رواية هويت رجل الصعيد الفصل التاسع9والعاشر10 بقلم نورا عبد العزيز
__بعنــــــوان “لقـــاء”__
كانت تدرك “عهد” بأن كبريائه سيمنعه من البحث عنها أو المجيء لها للعتاب وما توقعته حدث لم يأتي لمنزلها أبدًا لرؤيتها أو أخذها بالقوة إلى الصعيد فرغم كل هذا ما زالت زوجته لكنه تجاهلها أكثر ببرود وهذا التجاهل كاد أن يقتلها كلما مرت الأيام، سنة كاملة مرت وهو لا يكثرت لشأنها باتًا، وقفت خلف المنصة مُرتدي زى التخرج وطاقية على رأسها لتنظر إلى هاتفها بتوتر إلى صورته وهى نائمة جواره وهو غارق في نومه، هذه الصورة الوحيدة التي ألتقطتها له في ليلتها الأخيرة في الصعيد لتتطلع بصورته كلما أشتاقت له، وضعت الهاتف في جيبها بعد أن سمعت أسمها لتتقدم ببسمة حزينة تستلم شهادتها ثم وقفت مع زملاءها و”ليلى” تحتضن شهادتها وهى لا تكترث للحاضرين فهى لا تملك منهم شخص واحد فحتى أختها لم تأتى لحفل تخرجها ولم تسأل عنها الفترة الماضية بل قطعت كل الوصال معها وكانت “ليلى” تتحدث مع أصدقاءها وتتضحك بسعادة فأتسعت عينيها بصدمة قاتلة وتلاشت بسمتها وهى تنكز “عهد” في ذراعها للتجاهل “عهد” وهى تتحدث مع زميل لها يقف جوارها بالجهة الأخرى، مسكت “ليلى” فك وجه “عهد” بقوة لتدير رأسها للأمام فأتسعت عينيها بهلع مُصدومة من رؤية “نوح” يقف على الدرجات بين المقاعد ويحمل باقة ورود وردية لها لكن ملامحه تشتاط غضبًا بعد أن رأها تتحدث لهذا الشاب وتبتسم له تلك البسمة التي جعلت قلبه يخفق لها في ليلتهم الأخيرة، أزدردت لعابها بخوف شديد وهى تراه يقترب أكثر وتذكرت كيف كان يلكم “خالد” لأجلها فنظر إلى هذا الشاب الواقف جوارها بعد أن مسك ذراعها يناديها لأنها تجاهلت حديثه فجأة، توقف “نوح” بغضب أكثر عندما لمسها هذا الشاب ثم تابع خطواته لتسحب ذراعها من هذا الشاب وتركض إليه قبل أن يصل هو إليها ويقتل زميلها صعد على المسرح لتتوقف أمامه وهى تقول بخوف:-
-أنت رايح فين؟
لم يُجيبها بل كان نظره ثابتًا على هذا الشاب وأنفاسه العالية تضرب وجهها لتأخذه من يده للأسفل بصعوبة من بنيته الجسدية وتقول:-
-تعال يا نوح
أخذته للخارج بغيظ ثم تركت يده وهى تقف على الدرج الخاص بالمبنى ونظرت له بضيق وتقول:-
-مش هتبطل الهمجية دى
مسك يدها بغضب شديد وهو يقول بنبرة غليظة:-
-همجية عشان شايف واحد بيحط يده على مرتى
أجابته بأختناق شديد من عصبيته الحادة وتقول:-
-محدش يعرف أنى متجوزة وبعدين أنت أيه اللى جابك
ألقى باقة الورود لها بغضب وقال بحدة:-
-جاي أخد مرتى اللى هربت من بيتى
مسكت باقة الورد بعفوية ثم قالت بأختناق:-
-أنا طلبت الطلاق
أقترب خطوة نحوها أكثر ثم قال:-
-مش جولتلك بلاش تشوفى وشي التانى، لتكونى فاكرة أن طول السنة دى مكنتش جادر أجيبك أنا بس هملتك بمزاجى عشان تخلصي جامعتك وميضعش عليكى التخرج لكن من اللحظة دى أعتبري نفسك خسرتى حريتك يا عهد لأن اللى هتشوفى منى مشوفتهوش في عمرك كله
أقترب أكثر منها بغضب لتشعر بأنه على وشك ألتهمها وأصابها الخوف منه ومن نظراته لأول مرة ليتابع حديثه بتهديد:-
-أستعدى عشان تشوفى الهمجية اللى على حج
مسك يدها بقوة وسار وهو يجذبها خلفه وهى تحاول منعه والفرار منه لتقول بخوف منه:-
-نوح سبنى بدل ما أصوت وألم عليك الناس
نظر لها بنظرة شر ثم قال:-
-أعمليها يا عهد وأنا بدل ما أجرك على رجلك أشيلك وأرميكى في العربية
أقترب خطوة نحوها ليقول بسخرية:-
-أكيد وحشك أنى أشيلك
تنحنحت بحرج منه لتتنازل عن مقاومته فتبسم بخبث وشر ثم سار بها وهى تتابعه ثم أدخلها السيارة وأنطلق بها مُتجهًا للصعيد بها....
___________________
__منزل الصيــــاد__
صاح “حمدى” بأختناق شديد وهو يقف من مكانه قائلًا:-
-يعنى حجى في ورث ابويا في البيت بس والمحاجر والأراضي والمال كلتهما لك أنت وولدك يا على
تحدث “على” بنبرة هادئة محاولًا إرضاء أخاه الأكبر قائلًا:-
-خد حجك في البيت وبعدها يحلها ربنا يا حمدى
ألقى “حمدى” العقد من يده بضيق شديد ويقول بانفعال:-
-يأخد حجى كله ياما هيرجعه كله بطريجتى لكن ترمي ليا عضمة زى الكلب لا
أتاهم صوته القوى من بعيد يقول بقسوة وحزم:-
-ومين جال أنك هتأخد حاجة أصلًا
نظر الجميع تجاه الباب وكان “نوح” واقفًا وهى بيديه ليُدهش الجميع بحضورها، اقترب “نوح” إليهما ليأخذ العقد من فوق الطاولة ويمزقه بببرود ثم قال بتحدي وهو ينظر بوجه عمه:-
-ولا جرش واحد يا عمى من مالى وملكى
تركه ليعود لها، لم يتمالك “حمدى” غضبه أكثر فهو تحمل سنة كافية تحت رحمة “نوح” ليخرج مسدسه من جيبه وأطلق النار على “نوح” ففزع الجميع بينما سقط “نوح” أرضًا بعد أن أصابت الرصاصة ذراعه لتفزع “عهد” بهلع شديد وهى تسرع نحوه بخوف شديد وتقول بتلعثم مذعورة:-
-نوح أنت كويس..
أربت على يدها بلطف متناسي غضبه منه ثم وقف على قدمه وهو يستدير لعمه بغضب شديد يكتم ألمه به ثم قال:-
-على موتى يا عمى تأخد جنيه وحتى بعد موتى مش هطول حاجة
هرع “على” نحو ابنه وخرجت “سلمى” على صوت طلق النار لتصدم عندما رأت ذراع “نوح” ينزف فصرخت بهلع ليقول “نوح” بلطف:-
-متخافيش يا أمى عمى بس مبيعرفش ينشل زين
غادر المنزل وحدها لتسرع “عهد” خلفه وقبل أن يقود سيارته صعدت معه فنظر لها ليرى عينيها تبكى بخوف فأنطلق للمستشفى بصمت دون أن يتفوه بكلمة واحدة...
____________________
مسك “على” أخاه من ملابسه بقوة وهو يقول:-
-هي حصلت تضرب ولدى بالنار
كان “حمدى” غاضبًا ليقول بصراخ وتهديد:-
-والمرة الجاى في رأسه لو مدنيش حجى يا على
تركه “على” بغضب وقسوة تملكته بعد أن رأى أخاه يطلق النار على ابنه دون خوف أو أن يرحم أخه..
___________________
كان “نوح” يجلس على الفراش والطبيب يخرج الرصاصة من ذراعه في قسم الطوارئ وهى تقف في الخلف تبكى بصمت والخوف تملك منها ليبتسم “نوح” بخفة فهو أشتاق لرؤية ضعفها وخوفها ليسحب بسمته ويقول بحدة شديدة:-
-متخافيش لسه مبجتيش أرملة
نظر الطبيب له بدهشة من طريقة مؤاساته لزوجته التي رأت زوجها يُطلق النار عليه ثم غادر، أقتربت “عهد” منه بخوف ثم قالت:-
-أنت كنت عايز رصاصة في لسانك
وقف “نوح” بهدوء وقميصه الأبيض تلوث من الدماء فنظر لها بمكر شديد يقول:-
-مهتساعدنيش وأنا مريض، على الأجل ردى الدين اللى عملته وياكى وأنتِ مريضة
أقتربت “عهد” منه لتمسك يديه بقلب مقبوض ما زالت لا تصدق بأنها رأت ذلك الرجل يطلق النار على حبيبها بكل قسوة وسقوطه أمامها، تبسم “نوح” بخبث شديد وهو يتواعد لها بالأنتقام من هروبها منه، أخذته وعادت للمنزل وكانت “سلمى” في ذعر على ابنها وفور دخولهما هرعت إليه بقلق تقول:-
-أنت زين يا ولدى
أومأ لها بنعم لتتنفس الصعداء بإرتياح شديد بينما وقفت “أسماء” بدهشة من رؤية “عهد” وأتسعت عينيها بصدمة لتركض للأعلى دون أن تتفوه بكلمة واحدة وهى تدرك ان عودة “عهد” تعنى موت حُبها للأبد..
صعد “نوح” للغرفة بمساندتها وهو يدعى المرض والضعف، جلس بفراشه لتتركه فقال:-
-معلش أتعبك وتجيب ليا تي شيرت
رمقته بذهول وهو يدعى الضعف أمامها لتتأفف “عهد” بضيق وهى تكز على أسنانها وتقول:-
-عيونى
أحضرت له تى شيرت بنصف كم رمادى اللون وأعطته له فنظر لها ببرود ثم بدأ يفتح أزرار قميصه وهو يصدر صوت أنين ألم مُصطنع ونبرته صوت عالية، تنهدت بضيق وهى تعطيه ظهرها وتقول:-
-أستحملى يا عهد
ألتفت ثم جلست جواره وهى تساعده في فتح بقية الأزرار لتتطلع بملامحها بشغف مُشتاقًا لها لكنه يكن الغضب الشديد من هروبها منه بعد أن أعترف لها بأنها بمثابة حياته وهذا أشبه بالأعتراف بالحب فكيف لها أن تأخذ قلبه وعقله وتهرب بعيدًا دون ان تكترث لحاله، أغمضت عينيها بخجل شديد وهى تنزع القميص عن أكتافه لتظهر عضلات صدره وذراعيه القوية فتبسم على وجنتها التي زُينت بلون الدم وكأن كل خلايا دماءها تتدقف إلى وجنتيها فكانت فائقة الجمال في خجلها وحياءها، وضعت التي شيرت في رأسه بحذر وترفع عينيها بوجهه دون أن تختلس النظر إلى جسده وضربات قلبها تتسارع وهى لا تقوى على سرعتهم، أبعدت سريعًا هاربة إلى المرحاض بعد أن أنهت ما تفعله، تنفست الصعداء وهى تقف أمام المرآة ثم غسلت وجهها مرارًا وتكرارًا بالمياه الباردة ربما تقل حرارته، نظرت لصورتها في المرآة لتضع يديها على وجنتيها بأرتباك شديد ثم قالت مُحدثة نفسها:-
-أهدى يا عهد، أستحملى أسبوع وبعدها أطلبى الطلاق تانى .. أسبوع بس عشان مريض
__________________
أتسعت عينى “خالد” بصدمة وهو يقول:-
-عهد رجعت
تبسمت “حورية” بمكر شيطانية فقالت بشر:-
-كيف ما بجولك، نوح رجعها وشكلها اكدة كانت غضبانة منه مش بتدرس في مصر كيف ما جالنا
تبسم “خالد” بسعادة وحماس ويقول:-
-يعنى بينتهم مشاكل ونوح مكنش مقعدها في مصر عشان كليتها كيف ما ضحك علينا كلنا
أومأ له بنعم ثم قالت:-
-أيوة أكدة.. هتعمل ايه؟
وقف من مكانه ويفكر بشر ومكر خبيث مُتمتمًا:-
-بكرة تعرفى أخوكى هيعمل أيه؟
_____________________
أخذت “عهد” الوسادة وسارت نحو الأريكة لكى تنام عليها ليستوقفها “نوح”. وهو يقف من الفراش:-
-بتعملى ايه؟ مش رجولة أنيم مرتى على الكنبة
أجابته وهى تضع الوسادة على الأريكة ببرود:-
-أنت تعبان ولازم ترتاح خليك في السرير
تبسم ببرود شديد وقال بسخرية يثير غضبها أكثر:-
-ومين اللى جال أنى هنام على الكنبة، الفرشة كبيرة أهى وتسعنا إحنا الأتنين
رمقته بخجل ثم قالت بأرتباك شديد وتلعثم:-
-لا شكرًا أنا هرتاح هنا
سار نحوها لتمد ذراعيها للأمام تستوقفه بسرعة وتقول:-
-رايح فين خليك هنا
صعد للفراش وقال بخبيث يثير خوفها:-
-براحتك نامى مكان ما تحبى مهغصبش عليكى بس خدوى يالك في فأر والد ثلاثة تحت الكنبة متبجيش تيجى تصحينى ومتزعجهوش
أتسعت عينيها على مصراعيها وهى تبتعد عن الأريكة بهلع فتبسم عليها بعد أن صدقت كذبته، أغمض عينيه يدعي النوم فرفعت جسدها على أطراف أصابعها تنظر عليه لتراه مغمض العينين ثم نظرت للأريكة بخوف وذهبت للفراش لتنام بحافته بعيدًا عنه لكنها صُدمت عندما طوقها بذراعيه على سهو دون سابق أنذار لتتحدث بغضب منه وهى تحاول مقاومته قائلة:-
-بتعمل أيه .. أبعد يا نوح
لم يُجيبها لتحاول التسلل من بين ذراعيه فشد عليها بقوة بعد أن ألتفت له لتتطلع بملامحه وهو مُغمض العينين وقلبه ينبض بجنون له ومن قربه فقال بألم حقيقى:-
-عهد أنتِ بتضربى الجرح وبجد بتوجعينى
توقفت عن المقاومة وسكنت يديها على صدره لتهدأ تمامًا خوفًا عليه من أن يتألم فكيف لها أن تقبل بألمه وهى تشعر بثغزات في قلبها من أجل ألمه ومرضه، شعرت بأنفاسه الدافئة تضرب وجهها فقشعرت بحُب وشوقها إليه يصارعها، تمتمت بصوت خافت قائلة:-
-أنت كدبت عليا مفيش فأر صح
فتح عينيه ببطيء لتتقابل أعينهما فرأى الغضب ساكن في وجهها العابس والقلق عليه يحتل عينيها فقال بهمس شديد:-
-أتمنى ميكنش حد غيرى جالك أنك كيف القمر في غضبك يا عهد
لم تستطيع النظر له أكثر وقلبها يكاد يقتلها شوقًا لحبيبه وكيف فكر عقلها الأحمق بالهرب بعيدًا عنه وسبب الألم لقلبها وأنهك روحها في الفراق والغربة بعيدًا عن موطنها فأغمضت عينيها حتى لا تُهزم أمام عينيه، وضع رأسه على رأسها بهدوء وهو يستنشق عبيرها بأشتياق وحنان ثم أغمض عينيه ليغوص في نومه هو الأخر...
___________________
وصلت فتاة غجرية صباحًا أمام منزل الصياد وسألت “خلف” من خلف البوابة الحديدية تقول:-
-هو دا بيت الصياد
أومأ “خلف” لها بنعم ثم قال:-
-أيوة عاوزة مين؟
غادرت الفتاة دون أن تجيبه فتعجب “خلف” لها لكنه لم يهتم كثيرًا بها وعاد لجلوسه مع الغفر ويكمل فطاره، وقفت الفتاة خلف شجرة قريبة من المنزل وهى تحدق به وهتفت بالهاتف بجدية:-
-أنا مستنية قدام الدار أهو بس زى ما أتفجنا وحياة امى بعد العملية دى لو ما كتب عليا يا خالد لأكون جاتلك وشاربة من دمك
أنهت الحديث معه وهى تنظر للمنزل قائلة:-
-يلا يا حورية طلعيها من الدار خلينا نخلص في اليوم دا
___________________
خرجت “عهد” من باب المطبخ وهى تحمل صنية الإفطار لكى تصعد بها لكن أستوقفتها “حورية” قبل أن تصعد وتقول:-
-على فين يا عهد
رمقتها “عهد” ببرود شديد وهى لا تحب هذه الفتاة منذ أول لقاء وقالت:-
-مالكيش دعوة يا حورية
وضعت قدمها على الدرج لتمسك “حورية” يدها بخفة وقالت:-
-أستنى بس أنا كنت عاوزة منك خدمة
نظرت “عهد” لها ببرود شديد مُنتظرة أن تكمل حديثها فتابعت “حورية” ببسمة مُصطنعة:-
-كنت عاوزاكى تيجى ويايا أشترى كتب لأسماء تحسن من نفسيتها وأنا خابرة انك أحسن واحدة ممكن تساعدنى في الكتب
تعجبت “عهد” لطلبها ثم قالت ببرود:-
-أستنى طيب
صعدت للأعلى ووضعت صنية الإفطار وهى تنظر على المرحاض وهو ما زال بالداخل ثم خرجت من الغرفة، تبسمت “حورية” بحماس شديد وهى قد نجحت في مهمتها بعد أن رأت “عهد” تنزل الدرج لكى تذهب معها، وصلت “عهد” أمامها لتقول “حورية” بحماس وهى تمسك يدها:-
-يلا بينا
جذبت “عهد” ذراعها من يد “حورية” وتقول بجدية صارمة:-
-أستنى بس
مدت ورقة لها فنظرت “حورية” للورقة بتعجب فقالت “عهد” بحدة:-
-دى أسماء كتب ممكن تشترى ودا أخر للى ممكن أعمله مع ناس ضربوا جوزى بالنار وأخر مرة تطلبى منى طلب يا حورية
ألتفت لكى تصعد لتشتاط “حورية” غضبًا من هذه الفتاة فهى كانت على بُعد خطوة واحدة من أنتقامهم من “نوح” وتنفيذ خطتهم، دخلت “عهد” للغرفة بضيق لترى “نوح” جالس على الأريكة ويجفف شعره بالمنشفة، كان يرفع يد واحد ويجفف شعره ليشعر بشيء يجذب المنشفة وعندما رفع نظره رأها تأخذ المنشفة منه فتطلع بها صامتًا وهى تجفف شعره بيديها وتقف أمامه ناظرة للأسفل بسبب جلوسه وشعرها مسدول على الجانبين، تأملها بعيني دافئة لتنظر إلى عينه بالخطأ لتقابل عينيه وكأنه يعانقها بنظراته ويحيطها بهم، ظلت تنظر إلى عينيه ليرفع يده يمسك معصمها المتشبث برأسه ثم جذبها إليه بقوة لتسقط على قدمه فأزدردت لعابها الجاف في حلقها بتوتر شديد ليقول “نوح” هامسًا لها:-
-أعاقبك كيف يا عهد عشان أرضي غضبى المحبوس جوايا منك
أنزلت يدها بالمنشفة والأخرى وضعتها على لحيته تداعبها بلطف ثم همهمت بحنان:-
-أنا عارفة أنى زعلتك لما مشيتى بس...
قطع حديثها بنبرة هادئة يصحح جملتها وفكرها قائلًا:-
-وجعتنى مش زعلتنى
كان النظر به من قرب لأقصي أحلامها وأجمل لحظات عمرها لكن أيحق لها أن تكون بهذا القرب منه والحدود بين قلوبهما كالمشرق والمغرب، تابعت حديثها بهدوء:-
-وجعتك يا نوح بس عشان دا الصح إحنا عايشين مع بعض وبينا مسافات وحدود، عايشين مع بعض ولما بيضيق بيا الحال بروح أشتكى همى لصاحبتى مش جوزى ولما بقع في مشكلة بخاف أحكي لك، حزنى وأوجاعى بشاركهم مع غيرك وأنت كما زي كم مرة جيت تشكي ليا مكر عمك وكرهه ليكى، عمرك حكيت ليا عن مراتك اللى ماتت وكنت بتحبها ولا لا، حياتنا كانت عبارة عن مرضي وعلاجه بس شوية ضعف شاركتهم معاك وبس، أزاى عايزنى أعيش معاك وأنا بعيدة عنك
رفع يده إلى وجنتها ليضع خصلات شعرها خلف أذنها بحنان ثم قال بعفوية:-
-نقرب يا عهد
قطعته بجدية حاسمة أمرها من جديد:-
-نتطلق يا نوح
أشتاط غضبًا من كلمتها ثم أبعدها عنه ووقف وهو يقول بغضب سافر ونبرة صوت قوية:-
-دا الحل عندك، بدل ما نقرب من بعض لا نطلق وخلاص عشان الهانم عاوزة تعيش حياتها في مصر مع اللى تضحك معهم ويبسطوا مش أكدة
وقفت بغضب من حديثه عنها ثم قالت:-
-أنت بتحبنى يا نوح
صاح في وجهها بأختناق شديد قائلًا:-
-لا ومهحبكيش يا عهد واصل
ألقت المنشفة في وجهه بضيق من حديثه وقالت:-
-يبقى هفضل أطلب الطلاق منك لحد ما أموت يا نوح
صرخ بها وهو يدخل للشرفة بعناد قائلًا:-
-يبجى موتى أحسن وأسهل
أتسعت عينيها بصدمة قاتلة من جملته ثم جلست على الأريكة بضيق وكل منهم يلتهب بركان الغضب بداخله فكلاهما عاشقان لكن لم يجرأ أحد منهم للأعتراف للأخر
______________________
كانت “ليلى” واقفة في محطة القطار المتجه للصعيد وتتحدث بالهاتف لتقول:-
-متقلقيش كله هيكون تمام
صاحت مؤظفة الدار بأختناق شدي قائلة:-
-فهميها أنها ماضية عقد ولو الكتاب متسلمش في ميعاد أنا هلجأ للحل القانوني
أومأ “ليلى” بالأيجاب وتقول:-
-متقلقيش وقبل ميعاده كمان هيكون عندك
أغلقت الخط معها بعد محاولات كثيرة ثم صعدت على متن القطار ذاهبة إلى صديقتها...
______________________
ظل في الشرفة مُنذ الصباح ويحرق في سجائر كثيرة غاضبًا منه لتتنازل هي عن كبرياء وتدخل له بهدوء وتقول:-
-مش هتتدخل الجوا برد عليكى ولازم ترتاح وكفاية سجاير بقى
أجابها وهو ينظر للأمام دون ان يتطلع بها قائلًا:-
-مالكيش صالح بيا والله اللى أعرفه أن اللى عاوزة تتطلج ميخصهاش جوزها يموت من البرد يموت من الدخان مالهاش فيه
كزت على أسنانها وهى تغلق قبضتها قبل أن تضرب رأسه الغليظ بها ثم قال بعناد شديد :-
-أنا غلطانة أنى عبرتك وقلقت عليك، خليك هنا لحد ما تجمد
أستدارت لكى تدخل لتسمعه يتمتم قائلًا:-
-مفيش حد أهنا مجمد غير جلبك الخبيث
لم تتمالك أعصابها أكثر أمام بروده وردوده الباردة لتصفع كتفه بيدها بقوة وهى تقول:-
-متنرفزنيش عليك
تألم من ضربتها وصُدم من جرأتها فلم يفعلها من قبل أحد، هرعت بخوف من ألمه لتجلس أمامه على الأرض بقلق شديد وهى تقول:-
-أنا اسفة والله
تبسم بسخرية على حالها فحتى عنادها هُزم أمام خوفها وقلقها عليه فلما تكابر وتتشبث بالأنفصال عنه وهى تكاد تموت خوفًا عليه ليقول بهدوء:-
-ما أنتِ بتعرفى تخافى عليا أهو لزومه أيه العناد بجى
رفعت نظرها له بحرج من حديثه وأظهار قلقها أمامه فقالت وهى تقف:-
-مخوفتش على فكرة أنا بس بحاول أتحمل مسئولية اللى عملته لكن انت مش مهم وأى حد مكانك هقلق نفس القلق
تأفف بضيق منها ثم قال بشجن:-
-أدخلى جوا يا عهد جبل ما أعصابى تفلت في الليلة المنيلة دى لأنى مش فايج لحالاتك المزاجية
تنهدت بضيق من عناده على البقاء في الخارج ثم مسكت ذراعيه بقوة وهى تحاول إيقافه وتقول:-
-قوم يا نوح
ظل جالسًا بثقة من ضعف جسدها فهى لن تقوى على تحريكه من مكانه لتيأس من نجاحها في جذبه لتترك ذراعه بأستسلام ثم تسللت يدها إلى راحة يده بلطف تحتضنها بدفء وكانت باردة كالثلج فقالت بعفوية وقد تنازلت عن نبرة عنادها والمشدة معه:-
-تعال يا نوح
نظر ليديهما المتشابكة ونبرة صوتها الدفء يتسلل إلى قلبه فتنازل هو الأخر عن عناده ليقف معها فدخلت به وجعلته يجلس على السرير ثم جلست أمامه وقالت بهدوء:-
-ممكن نأجل كل حاجة لحد ما تخف وتبطل عناد
نظر لها بصمت لتتابع حديثها بعفوية:-
-خلاص أنا أسفة وفعلاً قلقانة عليك ومش هقلق كدة على أي حد ..خلاص؟!
أومأ لها بنعم بعد ان صححت ما قالته مُنذ قليل، تبسمت وأحضرت له العلاج ليأخذه فقال بهدوء:-
-حجك عليا مجصدش أنك تموتى بعد الشر عنك
تبسمت في وجهه بخفة فمُنذ قليل كان كلاهما مليء بالمشاحنات والعناد والآن يغمرها الدفء والحُب
ترجلت “ليلى” من القطار وخرجت مع الركاب لخارج المحطة لتُصدم بـ “خالد” فتطلع بها بمكر خبيث........
الفصل العاشر (10)
___ بعنـــوان " خطــوة نحـو القلـب" ___
أخذها “خالد” إلى سيارته وهو يقول:-
-وعهد تعرف أنك جاية؟
أجابته “ليلى” بنبرة جادة وهى تسير خلفه:-
-لا تليفونها مقفول
تبسم “خالد” بمكر شديد وفتح لها باب السيارة الأخر وقال:-
-أتفضلى
صعدت للسيارة وذهب “خالد” إلى مقعد السائق وصعد وهو يفكر كيف تكون هذه الفتاة الأعز على قلب “عهد” وإذا أخذها سيكون سبب كافى بأن تأتى “عهد” له فتبسم بخبث وهو يضغط على زر التشغيل لكن قبل أن ينطلق فتح باب السيارة الأيسر ورأى وجه “عطيه” يشتاط غضبًا ويفتح لها حزام الأمان دون ان يأخذ أذنها ثم قال بغضب:-
-أنزلى
جذبها من يدها بغضب وأنزلها ليترجل “خالد” غاضبًا ويقول:-
-أيه اللى بتعمله دا يا عطيه
كانت مصدومة من ظهوره المفاجى أمامها وتنظر له بصمت دون ان تتفوه بكلمة واحدة وعندما سمعت جملة “خالد” قالت بتمتمة:-
-اسمك عطيه
تجاهل تمتمتها ويرمق “خالد” وهو يلتف إليه حول السيارة حتى وقف أمامه ليقول “عطيه” بغضب شديد وصوت خشن:-
-بعد عنها يا خالد وأتجى شري
أقترب “خالد” منه خطوة بثقة وقال:-
-أنت بتهددنى بجى
أقترب “عطيه” منه خطوة أكثر بدون خوف ونظرة تحدي تحتل عينيه ثم قال:-
-أعتبره كيف ما تحب
جذبها من يدها بقوة وسار بعيدًا ليتأفف “خالد” بضيق ويغلق باب السيارة، توقفت “ليلى” بضيق من فعلته ثم جذبت يدها من قبضته بقوة وقالت بانفعال:-
-أنت مجنون ولا عبيط بصفتك أيه أن شاء الله تجرنى وراك كدة ولا تتدخل فى شئون
رفع يده أمام وجهها ليغلق قبضته قبل أن تفلت أعصابه عليها فهو غاضب كافية منها على ركوب سيارة مع رجل غريب والأن تغضبه أكثر بردودها الغليظة، تحدث بضيق شديد منها:-
-وبصفته ايه ان شاء الله عشان تركبى معه، ليكون اخوكى فى الرضاعة
عقدت ذراعيها أمام صدرها بضيق وقالت ساخرة من حديثه:-
-لا كان معايا فى المدرسة
أغمض عينيه بضيق والغيرة ألتهمت كيانه وعقله عندما رأى تركب مع رجل غريب وليس بأى رجل بل أقل بكثير من أن ينال لقب رجل، ألتف مُستديرًا ثم قال:-
-أركبى هوصلك
أستوقفته بجملته الغليظة المستفزة تقول:-
-وأنت أخويا فى الرضاعة عشان أركب معاك
كز على أسنانه وهو يلتف لها ثم مسك كم قميصها وجذبها بقوة حتى ادخلها سيارته وأغلق الباب بقوة ينفث به غضبه لتفزع من صوت الباب وقوته وأزدردت لعابها الجاف فى حلقها بخوف من غضبه …
_________________
كان “نوح” جالسًا على الأريكة والشرفة مفتوح تعبأ الغرفة بضوء الصباح وينظر تجاه الفراش عليها وهى نائمًا كملاك بريء وتزين فراشها كفراشة ربيعية جميلة ملونة فتبسم وهو يفكر كيف يقظها، سار نحوها ثم جلس على الفراش خلف ظهرها يتطلع بملامح وجهها عن قرب فرفع ذراعه ببطيء ليداعب أنفها بسبابته لتتذمر على مداعبته وهى نائمة فتبسم بلطف عليها ثم نكز كتفها من الخلف بقوة وهو يقول بنبرة غليظة:-
-جومى .. جومى يا عهد
تذمرت على إيقاظه لها فحركت جسدها بضيق وهى تقول:-
-سبنى أنام يا نوح
نكزها مرة أخرى وكأنه يتعمد أن يثير غضبها ويقول:-
-جومى بجولك.. جومى جهزيلى الفطار
صرخت به غاضبة دون أن تفتح عينيها :-
-فطار ايه دا اللى بتصحينى من الفجر عشانه
تبسم خلسًا عليها وهو كلما أغضبها كلما زادت جمالًا وأحب غضبها أكثر فقال:-
فجر ايه الساعة 7 الصبح
فتحت عينيها بضيق أكثر وهى ترغب بالمزيد من النوم وجسدها مُرهق فهو لم يتركها تنام مبكرًا ولم تنال إلا ساعتين من النوم بعد صلاة الفجر، تحدثت غاضبة بإرهاق شديد:-
-7 وبتصحينى يا مفترى يا ظالم دا أنت منيمنى بعد صلاة الفجر.. قوم يا نوح من جنبى قبل ما أرتكب فيك جناية
دفعته بقوة من الفراش ليسقط منه فوقف ماسكًا بذراعه المصاب وهذه الزوجة لا تهتم لمرضه ولا لصحته فقط تهتم لنومها، أتسعت عينه وهو يقف بعيدًا ويراها تعود لنومها وتضع الوسادة فوق رأسها، أشتعل الغضب به وهو يراها تكمل نومه دون أن تهتم له فعاد مُجددًا للجلوس جوارها وهو يقول بصياح فى أذنها ويديه تشد الوسادة عنها:-
-والفطار يا عهد
تأففت “عهد” بضيق أكثر لتقول:-
-صوم يا نوح
أتسعت عينيه بذهول من حديثها وتشبثها بالنوم أكثر منه فقال بصدمة:-
-نعم ياخيتى
تمتمت بصوت مبحوح وهى على وشك النوم مرة أخرى مُتعبة جدًا:-
-صوم يا نوح وكله فى ميزان حسناتك
نظر بها بصمت وفى أقل من دقيقتين كانت غرقت فى نومها بتعب ليتبسم عليها بحُب فأبعد خصلات شعرها عن وجنتها وأعاد الغطاء على جسدها ثم أنحنى ليضع قبلة على وجنتها بدلال وقلبه يرفرف فرحًا على وجوده جوارها، سنة كاملة من الفراق مرت عليه وهو كاد أن يفقد عقله من التفكير بها والإشتياق لها لكن كبريائه كان يمنعه من الذهاب لها والآن أصبحت جواره فلن يُفلتها أو يتركها ترحل بعيدًا مرة أخرى، شعرت بشيء على وجنتها عندما قبلها وكانت لحيته تضيقها فتذمرت مرة أخرى وهى تستدير له غاضبة ثم قالت:-
-يا نوح عاوزة أنام
أرتبك من يقظتها فى التو من أن تكون شعرت بقبلته فأخفى ربكته أمام حدته وهو يقول غيظًا:-
-أنا جعان جوم يا عهد ولا أصوم عشان جناب السفيرة عزيزة اللى متجوزها عايزة تتخمد، جومى حضري الفطار أنا ورايا شغل مفاضيش لك
تأففت بضيق من نبرته الحادة الغليظة وهكذا يقظته له فقالت وهى تضرب الفراش بقدميها من إلحاحه الكثير:-
-يا صبر أيوب على دا فطار على الصبح، أقولك روح لحُسنة تجهزه
جذبها من أكتافها ليجعلها تجلس على الفراش فجلست مغمضة العينين وجسدها مُرتخى تماما بين يديه وهتف بنبرة غليظة:-
-حُسنة أيه هو أنا متجوزك انتِ ولا متجوزة حُسنة
فتحت عينيها بأنفعال وأبعدت يديه عنها ثم قالت:-
-يا دى النيلة على متجوزك، يا عم هو أنا قولتلك تتجوزنى .. ما قولتلك طلقنى
حدق بها بعينيه وأشتعلت نيران الغضب بداخله وهى ما زالت تتفوه بهذه الكلمة فقال بجدية:-
-ببُعدك يا عهد نجوم السماء أجرب لك من أنى أطلجك وأوعى خيالك المريض دا يفهمك أن لما تهملنى وتتجاهلينى هزهج وأطلجك … لا يا عهد دا أنا أتجوز عليكى تخدمنى ولا أطلجك
دفعها على الفراش وهو يتابع حديثه بنفس درجة الحدة قائلًا:-
-أتخمدى يا عهد
وضعت الوسادة على رأسها وهى لا تبالى لدفعه لها فجسدها مُرهق كفاية لكى تكترث لشيء أخرى مما أثار غضبه أكثر فهو لا يعلم بأنها لم تنال قسط من النوم قبل حفلة تخرجها وأمس عندما أحضرها لم تنم، تبسم بمكر بعد أن خطر على عقله فكرة خبيثة ليقول وهو يغادر الفراش:-
-أنا أروح أخلى أسماء تجهزلى الفطار والله أتوحشت فطارها
سمعته جملته وهى تضع الغطاء على رأسها فأبعدت الغطاء عنها ثم جلست صارخة عليه تناديه:-
-خد هنا يا نوح ..
نزلت من الفراش وسارت أمامه وهو يبتسم بداخله بعد أن نجحت خطته فى إيقاظها لكنه أصطنع البرود أمامها فقالت وهى تقف أمامه بغيرة تلتهم قلبها وهو يخبرها بأنه ذاهب إلى امرأة أخرى:-
-أسماء مين دى اللى رايح لها وقرف أيه دى اللى هتأكل من أيدها، انت عاوز مرت عمك وبناتها يقولوا عنى أيه، طب أبقى أعملها يا نوح وأطفح حتى بوق مياه من أيدها وأنت والله ما تشوف وشي تانى ولا تعرف لي طريق
عادت للفراش ليغتاظ من تجاهلها وفى النهاية عادت للفراش، دق باب الغرفة فذهب لكى يفتح الباب وكانت “حُسنة” لتخبره بأن “ليلى” جاءت، دخل للداخل وبدل ملابسه ليقول وهو يلف عمته:-
-صاحبتك جت تحت
أنتفضت من الفراش فرحًا وأمتلت بالحماس وهى تركض للخارج فأتسعت عينيه بصدمة من النشاط التى ملأها فجأة من أجل صديقتها لكن عندما حدثها هو كانت مليئة بالكسل والخمول....
_____________________
وقف “حمدى” مع رجال الجبال بداخل الجبل يفحص الأسلحة الجديدة ثم قال بحماس:-
-تسلم يدكم يا رجالة
نظر للصناديق ثم سأل بفضول وهو يغادر المخزن:-
-وصلك كام صندوج
-13 صندوج وكلهم من نوع النوع اللى شوفته دا
أومأ لهم بنعم ثم قال:-
-حلو جوى متخرجش منهم حاجة إلا لما اجولك
أومأ له بنعم ثم غادر “حمدى” الجبل مُبتسمًا بسعادة بعد أن حصل على صفقة جديدة ولم يبالى بما فعله أمس وضرب “نوح” بالرصاص ولم يشعر بأى تأنيب ضمير بل هو على وشك فعل المزيد لأخذ حقه...
____________________
__منزل الصيــــــاد__
تحدثت “ليلى” بصوت هاديء:-
-ما دام مخلصتيش الكتاب يبقى تخلصيه يا عهد أنتِ ماضية عقد
تنهدت “عهد” بتعب وهى تجلس جوارها على الأريكة فى الصالون ثم قالت بضيق:-
-مش قادرة يا ليلى، حقيقى مش عارفة أكمل واقفة فى النفس ومش عارفة اكمل
أتاها صوت “سلمى” تقول:-
-حاولى يا عهد، حسب اللى فهمته أنك زينة جوى فى شغلك
تبسمت “ليلى” بحماس وقالت بعفوية:-
-أوى أوى يا طنط
وقفت من مكانها وجلست بجوار “ليلى” وهى تفتح الهاتفعلى أحد فيديوهات “عهد” وجعلتها تشاهد “عهد” وهى تتحدث بمهارة وثقة أمام الكاميرا فتبسمت “سلمى” بفخر شديد من هذه الفتاة التى أصبحت زوجة لأبنها دون ان يختارها احد لأنها كانت وما زالت الافضل له من وجه نظر الجميع عدا عمه وعائلته..
صعدت “ليلى” مع “سلمى” بعد أن تحمست كثيرًا لرؤية المزيد عن “عهد”، ضحكت “عهد” عليهما وجاءت “حُسنة” تضع القهوة امامها فهى بحاجة إلى المزيد من القهوة لتصارع نومها وتعبها، أرتشفت الكثير فى هدوء لكن لم يدوم هدوئها كثيرًا عندما جلست “حورية” جوارها لتقول:-
-أيه اللى رجعك يا عهد؟
تعجبت “عهد” من سؤالها فأبعدت الفنجان عن شفتيها ثم نظرت إلى “حورية” بعدم فهم السبب من سؤالها العجيب لتقول:-
-قصدك أيه؟
وضعت “حورية” قدم على الأخر ثم قالت:-
-بجولك أيه اللى رجعك ما دام مبتحبيش نوح ولا جوازه تم وأنتِ فاهمة جصدى زين يبجى رجعتى ليه ما كنتي خليكى بعيد وتهمل نوح للى بتحبه ورايده
وقفت “عهد” من مكانها بأشمئزاز من حديثها وأشتاطت غضبًا من هذه المرأة الماكرة وقالت بجدية:-
-اللى هى مين أختك؟ وبعدين أنتِ بتتحشرى فى اللى ميخصكيش ليه مش ملاحظة أنك بتتحشرى بين راجل ومراته
وقفت “حورية” تثير أستفزازها اكثر وهى تقول:-
-وأنتِ بجى مرته صوح يا عهد ولا بالاسم كدة
لم تتمالك “عهد” غضبها أكثر فصاحت بانفعال وعقدت حاجبها قائلة:-
-مالكيش فيه وبعدين لتكونى فاكرة أن نوح هيفكر يبص لأختك المعفنة دى، الراجل يا حبيبتى مبيبصش للى مدلوقة عليه وأنتِ أختك متتوصاش فى الدلقة، وأخر مرة يا حورية إياكِ تتدخلى فى حياتى أنا أو جوزى
أستدارت “عهد” لكى تغادر لكن أستوقفها صوت “أسماء” الواقفة على باب المطبخ بعد أن سمعت حديثهما وإهانة “عهد” لها فقالت:-
-بكرة تشوفى يا عهد نوح هيبص لي ولا لا ما هو الراجل برضو مبيبصش للمرة اللى تهمله وتطلعه من داره من غير فطار مثلًا
أتسعت عينيها على مصراعيها بغضب وهذه الفتاة تخبرها بأنها ستأخذ زوجها منها لتشعر بأختناق فى صدرها وغيرة تلتهم قلبها وتذكرت حديثهما صباحًا عندما أخبرها بأن ستزوج من أخرى وذهابه إلى “أسماء” فغادرت المنزل غاضبة بقلب مُرتجف خوفًا من أن تفقده إلى أخرى....
وقفت "حورية" خلف أختها وقالت بمكر:-
-جدعة يا خيتى ولو جمدتى جلبك هبابة كمان هتجدرى تأخدى نوح منها
تمتمت "أسماء" بغضب كامن بداخلها وحبها يشتعل لهيبه بقلبها قائلة:-
-عندك حج يا حورية أنا لازم أحرب عشان جلبى وحُبي ومستسلمة واصل لحد ما نوح يكون جوزى، هى مش أحسن منى فى حاجة
اربتت "حورية" علي كتفها بحماس وقالت بمكر تبخ سمها فى أذنها:-
-جدعة يا خيتى، هى مش أحسن منك أبدًا ومفهاش حاجة تحليها عندك، أنتِ بس لازم تديها على رأسها عشان تخاف منك...
_____________________
خرج "على" من الجامع مُتكأ على عكازه الخشبي ويسير مع صديقه فقال بجدية:-
-خلى ولدك يوزع الورث بالحج يا على عشان حمدي مهيسكتش أمبارح ضربه بالنار وربك سترها ومتعرفش المرة الجاية هيعمل أيه؟
تنهد "على" تنهيدة معبأة بالخبيات واليأس ثم قال:-
-نوح مهيرضش يديله المال الحلال عشان يغرجه فى الحرام ويكبر الحلال بالحرام
أربت صديقه على كتفه بخفة ثم قال بتحذير:-
-أتحدد وياه، نوح هيسمع منك يا على ولدك طيب وعلى طول فى حاله
نظر "على" إليه بضجر ثم قال:-
-طيب!! نوح مهيسمعش من حد وراسه ناشفة، نوح ما هيوزعش الأرض والمحاجر، ولدى فى حاله لكن اللى يجرب من حاله دا بيأكله بأسنانه ويولع فيه، أنا جلجان جوى عليه وعلى حبايبه ربك يسترها
سار مع صديقه إلى أحد التجار لكى يباشر عمله بعد صلاة العصر....
_____________________
وقف “نوح” من مكتبه وهو يقول:-
-أتحكم فى عصيبتك يا عطيه معها مفيش ست بتحب الراجل اللى يتعصب عليها
نظر “عطيه” له ثم سأله بضيق:-
-يعنى عاوز تفهمنى أن عمرك ما أتعصبت على مرتك
تبسم “نوح” وهو يفتح باب المكتب ويشرد فى تفاصيل زوجته المتمردة فقال:-
-عمرى يا عطيه، أنا فى عز عصبيتى وأنفعالى بأجى جدامها وأنسي كل العصبية و....
صمت عن الحديث عندما رأها تأتى هناك وسط عمال المحجر فدفع “عطيه” بعيدًا وهو يقول:-
-هوينا بجى
سار نحوها وعندما وصل إليها أتسعت عينيه على مصراعيها عندما رأها قادمة تبكى ودموعها لوثت وجنتيها الحمراء، أخذها من يدها إلى مكتبه وهى صامتة ودموعها تنهمر بينما قلبه دب به الفزع والقلق مما أبكاها هكذا، وقف أمامها يتطلع بها وهى تنظر للأرض باكية وعينيها تورمت من البكاء وما زالت بملابس أمس بنطلون جينز وتي شيرت أبيض فوقه جاكيت أزرق اللون وفى حالة فوضوى، شعر بالغيرة من ملابسها وخروجها من المنزل أمام الرجال هكذا فأخذ عبائته الموجودة على المقعد ليضعها على أكتافها بلطف وأخرج شعرها من الخلف، جفف دموعها بأنامله ورفع رأسها له بيديه لتتقابل عيونهما وكانت تبكى بقوة قهرًا فأرتجف قلبه فزعًا بعد أن رأها بهذه الحالة عندما جاءت إليه باكية وضعيفة، أخذ وجهها بين راحتى يديه ثم قال بنبرة دافئة:-
-حصل أيه؟ أيه بكاكى أكدة
لم تجيبه بل زاد بكاءها وهى ترتعش بخوف شديد فوضع خصلات شعرها خلف أذنها بغضب من رؤيتها حزينة هكذا وقلبه يحترق مع حرارة دموعها ثم قال بنبرة دافئة:-
-احكي ليا حصل أيه؟ معلون أى حاجة تزعلك وتبكيكى يا عهد، أنا فاكر أن جولتلك أنى معاوزش غير أنك تكوني سعيدة ومبسوطة، بتبكى ليه وأيه اللى خرجك من دارك كدة فى الحالة دى
تمتمت "عهد" بضعف وسط شهقاتها قائلة:-
-نوح
جفف دموعها بأبهاميه برفق وحدثها بلهجة ناعمة ونبرة دافئة تطمئن قلبها المُرتجف خوفًا:-
-عيون نوح وروحه ليكى يا عهدى
أنهمرت دموعها أكثر من لطفه الذي يحتوي أوجاعها بمهارة وأتقان وكأن زوجها الصارم الشرس يتقن جيدًا سُبل أحتوائها وكيفية زرع الطمأنينة بداخل قلبها وروحها البريئة ثم غمغمت باكية:-
-أنت مش هطلقنى صح؟!
نظر بعينيها العسليتين الباكيتين وخرج منه ضحكة خافتة عليها فى قبل مُغادرته صباحًا كانت ثابتة على قرارها وطلب الأنفصال والأن جاءت إلى عمله باكية بخوف من أن ينفصل عنها ليقول بجدية وثقة:-
-صح مفيش طلاج
ما زال يحتضن رأسها بيديه لتتشبث بساعديه بخوف وقالت راجية وقد تنازلت عن كبريائها قليلًا:-
-يعنى مش هتتجوز عليا يا نوح، أوعاك تعملها وأنا على ذمتك هتكسرنى وتوجعنى يا نوح وجع عمرى ما هقدر أغفره ولا أتحمله... لو عاوز تتجوز أسماء طلقنى قبلها
مسح على شعرها بلطف وقد فهم سبب بكاءها ومجيئها فيبدو أنها تشاجرت مع أحدهن فى المنزل وأخبروها بأنه سيتجوز ابنه عمه فقال بجدية وثقة:-
-أنا مهتجوزش غيرك يا عهد لا وأنتِ على ذمتى ولا وأنتِ بعيد عنى، أنا مهتجوزش بعدك طول عمرى ولحد مماتى.. مفيش غيرك، حتى بعنادك وخناقاتنا اللى كترت والمشاحنات اللى بينا مهسبكيش، خانقينى وعاندينى وطلعى روحى وزعلنى كل يوم لكن أبعدك عنى لا فأهدي يا عهد وأطمنى أنتِ هتفضلى جارى لأخر نفس فيا....
مسحت أنفها الذي سال من كثرة بكائها بدلال بعد أن طمأن قلبها وأحتواء حزنها المشتعل بداخلها ثم قالت بعفوية:-
-خلاص أنا مش زعلانة
ضحك عليها بخفة لتنظر إلى ضحكاته الساحرة التى زادته وسامة وخطفت قلبها عاشقًا له أكثر ويجدد حُب داخلها فى التو وشردت بهما لأول مرة ترأه يضحك أو يبتسم فنظر إلى شرودها به وقال مُتعجبًا:-
-ما لك؟
أجابته بدون وعى شاردة بوسامته وضحكاته التى زادته جمالًا على جماله:-
-أول مرة أعرف أنك بتعرف تضحك يا نوح
مسك ذقنها بلطف وهو يداعبها بأبهامه وقال بهيام:-
-وأنا وأول مرة أعرف أن أسمى زين جوى أكدة
أنفجرت ضاحكة عليه بسعادة ليتأمل ضحكاتها بهيام وهذه الفتاة ستجلب الكثير من المشاعر لقلبه والعشق يسكنه لأجلها ويرفرف قلبه فرحًا لرؤيتها هكذا، خجلت من نظراته فقالت بخجل:-
-أحم أنا هروح
مسك يدها قبل أن تغادر لتلف تنظر له مرة أخرى لتُصدم عندما أخذ خطوة لها وما زالت يده متشبثة بيدها ثم وضع شفتيها على جبينها بلطف تاركًا لها قبلة ناعمة تذيب قلبها وكبريائها اللعين، خفق قلبها بسرعة جنونية وشفتيها مُلتصقة بجبينها ليتلاشي عنادها الماكر وتكفىُ عن التمرد أكثر معه، أبتعد عنها وجسدها يقشعر خجلًا من فعلته ثم نظر إلى عينيها وقال هامسًا لها:-
-أنا مهروحش لغيرك يا عهد ومتسمعيش لحد غيرى واصل
أومأت له بنعم دون أن تتفوه بكلمة واحدة فقط أغلقت يدها على قبضته لينظر إلى يديهما المتشابكة بعد أن بادلت يده عناق يدها ثم نظر لها مُبتسمًا وقال:-
-عهد
حدثته بعفوية وعينيها تحتضن عينيها بنظراتها الدافئة المليئة بالحب ويفيض منهما لأجله:-
-أنا مش عايزة أطلق يا نوح متطلقنيش
هز رأسه بالموافقة لأجلها ثم غادرت المكتب وعلى أكتافها عبائته السوداء، كانت تسير فى البلد والعشق يغمرها ويتراقص قلبها وعقلها وكل ما بها هائمًا بالهوى وقد غلبها الهوي ولم تنتبه وسط سعادتها إلي هذه المرأة الغجرية التى تسير خلفها تمكر لها وتنظر حولها بخوف من أن يراها أحد حتى تأكدت بألا يراها أحد ثم أقتربت من خلف “عهد” أكثر......