
رواية لن اكون بريئه يوما بنظرك الفصل الثالث عشر13بقلم داليا السيد
عودة
نداء يأتي من بعيد باسمها، صوت تعرفه يهتف باسمها ولكنها تشعر بثقل برأسها حتى فتحت عيونها بصعوبة وهي تبحث عن الألم الذي كان يعتصرها بقوة ولكن لا وجود له، أغلقت عيونها من الصداع عندما سمعت "ملاك"
هو، نعم، صوته، بالتأكيد صوته هي تعرفه جيدا ولكن "ملاك، حبيبتي هل تسمعيني؟"
حبيبتي؟ لا هو ليس يوسف هي لم تكن حبيبته بأي يوم من هذا إذن أم أنها تحلم؟ شعرت بالظلام يخيم عليها من جديد ولم تعد تشعر بأي شيء
تألمت بذراعها مما جعلها تفتح عيونها لتجد ضوء النهار يسقط على عيونها فنظرت لذراعها المتألم لترى فتاة تقف بجوارها تتولى خلع إبرة المحلول من ذراعها وانتبهت عندما رأت ملاك تنظر لها فقالت
"الحمد لله على عودتك مدام هل تشعرين بخير الآن؟"
كانت الغرفة كبيرة والرعاية فائقة فقالت "أين أنا؟ وماذا حدث لي؟"
ابتسمت الفتاة وقالت "حضرتك بمشفى .. الخاص، لقد وضعت ولد رائع جعل الجميع مفتون به"
لم تكن هذه هي المشفى التي وصلت لها فقالت "من أحضرني هنا؟"
قبل أن تجيب الفتاة كان الباب يفتح ورأت ذلك الوجه الذي ظنت أنها لن تراه، تحركت الفتاة للخارج وتقدم هو للفراش فأبعدت وجهها بعيدا عن مواجهته ولكنه وقف أمام الفراش وقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها ولم ترد ولكنها تذكرت المدير وما كان معه فالتفتت له ليواجها بوجه جامد ولم تجد ما تقوله فأبعدت وجهها مرة أخرى ولكنه قال "الطبيب سمح لنا بالخروج والعودة بالوقت الذي يمكنك النهوض فيه من الفراش"
دموع سقطت على وسادتها دون أن تجيب وتألم هو لتلك العيون ولكن ما يمحو ألمه هو عودتها له هي وابنهم، دق الباب فالتفت يوسف ليرى الضابط الذي عرفها وهو من هاتفه وجعله يترك كل ما كان به ويهرع إليها
ابتسم الضابط له وقال "لن يمكنك الغضب الآن أليس كذلك؟"
هز يوسف رأسه بالإيجاب وقال "لولاك لقتلته يا سليم"
ضحك سليم وهو يربت على ذراع يوسف وقال "لقد انتهى الأمر يوسف لقد فر خوفا منك عندما عرف من أنت وتنازل عن المحضر ولو استمر لخسر كل شيء فقد هددته بتفريغ الكاميرات وسيرتطم بقضية تحرش، مدام أنا سعيد بأنك بخير وأهنئك على شجاعتك فقد لقنتيه درسا لن ينساه"
التفتت للرجل وقالت بتعب "شكرا لك ولكل ما فعلته معي"
ابتسم سليم وقال "لولا أني تذكرت رؤيتك بذلك الحفل بالعالمين وصورك مع يوسف لما عرفتك فيوسف صديق قديم وكل أخباره عندي وبالطبع صوركم"
لم ترد وتمنت ألا يسأل أكثر من ذلك وهو لم يفعل ولم يطل الوجود عندما دخل الطبيب والممرضة وقام بفحصها ثم دخلت ممرضة أخرى تحمل طفلها وكم انتهت كل أحزانها وقت أن ضمته لصدرها ولم تمنع الدموع من أن تغرق وجهها وأخذها من طفلها الطبيب وهو يقول
"يمكنكم الخروج بالوقت الذي تكون فيه المدام مستعدة سيد يوسف"
لم يأخذوا الطفل منها بينما عاد هو لها وقد تمتع برؤية ابنه قبلها، ظل ينظر لها قبل أن يقول "هل يمكنك الرحيل الآن؟"
هزت رأسها بالإيجاب، عمتها كانت على حق زوجها هو السند والأمان ولو لم يكن يريدها ما حضر من أجلها أو ربما أخذ طفلهم وتركها ورحل لذا لم تمانع بالذهاب معه ولن تترك بيتها مرة أخرى وستسمع لكلمات عمتها، ستغضب ببيتها وتأخذ حقها وهي ببيتها
ساعدها على ركوب سيارة ذات دوافع رباعية حصل عليها من زميل يعرفه جيدا كي يمكنه الوصول لها بأسرع ما يمكنه، منحتها الممرضة طفلها بين أحضانها وتحرك هو ليقود السيارة وسرعان ما نامت وطفلها بين ذراعيها ولم تتحدث وهو لم يفعل فقط يكفيه وجودها معه وأنها لم تمانع في أن تعود معه وقد هدأ قلبه من ذلك الذعر والفزع الذي عاشه عندما اتصل به سليم بالحفل ليسأله عن زوجته ثم أخبره بما يحدث لها فانطلق بجنون وقلبه ينبض بخوف عليها وعلى ابنه
نظر لها وهي نائمة ورغم ما بينهم إلا أن لا شيء يهمه الآن سوى أنها معه وتعود لحياته بعد أن كاد يفقد الأمل بعودتها، عاد للطريق وهو يفكر بزوجته العنيدة التي اختارت تلك الحياة الصعبة على حياتها التي كانت تعيشها معه، كل يوم يدرك أنه كان مخطئ بحقها وعليه أن يعتذر عن كل ما فعله بها ويعوضها كل لحظة ألم كان هو السبب فيها ومن داخله لا يريد أن يعود لحياة الضياع التي كان يحياها في بعدها
بكاء الطفل أيقظها بالحال فاعتدلت بتعب فقال "أوشكنا على الوصول هل هو بخير؟"
أطعمت الطفل فسكت وهي تقول "نعم كان يشعر بالجوع، شقة عمتي"
قال بهدوء "تم إغلاقها جيدا والمفتاح معي"
هزت رأسها ولم ترد وقد بدأ الازدحام يعم من حوله فلم تتحدث وتركته للطريق ورغم ما بينهم إلا أنها تشعر بالراحة لوجودها معه ولا تريد أن تفكر بماذا سيحدث بينهم طالما هو معها وستلقي بكل ما كانت تحمله بعيدا عن أكتافها وستترك له تدبير كل ما واجها
دخلت السيارة الممر الحجري وأوقفها هو ولم تتحرك وهي تضم طفلها لها عندما فتح السائق الذي كان بانتظارهم ولكنها رأته يصل إليها ومن خلفه زينب تسرع لهم وامرأة أخرى أصغر عمرا من زينب فنظر لها وقال
"ميرفت ستأخذ الطفل فهي مربية متخصصة ملاك"
لم تجد بنظراته شيء يخيفها فمنحته الطفل ومنحه بدوره لميرفت بينما لم يمنحها هي فرصة للحركة وهو يحملها فلم تعترض وهي تضع يدها حول عنقه لتعود لها رائحة عطره التي اشتاقت لها وتسمع دقات قلبه بجوار أذنها وتضربها أنفاسه الدافئة فتعيدها لأيامهم سويا
وضعها بالفراش فأخفضت وجهها وهو يبتعد وتبعته زينب وهي تقول "الحمد لله على سلامتك مدام وألف مبروك وصول الطفل بسلام هل له اسم؟"
رفعت رموشها له فقابلها بعيونه وقال "المدام ستمنحه اسم زينب"
أخفضت وجهها وقالت "أحمد"
هز رأسه ولم يعترض وقال "زينب ساعدي المدام فهي ما زالت متعبة وستصل ممرضة لتتابع حالتها، أنا بمكتبي"
تابعته وهو يذهب واستسلمت لزينب التي أعلنت عن سعادتها بعودتها وثرثرت قليلا عن حالته بغيابها ولكنها لم تصدقها فمن هي كي يحزن لبعدها؟
أطعمت طفلها ووصلت الممرضة لتمنحها الدواء والحقن ثم استسلمت للنوم مرة أخرى ولكن النوم كان مختلف كان مريح ليس به فزع أو قلق فقط توقظها المربية بمواعيد منتظمة لإطعام أحمد ثم تعود للنوم
يومين مرا عليها وهي تستعيد نفسها وهو بالبيت لا يرحل وكأنه بل هو بالفعل يخشى ترك أسرته الصغيرة مرة أخرى فيعود للوحدة وللخوف الذي سكنه طوال غيابها، كان يدخل أثناء نومها لرؤيتها ويجلس كثيرا أمامها وبالنهاية يتركها لينام بغرفة والده وهو يعلم أنها ما زالت تنتظر مواجهته وهو أيضا كان ينتظر
استعادت نفسها من الرعاية التي كان يوفرها لها وهي أرادت أن تعود لنفسها ولم تظل بالفراش وإنما كانت تتحرك للغرفة التي أعدها لأحمد تأملتها وكانت كما تمنتها فكم أخبرته بما تريده وقد نفذ كل شيء رغم أنه لم يكن يدري هل ستعود له أم لا
كانت تحمل أحمد الصغير وتداعبه عندما دخل هو ليراها تقف أمام فراش صغيره وتحمله بحنان، لم تنظر له وهو يقترب منها بينما تراجعت ميرفت ووقف هو أمامها ولم تقوى على النظر له كانت تتمنى ولكن قلبها كان حزين متألم، مشتاق لحبيبه ولكن غاضب منه
قال "هناك طبيب سيأتي ليراه غدا"
وأخيرا رفعت عيونها له ولقد ذهب منها التعب وطار إلى عيونه التي لم يتركها التعب وقلة النوم وقالت "هو بخير وليس بحاجة لطبيب"
قال بهدوء "أعلم، فقط للاطمئنان ولو لديه أي تعليمات من أجل صحته"
أخفضت عيونها وقالت "كما تشاء"
مد يده للطفل وقال "اتركيه لي قليلا"
تركته له وهي تتابع ملامحه التي لا تتبدل مهما كانت الظروف، قبل الطفل بحنان وقال "يمتلك لون عيونك وبشرتك ملاك"
قالت بهدوء "وطابع الحسن الخاص بك"
نظر لها فأبعدت عيونها فأعاد الطفل لها فأعادته للفراش بعد أن قبلته وخرج هو بينما أعطت تعليماتها لميرفت وعادت لغرفتها لتراه يقف أمام النافذة واضعا يداه بجيوب بنطلونه الرياضي، أغلقت الباب فالتفت لها ولكنها لم تفعل وهي تتحرك للحمام ولكنه تحرك ووقف أمامها وقال
"متى ستتحدثين ملاك؟"
لم تنظر له وقلبها ينبض بدقات عالية كعادته وتمكنت من التمسك بقوتها وقالت "لا أريد"
كادت تبتعد ولكنه أوقفها بيديه وهو يمسك ذراعيها برفق وقال "لماذا رحلت؟"
رفعت وجهها إليه وقالت "لا أظن أن هذا سؤال بحاجة لإجابة مني لأنك تعرف إجابته"
قال بضيق من تذكر ما كان "أخبرتك مرار أني"
أبعدت يداه وقاطعته بغضب حاولت أن توقفه "أن بغضبك لا تعي ما تقول، ولكني أنا من تهينها وتجرحها ولا يمكن لأي بشر أن يسمع إهاناته ويتقبلها هكذا لمجرد أنك غاضب ولا يمكنك إيقاف غضبك ومراعاة من تهينه وتؤلمه"
كان يعلم أنها على حق لذا ابتعد من أمامها ولأول مرة لا يقوى على مواجهة أحد ولكنها ليست أي أحد هي من ملكت قلبه وروحه وكل حياته، قال "صدقت رسالة وحيد وقد كان قد أخبرني من قبل أنك تخططين معه للحصول على أموالي وأنا وقتها لم أصدقه خاصة وأنك أخبرتني برسالاته لك فلم يمكنني أن أشك بك لكن تلك الرسالة ملاك"
والتفت ليواجها "تلك الرسالة كانت بيوم عودتي وقد أخفيت موعد وصولي لأفاجئك ولكني بدلا من أن أراكِ بانتظاري لم أجدك ولا أعرف لأين ذهبتِ ورسالة على هاتفي تخبرني بذهابك للقائه ونفس الرسالة على هاتفك بموعد اللقاء فماذا ملاك؟ لماذا لم تخبريني أنك ذهبت لإحضار هديتي؟ فضلتِ الصمت فكان لابد أن يثور جنوني وأفقد عقلي ولا أسمع لصوت العقل"
قالت بدموع تعلن عن الألم والغضب "ولا أن تسمعني أنا شخصيا أو أن تمنحني حتى فرصة للدفاع عن نفسي والذي هو حق لأي متهم، فقط تهين وتجرح وتؤلم دون أن ترمش وتسألني لماذا رحلت؟ أخبرتك ألا تفعل لأني لن أسامحك ولكنك لم تهتم بل ولا تحتاج للسماح من امرأة مثلي، لم يكن يهم وقتها أن أخبرك أين كنت لأني كنت أعلم أنك لم تكن لتصدقني من الأساس ولأنك لا تثق بي وهذا هو الموضوع"
كان يعلم أنها ستلقي بوجهه كل ذلك فتركها تفعل إلى أن قال "آسف ملاك"
أشاحت بيدها بقوة وابتعدت من أمامه وقالت "لم يعد الأسف يداوي جراحك يوسف لأنها أصبحت أعمق مما تتخيل"
ابتعد هو الآخر وقال "ولكني لم أعني أي كلمة من كلماتي"
قالت بنفس الغضب "لماذا تنطق بها إذن؟ لماذا تتعمد أن تؤلمني؟ أخبرك أنا، من داخلك أنت تعنيها لأنه ما زال هناك جزء منك يريد القصاص لأختك التي ضاعت بسببي وسبب أخي بنظرك، لكن لا، أنا لم أفكر بأن أضر أختك بأي يوم صدق أو لا ولكنها الحقيقة، لم تكن أختك بالفتاة التي تستحق سوء المعاملة ولا أنا بالمجرمة التي تظنها كلانا ضحايا حمزة لكن أنت لا ترى كل ذلك فقط أختك هي كل ما يخصك وأنا، أنا لا شيء امرأة حصلت عليها بسهولة بليلة مجنونة دفعت أنا ثمنها غالي فقط لأني، فقط لأني كنت فتاة حمقاء لا تعرف عن خفايا العالم شيء وثقت بك وأنت لم تمنحني إلا طعنة نافذة وحتى اليوم ما زلت تفعل فكفى أنا لا أريد ألم مرة أخرى لأني تعبت"
التفت لها وما زالت تقف وتنظر له والدموع تسيل على وجهها وأدرك أن الألم كبير فاقترب منها حتى وقف أمامها وقال "وماذا ملاك؟ هل تخبريني ماذا تريدين؟"
تحركت مبتعدة عن عيونه التي تضعفها وقالت "لا شيء يوسف أنا لا أريد أي شيء بل أمنحك أنت الحق بأن تفعل ما تشاء"
لم يفهمها وهو يقول "ما أشاء هو وجودك هنا ملاك ببيتك"
قالت دون أن تنظر له "وأنا هنا يوسف، أعلم أنك تريد ابنك وهو حقك وأنا لن أترك ابني مهما كان الثمن لذا فوجودي هنا من أجله فقط"
أدرك أنهم يدورون بحلقة مغلقة والآن عادوا للبداية ذلك الاتفاق الذي ربطهم بأول الأمر الاتفاق الذي وضع هو شروطه هي الآن من تطالبه بتنفيذه فهل يمكنه أن يرفض؟ وبماذا سيبرر رفضه؟ هل يجرؤ على أن يذكر حبه ومشاعره لامرأة لا تحمل له إلا كل ذلك الغضب؟ امرأة هو الذي دفعها بقوة لأن توقف تلك الكلمات التي كانت تمنحه السعادة وتجعل قلبه يرتجف من سماع صوتها، الآن لن يمكنه إلا أن يعيد الحدود بينهم ليس لأنه يريد الانتقام وإنما لأنه يعلم الآن أنها لا تريده بل وربما الكره هو ما يسكن قلبها تجاهه ووجودها كما قالت من أجل ابنهم كي لا ينشأ بين والدين متفرقين
استعاد نفسه وقال "كما تشائين، هذا البيت بيتك وبيت ابنك وحقوقك كلها أنا كفيل بها فقط كل ما عليك هو أن"
وصمت قليلا فرفعت وجهها لتواجه نظراته الجامدة فأكمل "أن تكوني أم لأحمد كما قلتِ، وربما زوجة فقط أمام المجتمع"
وتركها وتحرك خارجا بقوة ولم يكن الغضب هو ما يحركه الآن وإنما الألم لأن قلبه مهزوم، مجروح، لأول مرة يؤمن بالحب ويلقي بقلبه في أحضان امرأة ظن بلحظة أنها تريده وتبادله المشاعر لكن بدلا من ذلك لفظته بل صفعته بقوة دون أن تلمسه والأكثر إيلاما أنه لا يستطيع أن يوقفها لأنه يعلم أنه السبب وأن كرامته تأبى عليه أن يعلن عن مشاعره وهي قد ترفضها فقط كي تؤلمه وترد ما فعله بها
سقطت على طرف الفراش والدموع تتساقط معها والألم يغزو قلبها، نادمة؟ لا تعلم؟ هل تذهب خلفه وتعيده؟ لا، لن يمكنها أن تفعل وهو لن يهتم بل هو لم يهتم، أليس هذا ما أراده بالبداية؟ أم لوريثه، أم لا تترك ابنها وترحل لرجل آخر
أغمضت عيونها وهي تسأل نفسها هل هذا ما أرادته؟ رغم الحب الذي تكنه له والقلب الذي يكاد يهرع خلفه ويترجاه أن يحبه إلا أنها لم تستطع أن توقف إحساس الإهانة والمذلة التي عاشت بهم منذ عرفته، كم أهانها وجعلها تتألم وهي صامتة تقبل كل شيء، خوفها وسذاجتها جعلوها تقبل منه كل ما فعله بها وتسامحه وتصبح زوجة محبة مخلصة تمنحه السعادة والحب والحنان لكن بدلا من أن يمنحها الحب كمقابل لطمها بالإهانة ولطخها بعار أخيها لذا لم تعد تستطيع التحمل فقط هذا الطفل لا ذنب له بأن يتعذب بالحياة بعيدا عن أبيه ولا عن أمه لذا كانت عمتها على حق لابد أن تكون ببيتها كما قال وعلاقتهم كزوجين بالتأكيد انتهت وهو لن يعيدها مرة أخرى وهي لن تقبلها إلا عندما يعترف أنها بريئة
أمضت كل الوقت مع أحمد الصغير وبين القراءة والاهتمام بالبيت وكل أمور الحياة الزوجية الشكلية أما هو فلم تعد تراه إلا قليلا، أحيانا وقت الإفطار وأحيانا أخرى وقت العشاء وانفصل بغرفة والده ينام بها وقد نقلت زينب ملابسه لها ولم يهتم بكلام الخدم كما كان يقول، نظرات زينب كانت تتحدث بالكثير لكن هي لم تكن ممن تحكي وتتحدث والتزمت الصمت حتى عندما تقابله بغرفة أحمد كان أحدهما يرحل تاركا الآخر وتأزمت العلاقة بدرجة لم يعد بإمكان أحدهم حل الأزمة
تأخر على مائدة الإفطار بذلك الصباح وهي تدخل وتراه يجلس يتابع الجريدة باهتمام فقالت "صباح الخير"
أجاب دون أن يبعد وجهه "صباح النور"
تناولت الإفطار وقد انتهى هو ولكنه كان يتناول قهوة واندهشت من وجوده وتمنت لو ترى وجهه فقد اشتاقت له وقد تجنب كلاهم اللقاء وجها لوجه..
لم يبعد الجريدة وهو يقول "لدينا حفل الليلة"
رفعت وجهها له ولكن الجريدة سد عالي بينهما، عندما لم ترد أبعد الجريدة والتقى بعيونها وكم اشتاق هو الآخر لها، قال "لابد أن تكوني معي تعلمين الصحافة"
هزت رأسها وهي تفر من عيونه لكوب الشاي وقالت "هل هناك مناسبة للحفل؟"
ضاقت عيونه وقال "محمود يفتتح فندقه الجديد"
رفعت رموشها له وقالت "وهدير وحديثها الودود عن زينة؟"
أشعل سيجارة وتناول القهوة وقال "أظن أنه يمكنك التعامل مع مثل تلك الأمور"
لم تبعد عيونها وهي تقول "وزينة؟"
لم ترى عيونه من دخان سجائره وقال "بالتأكيد لا أعرف خط سيرها فهي لا تبلغني بحياتها كيف تعيشها"
نهض فقالت "متى الحفل؟"
لم ينظر لها وهو يخرج من الغرفة "التاسعة"
تابعته بعيون حزينة وقد تبدلت نظراته للقسوة والجمود أكثر مما كانت ولم يعد لديه رغبة برؤيتها أو حتى الحديث معها وكأنه يعاقبها على قرارها
مر اليوم بدون أي جديد واستعدت للحفل بفستان لم ترتديه من قبل وجدته بالدولاب وقد كان ضمن مجموعة الملابس التي أحضرها لها من سفره الأخير وبالطبع لم تكن موجودة وقتها لتراها
الفستان الذهبي تألق على جسدها الذي تبدل بعد الولادة وزاد جمالا، طول الفستان منحها قامة طويلة مع الكعب العالي للحذاء اللامع، شعرها الأحمر رفعته بطريقة رقيقة وانسيابية وتركت عنقها ليظهر بطريقة ملفتة مع استدارت صدرها وذراعيها الطويلتان، مسحة خفيفة جدا من الماكياج جعلتها تسترجع نفسها وتشعر ببعض الثقة بنفسها وجمالها الذي لم تعرفه إلا منذ عرفت ذلك الرجل
دق الباب ودخلت زينب تقول "سيد يوسف ينتظرك بالأسفل مدام"
تحركت وأخذت حقيبة يدها وهي تقول "حاضر زينب"
لم تذهب زينب وملاك تتجه للباب وتوقفت والمرأة أمامها بنظرات غريبة فقالت "ماذا هناك زينب؟ هل بي شيء خطأ؟"
قالت زينب بتردد "ما يحدث بينكم هو الخطأ مدام"
احمر وجه ملاك وتعجبت لأن زينب لم تعتد التدخل بأي خصوصيات، أبعدت وجهها وقالت "ليس هناك أي خطأ زينب، لا داعي للقلق"
لم تكن لتتحدث مع أحد عن حياتها، لا لأن زينب مديرة المنزل وإنما لأنها لم تتعلم كيف تحل أمورها المصيرية كما أخبرته من قبل فقط تتصرف بما يمليه عليها قلبها
تراجعت زينب لتفسح لها وهي تقول "لن تصلح حياتك بهذا الشكل مدام لكم شهر وأكثر منفصلين"
لم ترد وهي تتحرك دون حتى أن تنظر لها ولكن كلماتها تدق برأسها، رأته جالسا على أحد المقاعد واضعا ساقا فوق الأخرى ويتابع الهاتف باهتمام ولم يشعر بها إلا عندما قالت
“أنا جاهزة"
لم ينظر لها إلا بعد أن انتهى مما أثار غيظها وغضبها وقبل أن تلقي كلمات غاضبة نهض وقال "حسنا لنذهب"
وما أن سقطت عيونه عليها حتى توقف وقال "أين الفرو؟"
احمر وجهها وقالت "الجو لا يستحق"
تبدلت ملامحه وقال "إذن ضعي شال من الموجودين عندك لن تذهبي هكذا"
صمتت وهي تحدق به ثم التفتت ونادت زينب التي أسرعت لها فطلبت منها الشال فأسرعت لتصعد بينما قال هو "هل أحمد بخير؟"
ابتلعت ما حدث وقالت "نعم أطعمته قبل أن أستعد وميرفت تعلم التعليمات"
هز رأسه وهو ينظر لساعته وقد كان أنيقا جدا كعادته عند المناسبات بالذات، نزلت زينب مسرعة بالشال فوضعته واطمئن على شكلها ثم تحركت وهو بجوارها والصمت يلفهم حتى ركبا سويا والسائق يقود
قال فجأة "هل تريدين الاحتفاظ بشقة عمتك؟ هناك مشتري جيد يريدها"
نظرت له وقالت "مشتري؟ لا أعلم لم أفكر بالأمر، افعل ما تراه صواب"
نظر لها بدهشة وقال "أنا؟ هي لكِ"
احمر وجهها ولم تنظر له وهي تقول "وماذا؟"
ظل صامتا فنظرت له لتواجه عيونه وكالعادة لم تفهم من نظراته شيء عندما قال "لا أفضل بيعها الآن هناك كلام على المبني كله وأنا يعجبني موقعه لدي أفكار له"
قالت باهتمام "ولكن المنطقة ليست مناسبة لمشاريعك"
قال "وهل كانت مناسبة لإقامتك وأنتِ زوجة السمنودي"
شحب وجهها ودق قلبها وهو يفتح طريق الذكريات، أبعدت وجهها عنه وقالت بجدية "ولكني بالأساس نشأت وعشت بأماكن مثلها ولم يعنيني الأمر بشيء"
كان يعلم صحة أفكارها ولكنه قال "ولكنك كنت حامل والمكان يمثل صعوبات كثيرة غير العمل ماذا فكرت وقتها؟ ألم تهتمي بالحمل والطفل؟"
عادت تنظر له وقد اختنقت الكلمات داخلها وهو يمنحها إحساس أنها أرادت أن تفقد حملها فقالت "لم أتعمد أن أفقد حملي يوسف تعلم أني كنت أريده ولكن لم أكن لأقبل أن تنفق عمتي علي، لن أعيش على حساب أحد"
ضغط على غضبه وقال "ولم تفكري بما يمكن أن يصيبك من كلب مثل مديرك؟"
واجهته بقلب يدق بسرعة "هل تذكرت هذا الآن لتحاسبني عليه؟ أنا لم أفرط بنفسي وأمكنني الدفاع عن نفسي جيدا"
لم يتراجع وهو يقول "نعم أحاسبك ملاك كي تفكري جيدا قبل أن تلقي بنفسك وابني بالنار دون أي عقل"
قالت بعناد مختلط بالغضب "أخبرتك أني لن أذهب لأي مكان"
حدق بها قبل أن يقول "وتظنين أني سأصدقك؟"
ازدادت حرارة جسدها من الغضب المشتعل داخلها وقالت "لست بحاجة لأن تفعل فمنذ متى كنت تصدق أي كلمات لي؟"
وأبعدت وجهها للنافذة لتجد أنهم وصلوا لفندق رائع حقا والأضواء تملأ المكان والموسيقى الراقية تستقبل الضيوف والسيارات الفاخرة هنا وهناك بانتظام، لم يرد وقد أدرك أنه يزيد الأمور سوء بدلا من التقدم بها قليلا فأبعد وجهه هو الآخر غير راضي عن حوارهم وهو ما زال يحمل داخله شعور دائم بأنها سترحل بيوم ما مرة أخرى لتتركه كما فعلت أمه من قبل ولن تعود له أبدا لذا صارعها بهذا الحوار ولكن بدون فائدة بل العكس
فتح لها أحدهم الباب وهو الآخر وما أن نزلت وسط الزحام حتى كان يغلق جاكته ويتقدم تجاهها ومد لها ذراعه فوضعت يدها به وتحركت معه وسط الكاميرات والشخصيات التي تتقدمهم وتتبعهم عندما قال
“محمود يستضيف كبار رجال الدولة فهل يمكنك التعامل؟"
لم تترك الغضب يسيطر عليها من سؤاله وقالت كلمة واحدة كالعادة "سأحاول"
عاد وقال "لم يعرف أحد بالفترة التي اختفيت بها الجميع يعلم أن الطبيب طالب ببقائك بالفراش شهور الحمل"
نظرت له بدهشة وقالت "ولو لم أعد قبل ذلك؟"
لم يرد وهما يدخلان من بوابة الفندق ويأخذها المكان بجماله المتزايد والمبالغ به وهي أصلا لا تحب كل ذلك التكلف وبالطبع قابلهم محمود بابتسامة واسعة وهو يرحب بها ويحتضن يوسف ثم قال
“ملاك من الرائع رؤيتك بعد الإنجاب وقد أصبحت أكثر جمالا وتألقا"
وصلت هدير بنفس اللحظة وقد سمعته فقالت "ولكنها شاحبة وعيونها محلقة بالتأكيد بسبب أحمد الصغير"
لم تبدي ضيقها من المرأة وإنما قالت بابتسامة رقيقة "أحمد حبيبي طفل رائع ويوسف يوفر له ولي كل سبل الراحة هو أنا التي أبالغ برعايته"
احمر وجه المرأة بينما قال يوسف "متى ستبدأ الافتتاح؟"
نظر محمود باهتمام حوله وقال "بوصول المحافظ، هل انتهيت من الأرض الجديدة بالسخنة للفندق الذي تريده؟"
نظرت له ولكنه لم يبادلها النظرة وهو يقول "ليس بعد، تعلم أن هناك أمور أخرى تستعدي اهتماماتي والمولات تأخذ وقت أكبر"
قالت هدير بخبث "زينة أخبرتني أنها ستحصل على عرض بأحد المحلات الموجود بمول السلام وأنك ستحضر العرض"
بالطبع كانت ملاك تفهم المرأة لذا لم تتبدل ملامحها وهو يجيب "العروض كثيرة عزيزتي لكن أن تنال زينة إحداها فلا أظن"
نظرت لزوجها وكأنه يعرف كل شيء عن زينة بينما قالت المرأة "سيفعلون من أجلك فهم يعلمون علاقتكم أليس كذلك ملاك؟"
لن تقع بالفخ، لن تضر بزوجها وكل هذا العالم من حولها فقالت بهدوء وقد اندمج يوسف مع محمود بحوار عن العمل وقد تفادى الرد على سؤالها ومحمود تعمد أن بجذبه بالحديث بعيدا "يوسف يعلم جيدا ما يفعله عزيزتي فهو رجل أعمال محنك وأنا أثق بعقله"
ابتسمت المرأة بخبث وقالت "وهل تثقين بقلبه؟"
بالطبع لم تمنح أحد فرصة معرفة النيران المشتعلة داخلها وهي ترد بابتسامة باردة "بالطبع، أنا أثق به منذ أن وقع نظري عليه، وبزواجنا أصبحت أيضا أثق بقلبه فلو لم يكن قلبه لي ما دام زواجنا"
شعرت بعضلات ذراعه تنجذب بقوة بينما قالت المرأة بطريقة فظة "دام من أجل أحمد لكن الجميع يعلم أنه سيعود لعلاقاته السابقة خاصة زينة"
احمر وجه ملاك وحاولت ألا تنفجر بوجه المرأة الوقحة وقالت "أي جميع عزيزتي؟ الجميع لا يعلم إلا أني زوجته وأم ابنه، ما مشكلتك معي هدير؟ ألا تدركين ما تقولين عن زوجي وامرأة كان يعرفها بيوم ما؟"
ظهر الغيظ على وجه المرأة وقالت "زينة صديقتي المقربة وهي لن تتنازل عن يوسف لأنها تحبه وتعلم أنه يحبها ولن يوقفها شيء عن استرداده"
أدركت تصرفات المرأة فقالت "ألا تظنين أنها تأخرت كثيرا؟ هل الحب ينتظرها كل ذلك؟ يوسف يحبها ويعيش معي!؟ ألا تتعجبين من كلماتك؟"
كان الغضب والكره واضحين بعيون المرأة وهي تقول "لا، لأن فتاة مثلك لابد أن توضع بمكانها الصحيح وهنا ليس مكانك"
أبعدت وجهها وقالت "تمام بالمرة القادمة سأتذكر ذلك"
سمعت يوسف الذي تابع كل الحوار خاصة كلماتها عنه وعن ثقتها به وهي أخبرته من قبل أنها تثق به بالفعل، يقول "بالمرة القادمة لن أكون موجود عزيزتي وبالتالي زوجتي أيضا"
شحب وجه هدير بينما قال محمود بضيق "اهدأ يوسف هي لا تقصد أي شيء، أنا أعتذر ملاك"
تحركت زوجته مبتعدة بغضب بينما ابتسمت هي وقالت "شكرا لذوقك محمود"
انتبه الجميع عندما وصل المحافظ فتحرك الرجال بينما ظل هو واقفا وهي بجواره دون أي كلمات وتم الافتتاح ثم انضم هو للجميع وهي معه حتى وجدوا أنفسهم أمام المحافظ وزوجته عندما ابتسم ليوسف وقال
“السمنودي، لي كثير لم أراك، مدام سعيد بلقائك"
ابتسمت بجاذبية للرجل وتعرفت على زوجته وسرعان ما تبدل الحوار لحديث رائع ودعاهم الرجل لمائدته لتناول العشاء وعرفت أنه كان يعرف والد يوسف أما زوجته فكانت رائعة حقا وتتمتع بأخلاق راقية جدا ولم تلمح لماضي ملاك بأي كلمة مما أراح ملاك حتى فجأة انضم رجلان أحدهم يصحب زوجته وقد عرفت بمنصبه الهام ورجل آخر أيضا ذا منصب معروف ولكن نظراته لها كانت غير مريحة
نهض الجميع لقاعة الاحتفال ولم تعرف كيف وجدت ذلك الرجل أيمن كما عرفت يقول لها "تبدين هادئة جدا"
التفتت مبتعدة عن قربه الغريب وقد ابتعد زوجها بحديث مع المحافظ ووجدت عيون أيمن السوداء تحاوطها فقالت "ماذا؟"
قال بابتسامة جذابة "بصراحة أنتِ أجمل بكثير من الصور التي نشرت عنكِ ولون عيونك فاتن وتملكين قوام قاتل"
احمر وجهها من وقاحة الرجل وجرأته ودق الخوف قلبها فجأة ولم تعرف ماذا تفعل وقد نادى عقلها على حصن أمانها وأرادت أن تفر له ولكن أيمن أسرع يقول "من المؤسف أننا لم نلتقي من قبل"
حاولت أن تهدئ من مخاوفها بصعوبة وهي تقول "ولماذا نفعل؟"
ابتسم مرة أخرى وقال "كي نتعارف"
تراجعت والتفتت لزوجها وهي تقترب منه بعيدا عن الرجل وقالت "يوسف"
انتبه لها على الفور ولاحظ ملامحها فقال باهتمام "ماذا؟ هل حدث شيء؟"
تحكمت بخوفها وقالت "لا، هل يمكن أن نذهب كي لا أتأخر على أحمد؟"
ظل ينظر بعيونها المرتبكة ووجهها الشاحب بينما انقض صوت لم تتمنى أن تسمعه بتلك الليلة التي لا تريد أن تنتهي والصوت يقول "كيف حالك يوسف؟"
التفتت هي لزينة التي كانت تتفنن بإظهار كل جسدها بطريقة مثيرة وجريئة بينما قال يوسف بصوت عميق "أهلا زينة"
نظرت زينة لملاك وقالت "عود حميد ملاك، يبدو أن زوجتك تستمتع بالحفل وبالضيوف يوسف"
شحب وجه ملاك أكثر ويوسف يقول بنبرة تحذير "زينة"
ولكن زينة ابتسمت وقالت "لا أفعل شيء يوسف ولكني ظننت أنها مستمتعة مع أيمن النجار منذ قليل"
تجمدت ملاك وذمت شفتاها عن أي كلمات يمكن أن تثير ضجة تضر بسمعة زوجها مرة أخرى بينما ضاقت عيون يوسف وهو يقول "ملاك هل نذهب؟"
لم تسمعه وما زالت تحدق بزينة التي ارتسمت ابتسامة انتصار على وجهها بينما لمس هو ذراعها فالتفتت له وهو يقول "هل نذهب؟"
هزت رأسها بالموافقة دون تردد فنظر لزينة وقال "الصيد بالمياه الراكدة لا يجني سوى سمك ميت لا فائدة منه زينة"
لم تفهم كلمات زوجها وهو يجذبها للمحافظ ليعتذر منه بالذهاب ثم ودع محمود دون زوجته وهي وضعت ابتسامة على شفتيها للجميع وتتمنى لو تنفجر بالبكاء أو الصراخ معترضة على كل ما يدور حولها..
ما أن ركب بجوارها حتى نظر لها بقوة ولكنها أخفت وجهها بالزجاج فأبعد وجهه دون أي كلمات حتى وصلا البيت ودخلا فقال "ملاك هل نتحدث؟"
توقفت دون أن تستدير له فتقدم حتى وقف أمامها فلم تنظر له وهو يقول "ماذا أراد منك أيمن النجار؟"
لم تعرف سوى أن تخبره ما كان ولكن كالعادة هل سيصدقها؟ قالت "لا شيء فقط أخبرني أنه كان يتمنى أن نلتقي من قبل وكلمات لا معنى لها"
ضاقت عيونه فابتعدت وقالت "بالطبع لا تصدقني"
تحركت من جواره لتصعد لغرفتها ولكنه أمسك ذراعها وأوقفها بجواره فرفعت وجهها لوجهه وهو يلقي بنظراته عليها من ارتفاعه وقال "ما تلك الكلمات؟"
لم تبعد عيونها وقالت "كلمات مجاملة، أنت تعلم تلك الخاصة ب"
وأبعدت عيونها ففهم وقال "مغازلة؟"
هزت رأسها دون أن تنظر له فكتم غضبه وقال "ما حدث من هدير لن يتكرر"
لم ترد ولكنه أكمل "تعمدتِ ألا تردي عليها أو على زينة أليس كذلك؟"
لم تنظر له أيضا وقالت "نعم"
أدرك تصرفها وقال "من أجل الصحافة؟"
هزت رأسها بالإيجاب فقال "وأيمن؟"
رفعت وجهها له بتساؤل بكل عيونها وهي تقول "ماذا عنه؟"
ظلت عيونه تتجول بوجهها وقال "له أسلوب ممتع بالنسبة لكل النساء"
فهمت كلماته فأبعدت يده عن ذراعها بغضب وقالت "وأنت تتساءل ما إذا كنت واحدة من تلك النساء التي تتمتع بأسلوب رجل مثله؟"
أبعد وجهه فقالت بنفس الغضب "كنت بالفعل أستمتع لذا طلبت منك الذهاب بمنتصف الحفل"
وتركته وتحركت للأعلى والدموع هي كل ما أمكنها فعله حتى دخلت غرفتها وأغلقت الباب وظلت واقفة وقد أغمضت عيونها ربما تغلق على الألم الذي يتسرب بكل جزء من جسدها وصداع يندفع لرأسها وتركت الدموع تواسيها وتحركت للداخل وهي تخلع شالها وألقت حقيبتها ثم جلست على مقعد قريب
ما زال لا يثق بها ولا يصدقها وكزينة وزوجة محمود الجميع يظن أنها امرأة تهوى الرجال.. دقات قلبها زادت وشعرت بصدرها يحترق فوضعت يدها عليه من الألم وهي تعلم أنه يتعمد تذكيرها بكل وقت بمن هي بالنسبة له وهو ما يزيدها ألم
شعرت بالعرق على وجهها فمسحته بيدها ومسحت دموعها ونهضت متغاضية عن ألم صدرها وتحركت لغرفة أحمد
بالصباح كانت متعبة بصداع مؤلم وشعرت بأن لا جهد لديها وأنفاسها غير منتظمة ورجحت أن ذلك بسبب قلة النوم وكثرة التفكير
مبكرا جدا كانت بغرفة أحمد وكانت ميرفت نائمة فلم توقظها وهي تبدل لابنها ملابسه وتطعمه عندما سمعت دقات على الباب فتحركت وهي تحمل الطفل لتفتح الباب فرأته بملابس خفيفة ينظر لها ويقول
“ظننتك نائمة، أردت رؤية أحمد"
خرجت من الغرفة بالطفل ومنحته له وهي تبعد نظراتها عنه وقالت "ميرفت نائمة ما زال الوقت مبكرا"
وتحركت لغرفتها بتعب لم تصرح به، تابعها بنظراته ثم تحرك لغرفتهم وهو يداعب أحمد الذي كان يبتسم لوالده
جلست على مقعدها المفضل ولم تنظر له وهو يتقدم مغلقا الباب خلفه وقال "أنا راحل للسخنة غدا، أريد رؤية الأرض للمرة الأخيرة قبل توقيع العقود"
رفعت وجهها له واندهشت من أنه يخبرها بالأمر، جلس أمامها وما زال يداعب الطفل وقال "هل تريدين المجيء؟ ربما أحمد بحاجة لجو جديد"
ظلت تنظر له وعاد ألم صدرها فتنفست بعمق وقالت "كما تشاء"
نظر لها وقال "لكِ صورة رائعة بالجريدة"
حدقت به وقالت "لي أنا؟"
قال "مع أيمن وقت كنتِ واقفة معه"
دق قلبها بقوة ولكنها مؤلمة ألم مختلف عن كل ألم وقالت دون أن تظهر ألمها "وعن ماذا تتحدث الصورة؟"
واجه نظراتها الثابتة وقال "لا شيء محدد فقط زوجة السمنودي الجميلة تلفت انتباه أعتى الرجال"
شحب وجهها وانكمشت بالمقعد وهمست "لم أفعل"
داعب أحمد بإصبعه والطفل يمسك به بسعادة وقال "أعلم"
رفعت عيونها إليه دون أن ينظر لها وقالت "حقا؟"
أجاب بهدوء "سنرحل بالغد صباحا ميرفت لديها مشكلة بأن تكون معنا؟"
لم يذهب الألم وهي تقول "سأعرف عندما تستيقظ"
نهض وانحنى ومنحها الطفل وقال "الصحافة تبحث عن أي فضائح لتصنع منها سبق صحفي وتلك الأخبار لا تلقى اهتمام إلا من يسعى لها"
عادت لتنظر له وهي تحاول أن تفهم كلماته ولكنه تحرك للخارج وهو يقول "ربما نتناول الإفطار إنها الثامنة"
الحيرة جعلتها تلتصق بمكانها دون أن تفهم معاني كلماته، لم لا يكون صريحا ويمنحها كلمات واضحة؟ عاد الألم بصدرها فنهضت وشعرت بدوار يصيبها فتماسكت حتى ثبتت وتحركت لغرفة أحمد ورأت ميرفت تخرج وتعتذر عن تأخرها بالنوم
نزلت للإفطار فرأته يتحدث بالهاتف وتوقفت عندما سمعته يقول "ألا تملين زينة؟"
لم يشعر بها وهي تسمعه يكمل "لا، لن أفك الحذر زينة وابتعدي عن ملاك للمرة الأخيرة"
قالت زينة "لن أفعل إلا عندما توقف حربك ضدي يوسف"
قال ببرود "لن أفعل ولن أفتح أي أبواب"
قالت زينة بغضب "وأنا لن أتراجع وسأجعل اسم زوجتك على كل لسان وأوقفني إن استطعت"
قبض على الهاتف بقوة وقال "رائع تمنحيني سبب كي لا أتوقف فلتكملي طريقك وأنا أكمل طريقي ونجعل النتائج هي الفاصل"
قالت "لو محوت زوجتك ستكون لي"
قال بقوة "لو فعلتِ لن أخبرك ماذا سأفعل"
صرخت به "أنت توقف حياتي يوسف"
قال بحزم "أنت من يدفعني لذلك زينة وتعلمين أني لن أتراجع"
عادت تصرخ "أريد أموال"
ضاقت عيونه وهو يقول "هذه لعبة جديدة؟"
قالت "لا يوسف هذا نتيجة الأبواب التي أغلقتها أمامي"
قال "لتستمتعي بها إذن لأني لن أتوقف"
ثم أغلق الهاتف والتفت ليراها واقفة تحدق به فتساءل أي جزء من كلماته لم تفقده؟ تحرك للمائدة وجلس مكانه وقال "هل نام؟"
تحركت وهي تحاول إيقاف الغضب داخلها وهي تجلس وتقول "ميرفت أخذته"
دخلت زينب بالطعام وحل الصمت حتى خرجت فرفع نظراته لها ولكنها لم تنتبه، كانت مشغولة بحديثه مع زينة ولم تعرف هل تسأله أم لا يحق لها أن تفعل ولكنها قالت
“أنت كنت تتحدث مع زينة؟"
عاد للطعام وقال "نعم"
لم يزيد فرفعت وجهها له وقالت "هذا عادي؟"
لم يواجها وهو يقول "وما الغريب به؟ زينة تتعامل مع المولات الخاصة بي وبالتالي هناك عمل يربطنا"
ضغطت على الشوكة التي بيدها وهي تنظر له بقوة وقالت "عمل؟ مع رئيس مجلس إدارة الشركات شخصيا؟ ألا يوجد مدير لكل فرع؟"
رفع عيونه لها وقال "بلى"
انتظرته أن يكمل ولكنه لم يفعل فقالت "هل تجيبني يوسف؟ لماذا أنت من تواجها وليس المختصين؟"
قال ببرود "لأني أريد ذلك"
تراجعت بالمقعد والألم يحرق صدرها وانتقل إلى كتفها وذراعها وشعرت بألم بمعدتها وهي تقول "أنت تريد التعامل مع زينة؟ أم كما قالت هدير تعيد العلاقة بينكم؟"
لم ينظر لها وهو يقول "وهل يعنيك الأمر بشيء؟"
تنفست بصعوبة أكبر وهي تستوعب كلماته وشعرت أنها لا تقوى على الرد ولكنها قالت "ما رأيك أنت؟"
أبعد الطبق وترك الشوكة ونظر لها دون أن يرى وجهها الشاحب وقطرات العرق المتناثرة على جبينها وهو يشعل سيجارة بولاعتها ولكنها لم تنتبه وقد زاد ألم صدرها من بروده وكاد يوقف أنفاسها وهي تنتظر إجابته وهو يقول
"نحن زوجين فقط أمام الناس فهل تهتمين بعلاقاتي خارج البيت؟"
طعنها الرد بقوة، وضعت يدها على صدرها من الألم المتزايد فهزت رأسها وقالت "لا، لا أهتم"
بصعوبة نهضت وهي تشعر بجسدها ينهار وتمنت أن تتماسك حتى تصعد لغرفتها ولكن ما أن تركت المقعد وتحرر جسدها من أي سند حتى شعرت أن أنفاسها تتوقف ودوار يأخذها ولم تشعر وهي تسقط فجأة دون أي مقدمات أمامه ليهرع لها بفزع واضح ودهشة مما أصابها..