أخر الاخبار

رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني2الفصل الثالث عشر13والرابع عشر14 بقلم نورا عبد العزيز

___ بعنـــــــوان “غـدر” ___

أنهت “عهد” حفلتها ونزلت عن المنصة ليقترب منها مجموعة من الطلاب يتصوروا معها بهواتفهم وبعد أن أنتهت من هذا ذهبت بأتجاه زوجها الواقف هناك بعيدًا عن ضجة الطلاب مُبتسمة بعفوية وسعادة ليأخذ “نوح” يدها ويسيروا معًا فقال “نوح” بعفوية:-
-مبسوطة

وضعت رأسها تستكين على ذراعه وهى تسير بصحبته وقالت بلطف:-
-جدًا يا حبيبي

فتح “نوح” باب السيارة من أجلها ثم صعدت للسيارة ليغلق “نوح” الباب وأنطلق بها دون ان ينتبه لهذه السيارة التى أنطلقت خلفه تراقبه عن كثب وكان مشغولاً بالحديث مع زوجته وهو يقول:-
-هتروح للدكتورة النهادرة

نظرت “عهد” على بطنها المنتفخة قليلًا وقالت:-
-لا بكرة أنا تعبانة أوى النهاردة وعايزة أرتاح

قالتها وهى تتكأ بظهرها على المقعد للخلف تسترخي بتعب، تبسم “نوح” بعفوية على زوجته المدللة وأخذ يدها فى قبضته ثم وضع قبلة على ظهر يدها بلطف تغمض عيونها بأستسلام وأرتياح كالسلام الذي يصيب الأهالى بعد نهاية الحرب وشروق الشمس بدفئها بعد ليل طويل بارد ونسماته فقالت بدلال:-
-نوح

نظر إليها رغم قيادته لتفتح عينيها وهى تدير رأسها إليه تتطلع به بحب يغمر قلبها ويجعله يتراقص كفراشة نالت حريتها وطير خرج من سجن الحياة ليحيا من جديد  فقالت بهمس:-
-أنا بحبك يا نوح وبشكر ربنا فى كل لحظة أنى مراتك ومرات راجل صعيدى بجد، بيحب وبيخاف على حرمه المصونة ورغم كل حاجة دماغك مُتفتحة لكن فى حاجات بيعجبنى فيها تقفيلك وغيرتك المُتشددة ودلالك المفرطة، كأنك عارف كويس ترخى فى أيه وتشد فى أيه، ودى حلاوتك وسحرك يا نوح راجل بجد تخطف قلب أى ست وتخليها تعشقك حتى فى زعلك وعصيبتك وتشددك

تبسم “نوح” إليها وهو ينظر للطريق ثم قال:- 
-الراجل بيكون راجل بجد وبيحس برجولتك لما بتكون وياه الست الصح، مش بس الست اللى لازم تختار صح والراجل كمان يا عهد لازم يختار صح، يختار اللى تكون له زوجة وأم وأخت وصديقة يستشيرها ويأخد برأيها، والست اللى تطلع الطفل اللى جواه وكأنه مراهق مهما كبر عمره

تبسمت “عهد” بلطف ثم قالت:- 
-حتى فى كلامك بتخطف يا نوح

تبسم وهو يوقف سيارته أمام منزله فترجلت “عهد” أولًا لينطلق هو مُجددًا ليذهب إلى عمله وتدخل هى فرأت “أسماء” تستعد للخروج وهى ترتدي فستان أخضر بنصف كم وأسفله قميص أبيض بكم يظهر أكمام بوضوح فسألت “عهد” بفضول شديد:-
-على فين يا جميل

ضحكت “أسماء” وهى تضع الطرحة على رأسها وشعرها يظهر من أسفلها ومُسدولًا على ظهرها وهتفت قائلة:-
-هروح السوق مع مرت عمي
 
نظرت “عهد” على “سلمى” وقالت بهدوء:-
-ماشي يا جميل

صعدت “عهد” للأعلى حيث غرفتها مُنهكة من العمل وأختناق بطنها وطفلها بسبب ملابسها الضيقة..

_______________________

أنهت “ليلى” جمع الكتب من القاعة وظلت بأنتظار العمل حتى وضعوا كل الصناديق فى السيارة النقل لتغادر الجامعة وهى تتحدث بالهاتف مع “عطيه” وتقول:-
-أه خلصت، هموت من التعب والجوع 

ضحك “عطيه على صوتها المُنهك ويظهر تعبها دون أن يراها ويشعر به فقال:-
-طب تعالى على البيت عايزك فى حاجة

سألته وهى تستقل سيارة الأجرة بتعب شديد:-
-حاجة أيه؟ عطيه أنا تعبانةبجد

تبسم وهو يقول :-
-أسمعى الكلام يا ليلى امال

أعطي السائق عنوان منزله ليأخذها إلى مكانه فدلفت للمنزل وفتحت “مريم” لها وكانت مُبتسمة بعفوية وحب مُرحبة بها وبوجودها وهى تقول
-أتفضلي 

دخلت “ليلى” بهدوء وحرج شديد من وجودها بمنزله دون زواج فرأت والدتها تجلس أمام السفرة بجوار المطبخ وهو بداخل المطبخ المكشوف وكان يطهو الطعام فقالت “مريم” بمرح وهى تضع يديها على كتفي “ليلى”:-
-عطيه بيطبخ ليك بنفسه

نظرت “ليلى” إليه بحب وضربات قلبها تغلب تعبها وأرهاقها فظلت واقفة تحدق به ليقول بهدوء
-روحى أرتاحي يا ليلى وأنا خمسة دجائج وهحصلك

تبسم وهى تتكأ بيديها على المطبخ وتنظر عليه وهو يقلب الجمبري فى الصوص على النار مع القليل من الخضراوات لتقول “ليلى” بنبرة خافتة:-
-أنت بتطبخ فى العادة

رفع نظره إليها ورسم بسمة مُشرقة على شفتيه ثم قال:-
-لا بس لأجل عيونك أنتِ

تبسمت “ليلى” وهى تتكأ على ذراعيها بتعب شديد وقالت:-
-ممكن تحط ليا شوية شطة 

أوما إليها بنعم ثم جهز الطعام وجلسوا يتناولوا الطعام معًا بصحبة والدته وهى ترمق “ليلى” بأستغراب شديد فجذب يد “مريم” بقوة نحوها ثم قالت بهمس:-
-مين البنت دى؟!

ضحكت “مريم” وهى تنظر إلى “ليلى” هذه الفتاة البريئة التى خطفت قلب أخيها ثم قالت بحب شديد:-
-دى خطيبة عطيه

عقدت والدتها حاجبيها وهى تقول بأستغراب أكثر شدة:-
-ومين عطيه دا؟

قهقهت “مريم” ضاحكة وهى تنظر على أخاها ووالدته لم تتذكر  ابنها نهائي، انهوا طعامهم ووقفت “مريم” تنظف السفرة وجعلت “ليلى” تجلس فى الصالون ليأخذ “عطيه” كوباين من العصير الطازج وذهب إليها ليراها من ظهرها وهى تجلس على الأريكة فألتف حولها ورأها مُغمضة العينين وقد غلبها التعب والنوم وأستسلمت لهما فجلس جوارها وهو يترك الاكواب على الطاولة وحاول إيقاظها بلطف حتى لا تفظ:-
-ليلي.. ليلي

هزت رأسها بتعب شديد وتُتمتم بصوت مبحوح :-
-اممم

تبسم وهو يأخذ يدها بين راحتي يديه وقال
-جومي نامي فى اوضة مريم

لم تعقب على حديثه أو تُجيبه بل سقطت رأسها على كتفه بتعب أكثر لكنه شعر ببرودة يدها على غير المعتاد فأخرج هاتفه من جيبه ورن على هاتف أخته لتأتى “مريم” بضيق من اتصاله بها رغم كونهم فى منزل واحد وقالت:-
-أيه يا عطيه ما تنادي عليا بتتصل ليه؟

أشار لها بأن تصمت حتى لا تقظ “ليلى” من نومه لتصمت “مريم” وهى تنظر على “ليلى” النائمة على كتفه وتبسمت بخباثة تغيظ أخاها ليقول
-شوف يدها أكدة باردة

تلاشت بسمة “مريم” وهى تقترب نحوهما بقلق وأخذت يد “ليلى” فى قبضتها لتشعر ببرودها فوقفت “مريم” وذهبت إلى غرفتها وأحضرت جهاز قياس الضغط ووضعته بذراع “ليلي” ثم نزعته بعد قليل وقالت:-
-ضغطها واطي هبابة بس متجلجش هتكون زينة، أنا هديها علاج وخليها نايمة

شعر بالقلق حتى من أصابتها بشيء صغيرة وخافت ورغم أن اخته أخبرته أنه ليس بشيء يستدعي القلق لكنه عاشق يرتجف قلبه قلقًا وخوفًا على معشوقته حتى لو كان مجرد خدش، تردد كثيرة فى حملها ليأخذها إلى غرفته، يخشي أن يفعل شيء محرمًا فيعاقب عليه فيما بعد لكن بقائها على الأريكة كان ضد رغبته ليستلم للأمر الواقع وجعلها تستلقى على الأريكة وهو يسند رأسها براحة يده اليمنى ووضع أحد الوسادات الخاصة بالأريكة أسفل رأسها وجلس على الأرض جوارها بقلق يتأمل ملامحها بحب هائمًا بكل تفاصيلها وملامحها البريئة ليقول:-
-سلامتك يا حبيبتي

تركها وغادر ليحضر لها غطاء من غرفته ويضع فوقها ثم وقف من جوارها ليقول:-
-خلي بالك منها زين يا مريم

أومأت إليه بنعم لينظر على “ليلى” نظرة سريعة ثم ذهب إلي الخارج..

__________________________

فك “خالد” قيد يده بصعوبة وفر هاربًا بعد مشاجرة كبيرة بينه وبين رجال “نوح” وخرج من هذا المكان ليرى رجال “همام” ينظروا بسيارتهم فصعد معهم بينما وقف أحد الرجال المُصابين وأتصل بـ “نوح” يخبره بهروب “خالد” فخرج” “نوح” من المحجر غاضبًا فهو لن ينال أنتقامه من هذا الرجل الذي دمر الكثير فى حياته وحاول أذية وجته وطفله كثيرًا، صعد لسيارته وأنطلق غاضبًا لكنه ضغط على المكابح فجأة عندما رأي دراجة نارية على الطريق وهناك رجل من الواضح ان الدراجة النارية أنقلبت به فترجل من سيارته مُحاولًا مساعدة هذا المصاب لكنه لم يتوقع بأن يكن فخ له وقد وقع به، أقترب من الرجل وفور وصوله رأي الرجل يصوب مسدسه نحوه ليتوقف “نوح” مكانه ودهش من هذا ليشعر بأحد يأتى من خلفه وبدأ الرجال يظهروا من الظلام بعد أن صنعه الفخ له ليتلقي ضربة قوية من مؤخؤة المسدس على مؤخرة رأسه أسقطته أرضًا، ليتكأ على ذراعيه بأحكام فظهر “خالد” من العدم وكاد أن يضرب ظهر “نوح” بعصا حديدية على ظهره ليمسكها “نوح” ووقف وهو يضرب خالد بلكمة قوية فى خصره ليبدأ الرجال فى الهجوم عليه ولن يستسلم “نوح” لتهديداتهم، لكمة رجل بقوة فى فمه وأسقاطه فى المجرى المائي ثم التف ليستقبل رصاصة فى كتفه بغل شديد وحقد بيدي “خالد” الذي يسعى جاهدًا لقتله دون رحم فصرخ “نوح” بقوة من الألم...

_____________________

فزعت “عهد” من نومها بذعر شديد بعد أن رأت منامًا مُخيف وجلست على الفراش تلهث بأختناق كأنها لا تستطيع التنفس فوضعت يدها على صدرها بضيق شديد وبالأخرى ترفع شعرها للأعلى، نظرت بهاتفها وكانت الساعة العاشرة مساءًا لتستغرب تأخر زوجها فأتصلت به مرة وأخرى لكن بلا جدوي لا جواب يأتى لها وكان هاتفه فى السيارة وهو يصارعهم بقوة دون خوف، زاد قلق “عهد” بسبب تجاهله لأتصالاتها فنزلت من فراشها ووضعت الروب على جسدها وما زالت تكرر أتصالها به وهى تسير فى الغرفة ذهابًا وإيابًا بقلق يزداد فى كل مرة لا يُجيب عليها وبدأت ترتجف بخوف، شعرت بغصات فى قلبها لا تعلم ماهيتها أو سببها مما زاد قلقها فبدلت ملابسها سريعًا وأرتدت عباءة زرقاء وترجلت للأسفل وهى تفكر فى الخروج من المنزل بحثًا عنه لكنها توقفت بحيرة من قرار خروجها ليلًا هكذا وقد أصبحت الساعة الثانية عشر مساءًا..

______________________

أستيقظت “ليلى” ليلًا وجدت نفسها على الأريكة بمنزله نائمة وفوقها غطاء، نظرت للغطاء بحيرة ثم تبسمت على لطفه وأعتدلت فى الجلوس، رأت “مريم” جالسة على المقعد بجوارها وتقرأ كتاب لتقول :-
-صحى النوم يا جميل

نظرت “ليلى” لها بخجل شديد وقالت:-
-أنا نمت أزاى؟

تبسمت “مريم” وهى تغلق الكتاب ناظرة إليها ثم قالت:-
-ضغطك كان واطي هبابة بس متجلجش ظبط أنا قيسته من ساعة

تنهدت “ليلى” بحرج شديد من وجودها فى منزلهم لتقول:-
-أنا أسفة جدًا والله

وقفت لكى تغادر لتقف “مريم” بذعر وهى تقول:-
-أنتِ رايحة على فين؟ دا الساعة واحدة هتخرجي كيف

نظرت “ليلى” لها لتبتسم “مريم” بلطف شديد وقالت:-
-أنا أوضتى أول أوضة على اليمين أطلعى أرتاحي 

نظرت “ليلى” لها بخجل شدي لتربت “مريم” على يدها فصعدت “ليلى” وحدها لترى “عطيه” يخرج من دورة المياة ويسير فى الرواق بعد أن أخذ حمام دافيء ويرتدي عباءة بيضاء وبدون عمامته لتخجل “ليلى” وهى تطأطأ رأسها فوقف “عطيه” أمامها وهو يقول بقلق شديد:-
-حاسة بأيه دلوجت؟

نظرت له بخجل:-
-أحسن

أقترب “عطيه” وهو يضع يده على جبينها ليشعر بدفء جسدها ولم يعد باردًا لكنها فى عالم أخرى داخل ضربات قلبها المتسارعة بسبب نبضاته القوية بسبب قربه هكذا ولمس جبينها بيده الباردة المبللة، أبتعد “عطيه” عنها وقال بدلال:-
-زين، أدخلى أرتاحي

سارت “ليلى” نحو الغرفة لكنها توقفت فجأة وقالت :-
-عطيه

ألتف “عطيه” لها قبل ان يدخل غرفته، نظرت إليه بقلق شديد ثم قالت:-
-أنا عايزة أتكلم معاك شوية

اومأ إليها بنعم ورحب لتجلس معه فى التراس العام وتخبره بما حدث فى حفل التوقيع لأنها تعلم أنه سيعلم من حديث أهالى البلد، أستشاط “عطيه” غضبًا وغيظًا من هذا الحديث وهذا الموقف الذي تعرضته له حبيبته ليقول:-
-أنتِ...

قاطعته “ليلى” قبل أن يصرخ غاضبًا بها أو يفقد أعصابه عليها تقول بلطف:-
-عطيه أنا كويسة وبخير ونوح جه فى الوقت المناسب والموقف دا خلاص عدي على خير لكن أنا بحكي لك عشان معرفش أخبي عنك حاجة وعشان متعرفش من برا وتضايق

تنهد “عطيه بأختناق وهذا الغضب قد تمكن منه وانتهى الأمر لتأخذ “ليلى” يده بين راحتى يدها فنظر “عطيه” إلي يديها ولمستها الدافئة إليه ثم قالت بلطف
-أنا كويسة فعلًا

رفع “عطيه” نظره إليها ثم قال بحيرة:-
-معارفش أجولك أيه؟ أجولك مفيش شغل تاني واصل وتزعلي وتجولى أنى بهدم أحلامك وحياتك، ولا أجولك لا مفيش خروج من غيرى تاني ورجلى على رجلك وتجولى أنى بجيدك وبخنج حريتك، ولا أجول خلاص موجف وعدي ومهيتكررش تانى وأكبر دماغى 

صمتت ولم تعقب على حديثه فأى حديث ستتفوه به سيخلق شجار بينهما وربما تترك منزله فى هذا الوقت المتأخر ليقول “عطيه” بهدوء:-
-جومي نامي يا ليلى

ظلت جالسة أمامه وتحتضن يده بيديها وبعناد لينظر إليها وهو يقول:-
-فى حاجة تانية؟

قوست شفتيها بحزن ووجه عابس ثم قالت بضيق:-
-مش هاين عليا اقوم وأسيبك وأنا عارفة أنك زعلان ومضايق

تحدث “عطيه” بجدية صارمة ووجه حاد:-
-متجلجيش أنا مزعلناش منك
 
ظلت كما هى مُتشبثة به وقالت بلطف:-
-بس زعلان ودا لوحده بيضايقنى ويقتلنى من جواه أنت عارف يعنى أيه تكون مضايق وزعلان، زعلك بيطول قلبى يا عطيه وطول ما أنت زعلان أنا كمان قلبي زعلان وبيتوجع لأنه بيحبك وبيحس بكل شعورك وإحساسك

تبسم “عطيه” بسمة خافتة ثم ربت على يدها بيده الأخرى وقال:-
-متجلجيش يا ليلي أنا مزعلناش وكفاية عليا أنك بخير وزينة

تبسمت “ليلى” بأشراق بسمة مُبهجة تنير عالمه وحياته ليقول ببسمة أكثر أشراقًا ودلالًا:-
-أنا كفاية عليا البسمة اللى كيف القمر دا، وحتى القمر غلبتيه يا ليلي فى قلبي

توردت وجنتيها خجلًا من حديثه الدافيء ونظراته التى تُسحر وتجعلها هائمة كأنها تسبح فى عالم العشق بمهارة دون توقف أو مقاومة...

_______________________

ظلت “عهد” واقفة فى ردهة المنزل والقلق يقتلها ويلتهم قلبها لم تحدث من قبل طيلة سنوات زواجها وتدق الساعة الرابعة فجرًا وهو لا يعود وتساءلت كثيرًا ماذا حدث لزوجها؟ ولما تأخر عن موعد عودته على غير المعتاد، دق باب المنزل بدقات ثقيلة فركضت نحوه بطمأنينة وفتحت "عهد" باب المنزل فجرًا لتُصدم بما تراه وزوجها مُلطخ وجهه بالدم والجروح وملابسه مُمزقة وتلقي رصاصة فى كتفه فتمتمت بصدمة:-
-نوح!! 

تطلع "نوح" بملامحها ليستسلم للخمول والسقوط بين ذراعيها بعد أن عاد لمأواه بين ذراعيها وسكنه الرحيم لتصرخ "عهد" بهلع وهى تسقط أرضًا بيه من ثقل جسده على جسدها الضعيفة تقول:-
-نوح... نوح رد عليا، فتح عينك يا حبيبي 

لم يستجيب لها بعد فقده لكل هذا الكم من الدم ومحاولته للهرب من هؤلاء الرجالة الذين غدروا به، 
أخذته للمستشفى مع والده “علي” ووالدته وكان تراقبه عن كثب والأطباء يمزقوا ملابسه لأستخراج الرصاص لكنها لم تكن بالكتف تمامًا بل أوشكت على أختراق قلبه وقد نزف من الدماء ما يكفي لجعل حياته مُعرضة للخطر، وضعت “عهد” يديها على الحاجز الزجاجى ورغم يديها الملطخة بالدم التى نزفه بين يديها لكنها لا تكترث لشيء سوى حبيبها الموجودة على فراش المرضي وصدره عارى وهذا الطبيب يمزق فى جسده بالأدوات الطبية حتى أستخرج الرصاصة منه والدموع لم تتوقف عن النزول والذرف من جفنيها كالفيضان بدون توقف وجسدها يرتجف فزعًا فقالت بتمتمة خافتة:-
-متسبنيش يا نوح 

رأت الطبيب وهو يصعق صدره بالصاعقات الكهربائية وجهاز أنعاش القلب لترتجف شفتيها كالزالزل الذي أقتحم جسدها وهى تراه ينتفض على الفراش بين أيادي هؤلاء الأطباء، خرج الطبيب لها بعد أن عالج جروحه وقال 
-خير أن شاء الله وهو هبابة وهيفوق

دلفت “عهد” إليه للغرفة بخوف أحتل قلبها، جاء “نادر” ركضًا بزى العمليات بعد أن سمع بما حدث ليرى “أسماء” تقف مع “سلمى” تربت على كتفها بهدوء وهى جاهشة فى البكاء على ابنها ولا أحد يعلم من فعل به هذا، سأل “نادر” بقلق:-
-حصل ايه؟

أجابته “أسماء” بنبرة هادئة:-
-فى حد أتهجم على نوح ولد عمى وضربه بالنار

نظر على الغرفة بدهشة وهو لا يصدق أن أحد فعل هذا به ليراه فاقدًا للوعى و”عهد” زوجته جالسة بجواره وتتشبث بيديه كطفلة صغيرة باكية وكأنها ظلت طريقها وحدها وتبحث عن والدها، نادته “عهد” بضعف شديد خوفًا من فقده:-
-نوح..حبيبي رد عليا الله يخليك

أتاها صوته المبحوح وهو يضغط على يدها المتشبثة به قائلًا:-
-يا سلطانتي 

تبسمت بحماس وفرح شديد وهى ترفع يدها الأخرى تمسح دموعها بلطف وتقول بسعادة:-
-نوح

فتح عينيه بتعب شديد وهو يُجيب عليها بخفوت وصوت مبحوح:-
-أطمني يا عهد أنا زين أهو 

-مين اللى عمل فيك كدة؟
سألته بخوف وفضول شديد من الفاعل ومن يملك الغضب لزوجها حتى يفعل به هذا ويجعله طريح الفراش ويصارع الموت بينما أغمض "نوح" عينيه بتفكير شديد قبل أن يبوح لها وللعائلة بأفعال "خالد"..... 



الفصل الرابع عشر 
___ بعنـــــــوان “قلب عاشق” ___ 

جلست “أسماء” في الأستراحة والمنطقة المخصصة للأنتظار وبجانبها يجلس “نادر” مُرتدي زى العمليات بعد أن أنهى جراحة للتو قبل قدومه إليهم، سأل بقلق وهو يشبك أصابع يديه مع بعضهم ثم قال:- 

-بس غريبة، أنا مش فاهم كيف حد يفكر يأذي نوح، مع ان البلد كلتها في بتحبه ودايمًا بيساعد الناس والغلابة 

تنهدت “أسماء” بضيق شديد ثم أجابته بأختناق:- 

-تفتكر حتى لو كان طيب الكل هيحبه، مفيش حد الناس كلتها بتحبه أكدةأكيد في اللى بيحجد عليه واللى بيكره أو متغاظ منه 

عاد بظهره للخلف يتكأ على المقعد بتعب شديد ويمسح وجهه بيديه وهو يقول بتهكم شديد:- 

-على رأيك 

نظرت “أسماء” إليه وهى ترى تعبه ووجه شاحبًا وعينيه منتفخة من قلة النوم وبالكاد يستطيع فتحهما لتقول بنبرة خافتة:- 

-أنت أخر مرة نمت ميتى؟ 

نظر إليها وهو ما زال مُسترخى بظهره للخلف وتنهد تنهيدة قوية مُعبأة بالكثير من التعب والأرهاق ثم قال:- 

-من يومين ونص تجريبًا 

تبسم بعد أن أخبرها بأنه مُستيقظ مُنذ أيام طويلة ليتابع بأرهاق وجسد مُنهك:- 

-الحادثة اللى حصلت والأتوبيس اللى أتجلب خلى المستشفى في حالة فوضي والمصابين كلهم جم على أهنا، كيف أنام وفى إنسان بيتألم وأنا خابر زين أنى أقسمت قسم على إنقاذ المرضي  

تبسمت بلطف على طيبة قلبه وروحه النقية لتقول:- 

-أنت طيب أوى با نادر وحد بجمال جلبك وطيبتك يستحق فعلا أنه يكون ملاك بينجذ المرضي 

مر موظف البوفيه من امامهم حاملًا صنية على الكثير من المشروبات فأشار “نادر” إليه وأخذ كوب من القهوة وقطعة كعكة مُغلفة وجعله يرحل، قال “نادر” وهو نظر إليها ثم قال:- 

-دى حياة الأطباء يا أسماء وخصوصًا في الحالات الطارئة كيف اللى إحنا فيها دى 

نظرت “أسماء” إلى قطعة الكعكة وهو يرقض منه قطعة صغيرة مُتناولًا إياها فقالت بفضول شديد ممزوج بالقلق:- 

-أنت فطرت؟ 

أشار لها بقطعة الكعكة وبوجه مُبتسمًا فقالت بغضب شديد:- 

-دا الفطار ويا ترى بجى أتعشيت في العشية ولا لا 

نظر للأمام بحرج خوفًا من غضبها فهذا السؤال يوحى له بأنه أنذار شجار قادم وهذا العبوس الذي يحتل وجهها ونظرتها القاتمة كأشعة الليزر التي تخترق رأسه لتحرق وقال بخفوت هامسًا:- 

-لا 

ضربت ذراعه بقوة غاضبة وهى تطلق العنان لأنفعالها يضرب كيانه وعقله ثم قالت بجدية صارمة:- 

-جولت أيه؟ 

نظر إليها بهدوء ثم قال بجدية:- 

-مكنش عندي وجت أكل، الربع ساعة اللى هأكل فيها كنت بشيل فيها شظايا الأزاز من جسم طفل بيزنف، في أوجات إنقاذ المريض فيها اهم من الأكل نفسه 

تذمرت بضيق شديد على حديثه وهى تقول بإستياء:- 

-بس أنت لو مأكلتش هتتعب ومهتجدرش تعالج حد ولا حتى نفسك 

تبسم بسمة دافئة وكأنه يحيا في كل مرة ينفذ فيها روح من الموت وقال بنبرة ناعمة دافئة:- 

-صدقينى يا أسماء لحظة ما تشوف المريض سواء كان طفل أو رجل أو عجوز عاش من العمر حياة، لحظة ما تشوفيه غرجان في دمه بتنسي أصلًا أكلك ونفسك وأيدك كدكتور بتشتغل لوحدها  

وقفت “أسماء” من مكانها ونظرت للأسفل تجاهه ثم قالت بنبرة خافتة:- 

-خلي بالك من حالك وصحتك 

غادرت من أمامه قبل أن يُجيب عليها فتبسم “نادر” بسمة رقيقة عليها وذهب بكوب قهوته إلى قسم الطوارئ لكى يكمل عمله.. 

_______________________ 

نظرت “عهد” إلى زوجها وهى تساعده في أرتداء عبائته بوجه عابس رافضة طلبه وألحاحه في مغادرة المستشفى ثم قالت:- 

-نوح 

قاطعها “نوح” بنبرة أكثر حدة وقوة يقول:- 

-أنا هخرج من أهنا يا عهد، الرصاصة هم خلاص طلعوها وعالجوا الجرح  

تأففت بضيق شديد وما زالت غاضبة وإصراره على المغادرة يثير فضولها أكثر ويُكثر من شكوكها لتقول بحيرة وتردد:- 

-نوح أنت عارف اللى عمل فيك كدة صح؟ 

تجاهل “نوح” سؤالها قائلًا:- 

-لو هتكشفي تتطمنى على البيبى روح أكشفي جبل ما نمشي 

فتح باب الغرفة ودلف “عطيه” بصبحة “ليلي” والقلق يعتريه فقال:- 

-حصل أيه؟ 

تذمرت “عهد” بأستياء شديد من زوجها لتسير نحو باب الغرفة غاضبة منه وهى تقول:- 

-اسأل صاحبك 

خرجت من الغرفة لتنطلق “ليلى” خلفها بقلق بينما نظر “عطيه” إلى “نوح” فنظر للجهة الأخرى غاضبًا من تصرفات زوجته، جلس “عطيه” قُربه ثم قال:- 

-أيه اللى حصل؟ 

نظر “نوح” لباب الغرفة بقلق من أن يسمعه أحد ثم قصي له ما حدث ليستشيط غضبًا وهو يقول:- 

-وخالد فين دلوجت؟ 

هز “نوح” رأسه بمعنى لا بضيق وهو لا يعرف شيء سوى هروبه منهم في الأرض الزراعية، ليؤمأ “عطيه” له بهدوء وقال 

-أن شاء الله هنلاجيه عن جريب 

نظر “نوح” له بغضب مكبوح بداخله ثم قال:- 

-لا، مهتلاجهوش... خالد أتلم على همام ومطاريد الجبل  

أومأ “عطيه” له بخفة ثم قال:- 

-متزعلش مرتك وهى حامل  

صمت “نوح” لم يعقب على حديثه، سارت “عهد” تجاه عيادة النساء والتوليد و”ليلى” تسير خلفها تريد أن تلحق بها لكنها غاضبة وغضبها يظهر في خطواتها المسرعة لتقول “ليلى”:- 

-أستنى يا عهد 

لم تتوقف “عهد” وكأنها لم تستمع للصوت صديقتها فمسكت “ليلى” ذراعها وقالت بلطف:- 

-أستنى يا عهد أمال 

تأففت “عهد” بشجن لتقول “ليلى” وهى تتطلع بملامح صديقتها والغضب يتملكها:- 

-حصل أيه لكل دا؟ أنا كنت فاكرة وأنا جاية في الطريق أن هجي ألاقيكي منهارة عشان قلقانة لكن غضبانة ومخاصمة جوزك دى متوقعتهاش 

نظرت “عهد” لها وقالت بانفعال وهى تكز على أسنانها:- 

-يا ليلى، نوح مخبي عني حاجة، لا دى مش حاجة دى حاجات، نوح متغير وفى أسرار باينة في عيناه وأنا مش فاهمة هو مخبي أيه وليه؟ لكن أنا عارفة حاجة واحدة بس أن نوح متغير ولما جالي سايح في دمه كان بيقاوح وفى عينه نظرة مفهمتهاش 

نظرت “ليلى” لها ثم قالت بلطف:- 

-طب خليكي دلوقت جنبه وبعدين عاتبي وأفهمي اللى بيحصل لكن مش خلاص طاقت في دماغك أنك تعرفي وتفهمي دلوقت وهو مريض تجاهلت “عهد” حديثها وفتحت باب العيادة ودلفت للفحص لتنظر “ليلى” بضيق علي صديقتها ثم أخرجت هاتفها لتتصل بـ “عليا” فأجابتها “عليا” وهى جالسة على المقعد امام السفرة تطعم طفلها تقول:- 

-أزيك يا ليلى 

تحدثت “ليلى” بخفوت وهى تبتعد عن باب العيادة:- 

-بخير الحمد لله، أنتِ عاملة أيه؟ 

تبسمت “عليا” بلطف وهى تجيب عليها:- 

-الحمد لله، وعهد عاملة أيه؟ 

صمتت “ليلى” قليلًا قبل أن تتفوه ثم قصت لها ما حدث لتفزع “عليا” من مكانها ثم قالت:- 

-أضرب بالنار أزاى 

تحدثت “ليلى” بضيق شديد وهى تقول:- 

-هو دا اللى لفت نظرك بقولك عهد ماشية عناد مع جوزها ومخاصماه في وقت زى دا وعادي عندك 

سألت “عليا” بقلق:- 

-لا متقلقيش أنا هكلمها  

ربتت “عهد” على كتف “ليلى” من الخلف وهى تقول بضيق:- 

-ليلى 

ألتفت “ليلى” لها بفزع خوفًا من غضبها لتقول:- 

-بطلي فتنة يا ليلى ها ويلا خلينا نمشي 

سارت في الأمام مُتجاهلة الحديث مع أختها، ضحكت “عليا” على تذمر أختها الصغري وأغلقت الخط، عادوا الأثنين إلى الغرفة وكان “نوح” على أستعداد للمغادرة مع صديقه “عطيه” لتنظر “عهد” إليه بضيق وخرجت من الغرفة معه لتستقل سيارة “عطيه في الخلف وهو جوارها وجلست “ليلى” في الأمام بجوار “عطيه” لينطلق بهما، نظرت “عهد” من النافذة بضيق من تصرفه وتهوره لكنها شعرت برأسه تسقط على كتفها بلطف لتنظر إليه فقال “نوح” وهو مغمض العينين بخفة ويقول:- 

-عهدي 

نظرت “عهد” إليه ويديه تسلل إلى يدها ليتشابكوا الأصابع وكأنه يحاول أمتصاص غضبها بأحتوائه لها وضعفه الذي يعلن عنه امامه لتقول بهمس وهى تنظر على هذا الثنائي الجالس أمامًا:- 

-بعدين يا نوح 

تنفس نفس عميق وقال بهمس وهو مُتكأ على جسدها:- 

-تخيلي لو الرصاصة دى صابت جلبي كنت هترعب لأنك فيه 

رفعت “عهد” يدها الأخرى لتربت على يديهما المُتشابكة ثم قالت بخفة:- 

-بعد الشر عنك يا حبيبي 

صمت “نوح” قليلًا وهو يستنشق عبيرها ورائحتها ثم قال:- 

-بجيت شبه المدمن على يدك، مُشتاق لرائحتك ومتسألنيش كيف بشم الورد فيكي دائمًا وكأنك أجمل وردة في حياتي 

تبسمت “عهد” بلطف ثم همست إليه بخفة:- 

-بس يا نوح هيسمعوك 

فتح عينيه وهو يرفع رأسه قليلًا ثم نظر إلى عينيه الساحرتين ووجهها الدافيء بدفء وجنتيها المتوردتين بسبب خجلًا من حديثه هكذا علنًا فقال:- 

-الداكتورة جالت أيه؟ 

تبسمت بعفوية وقلبها يخفق بجنون بعد أن تذكرت حديث الطبيبة لها وقالت هامسة له:- 

-ولد، النونو طلع ولد أتمنى يبقي شبهك كدة  

تبسم “نوح” لها وقبل أن يتحدث أوقف “عطيه” السيارة ليترجل أولًا وهكذا “عهد” تأخذ يد زوجها وتسانده للداخل فقابلوا”على” و”سلمي” في طريقها للخروج لكنهم توقفوا بدهشة من رؤيته ليقول “علي” بقلق شديد:- 

-أيه اللى جابك الدكاترة جالوا هتخرج بعد يومين 

-انا زين يا حج 

قالها “نوح” وهو يسير نحو الدرج فنظرت “سلمي” بضيق إلى زوجها وقالت:- 

-هيفضل رأسه ناشفة أكدة زيك  

قالتها وهى تستدير لكى تعود للداخل بعد أن عاد ابنها من المستشفى ... 

_________________________ 

أخذت “عهد” من باب المرحاض بعد أن بدل ملابسه ببنطلون قطني أسود وتي شيرت وردي، ذهبت به نحو الفراش لينام بتعب فجلست أمامه وهى تقول:- 

-أستناني هنا 

ذهبت لتحضر مجفف الشعر وجلست أمامه تجفف شعره بلطف ويدها تغلغل في خصلات شعره بدلا من فرشة الشعر بلطف، شعرت بيديه يتلامس بطنها المُنتفخة بدلال لتنظر إليه وكان نظره مُثبتًا على بطنها مُغمورًا بطفله وكأنه شاردًا معه لتبتسم بخفة وهى تكمل ما تفعله فقال “نوح” بصوت دافيء:- 

-جولتي ولد 

أومأت إليه بنعم ثم قالت وهى تجلس على ركبتيها أمامه:- 

-اه  

رفع “نوح” ذراعه الأيسر يلمس وجنتها بحب شديد ونعومة أشد وألذ ثم قال بخفة:- 

-كنت عايز بنت كيف القمر وتكون طالعة لك بس الحمد لله كل اللى يجيبه ربنا زين ونحمده عليه 

تبسمت “عهد” بحب شديد ثم قالت:- 

-أنا بجي كنت طايرة من الفرح لأن هجيب ابن منك ولك وحتة منك، تخيل ابنى هيكون حتة منك كدة ويدوب بنات البلد كلهم بجماله وحلاوته 

نظر “نوح” بعينيها مباشرة وقال بخباثة ودية:- 

-وأنا مدوب قلبك؟ 

ضحكت “عهد” وهى تضع رأسها على كتفه بخفة وضربات قلبها تتسارع لأجله والطمأنينة التي تشعر بها في حضرته تكفيها للبقاء على قيد الحياة، شعر “نوح” بأن عناقها له يمتص فزعها وذعرها التي أصابه حينما رأته غارقًا في دمائه أمس، ليرفع يده يربت على ظهرها لتهمس له بدلال:- 

-أنا دايبة أيه بس! دا انا عاشقك بجنون والله لو لاحظة حسيت أنك بطلت تحبنى أموت فيها وموت الحياة أفزع من الموت وألمه أوجع يا نوح 

قبل “نوح” رأسها بلطف ثم قال بحب :- 

-ألف بعد الشر عنك يا حبيبتي  

أبتعدت عنه لترفع نظرها إليه لتلمس وجنتيه بيديها تداعب لحيته بحب ثم قالت بذعر:- 

-لو أقولك أحساسي كان عامل أزاى لما شوفتك سايح في دمك، ولا قلبي أتخطف أزاى لما وقعت منى، أنا كنت حاسة انى قلبي وقف وأتعريت قدام الناس، أنت مش بس جوزى يا نوح، أنت قلبي وروحى وحبيب عمرى والله لو جرالك حاجة أنا ممكن أموت فيها، نوحأنا.. 

أخذ “نوح” يدها في يده بهدوء ثم نظر إليها وقال:- 

-أنا هجولك يا عهد بس الكلام اللى هجوله دا ميطلعش برا باب الأوضة دى نهائي لأى حد ولا حتى من باب الفضفضة مع ليلي 

نظرت “عهد” إليه بقلق شديد وقالت:- 

-في أيه يا نوح 

حد من نظرته إليها لتقول بحيرة:- 

-حاضر يا نوح مش هقول لحد 

قصي لها ما حدث وأختطافه لـ “خالد” مع “تاج” لتقول بذعر:- 

-وخالد هو اللى عمل فيك كدة 

أومأ إليها بنعم لتنظر “عهد” لزوجها الهادئ رغم معرفته بالفاعل الذي حاول قتله مما أثار فضولها وخوفها في آن واحد، الفضول يقتلها لمعرفة ما ينوى على فعله وهكذا الخوف من رد فعل زوجها الشرس على رجل تجرأ عليه بغباء وهو لا ينتبه أين أنتهاء المطاف بوالده وأخته، فهم “نوح” نظراتها رغم صمتها ليقول بلطف وهو يعود بظهره ويتكأ على الفراش 

-أطمني يا عهدي 

لأول مرة تشعر بالقلق رغم كونها جواره فكان “نوح” امانها وسلامها وفى حضرته تختفي كل مخاوفها لكن الآن صمت “نوح” كهدوء ما قبل العاصفة وليس ضعفًا أو قبولًا بالأمر.. 

__________________________ 

في أحد خيم الغجر كانت “تاج” جالسة مع السيدة العجوزة وهى تمارس ألعيبها على أحد الزبائن وعندما غادرت المرآة ألتفت السيدة العجورة وقالت بضيق:- 

-وبعدهالك يا بنت الغجر هتفضلي جاعدة أكدة لا شغلة ولا مشغلة وبعدين تعالى أهنا أنتِ كنتِ مستنية أن ولد الصياد يتجوز غجرية أكدة عادي 

مسكت “تاج” خصلات شعرها بغضب سافر ثم قالت بمكر وغضب ناري مكبوح بداخلها:- 

-ميبجاش شعرى دا على مرة لو ما دخلت بيت الصياد بعزى وكرمي ولا أنتِ عايزانى أفضل ويا الغجر ونتنجل من بلد لبلد وأفضل غازية الغجر عمرى كله واللى في بطني دا يتولد من غير أب ولا أهل وهو له أهل يسدوا عين الشمس وأتخن تخين، لا أنا هستسلمش للمستقبل الميت أنا همسك بيدي وسنانى في الفرصة اللى جت لغاية عندي، واللى في بطني دا هو الفرصة اللى مينفعش أهملها واصل 

قهقهت السيدة العجوزة وهى تنظر في يدها على الحجارة الموجودة في يدها ثم قالت:- 

-يبجى هتلاجي النار في وشك ومهطولش تكون لا ست الدار ولا غازية الغجر 

نظرت “تاج” لها بضيق شديد ثم وقفت بانفعال صارخة بها:- 

-أنتِ عاوزة تتضحكي عليا بألعيبك دى لتكوني صدجتى أنك ساحرة بجد وبتعرفي البخت وتجرأي الكفوف، فوجي أمال دا إحنا طباخين السم سوا 

تبسمت السيدة العجوزة وهى ترمي الحجارة في النار الملتهبة أمامها داخل الأناء الأسود ثم قالت بخفوت:- 

-بس شكلك نسيت أن طباخ السم بيدوجه يا تاج 

غادرت “تاج” الخيمة لتنظر السيدة العجوزة للدخان المبعث من الأناء الذي أمامها فقالت بتمتمة خافتة:- 

-الدم ماليكي يا تاج من كل ناحية وشكلك هتغرجي فيه 

سارت “تاج” وسط الخيم والغجر وهى غاضبة تكاد تتلقط أنفاسها بصعوبة من شدة ألتهب الغضب داخل صدرها الصلبة فقالت:- 

-ماشي يا خالد يا ولد الحرم مبجاش تاج الغجرية لو ما دوستك بجزمتي  

_______________________ 

دقت “فاتن” باب غرفة ابنتها بخفة ودلفت لترى “أسماء” جالسة على الفراش فقالت:- 

-صباح الخير 

تبسمت “أسماء” وهى تترك الهاتف من يدها وتخفيه أسفل الوسادة بخجل شديد من والدتها ثم قالت:- 

-صباح النور يا ماما 

نظرت “فاتن” للهاتف وخجل أبنتها ثم قالت بعفوية أثناء جلوسها أمام “أسماء”:- 

-شكلك مبسوطة؟ فرحينى وياك 

تنحنحت “اسماء” بحرج من والدتها وتوردت وجنتها بلون الدم من ربكتها وتوترها ثم قالت:- 

-أبدًا ..جصدي دا عادي يعنى لسه صاحية من نومى 

ضحكت “فاتن” بلطف على ابنتها ثم أخذت يدها بين راحتي يدها بعفوية وحُب شديد مُمتنة لسلامة ابنتها وكونها على قيد الحياة وهتفت بلطف قائلة:- 

-وأنا معايزاش أكتر من أكدة أنك تكوني بخير ومبسوطة 

تبسمت “أسماء” بحُب وسعادة مغمورة بحٌب والدتها وحنان الذي يغرقها في أحتوائها لتقول:- 

-أنا بحبك يا ماما ومبسوطة وفرحانة لأنك في حياتى وأمى 

رفعت “فاتن” يدها إلى رأس أبنتها ثم بدأت تربت على شعرها بدلال وحنان لتشعر “أسماء” بأنها أميرة والدتها المُدللة والناعمة بقلب طفلة رغم سنوات عمرها الطويلة إلا أنها ستظل طفلة والدتها وصغيرتها لتقول:- 

-وأنا معنديش أغلى منك في حياتي كلها ولو حبيتى تحكي ليا حاجة أنا موجودة ومحدش هيحبك ولا هيخاف عليكي جدي أنا  

تبسمت “أسماء” لها وقبل أن تُجيب عليها قاطعهم فُتح الباب ودخول “حُسنة” لتقول:- 

-الست تاج تحت وعايزة تجابلك يا ست فاتن 

أومأت لها بنعم وهى تقول:- 

-طيب يا حُسنة أنا جاية 

غادرت “حُسنة” لتقف “فاتن” من مكانها وقرصت وجنة أبنتها بدلال ثم قالت:- 

-الحديد بينا لسه مخلصش ها 

تركت بسمة لأبنتها ثم غادرت الغرفة لتخرج “أسماء” هاتفها من أسفل الوسادة وفتحت مربع المحادثة بينها وبين “نادر” لتجد منه رسائل كثيرة يتسائل عن تأخيرها في الرد بسبب مجيء والدتها لتبتسم بعفوية وهى تعود لمحادثتها معه... 

نزلت “فاتن” للأسفل ورأت وجه “تاج” المليء بالعبوس والغضب وهى جالسة على الأريكة في الصالون لتقول:- 

-أيه اللى جابك أهنا تاني؟ أنتِ خابرة زين اللى هيحصل لو الحج على شافك أهنا بعد ما كنتِ عايزة تجتلى حفيده وهو في بطن أمه 

تبسمت “تاج” بخباثة شديدة ثم وقفت بثقة وهى تقول:- 

-أنتِ خابرة أنا جاية أهنا ليه؟ أنا مش عبيطة عشان أجي أكدة من غير حاجة تحمينى منكم ومن شركم  

نظرت “فاتن” لها بصمت لتبتسم “تاج” بسمة ماكرة وعقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:- 

-أنا حبلة في حفيدك أنتِ يا ست فاتن..... 
   

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close