رواية زهرة الاقحوانة البيضاء الفصل السادس6بقلم دعاء سعيد


رواية زهرة الاقحوانة البيضاء 
الفصل السادس6
بقلم دعاء سعيد


اسرع الأطباء إلى غرفة زهرة التى بدأت علاماتها الحيوية فى الانحدار ...وطلبوا من أحمد مغادرة الغرفة استعدادا لعملية الإنعاش القلبى ......
اما زهرة فى حلم الذكريات فقد أمسك أسعد بيدها بقوة وجذبها لتقفز معه لتنهى حياتها كما فعل ....بدت زهرة مسلوبة الارادة ع الرغم من كل ماعرفت من حقائق عن أسعد إلا أن شعورها بالذنب الذى نقله لها عندما انتحر أمامها فى الحقيقة أول مرة جعلها لاتقاومه عندما جذبها لتقفز معه .....
وفجأة شعرت زهرة بأن هناك من يجذب يدها الأخرى بقوة ليفلتها من أسعد.....فالتفتت ونظرت له.... (((انه أحمد))) ....
كان أحمد فى نفس الوقت قد شد ع يد زهرة قبل أن يغادر غرفتها كما طلب الاطباء ....هامسا فى أذنها ...
(((زهرة أوعى تسيبينا......)))
وفى نفس اللحظة كانت زهرة فى حلمها...
قد التفتت لأحمد الذى قالها لها أيضا...
(((زهرة أوعى تسيبينا)))
فابتسمت زهرة لأحمد وجذبت يدها بقوة من أسعد الذى اختفى تماما ولم تعد تراه .....
وهنا استقرت حالة زهرة ونجحت عملية الإنعاش القلبى ...
فما إن سمح الأطباء بالدخول ....حتى اسرع أحمد إليها....وجلس إلى جوارها ماسكا يدها وهو يبكى خوفا من أن يفقدها فى اى لحظة ....
وفجأة شعر أحمد بيدها تضغط برفق ع أصابعه ...فنظر إلى وجهها ليجدها قد بدأت تحرك رأسها وتحاول أن تفتح عينيها الجميلتين اللتين لم يرآهما قرابة العامين....فكانت زهرة كالأميرة النائمة فى سريرها عامين كاملين ....
فتحت زهرة عينيها وبدأت تتمتم بكلمات بسيطة....
(((أحمد ...انننت هنا )))
كاد قلب أحمد يتوقف من شدة الفرح فلم يسمع صوتها منذ عامين ....انه لايصدق أذنيه ...
اجابها بصوت خافت...
(((ايوة يازهرة انا هنا ...حمدلله على سلامتك )))
حاولت زهرة الابتسام وهى تحرك رأسها تجاهه لتنظر اليه قائلة.....
(((أنا فين؟؟؟)))
اجابها أحمد...
(((انتى فى المستشفى من يوم الحادثة......)))
ردت زهرة بصوت متعب
(((حادثه!!! ...حادثة ايه؟؟؟؟ انا اخر حاجة فاكراها لما أسعد رمى نفسه من فوق التلة قدامى...........)))
ثم أكملت حديثها .....
(((الظاهر إن فيه حاجات كتيرة محتاجة أعرفها منكم الفترة الجاية بإذن الله....)))
ثم أخذت تنظر حولها فى الغرفه و سألت أحمد 
(((امال بابا فين يا احمد....؟؟؟!!)))
سكت أحمد برهة ثم أجابها ...
(((متقلقيش يا زهرة ...عمى عامر بخير ...اول ما الأطباء يسمحوا لك تتحركى هاخدك له......دانا نسيت خالص من فرحتي انادي للطبيب المعالج علشان يطمنّا...هروح اجيبه)))
فشدت زهرة ع يده قبل أن يغادر الغرفة قائلة...
(((متتأخرش يا أحمد)))
حضر الطبيب مسرعا عندما أبلغه أحمد بأن زهرة قد استفاقت أخيرا من غيبوبة استمرت عامين ....
وما إن دخل الطبيب الغرفة حتى ابتسم لزهرة قائلا...
(((واخيرا الأميرة النائمة فاقت...)))
ردت زهرة باستغراب ...
(((الأميرة النائمة!!!!)))
فأكمل الطبيب وهو يطمئن ع علاماتها الحيوية....
(((طبعا ..الأميرة النائمة .. عامين كاملين والمشفى كله قايم ع رجل فى انتظار اللحظة دى ...محدش من الاستاف او حتى المرضى مكنش يعرف قصة الأميرة اللى الأمير بتاعها بقاله سنتين بيجى يقعد جنب سريرها يوميا ......)))
قالها الطبيب ثم نظر لأحمد وهو مبتسم ثم أكمل حديثه ...
(((والصراحة طلع عنده حق ...لولا انى عارف ان الأمير ممكن يقتلنى ...كنت جبت ست الحبايب تتعرف ع الأميرة)))
ثم ضحكوا ثلاثتهم ثم انصرف الطبيب 
فنظرت زهرة إلى أحمد الذى لم يكن يستطيع أن يخفى فرحته بعودتها للحياة......
ثم سألته مرة ثانية عن والدها...فأجابها 
(((عمى عامر كان بيجى يقعد جنبك كل يوم وهو ماسك فى ايده دفتر بيقرا لك منه ...كان طول الوقت بيأكد لى انك هترجعى لنا تانى .....بس اخر شهرين جاله تعب مفاجئ ودخل العناية والأطباء اقروا له عملية بس هو كان رافض يعملها الا لما يطمِّن عليكى الاول ...والحمد لله اطمنَّا ...بعد ماتتحسنى هاخدك تشوفيه وتفرحيه بنفسك برجوعك لينا....)))
وبعد فترة بسيطة تحسنت زهرة وسمح لها الأطباء بالتحرك..فذهبت ع شوق لملاقاة أباها ...
فما إن دخلت عليه وهو مستلقٍ فى سرير العناية لايشعر بما يدور حوله حتى  دنت  منه والدموع فى عينيها وامسكت ب بيده قائلة.....
(((سامحنى يابابا......انا عارفة انى تعبتك سنين ...مش عارفة قدرت أعمل كده ازاى ؟؟؟أرجوك سامحنى...))) 
وفجأة أحست به يشد ع يدها ويهمس باسمها دون أن يفتح عينيه...(((زهرة حبيبتى ...انتى هنا )))
فألقت بنفسها ع صدرها واجهشت فى البكاء ...فرفع ماكان على وجهه من جهاز التنفس وقبَّل رأسها .
وما إن دخل الطبيب المعالج للاب حتى تبسَّم قائلا...
(((انا شايف انك اتحسنت خالص يا استاذ عامر من ساعة 
ما الأميرة النائمة دخلت عليك ...)))
فتبسمت زهرة خجلا من اللقب الذى يناديها به كل من فى المشفى......
رد عامر قائلا ...
(((معلش يادكتور غلبتكم معايا الفترة اللى فاتت بس كنت لازم اطمِّن ع زهرة عمرى فى الأول...وان شاء الله هكون جاهز للعملية فى أقرب وقت بعد ما اطمِّن عليها تماما ..)))
استأذنت زهرة أباها لتعود لغرفتها كى ترتاح قليلا ...
وما إن جلست فى غرفتها حتى طلبت من أحمد الذى كان يرافقها طول الوقت انها تريد أن تتحدث إلى الطبيب المشرف ع حالتها لتساله عن بعض الأشياء.....
وعندما حضر الطبيب ..نظرت له زهرة وطلبت منه الحديث ع انفراد......





فاستأذن أحمد تاركا غرفتها....
بدأت زهرة حديثها مع الطبيب...
(((انا لما بسمع اللى حصل لى الفترة اللى فاتت باستغرب اوى ازاى ابقى بقالى سنتين فى الغيبوبة وهم  عدُّوا عليا كأنهم اربع خمس ايام بالكتير...وكمان عايزة أعرف الحلم اللى كنت بشوفه وانا نايمة ايه علاقته بالواقع ؟؟؟)))
تبسم الطبيب قائلا....
(((بصى يا آنسة زهرة  بالنسبة لفرق الوقت الكبير فده طبيعى لأنك مش بتبقى بعقلك الواعى  وبالتالى حساب الوقت بيختلف تماما او بمعنى أصح احساسنا بالوقت لما بيغيب العقل الواعى بيكون مختلف  تماما زى لما بنام ونحلم ...الوقت اللى بنامه فعليا اكتر بكتير من الوقت اللى بنحس بيه فى احلامنا....)))
 ثم أكمل كلامه ...
(((اما بقى بالنسبة للحلم اللى انت بتتكلمى عنه ....فالحقيقة انا معرفش عنه حاجة بس اللى اقدر اقولهولك انه غالبا بيكون حاجة اساسا مخزَّنة فى جزء من الذاكرة والعقل الباطن زى الأحلام اللى بنشوفها واحنا نايمين....)))
فردت زهرة ع الطبيب...
(((هو فعلا كان الحلم من ذكريات واحداث عشتها قبل ده بس الغريب ان فيه بعص الأحداث اتغيرت فى الذكريات!!!))
اجابها الطبيب ...
(((بصى انا معنديش تفسير علمى للأمر....بس اعتقد ان وانتى فى الغيبوبة عرفتى حاجات جديدة مكنتيش تعرفى عنها حاجة قبل كده ...فحصل دمج فى عقلك الباطن بين الذكريات القديمة والمعلومات الجديدة .....)) 
ثم أكمل كلامه قائلا ....
(((بس فيه حاجة  لما أقولها لك ..ممكن ده يساعدك تفهمي شوية...
اول ماجيتى بعد الحادثة كنت فى غيبوبة وكانت حالتك مش كويسة خالص وفضلتى فترة مفيش اى تطور ...فاقترحنا ع والدك انه كل لما يجى يتكلم معاكى ويحكى لك اى حاجة حاجة حابب يقولها لك أو اى مشاعر حابب ينقلها لك ...وطبعا نفس الكلام مع اى حد كان بيجيلك زيارة ...واكيد مش محتاجة اقولك مين أكتر واحد كان بيقعد جنبك بالساعات بعد باباكى.....
وفعلا لاحظت ان باباكى كان بيجيب معاه   مفكرة ويقعد يحكى لك منه حاجات ....اما بقى الاستاذ أحمد فده كان يا إما قاعد جنبك يقرا قرآن او بيهمس فى ودنك بكلمات  وكان دايما بيجيب لك معاه زهور بيضا ريحته حلوة أوى لما سألته عليها قال لى دى زهور الاقحوان البيضاء اللى بترمز للحب والحياة والولاء.....)))
وهنا أدركت زهرة سر الزهرة البيضاء التى كانت تراها فى الحلم...
واكمل الطبيب متذكرا...
(((وكمان كان الاستاذ زكريا بيجى ساعات يقعد جنبك ويكلمك ..ومرة حد اسمه الاستاذ منير  جه برضه قعد معاكى شوية بس مشى ع طول زى ما يكون كان عايز يقول لك حاجة ......
بعد فترة بسيطة من فكرة الكلام دى ،حالتك بدأت تتحسن تدريجيا ...بس كان ساعات بتحصل دروبات غير متوقعة فى العلامات الحيوية......واخر حاجة عايز اقولهالك ان اخر مرة قبل ما ترجعى لوعيك لما حصل توقف القلب كانت المرة الوحيدة اللى حسينا فيها انك عايزة ترجعى للحياة تانى ومش مستسلمة زى كل مرة...)))) 
أنهى الطبيب كلماته ثم استأذن من زهرة لمباشرة بقية الحالات ...
وجلست زهرة بمفردها فى الغرفة تفكر فيما قاله الطبيب محدثة نفسها  ...((( كده يبقى السر كله كان فى الأسرار اللى قالها لى بابا وانا فى الغيبوبة من مفكرة الذكريات واللى اكيد مش فاكرة منها اكتر من اللى شفته فى الحلم واللى كان واضح جدا انها بتحكي لى حاجات مكنتش أعرفها عن أسعد وسلوكه الخفى....))





فحقيقة الامر  لم يستطع عامر سابقا قبل الحادثة ان يصرح لها بما يعرفه عن أسعد  لانه كان يعلم انها لن تصدقه بلا أدلة ،فخشى ان صارحها أن تزداد الفجوة بينهما....
 دخل أحمد عليها ليطمئن عليها ..فسالته 
(((احكى لى بقى ايه اللى حصل بعد ما أسعد رمى نفسه من فوق التلة  لان دى اخر حاجة فاكراها..)))
اجابها ...(((فجأة... جالنا خبر انك فى حالة خطيرة فى المستشفى بسبب حادثة عملتيها وانتى سايقة بجنون راجعة من ناحية التلة ...وفى نفس الوقت عرفنا انهم وجدوا جثة أسعد اسفل التلة ...بعدها بكام يوم عرفنا ان الشرطة كانت فى طريقها انها  تقبض ع أسعد فى نفس اليوم اللى رمى فيه نفسه من التلة لانه متهم بأنه صدم أمه عمدا بالسيارة وقتلها ....)))
اندهشت زهرة مما سمعت ولكنها قد بدأت تدرك لماذا اتصل بها أسعد لتكون آخر من يراه قبل أن يلقى حتفه ...فقد أراد أن يُشعرها بالذنب ويَحبسها فى سجن الندم طوال عمرها عقابا لها ع تركها له و انتقاما من أمه فى شخصها..
 لهذا راته فى حلمها يحاول أن يجذبها معه وهو يسقط من فوق التلة ....وبينما هذه الافكار تدور فى ذهنها....اذا بعمها زكريا وزوجته فاطمة قد أتيا للاطمئنان عليها ....
فما إن جلسا حتى حدثها زكريا قائلا....
(((حمد الله ع سلامتك يا بنتى ...يلا شدى حيلك علشان ......)))
وقبل إن يتم حديثه نظر له أحمد حتى لايكمل ما يريد قوله ...فتبسمت زهرة وأكملت كلامه....
(((ايه يا أحمد ماتسيب عمو يكمل كلامه ....
يلا شدى حيلك علشان نفرح بيكم ....))) قالتها وأخذت تضحك وسط ذهول الجالسين ...فأكملت كلامها..
(((مستغربين ليه ...انا عرفت الجملة دى لان عمى زكريا كان كل ما يقعد جنبى وانا فى الغيبوبة مكنش يقولى غيرها.....)))
ثم نظرت لأحمد قائلة...
(((هاه ياباشمهندس تقبل تتجوز واحدة بقالها سنتين برا الدنيا .....)))
فبادرها أحمد بجرأة لم تعتدها منه .....
((( عمرى ماكنت هقبل اتجوز غير الزهرة الجميلة اللى اول ما فتَّحِت عِنيها وهى لسة مولودة اتسَحرت بيهم ............


                       تمت

تعليقات