رواية هويت رجل الصعيد الفصل الخامس5والسادس6 بقلم نورا عبد العزيز
___ بعنــوان "فتح الوصية" ___
خرجت "عهد" معه من المستشفى وهو شاردًا ووجه شاحب يمسك يدها بيده والأخري خلف ظهره، كانت تتعجب اهتمامه ومساعدته رغم أنها تلتزم الصمت، فتح باب السيارة وأدخلها ثم أقترب "نوح" أكثر يغلق حزام الأمان لها لتحدق به بدهشة أكبر، صعد جوارها ليقود السيارة وينظر عليها من تارة لأخري حتى وصل أمام المنزل، نزل وهرع نحو السيارة من الجهة الأخرى لياخذ يدها فقالت بخجل:-
-أنا كويسة يا نوح
هدأ من روعته بإحراج فتجاهلت يديه الممدودة لها ودخلا معًا للمنزل، أستقبله "على" وهو يقول:-
-حمد الله على السلامة، طلع مرتك ترتاح وحصلني على المكتب عشان هنفتح وصية جدك دلوجت وعمك مستعجل جوى
أومأ له بنعم فى صمت وأخذها للدرج فقالت بحرج:-
-روح لعمه يا نوح، أنا هعرف أطلع لوحدي
تشبث بيدها أكثر بإصرار على مساعدتها لتحاول جذب يدها فضغط أكثر وهو يحدق بعينيها يقول:-
-هشش هتسمعى الكلام ولا هشيلك لحد السرير بنفسي
تبسمت بسخرية وهى تصعد الدرج معه وتُتمتم قائلة:-
-فاتح صدره وكأنه هيقدر محسسنى أنى متجوزة فاندام
لم تنهى جملتها لتخرج منها صرخة خافنة عندما حملها على ذراعيه بسرعة البرق فأتسعت عينيها بذهول على مصراعيها ثم قال:-
-بعون الله أجوى من فاندام كمان، بعدين متحسسنيش أكدة أنى معملتهاش جبل اكدة
تنحنحت بحرج منه وهى تتحاشي النظر له، يصعد الدرج بها متطلع إلى ملامحها التى تزداد حمرة من خجلها ليقطعه صوت "أسماء" من الأعلي تقول بغيظ وغيرة:-
-خير رجلها أنشلت؟!
رفعت "عهد" نظرها لها بغضب وتلاشي خجلها وكزت على شفتيها بضيق لكنها تبسمت بمكر وهى تعلم بأن هذه الفتاة ترغب بزوجها وتعشقه بجنونه فلفت ذراعيها حول عنقه بدلال ثم قالت بعفوية مبتسمة له:-
-أوعاك توقعنى مفهوم!
تبسم بلطف وأومأ لها بنعم لتشتاط "اسماء" غضبًا وغيرة من رؤيتها بقرب حبيبها هكذا وهو يدللها أمام الجميع دون خجل أو حياء، مر من جانبها لتضرب "أسماء" قدميها بيديها من الغيظ وتقول مُتمتمة:-
-أنا اكدة هموت مجلوطة بالجلب
دخل "نوح" الغرفة بها لينزلها على الفراش ثم قال:-
-هبعت لك الوكل مع حُسنة، تأكل زين
أستدار لكي يرحل لتقف بسرعة وهى تسير خلفه وتقول:-
-وأنت مش هتأكل!!
استدار لها ثم قال ببسمة خافتة:-
-لما أعاود هأكل بس المهم تأكلي أنتِ زين عشان متتعبيش تاني
أومأت له بنعم فمسح على شعرها بيده ثم غادر لتبتسم وهى تشعر بضربات قلبها تتسارع وتضع يدها على رأسها بخفة وتملأها السعادة من لطفه ومعاملته الطيبة لها...
_______________________
فتح المحامي الوصية وعرضها على "حمدي" واخاه الاصغر "على" و"نوح" وصُدم الجميع عندما وجدوا كل التركة تعود إلى "نوح" وليس أحد الابناء بل سجل الجد كل شيء باسم الحفيد والابناء لا يحق لهما شيء حتى منزل العائلة اصبح ملك "نوح" فثار "حمدي" بجنون وهو يقف ويضرب المكتب بيده ويقول:-
-لا أبويا شكله أتجن ومكنش فى عجله وهو بيسجل الوصية دى
كان "على" مُصدومًا مثله تمامًا فأجابه بهدوء وهو يتكأ بيديه الأثنين على النبوت:-
-اتحدد عن ابوك زين، أبويا ميت وهو بعجله وعجله يوزن بلد كمان
صاح "حمدي" بغضب أكبر وهو يلوح بيديه فى الهواء:-
-طبعًا ما هو ابنك يورث يبجى انت ورثت وأطلع أنا وعيالى من المولد كله
تحدث المحامى بنبرة خشنة وقوية يقول:-
-يا أستاذ حمدى والدك رحمه الله كتب الوصية دى من سبع سنين وهو فى صحته وفى عز شغله وهو واجف على رجله
تركهم وخرج من الغرفة وهو يثور ويصرخ بتهديدات واضحة:-
-الله يجحمه فى جبره، أنا مهسكتش وحجى هأخده من اتخن تخين فى الدار والبلد كلتها، أبجى جاعد فى بيتى ويتجالى مالكش فيه
خرج "نوح" خلفه وهو يخرج عن صمته وكأنه كان على علم بالوصية فلم تصيبه الدهشة أو الذهول ليقول بضيق:-
-أتحدد عن جدي زين، وحجك اللى بتحدد عنه دا مالكش فيه دا عدل ربنا، المحجر والتجارة والاراضي أنا اللى بسهر ليالي عليهم وبسافر عشانهم، عملت ايه يا عمي انت ولا ولدك اللى مجضيها صرمحة وسفر وراء السياح والغوازي عشان تكبره، لتكن فاكر أن جدي كان عنده أطيان واتولد بمعلجة من دهب
استدار "حمدي" له بغضب سافر وهو ينكزه بعكازه الخشبي فى كتفه ويقول:-
-دا بجى الحديد المسموم اللى رميته فى ودن جدك عشان تضحك عليه مش أكدة يا واد اخوي
نزلت "عهد" من الاعلى على صوت شجارهما وخرجت "فاتن" و"سلمى"من المطبخ، غادر المحامى المنزل وتركهم فى شجارهم، انزل "حمدى" عكازه ارضًا وهو يقترب نحوه أكثر ثم قال بتحدي وعينى تبث شرارة ونار:-
-أنا مهسبش حجى يا نوح لو على موتي
لم ترجف عيني "نوح" بل وضع يديه خلف ظهره ببرود وهو لا يخشي شيء، استدار "حمدى" لكى يصعد الدرج فرأى "عهد" أمامه فدفعها بقوة وهو يمر لتكاد أن تسقط فتشبث "نوح" بها بهلع ثم نظر إلى "حمدى" وهو يصعد بغضب، نظرت "عهد" إليه بخوف فمسح على رأسها بلطف وقال بنبرة ناعمة تبدلت فى الحال لأجلها:-
-متخافيش كله تمام
هزت رأسها بلطف له وهى لا تفهم سبب الشجار لكنها علمت به عندما دخل "نوح" إلى المكتب مع والده وتركها، تبسمت بلطف وهى تجلس جوار "سلمى" على الأريكة ثم قالت:-
-ممكن أقعد جنبك
نظرت "سلمى" لها ببرود ثم قالت:-
-ما أنتِ جعدتى ولا تحبي تجعدى فى حجرى بالمرة
هزت "عهد" رأسها بخفوت وقالت:-
-أنا اسمى عهد
رفعت "سلمى" حاجبها بدهشة مصطنعة وقالت بسخرية:-
-تصدجى مكنتش اعرف
ضحكت "عهد" وتابعت حديث عن نفسها:-
-ومعنديش ام، بصراحة مشوفتش أمى عشان اتوفيت وهى بتولدنى، وبابا مات وهى حامل فيا مشوفتوش برضو، أختى عليا هى اللى ربتنى وعمرها كان سبع سنين وعلمتنى وبصراحة كنت شاطرة جداً فى المدرسة وعلى طول من الأوائل يمكن لأن التعليم كان وقتها السبيل الوحيد ليا لعيش حياة مرتاحة
نظرت "سلمى" لها بصمت وهى تقصي لها قصة حياتها بدون مقدمات أو أن تفرض عليها سؤال، تابعت "عهد" بعيني دامعة تقول:-
-لما أختى اتجوزت نادر بقى يساعدها فى مصاريفي خصوصًا ان كلية أعلام مصاريفها عالية شوية ومن أول سنة وأنا بدأت اقف على رجلي وأشتغل لوحدى كنت مبسوطة أوى بأول مرتب ليا، عارفة جبت بيه ايه، شيكولاتة عشان بحبها جدًا بس كنت دايمًا بتحرج أطلبها من نادر لأنه جوز أختى وكفاية عليهم مصاريف تعليمي
ضحكت "سلمى" بخفوت على هذه الفتاة الساذجة والبساطة تظهر فى طباعها وتصرفاتها، تذكرت حديث "حُسنة" عندما أخبرتها أن "عهد" جلبت كتب للدراسة لأبنتها، تابعت "عهد" بهدوء وحرج:-
-أنا أسفة أنى اتجوزت ابنك غصب عنكم بس حضرتك لو مكانى وحسيتى أن فى أيدك تردى الجميل والتعب اللى قدمته عليا ليا مش هترفضي
تحدثت "سلمى" بهدوء وهى تنظر إلى "عهد" بجدية:-
-لو كنت مكانى مكنتش هحس أنه جميل لأن الأخوات والعيلة مفيش بينهم جمايل ولا حساسيات وديون تترد يا بتى
شردت "عهد" فى حديثها فطالما شعرت بأنها عبء على أكتاف اختها ودين فى عنقها يجب أن ترده يومًا، تبسمت بخفوت ثم قالت:-
-أنا ممكن أقولك يا ماما.... الله دى حلوة اوى أول مرة أقولها.. ممكن
تبسمت "سلمى" لها وهزت رأسها بالموافقة لتبتسم "عهد" بعفوية وهى تعانقها فدهشت "سلمى" من عفوية هذه الغتاة ومرحها لتربت على ظهرها بلطف....
________________________
-يعنى أنت كنت عارف؟
سأله "على" بقلق ليجيب "نوح" بجدية قائلًا:-
-من سبع سنين لما خالد كان عمره23 سنة كان مجضيها سهر مع العجر والغوازى كنا بنجيبه كل سبوع من داهية شكل والعجرية اللى حبلت منه وسقطت ولا الرجاصة اللى خبطها بالعربية عشان تسقط جام ماتت، عمى حمدى بجى كان الله اكبر عليه بيتاجر فى السلاح مع رجالة الجبل، تفتكرى جدى كان هيكتبها ماله الحلال عشان نجسوه يا أبويا،، الحل اللى جه على باله أن يكتب كل حاجة باسمى لحد ما حالهم يتصلح وبعدها أدي كل واحد حجه بس لما يتعبوا ويعرفوا كيف يخافوا على مالهم وارضهم مش يضيعوه
تنهد "على" بقلق وهو يجلس على المقعد ويمسك نبوته فى يده اليمنى بحيرة ثم قال بقلق:-
-بس عمك مهيسكتش يا نوح، مهيسيبش حجه يا ولدى... أنا خايف عليك
تحدث "نوح" بشجاعة وهو يقول:-
-متخافش يا ابويا، أنا راجل اجدر احمى حالى زين
رفع "على" نظره إلى "نوح" بقلق وخوف ثم قال بحزن:-
-لتكن فاكر ان عمك هيأذيك فى حالك يا ولدى، حمدى خابر زين أنه لو أذاك مرتك وإحنا اللى هنورث وهيطلع من غير حاجة، عمك هيأذيك فى مالك وشغلك ولو وصل الحال والشر به هيأذيك فى أحبابك يا ولدى
صمت "نوح" قليلًا يفكر فى حديثه ثم غير محور الحديث وقال:-
-المهم دلوجت أنا لازم اسافر القاهرة، لازم أجيب عليا اخت عهد
تعجب "على" من قراره وعقد حاجبيه بدهشة ثم سأل:-
-اشمعنا، ما أنا جولت اجبها عشان حفيدى اللى وياها وأنت منعتنى عنها
تنهد "نوح" بقلق ثم قال بخوف:-
-عهد عندها فشل كبد وهتحتاج زراعة ولسه على ما تستنى متبرع حالتها هتسوء أكثر، لازم أتحدد وياه اختها
وقف "حمدى" من مكانه ليربت على كتفه بلطف ثم قال:-
-روح يا ولدى بس حط فى حساباتك احتمال انها متوافجش تتبرع، الأخت اللى ترمي باختها اهنا عشان مصلحتها وحياتها مهتساعدش فى نجاتها، اه اهنا مش وحش ولا إحنا وحوش بس هى مجدرتش على العيشة معانا فرمت اختها كبش فدية
وقف "نوح" من مكانه بوجه عابس وقال بلهجة غليظة شيطانية:-
-وجتها يبجى هى اللى جنت على حالها لانها هتتبرع بالرضا أو بالعفاية
تعجب "على" من حال ابنه وقلقه الملحوظ والزائد ثم سأله:-
-العروسة عجبتك، دا أنا اكدة اشكر عليا بجى على الحسنة اللى عملتها
تنحنح "نوح" بحرج ثم غادر، تبسم "على" بخفوت وقال:-
-سبع سنين من غير جواز ومفيش واحدة عجبك لكن اللى اترمت فى طريجك تموت من الجلج عليها اكدة
_____________________
ضربت "فاتن" يدها على الأخرى بذهول ثم قالت بعبوس:-
-مش جولتلك، أخوك وولده طبخوها سوى، نوح يدخل كلية التجارة عشان يمسك التجارة مع جده ويلزج له ويفرش له الأرض ورد وحاضر ونعم ويكبر فى السوق ووسط التجار وهوبا ابوك يتعب وعلى يمسك الشغل ويا ولده وفى الأخر ابوك يكتب لهم كل حاجة وأنت ولا أنت هنا يا سبع الرجالة
صاح "حمدى" بها بأنفعال شديد وهو يقول:-
-اخرسي بجى معاوزش اسمع حسك ولا حس حد، عاوز افكر انا مهسيبش حجي لعلى وولده ينعموه فيه واستنى حسنة منهم
ضربت "فاتن" فمها بيدها بقوة وهى تقول:-
-ادينى اتخرست اهو
تحدث "حمدى" بشرود وهو يفكر فيما حدث قائلًا:-
-على كان باين عليه الصدمة كيفي لكن نوح، نوح كان جاعد هاديء جوى ومتصدمش ولا اتفاجى كأنه كان خابز زين اللى موجود جوا الظرف
صاحت "فاتن" وهى تضرب قدميها بيديها بسخرية وانفعال:-
-زورها، ضحك عليكم كلتكم وزورها وكوش على كل حاجة لحاله، طبعًا ما هو الواد اتجوز دلوجت ويا عالم مرته حابلة ولا لا، الواد جرر يعيش حياته خالص
وقف "حمدى" بغضب سافر بعد أن سمع حديث زوجته وقال:-
-حياته دى هدمرها وعائلته هجتلهم جدام عينه لو مأخدتش حجى كامل
________________________
دلف "نوح" إلى غرفته ورأها جالسة على الأريكة وتفتح الصناديق الكرتونية وتخرج منها معدات التصوير، جلس على الفراش يتابعها بصمت وهى مشغولة بعملها فرفعت نظرها له بعد أن شعرت بنظراته تراقبها، سألت بقلق:-
-فى حاجة؟
أربت "نوح" على الفراش بخفة وقال:-
-تعالى جارى
تركت استاند التصوير على الطاولة وذهبت نحوه لكى تجلس فقال:-
-أنا هسافر يومين القاهرة معاوزش حاجة اجبلهالك بدل الاون لاين دا
تعجبت بدهشة من حديثه وسألت بقلق:-
-مسافر ليه؟!، مش قصدى طبعًا ادخل فى حياتك وخصوصيتك بس قصدى هتسبنى هنا
أومأ لها بنعم فتذكرت ما حدث أمس من "خالد" لتقول بخوف وهى تتشبث بكم عباءته:-
-متسبنيش هنا
نظر إلى يدها التى تشبثت به ثم إليها والخوف فى عينيها ونبرتها المُرتجفة، كل شيء بها يوحي يأن هناك شيء تخشاه فى البيت فسأل بشك:-
-خايفة من ايه؟
صمتت وهى تترك عباءته وتتحاشي النظر له فتابع بنبرة أكثر حدة وجدية:-
-أنتِ دخلتى المخزن أمبارح ليه؟
تمتمت "عهد" بتلعثم شديد:-
-بالغلط مكنتش أعر......
قطعها قبل أن تكمل حديثها عندما مسك فك وجهها يرفع رأسها له لتتقابل أعينهما معًا وهو يقول بتحذير:-
-متكدبيش
قصت له ما حدث أمس من "خالد" وما حدث قبل ومحاولاته فى لمسها واعتراض طريقها ليشتاط غضبًا مما يسمعه فوق لكى يخرج يقتله فى مكانه وأمام والده لكنها منعته عندما ركضت خلفه وعانقته من الخلف بهلع، توقفت قدمه عندما ارتطمت بظهره وشعر بدفء جسدها ورأسها تستكن على ظهره لينظر للأسفل على يدها المتشابكة على بطنه فسمعها تتحدث بنبرة خافتة وصوت مبحوح:-
-متروحلوش.. متأذيش حد يرد لك الأذي وتتأذي، متتأذيش ولا تمرض يا نوح، أنا عارفة أنى فرض عليك وأتجوزتنى بالإكراه وبينا حدود مينفعش أتخطاها بس متتأذيش ممكن، أنت أول حد يقلق عليا من غير ما يكون الواجب حاكمه، وأول مرة الاقي ام ليا ومحسش أنى مديونة بالود والحب لحد ولازم أرد الدين فى يوم
تحولت نبرتها إلى الضعف والبكاء أحتل عينيها وصوتها، تنهد بهدوء وهو يفتح يدها من بعضهما لتترك أسر خاصرته ثم التف لها ليراها تنظر للأرض وتبكى، مسح دموعها بأنامله بلطف ثم تحدث بخفوت:-
-أنا موافج على كل اللى جولتيه يا عهد بس حجك لازم اجبهولك وإلا هحس أنى مش راجل، لما واحد ياذي مرتى بكلمة مش لمسة ومجبش حجها أبجى مش راجل
ذرفت دموعها من جديد ليأخذ وجهها بين كفيه ويقول:-
-أنتِ فرض عليا اه بس يا ريت كل الفروض بالحلاوة دى.. اضحكى بجى
ضحكت وسط بكاءها وهى تحدق بعينيه فتبسم بخفوت وبداخله يتواعد الموت لهذا الرجل البغيض الذي تجرأ على إهانة زوجته...
دق باب شقة "عليا" لتخرج من المطبخ بسرعة وتفتح الباب لتُصدم بخوف عندما ترى"نوح" أمامها....
الفصل السادس
___بعنوان "أنانيـــة"___
فتح موظف الفندق باب الغرفة وهو يحمل حقيبة سفر صغير ثم ولج “نوح” وهى تتبأطا يديه مُرتدية بطلون جينز وقميص نسائي أبيض عليه كلمات ورسومات باللون الأسود وحول خاصرها النحيف تضع حزام أسود وترفع شعرها من الجانب الأيسر بدبوس شعر ومسدول على ظهرها، أعطى “نوح” النقود للعامل ثم غادر وأغلق الباب فأستدار “نوح” لها وهو يربت على كتفها بخفة وقال:-
-أرتاحى هبابة وأنا ساعة وهعاود
مسكت يده قبل أن يغادر بحرج ثم قالت:-
-ممكن أخرج، عندى شغل ولازم أقابل ليلى
صمت قليلًا وهو يفكر في مرضها وخروجها وحدها فتنهد بهدوء وهو يعلم بأنها بخير ولا تعلم شيء عن مرضها أومأ لها بنعم وهو يخرج محفظة جيبه وقال بجدية:-
-ماشي بس خلى بالك من نفسك وخلى دول معاكي
نظرت إلى يده الممدودة بالنقود لها فقالت بحيرة وحرج من أخذ المال منه:-
-أنا معايا فلوس
وضع المال في يدها رغمًا عنه ثم قال بتحذير:-
-أنتِ مرتى أنا ومسئولة منى خلي فلوسك على جنب، وكلمنى لو أحتجتى حاجة او حسيتى بتعب
نظرت له ببسمة خافتة ثم قالت:-
-متقلقش أنا كويسة
غادر الغرفة لتبتسم وهى تتصلي بـ “ليلي” لكى نقابلها..
____________________
كان “نوح” جالسًا أمام “عليا” في الصالون وهى تحتضن طفلها بين ذراعيها وهو يحدق بها فقطع صمتهم يقول:-
-كنتي فاكرة أنك أكدة هتكونى هربتى ولا هعيشي بسلام كأن القاهرة هتحميكى مننا
تنحنحت “عليا” بخوف منه وهى تتذكر حديث “نادر” عنه وعن قسوته الكامنة في هدوئه ، جبروته الذي يرعب كبار العائلة رغم أنه أصغرهم وربما حجوده هذا ما جعله الأفضل لدي جدهما “حافظ الصياد”، أزدردت لعابها بخوف ثم قالت:-
-أنتوا عايزين منى أيه، انا مش عاوزة غير أنى أعيش وأربي ابنى
هز رأسه بتفاهم وهو يستمع إلى حديثها ثم قال ببرود:-
-بس ابنك دا أنا هأخده ومهتشوفهوش تانى
أتسعت عيني “عليا” على مصراعيها بصدمة قاتلة وتنظر إليه وهى تحتضن طفلها بخوف وتشد بيديها عليها وتحدثت بتلعثم وخوف:-
-أنتِ متقدرش تأخده منى أنا ممكن أسجنك وبعدين انا سيبتلك عهد عاوزين منى ايه
وقف من مكانه بغضب بعد أن ذكرت اسم زوجته ليمسكها من ذراعها بقوة وقال بغضب:-
-عهد!! اللى رميتها كبش فدية عشان تعيش حياتك هنا ومفكرتش فيها ولا للحظة
تركها وهو يسير بعيدًا عنها ثم أخبرها عن مرض “عهد” لتدمع عينيها خوفًا وحزنًا على أختها الصغيرة لكن قلبها لم يبكى أو يرتجف خوفًا بل شعر بالشفقة فقط عليها وتركت “يونس” على الأريكة ثم رفعت حاجبها مُتعجبة سبب زيارته وأن السبب “عهد” ولم يأتي لأخذها هي أو طفلها، كان من الموضوح عندما تحدث عن المرض بأنه يكاد يموت قلقًا عليها ثم سألت بنبرة هادئة:-
-وأنت جاي ليا هنا عشان عهد؟
نظر “نوح” لبرودها بعد ان أخبرها بحالة اختها وحتى دموعها لم تكن صادقة في نظره بل كانت شفقة وعطف عليها كأى شخص غريب يسمع بحالتها فقال:-
-عهد محتاجة متبرع قبل ما حالتها تسوء أكتر
رفعت حاجبها بسخرية وأجابته “عليا” وهى تعقد ذراعيها ببرود شديد قائلة:-
-وأنا المفروض مكتوب على باب شقتى أنى مركز تبرع مثلاً، ولما أتبرع مين اللى هيربي ابنى ويرعاه
مسكها “نوح” من يدها بقوة ووجهه يشتاط غضبًا من رد فعل “عليا” وكز على أسنانه بعيني تبث نار وتحدث بنبرة مرعبة:-
-التبرع أنتِ هتعمليه سواء رضيتى أو لا فأختارى تعملي بموافجتك بدل ما تدخلي أوضة العلميات مجبورة، لأن أنا مهضحيش بعهد كيف ما عملتى أنتِ، أنا ممكن أديها كبدى لكن أنا واثج أن واحدة أنانية كيفك مهترعاهاش في مرضها وأنا لازم أرعاها يبجى لازم تتبرعى ليها بكبدك
سقط الهاتف من يد “عهد” ليلتف الأثنين وصُدم “نوح” عندما رأها تقف هناك وتستمع لحديثهما فترك “عليا” وسار نحو “عهد” بقلق وهو يقول بهمس:-
-عهد أسمعينى
دمعت عينيها بخوف وأرتجفت يديها مما سمعته، أصابها حالة من الذعر والخوف فقبل قليل كانت تشعر بأنها بخير تمامًا حتى سمعت عن مرضها منه لتشعر بأن جسدها بأكمله مريض وأصابه الخمول والضعف، وضع “نوح” يده على رأسها يمسح عليها بلطف وحنان ليقول هامس بعد أن رأي خوفها:-
-متخافيش يا عهد أنتِ هتكونى زينة
أتاه صوت “عليا” من الخلف تقول بانفعال شديد:-
-بس أنا مش هتبرع بكبدي لحد
كاد أن يستدير لها بوجه غاضب تحول للأحمرار الشديد من غضبه وغيظه من هذه المرأة ولا يعرف كيف أحبها أخاه وتزوجها وهى تشبه الحية التي تبخ سمها في الجميع لكن استوقفته “عهد” عندما مسكت يده بضعف ثم قالت:-
-يلا نمشي يا نوح
ظل واقفًا ينظر إلى “عليا” بغضب لتجذبه “عهد” بضعف وجسد هزيل تقول:-
-يلا يا نوح
سار معها وهو يدرك أن قوتها أضعف من جذبه ليغادر بها من المنزل وتهرع “عليا” نحو باب الشقة وتغلق بأحكام...
___________________
__”منــزل الصيـــــاد”__
في المطبخ كانت “سلمى” تقف مع “حُسنة” تجهز الغداء حتى قطعهما صوت “فاتن” تقول:-
-خططتى ونفذتى يا سلفتى
أستدارت “سلمى” لها ليتراها تقف على باب المطبخ تشتاط غاضبًا لكنها تكبحوا بداخله فقالت:-
-هتساعدينا أتفضلي لكن لو جاية تحددي حديد ماسخ يبجى متعطلناش
أنهت جملتها وألتفت تكمل تقطيع البطاطس في الطاجن لتتحدث “فاتن” بغضب ولهجة غليظة:-
-طبعًا ليكى نفس تطبخى وهتأكلى كمان ما هو اللى في عب ولدك فحجرك يا سلفتى وعاملالى فيها شيخة ومبتجوميش من على سجادة الصلاة طب جوليله أن بيأكل مال حرام وسارج حج عمه
تأففت “سلمى” بضيق شديد وهى تقول:-
-الله ما طولك يا روح.. هملينى لحالي يا فاتن لحسن صبر هيخلص عليكي
غادرت “فاتن” وهو تقول بجدية:-
-والله أنا اللى ماسكة حالى عليكى يا سلفتى أنت وولدك
تنهدت “سلمى” بضيق بعد أن غادرت “فاتن” لتربت “حُسنة” على كتفها بلطف:-
-متزعليش حالك يا ستى وكله هيبجى تمام
___________________
كان “نوح” واقفًا أمام باب غرفة النوم فى الفندق مُرتدي بنطلون أسود وقميص رمادي فاتح ودق الباب برفق وهو يُحدثها قائلًا:-
-ممكن نتحدد سوا بهدوء
لم تُجيبه سوى بصمت فتنهد بضيق وألتف لكى يغادر لكن أستوقفه صوت فتح الباب فألتف مسرعًا بهلع ليراها تقف كما هى بملابسها مُنذ الصباح لم تبدلها ووجهها شاحب وحزين وقد تمكن الضعف والخوف من روحها، شعرها فوضوي على الجانبين يحيط بوجهها الصغير وأتاه صوتها المبحوح تسأله بضيق:-
-أنتِ عرفت أمتى، لما كنت فى المستشفى صح
أومأ لها بنعم وهو يقترب نحوها خطوتين لتعود هى للخلف بعيد عنه وتجيبه وسط البكاء بخذلان:-
-عشان كدة بقيت مهتم بيا وعلى طول جنبي والشفقة باينة عليك وأنا اللى كنت مغفلة فكرت للحظة..
صمتت ولم تكمل ليقترب نحوها وهو يرى الخذلان بها وهى تتحاشي النظر به وتنحى رأسها للأسفل بإنكسار ليأخذ يدها بلطف فنفضتها بغضب وهى تصرخ به وتسير نحو الشرفة:-
-أبعد عنى يا نوح
تحدث وهو يسير خلفها بقلق قائلاً:-
-اسمعينى بس
صرخت وهى تستدير له وتفتح ذراعيها أمامه قائلة:-
-اسمع ايه؟!! أن كل المعاملة دى ولطفك وحنيتك كانوا شفقة عليا عشان مرضي
صمت أمام حديثها فهو يعاملها هكذا خوفًا من تكرر الماضي ولم يكن لها أى مشاعر، ذرفت الدموع من عينيها بضعف وخوف من المرض والجراحة، أقترب نحوها بهدوء وأخذ يدها فى يده بحنان وقال:-
-أطمني يا عهد، طول ما أنا جارك وفى ضهرك أطمنى وأوعى تخافي من حاجة واصل، أنتِ هتعملى العملية وهتخفي
جهشت باكية وهى ترفع يدها الأخرى لتضعها على عينيها بحزن وضعف تخفى دموعها وعينيها عن نظره وما زال يحتضن يدها الأخرى بيديه، رفع يده إلى يدها ثم أشاحها عن عينيها وقال:-
-متبكيش
أومأت له بنعم ليجفف دموعها بأنامله بحنان وهو ينظر لعيني العسلية التى تلوثت بأحمرار شديد من كثرة بكاءها وتورمت قليلًا، وجهها شاحب لا يعلم أهو من الحزن أم المرض، مُنذ أن علمت بمرضها وظهر التعب والأرهاق عليها أكثر من السابق، تمتمت "عهد" بضعف وهى تنظر بعينيه السوداء قائلة:-
-أنا خايفة!!
أربت على يدها بيده بحنان وهى تشعر بدفئه يمتص حزنها ووجعها، رفعت نظرها مع يده التى تمر من أمام أعينها ليضع خصلات شعرها خلف أذنيها بلطف ناظرًا بعينيها لتشعر بضربات قلبها تتسارع وحرارة جسدها ترتفع من نظراته المُسلطة عليها، هذه النظرات المليئة بالدفء بمثابة السحر الذي يُسكب على قلبها وعينيها، تحدث "نوح" بخفوت:-
-متخافيش أنا وياكي ومههملكيش واصل....
لعنت نفسها وقلبها الذي تسارع أكثر بعد كلمته وهذا الرجل يربكها بكل شيء، نظراته وأنفاسه الدافئة وكلماته وغير كل هذه وسامته التى تسعى جاهدة لتجاهلها لكنه يُفشل كل محاولاتها، لم تتحمل البقاء أمامه أكثر حتى لا تفقد وعيها من سحره ففرت هاربة من أمامه إلى غرفة النوم.....
تنفست الصعداء بأرتباك وهى تقف خلف الباب وتضع يدها على قلبها مُحاولة الشعور بضرباته أكثر لتُتمت بحزن شديد:-
-أهدا بقى كل دا شفقة عليك
دمعت عينيها بخذلان فهى أعتقدت بأن الحياة من الممكن ان تبدأ بينهما ويتقبلها زوجة له لكنه لم يراها سوى فتاة مريضة على حافة الموت ووحيدة لا تملك من يعتني بها...
أستيقظ “نوح” صباحًا من النوم ولم يجدها بالغرفة ليدب القلق فى عقله من أن تكون هربت منه مريضة وعندما أتصل بها كان الهاتف مُغلق ليشتاط غضبًا ممزوجًا بالقلق ودخل يبدل ملابسه ليستعد من أجل الخروج والبحث عنها...
_____________________
فى كافى فى وسط البلد كانت “عهد” جالسة على طاولة بعيدة بجوار الحائط الزجاجى الذي يفصلها عن الشارع ومعها “ليلى” حزينة وتبكى على حال صديقتها بحزن وخوف صادق لتُمتم “عهد” بهدوء وهى تنظر إلى صديقتها:-
-ممكن تهدي، أنا مجتلكيش عشان تقضيها عياط
أخذت “ليلى” يدها بين كفيها بخوف وقالت وسط بكائها:-
-أنا مستعدة أتبرع لك بس متمرضيش ومالكيش دعوة بعليا لأنها أنانية ومتستاهلش أنك تعتمدى عليا
أربتت “عهد” على يدها ببسمة خافتة مُنكسرة ثم قالت:-
-أنا مبحكلكيش عشان تقولى تتبرعي ليا أنا ممكن أستنى متبرع عادى، نوح قال أن حالتى مش خطيرة أوى
جففت “ليلى دموعها بأناملها مُبتسمة رغم خوفها من فقد صديقتها ثم قالت:-
-نوح!! ، شكل راجل جدع من اللى حكيته عنه
أومأ “عهد” بالموافقة وهى تشرد فيه ثم قالت بهيام:-
-جدع بس، دا جدع وشهم ووسيم أوى يا ليلى
ضحكت “ليلى” على صديقتها وهى تلوح بيدها أمام أعين “عهد” ثم قالت:-
-ايه يا عيونى روحتى فين؟ إحنا بنحب ولا ايه؟
تنحنحت “عهد” بخجل ثم قالت:-
-لا حُب أيه؟ أنا بس معجبة بشهامته ورجولته لو شوفتيه وهو بيضرب ابن عمه عشانى ولا وهو بيشخط فى مرات عمه الحرباية
قهقهت “ليلى” ضاحكة وهى تأكل قطعة من الحلوى ثم قالت بعفوية:-
-وأنا اللى قاعدة قلقانة وميتة من العياط
تنهدت “عهد” تنيهدة مليئة بالخيبات وثغرات الوجع ملأت طريق قلبها لتتعجب “ليلى” من تنهيدتها الضعيفة وقالت بأستغراب:-
-ليه التنهيدة دى! أنتِ تعبانة ولا حاجة
تحدث “عهد” بعفوية وصدق مليء بالحزن:-
-الحياة معاندة معايا أوى يا ليلى، أول ما أنجح فى مشوارى ألاقي نفسي أتجوزت وبقيت مدام بالأسم، أختى أنانيتها بتزيد ضحكت عليا وفهمتنى أن أول ما يكتشفوا أن أنا العروسة هيطلقنى ويرمينى عشان هم كل همهم يونس حفيدهم وبس ولو مطلقنيش هتساعدنى أهرب لكن أول ما مضيت فص ملح وداب ونوح مطلقنيش زى ما قالت، وبقت زوجة ومضطرة أعيش فى مكان غريبة مع ناس معرفهمش وبيكرهونى وكل واحد من سكان البيت دا نفسه يخلص منى دلوقت قبل كمان ساعة، ولما لاقيت الراجل اللى معايا طيب وراجل يتسند عليه قولت خلاص قدرى وأتقابله، طلع كل دا وهم وشفقة بسبب مرض ظهر بين يوم وليلة
وقفت “ليلى” من مقعدها لتجلس جوارها وهى تربت علي يديها بحنان ولطف وتقول بنبرة ناعمة:-
-كله هيبقى تمام يا عهد المهم دلوقت نعالج المرض دا
رفعت “عهد” نظرها إلى صديقتها بضعف وعيني دامعة ثم قالت:-
-بس ليلى أنا موجوعة ومش قادرة أدارى أكتر من كدة، أنانية أختى وجعانى وشفقة نوح تعبانى لكن غصب عنى بيرجع له لأن فعلا ماليش غيره أتسند عليه فى ضعفى ودا قاهرنى يا ليلى
جففت “ليلى” دموعها بسبابتها وهى تقول مُبتسمة:-
-بس أنا معاكيِ يا حبيبتى
عانقتها “عهد” بإنكسار وقد رفعت الستائر عن أوجاعها الكامنة داخلها وهذا الرماد الذي ملأها وهى تخفيه ببسمتها وروحها العفوية أمام الجميع لتمسح “ليلى” على ظهرها بلطف فتابعت “عهد” بتلعثم شديد من كثرة شهقاتها:-
-كله فاكر أن الشهرة والمتابعين والفلوس كفاية يعيشونى سعيدة وأنا فى الحقيقة أتعس إنسانة فى الدنيا واللى يزيدنى تعاسة أن مبقدرش أقاوم نوح وخايفة أسيب نفسي ألاقينى بحبه وهو فى عالم تانى عايش مع حب مراته الميتة زى ما بنت عمه قالت
أخرجتها “ليلى” من بين ذراعيها لتنظر لعينيها فنظرت “عهد” لها بضعف فتمتمت “ليلى” بانتصار وقد أعترفت صديقتها بما تخفيه منذ بداية اللقاء:-
-يعنى اللى مخوفك ومولد الرعب جواكي هو أنك تحبي نوح مش الوحيدة والمرض يا ست هانم
أتسعت عيني “عهد” على مصراعيها بهدوء مما تفوهت به دون قصد ثو وقفت بأرتباك تقول:-
-أنا هروح أغسل وشي
هربت من أمامها سريعًا لتبتسم “ليلى” بمكر وهى تكمل أكل الحلوى لتخطر فكرة على عقلها الخبيثة ثم نظرت إلى حقيبة “عهد” الموجودة على الطاولة....
____________________
وسط الجبال ووعورتها ورجالها المجرمين وكل منهم يقف حامل سلاحه ويراقب الطريق، كان “حمدى” يجلس مع كبيرهم ويرتشف القليل من الشاي مُستمعًا إلى هذا الرجل:-
-خلاص يا حج حمدي متجلجش أدينا بس خبر أول ما يوصل الصعيد وأنا هخلي الرجل تنفذ على الطريق
وضع “حمدى” الكوب من يده وهو يقف مُتكأ على نبوته ويقول:-
-دايمًا عامر يا حج وأستن منى اتصال
غادر من الجبل وهو يُتمتم بغضب كامن بداخله:-
-خلي عنادك ينفعك يا ولدى أخويا
____________________
خرجت “عهد” مع “ليلى” من الكافى ووقف ينتظرا سيارة أجرة وكل سيارة تمر ترفض “ليلى” الركوب فتعجبت “عهد” من رفضها وقالت بانفعال:-
-وبعيد يا ليلى كل ما أوقف عربية تمشيها إحنا هنروح فى يومنا دا ولا هنبات هنا
أومأت “ليلى” لها بنعم وهى تقول:-
-أكيد هنروح
تمتمت بخفوت وضيق قائلة:-
-هو اتاخر ليه كدة؟
أتاهما صوت “نوح” من الأمام يناديها :-
-عهد
ألتفت له بدهشة من معرفته لمكانها بينما حدقت “ليلى” به وهو يترجل من السيارة مُرتدي بنطلون أسود وقميص أسود يرفع أكمام إلى ساعده لتظهر عروق معصمه البارزة ويرفع شعره الأسود الكثيف إلى الأعلى فتنهدت “ليلى” وهى تهمس بأذنيها من الخلف:-
-أوعى تقوليلى أن دا الصعيد اللى متجوزاه يا عهد
حدقت “عهد” به وهى تنكز “ليلى” فى بطنها بساعدها وتقول:-
-أنت عرفت مكانى منين؟
قطعهما “ليلى” وهى تقترب له وتمد يدها نحوه لكى تصافحه وعينيها ثابتة على وجهه الوسيم وقالت بشرود:-
-أنا ليلى مديرة أعمالها، أوعى تقولى أن الصعايدة كلهم حلوين كدة وبعضلات
وضعت “عهد” يدها على فم صديقتها باحراج منه ومما تفعله وقالت ببسمة مُحرجة:-
-معلش ليلى بتحب تهزر بس
هز رأسه ببرود إليها ثم نظر إلى “عهد” يتفحصها بنظره وهو يقول:-
-أركبى
تركتها “عهد” وذهبت لكى تركب السيارة معه و”ليلى” تكاد تطير الفراشات من عينيها خلفه وتقول:-
-يا واد يا تقيل
صفعت وجنتها بخفة وهى تقول:-
-أيه اللى بعمله دا، أنا لازم أشوف أول قطار رايح الصعيد أمتى... تاكسي
أشارت إلى سيارة أجرة وغادرت، أنطلق “نوح” بسيارته وهى صامتة تنظر إلى الشارع وتفكر بصمت دون ان تبرر له سبب خروجها دون أذنه أو غلق الهاتق وهو كاد ان يموت قلقًا لولا أتصال “ليلى” به وخطتها الماكرة..
كانت ترتب أفكارها فى عقلها وبعد يوم طويل من التفكير وحدها قررت أن تعود للعمل والدراسة وتبحث عن طريقة لعلاجها فهى لن تستسلم للموت بسهولة وأخطر قرار توصلت له كان طلب الطلاق منه ولن تكمل هذه الحياة المزيفة أكثر فهو ليس زوجها وهى ليست زوجة سوى بالاسم وفى الأوراق فقط
____________________
فى اليوم التالى خرجت “عليا” من مبنى العمارة وطفلها فى يدها لكى تأخذه للحضانة أولًا ثم تذهب لعملها ، أوقفت “يونس” أمامها وهى تترك يده لكى تفتح باب السيارة وبسرعة البرق جاءت دراجة نارية عليها رجلين ليحمل الرجل الجالس فى الخلف “يونس” عن الأرض ويهربوا لتصرخ بهلع وهى تركض على قدمها خلف الدراجة النارية لكن لا جدوى من الصراخ والهلع....
___________________
خرج “نوح” من غرفة النوم بعد أن رأها نائمة فى الفراش ليتحدث فى الهاتف ويقول:-
-تسلم يدك، المهم تأخد بالك من الواد زين وتوكل وترعى وأنا متوكد أن على المساء هجولك هاته
أغلق الهاتف وهو يغادر الغرفة ونول إلى الطابق الأول يتناول الإفطار مُنتظر قدومها له راجية ان يُعيد طفلها وفور أنهاءه الإفطار وأثناء شُربه للشاى وحديثه فى الهاتف مع والده يقول:-
-مجلجش يا حج أنا بكرة المساء هكون عندك
جاءت “عليا” مع أحد موظفين الفندق ليشير الموظف عليه فهرعت نحوه بغضب وعينيها لا تكفى عن البكاء ومسكته من قميصه بنيران مُشتعلة بداخلها وهى تصرخ به قائلة:-
-محدش عملها غيرك يا نوح، ابنى لو مجرعليش …
قطع تهديدها وهو ينزل يدها عنه بغضب مكبوح بداخله هو الأخر وقال بأشمئزاز وتهديد:-
-مش جولتلك لو مجتيش بالرضا هتيجى بالغصب، أنا مهضحيش بعهد
ترك يدها بضيق وعاد للجلوس لتجلس على المقعد المجاور له ثم قالت:-
-أنا هسجنك وهبلغ عنك
تبسم لها بغرور شديد وقال:-
-أثبتي يا مرت أخويا أنى عملتها ولا يكنش البوليس هيلاقي ولدك فى أوضتى مثلا، أنا راجل مرتى مريضة وجايبها القاهرة أكشف عليها
مسحت دموعها بضعف ثم قالت:-
-أنت مش هتأذي ابن أخوك
عاد بنظره لها ببرود يتطلع بثقتها فتبسم بعيني شيطانية كالصقر الذي على وشك ألتهم فريسته فأرعبتها نظرته لتزداد خوفًا منه عندما قال:-
-أخويا الله يرحمه لكن مرتى حية والحية أبجى من الميت، وأن مدخلتش اوضة العملية أنا عندى دكتور نجس ممكن بالفلوس أعيش مرتى العمر كله بكبد ولدك
أتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة ألجمتها ومنعتها من الحديث من قسوته وجبروته فى أخذ كبد طفل فقط لينفذ زوجته رغم زواجهما المزيف والمدون على الورق، عاد “نوح” لشرب الشاى وهو يضع قدم على الأخرى ببرود كاد أن يقتلها أمامه ويلتزم الصمت تاركها تتطلع به بعينيها بعد أن كسر ثقتها القوية بتهديده لتُتمتم بتلعثم شديد وجسد مُرتجف:-
-وهتسيبنى بعدها فى حالى وترجعلى ابنى
نظر لها بحماس وهى على وشك الموافقة وهتف بجدية:-
-وأمضيلك تنازل كمان أن محدش من عيلتى هيتعرض لك أنتِ وولدك مدي الحياة
تعجبت من رده فقالت بقلق:-
-وأهل الصعيد هسيبوا حفيدهم ولا دا كلام عشان مصلحتك
ألتقط علبة السجائر بصمت ليشعل سيجارته قبل أن يُجيبها وكأنه يتعمد أثارت توترها أكثر ثم قال وهو ينفث دخان سيجارته بعيدًا:-
-أهل الصعيد عندما ولد تانى اسمه نوح يجبلهم بدل الحفيد عشرة، فكرى وبيتى فى الصعيد أنتِ خابرة طريجه زين دا لو عايزة تشوفى ولدك تانى
غادر من أمامها وتركها فى حالة من الخوف والذعر القاتل على ابنها....
____________________
أستمع “حمدى” لحديث “على” فى الهاتف مع “نوح” وعلم بأنه سيعود غدًا ليرسل رسالة إلى رجال الجبل لكى يستعدوا ويكونوا فى أستقبال “نوح” وزوجته...