
رواية ذاتي اين الفصل التاسع9والعاشر10 بقلم ولاء عمر
أية، عايزك في موضوع.
- اتفضل يا كريم.
- إلبسي وتعالي نتمشى.
لبست في السريع وطلعت معاه. بعدنا حبة عن البيت وساعتها بدأ يتكلم:- تفتكري أنا فاشل يا أية ؟
ـ بالعكس يا كريم، إنت ماشاء الله عليك دكتور وشاطر في مجالك وقدرت تثبت نفسك ولاعب كورة شاطر ومحترف، ليه بتقول على نفسك كدا؟!
رد بتوهان:- مش عارف؛ أنا مش عارف اشوفني ناجح، ولا حد شاطر.
- كريم, إنت دكتور عظام ناجح وبجدارة في مجاله بالرغم من سنك الصغير، لاعب كورة محترف واخد كتير من الميداليات والشهادات، أخ عنيد بس بحبك.
ساعتها هو كان مشتت، وكإن باب الذكريات الماضية المؤلمة رجع من تاني، كان فاكره اتقفل وخلاص إنتهى، لكنه لا طلع إتقفل ولا طلع إنتهى.
- أنا مش عارف أنسى كل حرف وكلمة اتقالولي زمان، ولا حتى عارف اتخطى، أنا كنت مفكر إني اتخطيت، لحد ما بابا بدأ يحاول يقرب. أنسى إزاي إتقلل مني ومن حبي لحاجة بحبها، أتخطى إزاي تكسيرهم؟ أعدي كل دا إزاي؟! كام مرة اتقالي فاشل، تافه، فاضي، فاشل، فاشل، فاشل، متخلف، مبفهمش!
- كريم، إهدى عشان خاطري.
- لو سكتت دماغي مش ساكته، لو هديت فهي برضوا مش هادية، كنت بعاند معاهم ومفكر إني بعاندهم، بس طلعت كنت بدوس على نفسي.
- كل دا عدى وفات، حاول تعديه زي ما عديت باللي فات، وبابا ما أهو بيحاول يصلح علاقته معاك.
الدموع كانت بدأت تنزل من عينه بعد ما خلص كلامه، فضلت ساكتة، مش عارفة أقول إيه. كريم دلوقتي قدامي زي حد مكسور، بيتكلم عن حاجات كان مخبيها جواه لسنين. حاسس إنه فشل مش بس مع أهله، لكن كمان مع نفسه. كان عايز يبقى شخص أقوى، عايز يثبت إنه مش محتاج رضاهم، لكن الحقيقة إنه فضل يدوس على مشاعره لدرجة إنه دلوقتي مش عارف هو مين.
أنا شايفاه وهو بيحاول يلاقي إجابة أو مخرج، بس كل ما يحكي أكتر، بحس قد إيه الجرح اللي جواه عميق. في لحظة حسيت إنه مش عايز حاجة غير إنه يتفهم، إنه حد يسمعه من غير ما يحكم عليه. نفسي أقول له إنه مش لوحده، وإنه لسه قدامه فرصة يغير إحساسه بنفسه، بس مش عارفة إذا كان ده اللي محتاج يسمعه دلوقتي، ولا هو محتاج بس حد يكون معاه في صمته.
قربت منه وحضنته وأنا ساكته،ساعتها كان لأول مرة في حياتي أشوف كريم اللي دمه خفيف ودائمًا سبب ضحكتنا بيعيط؛ اللي مش بينهار لو مهما شاف.
فضلت ساكته لحد ما خلص ومسح دموعه، رجعنا البيت وإحنا في حالة صمت وهدوء، طلع هو على اوضته من سُكات وأنا تجنبت إني أتكلم في أي حاجة علشان اسيب له مساحته.
طلعت الأوضة وأول حاجة عملتها هي إني اتوضيت وصليت وقعدت أدعي لكريم إن ربنا يجبر بخاطره ويفرحه، وإن علاقته بابا تتصلح.
تاني يوم كعادة كل يوم روحت المستشفى، بس في نص اليوم روحت لبابا عيادته، استأذنت ودخلت.
فتح دراعاته وساعتها أنا دخلت في حضنه، بعد ما سلكت عليه قعدت على الكرسي بتوتر، عايزه أتكلم بس مترددة.
هو فهم كدا فبدأ هو:- إتكلمي يا أية.
خدت الخطوة:- بابا أنا عايزة أكلمك بخصوص كريم وعلاقتك معاه.
خلصت جملتي وكان دخل سليم اللي رنيت علشان محتاجينه.
قال سليم وهو بيقعد:- بابا إحنا عايزين حضرتك في موضوع.
- فيه إيه يا سليم، ما أية لسة قائلة نفس الجملة، أدخلوا في الموضوع على طول.
خد سليم نفس عميق وبعدها إتكلم:- تمام، حضرتك عايز تصلح علاقتك مع كريم صح؟
- دا أكيد طبعاً، بس الموضوع صعب.
- حضرتك هتتقبل الحلول بتاعتنا؟
- طالما هتساعد فأنا متقبلها.
إتكلمت أنا الأول:- "بابا، كريم خايف مش عشان بتحاول تصلح، لكن عشان الجرح اللي جواه لسه موجود. هو شايف إنك بتحاول، لكن مش قادر يثق بسهولة. اللي حصل زمان مأثر فيه، ومش عارف ينسى أو يرجع يفتح لك قلبه زي الأول.
الموضوع محتاج وقت وصبر. كريم محتاج يحس إنك فاهم اللي مر بيه، وإنك مش بتستعجل تصلح الأمور. لازم يشوف تغيير حقيقي في أفعالك، ومحتاج تحسسه إن عنده مساحة يعبر عن نفسه من غير ما يحس إنه غلطان.
أنت محتاج تسمعه من غير ما تحكم عليه، حتى لو هو ساكت دلوقتي. العلاقة ممكن تتصلح، لكن هتاخد وقت ومساحة لحد ما يبقى جاهز."
الحقيقة إن بابا تفهم كدا وحاول تاني مع كريم، أولهم إنه راحله وإتكلم معاه وفعلاً سابله مساحته، وكريم بدأ تدريجياً يتقبل ويفهم محاولات بابا، ويحبها كمان.
بعد تلات أسابيع وفي أثناء ما أنا لسة طالعة من حالة ولادة متعسرة مش فاهمة زايدين ليه اليومين دول، المهم إني سندت إيديا على ترابيزة المكتب وحطيت رأسي عليها في محاولة مني للنوم والتخلص من الأرق .
- دكتور أية.
- إتفضل.
- أنا جاي أطلب إيدك.
- تطلب إيد مين؟ ماشي يا أستاذ عدي لما اصحى إن شاء الله هبقى أوافق.
بعدها. إتكلمت مع نفسي وأنا شبه نايمة:- مقدرة والله إني حبيته، بس مش لدرجة إن خيالي يصور لي كدا!
- يا دكتورة ممكن تفوقي.
- هو مش أنا في حلم؟ وأنت ليه مش لابس لبس فارس و جاي على حصان أبيض؟ وليه مش لابس لبس أمير؟
- أنتِ مطبقة بقالك قد إيه؟!
- يومين ونص.
قال بنفاذ صبر:- والله يعني إحنا مش في حلم ولا حاجة، وأنا فعلاً جاي علشان أقولك إني كلمت والدك وهاجي أنا وأهلي بكرا نطلب إيدك.
غمضت عيني وفتحتها بإرهاق وأنا بحاول أستوعب الكلام، وإنه حقيقي، وإنه مش حلم، وإن أنا مش بتوهم ولا بتخيل!!
قولت بصوت ناعس بس بدأت افوق:- لحظة يعني أنا مش بحلم ؟
- يا بنتي بقى، أقولك روحي نامي ولما تفوقي ساعتها يحلها ربنا.
مشي وبالفعل أنا نمت من كتر الانهاك، بعدها سليم جه روحني، وآه برضوا روحت كملت نوم لحد ما صحيت على. بالليل وصليت الفروض اللي فاتتني، وقعدت كلت، كإني دايرة في ساقية بالله.
- أية جايلك عريس.
سيبت المعلقة من إيدي وبصيت له، افتكرت بشكل تلقائي عُدي، وكلامه، وآه لسة مش عارفه مان حلم ولا واقع علشان كنت فاصلة حرفياً ونايمة.
قولت بتوتر :- بس أنا مخلصتش سنة الامتياز، لما أخلص نبقى نشوف بإذن الله.
- باقي شهر وتخلص، بكرا على بعد المغرب جاي هو وأهله و..
الفصل العاشر
- أية جايلك عريس.
سيبت المعلقة من إيدي وبصيت له، افتكرت بشكل تلقائي عُدي، وكلامه، وآه لسة مش عارفه حلم ولا واقع علشان كنت فاصلة حرفياً و شِبه نايمة.
قولت بتوتر :- بس أنا مخلصتش سنة الامتياز، لما أخلص نبقى نشوف بإذن الله.
- باقي شهر وتخلص، بكرا على بعد المغرب جاي هو وأهله وإن شاءالله خير.
إحتراماً لكلام بابا رضيت، و.. أحم الصراحة خدني الفضول مع إني عارفة إنه أكيد عدي.
- بابا، يعني هو يعني.. أحم هو مين العريس.
- ابن الدكتور اللي عرفتك عليه في حفلة التخرج لو فاكرة.
بصيت ليه بصدمة، في محاولة إني افوق منها عينيا لمعت بالدموع، خدت نفس عميق علشان ما اعيطش وبعدها قولت له:- بس أنا مش موافقة.
- وأنا إديت للناس معاد.
- بكرا ورايا شغل كتير فـ بعد إذا حضرتك هتأخر ، قبل الساعة سبعة تكوني في البيت علشان أنا متفق معاهم .
سيبت الأكل وطلعت أوضتي، كإنةمفيش هواء في المكان اتنفسه من كتر إحساس الخنقة اللي حسيته، ما بين لحظة كنت هطير فيها من الفرحة وبين لحظة تاني وكإني مش بس نزلت دا أنا إتهبدت لسابع أرض.
دخلت منه ورايا.
- قومتي ليه وطلعتي على طول ؟
- شبعت.
- أية فيكي إيه؟
كنت واقفة عند الشباك وبابص على الشجر اللي في الشارع حواليا والعربيات اللي رايحة جاية، في محاولة بائسة ويائسة إني أتنفس هوا بارد يطفي الحزن اللي جوايا.
- أنا مش موافقة على العريس، ليه حطني قدام الأمر الواقع؟ وليه مقاليش من قبلها.
- متزعليش كدا وروقي، طالما كدا كدا رؤية شرعية بس يعني لسة، وبعدين ما تدي الشخص دا فرصة، مش يمكن يطلع كويس؟
- لاء؛ برضوا مش موافقة.
كنت مدياها ضهري، قربت مني وخلتني أبص لها:
- بُصي لي.
- نعم يا منه.
حطت عينها في عيني وهي بتبص لي جامد وبتقول:- عيني في عينك كدا!
بصيت ليها بتوتر وأنا عيني بتزوغ من هنا لها ورديت عليها بتلعثم:- نعم.
- تعالي نطلع فوق السطح علشان الموضوع شكله كبير.
- مـ.. موضوع إيه؟
- تعالي بس.
طلعت معاها بالفعل وأول ما قعدنا هي رجعت بصت ليا تاني وقالت:- يلا احكيلي.
- حاسة إني عايزة اسمعك، بقالنا كتير قوي مبقيناش نتكلم مع بعض.
- تسمعي إيه بالظبط؟
- كل اللي فات، تعويضاً عن إننا بقالنا كتير مبنتكلمش.
بصيت أنا ليها بتركيز وأنا بسألها:- إيه اللي في دماغك يا منه هاه ؟
- أنا يا بنتي؟ إيه كم الظلم دا؟
- مش عارفه.
- خلاص تعالي نشرب شاي.
- معروفة منه بتتعامل مع أي حاجة في حياتها بالشاي.
ضحكنا وقضينا الليلة بعد ما طلعتي من جو الاكتئاب اللي كنت راحة أدخل نفسي فيه.
ـــــــــــ
تاني يوم صحيت مشيت على طول على المستشفى مكانش بإيدي جات من عندهم المرة دي زي كل مرة.
مابين الطوارئ وحالات الولادة اللي بساعد فيها الدكاترة الأكبر مني والحالات اللي بعدي عليها طول اليوم. كان هو مرايحش من بالي. و... و عريس النهاردة اللي بفكر إزاي أرفضه، آه ما أنا مهقعدش أحرق في دمي اكتر من كدا.
خلصت وروحت وكنت فاصلة بالمعنى الحرفي، إضافة إن شكلي في الوقت دا مكانش مهندم ولا أفضل حاجة.
اتعشيتا وأنا قاعدة مبوزة وبأكل علشان جعانة، آه ما أنا مش هيبقى ضغط الشغل وكمان البيت.
- مالك يا هانم أية مبوزة ليه؟
- مفيش يا ماما .
- طيب إنجزي علشان تجهزي، العريس وأهله جايين.
- يا ماما بقى معرفش ليه مرفضتوش من أول ما قال.
ـــــــــ
ـ يا ابني اتلحلح، البت هتضيع منك.
- أخلص طيب المشاكل اللي فوق دماغي دي، أنا كنت رايح أكلم أبوها أصلاً ولولا المشاكل اللي حصلت في الشغل.
- خلاص يا عدى ما تزعلش،كل تأخير وفيه الخير .
- هتفتكرني بهرب منها يا صاحبي.
- ياعم سلم أمورك لله وإن شاء الله خير،سلام أنا بقى.
مشي صاحبه وهو لسة قاعد على القهوة وشاغله الموضوع، كان ما صدق وصل ولقاها، عايز علاقتهم تكون في النور، مقتنع بإن اللي يحب حد ميحبهوش في الخفىٰ.
كان بيشرب كوباية النعناع بتاعته في محاولة إني افوق للروقان، لكنه حزين.
رفع رأسه للسما وهو بيهمس:
- يارب أنا بحبها، إجعلها خير ليا وييسر الأمور، يارب يّسر وأعِن.
إتنهد وكمل كوباية النعناع وهو سرحان وبيتمنى المشاكل تخلص علشان يقدر يتقدم .
كان قاعد على القهوة، كوباية النعناع في إيده، وبيدور على حل لكل حاجة. مشاكل الشغل كانت معقدة اليومين دول، وهو بيحاول بكل طاقته يظبط الأمور في المطاعم علشان يبقى جاهز يتقدم لأية. كل ما يفكر في الخطوة دي، يحس بثقل أكبر، مش بس بسبب شغله اللي مش مستقر دلوقتي، لكن كمان خوفه من أهلها. أية دكتورة، وعيلتها كلها في نفس المجال، وهو عارف إنهم ممكن يبصوله نظرة مختلفة لأنه مش دكتور زيهم.
رغم كل القلق اللي كان شاغل عدي، فيه نقطة دايمًا كانت بتهديه شوية. كان عارف إن والد أية بيحبه، وعنده تقدير كبير ليه مش علشان شغله، لكن علشان أخلاقه. والدها دايمًا كان بيشوف في عدي شخص جاد ومحترم، وبيقدّر اجتهاده وصراحته. كان بيقول إن الأخلاق بتفرق كتير، ويمكن أكتر من أي مهنة.
كل مرة يفكر في خوفه من رفض أهل أية، يتذكر كلمتين قالهم والدها في مرة: "الراجل مش بشغله، الراجل بمواقفه". الجملة دي كانت بتطمنه شوية، تخليه يحس إنه لو قدر يثبت نفسه كإنسان ويحل مشاكله الحالية، هيكون عنده فرصة قوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لبست وجهزت وطلعت للعريس وأهله _ عريس الغفلة _ بعد جو السلامات سابونا وقعدوا على مسافة مننا.
- إزيك أنا دكتور نائل.
مقدرتش أمسك لساني :- كان ممكن تقول نائل بس من غير دكتور.
عدل نضارته وهو بيقول:- ما أكيد لازم أقول دكتور، دي حاجة فخر ليا.
اتنهدت وأنا بربع إيدي وبابتسم ببرود لأني خلاص عرفت اللي فيها وقولت:- دكتور آه ، اممم... يعني على كدا أنا لو حاجة أقل من دكتورة إنت حضرتك مكنتش هتوافق صح؟
- دا أكيد طبعاً، دا غير ان مامتك وباباكي واخواتك دكاترة، فدا علشان المسمى .
- يعني حضرتك جاي علشان المسمى الوظيفي لكن غير كدا برستيجك ميسمحلكش صح؟