رواية بين الحقيقة والسراب الفصل الرابع عشر14والخامس عشر15 بقلم فاطيما يوسف


رواية بين الحقيقة والسراب الفصل الرابع عشر14والخامس عشر15 بقلم فاطيما يوسف

البارت الرابع عشر
احتضنها بحب وقبلها من يداها وراسها وامسكها من يدها وهو يعرفها على جوليا قائلاً بابتسامة :

_اعرفك يا ماما بجوليا  اتعرفت عليها في ايطاليا هي  fashion designer  وخطبتها هناك.

استمعت إلي أخر كلماته وفتحت فاهها علي وسعه مرددة بتلقائية مغلفة بالصدمة :

_ خطبتها ! إزاي ده يعني؟

اهتز فكه باستغراب لاستفسار والدته وأجابها متعجباً:

_يعني ايه ازاي يا ماما اتعرفنا على بعض هناك وحسينا بارتياح احنا الاتنين وهي طلبت مني انها تنزل مصر علشان تتعرف عليكي وعلى مروان وهيام .

اندهشت عبير لما استمعت اليه اذنيها وظلت دقيقة كاملة تنظر اليه الى ان استمعت الى سؤاله مرددا باستغراب:

_ايه يا ماما مالك في ايه مش هتسلمي على ضيفتك وترحبي بيها ؟

مدت يداها بعدما استوعبت طلبه وهتفت بابتسامة مجاملة:

_اه طبعا نورتي مصر ونورتي بيتنا المتواضع اتفضلي يا بنتي .

أدار وجهه اليها ونطق بابتسامة اظهرت تلك الغمازات التي تتوسط خدَّيه:

_اتفضلي هتاكلي دلوقتي من ايد عبير احلى صينية بطاطس بالفراخ عمرك ما هتنسيها ابدا في حياتك .

ابتسمت جوليا بهدوء واشادت وهي تنظر الى المنزل بارتياح نبع داخلها فور دلوفها :

_البيت منور باصحابه يا طنط ما تتصوريش انا بحب مصر قد ايه وبجد مبسوطة جدا اني هقضي اسبوع بحاله هنا في مصر ،

واستطردت حديثها بفرحة:

_ومش بس كده ده في وسط ناس عنوانهم الطيبة والجمال والهدوء .

ابتسمت والدته بهدوء وهتفت بكلمات اطرائية:

_ربنا يعز مقدارك يا بنتي انا هقوم اعمل لكم الغدا وانت يا مالك اطلع غير هدومك يا ابني وخد شاور عقبال ما اخلص وما تقلقش عليها انا هعمل لها قهوة من بتاعتى لأن النوع اللى بتشربه تقيل عليها عقبال ما تنزل .

انتهت من كلماتها وتركتهم وذهبت الى المطبخ وهي في حيرة من امر ولدها وحدثت حالها بتعجب:

_ازاي يا مالك يا ابني تعمل حاجه شكل دي من غير ما تاخد رأيي انا مش مصدقه والله يلا هنشوف لما تمشي ونقعد نتكلم في الموضوع ده .

ومكثت وقتها وهي تحدث حالها تارة بانزعاج وتارة بهدوء الى ان انتهت من طهيها ،

بعد مرور نصف ساعة انتهوا من تناول الطعام وجلسوا يتبادلون أطراف الحديث الى ان أحس مالك بإرهاق جوليا فنظر اليها قائلا:

_تحبي اوصلك للفندق لأن واضح عليكي التعب جدا؟

نظرت له بامتنان لشعوره بتعبها وأجابته بموافقة وهي تنظر إلي والدتة بعيون تشع سعادة ووجهت لها الحديث:

_والله يا طنط كان نفسي اقعد معاكي تاني لكن حاسه بإرهاق شديد بس ان شاء الله المرة الجاية هخلي مالك يجيبني وأقضي اليوم كله معاكي .

ربتت عبير على ظهرها بحنو ورددت :

_ولا يهمك يا حبيبتي والبيت مفتوح لك في أي وقت تشرفي وتنوري .

وبعد انتهاء السلامات ودعتها جوليا بالأحضان وكأنها تعرف عادات مصر وتحفظها عن ظهر قلب  ،

خرج بها مالك من المنزل وأوصلها الى الفندق التي تمكث به بعد ان ودعها بمحبه ثم عاد الى منزله وجد والدته تنتظره على أحر من الجمر وما ان دلفا حتى وجهت له اسئلتها المباشره بعتاب:

_اولا انت ازاي تخطب من غير ما تعرفني يا ابني هو انا قد كده ما بقيتش مهمه بالنسبه لك؟

كاد ان يتحدث الا أنه اشارت اليه بكف يديها ان يصمت وتابعت استفسارها:

_ثم انت ازاي تخطب واحده ولا تعرف عادتنا ولا تقاليدنا والله اعلم حياتها قبل كده كانت عاملة ازاي !

قطب جبينه باندهاش وأجابها بتساؤل:

_والله يا ماما هي مسلمة زيي زيها وانا قعدت شهر كامل هناك واتعرفت عليها غير ان احنا كنا بنتعامل مع بعض في الشغل  ،

واسترسل حديثه بتوضيح:

_وبعدين انا ارتحت لها وارتحت جدا في التعامل معاها وده كل اللي يهمني يا أمي .

لم يعجبها رده فهي أكبر منه سنا وقلب الام يخبرها بأن هذه الزيجة لا تتماشى ابدا مع ولدها واشادت بنصح:

_يا ابني فكر قبل ما تاخد اي خطوة تندم عليها صدقني فرحة البدايات مش شكل لما تدخل وتتعمق في الموضوع فكر يا مالك واحسبها كويس .

لا ينكر انه انزعج من حديث والدته ولكن هو من خطا خطوته دون اي تشجيع من أحد نمي عن ارتياحه لها وهتف مطمئنا لها :

_مش عايزك تقلقي يا امي صدقيني لو حسيت ان اي حاجه مضايقاني مش هكمل عايزك بس تدعي لي بالتوفيق ،

ثم قرر ان يفاتحها في الموضوع الذي ابلغه به الطبيب عن حالته والذي لن ينساه طيلة المدة الماضية وتحدث بملامح وجه مكفهرة :

_عايزه اقول لك يا ماما على حاجه بس تعاهديني انها ما تطلعش ما بيني وما بينك لحد ما نعرفها ونتاكد منها ؟

ربتت على ظهره وطمأنته بتأكيد:

_قولي اللي انت عايزه يا حبيبي وما تقلقش سرك في بير .

رمى بجسده للخلف وزفر أنفاسه بقهر وألقي علي مسامعها ماأشاد به الطبيب بالتفصيل ،

وما إن أنهي حديثه حتي صار صدره يهبط ويعلوا من شدة تأثره ووجيعة قلبه التي أدمت روحه وهو ينظر إلي والدته الذي وجد وجهها شاحبا كشحوب الأموات مما استمعت اليه اذنيها ،

لاحظ شحوب وجهها ودق قلبه برعب علي حالتها البادية والتي لا تبشر بالخير وهتف وهو يحتضن كفاي يداها :

_ ماما ممكن لو سمحتي متاخديش الكلام علي أعصابك أنا الحمد لله بقيت بخير والدكتور طمني إن العقار ده تأثيره طلع من جسمي بفضل العلاج والمتابعة واني بقيت كويس جداً الحمدلله.

اندلعت ثورة قلبها رعباً وهلعا علي حديث ولدها وأدمعت عيناها ونطقت باستفسار:

_ إنت متأكد يابني من الكلام ده مش يمكن يكون الدكتور ده غلطان واتلخبط في التحاليل مابينك وما بين حد تاني ؟

قلب عينيه بوجع وهو يمسح على وجهه من شدة التأثر لما حدث له وأجابها :

_كلام الدكتور سليم مية في المية يا امي انا عملت تحاليل عند مركزين تانيين ونفس الكلام اللي قاله الدكتور ده هو نفس الكلام اللي قاله التانيين ،

واستطرد حديثه متسائلا باندهاش:

_تفتكري يا امي مين اللي يعمل فيا كده من اللي حواليا هو بالتأكيد مش حد غريب؟

وتابع بسرد الأسماء:

_معقوله تكون نهال هي اللي عملت فيا كده؟!
بس ليه دي اتطلقت مخصوص علشان خاطر ما بخلفش ،

ولا اخويا اللي من لحمي ودمي وارجع واقول ايه اللي هيخليه يعمل فيا كده؟!

ولا اختي اللي لو طولت ادي لها عيني وعمري ما استخسر فيها حاجه!

وارجع برده واقول  احنا ولاد حلال ومتربيين وانتي علمتينا ان احنا نحب بعض فعمرها ما هتعمل معايا كده!

ابنك بقى جواه متدمر تايه حزين من اللي عرفه واللي يا ريتني ما كنت عرفته .

اما والدته كانت تستمع له بقلب ينفطر ألما وحزنا على كلماته ولكن عقلها يجوب تذكرا لما رأته منذ أكثر من ثلاثة أعوام ولكن حينها نفضته عن رأسها ولم تستفسر ،

وما إن وصلت لتلك النقطة اعتلت دقات قلبها هلعا لما هو قادم وارتفع ضغطها وباتت تتنفس بصعوبة بالغة ،

انتبه مالك إلي حالتها وفورا انتقل جانبها وهو يمسك يداها ويمسد علي ظهرها بقلق بان علي معالم وجهه:

_ مالك يا أمي حصل لك ايه يا حبيبتي!

بالله عليكي اهدي ومش عايزك تفكري في الموضوع ده أنا الحمد لله بخير وقررت إني مش هدور علي إللي عمل كدة علشان أيا كان مين هو فهو قريب وساعتها هتقلب نار ودمار وأنا مش مستغني عنك ياأمي ولا عن حد من إخواتي وطالما أنا الحمدلله ربنا نجاني مش هنبش في إللي فات .

وحاول تهدأته بكل الطرق وبث الطمأنينة داخلها علها تهدأ من روعها ،
لكن بداخله يردد بوجع :

_ هي الدنيا كدة تديك وجع فوق الوجع وتقول لك استحمل ماأنت جدع.

أما هي حاولت أن لاتعطي الأمر اهتماما ومثلت الهدوء لكن بداخلها بركان إذا انفجر سيحرق الأخضر واليابس.

________________________________

وعلي الصعيد الأخر وبالتحديد في شقة ريم التي لم تعد تتحمل خوض المعركة مع تلك العجوز الرقطاء وحدها وهاتفت والدها أن يأتي علي الفور كي توضع النقاط علي الحروف فهي لن تهب أحدا علي وجه الأرض غير ربها ومادامت لن تغضبه فليكن مايكن ويذهب الجميع إلي الجحيم ولن تستسلم أبداً وستخوض المعركة كأقوي جندي محارب حتي النهاية اما الموت أو الفوز ،

أخبرت حماتها بقدوم والدها كي تخبر زاهر أن يحضر كي ينفض هذا الهراء من وجهة نظرها ،

وبعد مرور ساعة بالتحديد وصل والدها وهبطت إلي الأسفل والتف الجميع كشبكة العنكبوت المتراصة في مكان واحد فتحدثت العقرب بعد أن رمت مافي جوفها من سم مكملة بشدة:

_ وبعد ده كله علشان مش عايزه ولادي ابني يتربوا بره وهسامحها على عملته في ابني الله يرحمه تقف قدامي وتناطحني بنتك المتربية يا ابو رحيم وما راعتش العشره ولا العيش والملح .

ترك جميع حديثها ونظر الى ابنته متسائلا بحده:

_انت عليتي صوتك على حماتك وهنتيها يا ريم جاوبيني حالا؟

كانت ريم تستمع الى حديث تلك الشمطاء وهي تفتح فمها بدهشه من افتراءاتها واجابت على والدها بدون احراج :

_انت عارف يا بابا ان انا تربيتك واني ما اعملش كده من الباب للطاق ،

ده انا اتذللت لها بدل المره 100 مره وحاولت افهمها اني ما ليش ذنب في موت جوزي وان احنا كنا بنتناقش مع بعض واختلفنا زي اي زوجين ووطيت على رجليها ما صدقتنيش وفضلت تتعامل معايا بمنتهى القسوة ومصممه اني اتجوز اخو جوزي علشان خاطر خايفه لاأروح اتجوز غيره يعني شايفاني في نظرها ما عنديش اصل ان أول ما اخلص العده اروح ادور على واحد تاني غير جوزي .

احتد وجهه وهتف بنفي:

_برده ده ما يديكيش الحق انك تعلي صوتك عليها دي برده ام وابنها مات؟

إبتلعت غصتها بمرار مثل مرارة الصبار، وتركت لسانها يتفوه قائلة:

_يا بابا انا ما عليتش صوتي الا لما طلعت لي ابنها لحد باب شقتي فوق وانا ست لوحدي يعرض عليا اني اوافق والين يرضيك تعمل كده ؟

واسترسلت بمواجهة دون أن تخشي في الحق لومة لائم:

_انا تربيتك يا بابا والمفروض ان انا امانة هنا في البيت والمفروض برده اني ست أرملة وهو بالنسبه لي راجل غريب ما يصحش يدخل شقتي ولا يطلب يقعد معايا انت ربيتني على الأخلاق والأدب والاحترام وانا يستحيل احيد عنها ودي كانت المرة الوحيدة اللي وقفت لها بالند علشان ما تفكرش تعمل كده تاني .

بعد ان القت ريم كلماتها احست كأن دلوا من الماء الثلج سقط على راسها في ليلة شديدة البرودة ،
حقا لقد قصفت جبهتها وجعلتها في موقف سيده لا تعرف الأصول ،

أما والدها ماإن أنهت ابنته حديثها ضم حاجبيه وعبس وجهه وسأل مستفسرا بدهشة ظهرت علي وجهه لتلك الاعتماد:

_الكلام ده حصل منك يا ام باهر ؟

أحست أنها موضع اتهام وأجابت بتوتر وهي تنظر بعينيها جانبا :

_ فيها ايه اني بعت عم العيال إللي في مقام أبوهم يطمن علي ولاد أخوه !
كفرنا ولا ايه باأبو رحيم ؟

قطب جبينه وهز رأسه بعدم فهم وتسائل متعحبا:

_ يعني إنتي شايفة إن إللي إنتي عملتيه ده صح ؟!

وتابع بإنهاء الحوار وهو ينظر إلي ابنته هاتفا بابتسامه:

_ أنا فخور بيكي يابنتي طلعتي تربية جميل بصحيح ،

وعلي فكرة حوار إنهم بيتهموكي انك السبب في موت جوزك ومشيلينك الذنب تنسيه خالص ،

اي واحده بيحصل بينها هي وجوزها مشادات وده عمره وانتهى وإنتي بنتي وانا واثق فيكي اكتر ما انا واثق من نفسي ما تحمليش نفسك فوق طاقتها يا حبيبتي .

حين استمعت إعتماد الي كلامه حتي تشعب الغضب في رأسها بلا رادع وهتفت بحدة :

_ وأنا بقول البت دي جايبة القوة دي منين أتاري الكبارة أبوها مبيقولهاش عيب عن الصح والغلط وبقت هيصة .

أما ريم أصبحت دقات قلبها أكثر سعادة وارتياحا لما سمعته من والدها وأصبح جسدها يكاد يطير فرحا من حسمه للموقف أمام حرب ضميرها وقررت أن تترك ساحة رد الاعتبار لوالدها احتراماً لوجوده وفضلت السكوت ،

أما جميل لم يعطى استهزائها أي اعتبار ونظر إلي زاهر ناطقاً بكلمات لاذعة قاصداً إحراجه :

_انت ايه رايك في كلام والدتك واستهزائها للراجل الكبير اللي قاعد قدامها يا زاهر ؟

تصبب زاهر عرقا من شدة الإحراج من كلمات ذاك الخلوق مرددا بأسف :

_ معلش يا عمي اعذر والدتي قلبها محروق علي موت ابنها وكل إللي بتعمله ده علشان ولاده ميبعدوش عنها .

نطق جميل باندهاش:
_ هو مين بعدهم عنها !

أنا لحد دلوقتي جوزها ميت بقاله أكتر من تلت شهور وماأخدتهاش وسبتها هنا وسطكم علشان خاطر ما تتحرموش من العيال .

اشار زاهر براسه بموافقه على حديثه وردد :

_بس اكيد هتمشي في يوم من الايام وده مقصدها فاحنا بنشوف حل يرضي الجميع .

اهتز فكه بغضب وردد باستنكار:

_ والحل من وجهة نظركم إن بنتي تتجوزك يازاهر ؟

هتفت اعتماد بتساؤل:

_ وفيها ايه يا أبو رحيم هي البرنسيسة أول واحدة هتتجوز أخو جوزها ؟

أجابها بثقة:

_ لا ياأم زاهر أول واحدة هترفض تتجوز أخو جوزها ،

واسترسل وهو يمسد علي ظهر ابنته بتأكيد :

_ وطالما بنتي رافضة يبقي مفيش جواز وإللي هي عايزاه هو إللي هيتنفذ .

طوفان الغضب تجمع في عينيها وأشادت ببرود مميت :

_ بس إحنا كدة هنبقي قطبين متنافرين والدنيا هتولع .

قطب جبينه ونطق باستفسار:

_ وليه منبقاش قطبيين متجانسين وتبقي أهل ونمشيها بالمحبة؟

ضربت علي فخذيها مرددة بغضب:

_ علشان ولاد ابني مش هيتربوا بره البيت ده .

نطق بتأكيد:

_ وأنا بنتي وولادها قبلها مش هيعشوا في بيت الراجل إللي فيه عايز يتجوزها وبيبص لها ومراته وأمه يبهدلوها ،

ثم نظر إلي ابنته مرددا بفخر :

_ علشان دي البرنسيسة ريم المالكي إللي تعيش علي كيفها وبراحتها وطول ما أنا عايش محدش هيجبرها علي حاجة مش مرتاحة لها ولا عايزة تعملها.

انتفضت أعينها بحدة وهي تطالع ذلك الرجل الذي  لايختلف شراسة عن ابنته ورددت بوعيد:

_ بس إنت كدة بتفتح باب نار مش هينسد إلا لما يحرقنا كلنا ونبقي زي الهشيم ،

وارب الباب ياجميل علشان الكل يتراضي .

أجابها بثقة وتريث:

_ النار مش هتلسع غير إللي ولعها ياإعتماد أما أنا كفيل إني أبقي جيش مطافي واقف حصن منيع من إن حر النار بس يوصل لبنتي.

كانت ريم تجلس رافعة رأسها في موقف فخر بأنها ابنة ذالك الرجل الذي دافع عنها بكل قوته ونصرها علي من تعمدوا إيذائها نفسيا ،

اكتفت بابتسامة مشرقة أنارت وجهها فهي حقا كانت خائفة من رد فعل والدها حين يعلم ماحدث ولم يكن في حسابنها أنه سيتفهمها ولم يفعل مثل والدتها ،

حقا ارتاح قلبها وعقلها وعاد وجهها لنضارته ،

حاول زاهر تهدئة الأجواء لكن كل منهما ينظر للأخر نظرات نارية إلي أن قال جميل بأمر لابنته :

_ قومي البسي هدومك وهاتي ولادك ومتلميش أي هدوم ولا ليهم ولا ليكي وسيبي الجمل بما حمل وبيت أبوكي مفتوح .

انتفضت بحدة وهي تنظر لهم :

_ بس أنا مش هتنازل عن حق ولادي يابابا.

أشار إليها أن تصمت وهتف :

_ حق ولادك عايزين يديهولك بما يرضي الله ماشي عايزين ياكلوه نار في بطونهم يتحملوا عواقبه ،
إنتي وولادك ملزومين مني لحد ما يكبروا ويبقوا رجالة .

اشتعلت الحرب بين مثلث الرعب "جميل ريم اعتماد" وانتهت المناقشات الحادة علي خروج ريم وأبناؤها من المنزل تحت استشاطة اعتماد وزاهر التي تجلس تخطط كما يخطط الشيطان .

____________________________

في دار الايتام 

امسكت هاتفها تتصل برقم ما وما ان جاءها الرد حتى رددت بملامح وجه مبهمة :

_انا عايزاكي  تجي لي حالا وتسيبي كل اللي وراكي ما تتاخريش انا في مكتبي .

أجابتها الأخري بسرعة :

_ حاضر يافندم أنا جايه حالا.

بعد عدة دقائق وصلت الأخصائية النفسية المسؤلة عن الفتايات في المنزل مستئذنة الدخول ،

أشارت إليها شريفة أن تجلس وفي غصون ثواني تركت مابيديها وتحدثت بانزعاج:

_ازاي تبقي إنتي الاخصائية النفسية المسؤولة عن البنات وتحصل الكارثه دي في الدار ؟

انخلع قلب الأخري من طريقة حديثها وأجابتها  بتوتر:

_ هو ايه ايه اللي حصل يا فندم وضحي لي اكتر عشان افهم؟

نظرت إليها بعيون غاضبة وهدرت بها بحدة بالغة :

_ ما هو لو إنتي شايفه شغلك كويس ومتابعه البنات واخبارهم ما كانش حصل اللي حصل واظن دي مهمتك يا هانم اللي بتقبضي عليها فلوس كل شهر .

كانت شريفه تنظر اليها نظرات حادة فهي لن تسمح بايذاء البنات بتلك الجريمة الشنيعة مهما كانت طامعة ،

ورددت باستفسار مغلف بالخوف :

_ طيب فهميني ايه إللي حصل وأنا إن شاء الله أقدر أعالج المشكلة.

اهتز فكها بغضب وهتفت بتوضيح:

_ في ان حد وصل لأكونتات البنات وتليفوناتهم وهكرها  لمجرد بس ان البنات وصل لها لينكات وفتحتها الموبايل بتاعهم بقى كله متراقب صوت وصوره وحقيقي في بنات اتأذت والموضوع ده لو عرفت بيه الوزاره كلنا هنروح في 60 داهيه بسبب ان احنا مش عارفين نشوف شغلنا .

انصعقت الأخرى من كلام المديره وتسائلت باندهاش:

_  وضحي لي اكتر علشان مش فاهمه .

أخذت نفسا عميقا ثم زفرته بتعب وأجابتها:

_اللي بيعملوا كده قصدين انهم يدخلوا البنات دي في شبكه دعاره الانترنت لما يبتزوهم بفيديوهات وبأسرار خاصة ليهم قدروا يوصلوا لها من خلال اختراقهم لموبايلات البنات لمجرد بس ضغط على اللينك ،

وتابعت بحزن:

_وده حصل مع مريم اللي كانت هنا في الدار موبايلها اتهكر والفيديو اللي طلع في الحفله قدام الناس كلها ده كان كارت تهديد للبنت دي علشان رفضت تشتغل في موضوع دعاره الانترنت فاضطرت انها تعمل معاها كدة وفي الآخر عرفت بمحض الصدفه الموضوع ده كله .

كانت الأخصائية تدون كل اشادت به المديره ثم اقترحت:

_تمام يا فندم احنا نعمل ندوة سرية لكل بنات الدار وناخد منهم موبايلاتهم ونجيب مهندس يأمنهم ونعرفهم موضوع اللينكات ده ونفهمهم الخطر الشديد اللي ممكن يجي من وراه وان شاء الله نقدر نعمل حاجه .

أشارت برأسها بموافقة واستحسان علي رأيها وهتفت وهي تشير إليها بكلتا يديها :

_تمام يلا قومي حالا اجمعي لي البنات كلهم علشان خاطر انا هكلمهم بنفسي .

قامت الأخصائية النفسية علي الفور واستدعت جميع البنات اللاتي تتواجدن في المكان وفي أقل من نصف ساعة كانت تجلس معهم وبدأت كلماتها بتحذيرهم من ذاك الهاتف وخطره عليهن وأشارت إليهم بأمثلة كثيرة وفي نهاية نصحها قالت بتأكيد:

_ انا حبيت ابلغكم علشان انتوا يعتبر مسؤولين مني لازم يا بنات تاخدوا بالكم على قدر الامكان ان الموبايل اللي في ايديكم خطر كبير جدا يعني انا بشوف بنات بتدخل بيه الحمام وبشوف بنات بتتصور صور وهي بملابسها الخاصه علشان تتباهي بنفسها بلاش الحاجات دي نهائي،
  للأسف الزمن ما بقاش مضمون ولازم تحافظوا على نفسكم .

واسترسلت حديثها وهي تشير اليهم بكلتا يديها:

_دلوقتي كلكم تجيبوا الموبايلات اللي معاكم علشان خاطر هنبعت لمهندس هياخد الموبايلات دي ويأمنها كويس جدا علشان اطمن عليكم بس لازم برده تستدعوا الخطر قبل الأمان علشان خاطر الموضوع مش سهل .

قامت الفتيات باعطائها هواتفهن وتنفيذ الأمر بطاعة وبعضهن استغربن مما قصته عليهم وبعضهن كانوا على علم بما حكته ،

وبالفعل استدعت مهندساً ماهرا تعرفه وحضر الى الملجأ وقام بتأمين جميع الهواتف واستغرق عده ساعات حتى انتهى ،

________________________________

ذهبت ريم مع ابيها اجبارا وعندما راتها والدتها اندهشت جدا فقص عليها جميل ما حدث بينهم وعلمت بقدومها وانها ستعيش معهم وسعدت جدا بوجودها ولكن قلبها كقلب الام الذي انفطر على كلتا بناتها ممه وصلت إليه أحوالهن ،

فتحدثت فريده بقلب ملتاع:

_حمد لله على السلامه يا بنتي نورتي البيت اطلعي خدي اولادك وغيري هدومك وانزلي عقبال ما اجهز لكم الغدا .

انصاعت لأوامر والدتها وصعدت درجات السلم وقلبها يملؤه حزن يكفي العالم بأكمله،

اما فريده نظرت الى جميل وهتفت بحزن بالغ:

_عيني على بناتنا الاتنين واحده جوزها مات وحماتها مطيرة النوم من عينيها وولية قادرة ومش هتسيبها في حالها وبتهددها عيني عينك ،

والتانية مصممة على الطلاق واولادها بقوا عرايس وطولها واللي في دماغها في دماغها .

تنهد جميل بتعب لما استمع اليه من نواح فريده  والذي اهلك روحه رغم رسم الابتسامة على وجهه الا أنه حزين بداخله على بناته مثلها تماما ،

الا انه تحدث حامدا:

_ رب الخير لا يأتي الا بالخير يا فريده والحمد لله على الضراء قبل السراء وان شاء الله بناتك هيبقوا بخير طالما ما بنعملش حاجه غلط وما بنغضبهوش الحمد لله .

واسترسل بتنبيه:

_مش عايزك تشدي معاهم عايزك تكوني حنينه عليهم الاتنين فيهم وجع يكفي العالم بحاله ولازم تطبطبي عليهم وتخلي قلبك كبير .

قلبت عينيها بحزن بالغ وردت :

_غصب عني ردود افعالي بتغلبني لما بشوفهم قدامي كده حالتهم تصعب على الكافر .

وظلا يتناولان اطراف الحديث عن احوال بناتهم ،

فتحدثت فريده متسائلة باستنكار:

_طب وبالنسبه للست مريم اللي قاعده عندنا بقى اللي اكتر من شهرين هو ينفع كده يا ابو رحيم ؟

قطب جبينه ونطق باستفسار:

_انت عايزاني أطرد  البنت اليتيمة اللي جت احتمت بين حيطان البيت ده يافريدة ؟

أجابته بعملية:
_ طيب واحنا ذنبنا ايه في المشاكل دي ؟
وبعدين انا شايفه رحيم بيتعلق بيها كل يوم عن اليوم اللي قبله ولا انت عامل مش واخد بالك ؟

ضرب بكلتا يديه وأجابها:

_والله انت بتشوفي حاجات انا ما باخدش بالي منها خالص ،
وفرضا يعني ان هو اتعلق بيها  إيه المشكلة في كدة ؟

رفعت حاجبيها باستنكار ورددت:

_نعم! يتعلق بمين ويرتبط بمين ببنت الملجا؟

والله ما يحصل ابدا انت جرى لك ايه يا جميل ؟!

نزلت كلماتها على قلبه الصاعقه ولم يكن بحسبانه ان يكون تفكيرها بتلك العنصرية وتحدث باستنكار:

_ ومالها بنت الملجأ يافريدة !
بنت مؤدبة ومحترمة ومتفوقة ورفضت الحرام بالرغم إن مكانش حد هيلومها لو عملته .

أشارت بيديها أمام وجهه وأكملت:

_ كلامك علي عيني وراسي والبنت أدب الدنيا فيها أنا عندي بنات وربنا يسهلها بس بعيد عن ابني ،

وتابعت حديثها بتصميم:
_ أنا ابني يتجوز بنت عيلة ليها أصل وفصل مش تربية ملاجئ .

احتدم وجهه بغضب شديد وردد بنصح :

_ "وأما اليتيم فلا تقهر " وخلي بالك كما تدين تدان اعملي الخير مع البنت دي وربنا هيرده لك في بناتك إللي كل واحدة فيهم مشكلتها عايزة حلال العقود .

نطقت بتسرع:

_ أنا أه أعطف عليها ، أعمالها بما يرضي الله ،
أبتسم في وشها دايما ،
لكن تبقي تربية ملاجئ وتتجوز الدكتور رحيم لا ممكن أبدا.

كانت سعيدة بنتيجتها في الترم الأول وتوجهت الي داخل الفيلا كي تخبرهم بفرحتها وإذا بها تنصدم حينما سمعت حديث فريدة تردد داخل أذنها بل انحفر بجرح عميق داخل قلبها وتلقائيا هبط دمع العين أنينا وكأنها دموع نار علي وجه تلك البريئة .

_______________________________

في نفس اليوم عادت راندا إلي منزلها كي تمكث به هي وأبنائها بعد أن أخبرت مهاب أن يترك لهم المنزل ،

كانت سما جالسة تتصفح الهاتف بشرود ،
ومهاب بدأ بالحديث مع والدته قائلا:

_ ماتسامحي بابا بقي  ياماما وتنسي إللي فات وهو راجع ندمان علي إللي عمله .

اعتزلت من جلستها وواجهته بعيون حمراء الغضب اشتعل داخلهما ونطقت باستنكار:
_ أسامح ايه يا مهاب!

ده انتو أول الشاهدين معايا علي إللي عمله فيا ،

واسترسلت ودمع العين أوشك علي الهبوط :

_ ومش بس كدة ده أنتم أكتر ناس شاهدين علي العمر إللي راح وأنا كنت أب وأم وكتف بيسند هنا وهناك .

احتضنها مهاب بين ذراعيه وقبل رأسها وتحدث وهو يمسح على شعرها بحنان:

_ ومين يقدر في يوم ينسي إنك كنتي أحسن أم وأحسن ست في الدنيا،

ومين يقدر ينكر تعبك معانا ومعاناتك سنين عمر كامل ومتهاونتيش في لحظة حب ونصيحة وعطاء ياأمي ،
محدش أبدا ينكر ،

واستطرد حديثه وهو يمسكها من كتفيها متعمداً النظر داخل عينيها مرددا بحرقة:

_ بس ده بابا برده ياأمي إللي شقي سنين عمره واتغرب علشان يعيشنا مستوي أفضل،

عاش عمره كله بعيد عننا وكنت دايما بشوف في عينيه نظرة الاشتياق لينا في إنه حابب يبقي جمبنا وإحنا بينا مسافات ملهاش عدد ،

إنتي طول عمر قلبك طيب يا أمي سامحي المرة دي واغفري ده رب العباد اللي خلقنا غفور رحيم .

انتفضت من مكانها كمن لدغها عقرب وهتفت بفحيح:

_ وحياة قلبي الطيب إللي كان سبب في سذاجتي وخيانتي ماهسامح ولا هغفر ،

واعمل حسابك إنت وأختك ملكوش علاقة بيه تاني ياتختارو يا أنا ياهو .

كانت سما ابنة الخمسة عشر أعوام وصل إلي مسامعها حديثهم وفضلت السكوت ولكن استفزها مقارنة والدتها وأجابت بحزن:

_ هو ينفع الإنسان يختار بين روحه وروحه برده ياماما ،
إنتي النفس وباب النبض ، إنتي العشق وبابا قلبه ،
إنتي الحياة وبابا عمرها كله ،
لا ياماما إنتي كدة بتحطينا قدام اختيار مدمر مش هيخلينا نعرف نعيش .

تشنجت عضلات وجهها واهتز جسدها برعشة وأصبحت تحرك يداها بلا منطق وتحدثت وهي تهذي بكلمات تدمي لها القلوب:

_ يعني عايزيني بعد ما شفته في أحضان واحدة تانية أسامحه وأقول له تعالي بالأحضان لراندا اللي سامحتك بكل بساطة علشان خاطر أنانية ولادها ،

عايزني أداوي قلبي إللي انكوي بجرح عمره ماهيخف بإني أدخل حياتي تاني اللي غرس سكينته إللي كوتني وحرقتني بجرح هيفضل ينزف لحد ما أموت وأبقي عادي كدة .

وتابعت وهي تعطيهم ظهرها بوعيد :

_ والله ماهيحصل أبدا ياولاد عمري اللي أفنيته تحت رجليكم وبين إيديكم ،

ألقت كلماتها وتركتهم وانسحبت الي غرفتها والبكاء أصبح عنوان حياتها.

_________________________________

ذهب مالك إلي المصنع كي يتابع ماحدث فيه طيلة الشهر الذي مكثه مغادرا البلاد وصديقه المقرب أمامه قائلا بمشاغبة:

_ أيوة ياعم ناس تروح روما علي إنها هتشتغل وفي الأخر ترجع بغزال إيطالي يرجعها عشرين سنة لورا .

ضحك بصوت عالي علي مشاغبة صديقه وردد بتوضيح:

_ بالله عليك ياشيخ لاتسكت أنا مش ناقص قرك ده أنا إللي فيا مكفيني من إللي شفته من السفرية دي .

اندهش صديقه وتسائل مستسفسرا:

_ ليه إيه اللي حصل لك هناك طمني .

تنهد بتعب وقص عليه جميع ماحدث من الألف للياء ،

ثم تحدث بعد تفكير مردفا باستنكار:

_ يانهار أبيض وملهوش معالم ده مين الجبروت إللي يقدر يعمل معاك العملة السودة دي ؟

أرجع رأسه للخلف وأغمض عينيه بتعب مرددا:

_ مش عارف وعايز أقول لك إني مش عايز اعرف علشان لو اتضح لي مين إللي عمل كدة هتقلب جحيم وأنا مش هقدر أستحمله .

انزعج صديقه وهتف بضيق:

_ بس لازم تعرف يامالك مش يمكن اللي عمل كدة يرجع يكرر عمايله تاني ؟

تنهد بحزن وأجابه :

_ ممكن جدا علشان كدة هركب كاميرات مراقبه في الفيلا كلها وعلي نظام ومستوي عالي جداً وإللي منبشتش عليه عليه علشان متوجعش ولا أوجع الغاليين هيجي لي لحد حد عندي وبالدليل وساعتها يبقي هو الجاني علي نفسه.

تحدث يطرح رأيه شارحا:

_ تمام أنا أعرف مهندس شاطر جدا يعمل لك الحوار ده بتقنية عالية جدا،

واستطرد قائلاً:

_ بس طبعاً هنعمل الموضوع ده في منتهي السرية ومحدش هيدري بيه علشان خاطر تعرف مين .

تحدث وهو مغمض العينين ناطقاً بهدوء:

_ لا الكل هيعرف باللي هعمله ومش هتبقي سرية ولا حاجة .

قطب جبينه وتحدث باستغراب:
_ ده إللي هو ازاي يعني ؟

قام من مكانه وذهب ناحية النافذة وأجابه بروح منهكة:

_ زي مابقول لك كدة أنا كل إللي يهمني دفع الضرر أما إني أعرف اللي ضرني ساعتها مش هرتاح وعلشان كدة مش عايز ياعلي علشان أنا متأكد ان إللي عملها مني ويخصني بالجامد وعلشان خاطر أمي أستحمل أي حاجة.

تحدث علي قائلا بإطراء:

_ والله يبني انت مفيش منك ولا هتتكرر تاني ياصديقي ،
ربنا يريح قلبك وبالك يارب ،

وتابع حديثه بتذكير :

_ أه صحيح مش أنا وصلت لأكونت ريما وعرفت إيه إللي خلاها متبعتش ومتردش .

ركز انتباهه وسأل :
_ طيب ولقيت ايه يابني ؟

أخذ نفسا عميقا وأجاب:

_ قافلة الأكونت وعرفت من التعليقات إن جوزها مات وعلشان كدة منعزلة عن العالم كله.

حزن لأجلها جدا وأشاد:

_ طيب ابعتي لي رقمها علشان أبعت لها تعزية واجب لما تفتح تستلمها .

أعطاه الرقم وظلا يتحدثان عن العمل وأحواله الي أن مر الوقت .

________________________________

يجلس شريدا وحيداً ويبدو علي وجهه علامات الضيق ،

خلل شعره بأنامله بعد أن فرك وجهه وأخيراً أخذ القرار وعزم علي تنفيذه هو فعل كل مابوسعه ولا طاقة للصبر بعد ذاك ،

أمسك هاتفه وانتظر الرد  وعزم علي التنفيذ وما إن أتاه صوتها حزينا ،
نعم أحس بمدي حزنها من نبرة صوتها التي اخترقت قلبه وود أن يتراجع لكنه تفوه بما في داخله جملة واحدة :

_ عارف إني ظلمتك معايا وعارف إن أنا الغلطان في كل حاجة من البداية للنهاية لكن أنا عملت إللي أقدر عليه ،

واسترسل وهو يخرج الكلمات من فمه بصعوبه:

_ أنا أسف ياحبيبتي انتي طالق .

قال كلمته الأخيرة وشعر بها وهي تبكي بغزارة وحرقة قلب ،

ود لو يذهب إليها ويأخذها بين أحضانه ويطمئن روحها ،

ود لو يعود الزمان يوما ماكان اقترف ماحدث فهو الأن تدمر هو وكلتاهما والقلوب أصبحت تشتعل نارا ودقاتها تنطق فراقا ، ألما ، وأنينا .


البارت الخامس عشر
القوة الحقيقية هي تلك التي تستمدها من نفسك لا من الآخرين،
لو لم تكن قويًا، فلن يقويك أحد سوى الله ثم نفسك،
ولتعلموا لا تدري لعل الله يحدِث بعد ذلك أمرا. 
كمية طمأنينة بالآية عجيبة، وكأنها تؤكد لك أن الله قادر على قلب الموازين بأي شكل وفي لحظة قد لا تتوقعها، فاصبر لأن الله من أسمائه المعطي يهبك ويعطيك ما لا تتوقعه وما لا يتصوره عقلك،
وتذكر دائما أن الله إذا أعطى أدهش، واعلم أن ‏في النفس حاجات دواؤها القرب مع الله، وفي القلب وحشة أمانها اليقين به ، فكل ما نحتاجه هو هين لا يـنقص شيئا من ملك الله، نثق بلطف اختياره، وجميل تدبيره، إن شاء أعطى بكرمه، وإن شاء منع بحكمته فله الحمد على كل حال .

نطقت بتسرع:

_ أنا أه أعطف عليها ، أعمالها بما يرضي الله ،
أبتسم في وشها دايما ،
لكن تبقي تربية ملاجئ وتتجوز الدكتور رحيم لا ممكن أبدا.

كانت سعيدة بنتيجتها في الترم الأول وقصدت الي داخل الفيلا كي تخبرهم بفرحتها وإذا بها تنصدم حينما سمعت حديث فريدة وتردد داخل أذنها بل انحفر بجرح عميق داخل قلبها وتلقائيا هبط دمع العين أنينا وكأنها دموع نار علي وجه تلك البريئة ،

والتي لم تتحمل كلماتها الشديدة حتي سمعوا ارتطام جسدها بالأرض ووقعت مغشياً عليها ،

انخلعت قلوبهم ونظروا ورائهم من بعيد رأوا تلك المسكينة في عالم أخر ،
هرولوا إليها مسرعين ثم نظر جميل الى زوجته آمرا اياها:

_اتفضلي ارفعيها من الأرض وحاولي تفوقيها لأني ما ينفعش ألمسها  .

فعلت مثل ما أمرها ولكن نظرت اليه باستغراب ورددت:

_ليه يا جميل ده من دور بناتك ما تحبكهاش قوي كده .

رفع حاجبيه باندهاش من سؤالها وهتف باستنكار:

_مش علشان من دور بناتي يحل لي ألمسها واستحلها وهي غايبة عن الوعي الحلال بين والحرام بين يا فريدة ، وبعدين ده مش وقت كلام اتفضلي فوقيها .

اما هو فنثر على وجهها بعض من قطرات المياه وظلت فريدة تحاول افاقتها وهي تضع يدها تحت رقبتها والأخرى تدلك بها عضلات أنفها ووجهها الى ان افاقت وعينيها استقرت داخل عيون فريدة بلوم وعتاب ،

ابتسم جميل وردد:

_الف سلامه عليك يا بنتي خضتينا عليكي ووقعتي قلبنا في رجلينا .

استنتجا جميل وفريدة انها استمعت إليهم من نظراتها لفريدة والتي ما ان استمعت إلي توبيخها سقطت مغشيا عليها ولم تتحمل كلماتها ،

أسندتها فريدة ودلفت بها إلى الداخل وذهب جميل واحضر لها كأسا من العصير الطازج وناولها اياه،

لم تريد ان تاخذه منه وهتفت بتعب :

_تسلم ايدك يا عمو بس حقيقي انا مش عايزه اشرب .

نظر لها بعتاب ومط شفتيه كالأطفال على سبيل المداعبة وتحدث مصطنعا الحزن :

_بقى كده تكسفي ايد عمك جميل اللي عمل لك العصير بنفسه اتفضلي اشربي يا بنت عيب .

لم تريد اخراجه وتناولت الكأس وارتشفت  قليلاً منه ثم وضعته على المنضدة أمامها الا أنه اصر على ان ترتشفه فاضطرت ان تكمله ،

هي تقنط معهم اكثر من شهرين وتتناول القليل من الطعام فهي عزيزه النفس جدا ،

وحين استمعت الى كلام فريده احست انها دخيله عليهم ثم استجمعت قواها وتحدثت بشجاعة مغلفة بالتوتر:

_  انا عارفه يا طنط اني وجودي مضايقك هنا وبصراحه انتوا استحملتوني شهرين بحالهم محدش يعمل كده غيركم ،

ما تقلقيش انا هاخد حاجتي وهرجع للدار تاني وهبعد عن رحيم تماما ,

واسترسلت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:

_انتي عندك حق ان هو ما يتجوزش بنت ملاجئ انا اصلا مش هرضي له كده .

احست فريدة بمدى غشمها في الحديث الذي أوصل تلك المسكينة اليتيمة لتلك الحالة البائسة ولم تستطيع الرد او النطق ،

فهتف جميل بنبرة فخورية إطرائية كي يجبر خاطرها المكسور :

_والله يا بنتي فريدة ما تقصدش دي بتحبك جدا بس هي راندا وريم مخليينها مش على بعضها وبتقول اي كلام وخلاص ،

ثم تابع حديثه وهو ينظر الى زوجته بعيون لائمة موجها لها السؤال :

_ مش كدة ولا إيه يافريدة ؟

أحست بغضبه الشديد فأكدت كلامه بتوتر :

_ أه طبعاً يابنتي معلش متزعليش مني ،

أنا بعتبرك في منزلة ريم وراندا بالظبط .

ابتلعت مريم غصتها بمرارة وأردفت بإبانة :
_ لا ياطنط أنا ولا زي ريم ولا راندا بالنسبة لك أنا مريم بنت الملجأ واللي متصحش تبقي حرم الدكتور رحيم المالكي ،

واسترسلت وهي تبكي بنحيب يدمي القلوب :

_ أنا والله العظيم عارفة حجمي وقدري كويس ،
عارفة إني هعيش وهموت أتعاير إني منفعش أعيش عيشة سوية وأحب وأتحب زي أي بنت ،

علت شهقاتها وضربت علي صدرها وأكملت نحيبها:

_ بس أعمل إيه ياطنط في قلبي إللي حب اللي مش ليه ،
وفي عيني إللي بصت على الأعلي منها غصب عنها ،
وفي روحي إللي ارتبطت بروحه اجبارا عنها لما شافت رجولته وجدعنته،

غصب عني حبيته وغصب عني اتمنيته .

كان في تلك اللحظة يدلف إلي الداخل واستمع إلي الحوار من بدايته وما إن رأي شهقاتها المتعالية التي أدمت قلبه ،
واعترافها الذي جعل قلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه ،
أسرع خطواته إليهم وتحدث مباشرة إياها وكأنها الوحيدة الموجودة في ذاك المكان ،

ونظر بوله وعشق جارف وأشاد :

_ لا يا عمري متبكيش دموعك غاليين أووي يامريم ،

قبل ماقلبك يعشقني كان قلبي فاتح لك أبوابه وسبق قلبك ،

قبل ماروحك تتعلق بروحي كنت هايم في ملكوتك وروحي سكنت بين إيديكي .

رفعت عيونها المغشية بالدموع وتحدثت بفقدان أمل :

_ مبقاش ينفع يارحيم اننا نكمل علاقة غلط بدأناها ولازم الفراق المحتوم .

وقف قبالاتها ودقات قلبه تدق بعنف شديد حينما استمع لكلمة الفراق :

_ ورب الكون كله ماهفارق ولا هبعد ولا هتخلي يامريم ،
وعهد عليا وثقيه ضمن العهود إن مريم لرحيم ورحيم لمريم .

ثم نظر إلي أبيه ناطقاً باستئذان:
_ بعد إذنك يابابا حضرتك وماما طلبتوا مني كتير إني أرتبط وأنا خلاص لقيت نصي التاني إللي يكملني وإللي أنا محتاجه ،

تنهد بثقل وتابع وهو ينظر إليها بعشق :

_ أنا عايز أتجوز مريم ويزدني الشرف كمان إنها تبقي مراتي ولو مكانتش مريم مش هتكون غيرها .

انتفضت فريدة وهتفت بغضب :

_ وأنا بالنسبة لك إيه !  هوا يارحيم مليش حق عليك ولا كلمة ولا ليا حق إني أختار معاك شريكة عمرك .

كاد أن يتحدث إلا أن جميل أشار إليه أن يصمت وأجابها بديلاً عنه :

_ مين قال يافريدة كدة إنك هوا !
إنتي كلمتك هنا مسموعة ومعتبرة بس هو ليه كل الحق إنه يختار شريكة حياته إللي هتعيش معاه .

بائت علامات الغضب تعلوا وجهها وهتفت بحدة  دون أن تراعي مشاعر تلك المسكينة:

_ بس أنا بردو أمه ومن حقي لما يختار وأشوف اختياره مش مناسب أقف قدامه وأمنعه ،

واسترسلت وهي تعطيهم ظهرها ناطقة بقسوة:

_ والجوازة دي مش مناسبة من جميع المقاييس .

أخذت مريم نفسا عميقا ثم زفرته بهدوء وحملت حقيبتها وقالت بشموخ :

_ عندك حق ياطنط موقفك كأم لاملامة عليه ،
وأنا موقفي كضيف هنا حيطان البيت ده احتوتني وأوتني في أشد لحظات ضعفي إللي كنت ممكن أموت فيها أشكرك وأقول لك جميلك علي راسي من فوق ،

أما عن موقفي كأنثي وبنت اتولدت في ظروف ملهاش ذنب فيها أقول لك إني شايفة نفسي إلي حد ما ناضلت لأني أبقي سوية محترمة ،

وأكملت وهي تشير إلي رحيم بامتنان:

_ أينعم ربنا بعت لي فضله في دكتور رحيم وكان من ضمن أسباب نجاتي بس بردو حافظت وهحافظ وهعافر علي وجودي في الحياة وحقي إني أبقي أنا أبقي مريم .

أنهت كلماتها وكادت أن تغادر إلا أن جميل ورحيم اعترضوا طريقها مرددين :

_ رايحة فين يامريم لو سمحتي استني .

نظرت إليهم وردت بتأكيد:

_ هرجع الملجأ إللي احتواني العمر كله بدون مانجرح .

شعر بروحها المنهكة وكلماتها التي غرزتها في صدره ونطق وهو يبتلع حلقه بصعوبه:

_ مينفعش يامريم إنتي لسه في خطر ومشكلتك متحلتش اهدي واقعدي المهندس نادر جاي بالليل علشان هيقولك لنا علي خطوات نعملها علشان نقدر نمسك دليل علي القذرة دي .

أما جميل أكمل حديث ابنه بنصح:

_ يابنتي ملكيش دعوه بفريدة وكلامها واقعدي استهدي بالله لأنك أكيد متراقبة من الزفتة دي .

وحاولوا معها مرارا وتكرارا إلي أن هدأت ورددت :

_ تمام ياأنكل هقعد لأني مينفعش حضرتك تبقي متمسك لحمايتي كدة وأرفص النعمة ،

بس هاكل وهشرب لوحدي في الملحق.

هتف رحيم باستعجال:

_ منين يامريم وانتي المصاريف إللي بتقبضيها تبع الدار ممشياكي بالعافية.

أحست بنغزة في قلبها هو لم يقصد ماتفوه به لكنها شعرت بمدي ضئالتها أمامهم وأكدت بتصميم:
_ هاكل عيش وملح يادكتور ، عن إذنكم .

تفوهت كلماتها وهرولت إلي الخارج بدموع تنهمر بغزارة وحرقة قلب ،

أما رحيم نظر إلي والدته نظرة عتاب طويلة وصعد إلي غرفته حزينا ولأول مرة يشعر مرارة إحتمال الفقدان ،

إنه حقا شعوراً مريبا محطما للإنسان.

__________________________________

في أحد المطاعم يجلس مالك على طاولة العشاء وحوله مجموعة من اصحاب الأتيليهات المشهورة وحضرت معه جوليا كعشاء عمل،

أثناء انشغال الجميع بالتحدث عن التعامل مع العصر في عالم الأزياء جاء من الخلف واحداً من صاحب اكبر المصانع التي تنافس مالك ملقيا التحيه على الجميع ثم وجه حديثه الى جوليا عارضا عليها بعد أن مد يده وصافحها:

_مصر منوره بوجودك يابرنسيس شفتك وانا قاعد مع اصحابي قلت لازم اجي اسلم عليكي من الواجب طبعا ،

واسترسل وهو يمد يده اليها:

_تسمحي لي بالرقصة دي واكون ممنون جدا .

ابتسمت جوليا وردت على سلامه بكل ذوق:

_بشكرك على ذوقك جداً يا مسيو هاشم ،

فهي تعرفه جيدا ثم قامت من مكانها وهي تلبي دعوته وتمد يدها الى يديه قائله:

_ طبعا حابة جدا .

سحبها الى ساحة الرقص وهي تمشي جانبه بابتسامة هادئة وهي في منتهى الرقة والأناقة،

امسكها من خصرها واندمجا في رقصتهم،

فبالنسبه لها من الطبيعي جدا في عشاء العمل ان يعرض عليها احدهم بالرقص ومن طبيعة نشأتها ليس لديها اي مانع ،

اما ذلك المالك يجلس يستشيط غضبا وغيرةً من تلك الجوليا التي لأول مره تختبر رجولته ،

أحس بنار تشتعل في جسده كلما نظر اليهما وحدث حاله بغضب :

_ماذا بك ايها المالك انها طبيعة نشأتها والتي لابد ان تعتاد عليها ،

اهدأ ولا تبالي كي لا يصبح شأنكما أمام الجميع بيانا ،

ولكن كيف أن أهدأ انها لثورة غضب عارمة اشتعلت في صدري وانا لن اتحمل ،

كيف يطوقها ويقترب منها بهذا الشكل ،

شعر بأنه على وشك فقدان عقله حمل مفاتحه وهاتفه وغادر المكان على الفور قبل ان تشتعل الغيرة ويصنع تصرفا لا يليق بمكانته ولا مكانتها ،

خرج من المكان وهو يشعر بالاختناق الشديد لاحظت جوليا خروجه وعلى وجهه علامات الغضب الشديد فاعتذرت من الماكث في أحضانها وحملت حقيبتها واتبعته بسرعة،

وجدته يقف أمام سيارته وعلامات الوجوم على وجهه،

اشارت اليه ان ينتظرها قبل ان يغادر،

اما هو عندما رأى قدومها ركب سيارته وتبعته هي وصعدت السيارة بجانبه وهي تنظر له مردفة بتعجب:

_ممكن اعرف ايه اللي حصل خلاك تخرج من غير ما تقول لي وتسيبني مع انك جاي معايا اظن ده تصرف مش لطيف منك خالص ؟

نظر لها بمقلتين تشتعل غضبا وردد باستنكار:

_يعني عملتى اللي عملتيه وكمان جايه تجيبي الغلط عليا انا؟

رفعت حاجبها باندهاش :

_ هو انا عملت ايه لده كله علشان غضبك الشديد ده اللي باين على وشك انا حقيقي مش فاهمه ؟

ضرب بمقود السيارة ونظر اليها ملقيا حديثه اللاذع :

_فيها انك لما تكوني مخطوبة لمالك الجوهري ما ينفعش تقومي ترقصي مع راجل غريب عنك ولا حتى لما يسلم عليكي تمدي له ايدك ،

وتابع باستنكار:

_ده انا اللي هو خطيبك ما بسلمش عليكي بالإيد وبستحرمها على نفسي وفي الآخر تيجي انتي وتعمليها .

ما كانت تتوقع ولا يأتي بمخيلتها ان يكون تفكيره كهكذا ورددت باندهاش:

_والله انت عارف طبيعة شغلنا وعارف طبيعة تربيتي الغربية ،

ثم إنك عارف اني متفتحة وأول مره احس منك بالطريقة دي وبالكلام ده !

حاول تهدئة حاله وتحدث شارحا اياها:

_شوفي يا جوليا هتكلم معاكي بكل صراحة طبيعتك المتفتحة ما تمشيش مع شخصيتي تماما انا شفت فيكي زوجة حنونة وطيبه وموضوع اللبس والانفتاح لما تبقي مراتي ومكتوبه على اسمي هيبقى موضوع تاني خالص ،

واسترسل بإبانة:

_اما انك تسلمي على راجل او ترقصي معاه ده مرفوض بالنسبة لي رفض تام انا راجل بغير جدا على اللي مني وإنتي بقيتي مني .

على رغم غضبي الشديد وطريقته الفظه الا انها عشقت تحكمه كما تسمى واحست بالغيرة عليها وهذا النوع لم تجربه قبل ذاك ،

وردت بطاعة وهي تنظر له بفخر :

_عارف رغم ان طريقتك شديدة وجافة جدا معايا وانت بتطلب مني حاجات جديده عليا والمفروض تبقى اهدى من كده لكن هرد عليك بحاجة واحدة بس حاضر يا قلبي سلام بالايد مش هسلم تاني ولا رقص مع حد واي حاجه تحس انها بتضايقك يسعدني جدا غيرتك عليا .

مجرد ان نطقت الموافقة بدون اي نقاش احس بالارتياح وتحدث شارحا:

_لازم تعرفي يا جوليا ان انا راجل شرقي جدا ولازم تحفظي طباعي علشان خاطر نقدر نكمل مع بعض لاني بجد مش عايز اخسرك .

ابتسمت بهيام وسألته عن قصد:

_ بتحبني للدرجة دي يامالك ؟

لما استمع إلي استفسارها ورأي نظرة عينيها اللامعة بالحب أجابها وهو يبتلع غصته بتوتر:

_ لو مش عايزك ايه إللي هيخليني أرتبط بيكي بس .

لم يعجبها رده وأعادت السؤال مرة أخري :

_ أنا سؤالي واضح بتحبني زي مانا بحبك كدة ؟

تلك المرة نظرة عينيها تختلف فيها إحساس بالضياع فأجابها :

_ طبعا ياجوليا ،
مالك بس في ايه النهارده؟

لم ينطقها ولم يتفوه بحروفها مما أحزنها كثيراً وهتفت بشرود :
_ لأ مفيش حاجه ممكن نروح لأني حاسة بالتعب والارهاق شوية .

أشار برأسه بموافقة وأردف بابتسامة هادئة:

_ طبعاً ياقمر يالا نمشي .

وقاد السيارة قاصداً الفندق الذي تمكث به وعقله يجوب بالتفكير عن ماحدث اليوم والذي نما عن عدم ارتياحه .

_________________________________

في منزل باهر الجمال يجلس مثلث الشر يتفوهون غيبة عن تلك الريم فتحدثت اعتماد بغل :

_وبعدين يا زاهر هنعمل ايه في اللي تنشك اللي خرجت هي وولاد ابني اجبارا عني وخلت قلبي مولع وشايط وقاعده مش طايقه نفسي .

تحدثت هند بنبرة ساخطة وهي تلوي فمها :

_طب ما تغور في 60 داهية يا ماما هي وجودها هنا في البيت اصلا ما ينفعش .

نظر اليها زاهر بغضب شديد واردف بتحذير:

_وانتي مالك انتي بتدخلي في الموضوع ده ليه دي حاجه ما تخصكيش ما تتكلميش فيها نهائي .

اتكأت على جزعيها وأردفت بغل:

_شكلك زعلان كده يا ابو البنات على حبيبة القلب اللي سابت البيت غصب عنكم ما تجيبها على بلاطه وتقول انها حليت في عينيك يعني المفروض عندك بنات وتخاف عليهم من النظره الحرام  .

قام من مكانه بغضب وذهب إليها وهو يمسك يداها ويلويها خلف ظهرها بغضب:

_ انت بتقولي ايه يا بت انتي ده انتي هيتق.طع لك لسانك النهاردة ؟

سحبت يدها من بين يديه بعنف ونطقت وهي تجز على اسنانها بحده:

_امال عايزني اقول ايه وانا شايفه جوزي عينيه بتلمع لما تيجي سيره مرات اخوه الله يرحمه ده انا اقول واقول واقول .

اشارت اليهم اعتماد بكلتا يديها بغضب عارم واردفت بصوت عالي:

_جرى ايه منك ليها انتم مش محترمين وجودي خالص هتتخانقوا خدها واطلع على فوق وسيبني في البلوة اللي انا فيها طالما انت مش عارف تمسك نفسك قصاد غيرة الكونتيسة مراتك .

كادت هند ان تتحدث الا انها اسكتتها بإشارة منها فجلست وهي تهز قدميها بغضب ،

اما زاهر توعد لها حينما يكونوا وحدهم ،
وتحدث الى والدته باستفسار:

_يعني عايزانا نعمل ايه يا امي احنا عملنا كل اللي علينا تهديد ووعيد ولين ومحايله وما قدرناش عليها في ايدينا ايه تاني نعمله وما عملناهوش ؟

قبضت علي معصمها بقوة وهدرت بصوتها المملؤ بالجبروت:

_لاوعيد ولا تهديد احنا هننفذ على طول وكفايه عليها كده بنت المالكي اللي خدت ولاد ابني وخرجت من بيته وهي لسه في عدتها وحرقت قلبي عليهم .

تساءل باستفسار:

_تقصدي ايه يا ماما اللي هننفذه يا ريت توضيح اكتر؟

أجابته بحقد :

_انت تتصل على المحامي دلوقتي وتجيبه لي علشان خاطر هنرفع قضية اني اكون وصيه على ولاد ابني لأن امهم انسانة مش كويسة وهطعن في شرفها طالما ما جابتهاش من الاخر .

تحدثت هند بنصح:

_بس إنتي كده يا طنط هتسوأي سمعة ولاد ابنك وهم اول المضرورين من ورا اللي إنتي هتعمليه .

أجابتها بمكر الثعالب:

_ولاد ابني هيبقو رجاله مش بنات يتخاف على سمعتهم وهي اللي بدات يبقى هي اللي تتحمل الطوفان اللي هفتحه عليها. 

كانت هند تستمع اليهم ثم استاذنت المغادرة وصعدت الى شقتها وما إن دلفت حتي اندلعت ثورة الغضب من مقلتيها  وحملت الهاتف وهاتفت صديقتها كي تفشي لها مايجعلها تتأكل نارا وحينما أتاها الرد انفجرت بما تشعر به وما حدث وفور انتهائها قالت :
_ إيه رأيك في إللي سمعتيه ده دليني أنا بحب نصيحتك ومشورتك .

حزنت صديقتها لأجل ريم جدا وردت بنبرة حزينة :

_ هما ايه جوزك وحماتك دول شياطين في شكل بني ادمين !
ده الله يكون في عونها ريم والله العظيم منهم .

هتفت بحدة :

_ هو أنا مكلمامي علشان تقولي لي إنها صعبانة عليكي ده إنتي معندكيش ريحة الدم ياشيخة كل مرة أكلمك تحرقي دمي أكتر .

ضحكت صديقتها بشدة وأردفت بهدوء:

_ شوفي بقي معندكيش غير حاجة واحدة بس هي إللي هتبقي في صالحك .

ركزت انتباهها وسألت :

_ طيب دليني بسرعة يابنتي وأنا هعملها. 

أملت عليها اقتراحها قائلة بنصح:

_ تتحدي معاها عليهم وتقفي صفها وساعتها هتضمني عدم وجودها في حياتك نهائي ،

ومهما يضغطوا عليها لو سوأوا سمعتها احتمال كبير يتحكم لهم بالولاية علي الأولاد ،
وريم يستحيل تسيب اولادها يبعدوا عنها وفي الاخر هترجع لهم وهترضى وهتبقى ضرتك .

حينما استمعت الى رجوعها وانها ستكون ضرتها غلا الدم في عروقها وهتفت باستنكار:

_ده لو حصل والله لا ههد المعبد على اللي فيه وهتبقي مجزرة .

هدأتها صديقتها مردفة بإرشاد:

_شوفي بقى سيبيكي من الطالعه الكدابه دي ولازم تحلي الموقف بهدوء وتتعاملي معاهم ببرود متناهي وحاجه واحده بس اللي هتفسد عليهم خطتهم هي انك تشهدي معاها في المحكمة انهم مفتريين عليها وانها طول عمرها محترمه وبنت ناس وصدقيني يا هند لو عملتي كده ربنا هيرده لك في بناتك لإنك هتشهدي الحق .

رفعت شفتيها باستنكار وتحدثت برفض:

_ازاي اعمل كده ده زاهر يطلقني فيها والولية حماتي مش هتسكت وهتقلبها دمار على دماغي .

أجابتها صديقتها بتوضيح :

_ أخرهم هيعملوا معاكي ايه مانتي كدة كدة عايشة دمك محروق منهم ،

ولو زاهر رمي عليكي اليمين أمه مش هتستحمل تقعد بالبنات شهر واحد وحتي لو فكر يتجوز غيرك عمرها ماترضي تربي ٣ بنات ياحبيبتي ،

وطال الوقت أو قصر هيرجعك غصب عنه ياهند ،

أما بقي لو معملتيش إللي بقول لك عليه هتبقي ضرتك بإذن الله اعقليها ياهند وفكري فيها كويس جداً هتلاقي الحل بتاعي مناسب ليكي من جميع الجوانب وتقريبا هو الحل الوحيد واللي هتضربي بيه عصفورين بحجر ،

هتنقذي سمعة الغلبانة دي ويترد لك في بناتك ،
وجوزك مايتجوزش عليكي وده إللي هيحرقك بنار مش هتستحمليها .

أحست بالانفجار الشديد من طيلة التفكير وتنهدت بتعب لما تعيش به وقالت :

_ هفكر في إللي إنتي قلتيه وهحسبها وهشوف هقدر ولا لأ .

أما في شقة اعتماد بعد أن حضر المحامي وعرضوا عليه الأمر بالتفصيل حتي أجابهم يطمئنهم :

_ اطمني يا هانم القضية مضمونة وأنا ليا أسلوبي إللي هجيب لكم بيه الولاية علي الأطفال من أول جلستين 

اطمئن قلب الاعتماد وارتشفت قهوتها بانتشاء وهي تردد بانتصار:

_ والله لو عملتها يامتر لاهحلي لك بقك وهبسطك انبساط مشفتهوش ولا هتشوفوا عمرك كله .

_________________________________

في شقة راندا المالكي سمعت رنين الباب وقامت تفتحه بروح منهكة أصبحت عليها ووجه شاحب ،

اعتلت دقات قلبها حينما رأته يقف أمامها بطلته الخاطفة لأنفاسها ،

ناظرا إلي عيناها عن قصد ونطقت شفتاه بعشق:

_ وحشتيني يا كل عمري وحشني حضنك وصوتك وحشتني ريحتك وقربك.

أذناها استمعت إلي كلامه كأنه يعذب علي الألحان ،
وقلبها بات يدق بعنف من نظرة عينيه اللامعة ويكاد يقفز ويستقر بين ضلوعه ،

ونطقت بلسان حالها بوله :

_ اهدأي تلك الدقات فأنا حائرة مسكينة مجروحة من هواه ،
اهدأ جسدي وتمهل فأنا ضائعة مشتتة محرومة من نظرة عيناه ،

اهدأ عقلي وعد إلي عهدك ولا تفقد صوابك بمجرد كلمات البلسم التي خرجت من شفتاه ،

عودي ياأنا وارسمي الجمود علي وجهك واثأري للعمر الذي ضاع وأنا أحيا علي لقياه .

كان واقفاً مستمتعا بنظرة الوله الذي يراها نابعة من نظرة عينيها ومن حركات جسدها فهي امرأته الأولي وعشقه الأبدي يحفظها عن ظهر قلب ،

أمسكها من كتفيها بهدوء واستغل حالة التيهة التي تعيشها وأدخلها وطرق الباب بهدوء ومازال نظره مثبت علي عينها بنفس الغرام والهيام ،

قائلا بندم :

_ محبتش غيرك ياراندا ولا قلبي عشق وعاش عمري كله يهوى غير قلبك ،

ولحد دلوقتي شايف نظرة العشق ليا في عينيكي رغم الجفا إللي بتحاولي ترسميه علي ملامحك ،

واقترب منها وباغتها بقبلة من رأسها معتذرا بندم وأخذها بين أحضانه يهدأ من روعها ويستنشق عبيرها الذي استوحشه كثيرا ،

ثم احتضن وجنتيها بكفيه وكاد أن يقترب من شفتيها كي ينسيها ويعودا معا إلي عهدها إلا أنها أفاقت من سحر اللحظة وابتعدت وهي تردد بحدة :

_ انت إيه إللي جابك هنا ؟
خلي بالك مهما تحاول مش هرجع وهنطلق .

أشار إلى قلبه مجيبا:

_ ده إللي جابني لحد وهيفضل يتحايل ويراضي ويطلب السماح ومش هيبعد عنك أبدا علشان بعدك يعني الموت .

ضحكت باستهزاء وأردفت بسخرية:

_ ماهو طلع الكلام إللي كنت بتضحك علي عقلي بيه وأنا كنت زي الهبلة أوهام ،

خلاص يابشمهندس المريض بتاعك اللي كنت بتخدره انتهت صلاحية المخدر وقلبه مات ومش هيسامح لو إيه حصل .

قطب جبينه وتحدث باعتراض:

_ إنتي عمرك ماكنتي كدة ،
أنا طلقتها وسيبتها وجت لك علشان إنتي الأولي والأخيرة لا إنتي الكل ياراندا أرجوكي عشرة عمرنا محتاجة فرصة تانية .

والته ظهرها وهتفت بكلمات استدعت غضبه:

_ مش لما تدوق من نفس الجرح الأول وتعرف قد إيه بيكوي وساعتها تشوف هتعرف تسامح ولا لاء.

أمسكها بغضب متسائلا:

_ تقصدي ايه من كلامك ده إنتي اتجننتي ؟!

ضحكت بانتصار لما رأته من غضب بان علي معالم وجهه وتشنجات جسده وأجابته بقسوة:

_ أقصد إللي انت فهمته بالظبط.

جرحته وأهانت رجولته وردد بوجيعة :

مش هتعرفي تكوني مع حد غيري .

أجابته بتأكيد وقوة امرأة مذبوحة:

_ وحياة اللي خلقني وخلانى جميلة والعيون كانت تجري ورايا مطرح ما رجلي تخطي وأنا كنت صايناك في غيبتك  لأكون مع راجل تتحاكي عنه اسكندرية بحالها ، راجل يغطيني بحبه من طرف ضفري لشعر راسي اللي ماهتطول منه شعره تاني ، ولو فاكر انك شربت من ابريقي وفضيته فـ اعرف انه بيتملي تاني من عند اللي زيك بالظبط وأحسن منك  ، بس ما هيتملي خير للحِلو قَبل ما يتملي لكَ سِم تشربه عن طيب خاطِر.

استدعت غضبه بكلماتها القاسية ،
لا ورب الكون كلمة قسوة لاتصف معني كلماتها ،
فهي تخطت القساوة بمراحل ووصلت لمنتهاها ووجد نفسها تلقائيا ينزل بكف يده علي وجهها بعنف مرددا:

_ ده أنا أدفنك حية قبل ما تعمليها ياراندا .

ألقي كلماته وخرج صافعا الباب خلفه بشدة وتركها تنهمر دموعا وألما من فعلته .

"لاتؤذي قلباً رقَّ لك يوماً ، فلحظات الوُدِّ لها عليك ألفُ حقٍّ وحق "

        "كلمات جلال الدين الرومي"
_________________________________

ليلا في فيلا جميل حضر المهندس نادر وتجمع الجميع حوله ريم التي تعرفت علي مريم وأحبتها ،
وجميل ورحيم وفريدة ، وقبل أن يتحدث جميل طلب نادر موبايل مريم وأغلقه تماما فجميل كان قد تحدث معه في الموضوع باختصار ، وبعدما أغلقه طلب من جميل أن يتحدث ،
قص جميل عليه  الموضوع من البداية للنهاية ،
تفهم نادر الحديث جيداً وردد بطمئنة:

_ اطمنوا ياجماعة الموضوع سهل جداً ومباحث الانترنت دلوقتي بقت شغالة كويس أووي ومش بتسمح لأي ابتزاز 

واسترسل شارحا:

_ بس الموضوع محتاج خطوات بسيطة هنعملها وبإذن الله هجيب لك أخرها ومش هسيبها إلا وهي متكلبشة هي ودايرتها .

ثم تابع حديثه وهو يستفسر منها عن بعض الأشياء قائلا:

_ طيب ياأنسة مريم عايز منك رقمها إللي كانت بتكلمك منه ياتري موجود معاكي ؟

أجابته بتأكيد:

_ أيوة يابشمهندس ده أنا حفظاه عن ظهر قلب ،

أنهت إجابتها وناولته الرقم علي عجالة ،

ثم وجه حديثه إلي جميل :

_ طيب ياجماعة لازم نتفق علي حاجة مريم هتغير التليفون تماما وهتمسك موبايل جديد برقم جديد ميعرفهوش إلا الواثقين جداً منهم ده أولاً ،

وثانيا مش هنرمي التليفون القديم هيفضل معاها لكن هنعمل حاجة بسيطة هنحط لازقة علي الكاميرا الأمامية والخلفية وهنسيبه متهكر زي ماهو علشان تفتكر إن إنتي تحت قبضتها لسه ،

أنا هحاول بقدر الإمكان أوصل لأني أهكر موبايلها بالرقم ده بس يارب يطلع هو اللي هتتواصل معاكي منه ،

تساءل جميل:

_ وافرض غيرت الرقم يابني ؟

أجابه ببساطة:

_ هاخد من مريم أي رقم هتكلمها منه  وهحاول أهكره ،

وكمان هشغل عندك خاصية التسجيل الصوتي علشان نقدر نمسك عليها دليل ،

وحاليا هعمل حاجة لو نفعت هيبقي كله تمام ،

طلب منها هاتفها ودخل على الرقم وفعل عدة أشياء وبعد تقريبا ربع ساعه صفق عالياً وهو يردد بابتسامة:

_ وقدرت أوصل لها وهكرت موبايلها ،

وتابع وهو يوجه حديثه إلي مريم :

_ شوفي بقي هعلمك شوية حاجات مهمة تعمليها لما تكلمك ،
وفي حاجة مهمة لما ترن عليكي شيلي اللاصقات إللي علي الكاميرا علشان تطمن ،

شرح لها ماذا تفعل بحرفية وهي فهمت منه بنفس الحرفية فهي تمتاز بالذكاء وسرعة البديهة ،

وبعد انتهاء الحديث معها وإخبارها بماذا تفعل وجه حديثه إلي جميل كي يعلمه أمور هامة ،

وأصبحت هي تنظر للأسفل تارة وتنتبه لحديثهم تارة ،

كان رحيم في عالم أخر يقتنص النظرات الي معشوقته ولم يحيد النظر عنها ،

كان كل تركيزه فيما حدث اليوم من والدته وجرحها لها بتلك المعاملة الفظة ،

يشعر وكأن روحه تنسحب منه كلما تذكر أمر مغادرتها فهو تعود علي وجودها في نفس المكان حتي ولم يراها طيلة الوقت ،

يكفي أنه يشعر برائحتها تستنشقها أعماقه بمجرد دخوله إلى فيلتهم ،

وكانت هي مثله تقتنص النظرات له في الخفية وفي كل مرة يري خفيتها في النظر إليه ،

حدثتها عيونه بحزن:

_ لاتحزني حبيبتي فأنا أعشقك ولن أتركك للأوهام تبكيكي ،

فالعين نظرتها لكي والقلب نبضاته أنتي والعقل مأواه بين يديكي ،

دعكي عزيزتي ممن أحزونوكي وتعي إلي قلب سيتعذب من فراقك وحتماً سينتهي .

كانت تشعر به وكأن عشق الروح للروح وصل إليها فأجابته عيونها بتعب :

_ ليس ماأعيشه الآن من تمزيق روحي وما شعرت به من آلام أوهام كما سميت رحيمي ،

فأنا الأنثي التي لا تستحق أن تحيا كالأسوياء ولا أن تعشق كالأحباء حبيبي ،

اذهب وابتعد رحيمي فطريقي مزين بالأشواك وعبيرها سيجعلك تختنق ممن حولك معشوقي ،

لا تقلق فأنت وهبتني القلب والروح والعقل وأنا وهبتك الكل وفوقهم عمري يامتيمي .

كانت ريم تنظر إليهم باندهاش شديد ومن نظراتهم أحست بأنهم عاشقان حد النخاع وقررت أن تتحدث مع أخيها فيما بعد وتفهم منه ،

اثنان عاشقان يتعذبان وهم علي حافة الهاوية من الفراق المدمر لكيانهم ولكن هل سيفرقهم القدر أم سيجمعهم الزمان والمكان في أي أوان؟

_________________________________

انقضي شهران بأكملهم تغيرت فيهم الأحوال مع أبطالنا جذرياً ،

فوالدة زاهر قامت برفع قضية علي ريم بضم الأولاد وجعل ولايتهم حقا لها والتشكيك في أخلاق والدتهم ووعدها المحامي اللعوب بأنه سيكسبها عن جدارة ،

ومريم ونادر تتابعان مع تلك الماكرة الشريرة وحاولوا الإيقاع بها وينقصهم تقديم بلاغ للنائب العام في سرية تامة ومعهم الأدلة ،

وفي خلال هذه المدة ابتعدت عن رحيم وحاول معها كثيراً ولكن لم تبدي محاولته نفعا فكانت حينما تقرر أن تلين تري نظرات عدم الرضا من فريدة لها فتبتعد مما سبب غضب عارم من ذاك الرحيم لها وتوعدها بأن ينتهوا من مشكلتها وسينتقم منها أشد انتقام علي ابتعادها عنه وتحريمها له ،

وكما تواصلوا مع مديرة الدار وتعاونت معهم في الإيقاع بتلك الماكرة ولكن خوفاً عليها لم تعود إلي الدار ،

واجتهدت في دراساتها وعلي وشك الإمتحانات النصف الثاني للعام الأخير والذي تسعي جاهدة أن تحصل على أعلي الدرجات والفوز بمركز عالٍ كالمعتاد ،

أما عن راندا فسددت جميع الطرق علي إيهاب وموقفها عنيد بشدة وعلي إصرار أن تنتهي من الموضوع وباتت في قوقعة حزنها وأولادها علي مشارف الضياع ،

أما عن بطلنا المالك للأخلاق فهو حقا اسم علي مسمي فاليوم أتم زواجه من جوليا وأوفي بوعده ،

ووالدته غير مقتنعة بتلك الزيجة ورأت أنه تسرع في زواجه من تلك الغربية التي لا تمت لعوائدهم بصلة ،

اتفق مالك معها علي ارتداء الحجاب ووافقت علي مضض لأنها تعشقه وأحبته من كل قلبها ،

انتهوا من مراسم الكتاب وأخذها وذهب إلي الساحل الشمالي كي يقضوا أول أسبوع زواجا لهم هناك فتحدثت جوليا وهي تشبك يداها بيده قائلة بعشق:
_ أنا مش مصدقه إن إحنا اتجوزنا بالسرعة دي وفي اقل من تلت شهور قد كدة بتحبني علشان كدة سرعت جوازنا يا مالك قلبي .

احتضن وجنتيها بين أصابعه وأجابها بابتسامة هادئة:

_ طبعاً ياقلبي متتصوريش أنا سعيد قد إيه بوجودك جنبي وانك بقيتي علي اسمي .

حاوطت رقبته بكلتا يديها وهتفت برجاء:

_ عمرك ماقلتها لي صريحة نفسي أسمعها منك يامالك ، نفسي أحسها وعيني تشوفها وهي طالعة من بين شفايفك.

ادعي عدم الفهم وتساءل بجبين مقطب:

_ هي إيه دي ياقلبي إللي نفسك تسمعيها. 

_كلمة بحبك ياجوليا ... قالتها بنبرة شجن وانتظرت رده .

خلل أصابع يده بين شعرها وأجابها وهو يتهرب منها:

_ أفعالي ما أثبتتلكيش معناها ياجوليا ،

كادت أن تتحدث وتعترض إلا أنه وضع أصابعه علي شفتيها مانعاً إياها أن تنطق ناطقاً بهدوء:

_ هششش مش عايزين نضيع الليلة إللي اتعجلناها علشان نبقي مع بعض في كلام علي الفاضي .

وأخذها بين أحضانه كي ينعما بالحلال الذي لن ولم يسلك مالك طريقاً سواه ،

كانت تشعر وهي بين يداه بأنها أنثي حقا فقد أذاقها طعم الحلال وكم كان مبهرا بين يدي رجل خلوق حنون في معاملته كمالك ،

بعد مدة قصيرة قام من جانبها منزعجا وينظر إليها بغضب وهو يسحب التيشيرت الخاص به ويذهب الي الشرفة يجلس فيها بغضب عارم ،

اندهشت من فعلته ومن نظراته المتحوله فقد كانت بين يديه منذ لحظات تحيا أسعد اللحظات وفجأة حدث ماحدث ،

قامت علي الفور وهي ترتدي المعطف الخاص بها ولحقته إلي مكانه متسائلة باستغراب:

_ ممكن أعرف إيه اللي حصل خلاك تقوم من حضني بالطريقه المهينة دي ؟

لو كانت النظرات تقتل لقتلها بنظراته وتفوه غاضباً:

_ إنتي إزاي ياهانم تخدعيني بالشكل ده ؟

لوت فمها بدهشه وأجابت باستنكار:

_ أخدعك !  يعني ايه مش فاهمه ؟





تعليقات



<>