أخر الاخبار

رواية هويت رجل الصعيد الفصل الاول1الثاني2 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية هويت رجل الصعيد الفصل الاول1الثاني2 بقلم نورا عبد العزيز 


__ بعنــوان "عــزاء" __ 


"كُنتُ خاليًا حتى أتيتك بهذا القلب؛ 

قد عاث فيه الغرام ودب الهوي به حتي أهلكه، وطاف به الذنب حتي أغرقه، فإذا أجابتنى سكون عاشقًا وإذا رفضتنى سأتوب عن ذنبي وليشهدك الله أنى عاشقًا رغم كل ذلاتك وصابنى الهوي"


فى وضوح النهار بمحافظة نجع حمادى تحديدًا بمنزل عائلة الصياد فى غرفة مغلقة من الخارج المفتاح بالطابق العلوي، كانت “عليا” امرأة فى نهاية العشرينات تتحرك فى الغرفة ذهابًا وإيابًا بتردد وقلق حادقة بهذا الفستان الأبيض الموضوع أمامها على الجسد الصناعي وتمتم بنبرة خانقة:- 


-لا مستحيل.. مستحيل أتجوز الراجل دا 


وقفت “عهد” أختها الصغرى ذات الواحد والعشرين عامًا من فوق الفراق لتسير نحو أختها وهى تمسك يدها بلطف وتقول:- 


-أهدي يا عليا القلق دا مش هيحل حاجة ولا عصيبتك 


مسحت “عليا” وجهها براحة يدها بأختناق شديد ثم قالت:- 


-أنا لازم أهرب 


-أنتِ أتجننتي يا عليا، أنتِ عارفة اللى بتفكري فيه دا هنا فى الصعيد معناه أيه 


صاحت "عليا" بإستياء شديد وهى تتحرك فى الغرفة بحيرة وضيق قائلة:- 


-لا أفضل قاعدة لغاية ما المأذون يوصل وأدبس فى جوازة بالإكراه  


تأففت "عهد" بضيق عاجزة عن أيجاد حل فى تخليص أختها من هذا الزفاف الأجباري الذي فُرض عليها بالإكراه ثم قالت بحيرة:- 


-لا بس برضو مفيش حل عندي، حتى الهرب مش هينفع بالغفر والسلاح اللى برا دا  


صمتت "عليا" بضيق مشتاطة غيظًا من هذه المرأة التى تجبرها على الزواج من ابنها بالقوة والإكراه، جلست على حافة الفراش جاهشة فى البكاء بقهرة وحسرة على حالتها مُنذ شهور فقدت زوجها وحبيبها والآن تُجبر على الزواج من أخاه الأكبر بعد أنتهي عدتها بيوم واحد، أقتربت "عهد" من أختها الكبري بشفقة وحزن على حالها لتضمها لها بين ذراعيها طالقة العنان لدموع عينيها فتمتمت "عهد" هامسة فى أذنيها:- 


-هتتحل يا عليا.. هحلها 


_____________________ 


قبل 5شهور  


على الطريق السريع كان “نادر” يقود سيارته وبجواره تجلس “عليا” تتحدث بتذمر شديد قائلة:- 


-أنا مش فاهمة لازمتها أيه تأخدني معاك ما كان كفاية تروح أسبوع العزاء وترجع لوحدك 


نظر “نادر” على طفله “يونس” ذات الثلاثة أعوام وهو نائم فى الخلف ثم تحدث بجدية قائلًا:- 


-مكنتيش عاوزة تيجى عزاء جدي يا عليا  


أجابته وهى عاقدة ذراعيها أمام صدرها وبوجه عابس قائلة:- 


-مش المقصد بس أنت عارف كويس أوى أن أهلك مش قابلين وجودى ولا بيحبونى يبقى ليه أروح عندهم  


نظر “نادر” لها نظرة لؤم ثم قال وهو يعود بنظره إلى الطريق:- 


-هيحبوكي أزاى يا عليا وأنا أتجوزتك من وراهم وبدون علمهم، دا غير أن عمرهم لا شوفوكي، وحتى أبويا وأمى عمرهم ما شافوا حفيدهم هيحبوكي أزاى 


تأففت “عليا” بأختناق شديد ثم نظرت للنافذة تنفث زفيرها بضجر ثم قالت مُتمتمة:- 


-ربنا يستر من اللقاء دا  


وصلت السيارة على الصعيد وتحديدًا أمام بوابة حديدية كبيرة أمامها رجلين من الغفر ثم فتح الباب ودلفت السيارة، ركض أحد الرجال إلى الداخل يخبر أهل المنزل بوصول “نادر” من القاهرة، ترجل “نادر” من السيارة شاب فى نهاية العشرينات بجسد نحيف وطويل يرتدي بنطلون جينز وقميص أبيض اللون يليق ببشرته الحنطية وعينيه الواسعة بدون لحية ويرفع شعره الأسود القصير للأعلى، ثم فتح الباب لزوجته “عليا” المرأة النحيفة جدًا ربما بسبب أتباعها نظام غذائى محددًا أو بسبب ممارستها لرقص الباليه وطويلة إلى حد ما مُرتدية فستان أسود يصل لأسفل ركبتها وبكم ومغلق من الصدر حتى العنق بأزرار وشعرها البنية القصير يصل إلى حافة أكتافها مسدول على الجانبين، تملك زوج من العيون البنية مثل شعرها وبشرة متوسطة البياض  


نظرت للمنزل من الخارج وكان ضخم وكبير جدًا لديه مسافة كبيرة إلى حد ما خضراء ما بين البوابة الخارجية والمنزل، فتحت الباب الخلفي ليترجل طفلها الصغير ويمسك بيد أمه فى هذه اللحظة خرجت سيدة فى الخمسينات من عمرها ترتدي عباءة سوداء وتلف حجابها الأسود حول رأسها تقول:- 


-ولدى 


عانقت “نادر” بحماس وحرارة بين ذراعيها لتدرك “عليا” بأنها “سلمى” والدة زوجها وحماتها التى لم تراها من قبل، أبتعدت عنه وهى تقول:- 


-حمد الله على السلامة يا ولدى 


قبل “نادر” يدها بحب وأحترام شديد وأثناء إنحناءه رمقت “سلمى” هذه الزوجة بعيني حادة ثم قالت:- 


-ولدك؟ 


نظر “نادر” إلى طفله الواقف بجوار زوجته وأومأ لها بنعم وهو يقول:- 


-تعالى يا عليا سلمي على أمى 


أقتربت “عليا” ببسمة خافتة لتمد يدها إلى “سلمى” وتقول:- 


-أزيك يا طنط؟ كنت أحب بنتقابل فى ظروف أحسن من كدة 


لم تُعقب “سلمي” على حديثها ولم تصافحها بل أنحنت لكى ترى حفيدها وتبتسم فى وجهه لتشتاط “عليا” غضبًا من رد فعل “سلمى” وتجاهلها لتحمل طفلها على ذراعيها وكأنها تمنع “سلمى” من الحديث أو معانقة حفيدها تماما كما فعلت معها ….  


انتبه "نادر" لما فعلته زوجته فقال بضيق:- 


-أمال أبويا فين ونوح؟  


نظرت له "سلمى" بهدوء وقالت بعد تنهيدة خافتة:- 


-نوح من طلعة النهار وهو برا بيجهز للعزاء وأبوك من ساعة الدفنة مشوفتوش 


أومأ لها بنعم ثم استدار إلى زوجته وقال بجدية:- 


-أطلعي يا عليا أنتِ وأنا هروح لنوح 


كاد أن يرحل لتمنعه "عليا" وهى تمسك ذراعه بقوة وتنظر له بضيق قائلة:- 


-أنت بتهزر هتسبنى لوحدي هنا  


قبل ان يتحدث فعلت والدته عندما قالت:- 


-تعالى يا مرت ولدي متخافيش مهنعضكيش  


أربت "نادر" على يدها ثم غادر لتأخذها "سلمي" للداخل وتبدأ النساء فى التجمع حولها وأولهن كانت "فاتن" زوجة عم "نادر" تتطلع بها بذهول وتقول بسخرية:- 


-هى دى مرت ولدك يا سلفتي 


تحدثت "سلمي" بنبرة قوية غليظة تقول:- 


-خليكي فى حالك يا سلفتي لا الوجت ولا المكان مناسب لوسوستك وبخ سمك  


أخذتها "سلمي" إلى غرفة "نادر" ثم قالت بإختناق:- 


-يُفضل متهمليش أوضتك واصل، إحنا مناجصينش سخرية من الناس علينا  


قالتها ثم اغلقت الباب وهى تُتمتم قائلة:- 


-مبجاش غير الرجاصة اللى تدخل داري يا نادر  


سمعت "عليا" حديثها لتتأفف بضيق شديد وهى تترك طفلها على الأرض ليركض بالأرجاء وهى تشتاط غضبًا وتشعر بإشمئزاز من هذا المنزل وأهله، أقتربت من النافذة لتنظر فى الأسفل وكان هناك حديقة خضراء وبها مكان مخصص للجلوس عبارة عن مظلة خشبية كبيرة وأسفلها طاولة وأريكة كبيرة على حرف L وفى الجهة الأخرى هناك طاولة وكرسي وحيد أسفل الشجرة ووسط تأملها سمعت صوت فتاة من الخلف تقول:- 


-دى الجاعدة الخاصة بنوح  


استدارت "عليا" بذعر من تواجد شخص فى غرفتها بدون طلب اذن لترى فتاة فى الثلاثين من عمرها ترتدي عباءة سوداء وشعرها الأسود مُصفف على هيئة ضفيرة وتضع حول عنقها حجاب بعيني سوداء وبشرة متوسطة البيضاء، سألتها "عليا" بحدة:- 


-أنتِ مين؟ لا لحظة مش مهم، أنتِ أزاى تدخلي كدة من غير ما تخبطي 


تبسمت "حورية" بخبث وهى تتطلع بهذه المرأة القاهرية وتقول:- 


-أنا حورية بنت عم نادر جوزك  


مسكتها "عليا" من يدها بقوة وبدأت تسحبها تجاه الباب تفرغ غضبها بهذه المرأة وهى تقول:- 


-كونك بنت عم جوزى ميدكيش الحق تدخلى كدة بالطريقة الهمجية دى  


أخرجتها من الغرفة ثم أغلقت الباب فى وجهها، وقفت "عليا" خلف الباب تتكأ عليه وتنظر إلى طفلها الواقف هناك فى أرضية الشرفة، رن هاتفها لتخرجه من الحقيبة وترى اسم أختها "عهد" وصورتها فتنهدت بهدوء تزفر القليل من الغضب والضغط فى التنهيدة ثم استقبلت الأتصال ببسمة تقول:- 


-صحي النوم يا جميل  


تبسمت "عهد" على اختها وهى تحفظها جيدًا فهى حقًا ما زالت بالفراش رغم أقترب الساعة على الخامسة عصرًا، غادرت الفراش ببيجامة نومها الصيفية عبارة عن شورت قصير قطنى وردي اللون وتي شيرت أبيض عليه فراشات وتتحدث بنبرة صوت مبحوح قائلة:- 


-وصلتي الصعيد؟  


تبدلت نبرة "عليا" للجدية والحزم تقول:- 


-وصلت وحرفيًا مقدرش أكمل يوم هنا، حاسة أنى مش قادرة أتنفس وأمه.. امه سيئة جدًا والخصوصية، تخيلي واحدة دخلت عليا من غير أذن  


قهقهت "عهد" ضاحكة على تذمر أختها وهى تدخل المطبخ لتقول ويدها تضع المياه فى غلاية المياه لتجهز مشروب الشيكولاتة الساخنة كعادتها اليومية:- 


-عشان بس مش متعودة عليهم ولا على طريقة العيش هناك... المهم هتقعدي قد ايه هناك؟ أعملي حسابك ترجعي قبل حفلة التوقيع بتاعتى لازمي تحضري أنتِ ونادر  


تذمرت "عليا" عليها بضيق وهى تقول:- 


-شهر ايه، بقولك مش هستحمل يوم أنا هحاول استحمل أسبوع ودا عشان خاطر نادر وبس  


تبسمت "عهد" عليها ثم قالت:- 


-جدعة يا بنت أمي  


دق باب الغرفة بدقات متتالية هادئة فانهت "عليا" الأتصال وقالت:- 


-أتفضل  


دخلت فتاة أخري تصغر "حورية" وتشبهها جدًا لكنها بعمر "عهد" تقريبًا فنظرت "عليا" لها وتطلعت بها كانت بجسد ممشوق وعيني بندقية واسعة وشعرها المموج مسدول على ظهرها وبشرتها متوسطة البياض وترتدي عباءة سوداء وكعب عالى، تحدث بلطف قائلة:- 


-أنا جيت أرحب بيكِ، أنا أسماء بنت عم نادر وخطيبة أخوه نوح يعنى سلفتك المستجبلية  


عقدت "عليا" ذراعيها أمام صدرها بغرور وقالت بنبرة غليظة:- 


-هو نوح خطب، أصل على حد علمي أنك عاشقاه بس معقول خطب من غير ما يقول لأخوه  


عقدت "أسماء" حاجبيها وكزت على أسنانها بحدة وقد تبدل لُطفها وبسمتها إلى غيظ وأشمئزاز لتبتسم "عليا" فى هذه اللحظة وقالت:- 


-أبقي أعزمينى على الخطوبة أوعدك أنى هجي.. دا لو حصلت لقدر الله  


غادرت "أسماء" المكان غاضبة وقد بنت "عليا" من اللحظة الأولي لها عداوة مع الجميع.....  


______________________ 


وصل "نادر" إلي مكان أخاه مع "خلف" الغفير وكان فى الساحة بعد أن فرش المكان بالكراسي والسماعات ليناديه قائلًا:- 


-نوح 


أستدار "نوح" له وكان رجل ثلاثيني يكبره ببضع أعوام يرتدي عباءة سوداء اللون وعلى أكتافه عباءة مفتوحة سوداء ويلف عمته البيضاء حول رأسه وجسده القوي عريض المنكبين وعضلات صدره القوية وطويل القامة، لديه لحية خفيفة تحيط وجنتيه وشفتيه سوداء اللون وزوج من العيون السوداء الضيقة وبشرة حنطية، ترك العمال فور رؤيته لأخاه وذهب نحو ليتعانقا وهو يقول:- 


-حمد الله على السلامة يا باشمهندس 


تبسم "نادر" له وقال:- 


-عامل ايه؟ ابوك فين صحيح بدور عليه من ساعة ما وصلت؟  


أخذه "نوح" إلي المكتب وهو يقول:- 


-ابوك وعمك من ساعة الدفنة وهم فى المكتب مهملهوش واصل...  


تبسم "نادر" وهو يقول:- 


-عارف أنه مش وقته بس تصدق بالله أنا متحمس اشوف رد فعل ابوك لما يشوف يونس ابنى  


توقف "نوح" عن السير بدهشة لينظر لأخيه وهو يقول:- 


-هى مرتك وولدك وياك اهنا فى الصعيد 


أومأ "نادر" له بعفوية ثم قال:- 


-اه، وصلتهم على البيت وجيت 


هز "نوح" رأسه بهدوء ثم دخل المكتب ليركض "نادر" نحو والده "على الصياد" ليعانقه بسعادة وحماس بعد غياب طال بينهما وقبل رأسه ويده ثم صافح عمه "حمدى الصياد" وجلس الجميع معا حتى صلاة المغرب وبدأ فى استقبال الرجال لتقديم التعازي لهم فى وفأة الجد "حافظ الصياد"....  


____________________ 


كانت "عليا" جالسة على مقعدها مع النساء فى الأسفل والمنزل يعج بالنساء وحريم البلد، صامتة وهادئة رغم معرفتها بأن البعض تسامرون خلسًا عليها، كانت "حورية" جالسة بجوار والدتها "فاتن" وتهمس فى اذنها:- 


-هاين عليا ياما اجوم اجيبها من شعرها على جلة ربيتها دى  


أربتت "فاتن" على يدها بخفوت وهى تقول:- 


-متستعجليش يا بتى كله بأوانه  


تحدثت سيدة بجدية تقول:- 


-دى بجى المُدرسة مرت ولدك يا حجة سلمي  


أومأت "سلمي" لها بإحراج فى صمت لتتحدث "عليا" بفخر قائلة:- 


-أنا مبشتغلش مُدرسة  


أعادت السيدة السؤال فى حين أن "سلمي" كادت أن تشتاط غضبًا من هذه المرأة وهى على وشك جلب العار لهم لتجيب "أسماء" بمكر شديد وكأنها ترد لها الأهانة قائلة:- 


-رجاصة، بتشتغلش رجاصة يا خالة  


أتسعت عيني الجميع بذهول وبدأ يعلو أصوات الجميع فى التنمر عليها فغادرت "عليا" المكان وهى غاضبة وتحاول كبح هذا الغضب لأجل زوجها فقط....  


سكنت غرفتها حتى عاد زوجها مساءًا بعد يوم طويل وفور دخوله قالت:- 


-أنت جيت، ممكن ترجعنى القاهرة حالاً 


جلس "نادر" على الفراش ينزع حذائه وهو يقول:- 


-أهدي يا عليا، اهدي يا حبيبتى  


جلست جواره وهى تزيد فى الصراخ قائلة:- 


-بقولك قوم رجعني بيتى دلوقت حالًا أم هرجع لوحدي  


مسح "نادر" على رأسها وقال:- 


-الصبح يا عليا على الأقل، راعي يا حبيبتى أنى منمتش بقالى يومين ووقف على رجلى من الصبح، أنام أرتاح والصبح نحلها  


تأففت بأختناق فحقًا زوجها مُرهق ومُتعب ويظهر هذا بوضوح فى ملامحه لتؤمأ له بنعم....  


أستيقظت صباحًا على صوت صراخ فى المنزل لتفزع من فراشها ولم تجد زوجها فى الجوار وكان طفلها غارق فى نومه، خرجت من الغرفة بتعب ووجه شبه نائم لتنظر بالأسفل من الأعلى لترى "سلمي" تصرخ وتلطم وجهها بحرقة وطريقة هستيرية وتقولى:- 


-ولدي... جتلوك يا ولدي  


أتسعت عيني "عليا" بدهشة وقد فاقت تمامًا الآن لتُصيبها الصدمة الكبري التى ألجمتها عندما سمعتها تقول:- 


-جتلوا ولدي يا فاتن... جتلوا نادر......  


سمعتها تلفظ اسم زوجها لتشعر بإنقباض قلبها وبرودته غير مصدقة ما تسمعه، وعدها بالأمس أن يعيدها للمنزل اليوم فكيف غادر هكذا، لم تقوى على تخيل الخبر أو تصدقه فسقطت على الأرض فاقدة الوعي من الصدمة..... 


_________________ 


توقفت سيارة سيدان كحلي اللون فى الطريق ثم ترجلت من الباب الخلفي فتاة ترتدي بنطلون أسود وقميص نسائي أسود اللون وشعرها الأسود مسدول على ظهرها والجانب الأيسر وترتدي حذاء رياضي أبيض اللون ثم أوقفت اول رجل مر من جانبها قائلة:- 


-لو سمحت كنت عاوز أروح بيت عائلة الصياد 


نظر الرجل لها ثم صاح بنبرة عالية يقول:- 


-خالد بيه الأستاذة بتسأل على دواركم 


وقف “خالد” من مكانها وترك طاولته على المقهى ليقترب نحوها مُتطلع بها، فتاة فى أوائل العشرينات بعيني ذهبية عسلية فاتحة وبشرة بيضاء وملامح وجهه صغيرة وجسد نحيف جدًا وقصيرة تشبه بجسدها الضئيل هذا فتيات المراهقة ليقول بفضول:- 


-أنتِ مين؟ 


أجابته بحدة قائلة:- 


-وأنتِ مالك، أنا بسأل عن الطريق  


رفع حاجبه إليها بحدة من ردها الغليظ ثم قال:- 


-أيوة عاوزة مين يعنى من عائلتى 


تأففت بضيق وهى تنظر للجهة للأخرى بغيظ ثم قالت:- 


-أنا عهد أخت عليا مرات نادر 


قوس شفتيه بغيظ ليقول ببرود:- 


-المرحوم 


قالها وفتح باب السيارة الأمامى ليجلس جوار السائق ويرشده على الطريق ليقول بعفوية وهو يتغزل بها:- 


-أنا خالد ولد عمه  


لم تُعقب بل نظرت بهاتفها وعندما توقفت السيارة أخرجت المال من حقيبتها لتعطيهم للسائق ثم ترجلت من السيارة وهى تنظر إلى المنزل، أخذت نفس عميق ثم قالت مُحدثة نفسها:- 


-أسبوع يا عهد أستحملي وبعدها لازم تأخدي أختك وتمشي من هنا 


تركها “خالد” ورحل دون أن يُدخلها المنزل فوضعت حقيبة ظهرها على أكتافها وصعدت الأربعة درجات الموجودين أمام الباب... 


خرج “نوح” من غرفة المكتب مُنفعل وهو يتحدث فى الهاتف بحدة ويقول:- 


-جولتلك ما هنخدش عزاء غير لما نعرف اللى عملها 


أغلق الهاتف وتابع سيره إلى الخارج ليرى “عهد” تقف فى ساحة المنزل مُنتظرة أن يظهر أى شخص فى هذا المنزل المهجور تقريبًا، وضع الهاتف فى جيبه وهو يقول بانفعال:- 


-أنتِ مين؟ 


تمتمت بضيق وهى تتطلع به:- 


-مش هنخلص من أم دا سؤال  


كبحت غضبها ثم قالت بحدة وصوت مسموع:- 


-أنا عهد أخت عليا مرات نادر.. أكتبها لكم على رأسي، ممكن حد يقولى أختي فين 


صاح بنبرة قوية وهو يمر من جانبها قائلًا:- 


-حُسنة يا حُسنة  


جاءته الخادمة سيدة فى الخمسينات من عمرها ليقول بحدة:- 


-وصلي الأستاذة لأوضة الست عليا 


أومأت له بنعم وغادر المنزل، صعدت “عهد” مع “حُسنة” إلى غرفة أختها لتصدم عندما رأتها تتشاجر مع إمراة أخرى وتقول:- 


-جدمك جدمك الشوم والنحس، وعزة لا إله إلا الله لو ما طلعتِ من دارى لأكون جاتلكى أنتِ وولادك 


هرعت “عهد” إلى أختها الحزينة ذات الجسد الضعيف لتحتضنها وهى تقف بالمنتصف وتقول:- 


-فى ايه، مين دى يا عليا 


صاحت السيدة بها بغضب قائلة:- 


-أنا أم نادر  


أغمضت “عهد” عينيها قبل أن تفقد أعصابها على هذه السيدة ثم قالت بهدوء:- 


-طب ممكن تهدي يا طنط، الأعمار بيد الله وأختي مش هى اللى ضربت جوزها بالنار وهى موجوعة ومقهورة زى حضرتك تمامًا 


دفعتها “سلمي” بقوة من كتفها وهى تقول بصراخ:- 


-أخرسي، أنا محدش جلبه محروج على ولدى جدى … أطلعوا برا دارى يا أنجاس أنتوا 


قالتها وهى تسحب “عهد” و”عليا” من ملابسهن بالقوة و”عليا” تحمل طفلها الصغير بين ذراعيها وتبكي بحسرة وقلب أفتكت الألم به وفتته من فراق زوجها، أخذتهن إلى الدرج ومعها “فاتن” وفى مشدات الدفع سقطت “عهد” منهن وهى تحاول الإمساك بأختها حتى لا تسقط بطفلها... 


كادت “عليا” أن تصرخ بهلع على سقوط أختها لكنها رأت “نوح” يمسك بجسد “عهد”، شعرت بأحد يلتقط جسدها من خصرها قبل أن تسقط لترفع رأسها وتراه هو نفس الشخص الغاضب فأعتدلت بغضب من أفعال هذه السيدة ليقول ”نوح” :- 


-بتعملي أيه يا أمى؟ تعالى ويايا 


أخذ والدته بعيدًا لتترك ملابس "عليا" وهى تذهب مع ابنها فأحتضنت "عليا" اختها بلطف وذعر أصابها من رؤيتها تسقط هكذا،  سار "نوح" فى الرواق مع والدته وهو يقول:- 


-كيف تعملى أكدة فى مرات ولدك وام ابنه  


جهشت “سلمي” باكية وهى تقول:- 


-جلبي محروج يا ولدى  


أدخلها غرفتها وهو يقول:- 


-يعنى هيعجبك الحال لو خدت ولدها ومشت ومتشوفش ولد ولدك تانى  


صمتت “سلمي” بهدوء وهى تفكر فى هذا الحديث، كيف يمكن أن تهرب بحفيدها للأبد لذا قررت أن تجعلها سجينة غرفتها طيلة فترة العدة وتجبرها على الزواج من “نوح” بالقوة.... 


_________________  


عودة للواقع 


جلس “نوح” مع والده و”عليا” و”عهد” بغرفة المكتب ومعهم المأذون فى صمت يعم الجميع ليقول المأذون بهدوء:- 


-البطايج  


أعطاه “نوح” بطاقته الشخصية بوجه عابس وهو لا يصدق بأنه سيتزوج زوجه أخيه بالإكراه وأخرجت “عليا” بطاقة “عهد” الشخصية ليدون المأذون الأسماء ويطبق الصور الشخصية وربما جرت الخطة كما خطط “عليا” وأختها بفضل شرود “نوح” وجلوس “على” بعيدًا فلم ينتبه أحد لصور “عهد” ولا أسمها حتى، بصم “نوح” أولاً ووقع ثم وقف من مكانه ليذهب إلى والده فنظرت “عليا” إلى أختها بترجي لتوقع وتبصم سريعًا قبل أن يعود وبالفعل نجحت “عهد” فى مهمتها ثم تبسمت “عليا” بمكر وهى تقف بصحبة أختها ثم قالت:- 


-أنا هروح ألبس الفستان 


أخذت أختها وفرت هاربة من أمامهم بعد أن زوجتها له بغباءه وشروده فهو لم ينتبه لذكر أسمها وهو يردده خلف المأذون بوضوح... 


فى مساء اليوم بعد نهاية الحفل والزفاف وعقد القرآن، دلف "نوح" من باب غرفة نومه ثم أغلق الباب لكنه صُدم عندما كانت الغرفة فارغة ولم يكن هناك أحد، بحث عن عروسته ولكنها لم تكن هناك...  


خرج يبحث عنها فى المنزل ليراها من الأعلي عبر النافذة وهى تركض فى الأرض هناك بين الحديقة تحت ضوء القمر الخافت وهى ترتدي فستان زفافها الأبيض وتتلألأ فصوصه اللامعة مع ضوء القمر ليجز على أسنانه وهو ينزل الدرج...  


عبرت من باب المنزل الكبير لتغادره ثم ركضت فى الأراضي الزراعية المحيطة بالمنزل وبين المحاصيل الزراعية بصعوبة وهى تمسك فستانها بيديها الأثنين وذيل فستانها الطويل يُصعب عليها الركض أكثر بإحتكاكه فى الأرض، توقفت تنزع حذاء قدمها ذو الكعب العالي فأرتدائه فى وعورة الأرض هذه تؤلم قدميها وتجرحها، أكملت ركضها بخوف وهى تحاول الهرب بعيدًا قدر الإمكان وتنظر خلفها لتتأكد بألا يوجد أحد وراءها لتصطدم بجسد صلب وقوي لتكاد أن تسقط فشعرت بيد تحيط خاصرتها، لفت رأسها للأمام بهلع لترى وجهه بوضوح فى ضوء القمر بينما أتسعت عيني "نوح" على مصراعيها من رؤيتها فلم تكن هذه زوجة اخيه المتوفي بل كانت "عهد" أختها الصغري...  


قشعر جسد "عهد" من رؤيته وقبضه عليها لتفشل محاولة هروبها وشعرت ببرودة جسدها أمام نظرة عينيه النارية، كاد "نوح" أن يصرخ بها وهو لا يفهم سبب أرتدائها لفستان الزفاف لكنه توقف عندما سقطت فاقدة للوعي أمامه ليتشبث بذراعيها قبل أن تسقط تمامًا على الأرض وتأفف بضيق وهو يحملها على ذراعيه فنظر لوجهها ورأسها مائلة للخلف.....

الفصل الثاني 

____ بعنــوان "زواج" ____


قبل 4 شهور  

مر شهر على وفأة “نادر” و “عهد” تعيش في منزل “الصياد” بنفس غرفة أختها وسط معاملة العائلة السيئة لهما وكره الجميع الوضوح لهما، أغلقت “عهد” الهاتف مع صديقتها ودخلت من التراس إلى الغرفة وجلست جوار أختها على الفراش تفكر كيف تخبرها بأنها يجب أن ترحل وتعود بعد أن أجبرت ها “سلمى” على البقاء بحفيدها هنا فترة العدة، تنحنحت “عهد” بلطف ثم تحدثت بحيرة قائلة:- 


-عليا أنا عندى كلية ودراسة وإمتحانات  


نظرت “عليا” لها بحزن وهى تعلم بأن مستقبل أختها هناك فقالت:- 


-أنا عارفة 


حسمت “عهد” شجاعتها وقالت بلطف:- 


-أنا لازم أرجع القاهرة يا عليا، أنا ماضية شرط جزاء للدار وحفلة التوقيع بكرة في الإسكندرية وإمتحاناتي في الكلية الأسبوع دا  


أومأ “عليا” لها بحزن قائلة:- 


-ماشي وخلى بالك من نفسك يا عهد 


تبسم “عهد” بلطف لها ثم جمعت أغراضها في الحقيبة لكى تعود للقاهرة وحدها تاركة أختها وابنها هنا مع أهل زوجها المتوفى، كانت تسير في الحديقة وتتحدث في الهاتف مع مؤظفة الدار الغاضبة وتقول:- 


-يا أستاذة عهد عشان ننهى النقاش دا يفضل حضرتك بكرة الساعة 2 تكوني في الإسكندرية  


تحدثت “عهد” بنبرة غليظة ووجه عابس:- 


-أكيد 


أنهت الأتصال معها ثم أستدارت لترى “خالد” واقف خلفها مبتسمة ثم قال:- 


-أنا مكنتش أعرف أنكِ مشهورة 


ردت عليه بنبرة غليظة مُشمئزة من الحديث معه تقول:- 


-شكرًا 


مرت من أمامه لكى تغادر فأستوقفها وهو يمسك معصمها بلطف ويقول:- 


-أستنى هبابه خلينا نتحدد سوا 


نظرت ليديه ثم جذبت يدها من قبضته بقوة وهى تقول:- 


-وأنا مش عاوزة أتكلم معاك 


دخلت للمنزل بضيق وهى مُشمئزة من هذا الرجل ومن وجودها في الصعيد، تبسم “خالد” وهو ينظر عليها أثناء مغادرتها ثم تمتم قائلًا:- 


-يخربيت جمال بنات مصر 


____________________ 


كان “نوح” جالسًا في مكتبه بداخل المحجر شادرًا في أفكاره وهو يفكر في قاتل أخيه، وقف من مكانه وهو يسير في الغرفة بحيرة وعقله بعالم غير العالم حتى أنه لم ينتبه إلى فتح باب المكتب ليقطع شروده عندما شعر بيد تلمس ظهره ألتف ليجد “أسماء” ابنه عمه فنظر إليها وإلى باب المكتب المفتوح وهرع إليه لكى يغلقه وهو يصرخ بها قائلًا:- 


-أنتِ اللى جابك أهنا؟ 


وضعت يدها على كتفه بدلال لتقول بنبرة ناعمة:- 


-أتوحشتك يا نوح بجالك شهر مبتعودش الدار ولما بتعاود بتكون متأخر وتطلع مع طلعة النهار 


أبعد يدها عنه ثم قال بجدية وحزم:- 


-ليكون لازم أخد الأذن منك 


تنهدت “أسماء” بحزن مصطنع وتنظر بعينيه بترجي لتقول:- 


-وبعدين يا نوح هيفضل قلبك حجر أكدة لحد ميتى، أنا عملت كل حاجة عشان أعجبك وأرضيك 


أستدار يعطيها ظهره بأختنا وقال ببرود سافر:- 


-ولحد ميتى هفضل أقولك أن الحب مش عافية يا بنت عمى، وأنا مشايفكيش غير بنت عمى وبس زى خيتى تمامًا ريحى حالك وبطلى تتعبي قلبك وتجيب له العذاب  


أشتاطت غيظًا من حديثه وهو يرفض مرة جديدة كالسابقة ودومًا لتصرخ به قائلة:- 


-ما هو لو في واحدة في حياتك كنت جولت أنك عاشج لكن أنت بطولك أكدة ولا تكون ناوى تتجوز رجاصة كيف أخوك 


عقد حاجبيه بضيق وأشتاط غضبًا من حديثها ليستدير وهو يمسكها من يدها بقوة ويقول بحدة صارمة:- 


-غورى من وشي يا أسماء جبل ما صبري يخلص عليكِ 


طردها من الباب ليرى “عطية” صديقه يدخل الباب فنظر إلى “أسماء” الغاضبة وهى تغادر بوجه غليظة وشاحب فقال بمرح:- 


-وبعدهالك يا ولد الصياد 


تمتم “نوح” بضيق وهو يقول:- 


-تعال يا عطيه  


دلف “عطيه” معه إلى داخل المكتب وهو يقول:- 


-طب والله عندها حج، ما تجوزها يا نوح البنت بتحبك وعاوزك وأنت مش عاشق غيرها يعنى 


رفع “نوح” نظره إلى صديقه بإختناق وضجر من حديثه ثم قال:- 


-جواز أيه ونادر مفاتش على جتله شهر مش قبل ما أجيب اللى جتل أخويا 


أقترب “عطيه” منه بخبث ثم سأل بهمس:- 


-وبعدها هتتجوز أسماء 


تنحنح “نوح” بإحراج ثم قال وهو يقف لكى يغادر:- 


-ربك يسهل يا عطية 


____________________ 


جمعت “عهد” حقائبها ووقفت أمام أختها ببسمة حزينة لفراقها ثم قالت:- 


-حاولى تهربي من هنا يا عليا أنتِ اللى كان بيربطك بالناس دى مات، أنتِ دلوقتى حرة  


عانقتها “عليا” بضعف وحب وهى تمسح بيدها على مؤخرة رأس أختها ثم قالت:- 


-خلى بالك من نفسك يا عهد وأنتِ بتسافرى من الإسكندرية للقاهرة وركزي في إمتحاناتك دى  


تبسمت “عهد” بلطف في وجه أختها وهى تسلل من عنقها لتتقابل أعينهما ثم قبلت “يونس” من يده وقبل أن تخرج من الغرفة، دق باب الغرفة ودلفت “حُسنة” لهما تقول:- 


-الفطار جاهز 


أخذت “عليا” أختها من يدها وتركت “يونس” في الفراش نائمًا ونزلا معًا، كان “على” جالسًا بمقدمة السفرة وجواره زوجته “سلمى” و”نوح” بجانبها في الجهة الأخرى كا يجلس “حمدى” وزوجته “فاتن” ثم “خالد” وجواره “أسماء” ، تنهدت “عليا” بخفة ثم جلست هي وأختها جوار “نوح” وكانت “عهد” مقابل “خالد” وجوار “نوح”.. 


تناول الجميع فطارهما في صمت وكانت “عهد” تنظر في هاتفها بيدها الأخرى مُحاولة البحث عن سيارة أوبر تنقلها إلى القاهرة فهتفت “عليا” بلطف قائلة:- 


-كُلى يا عهد، أنا هديكى عربية نادر تسافرى بيها  


صاحت “سلمي” بانفعال شديد وهى تترك الملعقة من يدها قائلة:- 


-واا ومين جالك أنى هوافج أن عربية ولدى تطلع من أهنا  


تحدثت “عليا” بغضب سافر فهذه العربية ملك لها بعد وفأة زوجها هي وابنها الوريثين الوحيدان له قائلة:- 


-أنا حرة في أملاكى ودى بتاعتى دلوقت حتى لو هولع فيها  


تحدث “على” بنبرة هادئة وهو يتناول طعامه :- 


-خلاص يا حجة همليها تعمل اللى عاوزاه 


صاحت “سلمى” بانفعال قائلة:- 


-جولت لا يعنى لا  


كاد “عليا” اأن تصرخ لتمسك “عهد” يدها بلطف تمنعها من الحديث ثم قالت بخفة:- 


-خلاص يا جماعة، خلاص يا عليا أنا مبعرفش أسوق أصلًا هطلب عربية وخلاص 


تحدث “خالد” بنبرة ناعمة يغازلها قائلًا:- 


-متتخانجوش يا جماعة، أنا هوصلها للقاهرة بنفسى 


كان يتحدث وقدمه تلمس قدمها من أسفل السفرة لتفزع “عهد” من مقعدها بهلع من لمسه لها ليسقط كوب الشاي الساخن على “نوح” وهى تقف، نظرت لـ “نوح” بقلق وقالت بخجل:- 


-أنا أسفة  


قالتها وركضت بهلع إلى الأعلى لكى تغادر بأسرع وقت ممكن، لم تنتظر صعود أختها لتأخذ حقيبتها وتضع حقيبة ظهرها على كتفها وغادرت المنزل قبل أن يأتي “خالد” لها مرة أخرى، ركبت توكتوك من أمام المنزل ليأخذها إلى الموقف العام وهى لم تنتظر السيارة الخاص، سارت وسط الزحمة تبحث عن ميكروباص ذاهب إلى القاهرة أو الإسكندرية، أقترب بعض الشباب يتغازلوا بها وهى تحاول الفرار بعيدًا، توقفت سيارة رباعية الدفع سوداء أمامها ثم فتح الباب وترجل “نوح” منها ليقترب نحوه وفور أقتربه رحل الشباب بعيدًا يتحدث أحدهم بخفوت:- 


-تعال يا عم إحنا مش جد نوح الصياد 


سمعتهم “عهد” فنظرت إلى “نوح” بصمت وتعجب لظهوره الآن في هذا المكان ففتح باب السيارة الأخر وقال:- 


-أطلعى  


نظرت له بخجل ثم إلى الموقف بحيرة لكن ركوبها سيارته أفضل بكثير لسيارة الميكروباص، ثم صعدت ليضع “نوح” حقيبة سفرها في المقعد الخلفى وركب إلى مقعد السائق لتقول:- 


-مش عاوزة أتعبك 


أجابها “نوح” بنبرة هادئة ليقول:- 


-مفيش تعب أنا كدة أو كدة مسافر إسكندرية هنزلك أقرب مكان ليكي 


تبسمت “عهد” بعفوية وهى تلتف بجسدها له وتتكأ بظهرها على الباب وقالت بحماس:- 


-ينفع أتعبك طيب وتوصلنى إسكندرية  


نظر لها بتعجب ثم نظر إلى الطريق وهو يقول:- 


-إسكندرية مش القاهرة؟! 


أومأت له بنعم وهى تقول:- 


-أه عندى شغل هناك ضرورى 


أومأ لها بنعم وركز في قيادته  وهاتفها لا يتوقف عن الرنين وأستقبالها للاتصالات المتتالية، رن هاتفها باسم موظفة الدار لتنهدت بضيق قبل ان تجيب عليه ثم أستقبلت الاتصال لتسمع صراخ ووصل صوت الموظفة إلى أذن “نوح” فقالت”عهد”:- 


-قولتلك هكون عندك الساعة 2 مفيش داعى لكل الغضب دا 


-أعذرينى في الكلمة بس حضرتك مستهترة  


أغمضت “عهد” عينيها باختناق تكبح غضبها ثم قالت:- 


-أنا ممكن مجيش على فكرة وكل واحد وواحدة أشتروا تيكت للحفلة يثور عليكم بس أنا مش حابة أعمل أذية لحد ومتتصليش تاني 


أغلقت الهاتف تمامًا ثم نظرت للنافذة ودمعت عينيها بحزن من إهانة هذه الموظفة لها، أنتبه “نوح” على حزنها وغضبها المكبوح بداخلها الذي تحول لدموع واضحة رأها في المرآة الجانبية للسيارة فضغط على زر النافذة يفتح لها الزجاج لتنفث عن غضبها في الهواء الطليق دون ان يتفوه بكلمة واحدة، نظرت “عهد”إلى زجاج النافذة وهو يُفتح لتنظر إلى “نوح” وهو ينظر إلى الطريق، لم يُفضل النظر لها في موقف كهذا ويرى ضعفها، أوصلها إلى المكان المحدد لإقامة الحفل ثم ترجلت وهى تقول:- 


-متشكرة جدًا تعبتك معايا 


هز رأسه لها ثم غادر، دلفت إلى الغرفة المُحددة وكانت صديقتها “ليلى” في أنتظارها بملابس جديدة لأجلهاوفور رؤيتها هرعت إليها تقول:- 


-أخيرًا يا عهد، يلا معندناش وقت لازم تغيرى هدومك بسرعة  


تذكرت “عهد” حقيبتها التي تركتها بسيارته لتصرخ بهلع:- 


-شنطتى؟ 


قصت “عهد” لها ما حدث لتقول “ليلى:- 


-مش وقت فاضل ساعة وتكونى على المنصة بدلى هدومك دلوقت وبعدين نشوف موضوع الشنطة دا 


___________________ 


تذكر “نوح” الحقيبة فنظر للخلف لير حقيبتها في سيارته، نظر في ساعة يده وكان متأخر على موعده فأكمل طريقه إلى الفندق  


___________________ 


كانت “عهد” جالسة على مقعدها وأمامها طاولة زجاجية موضوع عليها كتابها الصادر عن نجح العلاقات وتوقع للجميع على النسخ الخاصة بهما وأحدهم يُقدم لها باقة ورود وهدايا لتستلمها “ليلى” صديقتها ومديرة أعمالها، وقفت “عهد” من مكانها لتصعد على المنصة وتبدأ تتحدث عن الكتاب والعلاقات البشرية بجدية لتتوقف عن الحديث بدهشة أحتلت وجهها عندما رأت “نوح” يقف هناك بهيئة غير هيئته كان يرتدي بدلة رمادية وقميص أسود ويرفع شعره الأسود للأعلى لأول مرة تعلم لون شعره، أشاحت نظرها عنه بخجل وأرتباك من أنظار الجميع ثم أنهت حديثها ونزلت الدرجات وهى تبحث عنه لكنه أختفى فقالت مُتمتمة:- 


-معقول تهيوات .. 


أقترب منها مجموعة من الطلاب يقدمون لها النسخ لكى توقعها فتبسمت “عهد”إلى وجوهم وتوقع لهم بقلمها ليُقدم لها أحدهم باقة من الورد الأبيض ويقول:- 


-إحنا بنحبك أوى 


تبسمت “عهد” لهما وهى تقول:- 


-وأنا كمان عن أذنكم  


خرجت من القاعة حاملة باقة الورد في يدها وتتحدث مع “ليلى” الحاملة للهدايا الكثيرة، وقع نظرها على “نوح” وهو يقف أمام سيارته بأنتظارها فقالت بعفوية:- 


-خلاص روحى أنتِ العربية وحطي الهدايا وأنا هحصلك 


تقدمت نحوه ليعتدل في وقفته وهو يراها قادمة مُرتدية بدلة نسائية حمراء وحول خصرها النحيف حزام من ماركة فالنتينو أسود عريض وحذاء أسود بكعب عالي وشعرها مسدول على ظهرها، تبسمت بخفة وهى تقول:- 


-أسفة عارفة أنى تعبتك المرة دى بجد 


أخرج الحقيبة من سيارته ثم قال:- 


-ولا يهمك 


أخذت الحقيبة ونظرت له بعفوية مُبتسمة بإشراق لتقول:- 


-أنا في الأول معرفتكش 


نظر لها بصمت لتسرع في الحديث قائلة بإحراج:- 


-مش قصدى حاجة والله بس شكلك أتغير شوية  


أومأ لها بنعم ثم غادر لتتأفف بضيق من بروده وصمته الدائم فهى ظلت شهر في منزله ولم تسمع صوته إلا مرات قليلة أثناء حديثه مع والدته ولم يخاطبها مباشرة ولا مرة واحدة... 


صعد السيارة بجوار “ليلى” لكى تعود إلى القاهرة تستعد إلى جولة طويلة في الإمتحانات النهائية لسنة قبل الأخيرة في كلية الإعلام... 


___________________ 


“منزل عائلة الصياد” 


كان “حمدى” جالسًا على الأريكة ويشرب النارجيلة ويسمع أغاني عبد الوهاب، أقتربت “فاتن” منه وهى تقول:- 


-أموت وأعرف جايب البرود دا منين، يا راجل أخوك وابنه هيكوشوا على الورث كله  


نفث الدخان من أنفه ببرود سافر وهو يرفع قدمه الأيسر إلى الأريكة ويضع يده على ركبته بخبث وهو يقول:- 


-أنتِ متعرفيش حاجة ومالكيش غير في حديد النسوان اللى جاعدة وياها طول النهار ومتعرفيش أهنا في أيه 


قالها وهو يشير إلى رأسه بفخر ومكر شيطاني، أربتت “فاتن” على يده بغرور وقالت:- 


-بكرة تشوف يا سبع الرجال اللى أخوك ونوح ولده هيعملوا وهيطلعوك من كل دا حافي يا سبعي 


وقفت من جواره لكى تغادر الغرفة مُشتاطة غاضبة وتقول:- 


-أنا طالعة رايحة لدار  حورية أشوفها وأشوف حماتها اللى جرفاها في الحياة دى  


خرجت من الغرفة لتتركه كما هو فأخرج هاتفه بعد أن تأكد بأنها غادرت وأتصل بأحد يقول:- 


-عاوز أشوفك بعد ساعة ... 


____________________ 


أنشغالت “عهد” في الدراسة والإمتحانات وكتابة الكتاب الجديد، وأيام تنشغل في حلقات الإذاعة في الردايو رغم كونها طالبة في كلية الإعلام لكن بعلاقتها مع أحد الأساتذة بالكلية، عملت بالإذاعة منذ عامها الدراسي الأولي وأصبحت صاحبة برنامج من أشهر البرامج في الإذاعة وأهتمامها بالكتب وقناتها الخاصة على اليوتيوب التي تقدم بها محتوى خاص بالكتب والتعامل في العلاقات، وكل هذا أختها سجينة في الصعيد وحجتها أن تكمل عدتها حتى اليوم جمعت ملابسها في حقيبة وطفلها جالس على الفراش ويحمل هاتفها يشاهد أغاني الأطفال ليفتح باب الغرفة ودلفت “سلمى” بغضب لترى ما تفعله فسألت بجدية:- 


-أنتِ بتعملي أيه يا مرت ولدى 


أجابتها “عليا” بجدية وهو تضع الملابس في الحقيبة دون النظر لها قائلة:- 


-زى ما حضرت شايفة بلم حاجاتى عشان أمشيوأظن العدة خلصت النهاردة 


عقدت “سلمي” ذراعيها امام صدرها بغرور وقالت:- 


-مين جال أنك هتمشي من أهنا 


أعتدلت “عليا” في وقفتها بهدوء ثم تنهدت بخفوت قبل أن تفرغ غضبها الذي تحملته هذه الفترة هنا لتقول:- 


-حضرتك قولتي أقضي العدة هنا عشان الناس وعشان وعشان.. وأهى العدة خلصت أنا عندي شغل وحياة هناك  


حملت “سلمى” الطفل بقوة لتقول:- 


-عاوزة تمشي يبجى تمشي لحالك ولد ولدى مهخرجش من اهنا 


أتسعت عيني “عليا” على مصراعيها بذهول لتقترب كى تأخذ طفلها منها بالقوة وهى تصرخ دون أهتمام لأحترام هذه السيدة قائلة:- 


-أنتِ بتقولي أيه؟ أدينى ابنى   


دخلت “فاتن” و”أسماء” على صراخهما وشجارهما وهم يقفوا في صف “سلمى” ويدفع “عليا” خارجًا وحدها بدون طفلها حتى أخرجوها من المنزل كاملًا لتعطي “سلمى” الطفل إلى “أسماء” وقالت بجدية وغضب:- 


-عاوزة تعيشي ويانا ويا ولدك يبجى معندكيش غير حل واحد انك تتجوزى من ولدى نوح غير أكدة مهتشوفيش ولدك تانى واصل 


أتسعت عيني “فاتن” وأسماء” عاشقة هذا الرجل فهم وقف معها لأجل أرضائها كى توافق على زوج “أسماء” من “نوح” ليس أن تزوجه من أخرى، نظرت “عليا” لها بصدمة قاتلة وهى تقف مكانها خارج باب المنزل فهذه كانت خطتها من البداية أن تسجنها هنا حتى تنتهى العدة وتزوجها من ابنها الأخرى، نظرت “عليا” إلى طفله الباكي هناك بين يدي هؤلاء النساء... 


__________________ 


وصلت “عهد” للصعيد رغم الخوف الكامن بداخلها من هذه العودة ووجود “خالد” هذا الرجل المتعجرف الذي يعاملها معاملة مقززة لكنها جاءت مُلبية طلب أختها في إنقاذها، أخذتها “حُسنة “إلى غرفة “عليا” وكان الباب مغلق عليها من الخارج كسجينة وعندما دخلت أغلقت “حسنة” عليهما مرة أخرى.. 


__________________ 


أشتاط “نوح” غضبًا من حديثهما وهو لا يصدق ما يسمع وطلب والدته فقال:- 


-جواز أيه يا أمى؟ ما تتحدد يا أبويا 


تنهد “على” بهدوء وهو جالس على المكتب ليقول:- 


-أسمع كلام أمك يا نوح ولا عاوز البنت تأخد ولدها ومنشوفهوش تاني  


كز “نوح” على أسنانه بأختناق وهو يقف من مكانه ويسير بعيدًا ثم قال:- 


-يعنى عشان حفيدكم اللى هو كدة كدو حفيدكم ومحدش يجدر ينكر دا تضحوا بيا وبسعادتى 


وقفت “سلمى” أمامه ثم وضعت يدها على وجنته بلطف وقالت بعيون دامعة ونبرة خافتة:- 


-ليه بتجول أكدة يا ولدى، أنت من البداية ناوي متتجوزش ومفيش واحدة عاجبك، أكتب عليها وخليها مرمية في أوضتها ولا أكنها موجودة بس تكون على ذمتك يا ولدى  


صمت ولم يعقب على هذا الحديث فالجدال به لا جدوى منه ستنفذ والدته ما تريده... 


___________________ 


فتح “نوح” باب غرفته بساعده وهو يحملها فاقدة للوعى ثم دلف وأغلقه بقدمه، وضع “عهد” على الفراش برفق وتطلع بوجهها الملاكي قليلًا، لا يفهم سبب أرتدائها فستان زفاف أختها، أخرج علبة السجائر من جيبه وهو يقف في الغرفة لتسقط منه ورقة فنظر لها وكانت صدمته الكبرى عندما رأى اسمها جوار اسمه لتصبح زوجته فنظر للخلف وهو يغلق قبضته على السيجارة يفتتها بقبضته القوي، تطلع بها وهى في فراشه نائمة وفستانها الضخمة يملأ السرير، ظل جالسًا طيلة الليل على الأريكة حتى أذان الفجر فذهب للمسجد كى يصلي وعندما عاد رأها جالسة على الأريكة غاضبة وفور دخوله صاحت بأنفعال:- 


-أنتِ بتقفل عليا وحابسنى فاكر نفسك مين 


أجابها وهو يقترب نحوها حتى وصل أماها وينظر في عينيها وقال بلهجة ثابتة:- 


-جوزك!! مش عاملتي بطلة شجاعة عشان أختك 


تحاشت النظر له بصمت فهو على حق هي زوجته برغبتها وبكل قوايها العقلية، جلس على الفراش ينزع عمته وهو يقول:- 


-بس عندي سؤال أزاى واحدة زيك بشهرتك وناجحك دا توافج تتضحي بمستجبلها عشان بس أختها 


أجابته بنبرة هادئة وهى تسير بصعوبة من فستانها قائلة:- 


-عشان كل نجاحي دا وشهرتي بفضل أختى وعشان هي اللى صرفت عليا كل تعبها وفلوسها وجهدها عشان أوصل لدا، عشان مقدرش أشوفها بتتوجع كدة وأسكت 


نظر لها وهى تجلس على الأريكة وتأخذ مناديل من فوق الطاولة وتحاول جاهذة تنظيف قدمها من الطين وجروحها، تعجبت بدهشة عندما رأته يجلس على ركبته ويأخذ المنديل من يدها يداوي جرح قدمها بيديه فنظرت له بدهشة بينما هو ينظر إلى قدمها المليئة بالجروح وقال بهمس:- 


-نصيحة منى متحاوليش تهربي من هنا لأنك فكل مرة هتفشلي لولا وجودى هناك كان الغفر هيجتلوكي لأن دا الأمر اللى عندهم 


أتسعت عينيها وهى تسحب قدمها من يده ليرفع نظره إليها فقالت:- 


-وأنا هعيش هنا ؟! 


وقف “نوح” من أمامها وقال بجدية:- 


-مش دا أختيارك 


تنهدت بتعب وأختناق تنهيدة مليئة بالخذلان واليأس ثم نامت على الأريكة في صمت 


______________________ 


في الصباح كانت “أسماء” واقفة أمام باب غرفته وقلبها يشتعل غضبًا وغيرة وهى تعلم بأن حبيبها بالداخل مع امرأة أخرى، بدأت تسير أمام الباب ذهابًا وإيابًا وتضرب يدها بالأخرى حتى أربتت “حُسنة” على ظهرها وهى توقل:- 


-واجفة أكدة ليه؟  


صاحت “أسماء” بها بأنفعال وكأنها تفرغ غضبها بهذه المرأة قائلة:- 


-وأنت ش مالك ما تغورى من وشي يا ست أنتِ 


أبعتدت ”حُسنة” عن باب الغرفة وقالت:- 


-طب عن أذنك أكدة عشان أصحي العرايس 


طرقت على باب الغرفة بخفوت.. 


أستيقظت “عهد” على صوت طرقات الباب ودهشت عندما وجدت نفسها في الفراش لتبحث عنه ولم تجده فنزلت من فراشها وهى تمسك الفستان بيديها وشعرها مسدول على ظهرها والجانبين وقبل أن تفتح  الباب، فتح باب المرحاض وخرج “نوح” مُرتدي عباءة بيضاء اللون، أبتعدت عن الباب قليلًا ليُفتح هو فقالت “حُسنة:- 


-الفطار جاهز يا يبه  


رأى “أسماء” تقف خلفها غاضبة وهو يعلم جيدًا سبب غضبها ونظراتها النارية هذه لتتسع عينيها بصدمة قاتلة عندما رأت “عهد” بالداخل بفستان الزفاف وليست “عليا”...... 

يتبع 

                 الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close