رواية قلب وكبد
الفصل الاول1
بقلم حور طه
يونس استيقظ على صوت المنبه، يداه بطيئتان وهو يغلقه، جالسًا على طرف السرير. لحظة شروده تلاشت عندما لمح فريدة نائمة على الكنبة. اتسعت عيناه: "فريدة نائمة في أوضتي؟! أنا بحلم ولا إيه؟" نبض قلبه بسرعة، والغضب بدأ يتسلل داخله.
ظل يحدق بها غير مصدق، وعيناه تتبعان تفاصيل وجهها الذي كان مغطى ببعض خصلات شعرها. كانت تنام بعمق، وجهها يبدو هادئًا وبريئًا. لم يشعر إلا وهو يقترب ببطء، ويده ترفع شعرها برفق عن عينيها. لكن فجأة، فتحت عينيها وابتسمت: "صباح الخير حبيبي."
اتسحر يونس من ابتسامتها وهدوءها، الجمال الذي فيها أغلق على كلماته لثوانٍ، لكن الغضب عاد يسيطر عليه، فوقف بسرعة، عصبيته تشتعل: "أنتِ بتعملي إيه هنا؟"
فريدة جلست ببطء، باردة الملامح: "نايمة، ولا شايفني بلعب بلاي ستيشن؟"
يونس اشتد غضبه، عينه تقدح بالانفعال: "والله البلاي ستيشن أحسن من إنك تنامي في أوضة شاب عازب."
فريدة ابتسمت بدلال وهي تقف وتتجه للحمام، تقرص خدوده بطريقة مستفزة: "خلاص يا حبيبي، ما بقتش عازب."
يونس وقف مذهولاً من جراءتها، يشعر كأن فريدة هذه ليست هي التي يعرفها. قبض على يدها وشد عليها وهو يصر بأسنانه: "فريدة، إيه اللي جابك هنا؟ وإيه اللبس ده اللي لابساه؟"
لم يستطع إخفاء توتره أو تلك المشاعر التي تموج داخله عندما رأى عيونها تتحداه. سحبت فريدة يدها من قبضته ببرود وهي تنظر إليه بثبات: "عادي، ما هي أوضة جوزي تبقى أوضتي! والبس فيها اللي أنا عايزاه."
تركت كلمتها الأخيرة تتردد في الغرفة وهي تجري نحو الحمام، تقفل الباب خلفها بقوة. يونس وقف مكانه للحظات، الكلمات تعصف في ذهنه، قبل أن يفقد صبره ويضرب الباب بقبضة يده: "نععععم؟ جوز مييييين؟!"
صوت فريدة جاء من خلف الباب، مفعم بالتأكيد: "أيوه، أنت جوزي، واتكتب كتابنا."
يونس فقد السيطرة على أعصابه، ضرب الباب برجله: "امتى ده؟ في الحلم؟! اخرجي حالاً، افتحي الباب بقول لك!"
فريدة فتحت الباب بخوف، تطل برأسها وعينيها تلمعان بخليط من الجرأة والخجل: "فتحت، اهو."
يونس أخذ نفسًا عميقًا، يحاول السيطرة على غضبه: "فريدة، ممكن أفهم إيه اللي بيحصل؟ إنتِ بتعملي إيه في اوضتي؟"
فريدة وضعت يدها على خده بلطف، نظرتها مفعمة بالعاطفة: "أيوه، أنا بقيت مراتك، في إيه مش واضح؟"
يونس حاول أن يقاوم انفعاله أمام نظراتها الهادئة، لكنه لم يحتمل. سحب يدها من على وجهه وخرج بعصبية من الغرفة: "جدووووو!"
سعد كان يجلس على السفرة، يمضغ لقمة الإفطار بهدوء كأن شيئًا لم يحدث. رفع رأسه بهدوء: "تعالى يا حبيبي، أنا هنا."
يونس اقترب منه وهو يصرخ بانفعال، ملامح وجهه مشتعلة بالغضب: "اللي بيحصل ده يا جدو؟!"
سعد نظر إليه بثبات، لم يتأثر بصوت حفيده المرتفع. بل دعاه بجملة بسيطة، مغموسة باللامبالاة: "اقعد افطر، ونادي لمراتك عشان تفطر هي كمان."
يونس شعر وكأنه يواجه جدارًا. عقلُه لم يستوعب تلك الكلمات. صرخ مرة أخرى، نبرته تخترق الهدوء الثقيل: "مرات مين؟! أنا اتجوزتها إمتى؟!"
سعد وضع فنجان القهوة بهدوء، حدق في حفيده، ثم بدأ في شرح ما حدث. ببرود سرد ليونس كيف أن فريدة الآن زوجته وفقًا للشرع والقانون، وأخرج صورة من عقد الزواج ليعرضها أمامه.
يونس تأمل الورقة بصدمة، قلبه ينبض بشدة، عيناه تتراقص بين توقيعاتهم، ثم انفجر غضبه كالبركان: "الجواز ده باطل! أنا ما وافقتش عليه!"
سعد لم يرفع حتى حاجبيه، استند إلى ذكرى ما مضى: "أنت عملت لي توكيل، ولا نسيت؟ الجواز تم شرعًا وقانونًا. فريدة مراتك دلوقتي."
يونس شعر وكأن الأرض تهتز تحت قدميه. الورقة التي مضى عليها، كل تلك الأوهام التي ظن أنه قد تجاوزها. تنهدة خرجت من صدره مشبعة بالخيبة: "ليه يا جدو؟ ليه تعمل كده؟ أنت كده بتأذي فريدة... بتعرض حياتها للخطر اللي أنا عشته طول السنين دي. ابعدها عنه، ليا يا جدو؟"
سعد رفع حاجبيه هذه المرة، وكأنه يعرض الحقيقة البسيطة على حفيده: "فريدة وأهلها ما يعرفوش أنك خفيت. اللي يعرفوه إنك لسه مريض، يعني اللي أنت خايف منه مش هيعرف إنك خفيت. إنما أنا مش هسمح إن حياتك تضيع وأقف أتفرج عليك."
يونس حدق في عيون جده، صوت الألم يرتجف بين كلماته: "مش على حساب فريدة يا جدو."
سعد أطلق نفسًا قصيرًا، وكأنه يناقش أمرًا تافهًا: "دي مجرد أوهام موجودة في عقلك أنت."
يونس رفع رأسه بعناد: "مش أوهام. دي حقيقة. أنا هطلقها وحالًا."
سعد ابتسم ابتسامة صغيرة، باردة، وأشعل سيجارته بهدوء. نبرته أصبحت أكثر ثقة: "عملت حسابي. أحب أقول لك إنك مش هتعرف تطلق فريدة غير بعد سنة من جوازكم. ده شرط في العقد، ولو خالفته فريدة هتتحبس لأنها مضت على شيك بقيمة خمسين مليون وهي ما تعرفش."
يونس تجمد مكانه، كأنه تلقى لكمة غير متوقعة. صدمته كانت مكتوبة على وجهه، صوتُه خرج مرتعشًا: "إزاي تعمل كده؟ أنا هاخد الشيك حالًا، وياريت توقف المهزلة دي."
سعد انفجر بالضحك قليلاً، ثم نظر إليه بجدية: "للأسف، مفيش مهزلة. لو فريدة طلبت الطلاق، الموضوع يخلص. لكن طول ما هي متمسكة بالجواز، أنت مجبر على التنفيذ... لو خايف عليها، طبعًا."
يونس لم يصدق أذنيه. نظر إلى جده بعمق، مستغربًا كيف يمكن لشخص أن يكون باردًا بهذا الشكل. ومع ذلك، عناده كان أقوى: "وأنا هخليها تطلب الطلاق."
سعد نفث دخان السيجارة ببطء، ثم قال ببرود قاتل: "أتمنى لك التوفيق."
عاد يونس إلى الغرفة بخطوات ثقيلة، دخوله لم يكن أكثر هدوءًا. وجد فريدة ترتب ملابسها في الدولاب، بكل ثقة وكأن شيئًا لم يكن. ضحك بسخرية وهو يهز رأسه: "بلاش تستعجلي وتحطي هدومك. هتلميها تاني."
فريدة توقفت للحظة، نظرتها واثقة، مفعمة بالتحدي: "بلاش تكون متأكد."
يونس اقترب منها بخطوات متوترة، قبض على يدها وجذبها نحوه بقوة، وجهه على بعد سنتيمترات من وجهها. نبرته غاضبة، مفعمة بالقهر: "أنت ليه مش عايزة تفهمي إني مش عايزك في حياتي؟! هو بالعافية؟ ولا أنتِ ما عندكيش كرامة؟!"
فريدة أغمضت عينيها للحظة، الألم تراقص خلف جفونها، ولكنها كانت تعرف أنها ستواجه هذا. فتحت عينيها ببطء، نظرتها مليئة بالاستفهام: "متأكد إنك مش عايزني في حياتك؟"
يونس شعر بارتباك غريب من نظرتها، كأن كلماتها قد نكأت جرحًا قديمًا. لكنه أجاب بقسوة، عيناه تائهتان: "متأكد. ويا ريت تمشي."
استدار عنها، حاول أن يخفي وجهه من أمامها، لكن ما أن مرت ثوانٍ حتى سمع صوت سقوط قوي على الأرض. التفت بخوف، عيونه توسعت بلهفة: "فريدة؟!"
