رواية وبها متيم انا الفصل الرابع والعشرون24والخامس والعشرون25 بقلم امل نصر

 


رواية وبها متيم انا الفصل الرابع والعشرون24والخامس والعشرون25 بقلم امل نصر

خجل
يا إلهي، هذه كلمة قليلة للغاية لتعبر عما تشعر به الاَن، ام هو استغراب في غير محله؟ أن توضع في هذا الموقف، بدون ترتيب أو تمهيد مسبق.
أم هو فرح قد اتى مباغتًا لها؟ بعد أن هيئت نفسها للاستغناء عن متع الحياة في كل شيء، والمضي قدمًا في طريقها في عمل دئوب للحفاظ على إرث والدها، والحفاظ على شقيقاتها، من اطماع النفوس السيئة من الغرباء والأقرباء أيضًا،
متخذة هيئة الرجال في الملابس، وأفعالهم، حتى لا يظنها أحد أنها ضعيفة لاستغلالها، طامسة أنوثتها ورقتها القديمة خلف واجهة لقوة تدعيها وخشونة تحرص عليها، كحرصها على عائلتها وأسرتها، إذن أين ذهب كل ذلك؟

لماذا هذه الهشاشة التي تشعر بها أمامه، كعصفور مبتل، امام نظراته الثاقبة التي تخترقها، ضعف لذيذ ومراهقة تتفاعل مع كل همسة منه، لقد كانت منذ مدة قريبة تتشاجر معه، وتناطحه الرأي بالرأي، اما الاَن ورغم حنقها بما تورطت به على غير ارادتها، الا أنها لا تنكر هذه السعادة التي تجتاحها، دفء نظرته المحبة لها، أذابت بقلبها الجليد، لقد أعاد إليها أنوثتها.

بجلسة أسرية بامتياز، وحالة من المرح والمزاح الذي لا يتوقف، وكأن الجميع يعرفون بعضهم البعض منذ زمن طويل، مجيدة تتصرف بأريحية مع مسعود الذي فهم عليها من أول وهلة، فكان تعامله معها بتسامح وقد أعجبه فعلها، وزبيدة وابنتها كاسرة ثانية بعد أنيسة ولينا التي كانت كالبدر لتجبر هذا العنيد على اختطاف النظرة نحوها كل دقيقة.
- حج ابو ليلة، البنت بنتي والولد هو كمان ابني.
- يعني اطلع منها.
قالها بمشاكسة اثارت الضحكات لتهتف نحو زبيدة بعتاب معترضة:
- شوفي يا ختي الراجل عايز يمسك عليا كلام مقلتوش. 
ضحكت المرأة في الرد لها:
- بيناغشك يا ست مجيدة اصل شهد بنته هي كمان، ولا البشمهندس مجالكيش.
ردًا عليها تدخل حسن:
- لا طبعا قولتلها، دا عم ابو ليلة ده من قبل ما اشوفه وانا اسمع عنه، سمعته الممتازة في كار المعمار زي الطبل.
- ربنا يبارك فيك يا ولدي، وانت كمان، لولا سيرتك الطيبة، انا ما كنت وافجت كدة طوالي ابدًا، والله ولو كنت واد مين حتى، ما كنت هديك جواب، ولا أريحك غير بعد ما افصفص وادجج في تاريخك وتاريخ عيلتك من وراك كمان، ايوة امال ايه؟ دا أنا هديك جوهرتي الغالية، ولا يكون عندك اعتراض؟
- أنااا
صدرت منه وانتقلت عينيه نحو شهد، يجُهر بعشقه لها، بالفعل قبل القول:
- لو هي عندك جوهرة، ف أنا عندي الدنيا كلها، يعني حتى لو طلعت عيني، كنت هتحمل عشان خاطرها.
- أيوة بقى يا بشمهندس، هندس ومزجنا معاك.
بشقاوة وجرأة هتفت بها لينا لتزيد من خجل العروس التي تخضب وجهها بالحمرة رغم وجود المساحيق عليه، ليرتفع كفها على أعلى عينيها، بفعل غريزي انساها شخص المقاول داخلها، فعقبت أنيسة بمكر، ترافقًا مع ضحكات الجميع 
- كسفتي البنت يا مصيبة. 
تدخلت مجيدة بمغزى تقصده:
- معلش يا ست أنيسة، ما هي دورها جاي برضوا.
- يااااه، يدينا ويديكي طولة العمر يا طنت.
قالتها لينا بتفكه لتُثير التعليقات المستهجنة من المرأتين، وبعدم اكتراث منهما كانت تضحك وتناكف والدتها، غير عابئة بالنظرات المصوبة نحوها منه، وقد كان جالسًا بهيبته يتحدث بالطلب رغم فرحه بشقيقه، احترامًا لأهل المنزل الذي يدخله لأول مرة، قبل أن ينتبه فجأة مع الجميع على زغروطة غير متقنة على الإطلاق، أطلقتها رؤى بكوميدية.اثارت الضحك بصخب، فقد كانت خارجة من المطبخ تحمل فوق يديها صنية كبيرة من المشروبات الباردة لتضايف بها الحضور، وخلفها والدتها ابتسمت هي أيضًا تسايرهم، قبل أن تنضم بجوار ابنتها أمنية في جنب خاص، لا يعجبها ما يحدث وهذه الفرحة الطاغية، لأشخاص احتلوا مسكنها لينصبوا الفرح على حساب فرحتها هي.
- اعدلي وشك يا خيبة، متبقيش زي البومة كدة قدام الناس.
همست بها نرجس، وهي تلكزها بكوع ذراعها على خصرها المترهل، فكان ردها هو نظرة حارقة، لترد بالكز على أسنانها:
- أنا برضوا اللي بومة، ولا هي اللي ظالمة وقلبها اسود من الغيرة مني، اضحك ازاي ياما؟ وهي هتاخد كل حاجة حلوة بجوازة عنب، بشمهندس زي القمر وعيلة نضيفة طايرين بيها طير، وانا الغلبانة اللي رضيت بقليلي مع ابن خالتي، حتى مش هلاقي اللي يجهزني، بعد ما تغور وتسيبني. 
جزعت نرجس وانسحبت الدماء من وجهها، ف ابنتها الغبية على وشك فضحها، ابتلعت لتهمس بالضغط على شفتيها بغيظ اختلط برجاءها:
- امسكي نفسك يا بت الهبلة هتفضحينا، أجلي كل حاجة بعدين، وشي بقى في الأرض منك.
اعتدلت أمنية بجلستها لتردف بغليلها:
- ماشي ياما هسكت واعمل نفسي بضحك كمان.
صمتت برهة لتهمهم داخلها
- كدة كدة الليلة مش هتكمل اساسًا، ابراهيم وعدني. 

❈❈-❈

- مدام رباب يا مدام رباب.
اجفلت على النداء من خلفها وقد كانت عائدة من الخارج بعد لقاء بأحد القنوات التي استضافتها لشهرتها، بصفة بلوجر وكشخصية مؤثرة لفئة كبيرة من الشباب، التفت إلى صاحب الصوت باستغراب تسأله:
- ايوة يا حامد، بتندهلي ليه؟
تقدم الشاب الثلاثني بهيئته الرياضية كحارس تلقى افضل الدروس ليصبح فرد أمن مهم تستعين بها الشركات المختصة بتوظيف أمثاله، دنى برأسه نحوها يقول بصوت خفيض:
- انا أسف لو ازعجتك، بس اديكي شايفة اهو، رغم اني الحارس بتاعك، لكن مبقدرش اكلمك بحرف حتى، وعم كريم واقف زي اللقمة في الزور معانا 
- ايه!
تفوهت بها بعدم فهم، لتضيق عينيها بارتياب لأمره، فهم من نظرتها إليه توجسها منه، فقال يقطع عليها حبل افكارها المتهورة:
- انا عايزة اقولك على حاجة بخصوص مخاوفك إن يكون في حد بيراقبك. 
ظهر على وجهها الاهتمام، ولكن ما زال احساس الشك يروادها، فجاء رده المباغت لها:
- انا شوفت واحد اظن انه هو اللي بيضايقك ويطاردك. 
- ايه؟ بتقول إيه؟
هتفت بها ولم تدري أن صوتها صدر عاليًا هذه المرة حتى لفت نظر اقرب حراس الفيلا، فرد هامسًا:
- وطي صوتك يا هانم، ولو انتي عايزة تفهمي القصة، ياريت بس حتة مختصرة شوية.
أومأت رأسها بتحفز، وتحركت أمامه ليتبعها حتى توقفا بجانب المنزل بالحديقة، لتبادره بالسؤال:
- ممكن بقى تفهمني، انت قصدك ايه؟.
مرر حامد بكفه الكبيرة على جانبي وجهه وعينيه تراقب في جميع الأنحاء حوله، ليرد بصوت حذر:
- شوفي يا هانم، عشان ابقى واضح معاكي، انا حاسس ان السواق بتاعك يعرف البني أدم ده. 
- عم كريم، ازاي يعني مش معقول؟
تفوهت بها بعد تصديق ليُضيف مؤكدًا لها:
- انا بقولك ع الشك اللي في قلبي، ودا مجاش من فراغ، انا عايز بس افكرك بمشوار الصبح لما روحنا نجيب المحروس الصغير، وانتي وقفتي فجأة وخلتيني انزل بسلاحي ادور.
- ورجعت قولت اني ملقتش حد.
ردت بحدة مع تذكرها لعودته دون نتيجة، ليزيد من احباطها، مع نظرات الامتعاض من السائق العجوز، فجاء رده بدافعية:
- مظبوط يا هانم، انا قولت كدة وكدبت، رغم اني شوفت الولد بعيني، وهو بيجري قدامي ويختفى، عارفة ليه؟
طردت من صدرها زفير محملا بالغضب، بعد سماعها لهذه المعلومات الخطيرة من الرجل المفترض به حمايتها، لترد بنفاذ صبر:
- اخلص يا حامد، خلص وجيب من الاَخر، أنا على اخري. 
اقترب برأسه منها مقربًا وجهه، قبل أن ينزل عينيه عنها ليردف بأسف زاد من دهشتها:
- أنا شوفت الولد ده كذا مرة قبل كدة مع عم كريم.
صعقت بذهول جعلها تتجمد محلها، أن تكتشف الخطر بهذا القرب منها، وتكون الخيانة من اقرب الأشخاص إليها، كان أكبر من قدرتها على التحمل، طاقة عنيفة هزتها، تماسكت بصعوبة حتى لا تترنح أمامه أو تقع، ولكن عقلها ما زال يعمل لتسأله بتدارك:
- وانا اتأكد ازاي من كلامك ده.
جاء رد الرجل بثقة واقناع:
- انا هحاول بكل جهدي عشان اكشفهولك، واكشف الولد ده كمان قدامك. 

❈❈-❈

بعد مشاورات ودية، تخلو من الشروط واللألتزامات وهذه الأشياء المعتاد التحدث عنها في هذه المناسبات الخاصة، وذلك لتساهل مسعود رغم حرصه على تعزيز العروس الغالية، وذلك بفضل مجيدة التي تقدم بمحبة خالصة كل ما في وسعها من اجل إنجاح الأمر، مبتعدة عن التعقيد والتزمت في المطلوب من العروس نحوهم، والتي أثبتت هي الأخرى حسن نيتها بموافقتها على السكن في منزل العائلة، رغم تخيرها في هذا الأمر، لتزيد من فرحهم، ويتم قراءة الفاتحة بينهم عن قناعة، حتى إذا أمم الجميع بانتهائها، اطلقت أنيسة زغروطة حقيقية معتبرة اهتزت لها اركان الشقة، لتصل الى سكان المبنى من الجيران، والمارة على الأرض في المنطقة. 
- لولولولولويييي.
هللت مجيدة بابتهاج غمر صدرها، لفعل المرأة التي اسعدتها بذلك:
- الله عليكي يا ست أنيسة يا قمر، أيوة كدة فرحي قلبي. 
أنيسة بزهو اختلط بفرحة كانت تنتظرها منذ زمن بعيد:
- هو انتي لسة شوفتي حاجة، دا كمان لما تيجي الفرحة الكبيرة، مش هتعرفي تلميني من الإزعاج اللي هعمله، وعد عليا، ما هوقف ابدًا دا انا نادراها.
- يا روح قلبي انتي، طب يالا بقى الله يرضى عنك يارب سمعيني وطربيني بواحدة تانية، دا انا حاسة قلبي بيهفهف معاها والله.
قالتها مجيدة لتنطلق الأخرى مصدرة واحدة اكبر من سابقتها. 
- لولولولولولولويييي.
تدخلت زبيدة بين المرأتين وقد استشعرت رغبة العريس في الانفراد بعروسه، وحرجه من البوح بذلك أمام زوجها:
- طب ويعني هو الفرح زغاريط وبس؟ اينعم هي حاجة ع الضيق، بس يعني مفيش مانع لما نشغل سماعة صغيرة حتى، دا احنا اهل بينا وبين وبعض، مش أغراب يعني عشان نستنى دبل ولا شبكة ولا ايه رأيك يا ست نرجس؟
باغتتها بالسؤال لتزبهل بعدم تركيز لبرهة من الوقت، قبل أن تتدارك، لتنهض منتفضة، ملبية طلب المرأة :
- اه صحيح، دا احنا عندنا واحد في أؤضة أمنية، هروح اجيبه.
قالتها وركضت هاربة من اعين ابنتها التي كانت تطلق شررًا حارقًا، وقد اعتبرته عدونًا سافرًا على أشيائها، همت لتذهب من خلفها تمنعها، ولكن زبيدة اليقظة من خلفها انتبهت لتوقفها قبل أن تتمكن من الخروج من الغرفة، استني عندك يا أمنية، خدي يا حبيبتي الصنية وديها المطبخ.
لم تعطيها فرصة للاعتراض، وقد أعطتها ظهرها تهتف بالحضور، 
- يالا بينا يا جماعة، خلونا نهيص في الصالة ونسيب العرسان مع بعض شوية. 
سمعت مجيدة بحماس لتنهض ساحبه معه أنيسة والفتيات أيضًا، وتبعهم مسعود على مضض، ليجلس مع امين في ركن وحدهما في الصالة، وتلتف النساء والفتيات حول رؤى يصفقن لها بأيدهن بحرية، وهي ترقص بفرحها بينهن في الوسط، على الأغاني الشعبية السائدة

واختلت غرفة المعيشة على الخطيبين، ليكن اول فعل منه نحوها، هو تناول كف يدها ليقبل ظهرها، بعد أن جلس على الكرسي المقابل لها، قائلًا:
- شكرًا
تعقد ما بين حاجبيها باندهاش مرددة خلفه بتساؤل:
- شكرًا!
- أيوة شكرًا. 
قالها ليعاود مسك يدها مستطردًا:
- إنك قبلتي بيا، شكرا...... انك بقيتي خطيبتي، شكرًا........ إنك عطفتي على قلبي من جحيم الفكر ونار الشوق لرؤياكي، بعد ما بقيتي النفس اللي بتنفسه، الف شكر. 
رقة الكلمات باستشعار الصدق الذي تتحدث به الأعين،
يصل الروح بالروح، القلب بالقلب، فيذيب الثلوج وينبت ازهار من الحب والعشق بين اثنين كانو غريبين، ليصبحو الاَن حبيبين.
لم تعرف بما تجيبه، لم يسعفها عقلها بجملة مفيدة، وقد 
أسرها بنظراته الصادقة وسحر ما يردف به، عاجزة عن الرد بما يستحقه، مشدوهة بهذا العشق الذي لطالما كذبت نفسها وادعت زورًا انه وهم في خيالها. 

- ساكتة ليه؟
سألها بتسلية لا تخلو من الرقة التي يغدق عليها بها، وكانت إجابتها مترافقة بهزة خفيفة بكتفيها، قائلة:
- مش عارفة، مش عارفة ارد، هو انت لدرجادي بتحبني يا حسن؟
تنهيدة طويلة بصوت مسموع خرجت من صدره بتأثر، ليستند بمرفقه على ذراع الكرسي المجاور له، ليميل برأسه على قبضة يده قائلًا لها:
- من غير ما احكي ولا ارغي يا شهد، انا عايزك بس تبصي في عيوني وانتي تعرفي اجابة سؤالك
هل هي في حلم؟ أم أن واقعها البائس قد تبدل من وقت ظهوره؟ هذا ما كانت تشعر به وبقوة معه، أسبلت اهدابها عنه بخفر، وافعاله تجبرها على الخجل بدلال تناسته منذ زمن، تحمحمت وأنظارها تتهرب منه، فخرج قولها الممازح باهتزاز:
- شغل عيوني بقى وتسبلي واسبلك، هو احنا فينا بقى من الكلام ده يا بشمهندس؟.
أطلق ضحكة مدوية اجفلتها، ورأسه يميل إلى الخلف لمدة من الوقت زادت من حرجها، وسعادتها أيضًا، وقد اطربت اسماعها لهذه الرنة الرجولية الخالصة بها، ليردف بابتهاجه:
- يعني مش عايزاني أسبلك يا شهد، طب اسبل لمين بس يا ربي؟ أسبل لمين؟
استطاع بخفة ظله أن يضحكها، لينزع عنها تشنجها رويدًا رويدًا، وقد بدأت الاَن تستوعب وضعها الجديد معه.

❈❈-❈

دفعت الباب الخشبي المتهالك، بعد أن فتحته بمفتاحها، لتلج داخل المنزل، عائدة من الخارج، حاملة بيدها العديد من الأكياس بالأشياء التي ابتاعتها، بعد أن اهدرت معظم الراتب الذي تحصلت عليه من عملها، ولم يتبقى سوى القليل، ليكفيها بالكاد كمصروف لها حتى اَخر الشهر، بلهاث امتزج بحماسها القت التحية على جدتها الجالسة على الاريكة الخشبية الوحيدة، ركبيتيها ملتصقة بصدرها، وقدميها على الخشب المثقل رغم قدمه، تشاهد باندماج مسلسلها المفصل في التلفاز الصغير على المنضدة الخشبية القريبة منها ومن الاَريكة:

- مساء الخير يا ستي عاملة ايه؟
لم تجيبها كالعادة وظلت على وضعها وهذا التركيز الشديد مع أبطال المسلسل وكأنها داخل عالمهم أو معهم على الأصح. 
بعدم اكتراث، أكملت مودة السير نحو غرفتها، فهذا الفعل من جدتها ليس بالجديد عليها، بل اليوم تستحسنه، حتى لا ترى ما جاءت به، ولكن وقبل أن تصل لغرفتها، حدث ما كانت تخشاه وانتبهت توقفها بالنداء عليها:
- ايه اللي معاكي دا يا مودة؟
إنتفاضة سريعة صدرت منها وجسدها يلتف اَليًا نحو جدتها، تمالكت لتجيب بصوت جعلته عادي:
- يعني هيكون ايه بس يا ستي؟ دا طقم جديد جيبته للشغل.
استقامت المرأة بجسدها النحيف كحفيدتها لتنزل بأقدامها على الأرض، تخطو نحوها وتقول بريبة، ونظرات الشك تظلل عينيها:
- الكياس دي كلها على طقم واحد؟ حاطة في الباقي ايه يا بت؟
كانت في الأخيرة قد وصلت إليها، لتمتد يدها نحو أحدهم تريد جذبه من مودة، والتي وعت لترتد سريعًا بما تحمله للخلف بعيدًا عن الأخرى، تجيبها بلجلجة:
- ااا ما انا جايبة معاهم جزمة كمان وكام طقم داخلي وعلبتين كريم عشان الحبوب. 
- كل ده جايباه؟
قالتها المرأة رافعه كفيها أمامها بتهويل وعدم تصديق، لتردف متابعة ببحة مفاجئة اصابت صوتها، وعينيها تتنقل على الأكياس بصدمة:
- يا بت الهبلة يا عبيطة، كل دي فلوس رمتيها في الأرض وعلى حاجات تافهة؟ طب جيبتي تمنهم منيين؟ اوعي تكوني سرقتيني يا مودة.
ابتلعت الاَخيرة ريقها وخطواتها ما زالت ترتد للخلف؟ لتجيب بدفاعية؟ وصوت يشوبه الارتباك:
- والله ما سرقتك يا ستي؟ دي فلوسي أنا اللي قبضتها من شغلي الجديد.....
توقفت فجأة وعينيها انتقلت على جسد المرأة لتقارعها باستدراك:
- وانا هسرقك ازاي صح يا ستي؟ وانتي لافة الفلوس حوالين على وسطك؟ بتنامي وتقعدي بيها، دا انتي بتستحمي بيها.
بحركة غريزية؟ نزلت المرأة بيدها على خصرها؟ تتحس لفة النقود من فوق قماش جلبابها المهترئ، وبعد أن اطمأنت بوجودهم، رفعت رأسها إليها، متجاهلة ذكرهم في الرد عليها:
- ويعني لما تقبضي يا بت الكلب؟ تصرفي فلوسك كلها ع اللبس والمسخرة؟ طب ومصاريف البيت والأكل والشرب، ولا انا هفضل طول عمري اضيع فلوسي عليكي.
باستنكار قارب السخرية رغم بؤس ما تردف به:
- هوني على نفسك يا ستي، وفري فلوسك اللي مغرقاني بيها دي، انا عاملة حسابي ومخلية اللي يكمل معانا الشهر، طب افرحك أكتر.
اضافت بصوت مقلدة طريقتها بالهمس خشية ان يسمعها احد الجيران كما تخبرها دائمًا:
- انا جايبة فرختيين بحالهم.
- فرختين!
- والله يا ستي فرختين وحطيتهم في فيرزير التلاجة كمان. 
كلماتها أتت بأثر السحر على المرأة؟ وقد تبدلت ملامح الغضب لأخرى بالشغف لأمر الفرختين، جرى ريقها، شاعرة بقرص في معدتها التي جاعت فجأة لتمرر بلسانها على شفتيها، تقول بتوبيخ يتعارض تمامًا مع هيئتها:
- يعني بخيابتك ضيعتي الفلوس على الهدوم والفرختين، دا بدل ما تحوشي ولا تحطيهم في جمعية عشان تجهزي نفسك.
بشبه ابتسامة لا تمت للبهجة بصلة، طالعت مودة بصمت هذه اللهفة الشديدة على وجه جدتها؛ لخبر الطعام الذي تحرم نفسها وتحرمها منه؟ ببخلها الشديدة وكنز القرش، ليوم لن يأتي ابدًا، ثم ما لبثت أن تفاجئها بقولها:
- طب انا جعانة اوي، وقاعدة مستنياكي من الصبح، اعملي أي حاجة ناكلها، ولااا، ولا حتى سوي حتة منهم دول نقسمها على بعض؟ على الأقل نستفاد بمرقتهم .
قالتها والتفت لتعود لمسلسلها وأريكتها، تتجنب النظر إليها بحرج، بإشفاق رغم كل ما تعانيه منها، أومأت مودة بهز رأسها مذعنة لها بطاعة:
- حاضر يا ستي، ادخل بس وادخل الحاجة اللي في إيدي ع الأوضة وراجعلك حالًا احضر عشا، عن اذنك. 

❈❈-❈

وسط حشد النساء القلائل، وفي ظل اندماجها مع رقص رؤى ودلعها مع لينا والفاتنة الأخرى ابنة الرجل الصعيدي ولي شهد وكبيرها في الاتفاقات التي تمت منذ قليل مع قراءة الفاتحة، انتبهت اَخيرًا بعد مدة من الوقت لإشارت ابنها؛ الذي كان يلوح بتردد مع خجله في النظر نحو النساء، على الفور جرت أقدامها المتعبة من الوقفة، لتلبي طلبه.
حتى اذا وصلت إليه وقد كان قريبًا من مدخل المنزل، مطرقًا رأسه للأسفل، ولم يرفعها سوى بعد أن شعر بها؛

- نعم يا حضرة الظابط، عايز ايه؟
بابتسامته المعتادة، تطلع إليها قليلًا لتتشبع عينيه من رؤية الفرح الذى انار وجهها وجعلها تزداد جمالُا وتألقًا، ليشاكسها بقوله:
- فرحانة يا ست الكل عشان قربتي تخلصي من واحد؟
اومأت بهز رأسها تبادله المزاح:
- اوي يا حبيبي، وفرحتي الكبيرة هتبقى لما اخلص منك انت قبل منه كمان.
بحركة اعتاد عليها كلما رق قلبه لتحقيق امنيتها، اقترب منها ليقبل أعلى رأسها قائلًا:
- ربنا يسهل يا أمي، بس انتي ادعيل....
- متقولش الكلمة ده.
قاطعته بها لتفاجأه مستطردة بشراسه، ترفع سبابتها أمامه بتهديد:
- وقت والوعود والدعا عدى يا أمين، أنا دلوقتي عايزة فعل، فاهم ولا اقول من تاني.
اومأ مقهقهًا بصوت مكتوم يردد بطاعة:
- فاهم يا أبلة مجيدة فاهم، تحبي اسمع كمان.
نفت بهز رأسها وقد ارتخت ملامحها، وعاد الإشراق لها، لتقترب وتتأبط ذراعه ورأسها تلتف نحو جهة الفتيات، فهمست بمكر:
- طب بقولك ايه، ايه رأيك في البنت اللي زي قمر هناك دي؟
- بنت مين؟
سألها بعدم تركيز لتجيبه:
- بنت الراجل الصعيدي، انا عرفت ان اسمها صبا.
ما زال عقله لا يعلم بما تدبره والدته من فخ له، ضيق عينيه، ليعقب باستفهام:
- مش فاهمك يا ماما، وضحي أكتر .
استمرت مجيدة على مخططها لتكشفه أمام نفسه:
- يعني هيكون قصدي ايه بس؟ البت حلوة وتشرح القلب بطلتها، بصلها كدة، جميلة وتليق بحضرة الظابط صح، دا غير النسب مع والدها الراجل المحترم، وانت شوفته بنفسك. 
سمع منها والتفت رأسه بالفعل نحو صبا، اعجبه حسنها الافت للنظر بشدة، مع كلمات والدته التي ترن بعقله، ولكن وعلى غير ارادته حادت عينيه عنها، وذهبت نحو من تقف بجوارها، ليتركز كل الاهتمام عليها، جميلة وحيوية، مشاكسة ومستفزة لدرجة تجعل الدماء تضخ داخل أورته بقوة، رغبة في تكسير رأسها العنيد، ثم إشباعها تقبيلا حتى.......
نفض رأسه فجأة من الأفكار المتهورة التي طرأت عليها، بسبب التحديق بهذه المجنونة ذات الشعر الأصفر، والسبب والدته، والتي التف إليها قائلًا بغيظ:
- انا ماشي يا ماما، عشان لو قعدت أكتر من كدة، مش بعيد اتخانق بسببك.
بنصف شهقة وابتسامة خبيثة تلاعبت على ثغرها، وقد خمنت بما يدور برأسه، ردت ببرائة:
- تتخانق بسببي أناا؟..... ليه يا بني؟....حصل إيه؟
ضغط بأسنانه على شفته السفلى وجسده يستدير عنها بخطواتٍ ثابتة نحو باب المنزل، يردد بيأس منها:
- يا مجيدة، يا مجيدة بطلي لؤمك ده، دا انتي ست.... حقنة.
راقبته وهو يغادر بابتسامة تحولت للضحك المكتوم، لتظل على وضعها هذا تطالع أثره، وبرأسها تتوعد له بالمزيد، حتى تصل به إلى نتيجة ملموسة كالتي وصلت إليها مع شقيقه، خرجت منها تنهيدة حالمة لتهم بالعودة إلى فرحها مع الفتيات، ولكن وقبل أن تلتف للناحية الأخرى تفاجأت بهذا البغل قليل الذوق، صاحب المشاجرة الأخيرة مع شهد، يطل أمامها من مدخل الشقة، وقد وقعت عينيه عليها، ليدمدم وانظاره نحوها:
- تعالى يابا خش...... دا باينها بقت هيصة واحنا مش واخدين بالنا.
قالها ليفسح المجال لرجل ذو هيبة، بجلباب بلدي وهيئة شعبية يقول:
- ندخل كدة على طول من غير احم ولا دستور، طب استني نستأذن أصحاب البيت.
باستعراض مكشوف دلف ابراهيم يهتف بصوت عالي لفت أنظار الجميع:
- ما البيت مفتوح على آخره يابا اهو للأغراب، هي جات علينا يعني، بس اقولك، احنا برضوا ولاد أصول. 
توقف بخطواته أمام مجيدة ليجفلها بالتصفيق بكفيه يصيح بصوته:
- يا خااالتي، يا صاحبة البيت، يا خااالتي .
انتبهت له المذكورة كبقية الموجودين، فقد كانت جالسة بالركن مع ابنتها أمنية التي انتفضت برؤيتهم لتسبقها نحو الرجل:
- يا اهلا يا عمي، اهلا يا عمي نورت، اتفضل، اتفضل يا عمي.
صافحها عابد الورداني وتقدم معها لداخل الشقة بهيبته، لتتلقفه نرجس بترحيبها المبالغ فيه:
- يا اهلا يا جوز اختي، نورت الدنيا كلها، اتفضل دا احنا كنا منتظرينك
- كنتوا منتظريني!
تمتم بها بتهكم واضح، قبل أن يلتفت نحو التي ظلت محلها تتابع ما يحدث بتحفز للاَتي بهذا الدخول الغير مطمئن.
- مساء الخير يا ست هانم .
ردت له التحية بارتياب:
- مساء الخير.
قالتها مجيدة لتلتف رأسها بحدة بعد ذلك نحو ابراهيم الذي هتف يجفلها بقوله:
- اهي دي تبقى ام العريس يابا، ام العريس اللي دخلت معاه المرة اللي فاتت ساعة الخناقة اياها، فاكر يابا، لما طلعتني غلطان عشان كنت بتكلم في الأصول، وعدم زيارة راجل غريب في غياب الرجالة، اهم كررورها من تاني، وعاملين خطوبة كمان من غير رجالة برضوا.
- مين دول اللي عاملين خطوبة من غير رجالة يا واد.؟
هتف بها مسعود وقد كان خارجًا من الشرفة، ممسكًا بيده سجادة الصلاة، التي أنهى عليها فرضه، ليتخطى النساء الاتي توقفن عن التصفيق والرقص، يتابعنه وهو يتقدم بغضبه نحو ابراهيم ووالده؛ الذي اردف موجهًا الكلمات إليه:
- في ايه يا حج عابد؟ ولدك داخل يهلفط بكلام مش مفهوم ليه؟
بنظرة غامضة وغير مفهومة رد عابد بلهجة هادئة وكأنه يمتص غضب العرق الصعيدي:
- براحة شوية يا عم ابو ليلة، احنا مش جاين نتخانق اصلا، هي العروسة فين؟
خرجت له شهد من غرفة المعيشة، وخطوات حسن تسبقها ليقف بجوارها داعمًا ومدافعًا، ومهاجم اذا لزم الأمر.
- أنا اهو يا حج عابد.
قالتها شهد تخاطبه بتوجس وعدم فهم، وقبل أن يرد سبقه ابراهيم، الذي اربدت خلجات وجهه بالغضب:
- اسم الله، دا الحلوين خارجين من الأوضة اللي كانوا فيها لوحدهم! دي هيصة يابا....
صيحة قوية من مسعود خرجت منه لتقطع استرسال كلماته السامة:
- لم نفسك وخلي بالك من كلامك يا واد، شهد مع خطيبها اللي قرا فاتحتها معايا، وانا حاضر لسة مسيبتش البيت ولا مشيت، وهي اساسًا بميت راجل مش في حاجة لحد منينا.
- والأصول يا صعيدي ياللي بتعرف في الأصول.
هتف بها ابراهيم بطريقة مفهومة رغبة في اشتعال الوضع، هم مسعود أن يقرعه بكلمات قاسية في حق رجولته الناقصة، وأفعاله الرخيصة؛ بذمه في من هي ارجل منه ومن عشر من أمثاله، ولكن عابد فاجئه بقوله:
- طب يعني تعملي خطوبة وتعزمي ابو ليلة يبقى الولي قدام عريسك، وانا اللي عشرة العمر مع ابوكي وصاحبه من واحنا عيال صغيرين، متفتكرنيش حتى بتليفون تبلغيني؟
ازبهلت شهد في البداية امام الصدمة التي خيمت على رؤوس الجميع، ليقطع الصمت ابراهيم بصيحته:
- انت بتقول ايه يابا؟ بتعاتبها بعد ما داست على هيبتك؟
تجاهله عابد لينتقل بحديثه نحو مسعود يعاتبه:
- يعني يرضيك الكلام دا يا ابو ليلة؟
ألقى الاَخير بنظره نحو ابراهيم الذي يحترق بغضبه، قبل أن يطالع عابد بنظرة خبيرة يستشف منها مقصده الحقيقي من خلف كلماته، والذي فاجئه بابتسامة جانببة، رافعًا سبابته أمام وجهه ملوحًا بها وهو يستطرد:
- انا لولا اني عارف بمعزتك عندها، ما كنت هفوتلها انها تتعداني ابدًا، مع اني برضوا مضايق عشان خدت محلي في اليوم اللي طول عمري مستنيه.
إلا هنا واتضحت الصورة كاملة أمام الجميع لترتخي ملامح ابو لية والعريس ووالدته، وجاء رد شهد المهادن لشهامة الرجل ليزيد على غيظ الأعداء:
- سامحني يا عمي، والله كل حاجة جات بسرعة وملحقت حتى افكر.
تدخلت مجيدة بسرعة بديهة وقد استوعبت الاَن ما يحدث:
- امسحها فيا انا دي يا حج، ابو ليلة انا دخلته في الموضوع من الأول، بحكم معرفة ابني العريس بيه، حكم انا ام العريس.
بسماحة متبسمًا، امتدت كف الرجل ليرحب بمجيدة مهللًا:
- يا اهلا با الهانم أم العريس، خلاص يبقالي عندك حق عرب .
- حق العرب تاخدوا مني انا يا عم الحج.
قالها حسن ليبادله الترحيب والمزاح ويتدخل ابو ليلة بوجهه البشوش يدعوه:
- ادخل يا حج عابد، دا انت ليك شوجة يا راجل، الساجع يا بت.
هتف بالاخيرة نحو صبا التي سمعت لتذعن لأمره وتركض بلهفة نحو المطبخ، وقد ذهب عنها الروع اَخيرًا، بخوفها من إفساد الخطبة، واطمئنانها باكتمال فرحة شهد، بعد أن طمست الفتنة من أولها، تاركة اباها يسحب الرجل ليشاركهم الفرح، وعادت رؤى بإشعال السماعة مرة أخرى، وانيسة اطلقت زغرووطة قوية، ليعلق عليها عابد ضاحكًا مع رفيقه، متجاهلًا ابنه الذي تسمر محله، ومراجل من الغضب تغلي بداخله، وقد خاب ظنه في اباه، ليضيف على غضبه امتهان لكرامته، كما اهدر عليه حقه في تنفيذ ما خطط له، ليسترد جزءًا من هيبته أمام الناس وامامها، أمامها هي سر عقدته، والمسبب الرئيسي للجرح الغائر في أعماقه!

اقتربت منه أمنية المحطمة هي الأخرى الاَن بما اصاب خطيبها وزاد على حزنها، لتطبق بأصابعها على كف يده، فتنتشله سريعًا من دوامة من الشرود كاد أن يغرق بها، تلتمس منه الدعم وتؤازره في نفس الوقت، رمقها بنظرة غريبة لم تفهمها، ليطرد من صدره زفيرًا حارقًا، قبل أن ينزع يدها فجأة ويستدير مغادرًا، تصحبه شياطينه، ف التفت نحو والدتها بقهر يملأ صدرها، لتذهب نحو غرفتها غير مبالية بأي شيء حولها، وتوقفت نرجس بسلبيتها المعهودة، تشاهد بصمت كالعادة.

❈❈-❈

عودة إلى رباب التي كانت جالسة أمام المراَة بحالة من الشرود تلبستها، حيرة تفتك برأسها من وقت أن أخبرها هذا المدعو حامد عن السائق وصلته بالذي يراقبها، ماذا تفعل؟ وكيف تصدق وهي لا تملك الدليل؟ وان ثبت صحة ما اردف به الرجل، ماذا سيكون رد فعلها معه؟ والسؤال الأهم والذي يروادها بقوة الاَن، لماذا لا يكن حامد أصلًا له ضلع بما يحدث؟ أو ربما على العكس هو فعلا يساعدها، ويبتغي كشف الحقيقية أمامها، رأسها على وشك الانفجار، وجزع يزداد بداخلها من الإثنان، فكيف يتثنى لها الشعور بالأمان وهي مجبرة على مرافقتهما لها في كل خطوة؟
- رباب.
صدرت من خلفها فجأة لتنتفض مجفلة على رؤية انعكاس وجهه المُتجهم في المراَة، يخطو لداخل الغرفة بهيئة انبأتها بصحة ما توقعته، وقد جهزت نفسها إليه، تبسمت لتنهض عن مقعدها وتلتف لاستقباله ملبية النداء بنعومة تجيدها:
- نعم يا بيبي، حمد الله ع السلامة.
ارتباك طفيف طغى سريعًا على ملامحه، بعد أن جالت عينيه عليها مجبرًا، مع انتباهه لما ترتديه من منامة قصيرة جدًا، كاشفة عن معظم جسدها بإغراء، وقد زينت نفسها، لتقف بميل ودعوة صريحة للفتنة تناظره بوداعة في انتظار رده، ابتلع ريقه ليجلي حلقه اولًا، يستدعي الجدية في قوله:
- منعتي الولد عن ماما ليه النهاردة؟ وقفلتي في وشها السكة؟
- أنااا.
تفوهت بها تشير بكف يدها على نفسها، لتعيد انظاره إلى ما ترتديه، واقتربت بخطواتها المتمايلة لتزيد من تشتيه، فتقف أمامه تقول ببرائة:
- ان شالله يارب اموت لو عملت كدة، دي هي اللي زعقتلي عشان بقولها اني عايزة اروح بابني التمرين واحضره، واسألها حتى ان كنت غلطت فيها.
استغلت تركيزه معها لتزيد من اقترابها اكثر، ورائحة العطر الباريسي الذي اغرقت به نفسها يذهب بعقله، لتمتد يدها وتتلاعب بزرائر قميصه ألاسود، تتابع:
- الولد هو اللي أصر اني اروح معاه النهاردة يا كارم، وانا صعب عليا ومقدرتش ازعله.
ظل على وضعه صامتًا تحت تأثيرها المغوى، بهذه النظرة التي تعلمها جيدًا منه، لتكتنفها حالة من الانتشاء لنجاحها في ذلك، فزادت لتسطيل بجسدها، رافعة نفسها على أطراف أصأبعها، لتطبع قبله فوق خده، لتقول:
- هو انا اقدر يا قلبي على زعلك ولا زعل مامي.
بفعلها الاَخير ازداد اشتعال عينيه، ليطبق فجأة على كفه يدها يأمرها بأنفاس ساخنة وتسلط لا يفارقه:
- اطلبي مني الأول قبل ما تتصرفي من مخك تاني.
اومأت بهز رأسها، لتكن كالقطة المطيعة، وتجاريه بعد ذلك في رغباته بحرارة تجيدها من أجل ترويض غروره، والحصول على ما تبتغيه منه.

❈❈-❈

في اليوم التالي.
استيقظت مودة بين كوم الملابس والأشياء التي ابتاعتها بالأمس لتنام ليلتها بينهم كطفلة في ليلة العيد، تنتظر الشروق حتى ترتدي الجديد، بسعادة طالعتهم وقد افترشوا الفراش بجوارها على التخت ، قبل أن تنهض بهمة ونشاط دؤوب، لتغتسل سريعًا في حمام منزلها القديمة، ثم تناولت شطيرة من الجبن بالخبز البلدي، قبل أن تعدوا عائدة بمرح لتبدل العباءة المنزلية، بهذه الفستان الرائع، والذي ظلت تلتف به أمام المرأة لفترة طويلة من الوقت، تتحرق داخلها لترى نظرة زملائها لها في الفندق بهذا الفستان الافت بنقوشه الزاهية والتي تذكرها بألوان الربيع، حتما ستتغير نظرتهم إليها.
تنهدت بحالمية لترتدي الحذاء الجديدة، ثم تنثر رائحة العطر وقد اجادت بحرفية وضع المساحيق على وجهها، فلم يتبقى سوى الذهاب إلى العمل، باطلالتها الجديدة الجاذبة للنظر، 
تناولت حقيبتها تبحث عن مفتاح المنزل، لتنذكر وضعه بالسترة القديمة التي عادت بها من التسوق، بحثت عنها لتجدها وسط كوم الملابس المتسخة والتي رمتها دون تركيز اثناء خلعها بالأمس، نظرا لانشغالها في تحضير الطعام لجدتها، ثم انشغالها بتجربة الأشياء الجديدة امام المراَة حتى نامت بينهم.
اخرجت المفتاح لتتذكر فجأة الخاتم الذي وجدته في محل الملابس، وشكله الرائع، بحثت سريعًا داخل الجيب والجيب الاَخر ولم تجده.
عادت للبحث مرة أخرى تلعن غبائها، كيف لها أن تنسى شيء كهذا، حينما يأست، القت السترة لتبحث بين بقية الملابس، لربما وجدته ببنهم، وقبل أن تتفحصهم بدقة تفاجأت بصوت الجرس المزعج القديم وطرق عنيف على باب المنزل، جعل جدتها تردف بالسباب عليها وعلى الطارق، لتنهض مجبرة حتى ترى من القادم.
فتحت لتفاجأ بعدد من الوجوه، شكلها لا ينبئ بخير على الإطلاق.
- آنسة مودة.
قالها الرجل الأول ذو الهيئة الجامدة والباعثة على الرعب، لتجيبه على الفور:
- أيوة حضرتك أنا مودة، بس انتو مين ؟
جاءها رد الرجل بنبرة قاطعة:
- احنا قوة أمنية مكلفة بالقبض عليكي، بتهمة سرقة خاتم الماظ تمنه ربع مليون جنيه



الفصل الخامس والعشرون 

تقلبت يمينًا ويسارًا عدة مرات بمقاومة غريزية لعدم الاستيقاظ، وهذا الصوت المزعج لا يتوقف، دوي مكتوم من هاتفها الذي لا تعي أين وضعته بعد أن غلبها النوم اثناء محادثة الأمس.
توقف فجأة الصوت لتتنفس براحة باعتقاد ساذج ان ألضجيج قد انتهى، قبل أن يعود مرة أخرى لتنتفض مجبرة على الأعتدال تبحث أسفل الوسادة وبجوارها على الفراش، تريد العثور عليه حتى تغلقه نهائيًا.
اَخيرًا عثرت عليه، وقد كان على حافة الفراش وعلى وشك أن يقع.
تناولته سريعًا وقبل أن تهم بغلقه، تفاجأت بالأسم المدون، " سون سون💗 My Love" يتصل بك.
- يا مصيبتي.
دمدمت بها مرفرفة بأهدابها بعدم استيعاب قبل أن يعود إليها وعيها جيدًا وتتذكر وضعها الجديد، وخطيبها المزعج الذي لم يرحمها منذ الأمس باتصالاته، وقد دون بنفسه هذا اللقب المخجل لها على الهاتف الذي تناوله منها في جلسته معها، بجرأة لم تعتاد عليها من أحد قبل ذلك.
همت لتنفيذ ما نوت عليه بإغلاق الهاتف ولكن قلبها لم يطاوعها، وفتحت تجيبه رغم تعب الرأس الذي يفتك بها:
- الووو... صباح الخير. 
- صباح الورد والفل والياسمين، اخيرًا القمر حن ورد عليا، وحشتيني.
قال الأخيرة بحرارة جعلتها تبتلع ريقها بتفكير مضني للبحث عن كلمات تناسب رقته، فجاء ردها بتعلثم:
- ااا وانت كمان... وانت كمان وحشتني يا...حسن.
- أحلى حسن دي ولا ايه؟ حبيبي يا مقاول حياتي انت.
ابعدت الهاتف عن أذنها مغمغمة بصوت خفيض يشوبه الإستغراب:
- دا شارب ع الصبح دا ولا ايه؟
- شهد!
- أيوة يا حسن انا معاك هو .
قالتها وقد عادت بالهاتف ملبية النداء، لتتابع بحرج:
- بس يعني..... هي الساعة كام معاك دلوقت؟
- الساعة سبعة، بتسألي ليه؟
قالها ببساطة وكأنه يخبرها بأخبار الطقس، أغمضت عينيها لتتمالك حتى لا تخطيء في الرد، فخرج صوتها اَخيرًا برجاء:
- يا حسن انا بسأل عشان مستغربة، إمتى لحقت تنام؟ عشان تصحي بدري كدة؟ دا احنا فضلنا ع الشات لقريب الفجر.
جاء رده بمكر مشاكسًا:
- اَه لما نمتي مني....
ضغطت على شفتها بحرج، ولم تستطع الرد عليه ليزيد عليها بضحكه مستطردًا"
- يا قاسية يا ام قلب جامد، دا انا فضلت اهاتي وابعت في الرسايل انده عليكي لما تعبت وفي الاَخر استسلمت وودعتك مجبر، بس بصراحة بقى، أنا معرفتش انام غير يدوب ساعتين خطف، وصحيت بسرعة عشان اكلمك واتصبح بصوتك، ها بقى عاملة إيه؟
- هاا
قالتها لينطلق بموجة من الضحك مرة أخرى، فتغضنت ملامحها بحنق حقيقي هذه المرة حتى كادت أن تبكي في ردها عليه:
- إنت بتضحك عليا يا حسن عشان مش مركزة، وانت فايق ومروق، ربنا يسامحك.
بمهادنة سريعة منه، رد بصوت جمع بين اللطف والحنان:
- لا لا لا من غير زعل يا قلبي، انا بس بناكفك عشان تفوقي وتصحيلي، الساعة سابعة وانا قايلك من امبارح هعدي عليكي بالعربية عشان نتفسح.
- طب والشغل يا حسن؟
قالتها متحججة لتتنصل قليلًا من حصاره وهذه الشبكة من المشاعر التي يحاوطها بها، في وضع جديد لم تعتاد عليه قبل ذلك، فحياتها الجافة وداومة العمل والمسؤولية جعلتها وكأنها اسلوب حياة في الوحدة والتكيف معها، ولكنه كان لها بالمرصاد:
- مجاتش على يوم يا شهد، ثم اعملي حسابك يا قمر، احنا من هنا ورايح هنبقى مع بعض على طول، حتى الشغل هحاول انظمه معاكي، عشان نخلق وقتنا الخاص بينا، على ما نجتمع في بيتنا لوحدنا يا قلب سون سون. 
- يا لهوي تاني سون سون.
تمتمت بها بعدم انتباه لتصل إليه، فقال حازمًا يجفلها:
- أيوة يا شهد، هتدلعيني بسون سون أو سونة، وانا هقولك يا شوشو، دي مفيهاش جدال ما بينا، عشان يبقى في علمك يعني، تمام يا شوشو.
- تمام يا سون سون
قالتها بابتسامة جميلة ارتسمت على ثغرها، وقد نجح في استدراجها لتجاريه فيما يريد .

❈❈-❈

ليلة طويلة من السهد والتفكير المقلق قضتها، رغم ادعائها السعادة والتصنع معه بذلك، لتضيف على إرهاق ذهنها بمعلومات الأمس التي زادت عليها بأضعاف، حتى أنها لم تحتمل مرافقته الغرفة إلى الصباح، وتركته فور شعورها باستغراقه في نوم عميق، لتأتي إلى غرفتها الخاصة بالتصوير والبث المباشر لمتابعينها، وجلست بشرفتها حتى غفت على كرسيها، ولم تستيقظ سوى على لمساته في الصباح الباكر، ليكون وجهه اول ما تقع عليه عينيها في بداية يومها؛
- صباح الخير.
قالها بصوت متحشرج بأثر النوم، شعر رأسه المبعثر بعدم اهتمام، عاري الجذع بهيئة طبيعية كباقي البشر، قبل ان يرتدي حلته، ويرتدي معها ثوب القوة والسلطة المتمسك بها منذ نشأته العسكرية مع والده، بوسامة غير متكلفة، هذا الوجه الذي كانت تعشقه قديمًا، قبل أن تكبر وتعي بالعيوب القوية بشخصيته، والغير قابلة على الإطلاق لتغيرها.
- صباح النور
تمتمت بها بعد فترة من تأملها الصامت له، مع استرخائها للمسات اصابعه الحانية على بشرتها، فعاد بمخاطبتها:
- صحيت وملقتكيش جمبي، قومتي ليه وسيبتني؟
اعتدلت هذه المرة لتجيبه بارتباك:
- ممعلش، بس انا بصراحة مكنش جايلي نوم، خوفت لازعجك، واقلق نومك إنت كمان معايا 
بحنان نادرًا ما يصدر منه، تفاجأت به يقترب يقبلها على وجنتها، يجفلها بقوله:
- وماله يا قلبي كنت صحيت معاكي عادي يعني. 
قالها ثم توقف برهة ليخيب ظنها البريء بقوله:
- ساعتها كنا هنستغل الوقت بقى في أي حاجة، شغل، رياضة، نكمل ليلتنا الحلوة، المهم اننا نتعب وننام بعدها، بدل ما تقعدي لوحدك. 
اخفت بصعوبة عدم رضاءها، لتومي برأسها تدعي الاقتناع مغتصبة ابتسامة كرد له، فنهض فجأة مررًا كفه الكببرة على شعر رأسها قائلًا بمداعبة:
- يا للا فوقي بقى واصحي، يا تفردي ضهرك ع السرير، بدل نومة الكرسي المتعبة دي.
بفعل كانت غير مخططة له على الإطلاق، اعتدلت تمسك بكفه توقفه، قبل أن يبتعد لتسأله:
- كارم هو انت بتحبني؟
القى نظرة على كفها المطبق على يده، ليطالعها بابتسامة متسلية ورد غير مفهوم:
- أنت شايفة إيه؟
ودت أن تخرج ما في صدرها وتصارحه بكل مخاوفها وهواجسها، بالإضافة لجرح قلبها من خياناته المستمرة لها، ولكن غموض نظراته وتلاعبه المقصود حتى في الرد عن هذا السؤال الهام لها، جعلها تتراجع بتصميم أكبر على المضي قدمًا في النهج الجديد معه، وهو التعويض عما كسر بداخلها أو خسرته، بالحصول على أكبر قدر من المكاسب منه، فقالت بابتسامة متلاعبة:
- مش بالشوف يا كارم، بالأثبات يا قلبي، اثبتلي انك بتحبني.
اطلق ضحكة مجلجلة ليقرصها في خدها قائلًا :
- حبيبتي الطماعة، كل حاجة عندها بتمن..... لكن انا برضو سداد.
ختم بتقبيل الجزء الذي قرصه، قبل أن يتركها ذاهبًا، ولكنها استدركت تهتف لتوقفه مرة أخرى قبل أن يمسك بمقبض الباب:
- طب انا عندي ليك طلب يا كارم.
طرد من صدره زفير كثيف قبل أن يلتف نحوها يقول بسأم:
- عايزة ايه تأني يا رباب؟
- عايزة اغير السواق والحارس. 
سألها باهتمام مستغرب الطلب:
- ليه يعني؟
كان من الممكن أن تخبره بالسبب الحقيقي وهو التشكيك في الأثنان، ولكن بعند منها، فضلت عدم الافصاح، قائلة بكذب:
- هو كدة انا عايزة اغيرهم، مش انت بتحبني وبتنفذ كل رغباتي، انا بقى بقولك اهو اني مش طايقة الاتنين.
رمقها لمدة من الوقت صامتًا بتفكير، ثم ما لبث أن يأخذ القرار وهو يتحرك ذاهبًا:
- حاضر يا رباب، اصبري بس على ما الاقي اللي يحل مكانهم.
- يعني اصبر لأمتى بالظبط؟
هتفت بها خلفه، ولكن لم يستجيب وتابع طريقه نحو الوجهة التي يقصدها، لتسقط هي على الكرسي من خلفها، ودائرة من الحيرة تبتلعها

❈❈-❈

خرج من غرفته يتخايل بخطوات متأنية مقصودة في طريقه ليتناول وجبة افطاره على المائدة التي ارتصت بالإطعمة الخفيفة بعدة انواع، وكان في انتظاره والدته وشقيقه الذي كان يرمقه بامتعاض معلقًا:
- اهو خرج اهو المحروس، بقالنا ساعة ننده ومنتظرين طلتك البهية يا سي الحبيب.
ناظره حسن من طرف أجفانه ليدنو من والدته طابعًا قبلة على خدها قائلًا بتجاهل متعمد للاخر:
- صباح الخير يا ست الحبايب، سامحيني لو اتأخرت عليكي، بس انتي عارفة بقى المشغوليات 
ضحكت مجيدة تنقل بنظرة ماكرة نحو ابنها الأكبر، قائلة باندماج معه:
- صباح الخير يا قلب ماما، عارفة يا حبيبي ومقدرة، طول الليل سهران، انا خدت بالي من نور الأوضة اللي ما اطفاش غير بعد الفجر. 
تنهيدة طويلة خرجت من حسن وهو يجلس ورأسه تهتز بدراما مستهبلًا:
- حقيقي بجد السهر تعبني أوي يا ماما.
- يا قلب امك يا خويا.
عقب بها أمين متهمكمًا بغيظ، لتباغته مجيدة بتوبيخها:
- ولد عيب، هي الالفاظ اللي بتتقال هناك في القسم، هتتقال هنا كمان في البيت؟
صاح بها أمين منفعلًا يستنكر قولها:
- امال عايزاني اقول ايه بس يا ماما مع فقع المرارة ده، يعني المحروس يفضل يحب طول الليل في التليفون، وجاي معانا احنا الصبح يعملي فيها التعبان، وانتي كمان بتجاريه في الدلع المرئ بتاعه ده؟
تخصرت مجيدة تقارعه بقولها:
- وما ادلعهوش ليه يا حبيبي ان شاء الله؟ مدام مراضيني وهيريح قلبي بجوازه....
- وهجيبلك أحفاد يا ماما.
قالها حسن بإضافة دغدغت مشاعرها وزادت من حنق الاَخر، وهو يتابع تأثر والدته:
- يا نور عيني يا حبيبي انت، ربنا يرضى عنك يارب زي ما مراضيني.
قالتها وتناولت طبقًا كبيرًا من البيض المقشر لتضعه أمامه، بتدليل صريح، تقبله منها بابتسامة ممتنة، طابعًا قبلة أخرى على كف يدها، ليصيح بينهم أمين معترضًا:
- الله بقى، دا احنا دخلنا كمان في التفرقة، بتفرقي بين ولادك يا مجيدة، تزغطي في الباشا وتدعيلوا، وانا بقى اتفلق.
بهزة برأسها التي التفت نحوه، أومأت بتأكيد وإصرار:
- اعمل زيه وانت تتساوى في المعاملة، بسيطة أهي.
لوك أمين اللقيمة في فمه، وتعبير الحنق يعلو قسماته، ثم جاء دوره في اصنطاع الدراما لينكر بكذب مفضوح:
- يعني بتذليني يا مجيدة، عشان ملقتش بنت الحلال اللي ترضا بيا، عكس المحروس اللي ربنا وفقه في اللي البنت اللي بيحبها، محظوووظ .
- الله اكبر. 
هتف بها حسن مكبرًا، وفمه ممتلئ بالطعام، لينهض فجأة، رافعًا طبقه معه قائلًا:
- يا ناس يا شر كفاية قر، انا نفسي اتسدت يا ماما، هروح اريح في اوضتي بقى عشان حاسس اني فرهدت، طاقة الجو هنا مش مبشرة خالص يا ماما على مشاعر الواحد وأحاسيسه، عن اذنك بقى.......
قالها والتف مغادرًا، غمغمت من خلفه مجيدة بنزق نحو الاخر:
- كدة برضوا تسد نفس اخوك، اخص.
- اسم الله على اخويا اللي نفسه اتسدت، دا هبش طبق البيض كله.
قالها أمين ردًا عليها، قبل ان ينتبه لقول الاَخر، والذي التف إلى والدته يخاطبها قبل دخول غرفته"
- متنسيش بقى يا ست الكل تجيبلي كوباية الشاي وحتة كيك معاهم، ماشي. 
- ماشي يا روح قلبي.
قالتها مجيدة ليباغتها أمين بسؤاله:
- كيك إيه؟ هو انتي عملتي كيك؟
ردت مجيدة تدعي الانشغال في الطعام:
- لا يا حبيبي، دي الست أنيسة ادتني صنية من اللي عملتهم هدية امبارح في الخطوبة وانا حطيتها في التلاجة عشان اخوك لما يحب ياكل منها.....
- على جثتي......
هتف امين يقاطعها ليتابع وهو ينهض ملوحًا بسبابته، وبتهديد صريح:
- يعني هو يحب في التليفون وياكل كيك كمان، على جثتي يا مجيدة، الصنية في التلاجة محدش هيهوب ناحيتها، ولو حصلت أخدها معايا القسم، هعملها يا مجيدة، وان شالله حتى افرقها ع المساجين.
قالها ونهض مغادرًا من أمامها، لتعقب من خلفه:
- دا انت بقيت صعب اوي يا أمين .
رمقها مضيقًا عينيه بشر قبل أن يختفي داخل الطرقة المؤدية للمطبخ، لتنطلق هي بضحك مكتوم من خلفه متمتمة:
- يا ولاد المجنونة.

❈❈-❈

- والله ما سرقت، والله ما سرقت حاجة، جيبولي المصحف احلف لكم لو عايزين، انا مسرقتش وربنا اعمل ايه عشان تصدقوني...
- بــــــس، وقفي بقى الله يخرب بيتك .
هدر بها ضابط التحقيق بعد أن فاض به من ثرثرتها المستمرة من وقت أن دلفت إليه.
افتر فاهها لتفتح مرة أخرى في وصلة البكاء والتنديد بظلمها، ف أشار الضابط يوقفها بكف يده التي لوح بها أمامها، ليفاجئها بجهاز الحاسوب الذي تلاعب به قليلًا، ليخرج لها دليل إدانتها:
- إيه ده؟
لوح لها بسبابته كي تقترب من سطح المكتب؛ الذي ثبت عليه الحاسوب لمستوى نظرها، كي تشاهد المعروض على شاشته.
دنت برأسها لتجد نفسها في موقع اظهرها بالكامل وكأن كاميرا مخصوصة وضعت لها في زاوية مختفية، لتظهر بوضوح صورتها من وقت أن جلست على الكرسي الخشبي بجوار المكتب الزجاجي لصاحبة المحل، ثم جلسة التأمل في كل ما حولها حتى أتتت على الخاتم الذي كان على الارض، وتناولته لتتأمل به بانشداه قبل أن تضعه بجيب سترتها؛ الذي اخذ نصف الشاشة ، قبل أن يظهر طول جسدها بالكامل وهي تغادر مع ميرنا، بصدمة جعلت رجفة من الزعر تزحف على طول سلسلة ظهرها، بنظرة ساهمة تسمرت مودة عدة دقائق تبتلع ريقها قبل ان تصيح بإنكار مكشوف وسيل من الدموع يبلل وجنتيها:
- دي واحدة غيري والنعمة يا باشا، مش انا، مش انا والنعمة........
أوقفت لتبكي بحرقة افقدتها الباقي من حجج كاذبة تخلتقها لتنجي نفسها، مما جعل الضابط يفقد اعصابه، ليضرب بكف يده على سطح المكتب صائحًا بعنف ونفاذ صبر على رجل الأمن خارج الغرفة.
- يا مدبولي، انت يا مدبولي، دخل الست اللي عندك.
على الفور دلف الرجل ليمتثل بتحية عسكرية ملوحًا له، وبصوت جهوري:
- تمام با فندم.
ثم بنصف استداره التف برأسه للخلف قائلًا:
- اتفضلي هانم .
قالها لينحي نفسه من أمام السيدة التي دلفت بهيئة ملوكية، تلقي نظرة ازدراء نحو مودة التي جف ريقها وانسحبت الدماء منها لتبدوا بهيئة كانت ستبدو مثيرة للشفقة نحوها، لو في وضع اخر غير هذا الوضع المدانة فيه.
- اتفضلي اقعدي يا هانم.
قالها الضابط مبادرًا بالحديث مع المرأة التي جلست على المقعد، لتقول وعينيها عادت مرة أخرى لمودة:
- الف شكر يا سعادة الظابط، انتو جيبتو الحرامية؟
صاحت مودة مستهجنة بإصرار غبي على الإنكار:.
- حرامية مين يا ست؟ هو انا اعرفك؟
بهدوء قاتل، رددت ناهد من خلفها ترمقها بنظرة كاشفة :
- يعني انتي متعرفنيش يا مودة ولا حتى اشتريتي مني الفستان اللي انتي لابساه ده؟
ابتعلت مودة لتنزل بنظرها نحو ما تريديه، وقد ضُحضت منها جميع الحيل، في جريمة سقطت بها من رأسها حتى أخمص قدميها، بدون قصد منها، انها لم تدخل المحل بغرض السرقة أصلا، لقد كانت تبتغي شراء الفستان وفقط، من أين ظهر لها هذا الخاتم لتتعامل معه بطبيعتها وتضعه بجيب السترة بدون تفكير، ليتها علمت بقيمته كي تُشغل عقلها قبل أن تأخذه كما تأخذ زجاجات الروائح والأشياء الخفيفة التي تسعدها من غرف رواد الفندق، والتي لا تعني لهم شيء، لكن بالنسبة لها، هو السعادة نفسها.
- فوقي يا مودة، انتي سرحانة في ايه؟
صدرت من الضابط بصوت عالي أجفلها لتنتفض مزعورة على واقعها الأليم، ثم تتابع قول الضابط للمرأة:
- يعني انتي كدة يا ناهد هانم، بتأكدي إن البنت دي هي اللي سرقت؟
- انا متأكدة مية المية يا باشا.
قالتها المرأة بثقة قبل أن تُجفل بسقوط مودة مغشيًا عليها على الأرض الصلبة أسفلها.
ليصيح على أثرها الضابط منزعجًا:
- يا مدبولي، انت يا مدبولي، تعالى شوف البنت دي ولا جيبلها أي زفت يفوقها.

❈❈-❈

بداخل الغرفة التي تعمل بها، وبقلق يتعاظم مع كل دقيقية وكل اتصال تجريه على هاتف الأخرى ولا يأتيها الرد غمغمت صبا بضيق:
- استغفر الله العظيم يارب، دي مالها دي؟
التفت شادي هذه المرة ليسألها بعد فترة من التريث مع انتباهه لهذا التغير الملحوظ بها:
- مالك يا صبا؟ ومين دي اللي طلعتك عن شعورك؟
وكأنها كانت في انتظار سؤاله، ومشاركة احد ما خوفها:
- قصدي ع البت مودة، أصلها غايبة عن الشغل النهاردة وبتصل بيها من الصبح لكن مفيش أي رد، دا حتى سواق الأتوبيس بتاع الشغل، لما سألته عنها قالي انه قعد فترة طويلة في انتظارها، وهي حتى مكلفتش نفسها تبلغه غيابها أو تاخيرها، انا مش فاهمة، البت دي اول مرو تعملها .
في غمرة استرسالها في هذا الأمر الهام لها، كان هو يركز مع كل كلمة توافق تعبيرات وجهها القلقلة بصورة ضايقته لحزنها، فقال بنبرة مهدئة:
- طيب براحة على نفسك طيب، ما يمكن التليفون فاصل شحن ولا حصل معاها ظرف طارئ، مش لازم تكون حاجة وحشة حصلت معاها يعني؟
بعدم اقتناع حركت رأسها، وازدادت ملامحها وجومًا، لتردف:
- مش مطمنة، الغياب المفاجئ ده وهروبها امبارح قبل ميعاد الأنصراف، دي غير انها متصلتش بيا تاني من وقت ما قالت انها عاملالي مفاجأة.
بابتسامة ودودة رد يطمئنها بكلماته:
- طب مش يمكن كل اللي بيحصل منها ده، من ضمن خطتها في المفاجأة اللي عملاها، اصبري شوية يا صبا، وتوقعي الخير، علٌه يكون كذلك. 
تنهيدة مثقلة صدرت منها بامتثتال لقوله، لتردف وهي تفكر بصوت عالي معه:
- يمكن يكون صح زي ما بتقول، خصوصًا يعني ان انا نفسي كنت مشغولة عنها امبارح، في خطوبة شهد، رغم انها كانت ع الضيق، بس كانت ليلة جميلة اوي.
- شهد دي اللي تبقى بنت صاحب ابوكي زي ما قولتي امبارح؟
قالها بتذكر جعل ابتسامة ساحرة تزين ثغرها، لتعقب بمرح:
- إيه ده؟ ما شاء الله، دا انت عندك ذاكرة قوية في انك تفتكر حاجة زي دي، انا نفسي قولتها من غير تركيز .
- انا عمري ما اغفل عن أي تفصيلة تقوليها أو شيء يخصك.
ود أن يقولها بصوت واضح لها، ولكن الجزء اليقظ بداخله، جعله يتراجع، ليخرج بقول روتيني في هذه المواقف
- المهم انك فرحتي يا صبا، عقبالك انتي كمان.
خبئت ابتسامتها المبتهجة ليحل محلها واحدة أخرى، ليس لها معنى، مما جعلها ترتد عليه بضيق، يسألها بريبة:
- ليه يا صبا التغير ده؟ هو انا قولتلك حاجة وحشة؟
بدا على وجهها الحرج وهي تتهرب بعينيها نحو الملفات المرتصة على سطح المكتب أمامها، وجاء ردها بغمغمة:
- لا طبعا انت مقولتش حاجة وحشة، دي حاجة بتتمناها كل البنات، بس....
توقفت فجأة وتوقفت النبضات بقلبه في انتظار ردها الذي جاء متأخرًا، بعد أن ارتفعت انظارها إليه، فيُقابل بهذا الوميض الغريب بعينيها:
- بس للأسف ابويا مش سايبلي فرصة للحلم، حاصر خياراتي في البلد وولاد عمي، وحكاية اقنعه إن الدنيا براح وولاد الحلال في كل حتة، مش بس في البلد وولاد عمي، حاجة أشبه بالمستحيل.
غصة مؤلمة شقت حلقه ومرارة الحزن بصوتها شعر بها بداخل جوفه، مع شيء آخر بنظرتها لا يجد له تفسير، بصعوبة حاول تجاوز الألم بصدره، ليسألها بفضول:
- طب وانتي رافضة البلد والجواز من ولاد عمك ليه؟
أجابته بسهولة وجرأة المدافع عن حقه في الحياة:
- مش عيب في ولاد عمي ولا البلد، بس أنا مش عايزة ابجى نسخة من خواتي البنات، ولا حريم خواتي اللي هما برضوا بنات عمي، انا رافضة جواز الجرايب من الأساس، ورافضة العيشة في القرية، انا حبيت المدينة ودا حجي.
ردد من خلفها بتأيد ومؤازرة، بنبرة تبدوا عادية، ولكن صداها داخله كان يصدح بصراخ:
- طبعا حقك يا صبا، وحقك تختاري اللي انتي عايزاه كمان.
- طب ادعيلي. 
قالتها بلهجة تقارب دلالها الفطري الذي بات معتادٌ عليه منها، وهي تنهض فجأة عن كرسيها، تجفله بقولها:
- انا رايحة قسم مودة، اشوفها جات ولا لسة، ولا اعرف حتى إيه الأخبار؟ لتكون وصلت أو بلغت غياب.
ظل صامتًا ولم يرد، حتى غادرت الغرفة ليتمتم من خلفها:
- يارب يحصل يا صبا، يارب

❈❈-❈

في المخزن الخلفي لدكان المعلم عابد الورداني، فتح العامل الباب على مصراعيه بغرض تناوله لبعض الأجولة المخزنة، وما أن دلف بخطوتين للداخل حتى تفاجأ بسبة وقحة أجفلته منتفضًا، ليدمدم بخوف غريزي، قبل أن ينتبه على صاحب الصوت: 
- بسم الله الرحمن الرحيم، مين؟ معلم ابراهيم .
اعتدل الاَخير عن نومته فوق ألاَريكة الخشبية الوحيدة، ليجلس زافرًا بنعاس، عينيه لم يفتحها جيدًا بعد، بشعر اشعث ووجه متجهم، اثار القلق بقلب العامل ليردد له باعتذار لا يخلو من الريبة:
- انا اسف يا معلم ابراهيم لو كنت صحيتك، بس يعني.... هو انت من امتي نايم هنا؟
ازداد تجهم ابراهيم لينفر من انفه وفمه زفرة حانقة، وأصابعه تهرش في سمانة القدم الذي رفعها على الاَريكة بجواره، متمتمًا بفظاظة ليست بغريبة عنه:
- وانت مال أهلك؟ انام هنا ولا هناك، دا شيء يخصني.
أومأ العامل برأس مطرقة بحرج، ليتابع طريقه نحو الداخل يدمدم باعتذار اَخر:
- حقك يا معلم حقك.....
- استنى هنا ياض.
هتف بها إبراهيم مقاطعًا الفتي ليوقفه امرًا:
- استنى قبل ما تدخل جوا ولا تاخد حاجة، روح ع القهوة اللي في اخر الشارع، هاتلي كوباية شاي اتصبح بيها.
- بس انا مقدرتش اتأخر، المعلم عابد مستني الطلبية في الدكان عشان نظبط الحسابات والدنيا هناك.
قالها الفتى باعتراض على تخوف من نوبة غضب ابراهيم، والذي ثار على التوقع هادرًا بشراسة ووجه مقلوب:
- ما تولع الطلبية ولا تتنيل تستنى، اخلص ياض هات كوباية الشاي وبعدها اعمل اللي انت عايزه، انا أساسًا قايم مخنوق ونفسي افش خلقي في حد.
انتفض الفتى ليذعن صاغرًا على غير ارادته، وذهب لتنفيذ أمره مغمغمًا بكلمات حانقة وغير مفهومة.
تبع اثره حتى اختفى ليتناول من جيب بنطاله علبة السجائر والقداحة، ليضع واحدة بطرف فمه يشعلها، يسحب الانفاس منها بنهم، ثم ينفث الدخان الكثيف في الهواء، متذكرًا سبب نومه هنا.
لقد كانت ليلة بشعة بكل ما فيها، ليلة اعادت عليه ذكريات سوداء، كان يظن أنه تجاوزها وتناساها،
كلمة حريق، هي أقل وصف لهذا الذي شعر به وقت رؤيتها بصحبة المتحذلق خطيبها المزعوم، ملعونة وجميلة كسابق عهدها قديمًا، مدللة أبيها التي كان يفتخر بها، ويتسابق الجميع لنيل رضاءها، حينما كانت حلم شباب المنطقة!
وقد كان أبلهًا بولهه بها كالبقية، تحركه مشاعر غبية واحلام مراهقة، وقد ظن أنه على وشك الفوز بها، 
قبل أن تصدمه بعنجهيتها عليه، وتقلب أيامه بجحيم رفضها......
وكانت القاسمة بعد رحيل والدها.....
- الشاي يا معلم ابراهيم. 
هتف بها العامل يقطع عنه استرسال ذكرياته، ليقترب منه واضعًا الكوب الساخن ومعه قنينة ماء، فاعتدل ينثر بطرف سبابته رماد التبغ المحترق من السيجارة ، وتناول الهاتف يفتحه اخيرًا ليرى كم الرسائل والاتصالات المهولة من خيبته الأخرى أمنية، بعدم اكتراث ضغط على الشخص الوحيد المهم إليه، ليصله الاستجابة السريعة منها:
- ايوة يا ابراهيم انت فين يا بني؟ ابوك قالب الدنيا عليك.
- الوو ياما، انا معاكي اهو بخير اطمني، ايه الأخبار بقى؟

❈❈-❈

بداخل غرفة بأحد المستشفيات الحكومية القريبة من القسم، تم تحويلها برفقة رجلين من الأمن، بعد أن فشلو في إفاقتها، وخشي الضابط ان يتحمل مسؤولية الإهمال عنها، ليأمر بنقلها حتى يتم فحصها من قبل الأطباء اللذين قيموا حالتها بالضعف الشديد، ويتم الأمر بحجزها حتى تستعيد عافيتها، مع الإعتناء بها جيدًا.
فكانت ميرنا أول الزائرين لها بعد الإفاقة، بحجة الإطمئنان عليها مع وصلة من التوبيخ بلوم متقن:
- كدة برضوا يا مودة؟ هي دي عملة تعمليها فيها؟ ولا دي جزاة تعبي معاكي؟ تخلي وشي في الأرض، ليه بس يا مودة حرام عليكي. 
على سريرها الطبي الذي كانت جالسة عليه بنصف نومة، ونصف جلسة متكئة على الوسادة القطنية من خلفها، تضغط على عينيها ببكاء حارق ومستمر صامتة، لتهتف بها الأخرى بعدم اكتراث لحالها:
- ما تردي يا مودة، سيباني اتكلم واهاتي مع نفسي، ايه بقى، هي القطة أكلت لسانك؟
جاء رد الأخيرة، وهي تمسح بطرف كوم فستانها الجديد، لتلطخه بالدموع العالقة على وجنتيها، وما ينزل من أنفها وقد ذهبت زهوته وفرحتها به بما وصلت أليه الاَن بسببه:
- يعني عايزاني اقولك ايه بس يا ميرنا؟ والله ما كنت اقصد، ولا كنت عايزة اسرق من الأساس.
قاطعتها ميرنا لتقول متهكمة، بتصنع الانفعال في قولها:
- يا سلام... ولما هو كدة، مين بقى اللي جابتها الكاميرات وهي بتحط خاتم الست في جيبها؟ الماظ يا مودة، بتسرقي خاتم الماظ.
- يا ستي والله ما اعرف انه الماظ. 
صرخت بها، لتتابع بحرقة:
- دا انا حتى حطيته في جيبي ونسيتوه، روحت البيت وقلعت الجاكت وسط الغسيل ونمت وما افتكرتش غير تاني يوم، وحتى ملحقتش ادور عليه والقاه، على الأقل كنت نجدت نفسي وخلصت. 
بانتباه شديد ادعت ميرنا لهفتها في حديث الأخرى لتجد لها حلا سريعًا:
- طب ما احنا فيها اهو، ابعتي لستك تدور وتجيبوا وتنقذك 
ابتسامة مريرة ارتسمت على ملامحها، ليخرج صوتها بأنين موجع:
- ستي مين اللي قولها؟ ستي مين بس؟ دي لو عرفت مش بعيد تاخده وتكتم عليه، انتي متعرفيهاش، دا حتى لو كلفت حد يروح ويدور هناك، مش بعيد تعمله فضيحة وتلم الشارع، مينفعش حد يدخل الأوضة غيري. 
- اااه
أومأت بها ميرنا بهز رأسها، لتطرق برأسها تدعي تفكيرًا عميقًا في هذه المعضلة، قبل أن ترفع رأسها إليها قائلة:
- طب معنى كلامك كدة يا مودة، ان انتي لازم تخرجي، ودي متنفعش غير بتنازل الست ناهد، بس دي بقى هنعملها ازاي؟ 
علقت مودة بلهفة الغريق الذي يتعلق بقشاية:
- كلميها يا ميرنا، وقوليها ان مودة هتقلب الدنيا وتخرجه.
عوجت المذكورة ثغرها لتحدجها بنظرة لائمة تردد:
-أكلم مين يا مودة، هو انتي سبتيلي فرصة مع الست اللي طول عمرها بتحلف بأخلاقي وبأني زبونة مميزة عندها، دي بعد اللي حصل جات عندي وهزئتني إن جيبتلها واحدة حرامية، لدرجة انها كانت هتلبسني في المصيبة معاكي، ولا انتي فاكرة ان قضيتك ما لطتنيش، دا انا اتحقق معايا من قبل ما يجبوكي، ولولا الظابط شاف الفيديو وعرف اني بريئة، لكان زماني دلوقتي مشرفة معاكي.
بخيبة أمل ويأس شل تفكيرها، دمدمت مودة بسذاجة تتأسف لها:
- انا أسفة يا ميرنا اني عرضتك لكل المشاكل دي، سامحيني.
تنهيدة كبيرة طردتها ميرنا من صدرها، تدعي الأسى لحال الأخرى قبل أن تجفلها فجأة بقولها:
- على فكرة صح يا مودة ، مدام ناهد دي مجرد مستأجر للمحل، لكن المول نفسه بالهيلمان دا كله، ملك عدي باشا.
بعدم فهم ناظرتها مودة باستفهام:
- عدي باشا بتاعنا...... طب ايه يعني؟ هو ممكن يطردني لو عرف؟..... ولو انتي قصدك ايه بالظبط؟
تراقصت مقلتيها بحركات غير متزنة لتجيبها بمكر:
- بصراحة مش عارفة، انا بفكر معاكي اهو......
الا صحيح، هي صبا معرفتش بموضوعك؟
قالت الأخيرة بنبرة مختلفة عن الباقي لم تنتبه لها مودة التي اجابتها بعفوية وعدم تركيز:
- لا طبعًا، وهتعرف ازاي يعني؟ هو انا شوفت حد من الصبح غير الظباط والدكاترة.

❈❈-❈

في طريقها نحو الذهاب، بعد أن سألت عن مودة وعلمت بأن الوضع على ما هو عليه في حالة الغموض المحيطة بغيابها، كان القلق ينهش قلب صبا التي كانت لا تكف عن المحاولات البائسة في الاتصال بها، حتى كادت أن تصطدم بأحدهم، قبل أن تملك زمام امرها متراجعة في الوقت المناسب، لتردد بالإعتذار قبل حتى أن تنظر عينيها الرجل:
- أنا اسفة.
- مفيش داعي للاعتذار محصلش حاجة اصلًا.
بلكنته الراقية وهذه النبرة التي أصبحت تعلمها، رفعت رأسها إلى صاحب الصوت، لتلتقي عينيها الجميليتن بعينيه المتصيدة، خضراء لكن عميقة، على قدر صفاء اللون بها، على قدر الغموض في عمقها وجرأتها، يخاطبها وكأنه على صلة بها منذ سنوات عديدة:
- عاملة إيه يا صبا؟ 
تمتمت ترد باقتصاب بغرض اختصار الحديث كي تذهب:
- الحمد لله يا فندم عن......
- عامل ايه شادي معاكي؟ مستريحة في الشغل معاه؟
مقاطعتها المقصودة وسؤاله المباغت لها جعلها تجيب بتحفز غير مبالية:
- الحمد لله يا فندم، مستر شادي من احسن المديرين هنا، يارب بس اكون انا على قدر المسؤلية معاه.
بشبه ابتسامة جانبية رمقها بها، ولم تعرف تفسيرها لتشعر بعدم الارتياح، حتى تدخلت رئيسة القسم التي أتت فجأة، وبصوت ظهر فيه الإهتزاز، ذلك لدهشتها بحضور رجل الأعمال وصاحب الفندق بنفسه إليها:
- يا أهلا يا فندم، نورت القسم كله، اا تؤمر بأي شيء يا عدي باشا.
أومأ لها برأسه، وقبل أن يهم بالرد عليها سبقته صبا من أجل أن تنصرف:
- طب عن اذنكم .
- استني يا صبا.
اوقفها من قبل أن تتحرك، ليباغتها بقوله الغير متوقع:
- كنت عايز اهنيكي بثقة مستر شادي انه اعتمد عليكي اخيرًا في تجميع البيانات .
توسعت عينيها بإجفال، غير مصدقة تركيزه معها في هذا الأمر، وفي هذه النقطة بالذات، فكان رد رئيسة القسم هو الأسبق لها:
- لا يا باشا، شادي مغيرش النظام، دي صبا كانت جاية تسألني عن واحدة صاحبتها .
- اممم صاحبتها.
قالها بلهجة ساخرة متهكمة لتثير بداخلها الحنق لفعله الغير مبرر.
فاض بها، فتحركت على الفور تكرر استئذانها للإثنان كي تغادر، تاركة في المكان اثر عطرها الرقيق، فتظل عينيه معلقة بطيفها حتى اختفت، غير منتبهًا لحديث المرأة التي كانت تموت في جلدها خوفًا من هذه الزيارة الغريبة.

❈❈-❈

انتهت اخيرًا من تجهيز نفسها بعد فترة طويلة من البحث بين اكوام ملابسها حتى اختارت شيئًا قديمًا من خزانتها، يناسب خروج اَنسة مع خطيبها، بنطال جينز مناسب وعليه سترة نسائية لم ترتديها منذ فترة طويلة، ولكنها كانت رقيقة لتظهر قدها الممشوق بنعومة كانت تدفنها اسفل ملابس الرجال، والتي لا يصح ارتدائها الاَن على الإطلاق، هي ليست بقليلة الذوق حتى لا تعرف التعامل في مثل هذه المواقف المستجدة معها، حتى تعتاد على الأمر، أو بالأصح تعود لعهدها القديم.
أطلقت شعرها لخلف ظهرها، متخلية عن الربطة الكئيبة، بشرة وجهها لم تفعل بها الكثير، سوى انها وضعت كريم الأساس الذي علمتها عليه صبا ليلة أمس، وخط الكحل الرقيق، ثم لون الشفايف وضعته بصعوبة، بالكاد يظهر عن اللون الطبيعي، كانت ترى نفسها مرضية إلى حد ما حتى فاجئتها رؤى التي اقتحمت الغرفة مهللة:
- ايه الحلاوة دي؟
على أثر الصوت المفاجئ انتفضت شهد مجفلة، لترد بتوبيخ:
- اخص عليكي، كدة برضوا تدخلي الاوضة هجم وتخضيني، مش عوايدك دي يا رؤى؟
تبسمت الأخيرة لترد وهي تتقدم نحوها بابتهاج خالطه الانبهار والإعجاب:
- إنا اَسفة يا قمر لو كنت خضيتك، بس الباب كان مفتوح والله وانا دخلت عشان اندهلك، يعني داخلة على غرض، بس ايه الجمال ده؟ اقسم بالله انا كنت عارفة انك طلقة وصاروخ ارض جو كمان.
- ياااه.
تمتمت بها شهد بخجل تخفيه لتتابع بإنكار:
- مش لدرجادي يعني! قولي كويسة وخلاص.
- كويسة وخلاص!
قالتها رؤى بابتسامة خبيثة تتلاعب على محياها، لتلتف حولها تتأملها يمينًا ويسارًا، وتردد بمرح:
- يا باشا ما هي لو كانت كويسة وخلاص أو عادية، مكانتش طلعت من قلبي كدة، دا انتي هتقلبي الشارع برا لما تخرجي والناس تشوفك، لكن البلوزة دي متهيألي ما بتلبسيهاش خالص قبل كدة، كذا مرة اشوفها في الدولاب عندك وافتكرها ضيقة ولا مش عجباني وعشان كدة سايباها، دا غير البنطلون كمان...... ايه ده يا عم!
بارتباك ملحوظ ظهر في حركة يدها المضطربة ردت شهد وهي تمررها داخل خصلات شعرها المسترسل كالحرير معها:
- ااا هي فعلا كانت معايا من فترة طويلة، ويمكن أكثر من سنة كمان، كنت اشترتها في مرة كدة لكن مجاتش فرصة البسها، ما انتي عارفة، انا معظم مشاويري شغل... 
لم ترد رؤى وظلت تتمعن بها بأعين تلمع بالفرح،سعيدة بهذا التغير المفاجئ لشقيقتها، والتي عبست بوجهها كي تسألها بجدية مصطنعة:
- مقولتش بقى، ايه اللي دخلك هجم كدة؟ وكنت جاية تندهيلي على إيه؟
استدركت فجأة لتضرب بكف يدها على جبهتها بتذكر قائلة:
- يا نهار ابيض، اَه صحيح دا انا نسيت اقولك، اصلي البشمهندس وصل برا ومستنكي في عربيته، وشاورلي في البلكونة عشان اندهلك .
- وتوك اللي فاكرة يا رؤى؟ 
قالتها بلهجة موبخة، لتستل هاتفها وحقيبتها لتعلقها على كتف ذراعها تطالعها بغيظ لتردف لها وهي ذاهبة:
- دا انتي المرقعة والمياصة تنسيكي اسمك.
لحقت بها رؤى متمتمة من خلفها:
- وماله لما ابقى مايصة، دي حتى كلمة جميلة وفيها عبر.
كانت شهد قد وصلت لنصف المنزل حينما سمعت قول شقيقتها لتلتف إليها بتوعد ضاحكة:
- اخلص بس مشواري، وانا اخليكي تشوفي العبرة بحق للمياصة اللي عجباكي دي. 
قالتها ثم التفت نحو زوجة ابيها التي تسمرت مزبهلة لرؤيتها كما فعلت امنية ايضًا، فقد كانت جالسة في الجهة الأخرى حينما تفاجأت بها:
- لو عوزتي أي حاجة اطلبيني ع التليفون، انا هحاول متأخرش ان شاء الله.
اومأت نرجس رأسها بتشنج، وعقبت رؤى بشقاوة:
- يا ستي ومتتأخري براحتك، فيها إيه يعني؟ دا انتي حتى طالعة مع خطتشيبك اللاه.
للمرة الثانية التفت لها، غير قادرة على منع الضحك لكن بمزيد من الوعيد:
- هقتلك والنعمة هقتلك، اهدي بقى واتبطي خليني اخرج بقيمتي قبل ما ارتكب جريمة معاكي.
اومأت رؤى مزعنة بطاعة وابتسامة لم تفارقها، حتى اذا خرجت شهد ركضت نحو الشرفة مدمدمة:
- هروح اشوفها وهي بتركب العربية مع خطيبها .
بصدمة وعدم تحمل التفت أمنية تحدج والدتها بنظرات حارقة لتضرب بكف يدها على فخذها ثم على صفحة وجهها، وتغمغم بغليل وقهر:
- يعيني على بختك القليل يا أمنية.


تعليقات



<>