رواية مهمة زواج الفصل العشرون20الحادي والعشرون21 بقلم دعاء فؤاد


رواية مهمة زواج الفصل العشرون20الحادي والعشرون21 بقلم دعاء فؤاد
 
‫انتهى معتصم لتوه من أحد جلسات الصلح بين عائلتين متخاصمتين ثم خرج من المضيفة بعدما انفضت الجلسة قاصدا مجلس أمه المعتاد بالدوار.. 
انحنى يقبل ظهر يدها ثم جلس بجوارها متنهدا بتعب، فربتت أمه على فخذه باشفاق: 
ـــ تَعَبت يا ولدي اني خابرة.. ربنا يچعله في ميزان حسناتك يا حبة جلبي. 
ابتسم بحب و هو يقول: 
ـــ اللهمَّ آمين.. ايوة اكده اني ماريدش غير دعوتك الزينة و رضاكي عليا يا امايا.. 
ـــ راضية عليك يا وليدي و دعيالك من كل جلبي. 
قبل يدها مرة أخرى ثم أجلى حنجرته ليقول بتردد: 
ـــ أني يا مايا كنت ناوي أتحدت امعاكي ف موضوع اكده مخابرش هيفرحك ولا... 
ـــ جول يا ولدي و الله بدي افرح.. 
ابتلع ريقه بصعوبة ثم قال: 
ـــ أني طلبت الضاكتورة ريم للچواز جبل(قبل) ما تعاود لمصر. 
سكتت بصدمة لبرهة تحاول استيعاب ما تفوه به ولدها البكري ثم أطرقت رأسها بحزن لتقول بملامح متجهمة: 
ـــ عتلهيك المصراوية عنيننا كيف ما اتلهيت اف شركتك اللي اف مصر و بجينا نشوفك كيف الرّ‌َحالة. 
رد عليها بلهفة: 
ـــ لاه يا امايا لا عشت ولا كنت...ان حوصل نصيب و اتچوزتها مش هبَعِّد عنيكي واصل.. هنعيش وياكي في الدوار و هاخدها في الكام يوم اللي هشتغل فيهم في مصر.. يعني هتروح و تاچي امعايا. 
نظرت له بحيرة ثم تحدثت باستنكار: 
ـــ يعني بنتة البلد كلاتها خَلَصوا يا ولدي؟! 
شدد من قبضته على يدها و هو يقول بنبرة هائمة: 
ـــ هي اللي الجلب دجلها يا امايا.. هي اللي خلتني أفَكِّر في الچواز بعد ما كنت معفكرش فيه واصل. 
أخذت تهز رأسها من اليمين لليسار و هي تقول  بجدية: 
ــــ أني خابرة ان البنتة زينة.. چمال.. و أدب..... و نسبها يشرف.... بس كان بدي نسلك يبجى صَعيدي أبا عن چد كيف ما بوك الله يرحمه كان بيحلم و بيتمنى يا ولدي.... لأچل ولدك ما يبجى الكبير من بعدك.  
رد عليها بجدية: 
ـــ و اني مناويش اخلع چلبابي الصَعيدي مهما حوصل.. و كيف ما ابويا رباني راح اربي ولدي.. و وعد يامايا ولدي هيعيش و يكبر في بلدي و هيبجى كبيرها من بعدي باذن الله. 
سكتت و مازالت ملامحها واجمة، فهي غير قادرة على اعطائه موافقة قاطعة من قلبها، لم يكن هذا ما تمنته ولا ما انتظرته منه... رغم حبها الكبير لـ ريم كشخص و لكنها لم تريدها كزوجة أبدا لولدها البكري و كبير العائلة.. 
ـــ طَوَّل سكوتك يامايا... 
ردت بحزن و هي تتحاشى النظر اليه: 
ـــ اعمل اللي فيه الصالح و اللي يسعدك.. اني بدي تكون مرتاح و فرحان. 
حانت منه شبه ابتسامة و قام بتقبيل يدها بامتنان، يعلم جيدا انها غير راضية تماما عن ذلك الأمر، و لكنها ما هي الا لحظات و ستمضي... ثم ستبارك زواجه بالتأكيد.. 
ـــ ربنا يخليكي لينا يامايا و ما يحرمنا من حنيتك علينا واصل... أني كلمت اخوها و عزمتهم على فرح حمد لاچل ما نتعرفوا على بعض و بعدين هيبلغني جراره بعد اكده.. 
هزت رأسها بموافقة و هي تقول بقلة حيلة: 
ـــ يشرفوا يا ولدي. 
قبل مقدمة رأسها و هو يقول بتوسل: 
ـــ ادعيلي يامايا.. 
نظرت له بتمعن مندهشة من قلقه خشية عدم موافقة أخيها، ألهذا الحد يحبها؟!.. أهذا معتصم ولدها القوي الذي لا يخشى من شيئ بل يخشاه الناس؟!.. متى أصبح ضعيفا هكذا؟!.. و لكنها دعت له على أية حال: 
ـــ ربنا يريح جلبك يا معتصم و ينولك اللي في بالك يا ضي عيني. 
احتضنها بشدة و هو يمني نفسه بأن يستجيب الله دعائها عاجلا غير آجل... 

مرت عدة أيام كانت ثقيلة على المحبين... فالأيام لازالت تفرقهم و القلوب ملتاعة من بعد المسافات... 

لم ينفك أدهم عن مهاتفة ندى و لكن كان الأمر صعبا للغاية... فالشبكة سيئة و حين يتمكن من الاتصال بها بالكاد يسمع منها كلمة ألو ثم ينقطع بعدها الاتصال... 
ذهب الى كل مكان لعل الهاتف يلتقط الشبكة.. بعيدا في الصحراء.. أعلى مبنى العمل.. أعلى مبنى الاستراحة السكنية.. لم يترك مكان الا و ذهب له حتى كاد أن يُجن و آسر يراقبه باندهاش. 
مساءا دلف غرفة الاستراحة التي يتشاركها مع صديقه و هو يتأفف و يركل الباب بعصبية و الهاتف بيده، فنظر له آسر باستنكار و كان حينها متمددا بالفراش ثم قال مندهشا: 
ـــ مالك يا أدهم بتشاكل دبان وشك ليه؟! 
ذهب و جلس بالفراش المقابل ثم قال بانفعال و هو ينظر للهاتف: 
ـــ مش لاقي شبكة في اي مكان... لا عارف أكلم ماما و لا ندى و لا حتى رسايل الواتس بتوصلهم... انا قرفت.. 
رفع حاجبيه بتعجب و هو يبتسم نصف ابتسامه ثم سأله بتوجس: 
ـــ ايه الجديد؟!.. ما انا و انت عارفين الكلام دا كويس.. اول مرة اشوفك متعصب بسبب الشبكة في الكام مرة اللي جينا فيهم هنا.. 
نظر له أدهم و هو يتنهد بعمق و مازالت ملامحه عابسة، فاسترسل آسر بنبرة متهكمة: 
ـــ الأدوار اتبدلت يا أدهم.. زمان كنت انا اللي بتعصب و بنفخ بسبب الشبكة لأني مكنتش عارف أكلم ميري و لا قادر أطمنها عليا لما بتكون قلقانة ولا عارف اكلمها لما بتوحشني... و انت كنت بتتفرج عليا و انت في منتهى البرود لدرجة اني مكنتش مصدق أبداً ان انت ممكن في يوم من الايام تحب زي ما انا حبيت.. 
أطرق أدهم رأسه و هو شاردا في حديث صديقه، فاسترسل آسر بنفس النبرة: 
ـــ دلوقتي بقيت انا اللي بتفرج عليك ببرود و انت اللي شايط من الشبكة.. 
قالها ثم ضحك بمرارة و لكن أدهم يستمع ولا يعقب على كلامه و كأنه يتمعن به و يديره برأسه، فاسترسل آسر بنبرة جادة بها لمحة من الشجن: 
ـــ انت وقعت في حبها يا أدهم.. اعترف لنفسك بكدا.. واضح أوي من عصبيتك قدامي دلوقتي... بس تصدق كنت فاكرك حجر و قفل زي ما محمود دايما بيقول عليك... بس شايف في عنيك حنين و رومانسية مكنتش متوقعها منك أبداً.. 
أخذ نفسا عميقا و زفره ببطئ ثم قال و هو ينظر أمامه في اللاشيئ: 
ـــ الراجل اللي مش رومانسي هو اللي قلبه مدقش لبنت... و لا عمره حب ولا عرف يعني ايه حب..عشان كدا كنتو كلكم فاكرني قفل... انما بمجرد ما القلب يدق لحبيبه بيلاقي نفسه اتحول تلقائيا لشخص تاني مع حبيبه بس.. مبيعرفش يقسى عليه لو قسي على الدنيا كلها.. الحب بيلين القلب الحجر يا آسر.. بيغير نظرة صاحبه لحاجات كتير.. أي نعم أحيانا مراية الحب عامية.. بس أحلى عمى ممكن يصيبك بالذات لو كان حبيبك يستحق. 
ابتسم آسر مشدوها ناظرا اليه باندهاش ثم قال بنبرة مفتخرة: 
ـــ لا والله انا مش مصدق انك أدهم صاحبي..دا انت عشرة ١٢ سنة يلا.. اول مرة اشوفك بتقول حكم و أشعار يخربيتك.. 
ضحك أدهم بملئ فمه و هو يقول: 
ـــ يخربيت الحب و سنينه يا صاحبي..مكنتش اعرف ان الحب بهدلة.. 
أخذا يضحكان و يتمازحان إلى أن تناسى شغفه للتحدث إليها و لو مؤقتا. 

لم يكن حال ندى بأفضل من أدهم... فطيلة الوقت الهاتف في يدها لا يفارقها.. ترسل له عشرات الرسائل عبر الواتساب ولكن لا يصله أيا منها حتى كاد عقلها أن يطير... لقد اشتاقت اليه.. يكاد قلبها ينخلع من مكانه من شدة قلقها عليه... فقط لو يطمئنها بجملة تطفئ نيران الوساوس المنضرمة برأسها.. و لكنها تعود و تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم و تدعو الله له أن يحفظه و يعود اليها سالما.. 

استدعت السيدة أم معتصم صافية خطيبة ابنها لكي تجالسها قليلا حتى تعتاد الأجواء بالدوار و تشعرها بالاهتمام بدلا من ولدها الذي و كأنه نسي أن له خطيبة.. 
ـــ نورتي الدار يا غالية... 
ـــ منورة باهلها يا خالة.. 
قالتها بخفوت و هي مطأطأة الرأس من فرط انطوائها و عدم اعتيادها على مخالطة الناس و مخاطبتهم، الأمر الذي جعل القلق ينتاب حماتها... فهل حمد ولدها اللبق سيتحمل طباعها الصامتة أو بالأحرى الباردة تلك؟! 
ـــ تشربي امعايا الشاي يا مرت ولدي يا زينة انتي؟! 
قالتها و هي تتودد اليها لعلها تتقرب منها و تفتح لها قلبها، فنهضت صافية بسرعة تسير باتجاه المطبخ، فنظرت لها السيدة باندهاش متمتمة: 
ـــ على فين يا بتي؟! 
ـــ هدلى اعلج ع الشاي يا خالة.. 
ـــ تعالي يا بتي اني هنادم على نعمة تعلج عليه.. 
ـــ لاه أمي جالتلي لازمن اولف ع الدار كانها داري.. 
سكتت السيدة مصدومة من قولها، و لكن ما لبثت أن ابتسمت ابتسامة مصطنعة و هي تقول: 
ـــ بكرة تولفي لما تزهجي.. تعالي بس اجعدي چاري اهنيه.. 
عادت اليها بانصياع ثم جلست بجوارها من جديد، فتحدثت السيدة مغيرة مجرى الحديث: 
ـــ جوليلي بجى.. حمد عامل ايه امعاكي و انتي قمان؟! 
جعدت ما بين حاجبيها بعدم فهم: 
ـــ كيف يعني؟! 
تنهدت السيدة بنفاذ صبر ثم قالت: 
ـــ يعني يابتي بيكلمك في التلفون و بتكلميه و.. 
قاطعتها بقولها: 
ـــ أني مشايلاش تلفون. 
ـــ باه.. كيف؟!.. يعني حمد لما بده يطمن عليكي بيكلمك كيف؟! 
ـــ معيكلمنيش واصل... أمي جالتلي لازمن عريسك يشتريلك تلفون.. بس هو معملش اكده.. و اني معشوفهوشي من يوم الشبكة. 
في تلك اللحظة دلف اليهما معتصم و قد سمع كلام صافية الأخير فحمحم ثم ألقى عليهما السلام و وقف قبالتها قائلا بنبرة كاذبة: 
ـــ متأخذنيش يا صافية.. حمد كان موصيني اشتريلك تلفون بس اني اتلهيت و نسيت... بس ان شاء الله اخر النهار هبعتلك سمعان و معاه واحد چديد بالخط بتاعه قمان. 
سكتت قليلا لا تدري كيف عليها أن تشكره، ثم قالت بخجل: 
ـــ بس اني مخبراش هستعمله كيف.. ابويا محرم علينا التلفونات و معرفاشي فيهم حاچة واصل. 
تمتم معتصم مع نفسه بصوت خافت لم يصل اليها: 
ـــ يا وجعة مربربة!! 
و لكنه عاد يقول بجدية: 
ـــ اني هسچلك عليه رقم حمد و هعلمك كيف تفتحي عليه لما يرن عليكي.. و بعد اكده لما حمد يعاود من مصر يعلمك كيف ما بدك كل حاچة فيه. 
ابتسمت بسعادة ابتسامة أنارت وجهها الجميل و أظهرت غمازتها اليمنى. 
تركهما معتصم و اتجه الى غرفته يضرب الأرض بقدميه من الغضب و هو يسب أخاه بخفوت، فكيف له أن يترك خطيبته هكذا دون أن يفكر في طريقة للتواصل معها... مر أكثر من خمسة أيام منذ أن خطبها... ألم يخطر بباله أن يحدثها حتى و لو لمرة واحدة... أفٍ لك يا حمد.. 
بمجرّد أن دلف غرفته قام بالاتصال به فورا و بعد عدة ثوان أتاه صوته يرد عليه فتحدث بنبرة جافة: 
ـــ انت بتكلم صافية يا حمد؟! 
سكت حمد مستغربا سؤاله ثم سأله ببرود: 
ـــ و ايه مناسبة السؤال المفاجئ دا؟!.. هي اشتكتلك؟! 
لوى فمه ببسمة ساخرة ثم قال بحدة: 
ـــ هي دي بتعرف تشتكي!... ياريتها تشتكي زي البنات يمكن كنت عملتلها قيمة أكتر من كدا. 
اغمض حمد عينيه يكظم غيظه من أسلوب أخيه الساخر ثم رد بانفعال طفيف: 
ـــ في ايه يا معتصم؟!.. ايه اللي حصل لدا كله؟! 
صاح فيه بغضب: 
ـــ في ان انت معندكش دم... كلها كام يوم و هتبقى مراتك و هيتقفل عليكم باب واحد و سيادتك منفضلها و مبتحاولش حتى تقرب منها... هتلاقي فين في أدبها و جمالها.. دا كفاية انها خام متعرفش يعني ايه لوع... صافية و هي صافية فعلاً.. 
تنهد حمد بنفاذ صبر ثم رد ببرود: 
ـــ خلصت؟! 
استشاط معتصم منه غيظا و صاح بعصبية: 
ـــ انت بارد كدا ليه ياد انت؟! 
رد بانفعال: 
ـــ أنا خايف اتكلم معاها تسد نفسي منها اكتر ماهي مسدودة.. مبتعرفش تقول كلمتين على بعض من دماغها.. عشان كدا قولت خليني بعيد احسن لحد ما ربنا يسهل و نتجوز و ابقى اشوف حل لموضوع كلامها دا... مش عايز أنكد على نفسي من دلوقتي يا اخى. 
زفر معتصم أنفاسه بضيق بالغ ثم أخذ يتمتم: 
ـــ ربنا يهديك يا حمد.. ربنا يهديك. 
تحدث حمد مغيرا مجرى الحديث: 
ـــ أمي عاملة ايه؟ 
ـــ أمي زينة الحمد لله... هي اللي بعتت لصافية قعدت معاها شوية و الكلام جاب بعضه و قالتها ان مش معاها  تليفون... المهم هبعت سمعان يشتري واحد دلوقتي مع الخط و هبعتلك رقمها و هسجل رقمك عندها.. و يا ريت يعني بمجرد ما يوصلك الرقم تكلمها. 
ابتسم حمد بامتنان لذلك الأخ الذي لا يتوانى أبداً عن التفكير في كل أفراد عائلته ثم قال: 
ـــ ماشي يا معتصم... تعبتك معايا. 
ـــ يا سيدي اتعبني انت بس و مالكش دعوة. 
ضحك حمد فاسترسل معتصم بهدوء: 
ـــ حمد
ـــ اممم
ـــ أنا طلبت ريم للجواز يوم ما رجعت القاهرة.. و كلمت اخوها و عزمته على فرحك عشان نتعرف على بعض. 
اتسعت عيني حمد بصدمة و هو يتمم: 
ـــ انت.. انت بتقول ايه؟!.. و نرمين؟!.. نرمين و ريم مع بعض؟!.. طاب ازاي؟! 
اعتصر معتصم جفنيه بضيق ثم فتحهما قائلا و هو يصتك فكيه: 
ـــ الله يخليك يا حمد كفاية اللي سمعته من عيشة... انا عارف كل اللي انت عايز تقوله و فكرت في كل حاجة انت فكرت فيها دلوقتي.. بس انا بعون الله هحل كل حاجة.. هتتحل.. هتتحل يا حمد متقلقش. 
ـــ أنا قلقان عليك انت... حلها صعب اوي يا معتصم دا ان مكانش مستحيل. 
زفر أنفاسه بعنف و هو يقول بنفاذ صبر: 
ـــ خلاص يا حمد اخوك مش شوية و انت عارف كدا كويس.. انا عايزك معايا و ف ضهري مش عايزك تكسر مجاديفي.. 
تنهد حمد بقلة حيلة: 
ـــ معاك يا صاحبي مش هسيبك طالما سعادتك هتكون معاها.. انا من الاول و انا حاسس انك غرقان لشوشتك في حبها بس انت مكنتش مبين... بس يا ترى هي كمان بتحبك؟! 
رد بنبرة ضائعة بعدما أسند رأسه على الوسادة: 
ـــ مش عارف... لا قولتلها ولا قالتلي. 
رفع حاجبيه باستنكار: 
ـــ نعم؟!.. اومال هي وافقت على اي اساس؟! 
رفع كتفيه لأعلى: 
ـــ عادي.. هو احنا لازم نقعد نحب في بعض و نتصاحب و نتقابل!.. انا راجل ضغري دخلت البيت من بابه علطول.. و أظن هي احترمت الحتة دي فيا.. بس أكيد برضو في اعجاب حسيته منها... بس حب مش متأكد. 
ابتسم حمد بحالمية ثم قال: 
ـــ بس انا بقى متأكد.. 
ـــ هي قالتلك؟! 
ضحك بملئ فمه ثم قال: 
ـــ هو انا مش عارف عصوم اخويا... أي بنت تعرفه لازم تحبه.. و لا انت نسيت ولا ايه؟! 
ابتسم معتصم بسخرية ثم قال: 
ـــ هو انا حلو اوي كدا؟! 
ـــ انت مش حاسس بنفسك يابني؟!.. ماهي حلاوتك دي اللي خلت نرمين ضحت بنص املاكها عشان بس توافق انك تتجوزها لحد ما أدمنتك و مبقتش عارفة تستغنى عنك.  
حين أتى بذكر نرمين أصابه ضيقا بالغا و كأن جبل هال على صدره، تلك الخطيئة التي ستلازمه طيلة العمر: 
ـــ أوف.. مابلاش السيرة دي بقى دلوقتي.. 
ضحك حمد ثم قال بمواساة: 
ـــ ربنا معاك يا صاحبي و يتم مرادك على خير.. 
ـــ يا رب يا حمد... يا رب. 

كانت ريم قد قدمت طلب نقل لأقرب مشفى لسكنها، و بفضل مكانة والدها و معارف شقيقها تمت الموافقة بدون تعقيدات، و هاهو اليوم أول يوم لها بمشفاها الجديد 
كانت تقوم بعملها في قسم الاستقبال، حيث تقوم بالكشف على سيدة تعاني من مغص شديد بالبطن و بعد اجراء الكشف الدقيق عليها قالت: 
ـــ انا شاكة ان المغص دا بسبب الزايدة.... هشوف مين هنا تخصص جراحة يكشف عليكي.. 
تركتها ثم خرجت من غرفة الكشف لتسأل احداهن: 
ـــ لو سمحتي مين معانا جراحة النهارده؟ 
أشارت لها الفتاة حيث أحد الغرف لتقول: 
ـــ الدكتور خالد هتلاقيه قاعد في القوضة دي.. 
شكرتها ثم ذهبت الى حيث أشارت ثم طرقت الباب و دخلت لتجد شابا وسيما يرتدي نظارة طبية متوسط الطول شعره أسود قصير و نحيلا نوعا ما، وقف بمجرّد أن رآها و هو يقول بذهول: 
ـــ ريم؟!... معقول؟! 
اتسعت بسمتها لتتقدم اليه و هي تقول بدهشة: 
ـــ ايه دا انت شغال هنا يا خالد؟! 
مد يده اليها ليسلم عليها فبادلته التحية و سحبت يدها فورا من كفه، فقال بسرور بالغ: 
ـــ ايوة بقالي سنتين... انتي هنا من امتى؟! 
ـــ النهاردة أول يوم ليا. 
ـــ بجد؟!.. يعني هنشوف بعض علطول. 
ضحكت و هي تقول: 
ـــ اه هزهقك مني... و بالمناسبة دي بقى معايا حالة اشتباه زايدة في غرفة السيدات ممكن تكشف عليها؟! 
أجابها مبتسما: 
ـــ طبعاً انتي تؤمري.. 
ـــ شكرا يا خالد... هروح بقى أشرب قهوة عشان انا خلاص فصلت.. 
كادت أن تنصرف من امامه و لكنه استوقفها يسألها بتردد: 
ـــ ممكن تستنيني هنا هخلص و اعزمك على القهوة نشربها سوا بمناسبة ان دا اول يوم ليكي معانا.. 
سكتت مليا تفكر ثم أومأت بابتسامة سلبت أنفاسه، فغادر من أمامها على الفور قبل أن يتجرأ و يفعل بها ما لا يحمد عقباه.. فهذه ريم تلك الفتاة التي لطالما حلم باقتران اسمها باسمه و لكن دائما كانت الظروف ضده، كما أنها لم تشعر به أبداً و تتعامل معه من باب الزمالة لا أكثر... و لكن ربما قد أعادها القدر إليه مرة أخرى لتتحقق أمنيته.. فهو لا يرى من البنات سواها و لم يستطع الارتباط بغيرها من شدة تعلقه بها. 

مرت أيام أخر و ريم منتظمة في عملها و تلتقي بخالد أغلب الأيام و هو لم يترك فرصة الا و يتقرب منها و يحاول اختلاق المواضيع ليتحدث اليها أطول فترة ممكنة و ريم تتعامل معه بحسن نية و لم تشك بمحاولات تقربه منها.. تظنه أنه زميلا عزيزا يقف بجانبها في مكان جديد عليها ولا تعرف به أحدا سواه..... 

اشتاق اليها معتصم كثيرا... كل ليلة يمسك بالهاتف يريد الاتصال بها و سماع صوتها الرقيق الذي يذهبه عقله و لكن في كل مرة يتراجع... يريد أن يحصل على موافقة أخيها أولاً ثم بعد ذلك لن يتوانى عن اغداقها بوافر عشقه.. 

بقي يومان على عودة أدهم من الانتداب اللعين.. فحتى تلك اللحظة لم تتمكن ندى من محادثته سوى مرتين و كانت مدة المكالمة لا تتجاوز الدقيقة او الدقيقتان ثم ينقطع بعدها الاتصال.. 
استيقظت ندى صباح ذلك اليوم باعياء شديد فاقدة شغفها في كل شيئ لا تدري أمن غيابه عنها تلك المدة و انشغالها به أم لشيئ آخر.. 
بقيت في غرفتها طوال اليوم ولم تستطع الخروج منها من شدة الاعياء الأمر الذي أقلق السيدة تيسير للغاية... 
و حين عادت ريم من عملها وجدت أمها تجلس مهمومة بمنتصف الصالة فأقبلت عليها بعدما ألقت التحية ثم جلست قبالتها تسألها بقلق: 
ـــ مالك يا ماما قاعدة زعلانه كدا ليه؟!.. أدهم حصله حاجة؟! 
ربتت على رأسها و هي تقول: 
ـــ لا يا حبيبتي أدهم بخير الحمد لله.. جاي بكرة ان شاء الله. 
ـــ طاب الحمد لله.. اومال مالك؟! 
تنهدت بحزن ثم قالت: 
ـــ ندى مخرجتش من قوضتها خالص النهارده و كل ما ادخل اشوفها الاقيها نايمة.. يادوب تصحي تقولي انا كويسة و ترجع تنام تاني.. مش عارفه مالها.. خايفة تكون تعبانة و مش عايزة تقلقنا.. 
سكتت ريم مليا تفكر ثم قالت: 
ـــ ما يمكن حامل يا ماما.. ماهو الحمل برضو بيخلي الست همدانة و عايزة تنام علطول.. 
أضاء وجه تيسير بسعادة بالغة و هي تقول: 
ـــ بجد يا ريم؟!..ازاي مخطرش الموضوع دا على بالي.. ايوة فعلا هي همدانة خالص و وشها اصفر.. بس معقول هتخبي علينا؟! 
ـــ ما يمكن متعرفش او مخطرش في بالها زيك كدا برضو.. 
ـــ أيوة صح... ياااه أخيرا يا أدهم.. دا هيفرح أوي لما يعرف.. 
نهضت ريم ثم سارت باتجاه غرفتها و هي تقول: 
ـــ هدخل بس اخد شاور ع السريع و اغير هدومي و بعدين هكشف عليها بنفسي... 
ضحكت أمها و هي تقول: 
ـــ طبعاً.. في بيتنا دكتورة.
ثم تنهدت بسرور: 
ـــ يا رب يطلع كلامك صحيح يا ريم... يا رب. 


الفصل الحادي والعشرون 
طرقت ريم باب غرفة ندى و كانت حينئذٍ تحمل جهاز الضغط خاصتها و السماعة الطبية... و لكن لم يأتيها رد، فاضطرت لفتح الباب و الدلوف مباشرة لكي تطمئن عليها. 
وجدتها نائمة و وجهها شاحب للغاية فاقتربت منها تتحسس جبينها لتجد حرارتها مرتفعة قليلا، فلم تجد بدا من ايقاظها لكي تقوم بالكشف عليها.. 
ـــ ندى.. ندى.. اصحي يا ندى عايزة اقيسلك الضغط و اشوف مالك... ماما قلقانة عليكي اوي.. 
حاولت النهوض و هي تفتح عينيها بصعوبة فأسرعت ريم تسندها لتساعدها في الجلوس.. 
ـــ هاتي دراعك كدا... 
مدت لها ذراعها بضعف فقامت ريم بدورها بقياس ضغطها لتجده منخفض للغاية، فتدخل السيدة تيسير في تلك اللحظة لتسألها بقلق: 
ـــ ها يا ريم؟!. ضغطها عامل ايه يا حبيبتي.. 
ـــ ضغطها واطي اوي يا ماما.. 
ـــ أكيد من قلة الأكل... ماهي مأكلتش حاجة من الصبح. 
و لكن ندى كانت في عالم آخر من فرط الآلام المنتشرة بعظامها و خاصة رأسها كما أن أنفاسها كانت غير منتظمة و تلتقطها بصعوبة.. 
جلست تيسير بجوارها ثم ربتت على كتفها و هي تسألها بتوجس: 
ـــ هو التعب دا ممكن يكون سببه حمل يا ندى؟! 
انتبهت حواسها حين تفوهت حماتها بتلك الكلمة لتتسع عينيها قليلا بصدمة ثم ابتلعت ريقها بصعوبة لتقول بنبرة واهنة للغاية: 
ـــ لا.. لا يا ماما مفيش حمل ولا حاجة. 
ـــ متأكدة يابنتي؟! 
تدخلت ريم لتقول: 
ـــ خلاص يا ماما هي أدرى بنفسها.. أكيد لو متأكدة هتقولنا.. 
تهدل كتفيها بحيرة لتقول: 
ـــ أومال مالك بس يا ندى؟!
أخذت ريم تفكر قليلا بعدما لاحظت صعوبة تنفسها و احتقان وجهها بالدم ثم سألتها بقلق: 
ـــ اوصفيلي انتي حاسة بايه بالظبط يا ندى. 
ابتلعت ريقها ثم قالت بوهن: 
ـــ حاسة ان جسمي كله متكسر و صداع جامد و مش قادرة اخد نفسي كويس و ضربات قلبي سريعة.. 
أجفلت ريم بقلق شديد حين سمعت شكواها ثم قالت باصرار: 
ـــ قومي يا ندى حالا خودي شاور عشان نروح نكشف عليكي عند دكتور متخصص. 
أخذت تهز رأسها برفض: 
ـــ لأ انا هاخد قرصين بانادول و هبقى كويسة متقلقيش.. 
ـــ مش هينفع.. مش هيعملك حاجة.. لازم تتشخصي و تاخدي علاج مظبوط. 
ردت عليها باستعطاف: 
ـــ عشان خاطري يا ريم سيبيني انا مش قادرة أتحرك... هاتيلي أي حاجة تريحني دلوقتي و بكرة هكشف.. عشان خاطري.. 
سكتت ندى و هي تشعر بالعجز لتتدخل تيسير: 
ـــ يابنتي احنا خايفين عليكي و عايزينك تكوني كويسة... و بعدين عايزة أدهم ييجي يلاقيكي تعبانة كدا و يتهمنا بالتقصير؟! 
ردت ندى باصرار: 
ـــ أنا حاسة اني بكرة هكون كويسة ان شاء الله.. بس سيبوني دلوقتي مش قادره اتحرك من مكاني. 
تنهدت ريم باحباط ثم قالت باصرار: 
ـــ طالما انتي مش عايزة تقومي تكشفي يبقى تسمعي كلامي و نشوف لو اتحسنتي تمام.. لو لا قدر الله فضلتي تعبانة يبقى هنكشف يعني هنكشف يا ندى. 
أومأت ندى بقلة حيلة ثم نهضت معها بصعوبة الى المرحاض لتستحم لعلها تستعيد بعضا من نشاطها ثم طلبت لها ريم مجموعة من أدوية البرد و المسكنات لترى اذا ما ستتحسن بهذه الأدوية أم لا.... 

في اليوم التالي دلفت ريم الى غرفة ندى لتتفقد حالتها لتجدها نائمة تتنفس بصعوبة و وجهها محمر للغاية من شدة الحرارة فتحسست جبينها لتجده ملتهبا بحرارة بالغة، الأمر الذي أصابها بالفزع و نادت أمها على الفور لتساعدها في تبديل ملابسها ثم أسندتها مع وفاء الخادمة لتأخذها بسيارة أجرة الى أقرب مشفى خاص لسكنهم بالتجمع الخامس... 
ـــ ماما خليكي في البيت عشان أدهم لو رجع و احنا برة ميقلقش... 
ـــ طيب طمنيني يا ريم كل شوية بالتليفون.. 
ـــ حاضر يا ماما ربنا يستر.. 
انطلقت السيارة الى المشفى فورا و بقيت تيسير بالمنزل تدور به ذهابا و ايابا من شدة القلق... 

في تلك الأثناء تماما كان أدهم يضب أغراضه بحقائبه و هو يدندن بسعادة استعدادا لعودته الى حبيبته التي تَحرّ‌ق شوقا اليها يُصبر نفسه بقرب لقائها و حينها لن يُضيع لحظة واحدة ليعترف بعشقه لها حتى يجعلها تندمج مع جسده كعطره. 
كان آسر أيضا يضب أغراضه و يراقبه و هو يضحك على أدهم الجديد الذي يراه لأول مرة، و لكنه تمنى له السعادة على أية حال وألا يصيبه من الحب ما أصابه. 

قاربت الساعة على الثانية بعد الظهر و لم تعد ريم و ندى حتى الآن و كان أدهم قد اتصل بوالدته أخبرها بقرب وصوله و لكنها لم تخبره لألا ينزعج  و يقلق في طريق العودة. 

بعد نصف ساعة وصل أدهم ليلقي بحقائبه و يرتمي بأحضان والدته و هي تشدد من احتضانه من شدة اشتياقها البالغ و تتمتم بسعادة: 
ـــ الحمدلله يا حبيبي انك رجعت بالسلامة...متعرفش انا كنت قلقانة عليك قد ايه يابني.. الحمد الله.. الحمد لله يا حبيبي.. 
طال العناق لدقيقة او دقيقتان ثم ابتعد عنها قليلا و هو يبحث بيعينيه عنها في أرجاء الشقة ليتسائل بنفاذ صبر: 
ـــ أومال ندى و ريم فين؟ 
لم تكد ترد عليه والدته حتى انفتح الباب لتطل عليهما ريم مرتدية كمامة و تسند ندى التي كانت أيضا ترتدي كمامة و بيدها كانيولا صفراء بلاصق طبي، فاتسعت عيني أدهم بصدمة و ركض اليها ناسيا غيابه عنهم و هو يتمتم بقلق بالغ: 
ـــ مالك يا ندى ايه اللي حصل.. 
قبل أن يصل اليها أسرعت بايقاقه باشارة من يدها و هي تصرخ باعياء: 
ـــ متقربش خليك عندك.. 
وقف يناظرها باستنكار فأسرعت ريم موضحة: 
ـــ ندى اتشخصت اشتباه كورونا يا أدهم و الدكتور قال لازم تتعزل في قوضة لواحدها لمدة اسبوعين على الأقل و محدش يختلط بيها عشان ميتعديش منها.. و لازم كلنا نلبس كمامات. 
وقع قلبه بين قدميه ليسألها بقلق شديد: 
ـــ ازاي؟!.. و الكورونا هتجيلها منين؟! 
ردت ريم بجدية: 
ـــ الكورونا موجودة يا أدهم مانتهتش... و فعلا اليومين دول بيدخلنا المستشفى حالات اشتباه كتير... بس متقلقش الكورونا معدتش خطيرة زي الأول.. 
ـــ طاب دخلي ندى قوضتها الأول عشان ترتاح و بعدين  نبقى نتكلم. 
أسندتها ريم حتى دلفت غرفتها، فارتدى أدهم كمامة على عجالة ثم لحق بهما و أجلس ندى على حافة الفراش و أسندها جالسا بجوارها حتى استخرجت لها ريم بيچامة بأكمام طويلة ثم قالت: 
ـــ ألبّسها ولا تلبسها انت؟! 
نظر لـندى بتردد فوجدها تطقطق رأسها بخجل، ثم رفعت رأسها لتلتقط الملابس من ريم و هي تقول بتعب: 
ـــ اخرجو انتو و انا هغير هدومي لوحدي... انا بقيت كويسه.. 
غمز أدهم بعينه لريم لكي تخرج و بالفعل خرجت بهدوء دون أن تتفوه معها بشئ، و بمجرّد أن انغلق الباب قالت ندى بنبرة شبه باكية: 
ـــ حمد الله على سلامتك يا أدهم.. مكانش نفسي ترجع تلاقيني كدا بس الحمد لله على كل شئ.
اقترب منها قليلا فابتعدت بمجرد أن لمس فخذه فخذها ثم قالت برجاء: 
ـــ عشان خاطري خليك بعيد أنا خايفة عليك. 
رد بحدة طفيفة: 
ـــ ما أنا لابس الكمامة اهو يا ندى.. متخافيش بقى.. و بعدين هتفضلي قاعدة بهدومك دي لحد امتى؟! 
ـــ ما أنا مستنياك تخرج و بعدين هغير. 
لم يكترث لكلامها و انما اقترب مجددا حتى التصق بها ثم قام مباشرة بفك الكمامة تحت مقاومتها و اعتراضها و لكنه قبض على كفها بقوة ليوقفها حتى استكانت و استسلمت حين لمست اصراره و عدم تراجعه. 
قام بفك حجابها بالكامل و فك أيضا عقدة شعرها و نزع دبابيس غرتها لتنسدل الغرة على جبينها و ينسدل شعرها حول وجهها، فتسارعت دقات قلبه شوقا لوجهها الجميل الذي أطفأ ضيّه المرض، فأخذ يخلل أصابعه بين خصلات شعرها تارة و تارة أخرى يزيح الغرة جانبا لكي تتضح له عينيها الناعستين من أثر المرض و هو يتأملها بشغف بالغ و كأنه غاب عنها لسنوات، يلعن ذلك الحظ الذي سيحرمه منها و سيفسد كل مخططاته التي كان ينوي تحقيقها فور عودته سالما اليها. 
كانت تنظر اليه بعينين مسبلتين بتيه و تبتلع ريقها بصعوبة من فرط توترها من حركاته الرومانسية المثيرة، فقط لو كانت سليمة لما ترددت في تقبيله الآن و الاستلقاء بين أحضانه الدافئة. 
تنهد بثقل و هو يحاول السيطرة على ثورة مشاعره تجاهها، فرأسه تنجذب للغاية نحو رأسها يريد تقبيلها و أخذها بين أحضانه لربما يقل اشتياقه لها و لو قليلا... فيعود و يلعن ذلك المرض الذي حال بينهما في وقت قاتل.. 
ـــ وحشتيني أوي...اليوم كان بيعدي عليا كأنه سنة بالذات و أنا مكنتش عارف أكلمك ولا أطمن عليكي. 
ردت بصوت متعب: 
ـــ و انت كمان وحشتني و كنت بستنى تكلمني بفارغ الصبر و كنت بضايق اوي لما الشبكة بتفصل.. بس الحمد لله انك رجعت بالسلامة. 
ظل يستمع اليها و هو يجاهد نفسه لألا يتجرأ و يعترف  بعشقه لها و هي في تلك الحالة السيئة... فأمر كهذا يتطلب أن يكونا على أتم استعداد له حتى يذيقها من رحيق حبه و تندمج روحيهما كروح واحدة في جسدين. 
حانت منه نصف ابتسامة ثم أخذ يمسد على ذراعيها صعودا و هبوطا و هو يقول: 
ـــ طاب قومي يلا خودي شاور عشان حاسس ان جسمك دافي.. و البسي عشان لو لسة في دوا مأخديتهوش تاخديه. 
أومأت بموافقة ثم نهضت بمساعدته و أسندها حتى دلفت الى المرحاض ثم أغلق بابه و تركها ليجلس بحافة الفراش يدفن رأسه بين كفيه و يخلل أصابعه بين خصلات شعره كناية عن ضيقه و توتره ثم نهض ليخلع ملابسه، فقد التهى بحبيبته و نسي أن يبدلها. 
فتح الخزانة و استخرج تيشيرت و بنطال قطني و ارتداهما على عجالة ثم جلس ينتظر خروجها بعدما ارتدى الكمامة مرة أخرى. 

في الخارج أنهت ريم لتوها مكالمة مع معتصم يؤكد فيها على ضرورة حضورها مع عائلتها لحفل زفاف حمد فأخبرته أنها ستتحدث مع أخيها في ذلك الأمر. 
لاحظت تيسير شرودها بعد تلك المكالمة فأدركت ما يدور بخلد ابنتها الحبيبة، فربتت على فخذها و هي تقول ببسمة مطمئنة: 
ـــ متحمليش هم الموضوع دا... أنا هكلم أدهم.. 
ـــ مش هينفع نسيب ندى و هي في الحالة دي يا ماما و نسافر. 
ـــ و أنا روحت فين؟!.. ندى دي بنتي التالتة و انا عمري ما هقصر معاها أبداً.. روحي يا حبيبتي انتي و اخوكي و انا هخلي بالي منها و هديها أدويتها في مواعيدها بالساعة.. 
ـــ ما انا خايفة عليكي برضو يا ماما تتعدي منها.. 
ردت بنبرة قاطعة: 
ـــ سواء انتو هنا أو لأ أنا مش هسيب ندى أبداً و انا برضو اللي هراعيها و هديها أدويتها... لا أدهم هينفع يسيب شغله و يقعد جنبها ولا انتي برضو هتسيبي شغلك و تقعدي جنبها... في كل الأحوال ندى مهمتي أنا.. 
تنهدت ريم بحيرة لتنظر لها أمها بنظرة مطمئنة مغذاها ألا تقلق، فهزت رأسها باستسلام ثم احتضنتها بشدة و هي تقول: 
ـــ ربنا يخليكي لينا يا ماما و ميحرمناس منك أبداً.. 
شددت أمها من احتضانها و هي تدعو لها: 
ـــ ربنا يفرح قلبك يا حبيبتي و لو كان فيه خير ليكي يجعله من نصيبك. 
ـــ يا رب يا ماما... يا رب. 

بعد حوالي ساعة خرج أدهم من غرفة ندى ليذهب الى حيث تجلس أمه و أخته و بمجرد أن وقف قبالة أخته ابتسم لها قائلا و هو يمد ذراعيه لها: 
ـــ تعالي يا بت انتي هاتي حضن مسلمتش عليكي.. 
وقفت ريم على الفور ترتمي بين ذراعيه و هي تقول: 
ـــ طبعاً من لقى احبابه نسي اصحابه.. 
ضحك أدهم و هو يربت على ظهرها: 
ـــ انتي الحب الاول و الاخير يا ريمو.. وحشتيني و وحشتني شقاوتك.. 
ابتعدت عنه قليلا ثم قالت بنبرة متأثرة: 
ـــ و انت كمان يا حبيبي وحشتني اوي.. 
كانت أمهما تراقبهما و هي في قمة سعادتها، فجلس بجوار أمه ثم قال: 
ـــ عايز اروح اشوف روان و محمود وحشوني من زمان مشوفتهمش.
ردت ريم: 
ـــ يا ريت تروح تسلم عليهم في بيتهم و بلاش تخلي روان تيجي هنا لحد ما ندى تخف بالسلامة... الحمل مخلي مناعتها وحشة و ممكن تتعدي من جو البيت بسهولة. 
قالت تيسير و كأنها تذكرت شيئا ما للتو: 
ـــ بمناسبة الحمل يا أدهم... تصور كنا فاكرين ان تعب ندى من الحمل؟! 
تجمد جسده لوهلة بصدمة بالغة و لكن سرعان ما ابتسم بحالمية و هو يفكر بجدية في ذلك الأمر ليقول مبتسما: 
ـــ قريب اوي يا ماما ان شاء الله.. 
ربتت أمه على فخذه و هي تدعو: 
ـــ ربنا يرزقك بالذرية الصالحة يا حبيبي. 
غمزت ريم لأمها لكي تتحدث بخصوص أمر سفرها لمعتصم في الغد، فهزت رأسها ثم توجهت لأدهم بالحديث في محاولة لاقناعه بالذهاب على أن تتولى أمه رعاية ندى، في بادئ الأمر طلب منها تأجيل الذهاب و مع عدة محاولات لاقناعه أصرت والدته على ألا يكسر خاطر أخته فلم يجد بدا من الموافقة مع اصرار والدته الشديد، على أن يذهبا و يعودا في نفس اليوم.

و بالفعل صباح اليوم التالي اطمئن أدهم على ندى و أوصى أمه عليها كثيرا ثم استقل سيارته بصحبة شقيقته و انطلقا سويا الى محافظة سوهاج... 

كان الجميع يقفون على قدم و ساق يجهزون لحفل الزفاف بالقرية و كانت الأجواء احتفالية و الطبل و المزمار لم يتوقف طيلة اليوم في الدوار...

وصل أدهم و شقيقته الى البلدة عند منتصف النهار و كان معتصم و عائلته  في استقبالهما  ... 
تعرف أدهم على معتصم و والدته و أشقائه، و قد لفت نظره وسامة معتصم الزائدة علاوة على بنيته الجسدية المُلفتة و شخصيته الواثقة، الأمر الذي أقلقه خشية أن تكون ريم قد انبهرت به فقط لتلك الأمور السطحية من وجهة نظره، خاصة انه استقبله بملابس عصرية أظهرت مدى وسامته و أناقته. 
تناول أدهم وليمة الغداء مع الرجال بينما ذهبت ريم مع وليمة النساء بصحبة عائشة و مارتينا.

و عندما حل المساء بدأت الاحتفالات الحقيقية و انقسمت حديقة الدوار لقسمين كما كانت في حفل الخطبة..
وصل حمد مرتديا جلبابه الصعيدي و بصحبته عروسه الجميلة... وقف وسط الحفل بجوارها و الجميع يصفق و الرجال يرقصون بالعصا و الخيول، ثم أخذها الى مجلس النساء و أجلسها بينهن ثم عاد لضيوفه بمجلس الرجال يرقص بينهم و هو يحاول أن يتجاهل قلقه من أيامه القادمة مع زوجته الصامتة، يحاول الاستمتاع بالأجواء و صرف تفكيره عن حياته التي تبدو و كأنها ستكون عسيرة عليه...
لم يترك معتصم صهره المستقبلي أدهم و لا لحظة مظهرا له اهتماما شديدا لعله يخطب وِدَّه، تحدث معه في مواضيع شتى و حكى له مسيرته حتى أنشأ تلك الشركة و بالطبع لم يتطرق الى الحديث عن نرمين و مساعدتها له حتى وقف على قدميه في مقابل زواجه بها. 
انبهر حقا بحديثه و مسيرته الناجحة و لكنه رغم ذلك لم يصدقه تماما و أحس بوجود خطبا ما و لم يشعر تجاهه بالارتياح الكامل. 
استدرجه أدهم في الحديث حتى يأخذ منه أكبر قدر من المعلومات عنه بما في ذلك عنوان شركته و مصنعه. 

اندمجت ريم كثيرا مع الفتيات حتى أن واحدة منهن جذبتها لترقص بينهن و قد استجابت لها و بدأت تتمايل بسعادة، فالأجواء مثيرة للغاية و الأغاني الصعيدية التي يدندن بها ممتعة... 
بعدما تعبت من الرقص جلست جانبا لتتفقد هاتفها فوجدت مكالمة فائتة من أمها لم ترد عليها فخشيت أن تكون ندى قد أصابها مكروه، فتسللت من بين النساء حتى خرجت من المكان و ابتعدت قليلا حتى تتمكن من سماع الصوت. 
استندت الى جذع شجرة كبيرة ثم اتصلت بأمها و أخذت تسألها على ندى، و كان سمعان في تلك الأثناء يحرس الحفل بالخارج و رأى ريم و هي تبتعد عن الدوار، فخشي أن يحدث لها مثلما حدث في المرة السابقة حين ضلت الطريق، فحسم أمره بإخبار معتصم عبر الهاتف و قد فعل.. 
حين علم معتصم بذلك استأذن من الحضور و كان من بينهم أدهم و خرج يتفقد ذلك الأمر خشية أن يفقدها مرة أخرى...
فاستغل أدهم فرصة ابتعاد معتصم و قام في الحال بالاتصال بصديقه آسر: 
ـــ ألو.. آسر أنا هبعتلك ع الواتس بيانات واحد كدا معرفة و هبعتلك عنوان شركته.. عايزك تعرفلي كل حاجة عنه من يوم أمه ما ولدته و كل حاجة عن شغله و معارفة و شركائه... كل حاجة كبيرة و صغيرة مهمة او مش مهمة يا آسر... هقولك بعدين.. تمام مش عايز استنى كتير يعني على بكرة بالليل لو أمكن... راضي المخبرين بتوعك و انا هحاسبك لما اشوفك... تمام سلام.. 
أنهى المكالمة و هو يبتسم بغموض و يتمتم لنفسه بخفوت: 
ـــ أنا من الأول قولت مش مرتاحلك يا سي معتصم...أما نشوف ايه اللي وراك.. 

حين رآها تقف مستندة الى جذع الشجرة و بيدها الهاتف، أخذ يهز رأسه بغيظ ثم سار نحوها ببطئ حتى لا تشعر به الى أن صار خلفها فباغتها بصياحه: 
ـــ تاني يا ريم.. 
صرخت ريم حين أتاها صوته بغتة حتى أن الهاتف وقع من يدها و أصبح جسدها كالهلام من فرط الفزع حتى كادت أن يُغشى عليها، فأسرع معتصم بمسكها من خصرها حتى لا تسقط على الأرض و يقول بنبرة مطمئنة: 
ـــ متخافيش يا ريم دا أنا... أنا معتصم.. 
نظرت له و هي تلتقط أنفاسها المتلاحقة بصعوبة و قد خرجت عن السيطرة تماما، فأخذ يمازحها قائلا: 
ـــ و بعدين بقى... انتي شكلك مش هتهدي غير لما أحضنك.. 
ثم اقترب منها للغاية و كأنه سيحتضنها و لكنها ابتعدت سريعا للخلف فتراجع و هو يضحك بقهقهة فنظرت له بغيظ لكن سرعان ما تحولت تلك النظرات لاعجاب من ضحكته الجميلة التي أظهرت أسنانه البيضاء المتناسقة و التي تراها لأول مرة، فلم تكن ترى منه أكثر من ابتسامة فقط بشفتيه، فلاحظ معتصم شرودها و تأملها لخلقته، فتحولت ضحكاته لبسمة هائمة: 
ـــ حلو أنا عارف. 
عادت ترمقه بغيظ و هي تقول: 
ـــ و عارف كمان ان انت مغرور؟! 
أجابها برقة بالغة: 
ـــ لو هتغر ع الدنيا كلها.. مش هتغر عليكي أبداً. 
ابتسمت بخجل ثم قالت بجرأة: 
ـــ انت عارف أول مرة شوفتك فيها استغربت ازاي في راجل بالجمال و الهيئة و الشياكة دي في البلد دي..اللي زيك بنشوفهم ع الشاشات بس.....ساعتها قعدت اقول في سري سبحان من صورك.. بس لما شوفت الحاجة والدتك عرفت انك وارث ملامحك الحلوة دي منها. 
استند بذراعه الى جذع الشجرة ثم نظر لها ببسمة هائمة سلبتها عقلها: 
ـــ أومال أنا أقول ايه في جمالك و رقتك و شقاوتك اللي طيرت النوم من عيني! 
أسبلت جفنيها بخجل و هي ترفرف بأهدابها، فتحدث معتصم يسألها بجدية و كأنه تذكر شيئا لتوه: 
ـــ ايوة صحيح انتي مبتحرميش؟!.. ايه اللي خلاكي تبعدي عن الدوار... افرض توهتي زي المرة اللي فاتت؟! 
ردت بعناد: 
ـــ ما أنا أكيد المرادي هاخد بالي يعني.. 
ـــ و لو أنا مكنتش شوفتك كان مين هيدور عليكي و يلاقيكي.. 
ردت برقتها المعهودة: 
ـــ أدهم كان هيلاقيني... طول ما أدهم معايا أنا مبقلقش. 
ضيق عينيه و هو يتأملها بدهشة ثم قال بنبرة مغتاظة: 
ـــ أنا بدأت أغير من أدهم.. 
تبسمت ضاحكة بخجل فاسترسل يسألها بجدية: 
ـــ بس قوليلي بقى ايه حكاية الـ panic attack اللي بتجيلك دي؟!.. و كام واحد حضنك غيري وقت النوبة؟! 
ضحكت ريم بملئ فمها، فاغتاظ معتصم من ضحكها ثم تمتم و هو يصتك فكيه: 
ـــ اممم... شكلهم كتير.. 
ـــ لا و الله هو أدهم بس.. 
سكتت مليا ثم استرسلت بنبرة أليمة: 
ـــ أول مرة جاتلي لما شوفت بابا و هو بيتقتل قدام عنيا بعد ما المافيا ضربته بالرصاص في صدره... كان لسة خارج من البيت رايح على شغله و انا جريت وراه عشان احضنه قبل ما يمشي، ملحقتش أوصله.. كان وقع ع الأرض و غرقان في دمه... ساعتها وقفت مكاني و جسمي ارتعش و نفسي ضاق لدرجة اني كنت حاسة اني بموت، كل اللي في البيت خرجو على صوت الرصاص و جريوا على بابا و محدش اخد باله من حالتي لحد ما حالتي ساءت و جالي انهيار عصبي.. المشكلة اني مبعرفش أخرج من الحالة دي بارادتي.. بعد ما أدهم اتأكد ان خلاص بابا مات بعد ما وقع ع الأرض انهار بس شافني انا كمان منهارة و بطلع في الروح.. جري عليا بسرعة و أخدني في حضنه و قعد يهديني بالكلام و يطبطب عليا لحد ما جسمي هدي و أغمى عليا بعدها... فضلت فترة كبيرة بعدها بتعالج نفسيا و الكوابيس مكانتش بتسيبني... الحمد لله بقيت أحسن دلوقتي بس المشهد لسة سايب أثر جوايا... ندبة كبيرة مبتروحش. 
تأثر معتصم كثيراً لما رأته حبيبته، يود لو يمحي ذلك الألم و تلك الندبة و لكن ليته بيده.. 
ـــ كنتي صغيرة؟! 
محت دمعة فرت من عينها ثم هزت رأسها بايجاب: 
ـــ أيوة... كان عندي حوالي ١٢ سنة...
سكتت مليا ثم استرسلت بحزن:
ـــ من ساعتها و أدهم بيخاف عليا من الضغوط النفسية و بيحاول بكل الطرق انه ميزعلنيش عشان حالتي ماتسؤش... كان خايف يدخلني كلية الطب عشان مشوفش جثث في التشريح بس أنا صممت و قعدت أطمنه ان النوبة دي ملهاش علاقة بالجثث... مرتبطة أكتر بالخوف و القلق... و تاني مرة جاتلي فيها لما ماما جاتلها أزمة قلبية و وقعت من طولها قدامي... خوفت تروح مني زي بابا ما راح..ساعتها مقدرتش أسيطر على نفسي و الحالة جاتلي و أدهم حضني و برضو قعد يهديني بالكلام و يطبطب عليا و يطمني لحد ما بقيت كويسة..  
رفعت كتفيها لأعلى و هي تقول بشبه ابتسامة: 
ـــ و بس كدا... و تالت و رابع مرة بقى انت عارفهم. 
أمال رأسه قليلا لمستوى رأسها ثم قال بنبرة هائمة: 
ـــ و ان شاء الله مش هيكون في بعد كدا... و يوم ما هحضنك تاني... هحضنك و انتي مراتي. 
في تلك اللحظات رن هاتفها فنظرت الى الشاشة لتجد أخاها من يتصل.. 
ـــ دا أدهم.. أكيد بيدور عليا... انا هروح أشوفه.. 
استدارت لتغادر من أمامه بخطوات أشبه بالركض فاستوقفها مناديا بعدما ابتعدت عنه مقدار ثلاث أو أربع خطوات لتقف تنظر اليه باستفهام فسألها بهيام: 
ـــ هو أنا قولتلك قبل كدا إني بحبك؟! 
ابتسمت حتى ظهرت نواجزها و هزت رأسها بنفي فاتسعت ابتسامته الهائمة، ثم استدارت لتغادر مرة أخرى و هي تقول بصوت خافت لم يصل اليه: 
ـــ و أنا كمان بحبك اوي يا معتصم. 
استند بجسده الى جذع الشجرة ثم نظر للسماء و مازالت البسمة الهائمة تزين وجهه البهيّ متمتما بهمس: 
ــــ بحبها أوي..بعشقها يا ليل..... يا رب تمم فرحتي بيها على خير..   

تعليقات