رواية يوميات طبيب نفسي الفصل الرابع4 بقلم رحمه نبيل


 رواية يوميات طبيب نفسي الفصل الرابع4 بقلم رحمه نبيل


* قبل اسبوع *

كان معاذ في مكتبه كالعادة يعمل على ترتيب أوراقه وملاحظاته بشكل معين، الهدوء يعم المكتب، فهو في هذا الوقت قلما استقبل مريضًا، لكن فجأة اقتحمت فتاة مكتبه بقوة وبطريقة مخيفة تصيح في وجهه :

" أنا عايزة اكشف"

انتفض معاذ وقال :

" طب ما تكشفي"

دخلت الممرضة الخاصة بمعاذ سريعًا خلفها وهي تردد معتذرة بلهجة خافتة  :

" والله يا دكتور مقدرتش امنعها"

رفع معاذ يد وقال بجدية :

" مفيش مشكلة اطلعي وسيبينا شوية لو سمحتي "

تحركت الممرضة خارج المكتب،  وأغلقت الباب خلفها  في الوقت الذي تحركت فيه الفتاة صوب المقعد المخصص للمرضى وتسطحت عليه بهدوء شديد وهي تتنفس انفاس مسموعة ومن ثم قالت :

" أنا عندي مشاكل كتير اوي وهما قالولي أنك هتحلهم معايا "

تمتم معاذ حاملًا الدفتر والقلم، متجهًا، للجلوس  على مقعد المقعد أمامها  :

" الله يسامحهم "

جلس ومن ثم قال بصوتٍ مسموعٍ :

" اتفضلي احكيلي ايه اللي مزعلك "

" خطيبي "

انتبه لها معاذ جيدًا، فأكملت الفتاة :

" أو اللي المفروض يكون خطيبي "

رفع حاجبه متسائلًا :

" ايه خانك ؟؟ "

" لا بس مش عارفين نتخطب، مش قادرة اكون معاه، حاولنا اكتر من مرة وفشلنا"

شرد معاذ في حديثها قليلًا يحاول تحليل تلك المشكلة التي تتحدث عنها، ومعرفة ما ترنو إليه من خلف تلك الكلمات  :

" قصدك أن المشكلة في أنكم مش قادرين تتموا الخطوبة ؟؟ "

اماءت له الفتاة بايجاب وقد زين الحزن نبرتها :

" بالضبط يا دكتور، مش عارفين نتخطب "

سجل معاذ بعض الكلمات في الدفتر أمامه يقول بتقرير :

" وده اللي تعبك نفسيا ؟!"

" أيوة وبقيت مش عارفة اعيش حياتي عادي، بقيت مش قادرة اشوف مكان غير وطيفه فيه، كل حاجة بتفكرني بيه وبذكرياتنا سوا، كانت حياتنا مثالية لغاية ما دخلت بينا أمه "

كان معاذ يرهف السمع لها باهتمام شديد، دون التحدث ومقاطعتها، يتفهم كل ما تنطق به وهو يفكر فيه للوصول إلى حل يريحها، حتى قالت بحقد وغل دفين  :

" أمه عرفت بعلاقتنا فاتعصبت وقالتله ازاي تحب واحدة وأنت متجوز ومخلف "

فتح معاذ عينه بصدمة تداركها سريعًا، نظر حوله ثم أعاد التحديق بالفتاة متسائلًا بتعجب  :

" وهو فعلا متجوز ومخلف  ؟؟"

" ايوة "

صمتت قليلًا، ثم هيت للدفاع عنها وعن حبيبها بعدما رأت نظرة استنكار تعلو ملامح معاذ :

" بس هو مش بيحبها يا دكتور بيقولي أنه اتسرع في جوازهم وعمره في حياته ما قدر يميل ليها، وأنه مش بيحب غيري "

" طب وأمه ليه تدخل بينكم، كان من باب أولى تكون زوجته لو هي مهتمة بجوزها "

اعتدلت الفتاة في جلستها وهي تقول بجدية  :

" ما هي مراته عرفت وضغطها علي واتحجزت في المستشفى عشان كده أمه هي اللي دايما واقفة ليا "

كتب معاذ شيئًا في دفتره وقال :

" وأنتِ مش شايفة نفسك غلطانة ؟! يعني خليتي بنت زيك تعاني من الضغط وتتحجز في المستشفى، مفيش أي شعور بالذنب ؟!"

لوحت الفتاة بيدها في الهواء غير عالية بكل ما يقوله في الحقيقة :

" هي اساسا كان عندها الضغط والسكر والروماتيزم من قبل ما تعرف وكمان خشونة في الركبة "

اتسعت اعين معاذ قليلًا، وهو يحاول تحليل ما تقول، ونطق دون أن يجعل صدمته واستنكاره يتغلبون على عمليته في العمل :

" يعني كمان سيدة مريضة استغليتوا مرضها أنتِ وجوزها ؟! ده بدل ما يساعد مراته أنها تعدي محنتها يروح يعرف واحدة عليها ؟!"

ومجددًا اندفعت لتدافع عن حبيب قلبها  :

" لا يا دكتور متظلموش اصل هو مش هيقدر يساعدها لأنه عنده وجع في فقرات العمود الفقري وكمان عنده الضغط والسكر زيها "

تعجب معاذ كل ما تقوله وتنطق به :

" أنتِ عرفتي العيلة دي من مستشفى القصر العيني ولا ايه !؟ ايه كمية الأمراض اللي عندهم دي، شباب زيهم يبقى عندهم كل الأمراض دي ازاي، هما قرايب والأمراض دي وراثه ولا ايه ؟؟"

" لا يا دكتور مش قرايب خالص ده حتى أمه هي اللي اجبرته يتجوزها ودلوقتي لما حبني وقرب مني منعته يتجوزني، وقال ايه بيحب واحدة قد  عياله "

ضيق معاذ عينه وقال بتحفز :

" ليه هو العريس كام سنة ؟!"

" سبعة وخمسين سنة  "

فتح معاذ عينه بصدمة وقال لا يصدق ما يسمع :

" سـ..سـبعة وخمسين سنة ؟؟ سبعة وخمسين سنة وقد عياله ؟؟ ده أنتِ قد احفاده يابنتي، ليه تعملي في نفسك كده "

أشارت عليه الفتاة بحنق وغيظ شديد  وقد بدأت دموعها تتساقط :

" شوفت اديك زي أمه اهو وبتقول نفس كلامها، الحب ميعرفش سن يا دكتور "

" ميعرفش سن ؟؟ ده الحب معداش عليه السن من أصله، انتِ مش مستوعبة بتقولي ايه ؟؟ بعدين تعالي هنا، أمه ازاي ؟؟ يعني الراجل على مشارف الستين وأمه لسه عايشة؟؟ هي من المعمرين في الأرض ولا ايه ؟؟"

زفرت الفتاة بضيق وهي تردف :

" هو أنا جاية عشان تشوفلي حل يا دكتور ولا تتكلم زيهم"

حاول معاذ تهدأه نفسه وقال : 

" أنا مش بتكلم زيهم، أنا بتكلم بالمنطق، تقدري تقوليلي راجل في السن ده ازاي هيقدر يعيش معاكِ شبابك، وازاي هتقدري تجيبي منه اولاد اصحاء، وحتى لو جم ضامنة أنه يعيش لغاية ما يربيهم "

وكان الرد منها هو اماءة وكلمات خرجت بعناد وتحدي  :

" أنا وهو فكرنا في كل ده يا دكتور وعارفين اللي ممكن يحصل وعاملين حسابه"

" طب طالما أنتِ عارفة ده كله جاية ليا ليه ؟!"

نظرت له بلهفة وهي تقول بسعادة  :

" جاية عشان أسألك ازاي ممكن اقنع اللي حواليا أنهم يوافقوا على جوازنا "

ابتسم ليها معاذ ساخرًا :

" مش لما اقتنع أنا الاول، أنتِ محتاجة فعلا علاج نفسي لأن التفكير ده غير سليم وهيأذيكِ "

نظرت له الفتاة بحنق شديد، ومن ثم حملت حقيبتها وخرجت من المكتب وهي تصيح في انفعال :

" الظاهر غلطت لما جيت ليك يا دكتور، الكل قال عليك شاطر وأنت لا شاطر ولا نيلة، أنا هتصرف "

ضرب معاذ كف بآخر وقال :

" يعني جاية ليا ومتوقعة اعمل ايه يعني ؟! اكون شاهد على عقد جوازكم ؟! "

* في الوقت الحالي *

قالت سلمى بصدمة :

" ٥٧ سنة ؟؟ يا نهار ابيض ؟! طب وحصل ايه ؟! رجعت تاني ليك ولا لا؟"

ابتسم معاذ بسمة غريبة وهو يردد بصدمة لم يتخطاها بعد  :

" رجعت تاني وجابتلي معاها حماتها عشان اعالجها وشايفة انها هي اللي مجنونة عشان مش موافقة على جوازها من ابنها الصغير، تخيلي حماتها كاسرة ١٠٠ ومتقتنعة أنها هي المريضة "

ضحكت سلمى بحسرة على عقل تلك الفتاة المريضة التي لربما ذهبت للبحث عن حنان والدها في رجل آخر، ثم اقتنعت أنه يصلح للزواج :

" لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنت عملت ايه في حماتها؟؟"

" حولتها لدكتور عظام، يعني هعملها ايه ؟! الست جاية بتنازع في انفاسها الأخيرة وبتموت، بزمتك واحدة زي دي اعمل معاها ايه ؟؟"

نهض معاذ من الفراش بعدما طبع قبلة صغيرة أعلى وجنتها  :

" كفاية كده انهاردة ويلا عشان نتعشى لاني ميت من الجوع"

نهضت سلمى تلحق به لتجهز لهما العشاء، وصوتها يعلى خلف معاذ  :

" تمام بس بكرة مش هسيبك غير لما تكمل حكايات "

ضحك معاذ وهو يغمز لها بمشاكسة :

" شكلك حبيتي مرمطتي"

" لا يا معاذ أنا بحبك أنت يا قلبي 
تعليقات