
رواية الماضي الملوث الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم داليا السيد
سري الوحيد
نامت بمجرد أن منحها الطبيب مهدئ وبعض الأدوية المثبتة للحمل ثم تحرك خارجا معه وقال "هي ليست على ما يرام نفسيا زهير"
كان يشعل سيجارة نفخ دخانها بغضب كامن داخله ثم قال "وماذا؟"
نظر له الطبيب وهو ينزل معه السلم "زوجتك لا تستطيع مواجهة الأزمات النفسية دون أن تتأثر بها بشكل سلبي على الحمل رغم أنها تحملت المجهود البدني من قبل، عليك توفير الراحة النفسية لها إذا أردت الاحتفاظ بالطفل"
جذب نفس عميق من سيجارته وأطلق الدخان من أنفه وفمه ثم قال "هذا يعني أني لا أستطيع تركها بالفترة القادمة؟"
توقف الطبيب والتفت له وهتف "تتركها؟ هل سمعت ما قلته من لحظة زهير؟ يمكنك تركها بحالة واحدة لو كنت أنت سبب ما تمر به أما لو لا فأنا أظن أنك الشخص الوحيد الذي عليه التواجد معها حتى تهدأ وتستقر"
هز رأسه متفهما فأكمل الطبيب "فقط حتى ينتهي هذا الشهر زهير بعدها قد تتحسن ويزول القلق"
لم يرد والطبيب يتركه ويذهب بينما تحرك هو للنافذة التي تمثل حائط كبير من القاعة وتوقف أمامها وهو يتابع الزهور بالخارج فتذكرها عندما كانت تجري بينها والابتسامة تملأ عيونها، اليوم تعاني، فقط بسبب ذلك الكلب هاري الذي يريد تدمير سعادتهم وحياتهم ولكنه لن يتركه ولن يترك زوجته، حوريته وحبيبته
"زهير ماذا أصاب بريهان؟"
التفت لصوت دولت التي كانت تتقدم منه على مقعدها المتحرك والقلق مرتسم على وجهها فتحرك تجاهها وأطفأ السيجارة وقال "لا شيء ماما هي فقط متعبة قليلا، حضرتك تعلمين الحمل"
قالت بجدية "زهير ماذا تخفي عني؟"
ظل يحدق بها ولا يجد إجابة ولكنها لم تتركه يفر وهي تكمل "زهير ماذا حدث؟ هل ضاع الطفل؟"
فك ربطة عنقه وأزرار قميصه العلوية وقال "لا ماما، ما زال موجود الحمد لله ولكن بيري متعبة نفسيا وهذا بالطبع يؤثر على حالة الحمل كما تعلمين"
صمتت المرأة فالتفت لها منتظرا أن ترد ولكنها لم تفعل فقال "هل هناك شيء لا أعرفه؟"
قالت "بل أنت تعرف كل شيء زهير، هي تخاف عليك من هاري، هي لن تتحمل أن يصيبك أي مكروه"
رفع خصلات شعره للخلف بيده وابتعد وهو يقول "وهاري لن يمنحني أي إنذار قبل أن يضرب ضربته، علي ألا أمنحه الفرصة ليهاجم"
صمتت مرة أخرى فتساءلت عيونه حتى قال "لابد أن يردعه أحد"
هزت رأسها وهي تقول "على حساب ابنتي وحفيدي"
تجهم وجهه مرة أخرى وضرب الألم قلبه وأشاح بيده ملتفتا بعيدا عن نظراتها وقال "على جثتي أن يصيبهم أي مكروه"
هتفت بحزن "وهل وقتها لن يصيبهم المكروه زهير؟ بريهان تحبك"
التفت لها ولمعت عيونه واندفع قلبه يدق بقوة فأكملت دولت "لا تخبرني أنك لا تعرف ذلك، لماذا غفرت لك ما فعلته بها إذن وعادت لك؟ ألا ترى عيونها وهي تنظر لك؟ ألا تدرك خوفها عليك؟ ماذا تتوقع أن يحدث لها لو رحلت من حياتها؟"
ظل جامدا بمكانه يسترجع كلمات دولت التي تتردد بصدى واسع داخل قلبه وعقله حتى اقتربت دولت بمقعدها منه وقالت "ابتعد عن طريق هاري بني وأنا متأكدة أنه سيبتعد عنكم من أجل بريهان وطفلكم زهير"
ركع أمام المرأة وقال بحنان "صدقيني ماما أنا كل ما يهمني هو بريهان وطفلنا وكل ما أسعى له هو حمايتهم وتأمين حياتهم ومستقبلهم، أنا كتبت وصيتي ماما، كل شيء سيكون لها من بعدي، بريهان هي القلب الذي ينبض داخل صدري، لا يمكنني أن أحيا بدونها وهاري يريد انتزاعها مني وأنا لن أسمح له حتى بلمس شعرة منها لا يمكنني أن أقف جامدا وهو يحاول الحصول عليها"
رفعت يدها لوجهه وقالت بحب واضح "هي لا تريد أي أموال حبيبي، هي تريدك أنت"
أغمض عيونه وثقلت أنفاسه وهو يحاول وقف قلبه عن الخفقان ثم فتح رموشه وقال "وكيف أحميها؟ لن أتعايش مع نفسي لو اتخذت الجبن طريق ماما، الفرار من المواجهة لم يكن أبدا من صفاتي"
لم تبعد يدها عن وجهه وقالت "إذن استعن بالله واطلب منه العون وحسن التدبير وهو لن يخذلك فهو تعالى لا يخذل عباده أبدا"
عيونه انكمشت وهو يقول "وهل رجل مثلي لم تكن بحياته أي حسنة يمكن أن يكون عبدا من عباد الله الذين يستحقون رحمته"
ابتسمت وهي ترفع يدها الأخرى لوجهه وقالت "ليت عهد سمعتك هي أفضلنا لسانا بالدين ولكن عليك أن تدرك أننا جميعا عباد الله ورحمته وسعت الجميع وباب التوبة واسع ومفتوح وهو تعالى لن يسمي نفسه الغفار دون حكمة، فقط اطلب منه المغفرة والتوبة واعلن له ولنفسك التوبة عما كان واتبع تعاليمه وفرائضه تصون نفسك ومن يهمك أمرهم"
أمسك يد المرأة وقبل راحتها وأغلق عيونه على دمعة أرادت أن تفر من عينه ثم قال "الأم كلمة لم أعرفها بأي يوم ولكن صدقيني معك عرفتها وسعيد أنكِ تعامليني هكذا ولم تنفري مني ومن ماضي المعروف"
ابتسمت وقالت "أنا لا يهمني معرفة ماضيك حبيبي لأني عرفتك أنت وعرفت ما يحمله صدرك من حب وحنان وما يحتاجه أيضا منهم لذا اعتبرتك مثل ليث ابني وعرفت أن الله عوضني بك عن معاذ رحمه الله"
فرت الدمعة من عيونه وقال "حقا تعتبريني كابنك؟"
ما زال يمسك يدها وهي تلاحق عيونه الدامعة وقالت "منذ أن رأيت الحب بعيونك لابنتي وعودتك وقت مرضي وقتها عرفت أن بك رجل صالح، فقط الجأ لله حبيبي وهو لن يخذلك أبدا"
قبل يد المرأة مرة أخرى ولكنها تلك المرة جذبته لأحضانها فلم يرفض بل واندهش من أنه أراد ذلك وكان سعيد به، لأول مرة يشعر بأن هناك أم ترغب به كابن، أم تربت عليه وقت الألم، تنصحه تقوده للصواب، السعادة بوجودك بحياتي بريهان فقد جلبتِ علي كل ما هو جميل..
بالصباح استيقظت لتراه نائما بجوارها، حاولت تذكر متى دخل الفراش ولكنها لم تذكر سوى الطبيب وبعدها رحلت للنوم، ظلت تنظر لوجهه الهادئ وقد ظهرت تجاعيد جديدة بجوار عيونه النائمة ومع ذلك بدا أكثر جاذبية، خصلاته تناثرت على جبينه فمدت يدها وأبعدتها ولكنه شعر بها ففتح عيونه ليلتقي بها
ابتسم فاعتدل وهي تقول "صباح الخير"
ابتسم وهو يبعد شعره وقال "صباح النور، كيف تشعرين الآن؟"
قالت "أفضل بكثير، لا يوجد أي ألم الحمد لله"
اقترب وقبلها وهي تغمض عيونها من تلك القبلة التي شعرت بها بمعاني كثيرة حتى أبعد شفتيه وقال "أنا أحبك بيري، أنتِ المرأة الوحيدة التي سرقت قلبي بل كياني كله ولابد أن تدركي أني قد أترك العالم كله ولكن لا يمكنني تركك"
اهتز قلبها وقد كانت بحاجة لهذه الكلمات، بحاجة لأن تسمعها مرارا وتكرارا كي يهدأ قلبها المرتعب ويستقر، قالت "وماذا ستفعل مع هاري؟"
مرر يده بشعرها وقال "أرسلت رجالي لمتابعة الأمور بمصر ونقلت زيزي لمكان آخر أكثر أمانا"
قبلها برقة ثم تراجع باحثا عن السجائر وابتعد للنافذة وهو يشعلها وقال "ولكن هو لم يظهر بعد"
جلست على طرف الفراش وقالت "هو ليس بمصر"
نظر لها فأكملت "قلبي يخبرني أنه هنا، هو فعل ذلك ليجذبك لمصر ووقتها تكون بعيدا عن رجالك"
ظل ينظر لها صامتا ثم قال "هو بالفعل يريد إبعادي عن هنا"
حدقت به وهي تحاول أن تتأكد مما فهمت وهي تهمس بصوت سمعه "حتى يمكنه الحصول علي"
نفخ الدخان وهو يواصل النظر لها وقال "كلها تخمينات بيري لا أحد يمكنه معرفة ما يدور بعقله"
كان على حق وهي لا تعلم نوايا هاري فقالت "وماذا؟ لن تبقى نهار ليل بالبيت بعيدا عن عملك"
أطفأ السيجارة وقال "لا، لا يمكنني أن أفعل كي لا ينتبه للحذر الذي اتخذته ولكن هذا يعني بقائك أنتِ بالبيت دون خروج فهل يمكنك تقبل ذلك؟"
نهضت وهي ترفع شعرها وقالت "لا أخطط لعمل سفاري زهير تعلم حالتي، أنا بالكاد أخرج للحديقة"
تحركت للذهاب للحمام وقد شعرت بضيق مما يحدث ولكنه وقف أمامها قاطعا طريقها فرفعت وجهها له وهو يقول "هل ضايقتك بشيء؟"
ظلت تتجول داخل تلك العيون الزرقاء التي تنظر لها بحب وحنان حتى قالت "لا، أنا فقط أشعر أني سبب كل ذلك، لقد انقلبت حياتك بسببي وستتوقف أعمالك أيضا"
قاطعها بحزم "عدنا لهرمونات الحمل مرة أخرى، بريهان هل تستوعبين من أنتِ وماذا تعنين لي؟ كم مرة لابد أن أخبرك أنك زوجتي وحمايتك واجب علي؟"
أخفضت عيونها وقالت "أعلم زهير فقط لا أستطيع التعايش مع أن حياتك بخطر"
ابتسم ولم يرد فرفعت وجهها له لترى ابتسامته وهو التقى بعيونها وقال "خوفك علي يمنحني قوة أكبر وأمل أنكِ قد تحبيني بيومٍ ما"
اندهشت من كلماته، هل حقا لا يدرك أنها تحبه؟ هل لابد أن تنطق بالكلمة حتى يعرف ما بداخلها تجاهه؟ لماذا لا تخبره بمشاعرها مثلما فعل؟ من ماذا تخاف؟
جف فمها ولم تجد ما تبتلعه عندما قالت "هل تهمك مشاعري تجاهك زهير؟"
ظل صامتا لحظة وكأنه يفكر برد وهو بالفعل كان يفكر قبل أن يقول "وماذا تظنين بريهان؟ أليس لي الحق بأن أعرف مشاعرك؟"
لم تهرب من عيونه وقلبها يدفعها بقوة دون رحمة وهي تقول "ألم تعرفها بعد؟ مشاعري؟ ألم تدرك بعد ماذا أكن لك؟ ألم تجد بتصرفاتي كلها أي شيء يخبرك ماذا أحمل لك؟"
كانت جادة بكلماتها، قوية دون وهن، لم تتراجع عن أسئلتها بينما قال هو "أحيانا الكلمات تمنح راحة أكبر بيري"
قالت دون تردد "وكيف تتأكد من صدقها إن لم تصحبها أفعال"
ابتسم وقال "إذن القول والفعل يكملان بعضهما البعض، أنا لم أكتفي بتصرفاتي بيري"
تنفست بعمق مثلما يفعل وقت التفكير وقالت "أنت كان عليك أن تفعل زهير، لأن رجل مثلك لم يكن يؤمن بالحب لابد أن ينطق بها وعلي أن أصدقها ليس فقط لأن تصرفاتك كانت تعني ما تقول ولكن رجل مثلك لا ينطق إلا بما يريد وليس ما يجبر عليه"
رفع يده لوجهها وقال "ومن المفترض أن أكتفي بتصرفاتك لأعرف مشاعرك؟"
قالت بهدوء لا يعبر عن الفيضان الذي بداخلها "ظننت أنك اكتفيت"
ضحك وقال "ألم أخبرك أنكِ امرأة صعبة المراس؟ لم تجادلني امرأة من قبل كما تفعلين ومع ذلك أعشق ذلك الجدال يمتعني بيري فهو يجعلك مختلفة عنهن جميعا"
قالت بضيق مصطنع "هل ستعدد صفات نساءك السابقة أمامي الآن زهير؟"
ضحك بقوة حتى دمعت عيونه وهي تحاول عدم الضحك حتى قال "أنتِ رائعة حوريتي، أنا جائع هل نطلب الإفطار؟"
ارتاحت أنه لم يتمسك بطلبه وقالت "سأفعل"
تحركت للهاتف الداخلي ولكنه قال "أنتِ نطقت بها من قبل بيري"
التفت لتراه بنفس بمكانه وعيونه الضاحكة أصبحت جادة وهو يحدق بها وارتبكت دون أن تفهم فقالت "قلت ماذا؟"
لم يتحرك ولا هي ولكنه قال "قلتِ أنكِ تحبينني، بليلة زفافنا وقبل أن تذهبي بالنوم نطق بها لسانك ولم أنساها لحظة واحدة بريهان، تلك الكلمات كانت هي المحرك لي حتى أعود لكِ، صداها كان يتردد بعقلي وقلبي فأنا لم أصدق أي امرأة أخرى ادعت حبها لي ولكني صدقتك أنتِ لأني كنت أعلم أنكِ صادقة"
شحب وجهها وهي تحاول أن تذكر تلك الليلة وهي تذكرها جيدا ولكنها لا تذكر تلك الكلمات، اقترب منها وقال "كنتِ بين النوم واليقظة بريهان لذا قد لا تذكرين شيء، ولكني أذكرها جيدا لأنك كنتِ بين أحضاني وقتها وشعرت بطعنة حادة تسدد لقلبي لأني كنت أخطط للغدر بكِ"
سرقتها الدموع وهي تبلل رموشها فعاد يقول "لم أكن أريد إفشاء سري الوحيد ولكن فقط أردت أن أتأكد، هل تحبيني حقا بيري؟ هل أستحق قلبك؟"
الضعف أخذها ولم تعد تستطيع التماسك، لقد فضحها لسانها من قبل والآن قلبها النابض داخلها بقوة فهزت رأسها وقالت بصوت منخفض ولكن يمتلئ بمعاني كثيرة "نعم زهير، نعم أنا أحبك، أنا لم أحب سواك بالأساس"
تنفس بقوة وكأنه يخرج أنفاس كان يكتمها داخل صدره منذ الأزل وأخيرا أفرج عنها ورفع رأسه للأعلى وكأنه يشكر الله ثم هتف "يا الله! لم أظن أنكِ ستفعلين بأي يوم"
ثم خطا تجاهها وجذب وجهها بقبلة قوية فاجأتها ولكنها بالطبع لم تعترض حتى أطلقها وجذب يدها ووضعها على قلبه فشعرت بدقاته المتسارعة وقال "هل تشعرين به؟ هل تستوعبين جنونه لأنه يكاد لا يصدق أنك تحبيني؟"
ضغطت بيدها على صدره وعيونها ثابتة على عيونه وقالت بقوة "هو ما زال بالصفوف الأولى للحب ولو لم يكن لعرف بحبي لك منذ أول لقاء لنا سويا زهير"
رفع يده لشعره ودفعه للخلف وعيونه تعلن عن الذهول وهو يقول "يا الله! كم كنت غبيا وضيعت سنوات من عمرنا دون أن نكون سويا"
ابتسمت وقالت "لم تكن غبيا كنت زئر نساء ولم تكن تؤمن بالحب فكيف كنت سترى حبي لك؟ ولو رأيته كنت سأنكره لأني لم أثق بك وقتها ولم أكن لألقي نفسي بأحضان رجل يبدل النساء كتبديله لقمصانه"
ضحك مرة أخرى ثم عاد لها وقال "تهزميني بكل سهولة أيتها الماكرة ولكنك على حق فعلا لم أكن أصلح لأكون لكِ بيري، امرأة قوية هزمتني مرارا وتكرارا ومع ذلك خطفتِ قلبي وأصبحت مجنون بكِ أيتها الماكرة"
ابتسمت وقالت "وأنت هزمتني كثيرا زهير بحبك وحنانك ومع ذلك صدقني أنا لم أكن ماكرة معك بأي يوم زهير بل على العكس كنت صادقة بكل كلمة وتصرف"
جذبها له وأحاطها بذراعيه فرفعت يداها لصدره وهو يقول "وهذا ما أحببته بكِ بيري صدقك، براءتك وقوتك"
أحنى رأسه حتى وصل لوجهها وهمس "أنا أعشق كل شيء بكِ حبيبتي"
وخطف شفتيها في قبلته التي لا تتبدل ولكنها بكل مرة تحمل معاني مختلفة إلا معنى واحد ثابت لا يتغير، الحب
رفعت ذراعيها لعنقه وهي تضمه لها وتستجيب لقبلته بنفس الحب حتى كادت أنفاسهم تذهب فتوقفا دون أن يبتعدا وهو يهمس "كل شيء معكِ مختلف حوريتي"
رفعت عيونها له وقالت "كل شيء معك هو ما حلمت به وتمنيته"
ابتسم ولم يكمل لأن هاتفه كالعادة قطع لحظتهم فقبل شفتيها برقة وتركها للهاتف وتحركت هي لطلب الإفطار..
لم يبقى معها كثيرا ورحل وما زال يتحدث بالهاتف دون توقف وقد شعرت أنه لا يخبرها كل شيء ومع ذلك لم تحاول أن تعيد أسئلتها فلن ينفعها بشيء، لا هو سيخبرها بما لا يريد ولا هي ستهدأ
ما أن ركب سيارته حتى انطلق به السائق وهو يقول "حسنا جيسون لقد تحركت هل كل شيء تمام؟"
أجاب الرجل "نعم، السيارات خلفك على مسافات متفاوتة"
أغلق الهاتف وعيونه بالمرآة الأمامية وقال "هل تدرك ما تفعل هنري؟"
نظر له الرجل بالمرآة وقال "بالتأكيد سيدي"
لم يرد وتنفس بقوة وهو يغمض عيونه فرأى عيونها تنظر له بحب لم يعرفه سوى معها وسمع صوتها وهي تقول "نعم أحبك ولم أحب سواك" هدأ قلبه من القلق فلو مسه هو الأمر فلن يهم لكن هي؟
قال هنري فجأة "لقد اقتربت السيارة سيدي"
لم يلتفت وهو يقول "إذن نفذ"
غير هنري مسار السيارة فجأة وزاد من سرعتها وتماسك زهير وهتف "أريد مطاردة نظيفة هنري كما أخبرك جيسون"
كان هنري رجل أمن سابق ومدرب كما هي كل الرجال التي انتقاها جيسون لفريقه الأمني، تخطى هنري الزحام وانطلق للطريق السريع والسيارة تتبعه وفجأة سمعا صوت طلق ناري فالتفت زهير ولكن هنري هتف
"انخفض سيد زهير، اخفض رأسك حالا"
لم يفعل وهو يخرج مسدس من حقيبته وقال "أنت لا تعرف مع من تعمل هنري"
فتح الزجاج وتبادل الإطلاق مع السيارة ولحقت بهم سيارة تأمين أخرى حتى أصبحت السيارة بالمنتصف ثم فجأة أصيبت إحدى إطاراتها فانفلت الزمام من سائقها والسيارة تنقلب حول نفسها عدة مرات ثم تسقر في منتصف الطريق
توقفت سيارته والسيارة التابعة ونزل زهير وجيسون وثلاثة رجال أخرى، هتف زهير "حاولوا إخراج أي جثة"
اشتعلت النيران بالسيارة وأسرع رجال زهير بإخراج جثة قائد السيارة ثم جثة أخرى فهتف جيسون "ما زال على قيد الحياة"
أسرع زهير للرجل وعندما نظر لوجهه الملطخ بالدماء عرفه
الفصل الرابع والعشرين
الورد الأحمر
ما أن نظر زهير لجسد الرجل الملقى أمامه حتى عرفه؛ محمود ابن عمه بصعوبة نظر محمود الممدد على الأرض لزهير الذي ركع على الأرض بجواره فقال محمود "اللعنة عليك زهير، تملك حظ الشيطان"
وسعل بألم فخرجت دماء من فمه فقال زهير "لا تتحدث محمود الاسعاف بالطريق"
قال محمود بصعوبة "لن تنقذ حياتي أيها المخادع، أعلم أنك ستقتلني بالنهاية، ستنتقم لما فعلته بك"
أشار زهير للرجال التي ترفع سلاحها بوجه محمود فتراجعوا بينما قال هو "لو أردتك ميتا لمت منذ وقت طويل محمود"
سعل محمود مرة أخرى وقال "وكيف ذلك؟ أنا من أبقى على حياتك لأواجه عيونك وأنا أقتلك"
تأمله زهير بهدوء وقال "لم يمنعك شيء عن مواجهتي محمود ولكنك اخترت النساء لتتخفى خلفها بانتقامك لم تكن شجاعا بالقدر الكافي لتواجهني"
عيون محمود ظلت تنظر لزهير ثم قال "لأن عندما هم يتألمون أنت ستتألم وهو ما أردته"
حاول زهير كبت غضبه وقال "حاولت إرضاءك محمود وإصلاح ما كان"
ابتسامة ساخرة نبضت على شفاه محمود وهو يقول "لم يكن بإمكانك إعادة أبي وأمي من الموت"
كان زهير يعلم بكلماته فقال "لا، أنا لم أكن أعلم شيء عن مرض والدتك، والدك لم يخبرني بل هددني فقط بالقتل إن لم أعيد له الأموال، صدقني محمود أنا لم أكن أعلم شيء عنها ومع ذلك حاولت الإصلاح بعد موت والدك ولكنك رفضت، أنت من أراد الحرب محمود وأنا لم أمد إصبع واحد فيها"
هتف محمود بألم "بل أصابعك كلها ملطخة بالدماء زهير، أموالك كلها هي أموالنا التي سرقها أبيك وكلها حرام"
هتف زهير بضيق "هو مات وأخذ معه كل أمواله الحرام، والدك حاربني ودمر كل ما كان أبي قد صنعه، أنا من صنع أموالي الخاصة محمود وكلها حلال، كل قرش حصلت عليه كان من مجهودي وتعبي وحاولت منحك كل حقوقك كما فعلت مع عمتي ولكنك أردت الحرب فلا تلومني وأنت من اخترق كل الطرق الخاطئة للانتقام"
عاد محمود يسعل وهو يقول بألم "وسأكمل لو لي عمر حتى أقتلك أو تقتلني"
ظل ينظر له لحظة قبل أن يقول "أنا لن أقتلك محمود، لم ولن أفعل فأنا اخترت الطريق الآخر ولو نجيت أنت تلك المرة أرجو أن تفكر جديا وتدرك أن كل ما ضيعت عمرك فيه لا فائدة منه ولن تجني من ورائه إلا الظلام، سأكون بانتظارك محمود إما لتقتلني وتحقق ما تريد هذا لو حققت وقتها أي شيء وإما لنغلق تلك الصفحة الطويلة ونبدأ من جديد ووقتها ستكون ابن عمي الذي يقف بظهري وأنا بالمثل ونكمل الطريق سويا"
سمع صافرة الاسعاف فنهض وتحرك لجيسون وقال "لا أريد أي شكوى ضده"
نظر له جيسون بقوة وقال "ولكن يا فندم"
قاطعه دون أن يبتعد "نفذ جيسون"
تحرك رجال الاسعاف لحمود وما أن ارتفعوا به حتى نظر لزهير وقال "أنا لم أرد زوجتك زهير، هاري من دبر أمر خطفها لإحضارك وقتلك وأخذها لنفسه ولن يتراجع عنها"
اندفع الغضب لقلبه أكثر والرجال تبتعد بمحمود الذي هتف من بعيد "هو يقسم على أنه لن يتركها لك، سيقتلك وينالها"
واختفى صوته داخل عربة الاسعاف بينما ارتفع الغضب داخله إلى ذروته فالتفت لجيسون وقال بقوة "أريد هاري جيسون، أريده بالأمس هل تسمعني، وشدد الحراسة على زوجتي"
هز جيسون رأسه بالإيجاب ونظرات زهير تعني غضب قد يشعل النيران بكل ما حوله من شدته
لم يعد للبيت وإنما دخل مكتبه وألقى جسده على المقعد وأشعل سيجاره وهو يخرج هاتفه واتصل بها، لحظات وأجابت قائلة "لم تشتاق لي بهذه السرعة زهير!؟"
أغمض عيونه وتنفس بعمق ثم فتحها وقال "تعلمين أني أشتاق لكِ وأنتِ بين ذراعي، هل أنتِ بخير؟"
نهضت بعيدا عن والدتها وقالت "ماذا بك؟"
صمت وهو لا يفهم سؤالها فعادت تقول "زهير ماذا بك؟ هل حدث شيء؟"
قال بهدوء وهو لا يصدق أنها شعرت بصوته المضطرب "لماذا تسألين؟"
قالت بقلب يخفق من القلق "صوتك زهير جعل قلبي يشعر بالخوف، ماذا حدث؟ لا تخفي عني شيء من فضلك؟"
لم يشأ أن يزيد من مخاوفها فقال محاولا تهدئة نبرة صوته وهو ينفخ الدخان بعيدا "لا أفعل حبيبتي ولكن فقط أردت سماع صوتك وإخبارك أني أحبك جدا"
زادتها كلماته خوفا وقلقا وهي تقول "زهير؟"
أدرك أنها لا تصدقه ولكنه لن يخبرها شيء، حالتها الصحية لن تتحمل الخوف والقلق فقال بجدية "لا شيء بيري، لقد أرسلت لكِ شيئا أتمنى أن يعجبك"
كانت سولانا تدخل عليها بباقة ورد حمراء رائعة فتراجعت من المفاجأة وهي تأخذها وهتفت "زهير إنها رائعة"
ابتسم محاولا بث الهدوء بقلبه وقال "الورد الأحمر لا يعني الدم الذي يدفعه قلبي بكياني لأحيا فقط بيري بل يعني أنكِ الحب الذي يحييني وأنكِ القلب الذي يدق داخل صدري حبيبتي بدونك أفقد الحياة"
احتضنت الورود ودمعت عيونها وهي تسمع كلماته وقالت "أنا، أنا لا أجد كلمات أجيبك بها زهير لقد سرقت مني كل ما أشعر به تجاهك فلم أعد أجد ما أقوله"
عاد قلبه ينبض بقوة وهو يقول "فقط أخبريني أني بقلبك"
سقطت دمعتها وقالت "بل أنت قلبي زهير، أنت من جعله الله سببا في سعادتي وحياتي السعيدة التي أحياها، أنا أحبك جدا زهير، لم ولن أحب رجلا سواك"
أغمض عيونه وعاد يتنفس بعمق وقلبه يشتعل بلهيب الحب والسعادة وعندما سمعها تناديه فتح عيونه وقال "هنا حبيبتي، فقط أستمتع بكلماتك وأمتع بها قلبي، سأكون موجود على العشاء بلغي ماما تحياتي"
أغلق كلاهم الهاتف وما زالت قلوبهم تنبض بالحب ونسوا كل ما مروا به فقط الحب هو ما يعشش داخل صدورهم
انتهت من تجهيز العشاء عندما سمعت سيارته تدخل الفيلا فتحركت لاستقباله بسعادة عندما رأت جيسون يتبعه فتوقفت وهو يكمل كلماته حتى انتبه لها فقال "انتهينا جيسون يمكنك الذهاب"
كان حازما بطريقة جعلتها تندهش وجيسون يتردد بالذهاب قبل أن يحني رأسه لتحيتها ثم يذهب وهو يتقدم تجاهها وقد ارتدت فستانا أحمر طويل ومفتوح من الجنب حتى أعلى ركبتها وصدرها الأبيض واضحا من حمالاته الرفيعة وتركت شعرها يتساقط على أكتافها ووجهها ووضعت وردة حمراء بشعرها
اقترب هو منها وعيونه تلمع على جسدها رغم الغضب الساكن داخله، رفعت وجهها له وهو يقول "حبيبتي كيف حالك؟"
يداه جذبتها له وشفتاه التقت بشفاهها بقبلة حارة وهي تتذكر مرة أخبرها أن هكذا يكون لقاؤهم فاستجابت له وهي تحيطه بذراعيها وهو زاد من ضمه لها
طالت القبلة حتى أطلقها وتنفس بصعوبة وهو يخفض رأسه لوجهها وأنفاسه الساخنة برائحة السجائر الخاصة به تنبض على وجهها وقال "لا أعلم لماذا أشعر بكل مرة أنها قبلتنا الأولى؟"
ابتسمت وهي تداعب شعره وقالت "لأن مشاعرنا لا تتبدل زهير، الحب واحد لا يتغير مهما مر الوقت"
قبلها برقة وقال "بل يزداد بيري، حبي لكِ يزداد بكل يوم عن الذي يسبقه"
قالت بسعادة "كما هو أنا زهير حبي لك يمنحني سعادة لم أعرفها من قبلك"
ضمها له وهمس "هل يمكنك أن تخبريني بحبك هذا كل يوم بيري؟ أحيانا أشعر أني بحلم وسأستيقظ منه على واقع آخر لستِ به"
قالت بين أحضانه "هو واقع حبيبي، أنا لك وأنت لي ولن يفرقنا شيء"
أغمض عيونه وهو يتنفس عطرها وقلبه يدق من الحب والخوف والقلق وعقله شاردا بهاري وما يدبره لهم
تناولوا العشاء مع دولت وتبادلوا الكثير من الأحاديث ثم الشاي بغرفة الجلوس عندما ذكروا حادث خطفها فقال "لقد أصيب محمود اليوم ونقل للمشفى"
التفتت له بنظرة غريبة وقالت "أصيب؟ أين؟ وكيف عرفت زهير؟"
نظرت دولت لها ثم له وعيونه تختفي خلف الدخان وهو يقول بهدوء "كان يطاردني بيري"
لاحظ ارتفاع صدرها وانخفاضه دليل على أنفاسها المتضاربة وصمتها الغريب بينما قالت دولت "هو لم يمت بذلك اليوم إذن؟"
نظراته تحركت لدولت وقال "لا ماما، لم يمت الرصاصة كانت بذراعه وشفي منها وعاد إلى هنا بعد عودتنا مباشرة"
ظلت صامتة فعاد لها وقال "بريهان ماذا حدث؟"
حاولت أن تكون باردة وهي تقول "كان بالصباح وأنت لم تخبرني"
انحنى للأمام وأطفأ السيجارة ثم رفع عيونه لها وقال "لم أكن أنوي إخبارك، أنتِ تتأثرين بالقلق والخوف بيري وانتظرت حتى تريني أمامك بخير حتى تطمئني"
ظلت صامتة للحظة ثم قالت "ولماذا تخبرني؟"
قالت دولت "بريهان ماذا بكِ؟"
لم تنظر لوالدتها وإنما له وأكملت "لأنك تعلم أني سأعرف، عندما يصل لي أو هاري يفعل سأعرف"
نهض وتحرك مبتعدا وقال "لا، أنا لا أهتم بما سيلقونه بوجهك عندما يلتقوكِ" ثم التفت لها بحزم وقال "هذا لو تمكن أيا منهم من الوصول إليكِ أخبرتك أن بالمرة القادمة عليهم أن يمروا على جثتي قبل أن يفعلوا"
قالت دولت " أبعد الله الشر عنك حبيبي"
نهضت هي الأخرى وقالت وهي تتحرك تجاهه "توقف عن ذكر الموت زهير"
أبعد نظراته ولم يرد فعادت وقالت "أنت من أصاب محمود؟"
كانت قد توقفت أمامه فأخفض عيونه ليقابل نظرات الاتهام بعيونها وقال "تقصدين أني أردت قتله؟"
لم تتراجع وقالت "أنا لم أقصد إلا ما سألت زهير"
لم يتراجع من أمامها وهو يجيب "لا، لقد أصاب رجالي إطار سيارته أثناء مطاردته لي فانقلبت به السيارة"
ظلت تتأمل ملامحه والغضب ساكن داخلها فعاد يكمل "لو أردت قتله لفعلت منذ عودتنا بريهان، جيسون عرف مكانه منذ ذلك الوقت ولكني انتظرت خطوته التالية وهو من طاردني اليوم وأطلق عليّ رصاصاته"
وتحرك من أمامها للنافذة وهي تعود لأكتافه العريضة التي تواجها وقالت "لماذا تركته يفعل ذلك؟"
نظر لها وقال "وماذا كنتِ تريدين مني أن أفعل؟"
كان الغضب قد تسرب له بدلا منها وهي تقول "كنت اذهب إليه وحاول إنهاء ما بينكم لا أن تنتظر هجومه حتى تقتله"
ضاقت عيونه وهو يواجها بينما قالت دولت "هل جننتِ بريهان؟ يذهب لرجل يريد أن يقتله؟"
تحرك هو تجاهها والاثنان لم يجيبا كلمات دولت حتى توقف أمامها وقال "أنا لم أرد قتله بريهان، ولا أظن أن محمود كان سيرحب بزيارتي ويدعوني لقدح من القهوة، لقد قتل أختي وكاد يقتلني وخطفك وكاد يقتلك أنتِ أيضا فهل أردتِ مني أن أذهب له؟ وماذا كنت سأقول له؟ مرحبا دعنا نلهو قليلا؟"
كانت كلماته تحمل الغضب وهي تدرك ذلك وربما تراجعت من الغضب النابض بعيونه ولكنها كعادتها لم تتوقف وهي تقول "لا، لا تذهب إليه وانتظر حتى يأتي هو إليك ليقتلك أو ربما يقتلني أنا وطفلنا، أنا لا أفهمك زهير"
أشاح بيده وهتف "لا تفهمين ماذا بريهان؟ أنا لم أخطو خطوة واحدة لقتله ولو أردت لفعلت دون ندم لأنه يستحق، أنا انتظرت خطوته التالية وأعددت لها جيدا وهو عليه أن يدفع ثمن أفعاله، هو من عليكِ إلقاء اللوم عليه وليس أنا بريهان، أنا لست المتهم لو تذكرين"
تجمدت بمكانها وهو يبتعد للسجائر وأشعل واحدة نافخا الدخان بقوة بينما قالت دولت "أنت محق حبيبي ولكن هي تخاف عليك"
التفت لدولت وقال "أشعر أنها تخاف على محمود أكثر ماما"
غضبت من سخريته وقالت "حقا؟ لذا أريدك أن تنهي تلك الحرب وتوقفها"
أبعد سيجارته ليواجها وقال بحزم "أنا لن أتحمل اتهاماتك أكثر من ذلك بريهان فتوقفي قبل أن أفقد هدوئي"
قالت دولت لتهدأ الأمر "هي لا تفعل حبيبي هي فقط متوترة وتريد إيقاف كل ذلك"
لم يقطع كلامها اتصال عيونهم وهو يقول "وذهابي له كان سيوقفه؟"
ظلت صامتة ودولت تقول "قد تفعل الكلمات ما يعجز عنه الفعل زهير، لو جربت النقاش ربما وصلتم لحل"
التفت لدولت وقال بتفكير "محمود لا يرى سوى أني سبب كل دمار بحياته وأي كلمات لن تمحو ما يسكن بعقله"
ردت دولت "كل شيء يحتاج للتجربة زهير"
التفت لزوجته التي أخفضت عيونها وهي تستوعب كلماته كلها بينما سمعته يقول "هل تظنين أني أردت نصب فخ له بريهان كي يموت؟"
رفعت عيونها له وقالت "لماذا تظن أني أراك المتهم بكل شيء زهير؟ أنا معك ولست ضدك، أنا أردتك أن تحاول السلام والسلام يتم بالمحادثات زهير لا بالقتال والمطاردات"
حدق بها بنفس العيون الغاضبة قليلا قبل أن يقول "ليس الكل يفكر بالمثل بريهان، عقلية مثل محمود لا ترى إلا القتل والخطف، من الصعب إقناعها بالسلام"
ابتعدت لأقرب مقعد وجلست وقالت "كان عليك التجربة كما قالت ماما لم تكن لتكلفك شيء"
لم تنظر له وهو يبحث عن عيونها ويفكر جيدا بكلماتها بينما قالت دولت "هي على حق زهير"
أطفأ السيجارة وقال وهو يبتعد للا مكان "ما زال هناك مجال لذلك وربما الآن فرصتي أفضل"
قالت بهدوء "وهو ضعيف وتحت سيطرتك"
التفت لها بحدة وقال بقوة "نعم بريهان، نعم هو ضعيف وتحت سيطرتي وبإمكاني إنهاء حياته أو إدخاله السجن بكلمة واحدة مني ولكني لم أفعل"
رفعت وجهها له فالتقت بعيونه النارية ولم تتحدث وهو يكمل "لقد أردته أن يدرك أن بإمكاني فعل المثل واتخاذ الانتقام سبيل ولكني لم أفعل لقد تركته يعيش ومنحته فرصة لإيقاف كل ذلك، لم أكن أتباهى بقوتي عليه بريهان فقط أردت أن أكون بموضع القوة كي أجبره على التوقف دون خسائر جديدة"
هزت رأسها ولم ترد وهي تنهض وتقول "نعم هي وجهة نظر، اسمحوا لي"
وانسحبت بهدوء وتابعها هو بنظرات غاضبة وهي تنهي المناقشة ببرود أثار غضبه وكاد يلحق بها عندما قالت دولت "لا تلحق بها زهير"
نظر لدولت والغضب يتبدل ألوان داخله فأكملت "قد لا تفهم هي ما فعلت وأنت لا تفهم ما تفكر هي به ولكن هذا لا يعني أنكم على خطأ، انتظر حتى تهدأ قبل أن تذهب، بريهان تخاف عليك بطريقة تجعلها لا تريد أن تسمع سوى أنك أنهيت كل ذلك بأي طريقة سلمية بعيدا عن الموت والخطف، ما مرت به يجعلها لا ترى إلا الخوف"
تراجع من كلمات دولت وأدرك ما تعني، عاد للسجائر وأشعل واحدة وهو يخرج الدخان من فمه وأنفه فعادت دولت تقول "كان عليك تجربة إنهاء الأمر دون خطر زهير"
نظر لدولت وقال "لم أصدق أنه سيستجيب لأي نقاش"
قالت بهدوء "لقد انتهى الأمر الآن، فقط حاول إنهاؤه وأنت بموقع القوة كما ذكرت"
هز رأسه وقال "لقد عرضت عليه السلام بالفعل ولكن الأمر لم ينتهي وهو لم يمنحني أي رد"
ابتسمت وقالت "اذهب له مرة أخرى وكن بجواره بتلك المرة وامنحه ما يجعله يدرك أنك ابن عمه و أمره يهمك حقا وما كان انتهى ربما لو دفعت أنت بالحسنى لذهبت السيئة"
تأمل وجه دولت وكلماتها ثم هز رأسه وقال "حاضر سأفعل"
ابتسمت وقالت "لا تنسى أنها تحبك وتخاف عليك ولا يهمها أحد بالعالم سواك وطفلكم"
هز رأسه مرة أخرى وأطفأ السيجارة وجذب جاكيت بدلته وسجائره وقال "أنا أفعل، اسمحي لي، طابت ليلتك"
عندما دخل غرفتهم كانت تجلس أمام النافذة وتسند رأسها على يدها فأغلق الباب وقذف بالجاكيت بعيدا وتحرك تجاهها ولكنها لم تشعر به، كانت شاردة بما يمكن أن يحدث من محمود أو هاري، حركته وهو يجلس بالمقعد المجاور جعلتها تنتبه له فأبعدت رأسها عن يدها ونظرت له فالتقى بعيونها فقالت
"أنا آسفة"
رفع شعره بأصابعه وهو يبعد وجهه عنها ويتنفس بقوة قبل أن تكمل "فقط"
قاطعها دون أن ينظر لها "فقط دعيني أدير الدفة بريهان ولا تجعليني أندم أني أخبرتك بالأمر"
ظلت تنظر له ثم هزت رأسها بالإيجاب ونهضت ولكنه أمسك يدها فلم تنظر له وهي تتوقف بينما قال "ظننت أنك تثقين بي وبأني لا أريد ارتكاب أي معصية جديدة"
أدارت رأسها له والتقت بنظراته حتى قالت "أنا بالفعل أثق بك زهير، كم مرة علي إخبارك ذلك؟ فقط أنا لا أريد تكرار ما كان"
جذبها لتجلس على ساقه فلم تعترض ورفع شعرها للخلف ويده تداعب عنقها وقال "كفي عن خوفك هذا فهو يلغي عقلك"
لانت ملامحها من لمساته وقالت "خوفي عليك لن يتوقف أبدا، لا أريد رؤيتك بين الأجهزة مرة أخرى، لن أتحمل"
جذب وجهها له وقبلها برقة وقال "لن يكون، حبك يحرسني حبيبتي"
رفعت ذراعيها وأحاطته بهما فأراح رأسه على صدرها وأغمض عيونه وهي تقول "الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين"
بالصباح كان يدخل المشفى التي يرقد بها محمود وجيسون يتبعه كظله وهو يشير له بمكان محمود حيث رأى الطبيب يخرج من غرفته فتوقف أمامه وقال "صباح الخير دكتور"
تراجع الطبيب وقال "صباح الخير"
قال زهير بثبات "زهير الأسيوطي ابن عم محمود الأسيوطي هل يمكنني أن أعرف حالته؟"
هدأت ملامح الطبيب وقال "هو بخير، حالته ليست خطر مجرد بعض الكسور والجروح الخفيفة، يمكنه أن يخرج غدا فقط حساب المشفى"
نظر زهير لجيسون الذي أحنى رأسه وابتعد بينما عاد هو للطبيب وقال "هل يمكنني رؤيته؟"
قال الطبيب "نعم هو مستيقظ"
شكر الرجل الذي ابتعد بينما فتح هو الباب ودخل ليرى محمود راقدا بالفراش والممرضة تأخذ منه كوب الماء وضمادات تلتف حول ذراعه ورأسه
تقدم للداخل وقال "صباح الخير"
التفت محمود له بملامح غاضبة من بين جروح وجهه وقال "من سمح لك بالدخول؟"
كانت الممرضة تخرج وتغلق الباب خلفها بينما جذب هو مقعد ووضعه أمام فراش محمود وفتح جاكته وجلس ونظر له وقال "أنا سمحت لنفسي، كيف حالك اليوم؟"
أبعد محمود وجهه الغاضب وقال "لا شأن لك بي، سأشفى وأخرج من هنا وأعود لأقتلك"
أسند زهير ذقنه على أصابعه وهو ينظر لمحمود وقال "وماذا ستستفيد من قتلي؟ السجن؟ أنت لن ترثني إذا كان هذا ما تريده"
ضحك محمود بغيظ وقال "توقف عن سخريتك السخيفة هذه"
قال زهير دون أن تتبدل ملامحه "أنا لا أسخر منك محمود أنا حقا أسألك هل قتلي سيمنحك انتقامك؟ لماذا لم تقتلني منذ بداية الأمر؟"
تبدلت ملامح محمود فاعتدل زهير وانحنى للأمام وقال "لأنك أردت أن تؤلمني حسنا وقد فعلت فمتى ستتوقف؟"
قال محمود بغضب "يوم أن أنتهي من كل من حولك ويهمك أمرهم ثم أقتلك"
ظلت النظرات متبادلة حتى قال زهير "محمود أنت خسرت خمسة وعشرون عاما من حياتك بسبب الانتقام، لم تكن لك حياة مستقلة ناجحة، فشلت بزواجك، شركة والدك تتدهور كل يوم لأنك لا تنتبه لها، هل ترى أن قتلي يستحق كل ذلك؟ لو قتلتني ستكون نهايتك الإعدام ولو نجوت منه فلن تنجو من عذاب الآخرة"
ضحك محمود بقوة ولكنه تألم فتوقف وعاد لزهير وقال "زهير الأسيوطي يتحدث عن الآخرة؟ أنت لا تعرف أي شيء عن الآخرة وعذابها لأن كلانا يعلم كيف كانت حياتك"
أخفض زهير رأسه لحظة ثم رفعها وقال "كانت محمود، كانت قبل أن أجد الطريق الصواب وأتراجع عما كنت، أنا حقا تبدلت محمود، أنا أريد أن أبدأ حياة جديدة نقية خالصة لله، لقد توقفت عن كل المعاصي وتبت عنها وأسعى لأتعلم تعاليم ديني لذا لابد أن نغلق هذا الباب الآن، ماذا تريد مني غير موتي لأنك لن تجني منه أي مكسب لا بالدنيا ولا بالآخرة"
نظرات محمود كانت خالية من أي تعبير أو معنى فتراجع زهير بالمقعد وقال "سأمنحك أموال عمي وعليها أرباحها خمسون بالمائة خلال السنوات الماضية كلها ويمكنني مساعدتك بإعادة شركة عمي أو أنشئ عمل خاص بك هنا أيضا بمساعدتي ولو لديك طلبات أخرى ستكون لك على أن نوقف كل ذلك لا قتل ولا خطف ولا مطاردات، بالنهاية نحن أولاد عم، دم واحد وأصل واحد، كلانا لم يبدأ ذلك محمود، أنت تحاسبني بذنب ليس ذنبي، هذا عرضي لك ليس لأني أخاف منك ولكن لأني لم أعد أريد إغضاب الله بأي أفعال"
ظل محمود صامتا للحظة فنهض زهير وأغلق جاكته وقال "رجالي ستأخذك لبيتك بالغد وما أن تصل لرد هاتفني"
تحرك للباب ولكن محمود قال "ولو لم أوافق؟"
لم ينظر له زهير وهو يقول "فقط سأنتظر خطوتك التالية وأدافع عن نفسي وبيتي وأسرتي" ثم نظر له وقال "أنا قرأت مرة أن من مات دون نفسه وماله وعرضه فهو شهيد"
وتركه وخرج وجيسون يتبعه فقال "لا توقف الحراسة عنه، هاري قد يقتله"
خرجا من المشفى فقال جيسون "هاري ظهر"
ركب السيارة بينما ركب جيسون بالأمام وهو يشعل سيجارة وقال "كما توقعنا"
تابعه جيسون وأجاب "الكوخ الذي طلبته جاهز متى تريد التحرك؟"
نفخ الدخان وقال "عندما تجهز البديلة متى ستفعل؟"
التفت له جيسون وقال "يومين بالكثير ولكن المدام؟"
غطى الدخان وجهه ولكنه قال "لا تقلق، فقط لا أريدها أن تعرف أي شيء"
وأبعد وجهه للنافذة وهو يعلن عن حاجته للصمت وقد أدرك أن المواجهة قد أتت وأصبحت النهاية وشيكة دون أن يعرف كيف ستكون؟
دخل مكتبه وخلع جاكته وقال لجاكوب "هل هناك أمور هامة اليوم؟"
جلس خلف مكتبه والسجائر لا تفارقه ودخانها سحابة تحيطه وجاكوب يقول "بالطبع"
لم يفتح جهازه وقد هاجمه صداع جديد فقال "تمام فقط امنحني نصف ساعة مع القهوة وبعدها نبدأ"
هز جاكوب رأسه وتحرك ولكنه توقف وقال "تبدو على غير عادتك، ماذا بك؟"
كان يضم يداه على وجهه ثم رفعهم لشعره وقال "أنا بخير فقط صداع"
ظل جاكوب واقفا يتأمله حتى قال "لم تصل لهاري؟"
فتح عيونه وقال "جاكوب القهوة"
أدرك جاكوب أنه لا يريد الحديث فانسحب في صمت بينما ظل هو مكانه وتراجع بالمقعد وأغمض عيونه واستعرض ماضيه الذي يخذله حتى أزاح وجودها السواد الذي كان يغطيه وأنارت دنيته بوجودها، ولكنه يعلم أن ذلك السواد ما زال بصحيفته فهل توبته ستمحو هذا السواد؟
فتح عيونه والتقط هاتفه وعبث به حتى وصل لما أراد ولم يتردد وهو يضغط الأرقام عندما رن الجانب الآخر فأجاب الرجل "السلام عليكم، من معي؟"
تلعثم قليلا قبل أن يقول "وعليكم السلام، أنا رجل لا تعرفني وأريد لقاءك"
نبرة الرجل كانت مريحة فقال "بابي مفتوح لكل الناس يا بني"
حاول تهدئة قلبه وهو يقول "الآن؟"
قال الرجل "بالتأكيد، لو كنت قريبا يمكنك أن تلحق بصلاة الجماعة سأخبرك بالمكان"
لم يجد ما يبتلعه من جفاف حلقه فالصلاة هي آخر ما كان يفكر به ومع ذلك قال "أعرفه ولكن الصلاة"
قاطعه الرجل وقال "الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وتقربك من الرحمن وتفتح لك الأبواب المغلقة وتريح قلبك المتعب، أنا أنتظرك يا بني لنصلي معا"
ولم ينتظر رده بل أغلق فأبعد زهير الهاتف ونظر له وقد شعر بمشاعر مختلطة من الخوف والراحة، شيء يدفعه للذهاب وآخر يلصقه بالمقعد ولكن رسالة وصلت على الهاتف جعلته ينتبه ويفتحها ليجد كلمة منها
"أحبك"
كانت هي، دائما هي التي تدفعه لذلك الطريق فلم يفكر وهو ينهض جاذبا جاكته وهو يكتب "أحبك ولم أحب امرأة سواكِ"
لم يرتدي الجاكيت وهو يتحرك للباب والرجل يفتح ليدخل بالقهوة وتفاجأ من زهير فتراجع قبل أن يصدمه زهير الذي كان يندفع خارجا وهو يعلم أن تلك أهم خطوة بحياته والآن لن يسمح لشيء بإيقافه عنها
عندما عاد كانت تجلس مع دولت فنهضت لاستقباله وقد عاد مبكرا، كالعادة تلقاها بقبلة قوية بادلته إياها حتى أبعدها وقال "اشتقت لكِ، أحتاجك بشدة بيري"
همست بحنان وهي تضم وجهه بين راحتيها وقالت بحب "وأنا كلي لك حبيبي"
قبلها برقة ثم قال "نلقي التحية على ماما ثم نصعد"
ما أن اعتدل على ظهره حتى جذبها لأحضانه وقبل جبينها وقال "هل أنتِ بخير؟"
قالت بصدق "نعم، هل تكف عن القلق؟ أنت تتصرف بحكمة معي زهير فلا تخشى شيء"
قال بصدق وحنان "ليس لدي سواكم لأخشى عليه بيري"
رفعت وجهها له والتقت بعيونه الزرقاء التي تنظر لها بعشق وقالت "إذن تدرك معنى خوفي عليك أنا أيضا"
أعادته لم أبعده عن ذهنه فقال "نعم أدرك"
قبل جبينها وأبعدها برفق وهو ينهض ليرتدي سرواله القطني وبحث عن السجائر بينما قالت هي "ماذا بك؟"
نظر لها من بين الدخان وقال "أحتاج للسفر لواشنطن خلال الأيام القادمة ولا أستطيع تركك وحدك"
اعتدلت بالفراش تبحث عن روبها حتى وجدته وارتدته وقالت "لست وحدي حبيبي، ماما معي ورجالك حولي"
ابتعد للنافذة وقال "محمود ما زال يمثل خطر عليكِ وهاري قد يظهر بأي وقت خاصة لو علم برحيلي، الأمر ليس بسهل بيري"
تحركت تجاهه وقالت "تعلم أني لا أخرج من البيت فلماذا الخوف؟"
نظر لها وقال "لا أعلم قد اتخذ قراري فيما بعد فقط كوني على حذر"
ابتسمت وتحركت لدولابها وفتحته أخرجت علبة منه ثم عادت له وهو شرد بالظلام الذي يعم الخارج ولكنه انتبه عندما قالت "هذه لك"
التفت لها ثم أخفض عيونه للعلبة السوداء التي بيدها وقال "أنا؟ أقصد.. ما هذا؟"
ضحكت وقالت "توقف زهير عن كلماتك هذه، ألن تأخذها؟"
نظر لعيونها وقال "لم أعتاد على تلقي الهدايا"
عادت تضحك وقالت "أعلم، هو تخصصك، منح الهدايا"
قال بصدق "لكِ فقط حبيبتي"
ظلت تنظر له بحب ثم مدت يدها له بالعلبة فعاد ينظر للعلبة ثم رفع يده لها وأمسكها ثم فتحها ببطء حتى رأى علبة سجائر فضية وولاعة بنفس الشكل بجوارها ومن الجانب الآخر سلسة فضية تنتهي بحرف الباء بالإنجليزية فضحكت وقالت
"بالتأكيد لم أكن لأضع حرف اسمك"
رفع عيونه لها وقال "لم أكن لأرتديها"
رفع السلسة وارتداها حول عنقه دون تفكير وقال "تعرفين كيف تريحين قلبي بيري فوجود اسمك بجواره يمنحه سكينة وراحة"
ابتسمت وقالت "لديك كلمات تسعد القلب زهير"
ابتسم وهو يمسك بعلبة السجائر فقالت "الذهب غير مستحب للرجال ففضلت استبدال خاصتك بالفضة ولكني لم أفهم الحروف التي عليها فتركتها دون أي حروف"
عاد لعيونها وقال "كانت لوالدي وهي تحمل حرف جدي الذي أهداها له وهو تركها بعد موته وكانت لي من بعده واشتريت الولاعة عندما وصلت لمكانة تمكني من تحمل ثمنها"
ذهبت ابتسامتها وقالت "آسفة لم أكن أعلم أنها لوالدك يمكنني"
قاطعها بهدوء "لا يمكنك فعل أي شيء سوى أن تضعي الذهب هنا بالعلبة وتحفيظها بأي مكان بطريقتك فأنا كنت سأتركها لأن كما قلتِ الذهب غير مستحب للرجال ووالدي لم يكن بالقرب الذي تتخيليه"
عيونها حاولت اختراق عيونه المغلقة على ما بداخله ولكنها فشلت فاقتربت منه ورفعت يدها لوجنته وقالت "أنا لم أقصد زهير، لست مجبر على قبولها"
لم تذهب ابتسامته وهو يقول "هل تمزحين؟ هل تريدين أن أرفض شيء منكِ بريهان؟ معنى أنكِ فكرتِ بي هو شيء غالي جدا عندي، علبة السجائر لا تتركني وكونها منكِ فهذا يعني"
قاطعته "أني أردت أن أكون معك بكل مكان، بقلبك وعقلك بكل وقت"
جذبها له وأحاطها بيده وقال "أنت بدمي بيري، بكل كياني، شكرا حبيبتي، هديتك أجمل هدية تلقيتها بحياتي كلها"
وانحنى ليقبلها ولم تبتعد وهي سعيدة لكلماته التي تمنحها سعادة ما بعدها سعادة
نامت قبل أن يخرج من الحمام وعندما خرج ابتسم لرؤيتها نائمة كالأطفال، أبعد المنشفة عن شعره وارتدى التي شيرت خاصته ثم تحرك للخارج ونزل لمكتبه وهناك أغلق على نفسه وهو يبحث عما أتى من أجله، بالمكتبة الضخمة كان يعلم أنه موجود وقد وجده حقا، القرآن الكريم أمسكه بين يديه وتذكر كلمات الشيخ علي
"لا يهم أن تتعثر بتلاوته بالبداية فلك ثوابين يا بني ولكن ما أن تنتظم معي حتى تتعلم أصول التلاوة"
تحرك للمكتب وجلس وتنفس بعمق قبل أن يفتح المصحف ويبدأ "بسم الله الرحمن الرحيم"