رواية ردني لارضك الفصل الاول1 بقلم نورا عبد العزيز
___بعنــــوان (عودة)___
مبنى زجاجي بمنطقة الكوربة بداخله أكثر من شركة وتحديدًا داخل شركة تعمل فى مجال خدمة العملاء كوكيل لأكثر من شركة كبري، كانت تسير “فرح” فى الرواق فتاة فى عمر السادس والعشرون بجسد ممشوق وقصيرة القامة ترتدي حذاء بكعب عالى يطقطق مع خطواتها الثابتة وعينيها البندقية وتلف حجاب بسيط أسود اللون مرخي على كتفها ويظهر عنقها وحلق أذنيها وترتدي بنطلون أسود فضفاض وبلوزة حمراء اللون قصير وتربط حزامها خلف ظهرها، مرت من جوار الحاجز الزجاجى تنظر على الموظفين وهى تحمل بيدها كوبها الخاص بالقهوة المُفضلة إليها ثم دخلت من الباب وجلست على مكتبها ثم نظرت إلى فريقها الذي يعمل تحت قيادتها بملل تملك منها فى يوم مضغوط كهذا، وُضع امامها شيكولاتة من الحجم الكبير فرفعت نظرها مع بسمة هادئة مُدركة الفاعل جيدًا، تبسمت وهى تتطلع بوجه هذا الرجل ثم قالت:-
-أيه اللى نزلك من مكتبك قبل البريك
جلس “زيدان” على مقعد بعد ان جذبه للمكتب وقال بعفوية:-
-عندي محاضرة مع المتدربين الجدد قولت أعدى عليكى
أحتضنت كوبها الخاص بيديها الأثنين و نظرت إلى هذا الكوب الساخن وقالت:-
-ماشي يا زيدان، متنساش بابا مستنيك النهاردة عشان تحددوا ميعاد الفرح أوعى تعمل زى المرة اللى فاتت
تنحنح بحرج من فعلته ورفع حاجبيه إليها وهو يقول:-
-أتعصب!!
-مش طايق يسمع أسمك أصلًا، فى واحد حماه يعزموا على الغد هو وأهله يبعت أهله وميجيش هو .. مشحون من ناحيتك على الأخر فبلاش حركة من حركاتك المرة دى لأحسن أبسط رد فعل ممكن تلاقيه من بابا أنه يقولك معنديش بنات للجواز
قالتها بجدية مُحافظة على نبرة صوت مُنخفضة أمام موظفيها وتكز بأسنانها غيظًا من هذا الموقف،أومأ إليها بنعم وقال بجدية وحزم:-
-متقلقيش والله ربنا يسهلها من عنده ومفيش أى أعذار
سمعت صوت ضجيج من الموظفين يقولون جملة واحدة(السيستم وقع)
وقفت وهى تذهب من أمامه وتقول بتعجل:-
-متتأخرش يا زيدان
غادرت ففعل هو الأخر المثل...
******************
فى منزل بالحلمية عانقت “”منار” امرأة بالخمسينات ابنها “عمر” بعد عودته من السفر بالخارج بعد فترة أكثر من خمس سنوات، تشبثت به بسعادة وحُب وهى تقول:-
-ألف حمد الله على السلامة يا حبيبى
أبتعدت عنه مُتابعة الحديث:-
-ألف حمد أن شوفتك قبل ما يجرالى حاجة
تبسم وهو يضع قبلة على يدها قائلًا:-
-ألف بعد الشر عنك يا ست الكل
جلست “منار” على الأريكة وهو بجوارها وقلبها يكاد يطير فرحًا ويحلق فى السماء كطير نال حريته بعد أن عاد ابنها من سفر طويل وغياب عن والدته
كاد ان يقتل قلبها وروحها، أحتضنت يديه بين راحتى يدها ثم قالت:-
-ربنا ما يبعدك عنى تانى يا نن عينى
ضحك “عمر” على والدته رغم بكاء عينيها فرحًا وسعادة إلا أنها ما زالت جميلة وعافية بصحتها ليقول بعفوية:-
-أن شاء الله يا أمى طمنينى عاملة أكل أيه، أنا واحشنى أكلك وأكل مصر كلها
تبسمت بسعادة وهى تقف من مكانها:-
-ههه دايمًا كدة همك كله على بطنط يا واد
أخذت هذه الطفلة الصغيرة ذات الأربعة أعوام بين ذراعيها وقبلت وجنتيها قائلة:-
-وأنتِ بقى أسمك أيه
ضحك “عمر” على والدته فهى مُدركة لأسم ابنته الصغيرة فقالت الطفلة ببراءة:-
-إيلا
حملتها “منار” بلطف وهى تتذمر على الأسم قائلة:-
-ياختى معرفش أيه الأسماء العجيبة اللى بيطلعولى بيها دى مالها أسماءنا فاطمة وخديجة وعائشة ومديحة وفوزية أسماء تتنطق
ضحك “عمر” أثناء وقوفه من مكانه على حديث والدته ثم قال:-
-عايزاني أسمى بنتى فوزية يا أمى فى الجيل دا وبعدين يا حبيبتى دا طفلة فرنسية وحاملة الجنسية الفرنسية هسمى فرنسية فوزية برضو
تذمرت “منار” عليه وهى تفتح باب الشقة ثم قالت:-
-لا ميصحش برضو.. غير يا واد هدومك وحصلنى على شقة خالتك عشان عازمنا على الغدا يا جعان أنت
أخذت الطفلة معها وصعدت للطابق الأعلى حيث شقة أختها “منى”، دقت باب الشقة ليفتح لها الباب “سامي” زوج أختها مُرتدي عباءة بيضاء وقال:-
-أدخلى يا أم عمر
أدخلها مُتعجبة من الطفلة التى فى يدها لتقول:-
-أسكت يا أبو فرح مش الواد عمر رجع وجاب بنته
نظر إلى الطفلة فى صمت ثم تبسم بهدوء قائلًا:-
-حمدالله على سلامته، أختك فى المطبخ
دخل لغرفة الصالون وجلس بها وحده وينظر بقلق إلى ساعة يده فقد تأخرت “فرح” عن موعد عودتها من العمل وهكذا خطيبها لم يأتى بعد، تأفف بضيق شديد من هذا الشاب..
دخلت “منار” إلى المطبخ بسعادة تنادي على أختها كي تشاركها سعادتها وقالت:-
-منى.. يا منى
أجابتها “منى” وهى تضع البشاميل على الطاجن قبل أن تضعه فى الفرن قائلة:-
-تعالى يا منار أنا هنا، أنا مش فاهمة هم أتأخروا ليه ربنا يستر دى ثالثة مرة نحدد فيها ميعاد عشان الفرح وخايفة يبوظ تانى
ضحكت “منى” وهى تمسك طبق الخضار ثم قالت:-
-متقلقيش الغيب حجته معاه وبعدين فرح ذكية
أومأت “منى” بنعم وهى تسمع صوت جرس الباب لتترك كل شيء بيدها وتخرج مُسرعة تقول:-
-أخيرًا جم
خرجت لترى “سامي” يغلق الباب بعد أن دخل “عمر” فنظرت إليه بصدمة ألجمتها لتقول “منار” بسعادة:-
-كنت جاية أقولك أن عمر رجع بس نسيت
نظرت “منى” إلى أختها ثم إلى “عمر” الواقف هناك وتلك الطفلة التى ركضت مُسرعة إلى والدها فقالت بحرج:-
-حمد الله على سلامتك يا عمر، معلش يا بنى من التوتر اللى الواحد فيه بقى
تبسم “عمر” إليها وقال:-
-ولا يهمك يا طنط...
*****************
وقفت “فرح” أمام باب المنزل بخوف من أن تصعد بدونه وتتصل به مرارًا وتكرارًا لكن لا جدوى لا يجيب “زيدان” عليها فتأففت بضيق شديد من فعلته وكانت بأقصى درجات الغضب لكنها تنهدت بأرتياح وتنفست الصعداء عندما رأت سيارته تدخل الشارع، أوقف السيارة بموازية البيت ثم ترجل منها وهو يجمل باقة من الورد الأحمر وعلبة تورتة، وقف أمامها بسعادة مُبتسمًا إليها رغم علمه بسر غضبها وقال:-
-أسف والله
صاحت به بأنفعال شديد وهى تقول:-
-أنت أتجننت يا زيدان ، دا أنا منبهك الصبح من الموقف وقد أيه بابا مشحون من ناحيتك
أعطاها الورد بلطف وهو يقول:-
-أهدئي يا فرح أهدئي وبصي للجانب المُشرق أنى جيت
حدقت به بضيق شديد وهما يصعد الدرج معًا قائلة:-
-لا كتر خيرك والله مش عارفين هنودي جمايلك دى فين
كان يتابعها بنظراته وهى تمسك الورد دون أى أهتمام بما أحضروا إليها أم “فرح” نظرت للأمام بأغتياظ وسبقته بخطواتها ليمسك يدها بلطف فألتفت إليه بحرج وهى تجذب يدها منه قائلة:-
-زيدان!! أنت عارف كويس أنى مبحبش اللمس
تعجب من برود قلبها دومًا معه فهو أحضر إليها باقة ورد وهى لا تقفز فرحًا كبقية الأناث وكلما تقرب منها أبعدته فقال بهدوء:-
-مش ملاحظة أنك مسألتنيش عن الميعاد اللى هحدده مع بابكى يا فرح ولا حابة تعرفيه الميعاد معه وقدامه
أجابته بنبرة هادئة واثقة من كلماتها:-
-أكيد على …
قطعها بجدية قائلًا:-
-أنا هحدد على أول الشهر يا فرح
أتسعت عينيها بذهول من قراره المفاجيء الذي أتخذه دونها لتقول بدهشة مُتلعثمة:-
-أول الشهر أيه، أنا فى حاجات كتير مجهزتهاش و..
أجابها بجدية قائلًا:-
-كل حاجة ممكن تجهز يا فرح ما دام كل حاجة كبيرة جهزت وخلصت
تأففت بضيق وقبل أن تُجيبه فتح باب الشقة وخرجت والدتها تقول:-
-أنا عندي أقتراح تكملوا خناق جوا بدل واقفة السلم دى
تبسم “زيدان” بعفوية وصعد مٌتخطي “فرح” بعد أن أخذ يدها فى يده لتدخل معه مُبتسمة، دلفوا للصالون معًا لتتسع عيني “فرح” على مصراعيها بصدمة ألجمتها عندما رأت “عمر” جالسًا مع والدها ليسقط الورد من يدها وتجذب الأخرى من قبضة “زيدان” فنظر “زيدان” إلي يدها التى تسللت من يده ثم أنحنى يجلب الورد إليها وحدق بعينيها المُسلطة على هذا الرجل الذي يراه لأول مرة فى حياته …..
يتبع