رواية وختامهم مسك الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية وختامهم مسك الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24 بقلم نورا عبد العزيز


بعنــــــوان " قــــدر مكتــــــــــــــــوب  "

أوقفت "مسك" السيارة على الطريق وترجلت منها بخوف، فى الأمام توجد "غزل" وما زالت تصارع الموت وتحتاج إلى رعايتها وفى الخلف "تيام" ويهدد "بكر" بقتله، تعلم جيدًا أن هذه الرسالة مجهولة الهواية جاءت من "بكر" وحدها من اخبرها سابقًا بأنه يريدها وسيأخذها حتى لو قتل زوجها والآن يقرر جملته، وقفت حائرة بين أختها وحبيبها ولا تعلم إلى من تذهب، تذهب لرعاية أختها أم تذهب لحماية "تيام" لتغمض عينيها بعجز فى التفكير إيهما الصواب وفى نهاية المطاف أتصلت على "جابر" الوحيد الذي سيساعدها وقالت بجدية:-
-أنا مسك ولو جنب تيام متوضحش دا

تنحنح بحرج ثم قال:-
-أدينى نص ساعة وأكلمك

هزت رأسها بالنفي والخوف يتملكها وقالت:-
-لا الموضوع ضروري

نظر "جابر" إلى وجه "تيام" الذي ينظر إلى الأوراق وقال:-
-طب ثواني... خمسة وراجعلك يا تيام بيه

أومأ "تيام" إليه بنعم دون أن يرفع نظره إليه، خرج "جابر" من المكتب ووقف فى الرواق الطويل الهادي وقال:-
-أتفضلي

أرسلت له صورة من هاتفها تحمل الرسالة التى وصلت إليها من "بكر" ليُصدم "جابر" من هذا التهديد الصريح ووضع الهاتف على أذنيه من جديد وقال بفزع:-
-مين دا؟ 

-بص الموضوع طويل جدًا ومش هعرف أحكيهولك دلوقت، هوصل القاهرة وأكلمك بس بالله عليك تخلي تيام تحت عينيك دايمًا متخليش حد يأذي وأنا هخلص كام حاجة وأجيلك
قالتها بذعر وهى تجلس فى سيارتها ليومأ غليها بنعم ثم قال:-
-متقلقيش علي تيام، هو تحت عيني طول الوقت بس انا عايز أعرف مين دا عشان أحطه هو كمان تحت عيني

-بكر!! اللى جالي الأوضة وأنت شوفته
قالتها بقلق شديد ثم تابعت بقلب مُنقبض ويرتجف خوفًا:-
-الراجل دا سيء جدًا يا جابر وقتل أختي وقبلها أخويا، لو وصل لتيام هيأذيه بجد

أومأ إليها بنعم ثم قال بجدية وطمأنينة:-
-متقلقيش عليه، تيام رئيسي دلوقت وحمايته من أولوياته

أغلق الهاتف معها ثم أمر رجاله بأن يجمعوا كل المعلومات عن "بكر" وأعطاهم صورته من كاميرات المراقبة، كاد أن يدخل إلى المكتب لكن أوقفه صوت "زينة" تقول:-
-جابر!!

أستدار "جابر" إليها بجدية وقالت بحزم:-
-أنا موافقة على عرضك

تبسم "جابر" لها بحماس ثم قال بلطف:-
-يبقي أتفقنا بس هتستني لحد ما يجي زين من شهر العسل

أومأت "زينة" إليه بنعم وأدخلها إلى مكتب "تيام" الذي علم بما فعلته وما كانت تنوى أخذه منه ليقول بجدية ساخرًا منها:-
-شوف مين اللى جه الرئيسة زينة

تنحنحت "زينة" بضيق شديد فنظر "جابر" إليه بحزم وقال:-
-اللى فات خلاص، أنسة زينة جاية تمد أيدها لينا وأنت محتاج خبرتها فى إدارة المكان هنا وتتعلم حل الأزمات منها

عاد "تيام" بظهره للخلف بأشمئزاز وتطلع بها من الأعلى لأخمص القدم وقال:-
-وأنا أضمن منين بقى أنها متغدرش بيا إذا كان غدرت بأخوها اللى من لحمه ودمه

-أنا ماشية
قالتها "زينة" بتذمر من حديثه ليوقفها "جابر" بحدة وقال:-
-وبعدين بقي معاكم، أنت كل ما تقعد مع حد تطفشه منه، إيه هتدير المكان لوحدك... دا جدك نفسه معملهاش ومفيش أحسن من اللى من لحمك واللى دا كمان مالهم زيك تثق فيهم

تأفف "تيام" بضيق شديد لكنه تحل بالصبر ليس لأجل حديث "جابر" بل لأنه تذكر حديث "مسك" عن العائلة وأنها لن تقبل به وحيدة وعليه أن يصلح ما أفسده من الروابط القوية بينه وبين عائلته، هز رأسه بنعم ثم قال:-
-ماشي

-خلي بالك أن أنت اللى هتصر على وجودها فى المكان قصاد زين
قالها "جابر" بعد أن جلس على المقعد المقابل للمكتب وأشار إلى "زينة" بأن تجلس هى الأخر، أندهش "تيام" من جملته وقال بحزم:-
-أنا!! وأنا مالي بقي بالعلاقات الأخوية دى، طب الشغل وهحتاج خبرتها لكن الأخوية دى أنا مالي بيها

رفع "جابر" حاجبه بحدة إلى "تيام" لتأفف بقوة غيظًا من تحكم هذا الرجل به فقط لأنه يملك السلطة الآن عليه، دلف أحد الرجال إلى "جابر" وقال:-
-نزل عندنا من فترة ودى بياناته الموجودة فى الفندق

أعطه ورق تحمل معلومات عن "بكر"، أومأ "جابر" إليه بنعم ثم وضع الورقة على الطاولة بلا مبالاة حتى ينهي حديثه مع هذا الرجل الغليظ أولًا وقال:-
-مالك أنهم عائلتك يا تيام بيه، وأنا بقي....

قاطعته كلمة "زينة" الهادئة:-
-بكر

نظر الأثنين إليها ليراها "جابر" تمسك الورقة وتنظر بها فسألها بحيرة وأندهاش من معرفتها بهذا الرجل:-
-أنتِ تعرفيه يا أنسة زينة

اومأت إليه بلا مبالاة ولا تعرف لما يبحثون عنه، تركت الورقة على المكتب ببرود وقالت:-
-اه من أهم النزلاء هنا وكمان هو اللى عرفني على متولي ... أصلًا متولي أبن أخته 

صُدم الأثنين من معرفتها القوية بهذا الرجل وزادت صدمة "جابر" عندما علم بأن "متولي" قريب هذا الرجل ليدرك شيئًا واحدًا أن كل ما حدث حتى الآن بسبب "بكر"، تمتم بصدمة:-
-يبقي متولي هو اللى هرب الرجالة من المخزن، الرجالة اللى هجموا عليك فى السقيفة !!

-اه فاكرهم، بس وقتها أنا قولتلك أنهم طرف من اللى عمل فى ورد كدة.. يعنى بكر هو اللى عمل فى ورد كدة؟
قالها "تيام" بصدمة لا يستوعب الأمر وخصيصًا أنه يعرف أن "بكر" قاتل "غزل" ويسعى خلف "مسك"، تنحنح " جابر" بحيرة أكبر ولا يعرف أيخبره بأن هذا الرجل يسعي خلف "مسك" ويريدها إليه ويهددها بقتله أم يلتزم الصمت الآن فقالت "زينة" بحرج من هذان الأثنين:-
-متولي هو اللى بعت رجالة وراء ورد ومسك وهو اللى خلاني أفكر فى حكاية المنصب دي

أتسعت عيني "تيام" و"جابر" على مصراعيها بصدمة ألجمتهما الأثنين مما يسمعوه الآن، تمتم "جابر" بضيق:-
-ومكتفش بكل دا، له عين يهدد

نظر "تيام" إليه بعدم فهم ليخرج "جابر" هاتفه من جيبه وأعطاه لـ "تيام" كي يري الرسالة التى وصلت إلى "مسك"، صُدم "تيام" أكثر وقلبه توقف عن النبض بهذه اللحظة ثم وقف من مكانه لكى يذهب إليها كي المجنون لكن أوقفه "جابر" بحزم وقال صارخًا به:-
-أهدا أنت رايح فين؟

-رايح لمسك ولا أستنى لما يأذيها
قالها بذعر وخوف شديد عليها ليُجيب عليه "جابر" بهدوء قائلًا:-
-مش هيأذيها يا سيدي، اللى بيعوز واحدة مبيأذيهاش هو بيهدد بقتلك أنت

نظر "تيام" إليه بقلق شديد ليس لأجله بل لأجل "مسك"، لن يهدأ قلبه الآن وهى بمحافظة أخري بعيدًا عنه....

____________________________ 

تقدمت "غزل" فى الشفاء أكثر خلال هذان الأسبوعين التى بقت فيهما "مسك" جوارها وأستطاعت أن تقف على قدميها من جديد لتبتسم "مسك" بسعادة وقالت:-
-أنا كنت عارفة أنك قوية، إذا كان أنتِ اللى علمتني القوة

تبسمت "غزل" إليها بلطف وقالت:-
-أنا علمتك القوة لكنك تفوقتي على معلمك يا مسك

ضحكت "مسك" بعفوية على جملتها وفتح باب الغرفة ليدخل والدهما "غريب"، تبسم فور رؤية "غزل" تقف أمامه وحدها دون أى مساعدة من أحد لتبسمت إليه بهدوء وقالت:-
-بابا

فتح ذراعيه إليها لتهرع إليه كطفلة صغيرة وعانقها بسعادة، رن هاتف "مسك" باسمه لتتسلل خارج الغرفة وذهبت إلى المطبخ بخجل من والدها وقالت:-
-قولتلك لما أروح هكلمك

تأفف "تيام" بزمجرة شديدة على هذا الحديث وقال:-
-بقالك ثلاثة ساعات عند غزل وأنا فين من دا كله ها، فتحتي الموضوع مع والدك 

-مش قولت مش هتعرف تسيب القرية غير لما زين يرجع
قالتها بضيق شديد فهي أشتاقت إليه طيلة هذان الأسبوعان ولم تراه واكتفت بمحادثته على الهاتف، تبسم "تيام" بحماس وقال:-
-جاي النهاردة وأخيرًا

تذمرت على كلمته وقالت بتعجب:-
-وأخيرًا!! لتكون هتبطل شغل يا أستاذ

أجابها بنبرة دافئة ودقات قلبه تصل إليها مع نبرته:-
-لا يا حبيبتى بس على الأقل هعرف أجي أطلبك وتبقي مراتي بقي بدل المعاناة اللى أنا فيها دي، أسبوعين بحالهم مشوفتكيش يا مسك.. وحشتيني والله ولا أنا موحشتكيش بقي؟

تنحنحت بحرج من هذه الكلمات وألتزمت الصمت ليتحدث هو من جديد قائلًا:-
-حرام عليكي يا مسك اللى بتعملي فيه دا، حتى كلمة وحشتنى مقولتهاش مرة وحبيبي نفسي أسمعها منك، أنتِ عارفة أخر مرة سمعت كلمة بحبك منك أمتى وأنتِ ماشية من عندي وبتودعينى، أنتِ بتشفني دمى معاكي ليه يا بنتى... هو أنتِ واخدني غصب ولا تخليص حق

قهقهت ضاحكة على كلمته الأخيرة وقالت:-
-أيوة كان باقي لي مبلغ من الفندق عندكم ومكانش في باقي فخدتك أنتِ تخليص حق

-مسك!!
قالها بتهديد ونبرة قوية، غمغمت "مسك" بنبرة خافتة بخجل شديد من هذا الحديث قائلة:-
-تيام خلاص بقي..

-أمري لله، أقسم بالله أنا بس أكتب عليكي يا مسك وأبقي قوليلي تيام من هنا للصبح وورينى مين اللى هسمع لك بقي... وربنا لأطلعه عليكي
قالها بتهديد خبيث ويتوعد لها بالأنتقام مما تفعله به وخجلها الشديد من لفظ كلمة واحدة له، دلف "غريب" للمطبخ يناديها قائلًا:-
-مسك

أغلقت الهاتف سريعًا دون أن تودعه ونظرت إلي والدها بأرتباك لينظر "غريب" بأندهاش على تصرفها وقال بفضول:-
-كنتِ بتكلمي مين؟ 

تنحنحت "مسك" بحرج من والدها وتحاشت النظر إلى عينيه بعد أن قبض عليها كمراهقة تُحدث ابن الجيران خلسًا....

______________________________ 

(المدينة الزرقاء blue city )

جلس "زين"  فى السقيفة حيث النجاح الملكي ومعه "جابر" و"تيام" و"زينة" وأخبره "جابر" بكل شيء وأن العدو الحقيقي لهم جميعًا هو "بكر"، تحدث "تيام" بجدية يخبرهما بأنه تسبب فى قتل أخوات "مسك" وقص لهما حكايتها دون أن يخبر أحد بنجاة "غزل"، ظل "زين" يستمع إلى هذا الحديث فى هدوء دون أن يصدر أى رد فعل فقال "جابر":-
-أسمحولي أقولكم أن واحد منكم ميقدرش عليه وأديك جربت يا تيام بيه وخرج منها رغم كل حاجة لكن لو أتحدتوا أنتوا الثلاثة يبقي مفيش قوة فى الكون ممكن تغلبكم

صمت الجميع وكلا منهم كبرياءه يمنعه على مد يده إلى الأخر فقال "جابر " مُتابعًا بجدية:-
-يا أستاذ زين، أنت عرفت اللى عمل كدة فى مراتك هتسيبوا وتسيب حقها، ولا حضرتك يا تيام بيه هتسيبه لحد ما ياخد مسك مراتك سابقًا واللى إن شاء الله هترجعلك، بلاش عشانكم لكن أنتوا كرجالة لازم تحموا حريمكم وشرفكم، ولا حضرتك يا أنسة زينة هتسيبي متولي اللى خسرك كل حاجة حتى أخوكي

مدت "زينة" يدها أولًا إلى الأمام وقالت بجدية وغضب سافر:-
-أنا أول واحدة بمد أيدي

نظر "زين" إلى "تيام" والأخر مثله ومدوا يديهما معًا لأجل الأنتقام فتبسم "جابر" بعفوية ثم قال:-
-يبقي أستعننا بالله، بس عشان نكون صفي يا لبن بقي وميبقاش فيها رجعة، أنا عرضت على أنسة زينة تكون المدير العام وتترقي من وظيفة السكرتيرة العامة

أتسعت عيني "زين" على مصراعيها وقال:-
-بس أنا فصلت من شغلها هتترقي أزاى

-وأنا رجعتها
قالها "تيام" بغرور شديد، ألتف "زين" إليه بأندهاش من حديثه وقال بسخرية:-
-ودا بصفتك أيه أن شاء الله

-الرئيس
قالها بحزم وقبل أن يبدأ شجارهما المعتاد تحدث "جابر" بجدية يمنع هذا النزاع قبل أن يبدأ:-
-دا الموضوع التاني، رسميًا باقي شهرين لتنصيب تيام فى منصب الرئيس

-ليه مر سنة على جوازه وأنا مش واخد بالي
قالها "زين" بسخرية شديدة من حاله ليتحدث "جابر" بحزم لهجة قوية:-
-فى الواقع موضوع الذكري السنوية دى كانت من أختراعي أنا، الوصية بتقول زى ما قولت قدام عبدالعال بيه، أنه يتجوز بنت وينصلح حاله بس 

أنتفض "تيام" من مكانه غاضبًا على تلاعب الجميع به وقال بصراخ:-
-أنت أتجننت، أزاى تدي لنفس الحق دا وبصفتك أيه؟ بتلعب بيا

-عشان مصلحتك وشوف دلوقت بقيت أيه وفين؟ والشهرين دول لحد ما التطويرات اللى هتعملها  تخلص
قالها بهدوء شديد وكاد أن ينفجر "تيام" من الغضب لكن "جابر" كان هادئًا يقابل عاصفته بالهدوء وكاد أن يغادر لكن أوقفه صوت "جابر" يقول:-
-أقعد خلينا نخلص كلامنا دا..

جز "تيام" على أسنانه بغضب سافر ولم يجلس مكانه وظل واقفًا بعيدًا ليقول "جابر" بهدوء:-
-أنا عرضت على أنسة زينة تكون المدير العام والرئيس ونائب الرئيس ليكم وبعلاقاتكم دى مش هتفلحوا ولا رئيس ولا نائب رئيس

نظر الأثنين فى صمت بهدوء، لأحدهما سينازل عن منصبه والأخر سيأخذ منصب كبير كهذا بعد أن تلاعب الجميع بيه.....

________________________ 

-هو عايز يجي يقابلك ويطلبنى منك
قالتها "مسك" بتوتر شديد وهى جالسة أمام والدها الذي أستمع لحكايتها فى صمت دون ان يتفوه بكلمة واحدة، سألها بحزم شديد:-
-أنتِ عايزة تتجوزيه يا مسك؟

نظرت إلي والدها بأرتباك ولم تجرأ على الحديث أمامه فأومأ برأسه بتفهم وقد علم بجوابها دون أن تتحدث نهائيًا، وقف من مكانه وذهب ليتركها حائرة فى رد والدها لم يخبرها بموافقته أو رفضه على "تيام" أستمع لكل شيء منها ثم ذهب دون أن يُجيب مما زاد من قلقها وتوترها، غادرت "مسك" المنزل وذهبت إلى منزل والدتها بقلق يحتلها من أن يرفض والدها إذا كان ما زال يحمل فى طياته غضبًا من "تيام" فرغم مسامحته لها لكنه حازمًا وصارمًا جدًا معها، دلفت إلى غرفتها وألقت بجسدها على الفراش بحزن، ولجت "بثينة" خلفها وجلست جوارها بقلق وسألت:-
-مالك يا مسك؟

-مفيش يا ماما
قالتها "مسك" بضيق قوى وخنق يكتم أنفاسها بداخلها، مسحت "بثينة" على رأسها بلطف وقالت:-
-هو انا مش عارفاكي يا مسك، أيه اللى مزعلك

-مفيش يا ماما صدقينى
قالتها "مسك" بزمجرة أكثر من إصرار والدتها على الحديثوأغمضت عينيها بحزن يحتلها...

__________________________ 

وصل "تيام" إلى القاهرة فى اليوم التالي وذهب إلى حيث منزل "غريب" وجلس فى الصالون ينتظره، راسلها فى الهاتف بقلق وتوتر شديد قائلًا:-
-والدك مش عايز يخرج لي يا مسك!!

خرجت "مسك" من غرفتها بعد رسالته لترى والدها يخرج من الغرفة وحدق بها بنظرة قوية أوقفتها مكانها وجعلتها تزدرد لعابها بقلق، وقفت "غزل" خلفها تربت على أكتافها وقالت:-
-متقلقيش يا مسك

خرج "غريب" إلي الصالون وكان "تيام" جالسًا مع "جابر" ووقف بسرعة مع خروجه أحترامًا له، مد يده إلى "غريب" وقال:-
-أنا تيام الضبع

لم يصافحه "غريب" وجلس على المقعد، نظر "تيام" إلى "جابر" بحيرة وهذه البداية لم تكن تسر القلب أبدًا، وقفت "مسك" تراقب كل شيء من بعيد وبعد أن رأت مقابلة والدها تجمعت الدموع فى عينيها بخوف من تجمده، تبسم "تيام" رغم كل شيء وبدأ يتحدث عن نفسه وعن عمله فى القرية كونه رئيسًا لها ومالكها، وبعد أن أنهي هذا الحديث قال بعفوية وسعادة تغمره:-
-أنا جاي لحضرتك النهار دا عشان أطلب أيد دكتورة مسك على سُنة الله ورسوله

هز "غريب" رأسه يمينًا ويسارًا بالرفض القاطع وقال:-
-أسف أنا معنديش بنات للجواز

-أمال اللى جوا دى أيه، أدخل أجبهالك بنفسي لو مش واخد بالك منها
قالها "تيام" بسخرية من كلمته ليربت "جابر" على قدمه بلطف حتى يهدأ ولا يتحدي هذا الرجل وقال بعفوية:-
-ممكن بس تأخد وقت وتفكر إحنا مش مستعجلين وأسال العروسة... أنا أسف فى الكلمة بس هم اللى هيعيشو ا مع بعض 

-أنا كلمتي واضحة، أنا مش هجوز بنتى لواحد زي دا
قالها "غريب" بحدة صارمة، نظرت "مسك" إلى أختها بحزن شديد رغم علم والدها بحبها إليه وهو وحده من شهد على معاناتها فى بُعده، هو من دفع بنفسه تكاليف المرضي وسمح بفتح غرفة العلميات لها فقط حتى تتعافي من الفراق وتنشغل عن الألم الذي بداخلها والآن يحكم عليها أن تعيش فى هذا الألم مدي الحياة، ربتت "غزل" على كتفها بلطف ولا تعلم ماذا تفعل أو تقول لها؟

وقف "تيام" من مكانه غاضبًا من هذا الرجل وصرخ به وقد فاض به الأمر ولن يتحمل فكرة فراقها أو رفضه:-
-أنت فاكر أنى معرفش اتجوزها، أنا عملتها قبل كدة وأقدر أعملها تاني وثالث ومحدش هيقدر يمنعني 

-متقدرش تتجوزها، أدخل انا أجبهالك وتشوف هتتجوزها ولا لا
قالها "غريب" بحدة صارمة ليصرخ "تيام" بغضب قاتل:-
-هتجوزها غصب عنك وعن اللى يتشدد لك ....

قاطعته صوتها الحاد تقول بقسوة غاضبة من طريقة حديثه مع والدها وصوته العالي فى وجه "غريب":-
-تيــــــــــــــــــام

توقف عن الحديث فى حضرتها ونظر إليها ليراها تقترب منه وترتدي فستان وردي اللون وتضع مساحيق التجميل وتزينت كعروسًا لاجله بهذه اليوم وعينيها تلوثت بدموعها بعد أن سمعت رفض والدها القاطع لهذا الأمر، لم يقوي على رؤية دموعها بهذه اللحظة وقال بهدوء ونبرة مُرتجفًا خائفًا من فقده:-
-بيقولي مش هتجوزك يا مسك

حاولت أصطنع القوة أمام الجميع وقالت:-
-وأنا قولتلك أيه؟

أبتلع لعابه بأرتباك وقال بضيق شديد من رفض والدها:-
-مش هتتجوزينى غير بموافقة باباكي.. بس هو

-لما تزعقله مش هيوافق يا تيام، أنت عايزاه ميوافقش
قالتها بهدوء شديد حتى يهدأ من روعته وتخمد نيران غضبه الذي أحتله للتو فهز رأسه بالرفض إليها، تطلع "غريب" بهما وهكذا "جابر" الذي يشفق على هذا الثنائي، وقف "غريب" من مقعده بحزم رغم رؤيته لدموع أبنته التى هزمتها وتساقطت من جفنيها أمام الجميع وترمق "تيام" بنبرة دافئة مُطمئنة رغم بكاءها وقال:-
-أنا قراري مفهوش رجوع عايزة تتجوزيه من ورايا تاني يبقي براحتك لكن بعدها تنسي أنك بنتي عمري كله وحتى جنازتك متمشيش فيها

نظرت "مسك" إلى والدها بعجز شديد يتملكها ثم تمتمت بلهجة واهنة وصوت يكاد يخرج من بين ضلوعها:-
-أمشي يا تيام

ركضت إلى غرفتها باكية بأنهيار تام، دلفت "غزل" وراها لتراها تقف باكية أمام المرآة وقالت بحزن:-
-ليه؟ ها ليه؟ أنا بحبه يا غزل، قسيت عليه كتير ووجعته ليه بابا كمان يقسي عليه ها... ليه أنا بحب تيام يا غزل....

توقفت عن الحديث عن سقطت على الأرض فاقدة للوعي تمامًا من هول الصدمة التى أحتلت قلبها وعجزها عن الذهاب إليه بسبب حديث والدها..

فى الخارج رأها "تيام" تركض للداخل باكية وضعيفة، عاجزة عن الذهاب إليه فقال بضيق:-
-ليه؟ إيه اللى مش عاجبك فيا وأنا هغيره؟ أشرط عليا أى شرط حتى لو طلبت حتة من السماء أقسم بالله لاجبهالك عشان مسك، أطلب وأمر باللي عايزه مهما كان صعب ومستحيل وهحققه لك عشان مسك..

قاطعه صراخ "غزل" التى خرجت مهرولة من الغرفة وقالت بذعر شديد:-
-بابا مسك واقعة جوا ومش بترد عليا .....

هرع الجميع للداخل بصدمة ألجمتهم جميعًا، حملها "تيام" على ذراعيه ونزل إلى السيارة مع والدها و"جابر" أخذوا للمستشفي وتركه "غزل" مُختبئة فى المنزل، ظل الطبيب بالداخل كثيرًا يفحصها و"تيام" يكاد يتوقف قلبه من الخوف مُرتعبًا من أن يحدث لها شيء ويفقدها، خرج الطبيب بوجه حزين إلى "غريب".. رمقه "غريب" بقلق من وجهه وملامحه الحزين بينما هرع "تيام" إليه وقال:-
-مسك بقيت كويسة؟

نظر الطبيب إليه بأسف ثم نظر إلى "غريب" لا يعلم كيف يخبره بحالة أبنته التى لطالما عالجت المئات والآن هى من تحتاج للعلاج، تمتم الطبيب بنبرة هادئة حزينة:-
-دكتورة مسك عندها ورم فى الدماغ

أتسعت عيني "غريب" على مصراعيها بصدمة ألجمته وقد فهم الآن سبب الإغماءات الكثيرة وحالة الضعف التى أصابت أبنته مؤخرًا، ربما كانت تحمل هذا الورم من فترة طويلة لكن لم تسوء حالتها ولم يظهر ضعفها إلا عندما فارقت "تيام"، الفراق وألمه تملك من مرضها وأخبرها جسدها بكل مرة تسقط فاقدة للوعي عن حالته المتدهورة لكنها لم تعري أهتمام إلى لقلبها العاشق الذي يبكي من الفراق بينما نظر "تيام" إلى الطبيب وتساقطت دموعه كالفضيان من جفنيه لا يستوعب ما يسمعه وما أصاب محبوبته وكأن كل شيء بالحياة اليوم أجمع على تدمير هذه اللحظة التى أنتظرتها معه، جاء اليوم من الغردقة فقط ليتزوجها ويلبسها خاتم زواجهما لكن بدأ الأمر بقسوة والدها والآن قسوة القدر عليها.......

  
الفصــــــــــل الرابع والعشـــرون (24)
بعنــــــوان " لحظات من القلق"

علمت "مسك" بمرضها من الطبيب وبلحظة علمها فقدت كل طاقتها، يتعايش الإنسان مع المرض دون أن يعلم بما يحدث داخله لكن فور علمه يتملك من الخوف ويبدأ الضعف يحتله ويهزم كل قواه، سألت بقلق:-
-تيام فين؟
-أنتِ بتفكري فى أيه؟ دا وقته يعنى يا مسك، المفروض تستعدي للعملية 
قالها "غريب" بحزم والخوف يتملكه من هذا المرض والورم الذي يضغط على أنسجة وخلايا عقلها، تحدث "مسك" بجدية صارمة:-
-فين تيام!! برا صح؟ أنا متأكدة أنه مسبنيش هنا ومشي، أمرت رجالتك يمنعوه يدخل ليا صح ولا منعته يدخل المستشفي كلها؟؟
لم يجيب عليها فتأففت بغضب ونزعت الكانولا الطبية من يدها بحزم رغم ضعفها على وشك مغادرة المستشفي ليوقفها "غريب" بصدمة ألجمته من محاولة ابنته لمغادرة المستشفي فصرخت "مسك" بألم يمزقها من الداخل قائلة:-
-أنا مش هعمل العملية، خليني أموت وارتاح، أساسًا أنت حكمت عليا بالموت 
أندهش والدها من كلماتها وهل ستعاقبه على رفضه لزواجها من هذا المُحب بمرضها، تحدث "غريب" بقسوة نابعة من خوفه على ابنته:-
-عشان رفضت تتجوزي واحد صايع زيه
فتح باب الغرفة ودلف "تيام" إلى الغرفة بعد أن سمع صوت صراخها من الخارج، رأها ترجلت من الفراش وتقف أمام والدها وتتحداه بقوة رغم ضعفها وجسدها الهزيل، تحدثت "مسك" بعنادٍ وتحدٍ:-
-تيام مش صايع، وأنا مش هتجوزه زى ما أنت طلبت عشان مش هتجوزه من غير موافقتك 
أتسعت عيني "تيام" على مصراعيها من كلماتها ليُدهش من جراءتها وقوتها الهزيلة عندما تابعت الحديث:-
-لكن متحلمش أنى أدخل أوضة العمليات نهائيًا وروح حضر ليا كفني يلا
مسكها "غريب" من ذراعها قبل أن ترحل من أمامه وقال بدهشة قاتل:-
-كل دا عشان تيام، هتختاري الموت عشانه، بتمسكينى من أيدي اللى بتوجعني
دمعت عينيها بحزن شديد من ألم قلبها وما زالت عينيه الباكية محفورة فى ذاكرته، ما زال خوفه عندما ترجاها بألا تتركه ورجفته تغتصب عقلها وتمزقه لإشلاء وتحدثت بنبرة واهنة ودموعها تتساقط وسط بكاءها:-
-أساسًا أنا ميتة من غيره، ولو على الأيد اللى ممسوكة فأنت اللى مسكتنى من أيدي وكتفتني وقت ما خيرتني بين الحياة والموت، لما خيرتني بين قُربي منه وبعدي عنه، والله بعده هو موتي 
-مش هتجوزيه يا مسك
قالها "غريب" بغضب سافر لتضرب "مسك" قدمها بالأرض غيظًا وقالت صارخة:-
-وأنا مش هدخل أوضة العمليات غير وأنا مراته ايه رأيك بقي، اختار زى ما خيرتني 
ألتفت لكي تغادر فرأت "تيام" واقفًا أمام باب الغرفة وسارت نحوه لتأخذه من يده وغادرت المكان، تاركة القرار بين يدي والدها هو من سيختار الحياة أو الموت لأبنته؟، تشبث "تيام" بيدي "مسك" التى اصطنعت القوة أمام والدها لأجله وقال بقلق:-
-مسك!! 
تبسمت بلطف رغم مرضها وقالت بغمغمة خافتة:-
-متخافش يا تيام، ساعة وهيجي موافق وأنا ورمي حميد والدكتور طمني أن العملية كبيرة بس نسبة نجحها كبيرة... 
التفت إليه بعد أن توقفت عن السير ورفعت يدها إلي وجنته تلمس لحيته بلطف وعينيها المُنطفئة من الألم تسكنهما لامعة خافتة بالعشق وهمست بحب:-
-أنا قولتلك أنى مش هسيبك 
أومأ إليها بنعم وأخذها من المستشفي للخارج ورحل...... 
__________________________ 

دق جرس الباب لتفتح "بثينة" ووجدت "مسك" تقف أمامها، دلفت للداخل بتعب شديد ثم قالت:-
-تعالي يا مسك، كنتِ فين من الصبح؟

-بثينة
قالتها بنبرة هادئة، أستدارت "بثينة" بصدمة الجمتها وعينيها تحدق بوجه أبنتها وتمتمت بتلعثم شديد:-
-غزل!!

تبسمت "غزل" بعفوية ورفعت القبعة عن رأسها وأسرعت نحو والدتها تعانقها بقوة، ضمتها "بثينة" بصدمة ولا تصدق وما زالت لا تستوعب رؤية أبنتها المتوفية حية أمامها الآن، جلست "غزل" مع والدتها تُحدثها بالكثير والكثير فتساءلت "غزل" عن أختها بقلق بعد أن علمت بمرضها من "غريب":-
-فين مسك؟

-خرجت من الصبح 
قالتها "بثينة" بقلق على أبنتها المريضة، رنت "غزل" على هاتف "مسك" ولم تجيب عليها...

____________________________ 

أخذها "تيام" إلى بناية على النيل وصعد إلى الطابق العاشر، تمتمت "مسك" بهدوء قائلة:-
-لو تفهمني بس أنت جايبني علي فين

سار بها فى الرواق حتى وصل إلى باب الشقة وفتحها بالمفتاح لتُدهش من جمال الشقة وأثاثها بينما يتبسم "تيام" بعفوية وقال:-
-عجبتك

-دى جميلة أوى
قالتها "مسك" بنبرة واهنة من مرضها الذي أنهكها من التعب ثم نظرت إليه بإعجاب ليقول بحب:-
-أنا جبتها عشانك، كنت خايف والدك يرفضني عشان عايش فى الغردقة، خليت جابر يجهزها كلها عشان لما أجي له 

تبسمت "مسك" إليه بسعادة وقالت:-
-هتشوف يا تيام، أنا وعدتك مش هسيبك

هز رأسه إليها ورحل الأثنين معًا، عاد إلى منزل والدها وبعد أن أوصلها رحل رغم قلبه المرتجف خوفًا من مرضها هذه القنبلة التى تحملها بداخلها، خصيصًا أنها الآن ترفض علاجها والخضوع للجراحة بسببه ولأجله، ظلت جالسة على الفراش بتعب لا تصدق كيف تحول حالها، كان الجميع يتحدث عن قوتها والآن أصبحت ضعيفة هزيلة لا تقوي على رفع قبضتها، فتح باب الغرفة ودلف "غريب" غاضبًا من تصرف ابنته قائلًا:-
-يستاهل تيام اللى بتعمليه دا؟
-اه يستاهل
قالتها بتحدٍ وغيظٍ من هذا الحديث وعناد والدها وتمسكه برفضه القاطع ولا يقبل الجدال، وقف أمامها مُندهشًا من حُب ابنته لهذا الرجل وتمسكها بيه، قال بإعجاب:-
-حبيتيه أمتى يا مسك الحب دا كله، فى التسع شهور دول

أخذت نفس عميق من داخلها ثم تحدثت بجدية:-
-اه يا بابا، حبيته.. التسع شهور دول فضلت أحميه فيهم، عالجته وأهتمت به زى ابني، طبطب عليا وقت ما قولتلي غزل ماتت، أعتذرلي عن العالم كله يا بابا عشان دموعي بس نزلت، بيخاف عليا ومستعد يعمل أى حاجة عشاني، بيحبنى وبيخاف من غيري، أنا قوته وسنده يا بابا.. مش هو راجل بشنبات بس بيستقوي بيا وأتغلب على شيطانيه عشاني، مستعد يعمل أى حاجة عشان بس أكون له... أنا قولتله مش هتجوز من غير موافقتك عشان مهانش عليا زعلك منى مرة تانية بس أنت مخوفتش على زعلي ولا هان عليك قلبي، أنت أكتر واحد يا بابا شوفتني فى بُعده، أنا كنت ميتة من غيره .. أترميت فى حضنك من ضعفي وغلبي ، وقفت قصاد قلبي عاجزة عن علاجه

تنهد "غريب" بهدوء عاجزًا عن الحديث أمامها ثم قال:-
-ماشي يا مسك أتجوزيه بس نعمل العملية

-لا! أنا مش هدخل أوضة العمليات غير وأنا مراته
قالتها بتذمر شديد ليتأفف "غريب" من ذكاء ابنته وقال:-
-مش واثقة فى كلامي، خايفة بعد ما تخرجي أغير رأي

لم تجيب عليه فظلت صامتة تمامًا أمامه لا تجرأ على الموافقة على حديثه ليتنهد بجدية ووافق على الزواج وتحدث قائلًا:-
-ماشي أتجوزيه بس بسرعة عشان العملية يا مسك....

غادر الغرفة لتبتسم بعفوية وسعادة غير متزانة من الألم، لا تعلم إذا كان الزواج منه بمرضها هو الأفضل أم هجره لكونها مريضة .....

________________________ 

صُدم "زين" مما سمعه عن حالتها من "جابر"، لم يستوعب شيء وعقله لا يفهم هذا القدر الذي يلعب معهما، وذهب إلى القاهرة مع "ورد" لأجلها، أوصلهم "جابر" إلى شقة "تيام" وكان ينتظر وصول "زين" ليقول:-
-كل دا

-هو بأيدي يعنى
قالها "زين" بتذمر شديد، رن هاتف "تيام" بأسمها ليقول بهدوء:-
-ألو

صرخت "مسك" فى أذنه بالهاتف رغم مرضها تقول:-
-أنت فين يا تيام؟ أتاخرت 

سألها بهدوء ويديه تعقد رابطة عنقه بتعجل شديد قائلًا:-
-أتأخرت على أيه بس؟

-هتستعبط أنت مش جاي تطلبنى من بابا، والله يا تيام لو أتأخرت على نص ساعة لأغير رأي
قالتها "مسك" بنبرة قوية غاضبة من تأخره على موعده مع والدها، وقفت خلف باب غرفتها تنظر على والدها الجالس فى الصالون غاضبًا من تأخر "تيام" عن موعد وصوله لكنه لا يملك شيء أمام مرض ابنته فقالت بهمس شديد:-
-يا تيام الله يخليك بابا مش محتاج تضغط على أعصابه أكثر من كدة، والله لأقتلك لو أتأخرت أكتر من كدة على طلبي

خرج ركضًا من الشقة مع "زين" الذي يسحبه من يده بخوف من غضب محبوبته وقال:-
-أستعجل يا زين 

ضحكت "ورد" وهى تنزل وراءهم بهدوء، أنطلق بسيارته إلى حيث منزل "غريب"، وجده مُستشاطًا غضبًا من تأخيره بسبب "زين" ورغم هذه اللحظة السعيدة لكن الجميع كان يسكنهم الخوف والقلق عليها، كان "تيام" يُحدث والدها وعينيه عليها تراقبها أثناء جلوسها مع "غزل" و "ورد" و"بثينة"، يقتله الخوف وهكذا القلق ربما يُسعد القلب بموافقة والدها لكن كيف يخمد نيران قلقه وهو يعلم بأن داخل رأسها الصغير مرضًا يكاد يقتلها بأى لحظة، تمني أن يحقق لها ما لم يفعله سابقًا فى زواجهما، أن ترتدي لأجله فستانًا أبيض وحفل زفاف ويحقق لها كل طقوس الزواج لكن للقدر رأيٍ أخر ومن جديد عقد قرآنه عليها دون أى ترتيبات أو تخطيطات لأسعادها، تحدث "غريب" بجدية وخوفه يزداد كلما مر الوقت عليها:-
-أديني عملت اللى عايزاه، بكرة الصبح تكوني فى المستشفي 

نظرت "مسك" إليه وهى تقف جوار "تيام" وقالت:-
-ماشي، أنا عايزة أقعد مع تيام شوية ممكن

نظر "تيام" إليها بقلق من طلبها، أومأ "غريب" إليها بنعم ليأخذها "تيام" إلى شقته بعد أن أتفق مع والدها أن يحضرها غدًا للمستشفي بنفسه، جلس معها على الأريكة بهدوء ويحدق فى وجهها لتقول بهمس وعينيها ترمقه بحُب شديد ولا تعلم أن كانت ستتكرر هذه اللحظة أم لا:-
-تيام، مُتيمي العاشق 

لمست وجنته بأناملها الصغيرة وعينيها تبتسم إليه أكثر من شفتيها لتتابع بحُب:-
-أنا بحبك وندمانة والله على كل الوقت اللى ضيعته فى عنادي وكبريائي بعيد عنك

أخذ يدها بلطف فى يده ويكبح ألمه بداخله فقال بدفء:-
-هنعوض يا مسك، هنعوض كل حاجة يا روحي.. أنتِ هتعملي العملية وهترجعيلي ونعوض كل حاجة

أومأت إليه بنعم لتضع رأسها على كتفه بتعب من يومها الطويل، حملها على ذراعيه برفق وأدخلها إلى غرفة النوم ثم أنزلها على الفراش أعطاها العلاج يسكن ألمها قليلًا ووضع الغطاء على جسدها النحيل ثم قال بلطف:-
-هشوف لك حاجة تأكليها يا حبيبتي

خرج من الغرفة ودلف للمطبخ، جهش باكيًا وأطلق العنان لأوجاعه والدمع ينهمر من عينيه دون توقف، لم يتحمل قلبه هذا الألم أكثر من هذا لكنه يجب أن يكن قويًا وصامدًا لأجلها...
ترجلت من الفراش وسارت فى أرجاء الغرفة تتفحصها بأعجاب ثم بدلت ملابسها إلى بيجامة قطنية مُريحة أكثر وخرجت تبحث عنه بعد ان تأخر لتسمع صوت شهقاته المكتومة من داخل المطبخ، وقفت بالخارج تستمع لألمه الذي يكبحها بداخله لأجلها ودمعت عينيها مع بكاءه ثم عادت للغرفة بحزن وجلست على الفراش تفكر في مستقبلها وقدمها على الحافة، فتح باب الغرفة ودلف "تيام" بطبق من الفاكهة وقال مُبتسمًا يخفي ألمه:-
-ملاقتش حاجة غير دي

-تيام
قالتها بصوت خافت ليستدير بعد أن وضع طبق الفاكهة على الطاولة فرأها تشير له على الفراش بأن يجلس جوارها، أقترب بقلق ثم جلس جوارها وعينيه لا تفارقها، ظلت تنظر إلي وجهه الباكي وتساءلت كيف أخفي أوجاعه عنها بهذه المهارة، صوت شقهاته ما زالت يخترق أذنيها لكنه الآن أمامها يبتسم بأشراق مُصطنع، تمتمت بنبرة دافئة:-
-نفسك فى أيه يا تيام؟ معايا يعنى حاجة أعرف أعملهالك 

أخذ يدها فى يده بدفء وقلبه الحائر يمزقه من الداخل، حائرًا بين السعادة والخوف، القلق والحُب.. تبسم "تيام" إليه وقال:-
-أنتِ يا حبيبة قلبي وعمري كله، أنتِ نفسك فى ايه يا مسك؟ والله لأحقق لك كل اللى بتتمنيه

تبسمت "مسك" بوجهها الشاحب رغم مساحيق التجميل التى تضعها وتزيين به وجهها الذي يحتله المرض، يخيم على عينيها كالمُحتل، مُنذ أن أكتشفت مرضها وظهر المرض على جسدها... باتت أضعف وشاحبة فرمقته ببسمتها المُنطفئة وقالت:-
-أنا مش عايزة حاجة يا تيام، أنت نفسك فى ايه أعملهولك 

لمس وجنتها بيده الباردة وعينيه تحدق بكل أنش فى وجهها وتأملها كأنه يحفر ملامحها فى قلبه المُرتجف من الخوف، يخف من فقدها بأى لحظة بسبب هذا المرض الذي يأكل رأسها من الداخل، تحدث بحب قائلًا:-
-أنا عمري ما أتمنت حاجة قدك يا مسك

زادت بسمتها الواهنة مُدركة أنه يتألم وخائفًا من داخله رغم صموده القوي أمامها لتقول بحنان:-
-وأنا ملكك يا تيام

تبسم إليها بخفة فرفعت يدها إلى وجنته تلمس شعيرات لحيته الناعمة وقلبها ينبض من الداخل كالمجنون، لا تصدق بأنها الآن بين ذراعيه وعلى وشك مفارقته بسبب هذا الورم اللعين الذي سيفرقهما عن بعضهما، وضعت جبينها على جبينه تستند عليه فتمنى لو تستطيع أن يمتص هذا الورم من رأسها وأخذه هو ليخفف من وجعها قليلًا، شعرت بأنفاسه تختلط مع أنفاسها ويديها تحيط بوجنتيه بدفئها فتمتمت بنبرة هامسة:-
-بحبك، أنا بحبك يا مُتيمي العاشق

تساقطت دموعه رغمًا عنه بخوف بعد هذا القدر، غمغم بضعف شديد:-
-متسبنيش يا مسك، أنتِ وعدتني يا قلب مُتيمك 

أقتربت "مسك" أكثر منه لتقبل دموعه التى شقت طريقها على وجنتيه حتى ينتهي طريقها بين شعيرات لحيته البنية، شعر بأنفاسها ونعومة شفتيها لتزداد دموعه أكثر بألم من قلبه كان يحلم بهذه اللحظة كثيرًا أن يُضمها ويقبلها بحُب لكنه لم يتخيل لبرهةٍ من العمر أن يفعل ذلك فى ألم وقسوة الفراق الوشيك وبلحظة الخوف التى تمزقه من داخله، لا يعرف أيسعد لوجود حبيبته بين ذراعيه أم يبكي خوفًا من الفقد الذي يقترب منهما، تمتمت "مسك" بنبرة هامسة:-
-متخافش يا تيام

أومأ إليها بنعم وسرق أنفاسها الضعيفة بقبلته الناعمة لتتشبث "مسك" بقميصه بأناملها الضعيفة ولأول مرة تظهر خوفها من المرض فى رعشة يديها وتشعر بيديه تحيط بظهرها ويجذبها إليه أكثر وأكثر لم تكن القبلات والحُب وحدهم الذين يلمسون قلوبهم بهذه اللحظة بل الدموع كانت سيدة الوقت ولحظتهما معًا... 

____________________________ 

خرج "غريب" فجرًا من غرفته بوجه شاحب لم يغفو له جفن وأبنته المريضة بعيدة لا يعرف ماذا يحدث لها؟ هل تتألم أم سكن مرضها وتوقف لبرهةٍ من الوقت عن تمزيقها من الألم، رأى "بثينة" راكعة على سجادة الصلاة وتبكي خوفًا وتترجي خالقها ورب الكون بأن يُشفي طفلتها ولا يُصيبها شيء، دمعت عينيه من حالة الخوف المُخيمة على قلوب الجميع... جاءت "غزل" من خلفه وقالت:-
-أنت كمان منمتش يا بابا، أنا لسه قافلة مع تيام وقالي أن مسك كويسة 

-يارب يا غزل وأنا هعوز أيه أكتر من أنها تكون كويسة
قالها بحزن شديد ودلف من جديد إلى غرفته لتنظر "غزل" على والدتها بهدوء ثم عادت لغرفتها دون أن تقاطعها ....

_________________________ 

دلف "تيام" إلى الغرفة بعد أن أنهي الأتصال مع "غزل" ورمقها وهى نائمة وسط الفراش، جلس جوارها يتأملها ويده تمسح على رأسها بلطف ووجهها الشاحب وجسدها باردًا، رفع "تيام" الغطاء ليخفي ذراعيها العاريين بسبب برودتها وقبل جبينها، فتحت "مسك" عينيها صباحًا وشعرت بثقل على رأسها فحركت رأسها قليلًا، رأته جالسًا جوارها ورأسه مُتكئة على رأسها بعد أن غلبه النوم فى ليله الطويل، تبسمت عليه وظلت محلها حتى لا تقظه تتأمل ملامحه البريئة فى نومه، تمتمة بلطف إليه:-
-مش هسيبك يا مُتيمي، أوعدك أنى هفضل قوية عشانك 

لمست وجنته بأناملها الدافئة ووضعت قبلة على جبينه ثم تسللت من الفراش وهى تسرق روبها من أسفل قدمه وتهرب للخارج برفق حتى لا تقظه، ارتدت الروب ودلفت للمطبخ تعد له الإفطار بسعادة وقلب يضع حُبه فى كل شيء تفعله، خرجت تجهز السفرة وترتب الأطباق عليها لتشعر بيديه تحيط بخصرها ورأسه تتكأ على كتفه بلطف وهمس إليها:-
-صباحية مباركة يا حبيبة قلبي

تبسمت إليه بلطف وخجل شديد جعل وجنتيها تتورد ويزداد أحمرارها كحبة طماطم ثم قالت بخجل وتلعثم:-
-يلا عشان تفطر

جلس على السفرة وهى جواره ليتناول طعامه ووجده مالحًا كأنها وضعت كل الملح الموجود فى المنزل فى طبقه، رفع نظره إليها ليراها تبتسم إليه بسعادة فأبتلع لقمته سريعًا رغمًا عنه لاجل بسمتها فقط، نظرت إلى الطعام وقبل أن تأكل من هذا الطبق وضع لها القليل من الجبن الرومي وقال:-
-كُلي بسرعة عشان نلحقهم فى المستشفي مش عايزين نتأخر

منعها من تناول طعامها السيء أو تذوقه بطريقة غير مباشرة وأستعدا معًا لأجل الذهاب إلي المستشفي وكان والدها و"بثينة" فى أنتظارها، ذهبت "مسك" مع الأطباء لفحصها والخضوع إلى الأشاعات والتحاليل من أجل التحضير إلى الجراحة وعادت من جديد إلى منزل "تيام"، دلف "غريب" إلى طبيبها المتخصص فى الأورام وسأله:-
-طمني يا دكتور 

-متقلقش دكتورة مسك صحتها كويسة والورم حميد وبعيد عن منطقة الخطر، إحنا هنستئصله بس عشان متضغطش أكثر على الأنسجة ونسبة نجاح العملية فوق الـ 70% وعمومًا إحنا حددنا ميعاد العملية أخر الأسبوع

نظر "غريب" إليه بقلق وقال مُتمتمًا:-
-يعنى فى 30% خطر

صمت الطبيب ولم يُجيب علي كلمته ليغادر "غريب" بقلق شديد...

________________________ 

تحدثت "غزل" مع "زين" بجدية وقالت:-
-طلع مسك من الموضوع، محدش يعرف بكر قدي وأنا هساعدك فى دا

نظر "زين" إليها بحيرة لكنه لا يملك خيار سوى الثقة بها، أومأ إليها بنعم وقال بجدية:-
-نطمن بس على عملية مسك وبعدين نشوف هنعمل أيه؟

أومأت "غزل" إليه بنعم موافقة على هذا الرأي....

__________________________

دلفت إلى غرفة العمليات وقد مر الأسبوع سريعًا، كان على وشك الموت دونها ولا يعلم ماذا سيحدث بالداخل؟ وقف "تيام" فى مسجد المستشفي وبدأ فى الصلاة وعينيه تبكي بخوف بل رعب يحتله من الساعات القادمة التى تمر وهى بين أيدي الأطباء، دعي كثير ولم يجد له نجاة سوى الدعاء لها والرجاء من الله بأن يرحم ضعفه وقلة حيلته، ألا يصيبه فى قلبه ويعاقبه على كل ما فعله فى حياته بها، تمتم بدموع غارقة لم يعد يرى شيء من كثرة:-
-يارب أنا ماليش غيرك، متعاقنيش فيها، عاقبني لو مقبلتش توبتي أنا راضي بأى عقاب بس مش فى مسك، أرحم ضعفي وقلة حيلتى 

أنهي صلاته وذهب رغم مرور الساعات لكن لم يخرج لهما أحد ولم يطمئنهما الطبيب، كان الوقت يمر على الجميع ببطيء يقتلهم من الأنتظار الممزوج بالخوف من الفقد أو حدوث شيء أخر غير متوقع، ربتت "ورد" على يدي "بثينة" بقلق يحتلها هى الأخري وقالت:-
-إن شاء الله خير

أومأت "بثينة" لها بنعم وجلست تقرأ فى المصحف لأجل ابنتها حتى مر الوقت المُتبقي وفتح باب الغرفة وخرج الممرضين بها على التروالي فهرع "تيام" إليها ورأي رأسها مُحاطة بشاش طبي وهى مُغمضة العينين، لمس يدها بلطف وقال:-
-مسك

نظرت "بثينة" إلى ابنتها وعينيها تبكي بألم على رؤيتها هكذا لكنها لم تتوقف عن قول (الحمد لله) لخروج أبنتها حية، أخذوها إلى غرفة كبار الشخصيات ووضعوها على الأجهزة، صُدم "تيام" والجميع عندما علموا بأن لا تستجيب للإفاقة وقد غابت عن الوعي لأجل غير مسمي....
مر الوقت وقد فقد "تيام" كل قوته وطاقته بسبب خوفه من حديث العرافة رغم أنه لم يُصدق بهذا التنجيم والخرافات من قبل، لكنه فارقها وأيامه تشدد صعوبة معها، مُنذ صغره وهو وحيد كأن الوحدة كُتبت عليه حتى مماته، كان يراقبها يومًا بعد يوم والأطباء يفحصوها دومًا ويأخذوها للأشعة ليطمئنوا عليها ويعيدوها للغرفة من جديد، وقف الطبيب أمام "تيام" و"غريب" بقلق واضح، سأله "غريب" بخوف من أن يكن هناك شيء أصاب أبنته أسوء:-
-فى أيه؟ مسك فيها حاجة؟

أعطاه الطبيب تحليل الدم الخاص بأبنته التى أجرته أمس ثم قال بجدية:-
-دكتورة مسك حامل

أتسعت أعين "تيام" بصدمة ألجمته من وجود قلبًا أخر بداخلها منه، قطعة من روحه نشأت بداخل أحشائها ، لم يكن الرباط القوي هذا العشق الكامن بداخلهما كما قالت هذه العرافة بل أراد الخالق أن يكن هذا الرباط طفله منه وقلبًا صغيرًا ينبض بداخلها يمدها بالقوة لكى تصمد من أجله....

تعليقات



<>