رواية يوميات طبيب نفسي الفصل الاول1 بقلم رحمه نبيل


 رواية يوميات طبيب نفسي الفصل الاول1 بقلم رحمه نبيل


تقف في مطبخ منزلها تدندن بسعادة متحركة يمينًا ويسارًا وهي تغمض عينيها كما لو كانت نجمة مشهورة أعلى مسرح قومي، والتصفيق يعلو في مخيلتها، ومن بين الجماهير كان يقف هو، زوجها الحبيب وساكن القلب الاول ...معاذ .


أفاقت من غيمتها نؤقتًا حتى تحضر باقي المكونات من الثلاجة ومن ثم يمكنها العودة لجماهيرها، لكن وبمجرد استدارتها أطلقت صرخة ملتاعة حينما أبصرت وجهه، يقف على باب المطبخ مستندًا بتكاسل وعلى ثغره ارتسمت بسمته المميزة .


تنفست سلمى بفزع واضعة يدها أعلى صدرها علّها تهدأ نبضات خافقها :


" ياربي يا معاذ كنت هتوقفلي قلبي، مش تكح ولا تعمل اي حاجة !!"


تحرك معاذ صوبها، يتلقفها بين أحضانه دون مقدمات وهو يتذمر بتعب كأنه طفل يشكو لوالدته :


" تعبان يا لوما، تعبان اوي "


ضمته سلمى بخوفٍ أن يكون قد أصابه مكروهٍا ما :


" مالك يا قلب لوما، حصل حاجة في الشغل ؟؟"


التوى ثغر معاذ في حنق واضح وقد بدأ يبثها شكواه، علّه يجد سلوانه معها  :


" الشغل تعبني يا لوما، تعبني نفسيا وبفكر اني اروح لدكتور نفسي بجد "


رفعت سلمى حاجبها وقالت ببسمة :


" معاذ ياقلبي انت دكتور نفسي اساسا "


حدق معاذ بعينيها وهو يتنهد بتعب ملقيًا بجسده على المقعد الذي يتوسط المطبخ :


" أيوة دكتور نفسي محتاج دكتور نفسي يعالجه، أنا اللي بشوفه كل يوم مش شوية، أنك تقعدي تسمعي مشاكل الناس وتحليها وتعالجيهم مش سهل، والبلوة الأكبر لما تكون المشاكل دي مجرد مشاكل متستحقش اساسا دكتور نفسي "


ضحكت سلمى على تذمره، متحركة صوب طاولة  المطبخ واضعة أمامه  كوب من العصير الطازج :


" بس أنت دكتور شاطر يا معاذ واظن أنك بتعالج الحالات دي بسرعة "


قال معاذ وهو يرتشف رشفات سريعة من الكب أمامه وقد أصبح الغيظ واضحًا في صوته :


" والله الحالات اللي عندي دي لو جاتلهم منظمة الصحة النفسية العالمية ما هتجيب نتيجة معاهم "


ومجددًا أطلقت سلمى ضحكات عالية، لكم يمتعها تذمره بهذا الشكل كما لو كان طفلًا صغيرًا، معاذ ذلك الرجل اللين والحنون الذي فازت بمعرفتها له، بل ونالت الجائزة الكبرى حينما أضحت زوجته ..


رددت تحاول تهوين الأمر عليه وهي تتوسط المقعد المقابل له على الطاولة  :


" مش يمكن أنت الفترة دي مضغوط وعشان كده بتبالغ ؟؟"


رفع معاذ حاجبه بحنق :


" ببالغ ؟؟ أنتِ مش بتشوفي اللي بشوف، يا سلمى دول لو واحد مصبحش على حد فيهم بيجي يبكي أنه مبقاش فيه حد بيحبه، اقولك اسمعي يا ستي وشوفي أنا ببالغ ولا لا "


*منذ يومين  *


كان معاذ جالسًا على مكتبه يدون بعض الملاحظات حول مريضه السابق في انتظار دخول المريض التالي، وبالفعل ما هي إلا لحظات حتى أطلت عليه سيدة تبدو في اوائل الثلاثينات، بثياب منمقة وهيئة تنطق بالثراء والرقي، ودون كلمة واحدة تحركت تلك السيدة صوب فراش المرضى " الشازلونج " وتمددت عليه، ثم رفعت عينيها تحدق بسقف مكتبه كما لو كانت تحمل هموم الدنيا فوق كتفيها، وبعد صمت دام لدقائق تنهدت تنهيدة محملة بالوجع وهي تقول  :


" عايزة حل لمشكلتي "


ابتسم معاذ بهدوء يحمل قلمه وورقة لتدوين ملاحظته حولها، وتحرك حتى توسط المقعد القريب لها يقول في لهجة هادئة رزينة :


" ممكن الاول اعرف اسم حضرتك وايه الـ "


فجأة انفجرت السيدة بوجهه، حتى  أن معاذ نهض من مقعده برعب يختبأ خلف مكتبه، متخذًا إياه ساترًا له من تلك القنبلة الموقوتة التي أخذت تصرخ دون توقف :


" اهي هي دي مشكلتي، هي دي ازمتي في الحياة "


نظر لها معاذ بحرص وهو مازال مختبئًا خلف مكتبه يحاول تحليل كلماتها لمعرفة ما تقصده  :


" ايه هي ؟؟ اسمك ؟؟ متعقدة من اسمك يعني ؟! معقولة يكون اهلك سموكِ اسم قديم يعني و.."


بكت السيدة بحرقة من مات له عزيزًا  :


" لا الرجالة "


اعتدل معاذ في جلسته وقد أثارت تلك الكلمة العديد من الأفكار في رأسه حول ماهية التجبر الذي تعرضت له تلك السيدة تحت مسمى " الرجال "، لذلك سار الهوينة صوب مقعده وجلس عليه مرة أخرى في هدوء يحاول ترتيب أفكاره واستدراجها دون شعور نحو الحديث عما يؤرقها :


"اولًا محتاج من حضرتك تهدي وتاخدي نفس عميق، وتعرفي أنك مش لوحدك اللي عانيتي من تجبر الرجال، ده شيء عادي بتعاني منه كل النساء، ممكن تحكيلي أي شيء جاي في بالك دلوقتي عن حياتك مثلا دنيتك و.."


قاطعته مجددًا باكية دون توقف :


" أنت كمان هتعمل زيهم "


" اعمل ايه؟! والله لسه معملتش حاجة"


وتلك النظرة التي صدرت من عينيها له متهمة إياه باتهامات كثيرة لم يكن له يد بأيٍ منها :


" أنت كمان هتفضل تسألني عن اسمي وحياتي وتقرب مني عشان شكلي ومستوايا المادي ؟؟ كلكم زي بعض سطحيين "


هز معاذ رأسه وقال :


" عندك حق احنا الرجالة دائما سطحيين، بعدين لا مؤاخذة يعني أنتِ عايزة اول ما اشوفك احب جوهرك ؟! ما نعقل الكلام، ثم أنا كدكتور نفسي مالي ومال كل ده انا بس كنت بسألك على اسمك وحياتك عشان الاقي باب اعالجـ"


" عشان تلاقي باب تدخلي مني وتستغلني  "


قال معاذ وهو يدون بعض  الكلمات في الورقة أمامه :


" لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا على آخر الجلسة هبقى واحد زبالة ومش بعيد تجبيلي البوليس "


صمتت الفتاة ولم تنبث ببنت شفة وهي ما تزال تحدق في السقف :


" أنا عايزة اكون وحشة، نفسي لما حد يقرب مني ميكونش مقرب عشان شكلي "


حاول  معاذ أن يخفف من وطأة ما تشعر به، متحدثًا ببعض الأحاديث العادية أثناء استماعه لها :


" ما هو طبيعي اول شيء يجذب طرف للطرف التاني هو الشكل، وبعدين لما نقرب نعرفة اكتر ونـ "


قاطعته الفتاة دون اهتمام لما يقول  :


" أنا روحت قبل كده لدكتور تجميل عشان اكبر بُقي واتخن خدودي "


رفع معاذ حاجبه وقال :


" دول عشان تبقي وحشة؟؟ ده البنات بتعمل اللي بتقولي عليه ده عشان تحلو، أنتِ هبلة ؟؟"


نظرت له الفتاة وقالت بدموع حاولت جاهدة أن تستخلصها من عينيها التي ترفض البكاء :


" الدكتور رفض "


" جدع "


" قالي اني محتاجة اروح لدكتور نفسي "


" الله يسامحه "


" قالي اني بعاني من حالة نفسية صعبة، تخيل أنا بعاني من حالة نفسية يا دكتور ؟!"


" ملوش حق "


" أنا ميار السيد ملكة جمال مصر، على آخر الزمن يتقالي روحي لدكتور نفسي ؟!"


كانت نبرتها توحي بمقدار حنقها من الامر، والاشمئزاز من القدوم إليه، ليهب معاذ مدافعًا عن هويته كطبيب نفسي  :


" الله الله الله وماله الدكتور النفسي بقى يا ست ميار ؟؟ منشبهش ولا منشبهش ؟؟ "


ويبدو أن الفتاة لم تنتبه له أو لحنقه من حديثها، بل استرسلت في الحديث :


" تفتكر ليا علاج يا دكتور ؟!"


هز معاذ راسه وقال :


"  الحب معاكِ أنك تشتغلي شكلك بدل ما حد يستغله، يعني اتغدي بنفسك قبل ما حد يتعشى بيكِ، روحي اشتغلي في شركة منتجات للبشرة، اعملي اعلانات لمساكات العيد، اهو منها تكسبي قرشين ومنها تدمري بشرتك دي بالمواد الكيميائية وتوفري فلوس العمليات

يتبع 

                     الفصل الثاني من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 


تعليقات