وسادتها وظل ذهنها عالقا به وبكلماته ونبرة صوته الدالة على الحب والحنان حتى نامت على كلماته...
الاسبوع مر كالنسمة ورغم غيابه الكثير بالعمل إلا أنه كان يعود ولو قرب الفجر ليكون معها، كانت سعيدة بوجوده وكلماته والأكثر هو معاملته لدولت، كان بالفعل رائعا معها ويتصرف كأنها أمه ودولت بادلته الحب وكانت سعيدة بوجودها معهم
رنات هاتفه أيقظتهم فاعتدلت بالفراش تحت ثقل ذراعه الملتف حولها وهتفت من بين النوم "زهير، زهير هاتفك يرن"
تحرك حتى اعتدل وجذب الهاتف ثم لحظة ونهض جالسا وهو يقول "متى وأين؟"
نبرته التي تبدلت جعلتها تلتفت لتنظر لملامحه التي دلت على الجدية والاهتمام وهو يعود ويقول "حسنا أرسل بعض الرجال الثقة، ربما أذهب سأخبرك قبلها"
أغلق الهاتف ودفع الغطاء بعيدا باحثا عن السجائر وولاعته الذهبية فجلست هي وقالت "ماذا هناك زهير؟"
فتح النافذة ودفع الدخان للخارج وقال دون النظر لها "زيزي كادت تتعرض للهجوم بالشقة ولولا أحد الجيران كان عائدا لشقته وصرخ بالرجلان ففرا هاربين قبل دخول الشقة"
تجهم وجهها ودق قلبها بقوة الخوف الذي كان يسكنها وزاغت عيونها وأفكارها بعيدا حتى أنها لم تسمعه وهو يناديها إلا بالمرة الثانية وهو يقول "بريهان أنا أتحدث معكِ؟"
انتبهت له وقالت "ماذا؟ آسفة ماذا قلت؟"
تحرك تجاهها وعيونه تمتلئ بالتساؤلات حتى وقف أمام الفراش وقال "أين ذهبتِ؟"
لاح شحوب وجهها وهي تتلعثم قبل أن تقول "لهاري"
ظل ناظرا لها قبل أن يتحدث بتأني "وقد يكون محمود"
أبعدت عيونها وقالت "كانت أمام محمود منذ سنوات لماذا الآن؟"
عندما لم يرد رفعت عيونها له فرأت عتمة غريبة بنظراته ثم عادت تقول "هاري يختار أرض المعركة، مصر"
تحرك مبتعدا ليطفئ السيجارة ولم يرد فنهضت والتفت بروبها وتحركت تجاهه وما زال يمنحها ظهره فوقفت خلفه وقالت "لا تمنحه ما يريد"
التفت ليجدها خلفه فأخفض عيونه لها وظل يواجها لحظة قبل أن يقول "ولماذا تفكرين هكذا؟"
لم تتراجع وهي تقول "أنا لا أفكر زهير أنا فقط أخاف لذا لا أريد أن تكون بمكان أنا لست به معك يكفينا فراق"
الصمت أصبح شريك لهم الآن ولكن النظرات كانت تتحدث بصمت حتى قطع هو الصمت وقال بحزم "وهل تظنين أني أريدك بمكان آخر بعيدا عني؟ أنا لم أتحمل وجودك ببيت ليث وهو هنا بنفس البلدة، ولكن بيري لابد أن تعرفي أنني لم أتوقف يوما عن البحث عنه منذ عدت للوعي بسيدني، رجالي تبحث عنه بكل مكان وعندما أجده لن أتركه وعندما أمسك طرف خيط ينتهي به أيضا لن أتركه"
تحرك الخوف داخل عروقها حتى ظهر بعيونها وهي تقول "وهو لن يتركك"
أحاط ذراعيها بيديه وقال "هاري يريدك بيري وأنا عرفت ذلك من أول مرة رأيت نظرته لكِ، كانت عيونه تتحدث كثيرا بما يجول داخله وهو أيضا كان يحاول جاهدا إعلان مشاعره أمامي وظن أني سأتخلى عنكِ وأتراجع عن زواجنا وحاول بألاعيبه التي تعرفيها وعندما فقد الأمل سلك الطريق الآخر ومحمود كان السلاح الذي حاربني به دون علمي ولن يتوقف عن إكمال طريقه"
أغمضت عيونها بخوف ولكنه قال بقلق "بيري أنتِ بخير؟"
فتحت عيونها ولمعت بها الدموع وهي تقول "بخير؟ كيف أكون بخير زهير وحياتك بخطر؟ أنا لا أريد تلك الأيام مرة أخرى، لا أريد زهير، لا أريد"
جذبها لأحضانه وأحكم ذراعيه عليها وهو يهمس "اهدي حبيبتي أنا بخير"
ولكنها لم تتوقف وهي تقول "ولكنه لن يتركك، ابتعد عنه زهير من أجلي وأجل ابننا ابتعد عنه"
أبعدها وأحاط وجهها بيديه ونظر بعيونها الباكية وقال "لن يمكنني تركه بريهان لأني أولا لست جبان لأفر من المواجهة وثانيا هو لن يتركني حتى لو تركته، الشر لا يدوم بريهان ولابد من إيقافه وأنا فقط من له الحق بإيقاف هاري لأن من يحارب هو من أجلها زوجتي، شرفي وعرضي ولا يهم موتي في سبيل الدفاع عن شرفي وعرضي"
هتفت ويدها تمسك فمه "لا، موت لا زهير، أرجوك، لا تتركني زهير"
أصابعه كانت تمسح دموعها وعيونه تخترق عيونها الباكية وقال من بين أصابعها المرتجفة "الموت لا مفر منه بيري، لكل واحد منا وقت لن يمكنه الفرار منه ولو كان موتي في سبيل الدفاع عنكم فلن أريد أفضل من ذلك"
هتفت بقوة "كفى زهير، لا تتحدث هكذا وكأن بُعدي عنك سهل"
أظلمت عيونه من كلماتها وقال "يعلم الله كيف يؤلمني بُعدك عني ولو لساعات قليلة، صدقيني بيري بُعدك عني هو سبب تبديل كل حياتي"
لم تتوقف دموعها وهي تقول "إذن لا تفعل زهير، لا تبتعد عني مرة أخرى"
جذبها لأحضانه ومرر يده على شعرها بحنان وقال "لن أفعل إلا لو كان غصبا عني حبيبتي"
ظلت بين أحضانه تحاول أن تهدأ وتوقف دقات الخوف المتلاحقة داخلها حتى رن هاتفه فهمس "هل أرد؟"
ابتعدت وهي تهز رأسها وتمسح وجهها بظهر يدها كالأطفال فابتسم وقبل جبينها ثم تحرك للهاتف وأجاب لتسمعه مرة أخرى يذكر جاكوب وجلست هي على طرف الفراش والضعف يسري بكل جزء من جسدها، مررت يدها على بطنها التي بدأت بالظهور والإعلان عما تحمله داخلها، طفلهم الذي ينتظرونه بفارغ صبر هل يمكن أن يصل بسلام؟ هل سينعم بحنان والده؟ لن تتحمل بعده عنها لقد جربت مرة
أغمضت عيونها وما زالت تتساءل؛ هل يمكنها تحمل كل ما يحدث لها؟ ماذا سيفعل هاري بهم وماذا يخطط؟ كيف سيتصدى له زهير؟ وماذا ستكون النهاية؟ 
فجأة شعرت بمعدتها تتقلب كالأمواج تحت يديها وكأن الطفل يرفض مثلها ما يحدث، تحركت للحمام لتلقي بعصارتها بالخارج وظلت ترتجف من التعب وهلة حتى انتهت واستعادت نفسها لتجده يساندها كالعادة وهو يهمس 
"هل تشعرين بتحسن؟"
غسلت وجهها وناولها المنشفة وما زال يحكم قبضته عليها حتى أعادها للفراش وقال "هل تنامين؟ ما زال الوقت مبكرا"
فتحت عيونها له وقالت "سترحل الآن؟"
عيونه كانت تترجاها أن تتركه وصوته بدا واهنا وهو يقول "لو أردتِ بقائي سأبقى"
شعرت أنه لا يريد البقاء بل أراد أن يذهب ويتابع ما بدأه فأغمضت عيونها والتعب يهاجمها وقالت "لا، سأنام"
ولم تفتح عيونها مرة أخرى وهو يطبع قبلة على جبينها ثم يبتعد وهي لم تجعله يشعر أنها ما زالت مستيقظة وتسمع كل تحركاته وتنهداته وحتى أنفاسه، قُبلته التي طبعها على وجنتها جعلتها تزداد خوفا عليه وتدعو من صميم قلبها أن يحفظه الله لها 
لم تستيقظ إلا بمنتصف النهار على صوت هاتفها، أبعدت شعرها وجذبت الهاتف فوجدت اسمه فأجابت "زهير"
تحرك لسيارته والسائق يفتح له وقال "كيف حالك حبيبتي؟"
ما أن تحركت حتى شعرت بدوار وألم بظهرها وبطنها فتملكها الخوف فقالت "متعبة"
القلق تسرب له وقال "أي تعب بيري؟ هل تخبريني؟"
ألم بطنها عاد فقالت "ألم ببطني وظهري"
قال بدون تفكير "سأرسل لكِ الطبيب حتى أصل، لا تنهضي من الفراش بريهان"
قالت بتعب واضح "لا تخبر ماما شيء"
وصل قبل الطبيب وتسلق السلم بقفزات واسعة حتى وصل غرفتهم ودخل ليجدها بالفراش تتقوقع على نفسها فهتف "بريهان"
لم تنظر له وهو يتحرك لها بالفراش وقال "كيف تشعرين؟ هل تناولتِ أي دواء؟"
نظرت له وقالت بتعب واضح "نعم، سولانا أحضرته لي، أنا خائفة زهير، هل سيتكرر الأمر مرة أخرى؟"
كاد يرد عندما دق الباب وفتحت سولانا قائلة "الطبيب"
نهض واقفا وقال "بسرعة دعيه يأتي"


تعليقات



<>