رواية قلب وكبد الفصل الثاني2بقلم حور طه


رواية قلب وكبد الفصل الثاني2بقلم حور طه

استدار عنها، حاول أن يخفي وجهه من أمامها، لكن ما أن مرت ثوانٍ حتى سمع صوت سقوط قوي على الأرض. التفت بخوف، عيونه توسعت بلهفة:"فريدة؟!"

فريدة تبتسم بهدوء وتقول: "واضح إنك بجد مش عايزني أرتاح. ما تقلقش أوي، دي الكوباية بس اللي اتكسرت."

يونس يضيق عينيه بغضب ويشد قبضته، تحترق أنفاسه بصمت مكبوت قبل أن يدير ظهره ويخرج من الغرفة بسرعة، يغلي من الداخل وكأنه على وشك فقدان السيطرة على نفسه. فريدة تتابع ترتيب أغراضها بابتسامة خفية، تشعر بأن برغم قسوته الظاهرة، إلا أن خوفه عليها كان دليلاً على حب لا يزال ينبض فيه، حتى لو حاول إنكاره.

على مائدة الإفطار، كانت تقف وتتناول الطعام بسرعة مثل الأطفال المستعجلين.

سعد يبتسم بحنو: "اقعدي يا حبيبتي افطري براحتك وبعدين انزلي."

يونس يرفع حاجبه ويسأل بحدة: "على فين إن شاء الله؟"

فريدة تبتلع آخر لقمة وترد بمزاح خفيف، وعينيها تلمعان بمكر: "خليك فريش كده عشان أحبك... أنا ما بحبش الرجالة اللي بتعمل فيها سي السيد 'رايحة فين وجاية منين'."

يونس يقترب منها، يقف بجانبها، يصدر تنهيدة ثقيلة كادت أن تطيح بها: "ما تعرفيش تجاوبيني على قد السؤال؟"

فريدة تومئ برأسها بسرعة، بعفوية: "حاضر... أنا رايحة المستشفى. نسيت إني طالبة امتياز السنة دي؟"

سعد يتدخل بابتسامة دافئة: "طيب يا حبيبتي، خلي السواق يوصلك."

يونس وهو يقلب هاتفه ببرود: "خدي حد من الحرس معاكي وقولي لهم على ميعاد رجوعك."

فريدة تلتفت إليه بنظرة حب واضحة: "لو خايف عليّ، تعالى انت وصلني."

يونس يمر بجانبها دون أن يعيرها اهتمامًا: "مش فاضي."

فريدة ترفع يديها إلى السماء وهي تتحدث لسعد: "ربنا يصبرني على حفيدك يا جدو."

سعد يربت على كتفها بابتسامة مشجعة: "انت قدها يا حبيبة جدو."

                 *******************
«في منزل عبد الرحمن» 
**************
أزهار تتجول في الغرفة بقلق بالغ، جسدها مشدود وكأنها لم تنم طوال الليل. عبد الرحمن يفيق على صوت خطواتها المضطربة، يستند على المساند وينظر إليها.

عبد الرحمن ببطء: "مالك على الصبح يا أزهار؟ لا نمتي ولا خليتي حد يعرف ينام طول الليل."

أزهار بصوت مهزوز ومليء بالخوف: "إزاي قادر يجي لك نوم وانت سايب بنتك مع مريض نفسي؟ مش عارفين ممكن يعمل فيها إيه!"

عبد الرحمن يجلس على حافة السرير بهدوء يتصنعه:"يونس مش وحش هيفترس بنتك، اهدي شويه. روحي حضري الفطار، أنا نازل على طول."

أزهار تنظر إليه بدهشة، وكأنها لا تصدق بروده: "ولا كأنها بنتك الوحيدة اللي رميتها الرامية دي؟! إيه الهدوء ده؟! بقول لك بنتك مع واحد مريض وممكن يأذيها في أي لحظة، وانت تقول لي فطار!"

عبد الرحمن يتنهد ويهمس وكأنه يحدث نفسه: "أنا عارف إن الجوازة دي هتيجي على دماغي في الآخر."

ثم يقف بجانبها، ويحاول تهدئتها بصوت هادئ:"اسمعيني، بنتك مش لوحدها هناك، سعد بيه وعدني  إنه مش هيسمح بأي حاجة تحصل لها. ثانيًا، فريدة دكتورة، يعني أكتر واحدة تعرف تتعامل مع حالة يونس وتخرجه من اللي هو فيه. لما قررت تساعده، كانت فاهمة هي بتعمل إيه. بنتك مش صغيرة، ودي فرصتها إنها تساعده وتثبت إنها قوية."

أزهار تهز رأسها بقلق: "بس أنا خايفة... لو عمل فيها حاجة واحنا بعيد؟"

عبد الرحمن بتنهد طويل: "يونس مريض نفسي مش مجرم، وفريدة عارفة حالته كويس وهتعرف تتصرف. صدقيني، هي أقوى مما تتخيلي."

أزهار تتنرفز وترد بغضب مكتوم: "المريض أخطر من المجرم! المجرم واعي بأفعاله، لكن المريض ده... ممكن؟!"

عبد الرحمن يقاطعها بصبر وهو يتجه نحو الحمام: "ازهار، روحي حضري الفطار. ربنا يهديك ويبعد الأفكار دي عن دماغك."

أزهار تغرق في أفكارها، مشاعرها تتصارع بين الخوف والقلق. بالكاد تسمع ما يقوله، تصرخ في قلبها: "ليه يا بنتي، من بين كل الناس قلبك ما حبش غير،ده.؟"

               **********************
«في المساء – منزل، يعقوب»
*******************
الكل ملتف حول مائدة العشاء، والهدوء يسيطر على المكان، كأن الصمت يخيم بثقله على الجميع. يعقوب ينظر لابنه ياسين بنظرة استخفاف، ويكسر هذا الصمت:"مش كنت جيت مسكت القرية السياحية بدل المطعم اللي متمسك بيه ده؟ مطعم ما يفتحش بيت بدخله الضعيف!"

ياسين يرفع عينيه ببرود، وصوته هادئ: "المهم إن الداخل يكون حلال. ما تفرقش كثير من قليل."

يعقوب يبتسم بسخرية، يضيق عينيه وكأن جرحًا قد انفتح: "ويترى الحلال بتاعك ده هيكفي تصرف على ابنك لما يجي؟"

عبير، زوجة يعقوب، تتدخل بخفوت: "سيب الولاد على راحتهم يا يعقوب. ابنك كبير وعارف مصلحته."

سارة، زوجة ياسين، تتابع الحوار بصمت، وكأنها تزن كل كلمة.

يعقوب ينفعل فجأة، مشيرًا لياسين: "مصلحته دي معايا أنا! كل الشركات دي، والقرية، وكل اللي عملته هيكون ليه هو!"

يعقوب يواجه ابنه بشكل مباشر، صوته يزداد حدة: "انت مجبور تشيل كل ده من بعدي!"

ثم يلتفت لعبير وكأنها المسؤولة: "ولا عايزة تضيعوا تعبي كل السنين دي انتِ والمحروس ابنك!"

ياسين يبقى هادئًا، الابتسامة الساخرة لا تفارق وجهه: "ابقي اتبرع بيها، يمكن تغطي ذنوبك... ولو إني أشك في ده. أما بخصوص أمي ومراتي وابني، أنا كفيل بيهم، ما تشغلش بالك."

يعقوب ينفجر غضبًا، يقلب المائدة رأسًا على عقب. عبير وسارة يقفزان من مقعديهما في فزع، بينما ياسين يظل جالسًا، ثابتًا كالجبل، وهدوؤه المستفز يزيد من جنون يعقوب.

يعقوب يصيح وهو يضرب الطاولة بقبضته: "لو كنت تعرف قيمة الأكل اللي رميته ده، كنت فهمت إن شيطانك سيطر عليك، وده هيكون سبب انهيار الإمبراطورية اللي أعمتك!"

يعقوب يرفع يده ليضرب ياسين، لكن ياسين يكون أسرع. يمسك بيده، وعينيه تلمعان بتحذير حاد: "لا، اوعى تفكر تعملها تاني. اللي قدامك دلوقتي مش الطفل الصغير! حاول تخلي عقلك يستوعب ده."

فجأة، يُسمع صوت مفاجئ. سارة تتنفس بصعوبة وصوتها يرتجف: "الحقني، ياسين... أنا بولد!"

عبير تنتفض وتصرخ: "ياسين! اتصل بالإسعاف!"

سارة تزداد صراخًا وبكاءً: "آه! هموت يا ماما، مش قادرة! هموووت!" تشد ياسين من ملابسه بعنف: "الحقني، يا بني آدم! هموووت!"

ياسين، مشلول من الخوف والارتباك، ينظر حوله وهو يتلعثم: "أعمل لك إيه؟ ماما! أجيب مية سخنة؟!"

سارة تعض على يديه وتصرخ بصوت متقطع: "ليه؟ ناوي تجيب لي داية؟! وديني المستشفى!"

يعقوب يتدخل بقوة: "شيل مراتك! يلا بينا على المستشفى، الإسعاف ممكن تتأخر."

ياسين يرفع سارة بين ذراعيه ويهرع بها نحو السيارة. عبير تجلس بجانب سارة، بينما يعقوب بجانب ياسين، الذي يقود بجنون. يضع يده على يد سارة لتهدئتها: "اهدي يا حبيبتي، خلاص قربنا، هنوصل."

سارة تمسك بيده وتعضها مجددًا، صوتها متقطع بالشهقات: "انت السبب في اللي بيحصل لي ده! مش قادرة... هموت... مش عايزة أخلف! ابنك هيموتني!"

ياسين يتألم من عضتها، صوته مليء بالوجع: "أنا ما غصبتكيش على حاجة! وبعدين ده ابنك كمان، مش ابني لوحدي!"

يعقوب ينفعل وهو يصرخ: "يا ابني، بص قدامك! ما تلبسناش في حاجة!"

عبير تحاول السيطرة على الوضع بابتسامة: "اهدي يا حبيبتي، الموضوع بسيط وسهل. اهدي."

سارة تتوسل بخوف: "هموت، صح؟ ابنك هو السبب!"

عبير تمسح العرق من جبينها وتطمئنها بلطف: "لا يا حبيبتي، مش هتموتي. الموضوع بسيط. بس اهدي كده وتنفسّي."

وصلوا أخيرًا إلى المستشفى، ودخلت سارة غرفة العمليات.

              **********************
«عند يونس وفريدة»
****************
فريدة تدخل المطبخ بخفة وتقول: "حضرت العصير بتاع يونس يا دادا؟"

زينب ترد من مكانها: "العصير في التلاجة، يا حبيبتي."

فريدة تفتح التلاجة وتغمض عينيها بإحباط: "مش موجود، يا دادا. انتِ رجعتي تنسي تاني."

زينب تضع يدها على رأسها بحيرة: "شكلي نسيت. طيب هعمله دلوقتي."

فريدة تبتسم وهي ترد بحنان: "ولا يهمك، أنا هعمله."

زينب تهمس وهي تبتسم بحب: "ربنا يحميكِ لشبابك، يا حبيبتي."طب ما تكتبي لي حاجة عشان ما انساش.."

فريدة تضحك وهي تحرك العصير بلطف: "أنا لسه طالبة يا دادا، ما ينفعش أكتب لك علاج. بس هكلم الدكتور يكتب لك حاجة وأنا أجيبها لك معايا."

زينب تنظر إليها بعينين مملوءتين بالمحبة والامتنان: "ربنا يحميكِ لشبابك يا بنتي."

في غرفة يونس، تدخل فريدة ممسكة بكوب العصير وتقول بمزاح: "عصير السيد المزعج."

يونس يأخذ العصير منها وهو يحدق بها باستفزاز: "عارفة إن أخرك في البيت ده مش أكتر من خدامة."

فريدة، وهي تفهم لعبته جيدًا، تبتسم: "لازم تفرح إن بنوتة جميلة زيي شغالة عندك."

يونس يضحك بسخرية مريرة: "انت بجد شايفة نفسك حلوة؟ مين الحمار اللي قالك كده؟"

فريدة تتظاهر بالزعل وهي تقول: "لا يا حبيبي، ما تقولش على نفسك كده. انت زينة الشباب."

يونس يضيق عينيه بغضب: "لمي لسانك بدل ما أزعلك!"

فريدة تنظر إليه بعينين مملوءتين بالحب: "كنت بتحبه زمان... إيه اللي تغيّر دلوقتي وبقى يزعلك؟"

يونس يرد بحدة: "وانتِ مش عايزاني أزعل وانت بتفردي نفسك عليا، وانتِ عارفة إني مش طايقك!"

فريدة تحاول إخفاء ألمها الداخلي: "ولا أنا كمان طايقاك."

يونس يتحداها: "طيب قاعدة ليه؟ ما تمشي. إيه اللي جابرك إنك تعيشي مع واحد مش طايقك وانتِ كمان مش طايقاه؟"

فريدة ترفع حاجبها وهي تجلس على الكنبة، وتستعد للنوم: "غلاسة! أنا معاك لمدة سنة، يعني من الأفضل إنك تتعود على وجودي."

يونس، يزداد غضبه، يضرب بيده على الطاولة: "أوعدك إنها تكون أسود سنة في حياتك!"
تعليقات



<>