رواية لن اكون بريئه يوما بنظرك الفصل الخامس عشر15والسادس عشر16بقلم داليا السيد
مواجهة الماضي
بالصباح كانوا يعودون للبيت حيث تلقتهم زينب بالترحيب كالعادة وهو استوقفها وقال "ملاك لابد أن أذهب"
توقفت أمامه وابتسمت وهي تقول "حسنا هل أطمع بعودة الليلة أم سأنام مبكرا؟"
جذبها له وقال "لا أعلم متى سأنتهي مولوكيلا لكن ما أعلمه أني سأعاني الكثير في بعدك عني"
قالت بسعادة من كلماته "إذن لا تتأخر، لن أتناول العشاء إلا معك لا أحب النوم وحدي دون ذراعيك فهما الأمان"
قبلها برقة ثم أبعدها وقال "هذه الكلمات ستعيدني بالتأكيد"
قبل وجنتها وتحرك للخارج وهي تتابعه بسعادة وقد منحتها الأيام سعادة لم تكن تظن أنها ستنالها بأي يوم، صعدت لأحمد وضمته لها وهي تتحدث له وهو الوحيد الذي تحكي له كل شيء واليوم تخبره سعادتها بزوجها وتلك المشاعر التي تشعر أنه يكنها لها ونظراته المليئة بالحنان ولم تعد الرغبة هي الرائد بحياته بل نظرات رقيقة خليط ممزوج من الحنان والسعادة فضمت أحلامها داخل قلبها وصدقتها لأنها تريد أن تصدقها..
الأيام السعيدة دائما تمر بسرعة وهذا ما حدث لهما ظللتهم السعادة لفترة طويلة لم يعد أحدهم يريد أن يعرف عدد الأيام أو الأسابيع فقط هما معا لا يكتفي أحدهم من الآخر
نزلت له والتفت لها وهي بالفستان الأزرق القاتم الطويل والمعرج بخطوط فضية والفرو على كتفيها وتألق شعرها الصارخ كتاج على رأسها، أمسك يدها وقال "أصبحت لا أريد اصطحابك للحفلات فنظرات الرجال تأكلك فقد زدت جمالا بعد إنجاب أحمد"
ضحكت وقالت "بل زدت سعادة بوجودي معك يوسف"
قبل يدها وقال "ليس بمقدار سعادتي ملاك"
وضع يدها بذراعه وتحركا إلى الحفل الذي أقامه المحافظ بمناسبة عيد ميلاد زوجته وبالطبع كانت تعلم أنها سترى زينة وربما محمود وزوجته فجهزت نفسها للقاء دون انزعاج وقد تجنبت زينة لقائهم مؤخرا كما وأن محمود لم يأتي القاهرة كثيرا مما منحها راحة بالحفلات التي كانت تحضرها معه
عندما دخلا فيلا المحافظ كانت الأنظار كالعادة تتجه لهما هو من النساء المعجبات بوسامته وأناقته وبالطبع ثراؤه، وهي من الرجال الذين لمعت عيونهم برؤيتها بقوامها الملفت ولون عيونها الجذاب وشعرها القاتل، تقدمت زوجة المحافظ منهما بابتسامة رائعة وقالت "هكذا سيكون الحفل رائع بوجودكم"
رحبت بها بسعادة وقالت "بل هي رائعة بك مدام سهير، كل عام وأنت بخير أتمنى لك عمرا مديدا وسعادة لا تنتهي"
انضم المحافظ لهما وهو يرحب بيوسف وبها بود واضح وقال بشكل جدي "لا أريد التدخل ولكن تلك المرأة موجودة هنا يوسف فأرجو ألا تزعجكم ككل مرة"
لم تسمعه هي ولكن يوسف لم تتبدل ملامحه وهو يقول "أتمنى ذلك، ولكن هي لا تتورع عن إثارة غضبي وغضب زوجتي"
نظر له وقال "هو حق زوجتك كامرأة تغار على زوجها، زينة تتعمد إظهار علاقتها بك بدون وجه حق أمام زوجتك، صحيح كلنا نعلم الحقيقة ولكن كأي امرأة تحب زوجها فهي تتصرف بطبيعية"
تملكه الصمت من كلمات المحافظ عن حب زوجته له، من أين أتى بكلماته عن الحب فهو وحده من يعرف حدود علاقتهم فهي لا يمكن أن تحبه بيوم بعد ما كان يفعله معها فهل هي تتقن دورها كزوجة لدرجة أنه رأى حبها له؟
سمع المحافظ يسأله فحاول أن يستعيد تركيزه وهو يقول "زوجتي كأي امرأة تغار على كرامتها"
ابتسم الرجل وقال "هل تخشى من الحسد يوسف؟ الجميع يعلم أنكم زوجين متحابين، الحب واضح بعيونكم خاصة بالصور الخاصة بالسخنة كانت تعلن عن الزوجين الحالمين"
بهتت ملامح وجهه وهو يرسل نظراته لها فيلتقي بها وابتسامة رائعة على وجهها تمنحها له وهو يشعر أن قلبه خرج عن مساره الطبيعي ولم يعد يدق كما اعتاد عليه وتولاه الصمت وهو يرى مجموعة من الرجال تنضم لهم فجذب عقله من أفكاره كي يعود للموجودين وينزع عيونه من عيونها بصعوبة ولو أنه تمنى أن يأخذها من بين الموجودين ويطالب باعتراف منها بحبها له من عدمه
بالطبع تجمع الجميع وقت العشاء ولم تحاول زينة التدخل ولكن كالعادة ما أن عاد الجميع لقاعة الاحتفال حتى وجدت زينة تتحرك بجوارها وهي تقول "من الرائع أنكِ تصمدين أمامه حتى الآن فلم يظن أحد بيوم أنه سيستمر بعلاقة زوجية لأكثر من اسبوع"
لم تنظر ملاك لها وقالت "لو كان الجميع الذي تتحدثين عنه أمثالك فبالتأكيد لن يصدقوا ذلك لكن الجميع الذي أعرفه أنا وهو يصدقون لأنهم يعرفون ماذا يعني الزواج الحقيقي"
التفت زينة لها وقالت بعيون تحاول ألا تغضب "ماذا بكِ وليس بي؟ لقد منحته كل شيء ومع ذلك تركني لذا أخبرك أنه سيتركك مهما طال الوقت"
ولكن صوته أوقفها فهو لن يترك زوجته وحدها هذه المرة لذا تدخل وقال بهدوء "ومن سمح لكِ بوضع نفسك مكاني والتخمين بتصرفاتي زينة؟"
لم تتبدل ملامح ملاك وكأنها بل هي بالفعل لم تعد تتأثر بكلمات زينة التي قالت "لأنك لم تكن بيوم رجل زواج يوسف ولأنها لن تمنحك أكثر مما منحتك"
كانت ملامحه جامدة وهو يقول "هي لم تمنحني أي شيء مما منحتيه لي زينة"
ابتسمت زينة ونظرت ملاك له دون فهم وزينة تقول "بالطبع فهي لا تقارن بي"
قال بنفس الهدوء "بالتأكيد لا وجه للمقارنة بينكم زينة هل تقارنين نفسك بزوجتي؟ لا تجعليني ألقي بكلمات مهينة بوجهك لا داعي لها فكلانا يعلم من أنت وأخبرتك من قبل أنها لو كانت مثلك ما قبلتها يوما بحياتي، أم أولادي لابد أن تكون مختلفة بيضاء كالملائكة ليس بحياتها سوى رجل واحد هو أنا"
تملك زينة الغضب وهي ترد بقوة "ومن أين لك الثقة بذلك؟"
لم يرمش جفنه وهو يرد "أعتقد أن لدي من الخبرة ما يجعلني أعرف زينة ولقد كنتِ يوما سببا في منحني تلك الخبرة أم نسيتِ؟"
تراجعت زينة وقالت "تصر على فتح الماضي"
قال "أنت من يفعل لقد تركتك فابتعدي عنا"
قالت بغيظ "كي أتركك لها؟ لا لن أفعل سأقتلها قبل أن تنتصر فتاة مثلها علي"
اقترب ومال عليها وقال بقوة واضحة وبصوت سمعه من حولهم "المسيها فقط وستفقدين حياتك بعدها"
ابتعدت بفزع وهي تواجهه وهتفت "تهددني يوسف؟ من أجل هذه النكرة؟"
انحنى عليها أكثر بغضب بعيونه وهو يمسك ذراعها بقوة وقال "تحدثي باحترام عن زوجتي زينة، الاحترام الذي لا يعرفه أمثالك وابتعدي عني الآن زينة فقد نفد صبري ولا أعلم ماذا يمكنني أن أفعل معك بعد ذلك"
شعر بيد تجذبه وصوت ملاك تقول بجدية "يوسف اهدأ من فضلك، يوسف اتركها لا داع لكل ذلك"
انتبه لزوجته ولكن زينة عادت تقول "أنتِ السبب أيتها اللعينة منذ دخلت حياته ودمرتِ حياتي ماذا تريدين منه؟ أمواله هي كل ما تريدين أليس كذلك؟"
أجابت هي بقوة "ما أريده أنا لا تعرفيه أنتِ لذا كفى زينة ابتعدي عنا واتركينا"
قالت زينة دون استسلام "وما الذي لا أعرفه ملاك؟ ما الذي تمنحيه له ولا يمكنني أن أفعله"
لم تسمح لتلك المرأة أن تدمر ما يحدث "اسألي نفسك وعندما تجدين الإجابة ستفهمين الارتباط الذي بيننا، يوسف هل نذهب؟ من فضلك"
لم تكمل عندما رأت المحافظ يتجه لهم ويقول "مدام زينة هل تسمحي لنا؟ أريد يوسف بأمر هام"
نظرت زينة للمحافظ ثم تحركت بدون رد بينما قال الرجل "أعلم أن وجودها يزعجكم ولكن للأسف هي تفرض نفسها بشكل سيء"
هدأ يوسف وقال "لا تقلق نفسك هي لا تستحق هذا الاهتمام"
كانت ملاك تحاول ضبط نفسها بينما حاول المحافظ فتح مواضيع أخرى حتى يستعيد يوسف هدوئه
أخيرا انتهت الحفلة وركبت السيارة بجواره ونظر لها وقال "هل أنت بخير؟"
ابتسمت لتمنحه الراحة وقالت "بالتأكيد طالما أنا معك"
أمسك يدها وقال "أعلم أن زينة"
قاطعته بنفس ابتسامتها الرقيقة "زينة لم تعد تعنيني بشيء أنت طلبت ثقتي وأنا منحتها لك بدون حدود"
رفع يدها لفمه وقبلها برقة ونظراته تتجول على وجهها وقال "يسعدني وجودك بحياتي ملاك"
أشرق وجهها بكلماته وقالت "كلماتك غالية جدا يوسف"
مال تجاهها وقال "إلى أي حد؟"
لم تبعد عيونها عن دخان عيونه الناعسة وقالت "إلى حد أنها تمنحني الحياة"
لم يبتعد وهو يقول "هل أستحق؟"
قالت دون تفكير "من أين يأتيك الشك؟"
قال وهو يتمنى أن يسمع المزيد منها "لا أعلم فقط أتمنى أن أمنحك كل السعادة التي تستحقينها ملاك كما جعلتي حياتي كلها سعادة"
وضعت يدها الأخرى على يده التي تضم يدها وقالت "هل فعلت؟"
أجاب بصدق "ألا تدركين ذلك؟"
ابتسمت بمكر وقالت "ومن أين أعرف وأنت لا تبتسم أبدا يوسف ملامحك لا تمنحني شيء"
أبعد وجهه لحظة وقد أعادته من الحلم فقال "لم أعد أعرف كيف أفعل ملاك، مرنت وجهي كثيرا على الجمود حتى أصبح هو السمة السائدة ولم يعد يعرف كيف يبتسم"
ثم التفت لها والتقى بامتداد الأخضر بعيونها وقال "لم يكن بحياتي ما يجعلني أفعل ملاك لكن أنت فقط من جعلني أشعر بالسعادة"
ابتسامتها اتسعت ووضعت رأسها على كتفه وقالت "وهذا أجمل شيء حدث لي بحياتي كلها يوسف"
قبل يدها مرة أخرى وهو يتمنى لو يخبرها بمشاعره الحقيقية ولكنه لا يعلم ما بقلبها تجاهه ورغم ما تبديه تجاهه من مشاعر تكاد تقفز من عيونها إلا أن بعض الشك ما زال يتربص داخله يخيفه من التصريح بمكنون قلبه وربما ما كان بين والده ووالدته ما زال يجعله يتردد في أن يفعل ربما ترفض حبه وترحل عنه بيوم ما
عادا إلى البيت وضمها له وزينب ترحب بهم فقالت ملاك "ما الذي أبقاك متيقظة حتى الآن زينب؟"
قالت المرأة "عم مسعد ناظر العزبة اتصل مرتين ويريد سيد يوسف ضروري"
نظرت له فتجهم وجهه لذكر العزبة وأبعدها بهدوء وقال ببرود "لماذا لم يهاتفني؟"
قالت زينب "قال هاتفك غير متاح"
أخرج هاتفه فوجد رسائل منه بالفعل فأعاد الهاتف وقال "الوقت تأخر"
ولكن زينب قالت "هو ينتظرك سيد يوسف يقول الأمر هام"
نظرت هي له ولكنه قال "حسنا، هيا ملاك أنا متعب"
تحرك للأعلى وتبادلت هي وزينب نظرات صامتة حتى تبعته إلى الأعلى ودخلت لتراه يخلع جاكته ويفك ربطة عنقه فتحركت له حتى وقفت أمامه وقالت "ألن تهاتفه؟"
التفت لها بعيون مظلمة وقال "ملاك"
أدركت الغضب بعيونه فتراجعت قليلا قبل أن تقول "هل أفعل أنا؟ لن تترك العزبة هكذا، دعني أفعل"
ظل ينظر لها بقوة قبل أن يبتعد من أمامها وقال "بالصباح نتحدث"
أدركت غضبه فلم تجادل فهي أصبحت على دراية كافية بزوجها فتحركت لتستبدل ملابسها وما أن عادت حتى وجدته بالفراش يدخن سيجارته وذهنه شارد ولم يعود إلا عندما دخلت بجواره ولمست ذراعه وهي تقول "ظننت أن لونه سيعجبك؟"
انتبه لها فأطفأ السيجارة والتفت ليتجول على قميصها الأحمر الذي صرخ مع لون شعرها المنساب على أكتافها فاستعاد هدوءه وقال وهو يمد يده بخصلات شعرها حتى لمس عنقها كعادته وجذب وجهها إليه وقال "أنت فاتنة بكل الألوان ملاك، تأخذين عقلي بجمالك"
وقبلها برقة وقد كان بحاجة لذراعيها التي أحاطته دون أن يطلب وكأنها كانت تعلم أنه أرادها وأخذته من أحزانه لعالمها فنسى معها ما جددته الأحداث من أحزان وضمته لأحضانها لتمنحه الراحة والحنان..
استيقظ على رنين الهاتف فاعتدل دون أن يجدها بجواره، بحث عن الهاتف فوجده مدير مكتبه فأجابه وهو يشعل سيجارة وما أن انتهى حتى رآها تدخل وابتسمت لرؤيته وقالت "صباح الخير، متى استيقظت؟"
نهض وقال "صباح النور، أين كنت؟"
تحركت له وهو يبحث عن روبه ولكنها وقفت أمامه وقالت "عند أحمد، إلى أين؟"
وضعت يداها على صدره العاري فأبعد خصلات شعرها عن وجهها وقال "المكتب ملاك لدي اجتماع هام بعد ساعة"
رفعت عيونها له وقالت "ستغضب لو ذكرتك بالعزبة؟"
توقفت يده عن العبث بشعرها وتحرك مبتعدا عنها وهو يقول "لا، هل سأتناول أي إفطار قبل أن أذهب؟"
أسرعت أمامه مرة أخرى قبل أن يتجه للحمام وقالت "سأتصل بعم مسعد وأعرف المشكلة وأخبرك بها"
حدق بعيونها بصمت قبل أن يقول "ألا تجيدين التصرف بعيدا عني؟"
هزت رأسها وقالت "لو استطعت سأفعل"
هز رأسه وتحرك للحمام وهو يقاوم تلك الذكريات التي عادت تندفع لرأسه بقوة وأغلق عيونه تحت الماء وهو يذكر ذلك اليوم، أسند يداه على الحائط والماء ينساب على رأسه فأغلق عيونه وهو يقاوم الغضب الذي يتملكه عندما شعر بيدين رقيقتين تنسابان على ظهره فاعتدل وسمعها تقول "متى ستنسى؟"
لم يلتفت لها وما زالت تدلك له ظهره وعنقه ولم يرد فعادت تقول "لابد من مواجهة أحزاننا يوسف كي لا تنتصر علينا، لقد رحل الماضي بغير رجعة"
التفت لها بقوة ممسكا بيديها والغضب يملأ عيونه وهو يقول "لم يرحل، بكل مكان هناك ذكرى ملاك، ذكرى سعيدة ومئات حزينة لن أعود لأني لا أريد للحزن أن يعود"
دق قلبها خوفا من غضبه عليه، ظلت يداها بين قبضته ولكن عيونها امتلأت بالحنان بعد أن استبعدت الخوف وهي تقول "لن يعود لو ذهبنا سويا سنخلق ذكريات جديدة، ذكريات خاصة بنا، أنا وأنت وأحمد، ذكريات سعيدة لأن ما بيننا هو السعادة يوسف، فقط مرة واحدة نقاوم فيها تلك الأحزان ونواجها سويا، أنا واجهت معك كل أحزاني من الحياة واحتميت وراءك من كل ما كان يضيق به صدري فامنحني فرصة واحدة لأكون بجوارك"
ظل يتأملها بصمت إلى أن ترك يداها وأغلق الماء وقال "تعلمين أني لست بحاجة لأحد"
أحضرت له المنشفة فأخذها منها فقالت "أنا لست أي أحد يوسف"
جفف نفسه بقوة ثم أبعد المنشفة ليراها تمنحه الروب فجذبه منها هاربا من نظراتها وهو يقول "كفى ملاك"
واندفع خارجا من الحمام إلى غرفة الملابس ولكنها لم تتركه ودخلت وراؤه وقالت بقوة "لا يوسف لن أكتفي قف وكلمني"
التفت لها بغضب وقال "لن أفعل ملاك وأنت ستتوقفين وستتركينني لأني لن أكون مسؤول عن أي كلمات سأنطق بها الآن"
ظل الاثنان ينظران لبعض لحظة قبل أن تهدأ هي وتقول "لن تفعل"
قال "لا تجازفي"
لم تتراجع وقالت "لن تظل العمر تهرب من الماضي"
أمسكها من ذراعها بقوة من النار التي اشتعلت داخله وهتف بها "أنا لست جبان لأهرب ملاك احذري بكلامك"
لم تتوقف أيضا وهي تقول "إذن لتواجه مشاكلك بدلا من أن تفر منها"
ونزعت ذراعها من قبضته وتركته وذهبت وما زال يتابعها بعيونه المشتعلة بنيران الغضب وبدلا من أن يتبعها التفت وضرب الملابس بيديه ليسقطها على الأرض وهو يعلم أنها على حق
وقفت أمام النافذة بعد أن أخذت دواء قلبها الذي يدق بقوة أعادتها لتلك الأيام، ما زالت تذكرها ولا تهرب من ذكراها كي تشعر بالسعادة التي تعيشها الآن، دق الباب فالتفتت لتجد زينب تدخل بالإفطار فشكرتها واتجهت لتعد الشاي وهو يخرج مرتديا ملابسه ووقف ليمشط شعره فقالت
"هل نتناول الإفطار؟"
نظر لها بالمرآة وهي لا تنظر له، إنها تثير حيرته ترفعه لقمة الغضب والآن تعيده للراحة والسكينة، عندما لم يجيب رفعت وجهها له فأبعد نظراته وأمسك عطره وقال "ليس هناك وقت لقد تأخرت"
التفت ليذهب ولكنه وجدها تقف أمامه وتقول بإصرار "لن تذهب دون طعام يوسف، هيا"
تأمل عيونها التي تبث الراحة والسكينة بقلبه فتحرك للطعام وجلس فجلست بجواره حتى قالت "آسفة لم أقصد ما قلت"
لم ينظر لها فأكملت "سأهاتف عم مسعد وأخبرك بالمشكلة إن لم أحلها"
لم يرد أيضا وتناول بعض الشاي ثم نهض وقال "لابد أن أذهب"
تحرك ولكنها نادته فتوقف وقد وصلت له ووقفت أمامه فلم ينظر لها وهي تقول "أنت لم تمنحني قبلتي يوسف"
أخفض نظراته لها وقد بدت دموع بعيدة بعيونها عندها رقت ملامحه وتألم قلبه فرفع يده لوجنتها ثم جذبها إليه واحتضنها بقوة ولم يتحدث ثم أبعدها وقبلها وهو يقول "قبلي أحمد نيابة عني"
وقبلها مرة أخرى ثم ذهب وهي تتبعه بنظراتها الحزينة ولم تدرك أن كلماتها أثارت داخله نزاع كبير أشعل جنونه وجعله يعيد التفكير بكل ما واجهه..
اتصلت بعم مسعد الذي هتف بها "أهلا مدام، أين سيد يوسف؟ الحالة هنا صعبة، لابد أن يأتي ليرى الأمر"
قالت "ماذا هناك عم مسعد؟ يوسف مشغول ولن يمكنه متابعة الأمر"
ولكنه هتف "لا مدام لابد أن يفعل أولئك الناس يحاولون وضع يدهم على الأرض بقوة والسيد يوسف فقط من يمكنه إيقافهم"
انتبهت وقالت "ناس؟ أي ناس عم مسعد؟ وبأي حق؟ ألا يعلم الجميع أنها أرض السمنودي؟"
أجاب الرجل "نعم ولكنهم يدعون ملكيتهم للجزء الشمالي من الأرض وهو واقع على الطريق العام ويرغبون ببناء مدينة سكنية"
قالت "حسنا عم مسعد سأبلغه بالأمر ربما يرسل محاميه"
قال "كما تشاؤون مدام لقد أبلغتكم بالأمر وانتهى دوري"
بالطبع لم تتصل به لأنها تعرف باجتماعه وانتظرت وقت الغداء فاتصلت به فأجاب بنبرة انشغال "أهلا ملاك، هل أنتم بخير؟"
قالت "نعم، لديك وقت لتسمعني؟"
نظر للرجال الذين ينتظرونه وقال "لا، هل الأمر هام؟"
قالت "لا أعلم مدى أهميته لك"
ضاقت عيونه وهو يتابع كلمات أحد الموجودين ثم قال "امنحيني نصف ساعة"
قالت بتفهم "حاضر"
بالفعل اتصل بها بعد الوقت الذي حدده فأجابت وهي تداعب أحمد بالحديقة فقال "ماذا عندك ملاك؟"
بالطبع أدركت أنه ما زال يحمل ما حدث بينهم داخله ولكنها حكت له كلام مسعد فصمت قليلا فنادته "يوسف ما زلت معي؟"
أشعل سيجارته وظل يتأمل ولاعتها الذهبية قبل أن يقول "نعم، سأرجع للمحامين قبل أن أرد عليه"
لم تكثر من الحديث ولا هو وأغلق كلاهم وظلت تشعر بالضيق من تصرفها بالأمر وتمنت لو تراجعت أمامه بدلا من أن تثير غضبه لهذا الحد فها هي تمنحه فرصة للغضب منها وهي لا تتحمل أن يفعل فحبها له يجعلها لا تريد إلا رضاه ولكن أحيانا على المحب أن يرشد حبيبه للصواب وهي عليها أن تفعل حتى ولو لم يتقبل الأمر
كانت تلاعب أحمد عندما سمعت سيارته تدخل فتحركت للنافذة وهي تراه ينزل كالعادة ويغلق جاكته ولكنه لم يمنحها نظرته المعتادة فقبلت أحمد وقالت "بابا غاضب مني حبيبي فماذا أفعل لأصالحه؟"
لحظات ورأته يدخل وتراجع وهو يرى أحمد وقال "مساء الخير، لماذا هو هنا الآن؟ الوقت تأخر"
لم يمنحها قبلتها فظلت تنظر له وهو يخلع جاكته وقالت "ميرفت طلبت أجازه لأن والدتها مريضة"
أبعد الجاكيت وفك ربطة عنقه والتفت لها وقال "لماذا لم تخبريني؟ كنت أرسلت لك بديل"
أبعدت وجهها عنه لأحمد وقالت "لست بحاجة لبديل يوسف هم يومان وستعود"
تحرك لتبديل ملابسه وجلست هي على طرف الفراش عندما خرج من الحمام بملابس النوم وقال "سينام معنا؟"
قالت بهدوء يخفي حزنها منه "لا، زينب تنتظر العشاء ثم ستأخذه"
بالفعل دق الباب ودخلت زينة كالعادة بالعشاء فتحرك هو إليه بينما أخذت زينب منها أحمد وهي تقول "لقد نام وليس بحاجة لشيء"
قالت زينب "حاضر مدام لا تقلقي"
تحركت له وجلست لتتناول العشاء بصمت فقال "لابد أن تخبريني بمثل تلك الأمور ملاك"
لم تنظر له وقالت "هو ابني يوسف ويمكنني رعايته جيدا"
رفع وجهه لها وقال "أنا لا أشك بذلك ملاك ولكن بوجودي لابد من يرعاه سواك"
لم تنظر له ولم ترد فقال "لم تسألي عن العزبة؟"
لم تكن لديها أي رغبة بإثارة مشاكل جديدة فقالت "أخبرتني أن محاميك سيتولى الأمر"
انتهى من الطعام الذي لم يتناول منه إلا القليل جدا وقال وهو يشعل سيجارة "ماذا بك ملاك؟"
تركت الطعام هي الأخرى وقالت "لا شيء، مجهدة قليلا"
نهضت ولكنه أمسك يدها وقال "أنت غاضبة مني؟"
لم تنظر له ولم تبعد يدها وقالت "لا"
قاومت الدموع ولكنه نهض دون أن يترك يدها حتى وقف أمامها ورفع وجهها له بطرف يده بعد أن ترك سيجارته فرفعت عيونها له وهو يقابلها بعيون ناعسة وقال "كاذبة مولوكيلا"
أخفضت نظراتها فعاد وقال "لم تطالبي بقبلتك المسائية"
ظلت صامتة فرفع يده لوجنتها وداعبها وقال "هل تناولت دوائك؟"
هزت رأسها بالإيجاب فلم يبعد يده وهو يقول "هل يمكنك السفر؟"
رفعت عيونها له فوجدته ما زال ينتظر نظراتها وقالت "أي سفر؟"
قال "العزبة"
ظلت تنظر له ثم ابتعدت من أمامه فقال "ملاك أنا أتحدث معك"
توقفت أمام النافذة وقالت "تعلم أني سأفعل أي شيء تريده"
تحرك تجاهها ووقف أمامها وقال "كنت بحاجة للوقت"
نظرت له فأكمل "أنت تدفعين بجنون ملاك وأنا قاومت جنونك بشكل لا أعرف كيف فعلته"
قالت بدون تردد "ليس جنون يوسف، لا يمكن أن أفر من أمامك بكل لحظات غضبك لابد أن أكون معك بكل أوقاتك بكل أشكالها، أنا لست أي أحد أنا زوجتك"
رفع يديه وأحاط ذراعيها بيديه وقال بهدوء "وتخاطرين بمواجهة جنوني"
قالت "لابد أن أفعل"
قال "وتدفعيني لأن أتوقف وأستعيد هدوئي؟ تجازفين كثيرا ملاك وأنا لا يمكنني أن أتماسك وقت جنوني"
قالت "ولكنك فعلت"
قال "كلمات نعم ولكن أفعال؟ لقد أثرت غضبك مولوكيلا لدرجة أنك لم تمنحيني قبلتي حتى الآن"
أخفضت وجهها وقالت "ظننت أنك غاضب بسبب أحمد"
رفع يده لوجنتها وقال "اليوم نعم لأني أردتك لي وحدك لا أن يشاركني بك هو"
رفعت عيونها له وقالت "هو ابنك يوسف"
لم يبعد يده وقال "اليوم لا أريد أحد يشاركني إياك ملاك حتى ولو كان ابني"
لم تفكر وهي تجيب "وأنا لك يوسف"
فجذب وجهها له وانحنى ليأخذ قبلتها بقوة ولم تمانع وهو يأخذها بحنان ورقة وكأنه يعتذر منها لغضبه ويطلب منها السماح وهمس بأذنها "لا أريد نظرة الحزن تلك بعيونك مرة أخرى ملاك"
أحاطت عنقه بذراعيها وداعبت شعره بأصابعها وقالت "حزني من أجلك يوسف فلا أتحمل غضبك مني"
قبلها برقة وقال "غضبي مما كان مولوكيلا وليس منك"
ابتسمت فعاد لأحضانها وأكملا ليلتهم بسعادة دون ذكر للماضي وكأنه يريد أن يستمد منها القوة لمواجهة الغد وهو ذاهب لمواجهة الماضي بألمه وحزنه ولكن وهي معه..
الفصل السادس عشر
واندثر الماضي
بالصباح أيقظته برقة وقد تأخر بالنوم فاعتدل وقال "كم الساعة ملاك؟"
قالت "العاشرة أيها الكسول، مكتبك اتصل مرتين"
قبلها ونهض جالسا وهي تمنحه الهاتف وقالت "متى سنذهب؟"
عبث بالهاتف وهو يبحث عن السجائر وقال "وقت ما تشائين، استعدي وأخبريني"
هزت رأسها وتركته للهاتف وعادت كي تعد أحمد ثم أخبرتها زينب بالإفطار فعادت لغرفتهم فوجدته قد ارتدى ملابس خفيفة فقالت "هل نتناول الإفطار؟"
تحرك تجاهها وقال "بالتأكيد هل انتهيت من كل شيء؟ هناك مربية ستأتي معنا من أجل أحمد"
نظرت له بدهشة فداعب وجنتها وقال "أحب أن تكون زوجتي لي وأنا في أجازه، هل ننزل؟"
ابتسمت له ونزلا لتناول الإفطار وسرعان ما وصلت المربية وتحركت بهم السيارات وما أن ركبت بجواره حتى قالت "متى سنعود؟"
قال بهدوء "يوم أو اثنين بمجرد أن تنتهي المشكلة، فكرت ببيع العزبة"
حدقت به بعيون فزعة فأبعد نظراته وقال "المحامين لا يرجحون الأمر"
قالت "لا تفعل يوسف انتظر حتى تنتهي المشكلة وبعدها فكر"
نظر لها وقال "تقصدين أنتظر حتى أواجه أحزاني أولا ثم أقرر بعدها، لا تدعين الذكاء علي زوجتي الجميلة"
قالت بصدق "لا أفعل يوسف فقط لا أريد إثارة غضبك"
هز رأسه وقال "أعلم، لقد بدأت البناء بالفندق الجديد"
ابتسمت وقالت "حقا؟ هذا خبر رائع مبروك"
تأملها وقال "لم تفكري أن تذهبي لفندقنا بشرم"
تراجعت وقالت "لا أذكر أنك أخبرتني به"
قال "كان فكرة أبي وأنا لم أراه إلا يوم شراؤه، أكيد سنذهب بيوم ما رأيك؟"
وضعت يدها بذراعه وقالت "كما تشاء كل ما يناسبك يناسبني"
أمسك بيدها وقال "يناسبني وجود هذه الابتسامة على وجهك للأبد ملاك"
وضعت رأسها على ذراعه وقالت "ستكون طالما أنت معي يوسف"
قبل يدها وقال "طالما على قيد الحياة فلن يبعدني عنك شيء ملاك"
لم تتبدل العزبة عن آخر مرة كانت بها لكنها لاحظت تبدل ملامحه بمجرد أن دخلت السيارة حدود العزبة وقد ضاع منها ببحر الذكريات وكأنه يستعيد كل ما كان منذ واحد وعشرين عاما أو أكثر وإن اختلف الكثير بالمكان ولكنه ما زال يذكر مرحه هنا وهناك مع حياة، أو عندما كان يصحبه والده بجولة بالأرض أو تناول الطعام الفلاحي مع أهل العزبة بجو من البساطة والجمال وتوترت ملامحه أكثر عندما دخلت السيارة أسوار الفيلا وتوقفت أمام أبوابها وتصلبت كل أجزاء جسده وهو يرى السيارة التي ركبتها أمه بذلك اليوم وهي تلقي بحقائبها بها دون اهتمام بهم ولا بصراخ حياة ولا رجاؤه لها بالبقاء..
"يوسف لقد وصلنا"
انتبه لصوت زوجته والتفت لها ليجد ابتسامتها تخبره أنها معه فقال "نعم هيا"
نزل وتبعته وهو يساعدها وأسرعت المرأة العجوز للقائهم بسعادة ومدت هي يدها لتمسك بيده فنظر لها ولكنها لم تفعل وهي تحدث العجوز قائلة "كيف حالكم جميعا؟"
قالت المرأة "بخير سيدتي ألف مبروك سيدي الصغير، أهلا سيدي يوسف عاش من رآك"
تحرك للداخل بعد أن حرر يده من يدها وقال "شكرا أم سعد، هل ترسلي لمسعد بأني أريد رؤيته"
وافقت المرأة وهي تداعب الصغير وتحرك هو إلى جانب بعيد وتركته هي دون أن تتبعه فقط نظراتها هي ما تبعه وهي تقول "أم سعد أرشدي سهيلة لغرفة أحمد هل أعددتها له؟"
قالت المرأة "نعم سيدتي منذ عرفت بمجيئكم وفعلت، هل أعد الغداء"
قالت "لا بالثالثة من فضلك"
تحركت وقالت "سهيلة اذهبي معها وبدلي له ملابسه فقد أطعمته بالسيارة ثم انزلي به للشمس فهي هنا رائعة"
أجابت المرأة "حاضر مدام"
ذهب الجميع فالتفتت لتراه واقفا أمام نافذة كبيرة، نفس النافذة التي كان يجلس أمامها والده عندما أتت معه هنا، عرفت من والد أحمد أن تلك النافذة هي التي وقف بها الجميع يشاهدون الأم وهي تذهب بالسيارة دون أن تنظر خلفها، لم تعرف هل تشاركه لحظته أم تتركه ولكن بالنهاية قررت تركه مع ذكرياته وحده وهو بالفعل أراد أن يكون وحده وهو يذكر قسوة تلك الأم التي ألقت كل شيء وراء ظهرها وباعت أولادها من أجل قلبها وحبها ولم تحاول حتى أن تبحث عنهم مرة أخرى، مرت الذكريات بهدوء عليه ولم يتألم كثيرا كما كان يظن ولم يفكر كثيرا بما فات وانتهت الذكريات بمجرد أن استعادها الآن ووجد نفسه يبحث عن من ملأت حياته بالسعادة فالتفت ليجدها تصعد السلم فقال
"إلى أين؟"
التفتت له بدهشة وهو يتقدم تجاهها فقالت "ظننت"
ولم تكمل وهو يمد يده لها فنزلت واتجهت لتمنحه يدها وعيونه تتملك عيونها حتى وقفت أمامه فقال "أني بحاجة لأن أكون وحدي؟"
هزت رأسها فقال "لست بحاجة لذلك، تعالي هناك مكان أريدك أن تشاهديه"
أحاطها بذراعه وجذبها إلى الخارج وتحركت معه بسعادة وهو يجذبها إلى خلف الفيلا حيث رأت بيت صغير رأته بالمرة السابقة ولكنها لم تهتم، جذبها من يدها وقال "هذا بيت قديم بناه بابا مخصوص من أجل حياة"
كان كبيوت الأطفال كل شيء به صغير ولا يصلح إلا للأطفال، ابتسمت وقالت "إنه رائع كلعب الأطفال، هل تعلم أني لم أحصل إلا على أرنب صغير فقط كلعبة بطفولتي و"
وقطعت كلماتها وهي تتأمل البيت الذي ظلله التراب ولكنه أوقفها وقال "وماذا؟"
نظرت له وقالت "لا شيء، هل تطلب منهم تنظيفه؟ أحمد سيعجبه جدا عندما يكبر"
عاد يقول "ماذا حدث للعبتك الصغيرة"
احمر وجهها للذكرى وقالت "تشاجر حمزة مع أمي بسببه بمرة وقد أراد الحصول عليه بعد أن دمر خاصته وعندما رفضت ماما قام بتمزيق أرنبي"
جز على أسنانه من الغضب من ذلك الشخص الذي كان كتلة من الأنانية والحقد والقسوة، قال "وأولادنا الخمسة؟ لن يسعهم هذا البيت"
انتبهت له وألقت بالذكرى بعيدا وقالت "لتبني لهم واحدا آخر أكبر هنا"
كانت تتحرك بالمكان بسعادة فقال "سأفكر بالأمر ولو أنك أنت المهندسة فما رأيك؟"
ضمت يداها أمام صدرها وقالت "هل تمنحني الفرصة؟ سأجعله هو وهذا مدينة صغيرة لأولادنا"
وضع يداه بجيوب بنطلونه وتأمل المكان وقال "هو لك أيتها الصغيرة فافعلي ما تشائين"
ابتسمت بسعادة وانطلقت له وقالت "شكرا يوسف هذا رائع حقا"
وصلت أم سعد لهما وقالت "الحاج مسعد وصل سيدي"
أحاط زوجته بذراعه وقال "أنا قادم"
تركته مع الرجل وخرجت لترى أحمد مع سهيلة ثم صعدت لاستبدال ملابسها وعادت لتنزل فرأته يصحب الرجل للباب ويقول "حسنا سأقابلهم عندك بالسابعة يا حاج"
انتبه الرجل لها فقال "أهلا يا ابنتي كيف حالك؟"
تحركت لهما بابتسامة هادئة ووقفت بجوار زوجها وقالت "بخير يا عم مسعد كيف حالك أنت وزوجتك وأولادك؟"
ابتسم الرجل وقال "بخير يا هانم، ألف مبروك وصول أحمد الصغير وإن شاء الله نبارك بوصول إخوته"
هزت رأسها وأجابت "شكرا لك"
تحرك الرجل للخارج فالتفتت له وقالت "هل تتناول غداءك أم تستبدل ملابسك أولا؟"
أمسكها من يدها وقال "ألا أرتاح قليلا قبل أي شيء؟"
وجذبها للأعلى وهي تضحك وتتبعه بسعادة غمرتهم طوال الأيام التالية وبدأت هي بتصميم للبيت الجديد الذي أرادته ولكن هذا لم يمنعها من التمتع معه بالمكان وقد أخذها لكل مكان رائع بالعزبة وخرج عن يوسف رجل الأعمال للزوج المحب والأب الحنون وخيمت السعادة على الأسرة الصغيرة
عاد من لقاء الرجال الذين قابلهم للمرة الثانية ووجدها تنتظره بغرفتهم وقد تأخر الوقت، نهضت واقفة وهو يتجه لها ويمنحها قبلته فقالت "تأخرت"
لم يبتعد وهو يتأملها بشعرها المفرود بعناية وروبها القصير الأخضر فلم يبتعد وقال "أردت الانتهاء من الأمر قبل أن نعود"
ذهبت ابتسامتها وقالت "نعود؟"
مرر يده بشعرها وقال "كيف تزدادين جمالا هكذا؟ وكأني بكل يوم أراك لأول مرة، هذا اللون جديد؟"
جذبها له وطبع قبلة على عنقها وهو يفك روبها فلم تعيد تساؤلها وقالت "نعم"
أبعدها ليرى القميص فلمعت عيونه وقال "تسكريني بجمالك ملاك يثير بي رغبات لا حدود لها، معك لا أعرف نفسي"
وجذبها له ليمتع نفسه بها دون حدود وتمتعت معه فهنا هو لها وحدها لا عمل ولا اجتماعات ولا إرهاق ولا أي شيء سوى هما الاثنان وأحمد بينهم..
لم ينم بعد أن انتهى وإنما ضمها له وقال "أرى أنك لا تريدين العودة"
أراحت رأسها على صدره وقالت "نعم ولكني سأفعل من أجلك أعلم أن العمل لا ينتظر"
رفع رأسها إليه وقال "تعجبك العزبة؟"
قالت بصدق "يعجبني أنك لي وحدي"
ظل ينظر بعيونها ثم قال "تجيدين الحديث ملاك"
رن هاتفه فقال "أنتظر مكالمة بالفعل ملاك"
تركته لينهض ويرتدي بنطلونه وأخذ الهاتف وأجاب بينما نهضت هي للحمام وعندما خرجت كان ما زال يتحدث فمشطت شعرها قبل أن ينتهي ويقول "آسف عزيزتي ولكن لابد أن نعود بالصباح"
نظرت له بالمرآة وقالت "كما تشاء، متى سأبدأ بالبيت الصغير؟"
أخذ ملابس ودخل الحمام وهو يقول "سأفكر بذلك، هل تطلبين لي طعام؟"
بالظهيرة وصلا الفيلا بالقاهرة ونزل وهو يقول "سأتأخر اليوم ملاك لا تنتظريني"
ابتسمت فقبلها بوجنتها وعاد للسيارة التي تحركت به وتبعته حتى خرج من البوابة فعادت للبيت وقد اكتسبت سعادة جديدة وطاقة إيجابية من تلك الاجازة
لم تراه بالليل وعندما استيقظت بالصباح كان قد ارتدى ملابسه فاعتدلت وقالت "إلى أين؟"
قال دون أن ينظر لها "المكتب ملاك، لدينا حفل الليلة سأعود على السادسة"
التفت لها وهي تبعد شعرها فاتجه لها وطبع قبلة على شفتيها وقال "سأرسل لك فستان أعجبني فهل ترتديه من أجلي؟"
هزت رأسها وهي لا تفهم تصرفاته وانشغاله فتحرك للخارج دون أي كلمات أخرى وحاولت ألا تجعل الضيق يتملكها، بالعصر وصل الفستان الأخضر الستان وقد كان حقا رائع بطوله الذي التف على جسدها وتماسك على كتف واحد وترك الآخر مظهرا جمال بشرتها وتماسكت قطعة كبيرة على شكل فراشة كبيرة على الصدر انبهرت حقا من جماله وانتقت لشعرها شكل رائع من أحد مجلات الموضة واستطاعت أن تنفذها بصعوبة ووضعت بعض الماكياج برقة جعلتها تبدو ساحرة لأي عين تراها
رأته يدخل فالتفتت له وقالت "لم أشعر بالسيارة"
تحرك حتى وقف أمامها ومد يده لها فوضعت يدها فجذبها لتقف أمامه وعيونه تلمع بلون رمادي مائل للأزرق وقال "أسامحك من أجل هذا الجمال، أنت ساحرة مولوكيلا"
وطبع قبلة على وجنتها فقالت "ذوقك هو الساحر يوسف الفستان رائع"
ابتعد ليبدل ملابسه وقال "وهذا القوام ألا يعني لك شيء؟"
ابتسمت وهو يدخل الحمام ويكمل "أو هذا الوجه الفاتن ماذا عنه؟"
دقات قلبها تعلن عن سعادتها بهذا الرجل الذي يملأ حياتها بسعادة لا حدود لها
الفندق استقبلهم باهتمام واضح وأوقفهم المسؤول أمام باب القاعة وقال "سيد يوسف هناك من يريد لقائك قبل الحفل"
نظر له باهتمام وشعرت هي بالقلق فانحنى عليها وقال "عزيزتي هل تنتظريني قليلا ولو تأخرت فسأرسل لك لتتبعيني لأعلى"
اندهشت من تصرفه فهو لم يتركها مرة بمفردها بأي مكان حتى ولو للحمام فما الذي حدث اليوم، هزت رأسها وهو يرحل مبتعدا وخلا المكان من حولها ولم تجد سوى حقيبتها الصغيرة لتضغط عليها بأصابعها الطويلة حتى شعرت بألم بهم
مر الوقت بطيئا عندما رأت المسؤول يتحرك لها وهو يقول "سيد يوسف يطلب حضرتك مدام فهل تصحبيني من فضلك؟"
هزت رأسها وتحركت خلفه ليأخذها لسلالم فصعدت معه وقد تملكها القلق حتى وصلا لمكان غريب تأملته فقال "انتظريه هنا من فضلك"
تحرك بعيدا للحائط الجانبي وضغط زر لا يكاد يظهر فتفاجأت بأعمدة مزدانة بالزهور تنزل من الأعلى لتحيطها كدائرة فالتفتت حول نفسها فقال الرجل "اهدئي مدام"
قالت "ماذا يحدث؟ هل تشرح لي"
أصبحت الأعمدة كقفص العصفور رائع الجمال وقال الرجل "هل تمسكين بالعمود جيدا سيدتي"
لم تفهمه ولكنها تبعت كلماته قبل أن تعترض لأن الأرض تحركت بها فجأة وكادت تصرخ والقفص ينزل لأسفل وابتسامة الرجل تتبعها ودقات قلبها تكاد تؤلمها وسرعان ما رأت وورود كثيرة تتساقط من حولها وموسيقى رومانسية تصدع من مكان ما وتصفيق يملأ أذنيها فنظرت للأسفل لترى أشخاص كثيرة من حولها يصفقون لها ويبتسمون حتى وصل القفص للأرض لتنظر أمامها فتراه واقفا ينتظرها وقد امتلأت بالخوف ولكنه ذهب برؤيته وهو يتقدم ليأخذ يدها ويقبلها ويقول
"عيد ميلاد سعيد مولوكيلا"
الدموع هي التي أجابته مختلطة بالابتسامة ثم وجدت نفسها تندفع لأحضانه وقد ضم ذراعيه عليها بقوة وسط تصفيق الجميع حتى هدأت فأبعدها وموسيقى عيد الميلاد تعزف من حولها فمسحت دموعها وهي تقول "هذا كثير يوسف، كثير جدا"
نظر لها بحنان وقال "لا شيء كثير عليك عزيزتي"
أخرجها من القفص وتحرك بها وسط الجميع إلى كعكة عيد الميلاد التي كانت من خمس أدوار بنهايتها عيد ميلاد سعيد زوجتي الحبيبة، ابتسمت وهي تقطع الكعكة معه بسعادة وسط الحاضرين حتى انتهت فالتفت لها ومنحه المسؤول علبة سوداء وفتحها لترى عقد ماسي رائع أخذ الألباب من حولها وهو يخرجه ويمنح المسؤول العلبة ويضع العقد حول عنقها ويقول "لك هدية أخرى بالبيت فاتنتي"
ابتسمت له بسعادة وهو يضع قبلة على وجنتها وتبعه تهنئة الجميع ومنهم المحافظ وزوجته والكثيرين ممن عرفتهم مؤخرا وهو يحيطها بذراعه ثم بدأت فقرات الحفل الرائع واستمتعت معه بكل لحظة والسعادة تملأ عيونها حتى ضمها له برقصة هادئة فقالت "أنت كثير علي"
قربها منه وقال "طولا أم عرضا؟"
ضحكت وقالت "كف عن ذلك حقا يوسف كل هذا كثير"
قال بصدق "سنتحاسب فيما بعد، يمكنك تحمل نصف التكاليف"
ضحكت مرة أخرى وقالت "لم أعتاد عليك هكذا"
لم يفارق عيونها وهو يتمنى أن يخبرها أنها سبب تغييره ولكنه قال "وأيهما أفضل؟"
تراجعت وقالت "هل تمزح؟ المرح طبعا فهو يمنحنا القوة لمواجهة الصعوبات"
قال بصدق "اعتدت على أن الجمود هو القوة في مواجهة أي شيء حتى نسيت كيف يكون المرح، قناع التصق بوجهي ولم أحاول أن انتزعه"
قالت بحنان "حتى أصبح جزء منك، أنت لا تبتسم يوسف هل تعرف ذلك؟"
هز رأسه وهو يبعد وجهه بعيدا وقال "نعم أعلم، منذ رحيلها مرنت وجهي كثيرا على الجمود حتى أصبح لا يعرف سواه لكن معك كل شيء اختلف"
تركت يده ورفعت يداها الاثنان لعنقه فأحاطها بذراعيه وهي تقول "ولكنك أيضا لم تبتسم"
قال "أحاول ملاك، هل تظنين أن ما اعتدته في واحد وعشرين عاما من السهل تغييره بأيام"
تظاهرت أنها تفكر وهي تداعب مؤخرة رأسه ثم قالت "أيام؟ هل أنا بحياتك منذ عدة أيام؟ أعتقد أنها تقريبا عاما وثلاثة أشهر أليس كذلك؟ أم أنك لا تجيد الحساب؟"
انفرجت شفتاه عن ابتسامة صغيرة وقال "بل أجيد الحساب بالتأكيد فأنا تخرجت كمحاسب مولوكيلا ولكن وجودك الحقيقي بحياتي منذ تلك الذبحة التي أصابتك وقتها فقط عرفت أن الحياة اختلفت بوجودك وأني لم أعرف السعادة إلا معك لذا أحسب التغيير منذ ذلك الوقت، ما عداه كان حزن وألم وشك وكلانا نساه ولا يريد أن يحسبه من عمره، هل أنا على حق زوجتي الجميلة؟"
ابتسمت وقالت "نعم، أنت على حق منذ وقتها والحياة أصبحت أجمل متى ستعيدها؟"
تراجع وقال بدون فهم "أعيد ماذا؟"
قالت "تلك الابتسامة الصغيرة التي فرت من بين شفتيك منذ قليل؟ بدوت وسيما جدا وأنت تبتسم أيها الفاتن؟"
ابتسم أخيرا وضغط بيداه على خصرها وهو يقربها منه وقال "أنت لا تستسلمين جميلتي نعم أبتسم فقط من أجلك"
كانت الليلة رائعة حقا والسعادة تغمرها ووجوده بجوارها كان الحياة بالنسبة لها، عادوا للبيت بوقت متأخر واستأذن لمكتبه واتجهت هي لغرفة أحمد ثم عادت لغرفتهم لتصرخ من المفاجأة عندما رأت ألعاب كثيرة على الفراش أهمها أرنب رائع أسرعت إليه واحتضنته بسعادة وقد أدركت أنه لم ينسى ذكرياتها الطفولية مما زادها حبا وتعلقا بذلك الرجل
فتح الباب فتركت الألعاب التي كانت تجلس بينها واندفعت إليه بسعادة الأطفال لتحتضنه بقوة جعلته يرتد للخلف قليلا وهو يحيطها بذراعيه وهي تهتف "أنت رائع زوجي الوسيم"
أحكم ذراعيه عليها مستمتعا بسعادتها وقال "هذا يعني أنها أعجبتك!؟"
ابتعدت دون أن تبعد ذراعيها عنه وعيونها تتلألأ من السعادة وهتفت "أنت تسأل يوسف!؟ بالطبع إنها رائعة لم أحلم بمثلها بأي يوم، أنت استدركتني لتعرف ما أحب"
قبلها برقة ولم يبتعد وهو يقول "كلك أسرار مولوكيلا وأنا مفتون بها وسأعرفها على مدار عمرنا فأنا سأبقيك معي لآخر العمر"
داعبت شعره بأصابعها وهي تقول "وهل لديك شك بأني سألتصق بك ما تبقى لي من عمر، أنا رابضة على صدرك"
ابتسم مرة أخرى شاعرا بالراحة وهمس وهو يقترب بأنفاسه منها وهمس "سأعتبر هذا وعد"
هزت رأسها وهو يحتويها بقبلته التي تطير بهما لعالم الخيال والأحلام وهناك كلاهم ينسى الدنيا بأحزانها وذكرياتها ولا يذكرون إلا سعادتهم لتبقيهم بالحياة بأفضل حال..
عندما نزل بالصباح كانت تساعد زينب بإعداد المائدة دخل وقال "صباح الخير"
نظرت له بابتسامة مشرقة وأجابت هي وزينب "صباح النور"
جلس على رأس المائدة فجلست بجواره وقالت "تأخرت اليوم؟"
قال "لدي موعد خارج المكتب سأنتهي منه أولا"
نظرت له وقالت "موعد!؟"
نظر لها وقرأ عيونها فقال "لا تنظري لي هكذا"
قالت بجدية "ماذا؟"
عاد للطعام وقال "الغيرة تؤلم زوجتي وأنا عاهدتك ألا أكون سبب بألمك بأي يوم فهل تهدئي؟"
احمر وجهها لأنه قرأ ما بعقلها فأبعدت عيونها وقالت "لست معتاد على مواعيد خارجية"
قال وهو يتناول الشاي مع السيجارة "لا مولوكيلا أنا أفعل لكني لم أخبرك من قبل"
ثم نهض فنهضت ولكن قبل أن يتحدثان سمعا سيارات تدخل الممر ولحظات ودخلت زينب مسرعة بذعر وهي تهتف "سيد يوسف بسرعة، الشرطة بالخارج تسأل عنك"
تحرك إلى الخارج باهتمام وتبعته هي دون تردد والخوف يجتاحها كالطوفان وهي ترى رجال الشرطة تقف أمام باب الفيلا وأحدهم يتقدم ليواجه يوسف الذي قال "يوسف السمنودي، بماذا أخدمك؟"
قال الضابط "آسف سيد يوسف ولكن حضرتك لابد أن تأتي معي"
تراجعت هي بجواره بينما ضاقت عيونه وقال "هل تخبرني لماذا؟"
نظر الضابط لها ثم عاد له وقال "من الواضح أن حضرتك لم تطلع على الأخبار اليوم، مدام زينة قتلت بالأمس وتم العثور على جثمانها بشقتها"
شهقت ملاك بفزع ووضعت يداها على فمها بينما قال هو "وما علاقتي بالأمر؟"
قال الضابط بثبات "لدي إذن من النيابة بإحضارك سيد يوسف فحضرتك ضمن المتهمين بقتلها"
هتفت هي بذعر "لا، هل جننت؟ زوجي ليس بقاتل"
نظر لها وقال "هل تهدئين؟ هل يمكنني رؤية الإذن؟"
بالفعل أخرج الضابط ورقة من جيبه قرأها يوسف وعادت ملامحه الجامدة تزين وجهه وهو يقول "تمام"
كاد يتحرك عندما أمسكته هي بقوة وصرخت به "تمام ماذا؟ إلى أين يوسف؟ أنت لن تذهب لأي مكان أنت لست قاتل يوسف لن تتركني"
أحاطها بيديه من ذراعيها وقال "اهدي ملاك، سأذهب لأعرف ماذا حدث وأكيد سأعود فأنا لم أقتل أحد وبالتأكيد الحقيقة ستتضح فقط لابد أن أذهب"
ولكنها تشبثت به بقوة والدموع تنفجر من عيونها وهي تكمل بهلع واضح "لا، لن تذهب لن تتركني يوسف، لن تذهب لأي مكان"
ضمها له ربما تهدأ ثم أبعدها وهو ينظر لزينب ويقول "لابد أن أذهب ملاك تعلمين أني لست جبان ولا أهرب من شيء خاصة وأني بريء منه"
ثم عاد ينظر لزينب التي تحركت لتأخذها من بين ذراعيه وهو يخلصها منه وهي تصرخ باسمه وزينب تمسكها وهو يتحرك وسط رجال الشرطة إلى الخارج وما زالت تصرخ حتى تألم قلبها وضاقت أنفاسها وسقطت باللاوعي