
رواية ذاتي اين الفصل الثالث3والرابع4 بقلم ولاء عمر
-أنتِ بنت قليلة الأدب.
- أنا ؟!!!
ردت عليا بتأكيد:- آه أنتِ، يعني إيه أبقى بكلمك وتقاطعيني؟
- أنا بس سألتك.
- سيبيني أكمل كلامي، لما الأكبر منك يتكلم متقاطعيهوش.
سألها سليم:- ممكن أعرف يا ماما هي عملت إيه لكل دا؟
رجعت شعرها لورا وقالت بعصبية:- شايف البنت قليلة الأدب بترد عليا.
- بس يا ماما فين غلطها؟
- سليم، أنا محدش يقاطع كلامي ولا حد يغلطني، أنا مبغلطش، وهي غلطانة.
نتيجة لتربية ماما وإعتقادها إنها مبتغلطش، لكن مش هقدر أسكت على طول. كل مشاعر التمرد اللي جوايا بتتصاعد، ولما بتزيد، بحس إني لازم أخرجها. حتى لو كنت خايفة من ردود الفعل، لا يمكن أعيش حياتي وأنا مسكوتة. جوايا أفكار وأحلام مش قادرة أتركها تتلاشى. عايزة أكون حقيقية مع نفسي، وأعرف إن الحياة مش ممكن تكون مجرد محاولة لإرضاء ماما. عايزة أعيش وأجرب، حتى لو كان في خطر. أحيانًا، مجرد كوني متمردة هو اللي بيخلي حياتي تستحق العيش."
"لما بشوف سليم الهادي، بيدخلني شعور غريب. هو دايمًا هادي ومرتاح، لكن جواه حاجة بتموت. بحس إنه مش عايش، كأنه قاعد في مكانه، ومش بيحاول يشارك في الحياة. انزوى عن العالم، وده مؤلم لي.
بصراحة، أنا حزينة عليه. يمكن هو بيحاول يتجنب المشاكل، بس في نفس الوقت بيفقد فرصة إنه يعيش ويعبر عن نفسه. مش قادرة أفهم ليه مبيحاولش يظهر مشاعره، ولا ليه مش بيجرب أي حاجة جديدة. كأنه راضي بس بالقليل، وده بيفكرني إني لو كنت مكانه، كنت هتعب نفسي أكتر.
أحيانًا، بحس بغصة في قلبي لما بشوفه بعيد عننا، وكأني بشوف جزء منه بيموت كل يوم. هو مش سعيد، بس مش قادر يعبر. وده بيؤلمني، لأنه حتى لو هو هادي، عينيه بتحكي قصة مختلفة عن الخوف والقلق. كأن في عالم جواها عايز يخرج، بس مش قادر.
حتى لو أنا في صراع دائم، بحس إنه في حاجات أعمق بتمر عليه. حزينه لأنه بيعيش في ظل هدوءه، وبدل ما يواجه العالم، اختار ينزوي عنه. مش عارفة إزاي أساعده، بس كل ما بشوفه، بحس إني عايزة أصرخ فيه: "عبر عن نفسك! عيش حياتك!" لأن الحياة مش بس هدوء وسكون."
دخلت نمت يوم عارفة إنها هيتعاد تاني وتالت، وكالعادة برضوا نفس نظام الروتين الصباحي، مشيت على المستشفى أنا وكريم، من الحاجات اللي مخليانا أنا وكريم نحكي مع بعض هو فكرة إن أنا وهو شخصياتنا شبه بعض.
- النهاردة عندي ماتش بالليل.
- أروح معاك، خدني عشان خاطري.
همس في ودني:- أخدك إيه بس، أنتِ هتقعدي تحت تستنييني علشان لما ارجع متأخر .
اقتنعت الصراحة، وصلت المستشفى وآه مبروحش مع ماما أو بابا لأني حقيقي زهقت من التقييد بتاعهم فـ مرة بتحجج إني أروح مع سليم ومرة مع كريم وأهي ماشية.
- د. أية بعد إذنك تعالي اطمني على الجرح بتاع المريضة اللي جوا .
دخلت ورا الممرضة إطمنت عليها وعلى الجرح وكتبت لها على العلاج دخل سندها الشخص اللي كان معاها، كنت مركزة معاها وبتكلم :- حضرتك الجرح مكان الولادة ملتهب، ودا معناه إن حضرتك عملتي مجهود والجرح لسة ملمش.
كانت بتتكلم بضعف:- كنت بحاول .
- يفندم طيب وصحة حضرتك ؟ أنا هكتب لك على العلاج وياريت متعمليش مجهود ولا تضغطي نفسك.
خلصت كلامي وكنت برفع رأسي أشوف اللي دخل وأنا بقولها على اللي تعمله. عُدي... ءأقصد شيف عُدي.
رجعت لثباتي الظاهري من تاني وأنا بقول :- ألف سلامة للمدام ولا بأس طهور إن شاء الله.
بص حواليه وبعدها رجع بص عليا تااني وهو بيسألني:- آنسة أية؟
صححت ليه المريضة اللي كنت بكشف عليها:- قصدك دكتورة.
- أحم آسف معلش.
كمل بعدها:- هي حالتها إيه يا دكتور دلوقتي ؟
قولتله نفس اللي قولته ليها بإضافة بعض التعليمات ومشيوا.
اكيد دي مراته، بس مش غريب إني مسمعتش حد في المطعم إتكلم عن إنه متجوز. روحت كملت الشيفت بتاعي ما بين إني اطمن على المرضى ومابين إني دخلت عمليتين مع الدكتور الأكبر مني والاكثر خبرة، خلصت وأنا عارفة إني متأخرة على الشغل في المطعم.
لا أخفيكم سرًا فكرة إن الشخص يشتغل شغلين دي صعبة أوي وتقيلة، بس حلوة إنها مش بتسيب الواحد لدماغه وتهلكه ندم على الماضي وخوف من المستقبل وحاضر بين الوتيرتين.
وصلت المطعم، أول ما دخلت حد من الـStaff قالي إن الشيف عايزني، دخلت المكتب، رفع رأسه وبص ليا وهو بيقول:- أهلاً، أقول دكتورة ولا شيف ؟
«الفصل الرابع»
- أهلاً، أقول دكتورة ولا شيف ؟
ابتسمت برسمية وأنا بقوله:- اللي حضرتك تشوفه.
لفيت عشان أطلع لكنه وقفني بسؤاله:- إيه اللي خلاكي تشتغلي في مطعم طالما أنتِ دكتورة؟
اتهندت ورديت عليه بنبرة بانت كإنها نبرة هدوء؛ لكنها في الحقيقة مكانتش هدوء، دا كان استياء ومحاولة لعدم الاستسلام للأمر الواقع:- عادي بقيت دكتورة واكتشفت إني أنفع شيف برضوا، فقررت اتمسك بهوايتي.
بص باستغراب:-غريبة؛ أول مرة أشوف حد مش متمسك بفكرة كونه دكتور وإنه ماينفعش يشتغل حاجة غير كدا!
قدرت استغرابه ورديت عليه:- مقدرة مدى اندهاش حضرتك، بس إحنا مجتمع طبقي غريب، مع احترامي لمهنة الطب والدكتور وكونه بيقوم بعمل سامي؛ لكن ليه إحنا بتشوف إن لقب دكتور دا حاجة توب التوب،انك كشخص دكتور أو مهندس فأنت بتشوف الناس من فوق.
فوقت لنفسي على كمية الكلام اللي قولته وسكتت فجأة, بعدها بصيت ليه وأنا بأبتسم بتوتر:- استأذن حضرتك أنا علشان شكلي إتكلمت كتير، هروح أشوف شكل حد بينادي عليا.
- د. أية، كملي كلامك أنا مش هقاطعك ولا حاجة.
- أنا بس كل الفكرة إني المفروض كنت أرد على قد الكلام وخلاص بس كدا.
- عادي أنا مكلنش عندي مشكلة اسمعك.
إبتسمت وأنا بقوله:- شكراً لحضرتك، بس هو كل الفكرة إن الموضوع دا منتشر جدًا لدرجة إن مبقاش عندنا فكرة إن في حاجات كتيرة ينفع نطلعها أكتر من كدا، استأذن حضرتك علشان منال بتنادي عليا.
الحمد لله المرة دي كان في حد بينادي عليا فعلاً. طلعت وأنا بحاول اتنفس بصوت عالي، وكإني اتخنقت من فكرة إن الكلام محشور في زوري وخايف يطلع. روحت لمنال وخلصت شغل وقررت إني هتمشى تمشيه بلا هدف.
خرجت من المطعم وأنا مش في دماغي أي مكان، دماغي مش سيباني، هما ليه كدا؟ وأنا ليه مبعرفش أقف في وشهم؟ وليه بخاف منهم ؟ وليه بيننا حواجز كتيرة قوي كدا؟!
وبنهتم دائمًا بإزاي الناس هتفكر، إزاي لازم نمشي حياتنا زي المسطرة. أنا مش ضد فكرة إني أبقى دكتورة، ولا كارهة كوني كدا، أنا كارهة فكرة إن دا شي ودي حاجة مفروضة عليا، إني حتى لو مكنتش جبت مجموع العام كنت هدخل الخاص، مهو لازم يعني نطلع كلنا زيهم، ولا نتكلم ولا نتناقش ولا نقول حرف واحد. مش إحنا أبوك وأمك يبقى إحنا اللي نقرر لك حياتك مش أنت عشان إحنا كبار وواعين، إحنا عارفين أكتر منك.
رجعت البيت وطلعت على أوضتي فكيت طرحتي اللي كنت حاسة إنها خنقاني أكتر، حطيت وشي في المخدة وقعدت أعيط، حاسة إني لعبة مش عارفه تختار لنفسها حاجة ، حد بيخاف حد ينصحه علشان مكرهوش ودا علشان بتخنق من التوجيهات. على مدار كل مراحل حياتي كنت بشوف كم كبير من الأهالي اللي بيهتموا بأولادهم. أم حنينة بتحتويهم وتحضنهم وتقولهم إنهم شاطرين دائمًا وعلى طول، أب بيتناقش مع أولاده مش بيفرض عليهم حاجة، أب وأم مصاحبين أولادهم وهما مصدر الامان بالنسة لهم.
أنا أبان من برا ليهم عنيدة بس أنا جوايا محتاجة ما احسش بكدا، علشان أنا مش كدا! قدام بابا وماما مبقدرش أناقش ولا أتكلم وكإن لساني بيتربط.
طلعت السطح ووقفت عند الحيطة وسندت عليها وأنا حاطة إيدي على خدي وبفكر بعد كم العياط والدموع الللي سالت في إن أنا عارفة إنها مش بتضيق غير عشان تُـفرج، جوايا عارف ومتيقن إنها مش بتوصل لكدا غير علشان الفرج قرب، وإن بعد العسر هييجي يُسر.
في الحقيقة أنا مش عارفه إيه أصل الصوت اللي كان جوايا دا لكنه طبطب على قلبي، وكإنه هداني. لمحت كريم كان جاي من على أول الشارع، نزلت غسلت وشي علشان أنزل افتح له.
- من قبل ما أرن حتى وفتحتي!
- شوفتك وأنت جاي من على أول الشارع، هاه يلا طمني عملت إيه؟
دخلت وقفل الباب بهدوء وبعدها اتسحبنا على فوق السطح، قعدنا على المخدات اللي حاطينها، في جنب فيه ترابيزة صغيرة واربع كراسي والجنب التاني قعدة عرب.
- هقولك يا ستي، فوزنا وعلش كدا جبتلك شيكولاته.
طلعها من جيبه وكان في ابتسامه كبيرة مزينة وشه ومنوراه.
- شكر يا كابتن، هاه احكي لكم لي بقى عن اللي حصل المباراة.
في كل مرة بشوف مدى مهارة كريم في الكورة بحس إني فخورة بيه قوي، في كل بييجي ويقعد يحكي لي عن اللي حصل في المباراة بكون مستمتعة وفرحانه لفرحه.
بص ليا وأنا سرحانه وهو بيدقق في وشي وبيقولي:- مالك ؟
بصيت بتوتر وأنا برد عليه:- مالي يعني ما أنا فل الفل أهو.
- مش مصدقك بصراحة.
طلعت من الموضوع وأنا بقوله:- روح بس خد shower ونام كدا واستريح عشان بكرا يا دوك وأنا علشان ما اتعشيتش بس فتلاقيني شي بص عامل إزاي.
- ماشي هعمل نفسي مصدق.
سابني ونزل، مسكت الشوكليت وأنا بأكل وبقول لنفسي إننا مش هنأخد كل حاجة بالعياط والبكاء اهدي بقى.
نزلت مسكت نوت من على المكتب وكتب على ورقة بخط عريض " ومثلما بكينا سنضحك، وبقدر دماعتنا سنجبر أضعافها، لا أريد أن أظل تحت الركام يرلكني القاع والماضي، لا القاع مكاني ولا الماضي بيدي تغييره، الحاضر معي وملكي
أنا من اصنعه، ولذلك سأشكله مثلما أريد ووقتما أستطيع."
خدت شاور أنا كمان ونمت وأنا بدعي إن الجاي يكون خير، خير وعوض.
عدى روتين تاني يوم والتالت وأسبوع، شهر ونص، لحد ما في مرة لقيت بنت يمكن في حدود الـ ١٨ سنة كانت جاية منهارة وحالتها صعبه، جات واحدة من الممرضين الكبار وركبت ليها المحلول. البنت كان جنبها أختها ومامتها، أخنها كانت عمالة تهدي فيها، كانت بتحضنها وتطمنها.
سمعت كلام بيدور مابينهم وهي بتركب المحلول، أخت البنت كانت بتقولها:- يا ستي فداكي أي حاجة تضيع منك، المهم إنك تكوني بخير وبصحتك .
ردت عليها البنت وهي بتتألم من الكانيولا:- بس حلمي ضاع، ومدخلتش ولا كلية من اللي كان نفسي فيهم، دا أنا كنت حاطة كذا هدف علشان لو مقدرتش أدخل واحد، يبقى قدامي غيره وغيره، وفي الآخر مدخلتش ولا حاجة من اللي كان نفسي فيهم.
ردت عليها الممرضة بابتسامة:- أيًا كانت الكلية اللي أنتِ دخلتيها فهي خير ليكي، وهي مكانك اللي ربنا كاتبه ليكي، ومش هتدركي إنها مكانك الصح غير في الوقت المناسب، إدعي ربنا ينفع بيكي الناس، إرضي بيها لأن الخير فيما اختاره الله حتى ولو كان عكس ترتيباتك؛ ترتيبات ربنا أفضل بكتير قوي من ترتيبات البشر، كل الأماكن اللي مروحتيهاش أو أي حاجة مخدتيهاش لا هي خير ليكي ولا هي نصيبك، ستمضي اقدارك فأجعلها تمضي وأنت راضٍ عنها، يعني طالما كدا كدا هتعدي إرضي وخدي أجر كونك راضية عن اللي أنتِ فيه.
البنت إبتسمت وهديت، شكرتها أخت البنت ومامتها، حتى أنا كمان كنت عايزة أروح اشكرها أقولها إن كلامها مأثرش فيهم هما بس، لاء دا آثر فيا وعمال يرن في وداني.
خلصت الشيفت بتاعي وروحت المطعم واحم يعني، يعني أنا الحقيقة يعني منجذبة لشيف عُدي اللي بقاله تلات أيام مختفي بيقولوا في الفرع التاني.
روحت البيت ولقيتهم كلهم قاعدين متجمعين وماما وبابا وشهم مقلوب، أول ما دخلت لقيت ماما قامت وبتزعق فيا:- أنا كنت صح لما قولت إنك ملقتيش رباية، كنت صح لما قولت إنك مش مقدرة النعمة اللي أنتِ فيها.
زعق ليها بابا علشان ترجع مكانها وقام وأنا كنت بترعش من الخوف، قرب مني وهو بيزعق لي بصوت عالي:- تعالي، تعالي يا هانم يا اللي مستغفلانا وبتشتغلي من ورانا .