
رواية الماضي الملوث الفصل التاسع9والعاشر10 بقلم داليا السيد
فرنسا
اسمها كان يتردد بأذنها وهي تحاول أن تجيب ولكن الألم الذي برأسها وذراعها جعلها تتألم ثم سمعت صوت يناديها مرة أخرى ففتحت عيونها لتجد نفسها على الفراش ورجل يلف ضمادة على ذراعها وزهير يقف خلفه يداه بخصره وقميصه ملطخ بالروث والدم وملامحه تنم عن الغضب وبجواره كانت كارين تقف والفزع بعيونها
سمعت الرجل يقول "مسز أسيوطي كيف تشعرين؟"
أغمضت عيونها وشعرت بجفاف بفمها، بللت شفتيها بلسانها وقالت "ماذا حدث؟"
انتهى الرجل من الضمادة ورفع وجهه لها وقال "هذا ما نريد أن نعرفه منكِ"
رمشت عيونها وهي تحاول تذكر ما كان ثم قالت "الفرس"
وصمتت فقال الرجل "نعم، مستر زهير أنقذك من تحت قدميه"
نظراتها رحلت له ولكنه لم يتحرك ولم تتبدل نظرة الغضب بعيونه بينما اقتربت منها كارين وقالت "ماذا حدث بيري؟ كنتِ بجواري وفجأة اختفيتِ"
لم ترد وهي تخفض عيونها وقالت بتعب واضح "لا أذكر شيء، رأسي يؤلمني"
تحرك الرجل الذي بدا أنه الطبيب ليجمع أدواته وقال "سقطت على لوح خشبي تسبب لكِ بجرح برأسك وآخر بذراعك وبعض الكدمات الأخرى بجسدك"
منح زهير ورقة وقال "هذه بعض الحبوب قد تحتاج لها لإيقاف الألم"
قبل أن يأخذ الورقة جذبتها كارين وقالت "سأرسل أحد الخدم، تفضل فرانك شكرا لك"
وتحركت كارين معه لخارج الغرفة بينما عقد هو ذراعيه أمام صدره وقال "هل تخبريني ماذا حدث بذلك الاسطبل اللعين؟ ماذا كنتِ تفعلين بكابينة الفرس؟"
رفعت عيونها له وقالت "وما الفارق؟"
تراجع والغضب ما زال يحكمه ففك ذراعيه وتحرك للفراش ومال عليها وقال "اللعنة بريهان هناك فارق، لا يمكن أن تكوني ألقيتِ نفسك هكذا أنا بالكاد أخرجتك قبل أن تدهسك أقدامه، أخبريني أنكِ لم تفعلي ذلك بنفسك"
دموع تجمدت بعيونها وقالت "لا، لم أفعل"
ظل يحدق بها قبل أن يقول "حسنا!"
أبعدت عيونها وقالت "جورجينا دفعتني لداخل الكابينة ظنا منها أني على دراية بالخيل"
ضاقت عيونه وهو يردد "جورجينا ماذا؟"
عادت لتواجه عيونه وهي تعلم أنه لن يصدقها، لن يصدق أن عشيقته تريد قتل زوجته، ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت "سألتني إن كان لي خبرة مع الخيل مثلها أم أني أخاف منهم فأجبتها أني لا أخاف منها فتفاجأت بها تدفعني أمام الفرس"
فقد القدرة على الحديث أو التفكير، جلس على طرف الفراش وقال "ولماذا لم تحاولي الفرار؟"
أخفضت عيونها وقالت بصوت منخفض "لم أستطيع"
اعتدل محدقا بها وقال "لا أفهم"
لم تنظر له وقالت "ربما لا تصدق"
قال بنفاد صبر "ليس الآن بريهان، ليس وأنتِ كنتِ تحت أقدام فرس هائج كاد يدهسك، ما مشكلتك مع الخيول؟"
ظلت تنظر له وهي تعلم أن نظراته تعني أنه لن يتركها حتى يحصل على تفسير وهي ستمنحه له وربما كما قال، هي لن تكذب وحياتها كانت بخطر واضح
تنفست بعمق وقالت "كنت بالخامسة عندما ذهبت مع بابا وليث للنادي لمشاهدة سباق الخيول ولأن صديقه لديه فرس هناك فقد اقترح أن نذهب للإسطبل لرؤيته وفعلنا ولكن لم أكن طفلة مطيعة تسربت من جوارهم للفرس وبالطبع فزع من الدخيلة المزعجة فهاج ودفعني لأسقط وكاد يدهسني لولا ليث، جذبني من تحت قدميه بآخر لحظة، أصبت بصدمة لفترة حتى شفيت ومن وقتها ولدي مشكلة مع أي فرس"
هز رأسه بتفهم وقال "كان عليكِ إخباري قبل أن ندخل الإسطبل"
أبعدت وجهها وقالت "كنت مشغول بها"
حدق بها وهو يفهم كلماتها فأبعد عيونه ونهض وهو يفك قميصه وقال "تحتاجين للراحة جسدك سيؤلمك من الحادث"
استوقفته "زهير"
توقف دون النظر لها فقالت "أندهش لأنك أنقذت حياتي"
توقف وهو يدرك كلماتها ويدرك أيضا تلك المشاعر التي تتصارع داخله والجنون الذي أصابه وقت رآها تحت أقدام الفرس وحتى الآن لم يجد تفسير لدقات قلبه المجنونة وهو يحملها خارج الاسطبل ومظهرها يصيبه بالجنون من أنها قد ترحل بلحظة
تدارك نفسه وقال "أمام الجميع أنتِ زوجتي ومن الطبيعي أن أفعل ما فعلت"
لم يصدمها الرد وإن تمنت شيء آخر ولكن هو مجرد تمني لا يصل لحد الواقع فقالت "ومع ذلك شكرا لأنك فعلت"
هز رأسه ولم يرد وهو يبتعد للحمام بينما أغلقت هي عيونها وهي تدرك أنه لا يعترف بها كزوجة طبيعية فهو حتى لم ينكر انشغاله عنها مع تلك المرأة، هو حقا أنقذها ولكن هذا لأنه بين الرجال الغريبة ولويس وكارين، لا أحد يعرف ما بينهم، كان يمكنه تركها ليتخلص منها لكن..
لم تنم رغم التعب والصداع وعندما دخلت لورين بالدواء والغداء كان يخرج من الحمام ومنشفة حول رأسه وأخرى حول خصره، خرجت الفتاة فقال "لم تنامي؟"
هزت رأسها بالنفي وما زالت متعبة جسديا ومعنويا فارتدى بنطلون جينز أسود وقميص بنفس اللون وقال "حسنا لتتناولي بعض الطعام والدواء"
لم ترد وهو يتحرك تجاهها وقد أخذها مظهره الذي جعله شابا فتيا جذابا بل مثيرا بالفعل، قرب مائدة الطعام ثم انحنى وساعدها بذراعيه القوية لتعتدل وتنسمت عطر ما بعد الحلاقة وسقطت قطرات مياه على وجهها من شعره المبلل وتبعثرت مشاعرها هنا وهناك وأدركت أنها بين أحضانه وهو كذلك لم تفته الفرصة وهو يتوقف وهي تنظر له بملامحها المجهدة ووجهها الشاحب ومع ذلك بدت رائعة، جميلة، ضعيفة، فاتنة، قاتلة
ظل وجهه قريبا منها وذراعيه حول جسدها المتألم ليس فقط من الإصابة وإنما من قسوة ذلك الرجل معها، قالت بصوت منخفض بالكاد سمعه "كان يمكنك تركي لأموت وكنت ستحقق انتقامك"
تحركت عضلات وجهه ولم تفارقها عيونه الزرقاء وهو يقول "ومن تحدث عن الموت كانتقام عزيزتي؟"
تألمت أكثر وقالت "معك حق الموت راحة"
ظل صامتا لحظة ثم أبعدها لتستند على الوسائد واعتدل وقال "نعم، وألم لمن يهمهم الأمر"
حدقت به وهو يعبث بالطعام ويمده لها وقالت "من هي؟"
لم يتوقف عن منحها الشوكة وتناول خاصته وقال "لا تفتحي الأبواب بريهان لستِ بحالة تسمح بذلك، ولا أنا"
صمتت وأدركت أنه يريد الصمت ففعلت وتناولت طعامها وهو معها حتى انتهى الاثنان، ساعدها بتناول الدواء ثم أبعد المائدة وقال "عليكِ بالنوم وأنا سأرى لويس ربما نرحل غدا لو استطعتِ"
تأملته وقالت "نرحل!؟ إلى أين؟"
أشعل سيجارة وقال وهو يضع عطره ويتأكد من شعره "بيتي بفرنسا"
ظلت صامتة للحظة قبل أن يلتفت لها ويقول "لدي أعمال طارئة هناك ولابد من أن أعود"
قالت دون اعتراض "ظننت بيتك بنيويورك؟"
تحرك تجاهها وهو ينفخ الدخان وقال بسخريته المعهودة "وتستمتعين تحت وصاية أخيكِ؟ لا شكرا سنبقى بباريس وقت حتى أنتهي من أعمالي ستعجبك مدينة العشاق"
وتحرك للباب فقالت "عشاقك؟"
توقف عند الباب ونظر لها بابتسامة عريضة وقال "بالتأكيد"
وتركها والدموع تتكون بعيونها والحزن يعشش بقلبها، ليتها رحلت تحت أقدام الفرس، ليتها انتهت قبل أن تعود لتلك الآلام لا تريد أن تتحمل مرة أخرى فقد تعبت من تحمل الأمر فقط من أجل سمعة أخيها، لن تسمح لزهير أن يدمره، الموت أهون..
بالصباح رآها الطبيب واستغنى عن ضمادة رأسها وترك فقط ذراعها وقد تحسنت حالتها فأخبرها زهير برغبته بالرحيل ولبت له رغبته رغم جمال المكان وهدوئه لكن العمل يناديه كما أخبرها..
عندما نزلت للرحيل كانت الظهيرة ولم تجد أحد فتحركت لغرفة الاستقبال فلم تجد أحد وعندما استدارت لتخرج سمعت صوت ضحكة أنثوية من مكان قريب، قلبها رفرف من الارتباك أو ربما من الألم المتوقع، ورفضت قدماها أن تتحرك لرؤية ما تعرف أنها ستراه
حاولت أن تحث نفسها على الذهاب ولكن جسدها رفض والصوت يذهب ولكن سرعان ما هتفت امرأة "أخبرتك أني كنت أمزح معها، لا تذهب ما زلنا نستمتع"
لم تجد دموع بعيونها وشعرت بصدرها ينقبض على قلبها فيكاد يعصره داخله وتحشرج صوت أنفاسها وهي تبحث عن الهواء، ترنحت حتى كادت تسقط فاستندت على المقعد المجاور وبصعوبة حركت أقدامها حتى سقطت على المقعد وعاد الصوت
"لن يمكننا اللقاء بباريس"
وأخيرا جاء صوته عميقا "سنجد حل"
أغمضت عيونها وما زالت تصارع الهواء حتى تتنفس ووضعت يدها على صدرها لتوقف الألم الذي انتشر داخله كيف يفعل بها ذلك حتى بعد أن كادت تقتلها؟
سمعت صوته يقول "بريهان!؟ هل أنتِ بخير"
فتحت عيونها لتراه يتحرك تجاهها ومن خلفه ظهرت المرأة بابتسامة نصر، أعادها صوته وهو يقول "بريهان؟"
نظرت له بغضب وقالت "كنت معها؟"
ضاقت عيونه وهو يعتدل ويضع يد بجيب بنطلونه ورفع رأسه وقال "أعتقد أن هذا ليس من شأنك"
ارتسم الغضب أكثر على وجهها ورحل البرود وهتفت "كيف تجرؤ؟ أنت تخونني وتخبرني أنه ليس من شأني"
لم تلاحظ ذهاب جورجينا بينما قال هو "لنذهب الآن الطائرة بعد ساعة"
هتفت بقوة الغضب المشتعل داخلها "لا أريد الذهاب معك لأي مكان، لتذهب معها"
اقترب وانحنى عليها ونظرة مخيفة بعيونه وهو يقول بنبرة باردة "توقفي الآن وتصرفي بحكمة كي لا تندمي، هيا"
يصر على تهديداته المقيتة وتركت دموع الإهانة تتساقط وسمع الاثنان لويس يقول "ما زلت تصر على الرحيل زهير؟"
اعتدل ليواجه لويس بينما مسحت هي دموعها وأبعدت وجهها وهو يقول "علي أن أفعل، أنا بالأساس ألغيت رحلة الزواج من أجل ذلك"
نظرات لويس رحلت لها وهو يقول بقلق "ما زلتِ متعبة بيري"
رفعت وجهها وقالت بما تبقى لها من قوة "قليلا لويس ولكني سأكون بخير"
مد يده لها ببرود وقال "لنذهب عزيزتي"
لم تنظر له وهي تنهض دون أن تمنحه يدها، لا تريد إكمال المسلسل الهزلي الذي اشتركت به بل هي البطلة الأولى والجميع يلف حولها، لم يعلق وهي تتحرك لتودع الجميع
استقرت بجواره على طائرته الخاصة وما أن أقلعت الطائرة حتى التفت وفك حزامه وحزامها وقال "تعالي"
الغضب أجابه بعيونها فانحنى وقال "انهضي بريهان لا داعي للعناد أمام من يعمل لدي"
ظلت عيونها تتحداه ولكن عيونه كانت أقوى فنهضت ليتحرك وتحركت معه لغرفة أنيقة وهي تدرك الطائرات الخاصة جيدا، أغلق الباب والتفت لها وهي تجلس على طرف الفراش فتحرك لتناول كأس وسكب بعض المشروب تناوله والتف لها وقال
"يمكنكِ النوم لدي عمل سأبقى لإكماله"
لم ترد وهو يجذب جهازه المحمول ويجلس على مقعد وثير ويفتح الجهاز ويدس رأسه به دون أي كلمات فتراجعت بالفراش وتمددت وما سمعته يرن بأذنها والحزن يلفها حتى ذهبت بالنوم
عندما أيقظها انتبهت له وهو يقول "قاربنا على الوصول"
اعتدلت وما زال جسدها يؤلمها فتأملها وقال بهدوء "ما زلتِ متعبة؟"
نهضت وهي تشعر بصداع من جرح رأسها وقالت بضيق "لا شأن لك بي"
نفخ بضيق وهو يبعد وجهه وهي تستعيد نفسها قبل أن تنهض وهو يقول "توقفي عن إغضابي بريهان"
نظرت له وقالت "هل تغضب حقا؟ ظننت أن السخرية فقط هي كل ما تبرع به بعيدا عن إيلام الغير بالطبع"
تحرك تجاهها حتى توقف أمامها فرفعت وجهها له وهو مغلق النظرات تكاد لا ترى خلف عيونه أي شيء وهو يقول "أنتِ لا تعرفين عن الألم أي شيء، أنتِ فقط فتاة مدللة فاسدة وجدتِ السهولة بكل شيء بحياتك فلا تتحدثي عن الألم"
دموعها تقريبا جفت وكلماتها عجزت عن أن تجيبه وهو يحدق بعيونها فقالت "ومتى سينتهي انتقامك؟"
الصمت لفه وهو يبحث عن إجابة ولم يعد يريد مواجهة نظراتها المتألمة وقال "وهل للانتقام نهاية؟"
جف فمها والبرودة تضربها بجسدها وهي ترد "كل شيء وله نهاية لا شيء يدوم للأبد"
ابتسم ابتسامته المعهودة وقال "الحكمة تتقطر من لسان غريب"
ظلت صامتة لحظة قبل أن تقول "ألا تخشى على سمعتك؟"
ضحك وهو يبتعد وقال "ومن يمكنه المساس بسمعتي؟ لن يعرف أحد بشيء يخصني سواكِ عزيزتي وهذا لأني أريدك أن تعرفي ولو لم أرد ذلك لن يكون"
شحب وجهها المتعب أكثر ولم تعد تجد قوة على مواجهته ولكنها قالت "أنت واثق من أني سأتحمل؟"
ضاقت عيونه للحظة وربما كلماتها قذفت القلق بقلبه ولكنه أخفى نظرته وقال "اتفقنا أن أخيكِ يستحق"
صمتت ولم تجد كلمات أخرى تجادله بها فعندما يتحرك الهجوم تجاه أخيها تقف حائط لا يتزحزح ولكنها لا تدري إلى متى سيمكنها أن تفعل؟
باريس كانت رائعة، مدينة خيالية فقط للعشاق، لم تكن بمزاج يجعلها ترى أو تستمتع بأي شيء والنهار هنا يعني الزحام والضوضاء وهو انشغل بهاتفه منذ وصل لباب المطار
بيته كان بمنطقة منعزلة تقريبا لا بيوت أخرى قريبة إلا القليل، بدا فيلا شاهقة والسور يخفيها عن العيون، ورود صفراء طرحت على الجانبين وروائح عطرة تميز المكان
فتح لها السائق فنزلت وتبعها وهو يدفعها للداخل برفق غريب، توقفت امرأة متوسطة العمرة برونزية البشرة متناسقة القوام عرّفها بها "مارجو، المسؤولة عن البيت، مارجو هذه زوجتي"
ابتسامة المرأة كانت جافة لا حياة بها وشعرت بالعدائية تتصدر عيونها فقالت بهدوء "أهلا مارجو"
قالت مارجو ببرود "أهلا مدام، غرفتكم جاهزة مسيو وكذلك الغداء"
دفعها برفق على ظهرها فتحركت وعيونها تتجول بالمكان الأنيق والثري من السجاد والجرانيت إلى الأثاث والنجف والستائر
تحرك بها للأعلى وقادها بممر وقال "لدينا غرف كثيرة ولكني لا أحب الزوار"
فتح أحد الغرف فبدت رائعة حقا بألوانها الوردية ولكنها لم تبدي إعجابها وقالت دون أن تنظر له "غرفة واحدة تكفي لقضاء ليلة مع أي امرأة من نسائك"
خلع جاكته وربطة عنقه وهو لا ينظر لها وهي تقف بجوار المقاعد الوثيرة وأجاب "لا أحضر نساء لبيتي، هناك أماكن أقل خصوصية لذلك"
اندهشت جدا من كلماته وتابعته وهو يقف أمامها ويده ترتفع لوجنتها وقال بجدية "ولن يتغير مبدئي"
أبعدت وجهها بل وتحركت تماما من أمامه غير راغبة بالضعف الآن، ما زالت كلمات جورجينا تعصف بها وبقلبها، قبض على ذراعها ليوقفها ولكنها أبعدت يده وتراجعت بغضب وقالت
"ابتعد عني"
ظل ينظر لها واشتعلت عيونه بنظرات غاضبة وبدا من عضلات جسده المشدودة خلف قميصه أنه يقاوم الغضب وهو يقول "أخبرتك ألا تثيري غضبي"
كانت قد ابتعدت كثيرا والتفتت له وقالت "كيف تريدني أن أمنحك أي شيء وأنا أكرهك؟"
أخرج السجائر وأشعلها ببرود مبعدا الدخان وهو يقول "المشاعر لا مكان لها بيننا نحن نتحدث عن الكيمياء، الرغبة"
هتفت بغضب "اللعنة على الرغبة بل اللعنة عليك وعلى ما تفعله بي، أنا لا أطيق وجودك معي وأنت كنت مع سواي"
ظل ينظر لها والتوى فمه بتلك السخرية الموجعة لها وقال "هذا لا يعنيني بشيء، عندما أريدك لن يوقفني شيء حتى أنتِ"
كان يتحدث وهو يتقدم منها وهي تتراجع وأكمل "وأنا أريدك الآن"
كانت قد وصلت بالنهاية للجدار الذي التصق بظهرها ليوقفها بينما وصل هو الآخر لها فرفع يده الحرة وأسندها بجوار رأسها على الحائط وأحنى رأسه ليقترب من وجهها فأبعدته عنه وهو يقول
"لن يوقفني شيء عنكِ بريهان، أنتِ هنا من أجل متعتي وستمتعينني كأي امرأة أرغب بها"
لم يمكنها أن توقف يدها التي صفعته للمرة الثالثة منذ عرفته وهي تهتف بقوة وغضب "لا تخاطبني هكذا، أنا لست كأي امرأة، أنا زوجتك"
مال وجهه مع صفعتها وحررت نفسها من قفصه وهي تبتعد للنصف الآخر من الغرفة والغريب أن الدموع جفت ولم تعد تؤازرها فقط قلبها هو من كان يدق كالجبان داخل صدرها خوفا من رده ومع ذلك لم يذهب الغضب من عيونها
التفت ببطء وهو يرفع وجهه لها وبدت أصابعها على وجنته ونيران تحترق بعيونه فتجمد جسدها وهو يقول بنبرة وحشية "تذكري أنكِ من فعل ذلك"
بخطوات واثقة تحرك للمائدة وأطفأ السيجارة ثم تحركت يده لقميصه وبدأ بفك أزراره وهو يتحرك تجاهها وهي تتراجع مرة أخرى وتمنت لو اتخذت اتجاه الباب لتفر من الغرفة وفجأة انتهت المسافة بينهم بقفزة لم تفهم كيف فعلها لتجده يطوق ذراعيها خلف ظهرها بيد وجذب شعرها بيده الأخرى ليرفع وجهها له بقوة فتألمت من جرح رأسها الذي نساه بغمرة الغضب وهتف وعيونه تخبرها عن حالته الآن
"أخرجتِ الشيطان من داخلي فتحملي"
وانقض على شفاهها بوحشية واضحة جعلتها تتألم وتتذوق طعم الدماء وبتلك المرة كان الغضب هو عنوان كل حركة له معها
كالعادة تركها بمجرد أن انتهى واستدارت هي ملتفة بالغطاء وأغمضت عيونها، سمعت صوت المياه بالحمام فأغمضت عيونها وهي تحاول الطبطبة على نفسها بأي طريقة ولكنها لم تجد أي فعل أو كلمة يمكن أن تهون بها على نفسها، لم تفتح عيونها عندما خرج وهي تمنحه ظهرها وهو لم يحاول الحديث وهو يرتدي ملابسه وخرج صافعا الباب خلفه مما أفزعها وأدركت من صوت السيارة أنه رحل
لم تراه طوال الاسبوع ولم تعرف عنه أي شيء، هاتفت والدتها التي استقرت مع ليث وعهد ورغم صداقتها لعهد إلا أنها لم تستطع أن تخبرها بأي شيء فقط كلمات عن أنها سعيدة بزواجها..
الفيلا كانت جميلة لكن كبيرة بالنسبة لشخص مثلها يعيش بها وحده، لم تحاول السباحة بالطبع ولكن المكتبة كانت اكتشاف رائع والكتب بها كانوا أصدقائها الجدد أمضت معهم وقت كبير، مارجو لم تكن شخصية مريحة أو اجتماعية ولا حتى منسق الحدائق ولا أي من الخدم الآخرين لذا الوحدة كانت رفيقها بالمكان
الطعام لم يغريها لذا فقدت بعض من وزنها بالطبع، الأفكار قتلتها والكوابيس تفزعها بالليل وهي تراه مع جورجينا مرة ومع نساء لا تعرفهم مرات أخرى وهي تسمع كلماته، لأني أريدك أن تعرفي، هو يريدها أن تعرف أنه يخونها كي يؤلمها وهي بالفعل تتألم وحدها دون رفيق أو سند ورغم أنها تفتقد عائلتها إلا أنها اختارت التحمل ولكن ما افتقدته حقا ولا تتحمله هو دموعها التي هجرتها..
لم تحاول أن تعرف نهاية ما يحدث لها ولكنها لاحظت الحراس التي تقف على بوابة الفيلا وتستبدل بأوقات مختلفة ففهمت أنه يشك بأنها قد تهرب ورغم أن الفكرة تصارعت داخلها إلا أنها لم تملك الجرأة لتفعل، هل تجازف معه فترحل دون أن يعرف وربما تذهب لمكان لا يعرفه أحد؟ ولكنها بكل مرة كانت تتراجع خوفا على ليث..
بمساء الجمعة كانت تتناول العشاء كالعادة وحدها عندما سمعت صوت سيارته تدخل لتقف أمام الفيلا فرفعت رأسها عن الطعام ولم تهتم لدقات قلبها التي نبضت بقوة ربما غير مستعدة للقاء وربما لا تدري كيف سيكون اللقاء ولكن عندما لم يدخل غرفة الطعام أدركت أنه لم يعد من أجلها، هو أخبرها أن له متطلبات كثيرة ولا يمكنه البعد عن النساء لذا بالتأكيد كان لديه الكثيرين مؤخرا وهو ما زاد من غضبها وألمها بذات الوقت..
أنهت الطعام الذي لم تتناول إلا القليل منه ثم نهضت ورأت مارجو تصعد له بطعام فانتابها الغضب أكثر وكأنها لا وجود لها بالبيت، هو يتعمد أن يفعل إذن لا معنى لوجودها وربما ظن أنها سترحل، ليتها فعلت
تحركت بدون هدى وسارت حول حمام السباحة على أضواء الكشافات الخافتة ثم جلست على المناضد الخشبية وهي تحاول التمسك بالبرود الذي اتصفت به ولكن يدها التي تفرك ببعضها البعض دلت على العصبية التي تملكتها والجنون الذي كاد يصيبها..
لم تعرف كم مر من الوقت عندما فتحت باب غرفتهم ودخلت لتصطدم وهي تراه مستلقي على وجهه على الفراش ويغط بنوم عميق، أغلقت الباب وتحركت بهدوء، الطعام لم يمس ولا حتى زجاجة المشروب فقط المنشفة الملقاة بعيدا دلت على أنه أخذ حمام قبل أن ينام..
تحركت للحمام وأخذت حمام سريع وارتدت ملابس النوم وفركت أسنانها ثم خرجت ومشطت شعرها وكأنها تفر من دخول الفراش بجواره وهي لا تفهمه حقا، لقد ظنت أنه لن يفعل وربما ينفصل بغرفة أخرى ولكن ها هو هنا بغرفتهم وبفراشهم الذي شهد ذلك المشهد الوحشي له معها..
تمددت بجواره بعد أن أزاحت القدم الصناعي وقد شعرت بتعب بها، أطفأت النور وظلت على ظهرها وضوء القمر يتسرب من خلف الستائر ورأسها يعج بالكثير دون فائدة حتى نامت بالنهاية
استيقظت على صوت رنين هاتفه وتحركت وهو يعتدل ليجيب وقد كان جاكوب مدير مكتبه وبدا مهتم فلم تلتفت له حتى أنهى مكالمته ودفع الغطاء ونهض باحثا عن السجائر ثم سمعته يتحدث مرة أخرى بالعمل ولكن بالفرنسية التي لم تفهمها
قلبها كان يتساءل عن كيف سيعاملها بل كيف ستعامله هي، هو من أهانها وعاملها كامرأة من الشارع..
تعصبت للذكرى فدفعت الغطاء فالتفت ونظر لها ولكنها لم تفعل وهي ترتدي الساق الصناعي وروبها وتحركت للحمام دون أن تنظر له..
استجمعت قوتها بالحمام بعد أن اغتسلت ومشطت شعرها ثم خرجت وما زال يتحدث بالهاتف ويدخن سيجارته واقفا أمام النافذة، دق الباب فأذنت لتدخل مارجو وعيونها تتجول بالمكان بوقاحة وقالت
"هل أحضر الإفطار هنا؟"
هزت رأسها وأجابت دون اعتبار لرأيه "نعم"
عادت المرأة بينما تحركت هي لهاتفها وتحركت للمقعد وجلست به بهدوء مصطنع وهي تعبث بالهاتف وليتها لم تفعل فقد اصطدمت برسالة من رقم غير معروف ففتحتها لترى صور له مع امرأة لا تعرفها، أصابعها تشنجت على الهاتف واسودت الرؤيا أمامها وهي تراه جالسا معها بملهى ليلي ويضمها له بذراعيه، وأخرى يقبلها بوقاحة وأخرى وأخرى حتى ثار الغضب داخلها مبعدا الألم لركن لا أهمية له وأغلقت الهاتف وظلت تحدق بالفراغ ولم تشعر بمارجو وهي تضع الطعام على المائدة وترحل بهدوء ولكنها عادت على صوت الشوكة تضرب الطبق فانتبهت لتراه وقد جلس أمامها وبدأ بتناول الطعام فانتابها غضب لا حدود له وهي تبعد عيونها عنه بل ونهضت مبتعدة ولكنه قال
"إلى أين؟"
لم ترد وهي تتحرك لأخذ ملابس من غرفة الملابس ولكن يده التي قبضت على يدها لتوقفها عن الإمساك بالملابس وأدركت أنه قريب منها جدا والغريب أنها لم تقاومه وهو يقول بهدوء "سألتك إلى أين؟"
لم تتحرك والبرود يهجم كالطوفان ذاهبا بأي أفكار قد تتخذها بغضبها، أنفاسه التي سقطت على عنقها أشعلتها داخليا ولكنها ظلت جامدة، لن تكن كما يريد، قبلة دافئة على عنقها جعلتها ترتجف ثم همس
"الغضب لا يناسبك"
لم ترد ولم تستجب لأول مرة له، ليس وهو يخونها، ويحرص على أن تعرف، ليس وهي لا تستطيع تقبل ذلك
تسربت يده لرباط الروب ثم أصابعه تبعده وعاد يقول "أعترف أني لم أجيد التصرف بالمرة السابقة"
يداه جعلتها تستدير لتواجهه وعيونها تلتقي بعيونه التي لمعت بالرغبة وهبط بشفتيه على فمها الذي ظل جامدا ولم يتحرك أي نبض بجسدها وقد أدرك هو ذلك فابتعد وهو ينظر لها بقوة محاولا إيقاف أي أفكار وعيونه تواجه عيونها التي لم تفر منه وقال بصوت عميق
"والآن ما هي لعبتك؟"
قالت مقتبسة نبرته الساخرة "ظننت أنك أنت الوحيد الذي تلعب هنا"
أفلتها وتراجع قليلا وهو يكظم غضبه موقفا رغبته وهو يقول "يبدو أن لاعب جديد نزل أرض الملعب، أريد توضيح"
لم ترتجف أو تفكر بالاستسلام للخوف وهي تقول "ليس هناك أي توضيح"
ظل يحدق بها بدون فهم وقال "لا تخبريني أنكِ تريدين اعتذار لأني لن أفعل"
ابتسامة باردة ارتسمت على فمها وهي تقول "بالتأكيد لن تفعل"
وتركته وعادت للغرفة وهو الآخر تبعها وهي تقف أمام النافذة فأحرق سيجارة جديدة ثم قال "هاتي ما عندك"
لم تنظر له وهي ترد "ما زلت أخبرك أني لن أقبل بذلك الوضع"
تحرك تجاهها حتى توقف أمامها وقال "أي وضع؟"
نظرت له وقد ظهرت الجدية بدلا من السخرية فقالت "لن أقبل الخيانة زهير وانتقامك هذا أيا كان سببه الذي تتوهمه لن أظل أتقبله بعد الآن"
ضاقت عيونه للحظة ثم ابتعد وقال "هل حقا أتوهم بريهان؟"
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تحدق بظهره وقالت "أنا لم أعرف أي فتاة باسم ياسمين ولم أدفع أحد للإدمان، أنا لم أدمر سوى نفسي وتحملت نتيجة أفعالي"
ارتفع الغضب داخله والتفت لها بعيون أخافتها وهتف "وهل تظنين أني أصدق هذا اللغو؟"
أشاحت بيدها وقالت "لم يعد يهم أن تصدق أو لا، لكن أنا اكتفيت من تلك الحياة لقد نفذت ما أردت لقد رأيتك مرة واثنان وثلاث مع نساء أخرى وأهنتني بما يكفي لذا يكفي ذلك"
ظل ثابتا وهو يقول "ليس أنتِ من يقرر متى أكتفي"
حاولت ألا تغضب وهي تقول "إذن لن تجد مني أي شيء"
تحرك مرة أخرى تجاهها مبعدا السيجارة محدقا بوجهها وهو يقول بتأني "بمعنى"
لم تتحرك وهي تقول "لا تدهس المرأة زهير لأن النتيجة ستكون مذهلة"
رفع رأسه بحركة استفهام وقال "تهديد؟"
هزت أكتافها وقالت "لا يهمني المسمى، أنت من دفعني لذلك"
خطوة منه أنهى المسافة بينهم فاستحضرت المرأة الباردة كحائط دفاع ولاحظ هو تجمد جسدها فقال "المرأة الباردة"
لم ترد فضحك فجأة مما أذهلها وربما هز ثقتها للحظة حتى توقف عن الضحك وعاد الجمود لوجهه وقال "لن يوقفني برودك، أنتِ زوجتي ولن أتنازل عن حقي"
وبالفعل جذبها له وهو يدس رأسه بعنقها ويداه تعبث على جسدها وقد شعرت بالخوف من نفسها فهي تحب لمساته ولكن قبل أن تضعف استرجعت الصور أمامها فتماسكت حتى توقف وثار بغضب
"اللعنة، أي امرأة باردة أنتِ"
وتحرك مبتعدا وهو يرفع خصلات شعره عن جبينه ويده الأخرى بخصره وهو يقف بمنتصف الغرفة هاتفا "لا تجبريني على إخراج الشيطان بريهان"
قالت بضعف وقد أتعبها مقاومته "أنت من يدفعني لذلك وهو لم يعد يخيفني"
التفت لها بغضب مرتسم على وجهه جعلها ترتجف وهو يقول "يمكنني أن آخذك الآن دون اهتمام لبرودك هذا ولكن تعرفين شيء، النساء الحارة تستحق ما يدفع لها وأنا لدي المال الكافي لهم"
وتحرك لغرفة الملابس فوهنت ساقها وصفعتها كلماته وشقت قلبها فاستندت على النافذة وهي تشعر أن ما يحدث أكثر من تحملها ولكنها كانت تعلم فلماذا يزداد الألم
منحت الزجاج وجهها وهي تحاول تنظيم أنفاسها بصعوبة، لم يمكنها أن تهزمه بل هو ضربها بمقتل، لم يعد يمكنها البقاء هنا، عليها أن تطلب البعد
سمعته يخرج فالتفتت له وهو يتحرك ليذهب ولكنها قالت "أريد أن أرى ماما"
توقفت يده على مقبض الباب لحظة ثم قال ببرود مماثل لها "لا"
وقبل أن يذهب قالت "لا أريد البقاء هنا"
التفت برأسه لها وقال "هذا ليس اختيار"
وتحرك خارجا دون أن يمنحها أي كلمة أخرى فأغمضت عيونها والألم يجتاحها جعلها غير قادرة على الوقوف أكثر من ذلك فتركت جسدها يتهاوى على الأرض وأغلقت يداها على وجهها وهي لا تعلم مدى صحة ما فعلت وإلى أين ستأخذها تصرفاتها
شهر واسبوع مضى تقريبا منذ بداية زواجهم وثلاثة أسابيع منذ رحيله آخر مرة، كانت تحيا وحيدة، عرفت من الميديا أنه بلندن ثم رحل لليونان وسيدني،تلقت صور جديدة له مع امرأة أخرى بعد رحيله ثم توقف الأمر بعد ذلك
حاولت أن تخرج لأي مكان ولكن الحراس رفضوا رفضا تاما وعرفت أنها أصبحت سجينة هنا، بالطبع ظهوره وحده بدونها أثار الشك لدى أخيها وعهد حاولت معرفة أي شيء ولكنها كانت صامدة حتى الآن..
فقدت كثيرا من وزنها وفقدت شهيتها وتبدلت ملامحها للتعب والشحوب الدائم ورغم علاقتها السيئة بمارجو إلا أن المرأة حاولت معها كثيرا بأمر الطعام وأوقات كثيرة كانت ترى بعيونها بعض الشفقة ولم تريدها
تحركت مارجو لها بالحديقة وقالت "هذه الفطائر ساخنة مدام هل تتناولين بعض منها؟"
التفتت لمارجو وللأطباق التي وضعتها مع قدح القهوة وقالت "شكرا مارجو، معدتي ليست بخير حقا"
لكن مارجو قالت "لأنك لا تأكلين"
حاولت الابتسامة وهي تقول "سأفعل صدقيني عندما تتحسن معدتي"
استسلمت مارجو ورن هاتفها برسالة قبل أن تذهب مارجو ففتحتها لترى تلك الصور ولكن هذه المرة كانت بأوضاع حميمية جعلتها تتراجع بألم متضاعف وتهز رأسها وارتجفت يدها التي تمسك بالهاتف وبدا وجهها مفزعا لمن يراه فتجرأت مارجو ونظرت للهاتف فهتفت
"يا إله السماء! ما هذا؟"
ظلت تحدق بالصور وتقلبت معدتها بألم فظيع فتألمت وسقط الهاتف منها وهي تضع يدها على بطنها واشتد الألم ببطنها وظهرها
فزعت ماجي وهتفت "مدام، مدام ماذا بك؟"
قالت بألم "ألم شديد مارجو"
أمسكتها مارجو وهتفت "تعالي لترتاحي سأساعدك وأحضر بعض الدواء لكِ"
لم ترفض ومارجو تساندها لتقف ولكنها شعرت بشيء ينساب بين ساقيها وازداد الألم والتف العالم حولها وهي تسقط بدون أن تدري ماذا أصابها، فقط صوره المخزية تضربها كالرصاص بصميم قلبها ..
يتبع..
الفصل العاشر
انفصال
رائحة المعقم انتشرت حولها ففتحت عيونها لترى أين هي، غرفة واسعة لا تعرفها، محلول معلق ومتصل بذراعها، ملابس المشفى على جسدها، ماذا تفعل بالمشفى؟
فُتح الباب ورأت ممرضة تدخل فنظرت لها لتقول الفتاة "مدام أسيوطي كيف حالك الآن؟"
قالت بتعب "ماذا أفعل هنا؟"
اطمأنت الفتاة على المحلول وقالت "أصابك نزيف مدام وللأسف لم يتمكن الطبيب من إنقاذ الطفل"
صفعة على وجهها أدارت الدنيا حولها وهي تردد "طفل!؟"
توقفت الفتاة عن عملها وقالت "كنتِ حامل مدام بالأسابيع الأولى"
دق الباب ودخل رجل غريب برداء الأطباء نظر لها وقال "مدام أسيوطي"
قالت بغضب "اسمي بريهان"
حدق بها لحظة ثم قال "كيف تشعرين الآن؟"
كانت الأفكار تتلاطم داخل عقلها واسترجعت كل ما مر بها والآن فقدت طفلها الذي لم تعرف بوجوده من الاساس
قالت "كيف فقدت طفلي؟"
نظر للمرضة فتحركت خارجة فقال "من الواضح أنكِ تعرضت لضغوط نفسية لأن مساعدتك قالت أنكِ لم تجهدي ولكنك تلقيت أخبار سيئة قبل الإجهاض"
نعم هو السبب، هو سبب كل ما أصابها والآن فقدت حتى الأمل الذي كان يمكنها أن تحيا من أجله، حتى هذا حرمتها الأقدار منه
عاد الطبيب يقول "يمكنك الانجاب مرة أخرى بالطبع والحمد لله لم يضر الإجهاض بأي شيء فقط أنتِ بحاجة للراحة والتغذية الجيدة سأخبر مسيو أسيوطي بالتعليمات بمجرد وصوله فقد هاتفني ليطمئن عليك"
لم تنظر للطبيب وهي تشعر بأنها انفصلت عن العالم وتسربت دموع من عيونها على وجنتها عندما دق الباب وفتح بالحال لتسمع الصوت الذي لا تريده يقول "دكتور أندريه؟"
وقبل أن يجيب الطبيب رفعت وجهها له والدموع ترتسم خطوط على وجنتيها وهتفت "ماذا تفعل هنا؟"
تراجع الطبيب وتسمر هو مكانه وعيونه تسقط عليها ولم تتوقف وهي تهتف بل تصرخ وهي تحاول النهوض ونزعت الإبرة من يدها فسالت دماء منه دون أن تشعر "أنا لا أريد أن أراك، اخرج من هنا أنا أكرهك، أكرهك، اخرج من هنا لا أريد رؤيتك، أنت السبب، أنا أكرهك، أنت السبب"
رن الطبيب جرس الطلب وأسرع إليها ليعيدها للفراش وقد خرجت عن العالم الواقعي وهي تصرخ بدون توقف والطبيب يحاول إيقافها وظل هو جامدا مكانه لا يدري ماذا يمكنه أن يفعل وهي تنهار أمامه وأصبح الأمر أسوأ، وقد خسر كل شيء..
نظرات الطبيب له لم تكن تعجبه وهو يتحرك خارجا من غرفتها وتحرك له فظل ثابتا غير قادر على الحركة بعد أن أخرجه الطبيب نظرا لحالتها "حالتها غير مستقرة الآن مسيو أسيوطي"
لم يحرك حتى عيونه وهو يقول "ماذا بها؟"
قال الرجل باهتمام "الإجهاض كان صدمة لها لأنها لم تكن تعلم أنها حامل والمساعدة الخاصة بها والتي كانت معها أخبرتني أنها تعرضت لضغوط نفسية سيئة قبل الإجهاض على الفور كما وأنها لم تكن تتغذى جيدا لكن يمكنكم تعويض الطفل بالطبع"
ظل جامدا أيضا وهو يقول "وما حدث بالداخل؟"
نظرات الطبيب كانت حادة وهو يقول "هذا هو المهم الآن، من الواضح أنها أصيبت بانهيار عصبي حاد وكما رأيت هي ترفضك تماما لذا أنا أُرجح طبيب نفسي"
شعر بانقباضه بصدره تثقل تنفسه فأبعد وجهه قليلا وهو يحاول أن يوجد مبررات لنفسه ولكنه لم يجد فعاد للطبيب وقال "متى سيراها الطبيب النفسي؟"
عيون الطبيب كانت لا تعني شيء سوى تأدية عمله لكن نبرة صوته كانت مختلفة لم يفهمها وهو يقول "الليلة، أنا منحتها مهدئ جعلها تنام حتى أهاتف الطبيب ويأتي"
تنفس بصعوبة وصداع يهز كيانه فقد رحل من لندن إلى هنا تاركا اجتماعا هاما بمجرد أن هاتفته مارجو والآن يراها تنهار ويضيع منه طفلهما، أخرج نفس عميق وقال "هل يمكن أن أراها؟"
صمت الطبيب وتبدلت ملامحه ثم قال "مسيو أسيوطي أنت رأيت بنفسك ماذا أصابها عند رؤيتك وأنا لا أريد أن أجازف بأن تفيق فجأة وتراك مرة أخرى وتنتكس حالتها، أنت بالتأكيد تريد التعجيل بشفائها"
بالطبع تفهم موقف الطبيب فهز رأسه فابتعد الطبيب عندما رفع يده ليبعد خصلة شعر من على جبينه وتحرك لأقرب مقعد وتهاوى عليه وهو يفك ربطة عنقه وأزرار قميصه مستنشقا الهواء وهو يغمض عيونه وصورتها المؤلمة لا تفارقه وصوتها يصرخ به أنه السبب لا يتوقف بأذنه
صوت مارجو جعله يفتح عيونه وهي تقول "لقد رأت تلك الصور اللعينة"
عيونه التقت بعيونها الغاضبة لحظة قبل أن ينهض ويقف أمامها وقد كان أطول بكثير ولمعت عيونه بنظرات التساؤل وهو يقول "أي صور؟"
أخرجت مارجو الهاتف من حقيبتها ومنحته له فجذبه من يدها بقوة وفتحه ليرى كل الصور التي كانت ترسل لها وتواريخ إرسالها سمع مارجو تقول "أي امرأة يمكنها تحمل ذلك مسيو؟ لقد انهارت بمجرد أن رأت الصور"
قبض على الهاتف بقوة حتى ابيضت أصابعه ولم يرد على مارجو وهو يخرج هاتفه ويمنح الرقم لرئيس الأمن لديه ليعرف له من الذي يفعل ذلك..
بالطبع امتنع عن رؤيتها إلا عندما يمنحه الطبيب النفسي الإذن وكان هذا عندما تكون نائمة، كان يجلس أمام فراشها في صمت يريد أن يخبرها بأشياء كثيرة ولكن لسانه لم يوافق على النطق بأي منها، باليوم الثالث لم يمكنه إخفاء الأمر عن ليث ودولت لأنها لم تهاتفهم وبمنتصف الليل وصل ليث..
تواجه الرجلان والغضب بعيون ليث وهو يقول "ماذا حدث لها زهير؟ هذه ليست أختي كدت لا أعرفها"
نظراته اختفت خلف دخان السجائر وتناول بعض القهوة ثم أعاد القدح على المائدة وقال "الإجهاض كان مفاجئ لها لأنها لم تعرف أنها كانت حامل وبالطبع سبب لها انهيار عصبي"
تراجع ليث بالمقعد وضاقت عيونه وهو يقول "فقط؟ وبماذا تفسر تركك لها وحدها وأنت تتنقل بين العواصم زهير؟ أنت رفضت أن تعمل على أساس أنك ستشغل كل وقتها"
تحرك بالمقعد وهو لا يجد مبررات لليث ولا يعجبه كرسي الاعتراف الذي يجلس عليه ولكنه قال "ظننت أن الأمر سيكون مرهق لها وأنا لم أتوقع أن أنشغل بتلك الطريقة"
ظل ليث يحدق به قبل أن يقول "وما رأي الطبيب؟"
أطفأ السيجارة وقال "هي أصبحت أفضل"
الممرضة قطعت حديثهم وهي تقول "مسيو زهير الطبيب يسأل عنك"
هب واقفا وقال "زوجتي بخير؟"
تراجعت الفتاة من اندفاعه وقالت "نعم مسيو لا تقلق"
تحرك دون التفات لليث الذي تبعه بهدوء رغم قلقه الواضح
كان الطبيب ينتظرهم أمام الغرفة يتحدث مع الطبيب المتابع لحالتها الجسدية، انتبه الرجلان لزهير الذي قال "ماذا بها؟"
حدق الطبيب النفسي به وقال بجدية "لا شيء مسيو زهير، هي أفضل حالا أنا فقط أردت اقتراح فترة نقاهة بعد خروجها فهي بحاجة للهدوء والرعاية الصحية الجيدة"
لم تتبدل ملامحه وهو يقول "يمكنني أخذها لجولة حول العالم لو شئت"
ابتسم الطبيب وقال "لا، ليس هذا ما أعنيه"
ونظر لليث فانتبه له زهير وقال "مسيو جبالي أخو زوجتي"
عاد الطبيب له بتفهم وقال "كنت أعني أنها بحاجة لمكان تحبه وترتاح به، أشخاص تحبهم يمكنهم إخراجها من حالتها وإلا قد تدخل باكتئاب لا نعلم متى تخرج منه"
أحرقته الكلمات، ما زال يذكر كلماتها بآخر لقاء "أريد رؤية أمي، لا أريد البقاء هنا"
أبعد وجهه لحظة وهو يحاول إيقاف نهر المشاكل التي سقط بها حتى قال ليث "يمكنها أن تأتي معي"
التفت له زهير بحدة ولمعت عيونه دون أن يرد بينما قال الطبيب "فقط أحببت إخبارك بالأمر، الدواء كما هو وأحب رؤيتها بعد شهر هذا لو لم تحتاج لي"
تحدث زهير "هل يمكن أن نراها؟"
حدق الطبيب به لحظة ثم قال "نعم وبالصباح يمكنها الخروج"
استأذن الأطباء بالذهاب فقال ليث "هل ندخل؟"
هز رأسه وابتلع ريقه وهو لا يعرف كيف يمكنه أن يواجها؟ أو كيف ستواجه هي بعد ما كان
تحرك ليث للداخل وظل ثابتا بمكانه قبل أن يجذب نفس عميق ويتحرك للداخل
أدارت رأسها للباب لترى ليث يدخل أمامها فهتفت بسعادة "ليث"
ابتسم لها وهو يتجه إليها وهي ترفع يدها له فقبض عليها بحنان وطبع قبلة على جبينها وهو يقول "كيف حالك حبيبتي؟"
هذا الحنان هو ما تحتاج إليه، لم تترك عيونه وهي تقول "بخير كيف حال عهد وماما؟"
جلس على طرف الفراش بجوارها وقال "عهد تعتذر عن الحضور بسبب الحمل وأنا لم أشأ إحضار ماما تعرفين حالة قلبها"
هزت رأسها بتفهم وقالت "وأحمد الصغير؟ كم أفتقده"
مرر يده على وجنتها وقال "وهو أيضا حبيبتي أنا اقترحت على زهير أن تعودي معي لقضاء بعض الوقت معنا حتى تستعيدي نفسك"
لم تنظر له وهي تدرك تماما وجوده بالغرفة، لم يمكنها مواجهته بل لا تريد أن تفعل قالت بجدية "حقا؟"
تحدث أخيرا وقال "ربما مكان هادئ باليونان مع البحر يكون أفضل لكِ؟"
لم تنظر له وانتظر الرجلان ردها فقالت بدون تفكير "أريد رؤية ماما"
نظرات ليث كانت واضحة لها لأن حالتها كانت صعبة ومؤلمة له كأخ، تحرك زهير لجوار الفراش وقال "يمكنك زيارتها ثم نذهب برحلة لأي مكان بالعالم"
نظر له ليث وقال "دعها تبقى مع ماما زهير من الواضح أنها بحاجة لها"
كانت تغطي عيونها برموشها دون أن تنظر له أو تواجه أحد، تعصب زهير وقال "لن تخبرني ماذا أفعل مع زوجتي ليث"
نهض ليث واقفا وهو يناطح زهير الطول ويفوقه جسدا وهو يقول "عندما يمس الأمر حياة أختي سأفعل زهير"
لم يتمالك زهير نفسه وهو لا يتراجع "لن تكون حريص عليها أكثر مني، أنا أريد راحتها"
تنفس ليث بعمق كعادته وقال "أكاد أرى ذلك زهير، ألا ترى إلى أين وصلت؟ بريهان بحاجة للراحة ولا تدعني أتحدث بكلمات قد تؤلمك"
لن يسمح لأحد بتهديده فقال بغضب واضح "أنت تنسى من أنا ليث، أنا زهير لا يهددني أحد"
لم يتراجع ليث وهو يقول "لسنا بمجال استعراض الأفضل زهير، دعها تقرر"
ظل يحدق بعيون ليث وهو يعلم أنه على حق، قال بنبرة باردة "حسنا"
كان يعلم اختيارها بالتأكيد فنظر ليث لها وقال "بريهان؟"
لم تواجه أحد منهم وهي تقول "سأذهب معك ليث"
هز ليث رأسه وقال "سأمر عليكِ بالصباح"
وطبع قبلة على رأسها وتحرك خارجا فأغمضت عيونها وأبعدت وجهها وهي تنتظر تلك المواجهة، الطبيب ساعدها على اجتياز فوهة البركان التي كانت تحرقها وأخمد نيران أحزانها وسكّنت بكلماته آلمها..
تحرك للنافذة وظل واقفا لحظة قبل أن ينظر لها وقال "تلك الصور ليست حقيقية"
لم تنظر له، هل يمكنها تصديقه؟ هو من أخبرها بنفسه أنه يخونها وسيتأكد من أن تعرف لذا لم ترد
تحرك تجاهها وجذب مقعد بطريقه ووضعه أمام فراشها وقال "بريهان أنا لم أخونك"
سقطت دموعها التي عادت لها والآن هي لا تبكيه وإنما تبكي نفسها..
عاد يقول "حسنا أعلم أنكِ لن تصدقيني ولكن أنا حقا"
قاطعته بهدوء "كفى"
ثبت وتوقفت الكلمات على طرف لسانه وهي تقول "من فضلك اتركني، أنا أحتاج للراحة"
شعر بالألم يمزقه، لا يتحمل كل ذلك الألم والكره بعيونها ولكنه يستحق، رفع يده لوجنته وحكها بالشعر النابت الذي لم يزيله منذ دخولها المشفى وقال "نحتاج لفرصة أخرى بريهان"
التفتت له أخيرا وامتلأت عيونها بالدموع وهي تحدق بوجهه الذي بدا غريبا لها وللحظة لم ترد أن تراه ولكن عليها أن تواجهه الطبيب أخبرها أن قوتها سبب انهيارها وإذا أرادت العودة عليها مواجهة نفسها بنقط الفشل وعلاجها وليس الهرب منها لذا قالت
"ولكني لا أريد، أظن أنك نلت الانتقام الذي تمنيته، كسرت كبريائي ودهست كرامتي وكل هذا لا يمثل شيء أمام ما فقدته، طفلي، أحيانا أذكر نفسي بأن هذا هو الأفضل له كان سيأتي لوالدين لا يستحقان أن ينالوه، كفى زهير من فضلك كفى، أنا خسرت كل شيء ألا يكفيك ذلك؟"
نظراته كانت غامضة لا تعني لها أي شيء، ربما يفكر كيف سيكمل انتقامه للا شيء الذي يعيش فيه ويخطط لطرق جديدة للألم، قال بصوت يكاد يملك قوة "ماذا تريدين؟"
سالت الدموع غزيرة وقالت "أعود لحياتي"
اسود وجهه أكثر وبدا أكبر عمرا وكأن سنوات أضيفت له، تراجع بالمقعد وعيونه عالقة بعيونها "حددي"
أخفضت عيونها وقالت "لوس أنجلوس وعملي السابق"
ثم رفعت رموشها له وقالت "أظن أنك لم تعد بحاجة لزوجة، ربما حياتك بدوني أفضل"
نهض وقد أغضبه كلامها وهتف "الطلاق حلم لن أمنحه لكِ بريهان"
ظلت تنظر له فالتفت لها عندما لم ترد والغضب ارتسم على كل وجهه فقالت "فقط اتركني أعود لحياتي ولا يهمني الطلاق"
نظرات الرجاء بعيونها جعلته يشعر بالغضب من نفسه، هل كسرها إلى هذا الحد؟ تلك النظرات تمتلئ بالألم والحزن، تلك الدموع دموع الرجاء، لقد هد كل شيء ولم يعد هناك أمل للإصلاح
هز رأسه وقال "كما تشائين"
وتحرك خارجا وداخله ألم، حزن، غضب، مزيج غريب من المشاعر لم يفهمه أو يعرفه، الملهى الليلي كان المكان الذي ألقى نفسه به والشراب ظل ساكنا بين أصابعه دون أن يتناوله، لا يريد أن يثمل، لا يريد أن يغيب عن الوعي كي يظل يتألم فهو يستحق
يتبع